أحكام المحكمة الدستورية العليا - الجزء التاسع
من أول يوليو 1998 حتى آخر أغسطس 2001 - صـ 1094

جلسة 7 مارس سنة 1998

برئاسة السيد المستشار الدكتور/ عوض محمد عوض المر - رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين: سامي فرج يوسف والدكتور عبد المجيد فياض وماهر البحيري ومحمد علي سيف الدين وعدلي محمود منصور ومحمد عبد القادر عبد الله، وحضور السيد المستشار الدكتور/ حنفي علي جبالي - رئيس هيئة المفوضين، وحضور السيد/ حمدي أنور صابر - أمين السر.

قاعدة رقم (132)
القضية رقم 54 لسنة 19 قضائية "دستورية"

1 - ضريبة "فريضة مالية - مقدرة تكليفية".
الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها دون نفع خاص يعود عليهم من وراء تحملهم بها - ارتباط فرض الضريبة بالمقدرة التكليفية للممول.
2 - الضريبة العامة "مفهومها".
اعتبار الضريبة عامة إذا كان تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية - مرتباً لدينها في ذمة الممول.
3 - دستورية - ضريبة "أداؤها".
الضريبة الواجب أداؤها قانوناً - إعمالاً للمادتين 61 و91 من الدستور - يلزم أن يتوافر لها قوالبها الشكلية وأسسها الموضوعية وتقوم على العدالة الاجتماعية.
4 - الضريبة العامة "دستوريتها: وظائف الدولة - النفع العام".
تتحدد دستورية الضريبة العامة على ضوء أمرين؛ أولهما: اتصالها بوظائف الدولة الحيوية؛ ومقتضى ذلك: ضرورة ربط الموارد في جملتها بمصارفها تفصيلاً وإحكام الرقابة عليها واعتبار ذلك التزاماً دستورياً يقيد السلطة التشريعية. وثانيهما: أن يكون النفع العام شرطاً أولياً لاقتضاء الدولة ضرائبها ورسومها؛ ومؤدى ذلك: اعتبار المنفعة الجماعية قيداً على إنفاق الدولة لإيراداتها.
5 - ضريبة "أغراض التمويل: تخصيص".
تعتبر أغراض التمويل قيداً على السلطة الضرائبية وحداً دستورياً على ضوابط إنفاق المال العام - يشترط لجواز تحويل الدولة بعض مواردها إلى جهة معينة أن تكون أغراضها متصلة بمصالح المواطنين في مجموعهم وأن يكون دعم هذه الجهة مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها؛ مؤدى ذلك: أن دعم جهة بعينها مالياً لتحقيق أهدافها لا يجوز أن يتم عن طريق فرض الضريبة ابتداءً لصالحها وإنما من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة وفقاً لأحكام الدستور.
6 - ضريبة "تشريع: نص الفقرة (1) من البند (4) من المادة 79 من قانون نقابة المهن العلمية – انعدامه".
الأصل في الضريبة أيلولة مبلغها إلى الخزانة العامة على أساس أن حصيلتها تعتبر إيراداً عاماً - النص المشار إليه فرض الضريبة المقررة بموجبه لصالح هذه النقابة بذاتها لتؤول حصيلتها مباشرة إليها ولا تدخل خزانة الدولة ضمن مواردها؛ اعتبار هذه الضريبة في حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة؛ مؤدى ذلك: قيام تلك الضريبة بدور يخرجها عن مجال وظائفها ومن ثم افتقادها لمقوماتها وانحلالها عدماً.
1 - الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها، إسهاماً من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة. وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، ودون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها، يكون الشخص العام قد بذلها من أجلهم، وعاد عليهم مردودها. ومن ثم كان فرضها مرتبطاً بمقدرتهم التكليفية، ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كن ذلك خلطاً بينها وبين الرسم، إذ يستحق مقابلاً لنشاط خاص أتاه الشخص العام - وعوضاً عن تكلفته - وإن لم يكن بمقدارها. متى كان ذلك، وكان الرسم المفروض بمقتضى قانون نقابة المهن العلمية على إنتاج كل طن من الأسمنت، لا تقابله خدمة فعلية، تكون النقابة قد بذلتها لمن يتحملون بها، فإنه ينحل إلى ضريبة من الناحية القانونية.
2 - الضريبة المشار إليها لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تمتد إليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه الدائرة وحدها، بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد لنطاق الإقليمي للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية - مرتباً لدينها في ذمة الممول، مما مؤداه تكافؤ الممولين في الخضوع لها دون تمييز، وسريانها بالتالي - والقوة ذاتها - كلما توافر مناطها في أية جهة داخل حدودها الإقليمية، وهو ما يعني أنها ضريبة عامة يقوم التماثل فيما بين الممولين بصددها، على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية، وليس بالنظر إلى مقدار الضريبة التي يؤدونها، ذلك أن التعادل بينهم في نطاقها ليس فعلياً، بل جغرافياً.
3 - لما كانت الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون - وعلى ما تدل عليه المادتان 61 و119 من الدستور - هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية والأسس الموضوعية التي لا تقوم إلا بها، وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية التي ينبني عليها النظام الضريبي ضابطاً لها في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور، فإن أصل الحق في الضريبة محل النزاع الماثل، يكون مطروحاً على المحكمة الدستورية العليا بقوة النصوص الدستورية ذاتها، لتقول كلمتها في شأن دستوريتها.
4 - الضريبة العامة يحكمها أمران لا ينفصلان عنها، بل تتحدد دستوريتها على ضوئهما معاً: أولهما: أن الأموال التي تجبيها الدولة من ضرائبها، وثيقة الاتصال بوظائفها الحيوية، وبوجه خاص ما تعلق منها بتأمين مجتمعها، والعمل على تطويره. وقيامها على وظائفها هذه، يقتضيها أن توفر بنفسها - ومن خلال الضريبة وغيرها من الموارد - المصادر اللازمة لتمويل خططها وبرامجها. والرقابة التي تفرضها السلطة التشريعية - بوسائلها - على هذه الموارد ضبطاً لمصارفها، هي الضمان لإنفاذ سياستها المالية التي لا يجنح الاقتصاد معها نحو أعاصير لا تؤمن عواقبها، وبوجه خاص في نطاق العمالة، وضمان استقرار الأسعار، وصون معدل معقول للتنمية، وكذلك حد أدنى لمواجهة أعباء الحياة. وهذه القواعد والضوابط التي تهيمن بها السلطة التشريعية على الإنفاق العام، هي التي يتعين أن تنزل عليها السلطة التنفيذية، فلا تحيد عنها أو تعدل فيها، لضمان ألا يكون هذا الإنفاق إسرافاً أو تبديداً أو إرشاءً أو إغواء، بل أميناً، مقتصداً ورشيداً. وهي بعد قواعد لا يجوز على ضوئها جر مبالغ من الخزانة العامة قبل تخصيصها وفقاً للقانون، بما يكفل رصدها على الأغراض التي حددها، والتي لا يجوز أن تتحول السلطة التنفيذية عنها، ولا أن تعدل فيها بإرادتها المنفردة، بما مؤداه أن ربط الموارد في جملتها، بمصارفها تفصيلاً، وإحكام الرقابة عليها، يعد التزاماً دستورياً يقيد السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تناقض فحواه بعمل من جانبها، إذ هو جوهر اختصاصها في مجال ضبطها لمالية الدولة، وإرساء قواعدها وفقاً لأحكام المواد 115 و116 و120 من الدستور. وثانيهما: أن الضريبة العامة - وبغض النظر عن جوانبها التنظيمية التي تعتبر من أثارها العرضية غير المباشرة - لا تزال مورداً مالياً - بل هي كذلك أصلاً وابتداء. ومن ثم تتضافر مع غيرها من الموارد التي تستخدمها الدولة لمواجهة نفقاتها الكلية، سواء في ذلك تلك التي يكون طابعها منتظماً أو طارئاً، بما مؤداه أن استخدامها لمواردها تلك، لا ينفصل عن واجباتها الدستورية التي تقتضيها أن تكون مصارفها مسخرة لتحقيق النفع العام لمواطنيها، ومن ثم يكون النفع العام – أو ما يعبر عنه أحياناً بأكبر منفعة جماعية - قيداً على إنفاقها لإيراداتها، وكذلك شرطاً أولياً لاقتضائها لضرائبها ورسومها.
5 - أغراض التمويل تعتبر قيداً على السلطة الضرائبية يقارنها ولا يفارقها، وحداً من الناحية الدستورية على ضوابط إنفاق المال العام. ولا يعني ما تقدم أن الدولة لا تستطيع تحويل بعض مواردها إلى الجهة التي تراها لتعينها بها على النهوض بمسئولياتها وتطوير نشاطها، بل يجوز ذلك بشرطين: أولهما: أن تكون الأغراض التي تقوم عليها هذه الجهة وفقاً لقانون إنشائها، وثيقة الاتصال بمصالح المواطنين في مجموعهم؛ أو تؤثر على قطاع عريض من بينهم، مما يجعل دورها في الشئون التي تعنيهم حيوياً. وثانيهما: أن يكون دعمها مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها، على أن يتم ذلك - لا عن طريق الضريبة التي تفرضها السلطة التشريعية ابتداء لصالحها لتعود إليها مباشرة غلتها - بل من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة وفقاً للقواعد التي نص عليها الدستور، وفي إطار الأسس الموضوعية التي يتحدد مقدار هذا الدعم على ضوئها.
6 - الأصل في الضريبة - وباعتبار أن حصيلتها تعد إيراداً عاماً - أن يؤول مبلغها إلى الخزانة العامة ليندمج مع غيره من الموارد التي تم تدبيرها، لتفقد كل منها ذاتيتها، ولتشكل جميعها نهراً واحداً لإيراداتها الكلية Consolidated Funds؛ وكان النص المطعون فيه قد فرض الضريبة المتنازع عليها لصالح نقابة بذاتها، واختصها بحصيلتها التي تؤول مباشرة إليها، فلا تدخل خزانة الدولة، أو تقع ضمن مواردها ليمتنع استخدامها في مجابهة نفقاتها، فإنها تكون في حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة - لا عن طريق الضوابط التي فرضها الدستور في شأن الإنفاق العام - ولكن من خلال قيام الضريبة المطعون عليها بدور يخرجها عن مجال وظائفها، ويفقدها مقوماتها لتنحل عدماً.


الإجراءات

بتاريخ 19 مارس سنة 1997، أقام المدعي بصفته الدعوى الماثلة بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة، طالباً في ختامها الحكم بعدم دستورية الفقرة أ من البند الرابع مع المادة 79 من القانون رقم 80 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن العلمية، المعدل بالقانون رقم 120 لسنة 1983.
وقدمت هيئة قضايا الدولة، ونقابة المهن العلمية مذكرة بدفاعها.
وبعد تحضير الدعوى، أودعت هيئة المفوضين تقريراً برأيها.
ونظرت الدعوى على النحو المبين بمحضر الجلسة، وقررت المحكمة إصدار الحكم فيها بجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، والمداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من صحيفة الدعوى وسائر الأوراق - تتحصل في أن الشركة المدعية، كانت قد أقامت الدعوى رقم 14129 لسنة 1996 مدني، أمام محكمة شمال القاهرة الابتدائية، طالبة الحكم بإلزام نقابة المهن العلمية برد مبلغ 476937.622 جنيهاً والفوائد القانونية اعتباراً من صيرورة هذا الحكم نهائياً وحتى تاريخ السداد، ذلك ابتناء على أن هذا المبلغ كانت قد سددته الشركة المدعية إعمالاً لنص الفقرة أ من البند الرابع من المادة 79 من القانون رقم 80 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن العلمية، والمعدل بالقانون رقم 120 لسنة 1983، وبجلسة 24/ 2/ 1997 دفعت الشركة المدعية، بعدم دستورية هذا النص، وإذ قدرت محكمة الموضوع جدية هذا الدفع، فقد صرحت للمدعية برفع الدعوى الدستورية فأقامتها. وبجلسة 30/ 6/ 1997 قضت بوقف الدعوى تعليقاً لحين الفصل في الطعن الراهن بعدم الدستورية.
وحيث إن المادة 79 من القانون رقم 80 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن العلمية، والمعدل بالقانون رقم 120 لسنة 1983 تنص على أن تشمل إيرادات النقابة ما يأتي: -
- ............
4 - ما تحصله النقابة من فئات دمغات المهن العلمية التي تنتجها الشركات المنتجة للكيماويات الصناعية، وتعتبر جزءاً من عناصر التكلفة على النحو التالي: -
( أ ) طن الأسمنت...... 2 قرش".
وحيث إن من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن الضريبة فريضة مالية تقتضيها الدولة جبراً من المكلفين بأدائها، إسهاماً من جهتهم في أعبائها وتكاليفها العامة. وهم يدفعونها لها بصفة نهائية، ودون أن يعود عليهم نفع خاص من وراء التحمل بها، فلا تقابلها خدمة محددة بذاتها، يكون الشخص العام قد بذلها من أجلهم، وعاد عليهم مردودها. ومن ثم كان فرضها مرتبطاً بمقدرتهم التكليفية، ولا شأن لها بما آل إليهم من فائدة بمناسبتها، وإلا كان ذلك خلطاً بينها وبين الرسم، إذ يستحق مقابلاً لنشاط خاص أتاه الشخص العام - وعوضاً عن تكلفته - وإن لم يكن بمقدارها. متى كان ذلك، وكان الرسم المفروض بمقتضى قانون نقابة المهن العلمية على إنتاج كل طن من الأسمنت، لا تقابله خدمة فعلية، تكون النقابة قد بذلتها لمن يتحملون بها، فإنه ينحل إلى ضريبة من الناحية القانونية.
وهي بعد ضريبة لا يقتصر نطاق تطبيقها على رقعة إقليمية معينة تمتد إليها دون سواها، ويتحدد المخاطبون بها في إطار هذه الدائرة وحدها، بل يعتبر تحقق الواقعة المنشئة لها على امتداد النطاق الإقليمي للدولة - وبغض النظر عن تقسيماتها الإدارية - مرتباً لدينها في ذمة الممول، مما مؤداه تكافؤ الممولين في الخضوع لها دون تمييز، وسريانها بالتالي - وبالقوة ذاتها - كلما توافر مناطها في أية جهة داخل حدودها الإقليمية، وهو ما يعني أنها ضريبة عامة يقوم التماثل فيما بين الممولين بصددها، على وحدة تطبيقها من الناحية الجغرافية، وليس بالنظر إلى مقدار الضريبة التي يؤدونها، ذلك أن التعادل بينهم في نطاقها ليس فعلياً، بل جغرافياً.
وحيث إن من المقرر أن الضريبة التي يكون أداؤها واجباً وفقاً للقانون - وعلى ما تدل عليه المادتان 61 و119 من الدستور - هي التي تتوافر لها قوالبها الشكلية والأسس الموضوعية التي لا تقوم إلا بها، وبشرط أن تكون العدالة الاجتماعية التي ينبني عليها النظام الضريبي ضابطاً لها في الحدود المنصوص عليها في المادة 38 من الدستور، فإن أصل الحق في الضريبة محل النزاع الماثل، يكون مطروحاً علياً لمحكمة الدستورية العليا بقوة النصوص الدستورية ذاتها، لتقول كلمتها في شأن دستوريتها.
وحيث إن الضريبة العامة يحكمها أمران لا ينفصلان عنها، بل تتحدد دستوريتها على ضوئهما معاً:
أولهما: أن الأموال تجبيها الدولة من ضرائبها، وثيقة الاتصال بوظائفها الحيوية، وبوجه خاص ما تعلق منها بتأمين مجتمعها، والعمل على تطويره. وقيامها على وظائفها هذه، يقتضيها أن توفر بنفسها - ومن خلال الضريبة وغيرها من الموارد - المصادر اللازمة لتمويل خططها وبرامجها.
والرقابة التي تفرضها السلطة التشريعية - بوسائلها - على هذه الموارد ضبطاً لمصارفها، هي الضمان لإنفاذ سياستها المالية التي لا يجنح الاقتصاد معها نحو أعاصير لا تؤمن عواقبها، وبوجه خاص في نطاق العمالة، وضمان استقرار الأسعار، وصون معدل معقول للتنمية، وكذلك حد أدنى لمواجهة أعباء الحياة.
وهذه القواعد والضوابط التي تهمين بها السلطة التشريعية على الإنفاق العام، هي التي يتعين أن تنزل عليها السلطة التنفيذية، فلا تحيد عنها أو تعدل فيها، لضمان ألا يكون هذا الإنفاق إسرافاً أو تبديداً أو إرشاءً أو إغواء، بل أميناً، مقتصداً ورشيداً. وهي بعد قواعد لا يجوز على ضوئها جر مبالغ من الخزانة العامة قبل تخصيصها وفقاً للقانون، بما يكفل رصدها على الأغراض التي حددها، والتي لا يجوز أن تتحول السلطة التنفيذية عنها، ولا أن تعدل فيها بإرادتها المنفردة.
بما مؤداه أن ربط الموارد في جملتها، بمصارفها تفصيلاً، وإحكام الرقابة عليها، يعد التزاماً دستورياً يقيد السلطة التشريعية، فلا يجوز لها أن تناقض فحواه بعمل من جانبها، إذ هو جوهر اختصاصها في مجال ضبطها لمالية الدولة، وإرساء قواعدها وفقاً لأحكام المواد 115 و116 و120 من الدستور.
ثانيهما: أن الضريبة العامة - وبغض النظر عن جوانبها التنظيمية التي تعتبر من أثارها العرضية غير المباشرة - لا تزال مورداً مالياً - بل هي كذلك أصلاً وابتداء. ومن ثم تتضافر مع غيرها من الموارد التي تستخدمها الدولة لمواجهة نفقاتها الكلية، سواء في ذلك تلك التي يكون طابعها منتظماً أو طارئاً، بما مؤداه أن استخدامها لمواردها تلك، لا ينفصل عن واجباتها الدستورية التي تقتضيها أن تكون مصارفها مسخرة لتحقيق النفع العام لمواطنيها.
ومن ثم يكون النفع العام - أو ما يعبر عنه أحياناً بأكبر منفعة جماعية - قيداً على إنفاقها لإيراداتها، وكذلك شرطاً أولياً لاقتضائها لضرائبها ورسومها.
وحيث إن ما تقدم مؤداه، أن أغراض التمويل تعتبر قيداً على السلطة الضرائبية يقارنها ولا يفارقها، وحداً من الناحية الدستورية على ضوابط إنفاق المال العام. ولا يعني ما تقدم أن الدولة لا تستطيع تحويل بعض مواردها إلى الجهة التي تراها لتعينها بها على النهوض بمسئولياتها وتطوير نشاطها، بل يجوز ذلك بشرطين:
أولهما: أن تكون الأغراض التي تقوم عليها هذه الجهة وفقاً لقانون إنشائها، وثيقة الاتصال بمصالح المواطنين في مجموعهم؛ أو تؤثر على قطاع عريض من بينهم، مما يجعل دورها في الشئون التي تعنيهم حيوياً.
ثانيهما: أن يكون دعمها مالياً مطلوباً لتحقيق أهدافها، على أن يتم ذلك - لا عن طريق الضريبة التي تفرضها السلطة التشريعية ابتداء لصالحها لتعود إليها مباشرة غلتها - بل من خلال رصد ما يكفيها بقانون الموازنة العامة وفقاً للقواعد التي نص عليها الدستور، وفي إطار الأسس الموضوعية التي يتحدد مقدار هذا الدعم على ضوئها.
وحيث إن الأصل في الضريبة - وباعتبار أن حصيلتها تعد إيراداً عاماً - أن يؤول مبلغها إلى الخزانة العامة ليندمج مع غيره من الموارد التي تم تدبيرها، لتفقد كل منها ذاتيتها، ولتشكل جميعها نهراً واحداً لإيراداتها الكلية Consolidated Funds؛ وكان النص المطعون فيه قد فرض الضريبة المتنازع عليها لصالح نقابة بذاتها، واختصها بحصيلتها التي تؤول مباشرة إليها، فلا تدخل خزانة الدولة، أو تقع ضمن مواردها ليمتنع استخدامها في مجابهة نفقاتها، فإنها تكون في حقيقتها معونة مالية رصدتها الدولة لتلك النقابة - لا عن طريق الضوابط التي فرضها الدستور في شأن الإنفاق العام - ولكن من خلال قيام الضريبة المطعون عليها بدور يخرجها عن مجال وظائفها، ويفقدها مقوماتها لتنحل عدماً، وهو ما يقتضي الحكم بعدم دستوريتها لمخالفتها أحكام المواد 61 و115 و116 و119 و120 من الدستور.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بعدم دستورية الفقرة ( أ ) من البند (4) من المادة 79 من القانون رقم 80 لسنة 1969 بشأن نقابة المهن العلمية المعدل بالقانون رقم 120 لسنة 1983، فيما نص عليه من تخويلها حق اقتضاء رسم دمغة قدره قرشان على إنتاج كل طن أسمنت، وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.