أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 48 - صـ 1170

جلسة 2 من نوفمبر سنة 1997

برئاسة السيد المستشار/ طلعت الأكيابي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ حسن عشيش وبدر الدين السيد ومحمد شعبان باشا نواب رئيس المحكمة وعادل الكناني.

(176)
الطعن رقم 19925 لسنة 65 القضائية

(1) قتل عمد "نية القتل". قصد جنائي. حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". جريمة "أركانها".
القصد الخاص في القتل العمد هو قصد إزهاق روح المجني عليه. وجوب تحدث حكم الإدانة عن هذا الركن استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه.
اقتصار الحكم على الحديث على الفعل المادي الذي قارفه كل من الطاعنين بإطلاق كل متهم النار على خصمه قاصداً إزهاق روحه لا يكفي لثبوت نية القتل. علة ذلك؟
إزهاق الروح هو القصد الخاص المطلوب استظهاره بإيراد الأدلة والمظاهر الخارجية التي رأت المحكمة أنها تدل عليه وتكشف عنه.
(2) ارتباط. عقوبة "العقوبة المبررة". نقض "المصلحة في الطعن". قتل عمد. سلاح.
لا محل لتطبيق نظرية العقوبة المبررة وبعدم الجدوى في الطعن في الحكم باعتبار أن العقوبة المقضى بها مقررة قانوناً لإحدى الجرائم التي دين بها الطاعنين. ما دامت المنازعة في الواقعة بأكملها التي اعتنقها الحكم. علة ذلك؟
(3) عقوبة "العقوبة المبررة". ظروف مخففة. شروع.
التزام المحكمة الحد الأدنى لعقوبة جناية الشروع في القتل رغم استعمالها المادة 17 من قانون العقوبات لا يعتبر عقوبة مبررة لتهمة إحراز سلاح ناري وذخائر. أساس ذلك؟
(4) قتل عمد. شروع. ارتباط. عقوبة "توقيعها". ظروف مخففة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير العقوبة".
العقوبة المقررة لجريمة الشروع في القتل وفق نص المادتين 46، 234/ 1 عقوبات هي الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن.
إجازة المادة 17 عقوبات النزول بعقوبة السجن إلى عقوبة الحبس الذي لا يجوز أن ينقص عن ثلاثة أشهر.
إفصاح المحكمة عن أخذها المتهم بالرأفة ومعاملته طبقاً للمادة 17 عقوبات. وجوب ألا توقع العقوبة إلا مع الأساس الوارد بها. علة ذلك؟
(5) قتل عمد. شروع. عقوبة "توقيعها". ظروف مخففة. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير العقوبة". نقض "حالات الطعن. الخطأ في القانون".
معاملة الطاعن بإحدى العقوبتين التخييرتين للجريمة التي دين بها رغم إفصاح المحكمة عن معاملته بالمادة 17 عقوبات. خطأ في القانون.
(6) نقض "حالات الطعن. الخطأ في تطبيق القانون".
العيب الذي لم يقتصر على الخطأ في القانون بل يتعداه إلى القصور في التسبيب. يوجب نقضه.
1 - لما كانت جناية القتل العمد والشروع فيه تتميز قانوناً عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه، وكان هذا القصد ذا طابع خاص يختلف عن القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون في سائر تلك الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه، فإن الحكم الذي يقضي بإدانة متهم في هذه الجناية يجب أن يعني بالتحدث عن هذا الركن استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه، ولما كان ما أورده الحكم لا يفيد سوى الحديث عن الفعل المادي الذي قارفه كل من الطاعنين وهو خروجه من بيته يحمل سلاحاً نارياً مناسباً وإطلاقه النار على خصمه، دون أن يكشف الحكم عن قيام نية القتل بنفس أي من الطاعنين، ولا يغير من ذلك ما قاله الحكم من أن الإطلاق كان بقصد إزهاق روح الخصم، إذ أن قصد إزهاق الروح إنما هو القصد الخاص المطلوب استظهاره بإيراد الأدلة والمظاهر الخارجية التي رأت المحكمة أنها تدل عليه وتكشف عنه، فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوباً بالقصور.
2 - لما كان لا محل لتطبيق نظرية العقوبة المبررة والقول بعدم الجدوى من الطعن على اعتبار أن الطاعنين الأول والثاني دينا بجريمة إحراز أسلحة نارية مششخنة وذخيرتها بغير ترخيص وأن العقوبة المقضى بها على كل منهما مقررة قانوناً لهذه الجريمة، ولا محل لذلك لأن الطاعنين ينازعان في طعنهما في الواقعة - التي اعتنقها الحكم - بأكملها سواء فيما يتعلق بتواجدهما بمكان الحادث حاملين سلاحيهما أو فيمن أطلق النار على المجني عليه الأول، وإذ كان مؤدى الطعن على هذا النحو متصلاً بتقدير الواقع، فإنه يتعين استظهار الواقعة برمتها وتقدير العقوبة على ضوئها.
3 - من المقرر أنه لا محل لتطبيق نظرية العقوبة المبررة والقول بعدم الجدوى من الطعن على اعتبار أن العقوبة المقضى بها عليه وهي السجن ثلاث سنوات مبررة في القانون حتى مع عدم توافر هذا القصد، ذلك لأن الواضح من الحكم أن المحكمة مع استعمال الرأفة عملاً بالمادة 17 من قانون العقوبات قد التزمت الحد الأدنى لجناية الشروع في القتل العمد، وهو ما يشعر بأنها إنما وقفت عند حد التخفيف الذي وقفت عنده ولم تستطع النزول إلى أدنى مما نزلت مقيدة بهذا الحد الأمر الذي يحتمل معه أنها كانت تنزل بالعقوبة عما حكمت به لولا هذا القيد القانوني.
4 - لما كانت العقوبة المقررة لجريمة الشروع في القتل العمد هي الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن طبقاً للمادتين 46، 234/ 1 من قانون العقوبات، وكانت المادة 17 من القانون آنف الذكر - التي أعملها الحكم في حق الطاعن الثالث تبيح النزول بعقوبة السجن إلى عقوبة الحبس الذي لا يجوز أن تنقص مدته عن ثلاثة شهور، وأنه وإن كان هذا النص يجعل النزول بالعقوبة المقررة للجريمة إلى العقوبة التي أباح النزول إليها جوازياً، إلا أنه يتعين على المحكمة، إذا ما رأت أخذ المتهم بالرأفة ومعاملته طبقاً للمادة 17 المشار إليها ألا توقع العقوبة على الأساس الوارد في هذه المادة باعتبار أنها حلت بنص القانون محل العقوبة المنصوص عليها فيه للجريمة محل الاتهام.
5 - لما كان الحكم قد أفصح عن معاملة الطاعن الثالث طبقاً للمادة 17 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات، وهي إحدى العقوبتين التخييرتين المقررتين لجريمة الشروع في القتل العمد التي دين الطاعن بها طبقاً للمادتين 46، 234/ 1 من قانون العقوبات، فإنه يكون قد خالف القانون، إذ كان عليه أن ينزل بعقوبة السجن إلى عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.
6 - لما كان العيب الذي شاب الحكم له يقتصر على الخطأ في تطبيق القانون بل تعداه إلى القصور في التسبيب الذي يتصل بالطاعنين جميعاً فإنه يتعين نقض الحكم.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وأخريين قضى ببراءتهما بوصف أنهم المتهمان الأول والثاني: (1) قتلا.... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية وعقدا العزم على قتله وأعدا لهذا الغرض سلاحين ناريين وترصدا في المكان الذي أيقنا سلفاً مروره فيه وما أن ظفرا به حتى أطلقا عليه عدة أعيرة نارية قاصدين من ذلك قتله فحدثت به الإصابات الموضحة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. (2) أحرز كل منهما بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً "بندقية آلية". (3) أحرز كل منهما ذخائر (عدة طلقات) مما تستعمل على السلاحين الناريين سالفي البيان دون أن يكون أياً منهما مرخصاً له بحيازته أو إحرازه. المتهم الثالث شرع في قتل..... عمداً بأن أطلق عليه عياراً نارياً من مسدسه الأميري قاصداً من ذلك قتله فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الطب الشرعي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج، وأحالتهم إلى محكمة جنايات أسيوط لمحاكمتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة.
وادعى كل من.... و... مدنياً قبل المتهمين الأول والثاني بمبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملاً بالمواد 45/ 1، 46، 234/ 1 عقوبات والمواد 1/ 1، 6، 26/ 2 - 5 من القانون رقم 394 لسنة 54 المعدل والبند (ب) من القسم الأول من الجدول رقم "3" المرفق مع تطبيق المادتين 17، 32 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من الأول والثاني بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة خمسة عشر عاماً والثالث بالسجن مدة ثلاث سنوات وفي الدعوى المدنية بإلزام المتهمين الأول والثاني بأن يؤديا للمدعيين بالحق المدني مبلغ خمسمائة وواحد جنيه على سبيل التعويض المؤقت.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان أولهما وثانيهما بجرائم القتل العمد وإحراز أسلحة نارية مششخنة وذخيرتها بغير ترخيص، ودان الثالث بجريمة الشروع في القتل العمد، قد شابه القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال. ذلك بأن ما أورده الحكم بياناً لنية القتل لا يكفي لاستظهارها والاستدلال على توافرها في حق الطاعنين جميعاً. مما يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وأدلتها تحدث عن نية القتل في قوله: "ومن حيث إنه عن نية القتل فهي متوافرة في حق الطرفين فقد خرج كلاهما من بيته يحمل سلاحاً نارياً مناسباً بقصد إزهاق روح الطرف الآخر، فلما التقيا أطلق كل منهما على الخصم بقصد قتله فقد فجرت أحداث اليوم السابق ما بينهما من ضغائن وأحقاد فتدبرا الأمر وأعدا له عدته فكان عزمهما على القتل انتصاراً للنفس وانتقاماً من الخصم". لما كان ذلك، وكانت جناية القتل العمد والشروع فيه تتميز قانوناً عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه، وكان هذا القصد ذا طابع خاص يختلف عن القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون في سائر تلك الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه، فإن الحكم الذي يقضي بإدانة متهم في هذه الجناية يجب أن يعني بالتحدث عن هذا الركن استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه. ولما كان ما أورده الحكم لا يفيد سوى الحديث عن الفعل المادي الذي قارفه كل من الطاعنين وهو خروجه من بيته يحمل سلاحاً نارياً مناسباً وإطلاقه النار على خصمه، دون أن يكشف الحكم عن قيام نية القتل بنفس أي من الطاعنين، ولا يغير من ذلك ما قاله الحكم من أن الإطلاق كان بقصد إزهاق روح الخصم، إذ أن قصد إزهاق الروح إنما هو القصد الخاص المطلوب استظهاره بإيراد الأدلة والمظاهر الخارجية التي رأت المحكمة أنها تدل عليه وتكشف عنه، فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوباً بالقصور متعيناً نقضه. لما كان ذلك، وكان لا محل - في خصوصية هذه الدعوى - لتطبيق نظرية العقوبة المبررة والقول بعدم الجدوى من الطعن على اعتبار أن الطاعنين الأول والثاني دينا بجريمة إحراز أسلحة نارية مششخنة وذخيرتها بغير ترخيص وأن العقوبة المقضى بها على كل منهما مقررة قانوناً لهذه الجريمة، ولا محل لذلك لأن الطاعنين ينازعان في طعنهما في الواقعة - التي اعتنقها الحكم - بأكملها سواء فيما يتعلق بتواجدهما بمكان الحادث حاملين سلاحيهما أو فيمن أطلق النار على المجني عليه الأول، وإذ كان مؤدى الطعن على هذا النحو متصلاً بتقدير الواقع، فإنه يتعين استظهار الواقعة برمتها وتقدير العقوبة على ضوئها. كما أنه لا محل أيضاً بالنسبة للطاعن الثالث - في خصوصية هذه الدعوى - لتطبيق نظرية العقوبة المبررة والقول بعدم الجدوى من الطعن على اعتبار أن العقوبة المقضى بها عليه وهي السجن ثلاث سنوات مبررة في القانون حتى مع عدم توافر هذا القصد، ذلك لأن الواضح من الحكم أن المحكمة مع استعمال الرأفة عملاً بالمادة 17 من قانون العقوبات قد التزمت الحد الأدنى لجناية الشروع في القتل العمد، وهو ما يشعر بأنها إنما وقفت عند حد التخفيف الذي وقفت عنده ولم تستطع النزول إلى أدنى مما نزلت مقيدة بهذا الحد الأمر الذي يحتمل معه أنها كانت تنزل بالعقوبة عما حكمت به لولا هذا القيد القانوني، هذا فضلاً عن أنه لما كانت العقوبة المقررة لجريمة الشروع في القتل العمد هي الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن طبقاً للمادتين 46، 234/ 1 من قانون العقوبات، وكانت المادة 17 من القانون آنف الذكر - التي أعملها الحكم في حق الطاعن الثالث تبيح النزول بعقوبة السجن إلى عقوبة الحبس الذي لا يجوز أن تنقص مدته عن ثلاثة شهور، وأنه وإن كان هذا النص يجعل النزول بالعقوبة المقررة للجريمة إلى العقوبة التي أباح النزول إليها جوازياً، إلا أنه يتعين على المحكمة، إذا ما رأت أخذ المتهم بالرأفة ومعاملته طبقاً للمادة 17 المشار إليها، ألا توقع العقوبة إلا على الأساس الوارد في هذه المادة باعتبار أنها حلت بنص القانون محل العقوبة المنصوص عليها فيه للجريمة محل الاتهام. وإذ كان ذلك، وكان الحكم قد أفصح عن معاملة الطاعن الثالث طبقاً للمادة 17 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات، وهي إحدى العقوبتين التخييرتين المقررتين لجريمة الشروع في القتل العمد التي دين الطاعن بها طبقاً للمادتين 46، 234/ 1 من قانون العقوبات، فإنه يكون قد خالف القانون، إذ كان عليه أن ينزل بعقوبة السجن إلى عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر. لما كان ما تقدم، وكان العيب الذي شاب الحكم لم يقتصر على الخطأ في تطبيق القانون بل تعداه إلى القصور في التسبيب الذي يتصل بالطاعنين جميعاً فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإعادة، وذلك بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.