أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 40 - صـ 5

جلسة 5 من يناير سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ محمد رفيق البسطويسي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد أحمد حسن وعبد الوهاب الخياط نائبي رئيس المحكمة وعبد اللطيف أبو النيل وعمار إبراهيم.

(1)
الطعن رقم 5736 لسنة 58 القضائية

(1) سب وقذف. قانون "تفسيره". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل".
المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف هو بما يطمئن إليه القاضي في تحصيله لفهم الواقع في الدعوى. حد ذلك: أن لا يخطئ في التطبيق القانوني على الواقعة كما صار إثباتها بالحكم أو يمسخ دلالة الألفاظ بما يحيلها عن معناها.
(2) سب وقذف. قانون "تفسيره". محكمة النقض "سلطتها". نقض "حالات الطعن. الخطأ في القانون".
تحري معنى اللفظ. تكييف قانوني. خضوعه لرقابة محكمة النقض.
(3) نقض "نظر الطعن والحكم فيه". "أثر الطعن". سب وقذف.
كون العبارات التي سطرها الطاعن لا تقع تحت نص المادة 302 عقوبات ولا تشكل أي جريمة أخرى. وجوب نقض الحكم وبراءة الطاعن.
وحدة الواقعة واتصال وجه الطعن بمحكوم عليه لم يقرر بالطعن. يوجب امتداد أثر نقض الحكم إليه.
(4) دعوى مدنية "نظرها والحكم فيها". تعويض.
خضوع الدعوى المدنية المرفوعة أمام القضاء الجنائي للقواعد الواردة في مجموعة الإجراءات الجنائية ما دام يوجد بها نصوص خاصة تتعارض مع ما يقابلها في قانون المرافعات. عدم وجود نص خاص في قانون الإجراءات الجنائية. لا يحول دون إعمال القواعد العامة في قانون المرافعات. المادة 266 إجراءات.
(5) إجراءات "إجراءات المحاكمة". حكم "إصداره" "الطعن فيه" "إلغاؤه" "تعديله".
النطق بالحكم تخرج به الدعوى عن حوزة المحكمة. يمتنع معه عليها العدول عنه ولو كان باطلاً أو مبنياً على إجراء باطل. علة ذلك؟
(6) حكم "تصحيحه" "الطعن في الحكم". طعن.
الأصل أن إلغاء الحكم أو تعديله. بالطعن عليه بالطرق المقررة قانوناً.
سلطة المحكمة في تصحيح ما يقع في حكمها من خطأ. مقصورة على الأخطاء المادية البحتة. كتابية أو حسابية. تجاوز هذا النطاق. جواز الطعن في قرار التصحيح بالطرق المقررة للطعن. المادة 191 مرافعات.
الأخطاء غير المادية. عدم جواز الرجوع في شأنها إلى ذات المحكمة التي أصدرت الحكم. أساس ذلك؟
الحالات التي يجوز فيها للمحكمة العدول عن حكمها؟ المواد 242 إجراءات و86 و99 و104 مرافعات و9 من قانون الإثبات.
(7) دعوى مدنية "تركها". محكمة مدنية. تعويض. نقض "حالات الطعن" الخطأ في القانون" "أثر الطعن".
للمدعي بالحقوق المدنية إذا ترك دعواه المرفوعة أمام المحاكم الجنائية أن يرفعها أمام المحاكم المدنية. ما لم يكن قد صرح بترك الحق. أساس ومؤدى ذلك؟
ترك المدعي بالحقوق المدنية لدعواه المدنية المرفوعة أمام المحكمة الجنائية. يعد إسقاطاً تتحقق آثاره بمجرد صدور الحكم به. عدم جواز عودته لتجديدها مرة أخرى أمام المحكمة الجنائية. حقه اللجوء إلى المحكمة المدنية ما لم يكن قد صرح بترك الحق المرفوع به الدعوى. علة ذلك؟
(8) دعوى مدنية. تعويض. محكمة مدنية "اختصاصها". محكمة جنائية "اختصاصها". نقض "حالات الطعن. الخطأ في القانون".
اختصاص المحاكم المدنية أصلاً بنظر دعوى التعويض الناشئة عن الجريمة. يجوز للمضرور رفعها أمام المحاكم الجنائية. استثناء.
سلوك المضرور الطريق الاستثنائي ثم عدوله عنه. أثره: عدم جواز العودة إليه مرة أخرى. مخالفة ذلك. خطأ في القانون.
1 - من المقرر أنه إن كان المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف، هو بما يطمئن إليه قاضي الموضوع في تحصيله لفهم الواقع في الدعوى، إلا أن حد ذلك أن لا يخطئ في تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم أو يمسخ دلالة الألفاظ بما يحيلها عن معناها.
2 - أن تحري الألفاظ للمعنى الذي استخلصته المحكمة وتسميتها باسمها المعين في القانون - سباً أو قذفاً - هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض باعتبارها الجهة التي تهيمن على الاستخلاص المنطقي الذي يتأدى إليه الحكم من مقدماته المسلمة.
3 - لما كانت العبارات التي سطرها الطاعن والمحكوم عليه الآخر حسبما جاءت بمدونات الحكم لا تقع تحت نص المادة 302 من قانون العقوبات ولا تشكل أي جريمة أخرى معاقب عليها قانوناً فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه - فيما قضى به في الدعوى الجنائية - عملاً بنص المادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية وإلغاء الحكم المستأنف وبراءة الطاعن الأول...... والمحكوم عليه الآخر....... الذي كان طرفاً في الخصومة الاستئنافية وذلك عملاً بنص المادة 42 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، لاتصال وجه الطعن به ووحدة الواقعة.
4 - من المقرر وفقاً للمادة 266 من قانون الإجراءات الجنائية أن يتبع في الفصل في الدعاوى المدنية التي ترفع أمام المحاكم الجنائية الإجراءات المقررة في القانون المذكور، فتخضع الدعوى المدنية أمام القضاء الجنائي للقواعد الواردة في مجموعة الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بالمحاكمة والأحكام وطرق الطعن فيها ما دام يوجد في مجموعة الإجراءات نصوص خاصة بذلك تتعارض مع ما يقابلها في قانون المرافعات المدنية، أما إذا لم يوجد نص خاص في قانون الإجراءات الجنائية فليس هناك ما يمنع من إعمال القواعد العامة الواردة في قانون المرافعات.
5 - القواعد المقررة - طبقاً لأحكام قانون المرافعات - أنه يترتب على النطق بالحكم خروج الدعوى عن حوزة المحكمة اعتباراً بأن ولايتها القضائية على الدعوى تنتهي بصدور الحكم فيها ويمتنع عليها العدول عما قضت به، ويعمل بهذه القاعدة بالنسبة لسائر الأحكام القطعية موضوعية كانت أم فرعية - كالحكم الصادر بإثبات ترك الخصومة - وسواء أنهت الخصومة أو لم تنهها، ويستوي أن يكون حكمها صحيحاً أم باطلاً أم مبنياً على إجراء باطل، ذلك لأن القاضي نفسه لا يسلط على قضائه ولا يملك تعديله أو إلغاءه.
6 - لا سبيل إلى إلغاء أحكام القضاء أو تعديلها إلا بسلوك طرق الطعن المقررة في القانون واستثناء من هذا الأصل إذا شاب الحكم خطأ مادي بحت فقد ارتأى المشرع الرجوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم طبقاً لإجراءات خاصة نظمتها المادة 191 من قانون المرافعات التي نصت على أنه: "تتولى المحكمة تصحيح ما يقع في حكمها من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية وذلك بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم من غير مرافعة ويجري كاتب المحكمة هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه هو ورئيس الجلسة، ويجوز الطعن في القرار الصادر بالتصحيح إذا تجاوزت المحكمة فيه حقها المنصوص عليها في الفقرة السابقة بطرق الطعن الجائزة في الحكم موضوع التصحيح، أما القرار الذي يصدر برفض التصحيح فلا يجوز الطعن فيه على استقلال". ويتضح من المفهوم المخالف للنص القانوني سالف الإشارة أنه قاطع في أن الأخطاء غير المادية لا يجوز الرجوع في شأنها إلى ذات المحكمة التي أصدرت الحكم، والقول بعكس ذلك فيه ابتداع لطريق من طرق الطعن لم يأذن به الشارع - كما أنه استثناء من هذا الأصل المقرر أباح الشارع للمحكمة العدول عن حكمها في أحوال معينة نص عليها على وجه الحصر - لمحكمة ارتآها في تلك الحالات - منها ما نصت عليه المادة 242 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه: "إذا حضر الخصم قبل انتهاء الجلسة التي صدر فيها الحكم عليه في غيبته، وجب إعادة نظر الدعوى في حضوره" وما نصت عليه المادة 86 من قانون المرافعات من أنه: "إذا حضر الخصم الغائب قبل انتهاء الجلسة اعتبر كل حكم صدر عليه فيها كأن لم يكن" وما نصت عليه المادة 99 منه من حق المحكمة بتوقيع غرامة على من يتخلف من العاملين بها أو من الخصوم عن تنفيذ قرارات المحكمة ثم أجاز المشرع للمحكمة إقالة المحكوم عليه من الغرامة كلها أو بعضها إذا أبدى عذراً مقبولاً، وما نصت عليه المادة 104 من ذات القانون على حق المحكمة في الحكم بعقوبات عينتها المادة على من يخل بنظام الجلسة وحقها إلى ما قبل انتهاء الجلسة في الرجوع عن الحكم، وما نصت عليه المادة التاسعة من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968 من حق المحكمة في العدول عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر.
7 - لما كان نص المادة 262 من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى على أنه: "إذا ترك المدعي بالحقوق المدنية دعواه المرفوعة أمام المحاكم الجنائية، يجوز له أن يرفعها أمام المحاكم المدنية، ما لم يكن قد صرح بترك الحق المرفوع به الدعوى". ومفاد ذلك بمفهوم المخالفة، وأنه لا يجوز للمدعي بالحقوق المدنية - بعد أن حكم في دعواه المدنية من المحكمة - بالترك - وما دام حكم الترك قائماً لم يلغ، على السياق المتقدم، وهو الحال في الدعوى الماثلة - أن يعود فيجدد الدعوى تلك من جديد أمام المحكمة الجنائية لأن هذا الترك منه يعد إسقاطاً تتحقق أثاره القانونية بمجرد صدور الحكم به ولا يملك المسقط العودة إلى ما أسقط حقه فيه باعتبار أن طبيعة الإسقاط تتأبى على الرجوع فيما تناوله من إسقاط، وكل ما له هو اللجوء إلى المحكمة المدنية ما لم يكن قد صرح بترك الحق المرفوع به الدعوى.
8 - إن الأصل المقرر أن تختص المحاكم المدنية بنظر دعوى التعويض الناشئة عن الجريمة، وأجاز المشرع للمضرور استثناء من ذلك الأصل أن يرفعها أمام المحكمة الجنائية ومن ثم فإنه إذا ما سلك الطريق الاستثنائي ثم عدل عنه مسقطاً حقه فيه فلا يجوز له العودة إليه مرة أخرى، لما كان ما تقدم، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد عاد من بعد إلى العدول عن قضائه السابق بإثبات ترك المدعيين بالحقوق المدنية لدعواهما المدنية، وأجاز لهما تجديد دعواهما المدنية المرفوعة بطريق التبعية للدعوى الجنائية مرة ثانية، والقضاء من ثم بقبول الدعوى المدنية تبعاً للدعوى الجنائية المقامة، فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه - فيما قضى به في الدعوى المدنية - وإلغاء الحكم الابتدائي الصادر بجلسة 18/ 3/ 1985 وتأييد الحكم الابتدائي الصادر بجلسة 17/ 5/ 1982 القاضي بإثبات ترك المدعيين بالحقوق المدنية لدعواهما المدنية، وذلك بالنسبة للطاعن والمحكوم عليه الآخر.....، عملاً بنص المادة 42 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، وذلك لاتصال وجه الطعن به ووحدة الواقعة مع إلزام المطعون ضدهما المصاريف المدنية.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 - ....... (الطاعن) 2 - ....... بأنهما: قذفا وسبا علناً المدعيين بالحقوق المدنية كتابة بأن حررا تقريراً أسندا فيه إليهما أموراً لو صحت لأوجبت احتقارهما عند أهل وطنهما، وطلب عقابهما بالمواد 171، 302، 303، 306، 308 من قانون العقوبات وادعى المجني عليهما مدنياً قبل المتهمين بالتضامن مع...... بصفته المسئول عن الحقوق المدنية بمبلغ (51 ج) على سبيل التعويض المؤقت، كما ادعى المتهم الثاني مدنياً قبل المجني عليهما بمبلغ (101 ج) على سبيل التعويض المؤقت، ومحكمة جنح روض الفرج قضت حضورياً اعتبارياً عملاً بمواد الاتهام (أولاً) برفض الدفع المبدى بعدم قبول الدعوى الجنائية لرفعها بعد الميعاد وقبولها. (ثانياً) تغريم كل متهم مبلغ عشرين جنيهاً وإلزامهما بالتضامن مع المسئول عن الحقوق المدنية بصفته بدفع مبلغ (51 ج) للمدعيين بالحقوق المدنية على سبيل التعويض المؤقت. (ثالثاً) برفض الدعوى المدنية المقامة من المتهم الثاني ضد المدعيين بالحقوق المدنية، استأنف المحكوم عليهما والمسئول عن الحقوق المدنية، ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعن الأستاذ/ ....... المحامي نيابة عن المحكوم عليه (الطاعن) في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

أولاً - عن الطعن المقدم من المحكوم عليه الأول:
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة القذف قد أخطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه اعتبر العبارات التي أوردها محضر التحريات المنسوب إليه تحريره - قذفاً في حق المدعيين بالحقوق المدنية رغم أن دفاعه أمام درجتي التقاضي قام على أنه كان حسن النية ولم يقصد قذفاً، إلا أن الحكم المطعون فيه التفت عن دفاعه ورد عليه بما لا يصلح رداً، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
ومن حيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مفاده أنه نشأ نزاع بين المدعيين بالحقوق المدنية وجار لهما، وتحرر عنه عديد من المحاضر، وقد قام المتهمان بوصفهما من ضباط الشرطة بتحرير تقريرين عن ذلك النزاع، أوردا بهما أن الذي أثار حفيظة الجار هو تردد مساعد الشرطة - المدعي بالحقوق المدنية الأول - على الثانية بمسكنها دون أن يتأكد اقترانه بها أو وكالته عنها وانتهيا إلى ضرورة توجيه النصح إلى المدعي بالحقوق المدنية الأول بالابتعاد عن مواطن الشبهات وأن المدعيين بالحقوق المدنية قدما أمام النيابة العامة وثيقة زواجهما في 10/ 11/ 1977، ثم انتهى الحكم المطعون فيه من ذلك إلى أن ما نسبه المتهمان إلى المدعيين بالحقوق المدنية - على خلاف الحقيقة - هي واقعة صحيحة لو صحت لأوجبت احتقارهما عند أهل وطنهما، الأمر الذي يعد مكوناً لجريمة القذف المنصوص عليها في المادتين 171، 302 من قانون العقوبات، لما كان ذلك، وكانت المادة 302/ 1 من قانون العقوبات التي دين المتهمان بمقتضاها قد نصت على أن: "يعد قذفاً كل من أسند لغيره بواسطة إحدى الطرق المبينة بالمادة 171 من هذا القانون أموراً لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسند إليه بالعقوبات المقررة لذلك قانوناً أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه". وكان من المقرر أنه وإن كان المرجع في تعرف حقيقة ألفاظ السب أو القذف، هو بما يطمئن إليه قاضي الموضوع في تحصيله لفهم الواقع في الدعوى، إلا أن حد ذلك أن لا يخطئ في تطبيق القانون على الواقعة كما صار إثباتها في الحكم أو يمسخ دلالة الألفاظ بما يحيلها عن معناها، كما أن تحري الألفاظ للمعنى الذي استخلصته المحكمة وتسميتها باسمها المعين في القانون - سباً أو قذفاً - هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض باعتبارها الجهة التي تهيمن على الاستخلاص المنطقي الذي يتأدى إليه الحكم من مقدماته المسلمة. لما كان ذلك، وكان ما سطره الطاعن والمحكوم عليه الآخر على السياق الذي أورده الحكم فيما تقدم - ليس من شأنه - إن صح - أن يحط من قدر المدعيين بالحقوق المدنية أو يجعلهما محلاً للاحتقار أو الازدراء بين أهل وطنهما، أو يستوجب عقابهما أو خدشاً لشرفهما أو اعتبارهما ومن ثم فإن ما أسند إلى المتهمين لا جريمة فيه، وليس مما يعاقب عليه القانون وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه قد أخطأ في تأويل القانون، لما كان ما تقدم، وكانت العبارات التي سطرها الطاعن والمحكوم عليه الآخر حسبما جاءت بمدونات الحكم لا تقع تحت نص المادة 302 من قانون العقوبات ولا تشكل أي جريمة أخرى معاقب عليها قانوناً فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه - فيما قضى به في الدعوى الجنائية - عملاً بنص المادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية وإلغاء الحكم المستأنف وبراءة الطاعن الأول....... والمحكوم عليه الآخر...... الذي كان طرفاً في الخصومة الاستئنافية وذلك عملاً بنص المادة 42 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، لاتصال وجه الطعن به ووحدة الواقعة.
ثانياً - عن الطعن المقدم من المسئول عن الحقوق المدنية:
من حيث إن الطعن استوفى الشكل المقرر في القانون.
ومن حيث إن مما ينعاه المسئول عن الحقوق المدنية على الحكم المطعون فيه أنه إذ ألزمه بالتضامن مع المتهمين فيما قضى به من تعويض للمدعيين بالحقوق المدنية قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأن محكمة أول درجة قضت بجلسة 17/ 5/ 1982 بإثبات ترك المدعيين بالحقوق المدنية لدعواهما المدنية ثم عادت - بعد أن استنفذت ولايتها - إلى نظر الدعوى المدنية وألزمت المتهمين بالتضامن مع المسئول عن الحقوق المدنية بالتعويض المدني المطلوب، وإذ أيد الحكم المطعون فيه قضاء أول درجة - في هذا الصدد - فإنه يكون معيباً بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن البين من محاضر جلسات محكمة أول درجة أن المدعيين بالحقوق المدنية تخلفا عن الحضور بجلسة 2/ 5/ 1982 فقررت المحكمة تأجيل الدعوى لجلسة 17/ 5/ 1982 وصرحت للمتهم الثاني بإعلان المدعيين بالحقوق المدنية باعتبارهما تاركين لدعواهما المدنية، وبجلسة 17/ 5/ 1982 قضت بإثبات ترك المدعيين بالحقوق المدنية لدعواهما وإلزامهما بمصروفات هذا الترك، وتأجيل نظر الدعوى بالنسبة للشق الجنائي، وبجلسة 21/ 3/ 1983 حضر محام عن المدعيين بالحقوق المدنية وقرر بأن حكم إثبات الترك صدر بالمخالفة لنص المادة 261 من قانون الإجراءات الجنائية إذ لم يتم إعلانهما لشخصهما باعتبارهما تاركين لدعواهما المدنية ثم قررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى وصرحت للمدعيين بالحقوق المدنية بإعلان المتهمين، وبجلسة 18/ 3/ 1985 قضت محكمة أول درجة بتغريم كل متهم مبلغ عشرين جنيهاً وإلزامهما بالتضامن مع المسئول عن الحقوق المدنية بصفته بدفع مبلغ (51 ج) للمدعيين بالحقوق المدنية، لما كان ذلك، وكان البين من المفردات المضمومة أن المسئول عن الحقوق المدنية قدم مذكرة بدفاعه أمام محكمتي أول درجة وثاني درجة ضمنهما عدم جواز تجديد الدعوى المدنية بعد صدور حكم فيها بإثبات تركها، غير أن محكمة ثاني درجة قضت بجلسة 5/ 2/ 1986 بتأييد الحكم المستأنف، كما تبين من الاطلاع على الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه، أنه أطرح ما أثاره المسئول عن الحقوق المدنية بصدد عدم جواز تجديد الدعوى المدنية بقوله: "إنه فيما يختص بالدعوى المدنية ومن أن المحكمة - بهيئة مغايرة - قد قضت بإثبات ترك المدعيين بالحقوق المدنية لدعواهما المدنية فإن المقرر أنه إذا ثبت أن المدعي المدني أعلن للحضور للجلسة في محله المختار ولم يعلن لشخصه فإنه لا يعتبر تاركاً لدعواه، وحيث إنه ومتى كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن المدعيين بالحق المدني لم يعلنا بالترك لشخصيهما فمن ثم لا يعتبر عدم حضورهما الجلسة التالية بمثابة ترك منهما لدعواهما المدنية وقد عدلت المحكمة - بهيئة مغايرة - عن هذا القضاء وصرحت للمدعيين بالحضور وبإعلان المتهمين، ومن ثم يكون دفاع المتهمين تلتفت عنه المحكمة". لما كان ذلك، وكان من المقرر وفقاً للمادة 266 من قانون الإجراءات الجنائية أن يتبع في الفصل في الدعاوى المدنية التي ترفع أمام المحاكم الجنائية الإجراءات المقررة في القانون المذكور، فتخضع الدعوى المدنية أمام القضاء الجنائي للقواعد الواردة في مجموعة الإجراءات الجنائية فيما يتعلق بالمحاكمة والأحكام وطرق الطعن فيها ما دام يوجد في مجموعة الإجراءات نصوص خاصة بذلك تتعارض مع ما يقابلها في قانون المرافعات المدنية، أما إذا لم يوجد نص خاص في قانون الإجراءات الجنائية فليس هناك ما يمنع من إعمال القواعد العامة الواردة في قانون المرافعات، وإذ كانت القواعد المقررة - طبقاً لأحكام قانون المرافعات - أنه يترتب على النطق بالحكم خروج الدعوى عن حوزة المحكمة اعتباراً بأن ولايتها القضائية على الدعوى تنتهي بصدور الحكم فيها ويمتنع عليها العدول عما قضت به، ويعمل بهذه القاعدة بالنسبة لسائر الأحكام القطعية موضوعية كانت أم فرعية - كالحكم الصادر بإثبات ترك الخصومة - وسواء أنهت الخصومة أو لم تنهها، ويستوي أن يكون حكمها صحيحاً أم باطلاً أم مبنياً على إجراء باطل، ذلك لأن القاضي نفسه لا يسلط على قضائه ولا يملك تعديله أو إلغاءه، إذ لا سبيل إلى إلغاء أحكام القضاء أو تعديلها إلا بسلوك طرق الطعن المقررة في القانون واستثناء من هذا الأصل إذا شاب الحكم خطأ مادي بحت فقد ارتأى المشرع الرجوع إلى المحكمة التي أصدرت الحكم طبقاً لإجراءات خاصة نظمتها المادة 191 من قانون المرافعات التي نصت على أنه: "تتولى المحكمة تصحيح ما يقع في حكمها من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية وذلك بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم من غير مرافعة ويجري كاتب المحكمة هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه هو ورئيس الجلسة، ويجوز الطعن في القرار الصادر بالتصحيح إذا تجاوزت المحكمة فيه حقها المنصوص عليه في الفقرة السابقة بطرق الطعن الجائزة في الحكم موضوع التصحيح، أما القرار الذي يصدر برفض التصحيح فلا يجوز الطعن فيه على استقلال". ويتضح من المفهوم المخالف للنص القانوني سالف الإشارة أنه قاطع في أن الأخطاء غير المادية لا يجوز الرجوع في شأنها إلى ذات المحكمة التي أصدرت الحكم، والقول بعكس ذلك فيه ابتداع لطريق من طرق الطعن لم يأذن به الشارع - كما أنه استثناء من هذا الأصل المقرر أباح الشارع للمحكمة العدول عن حكمها في أحوال معينة نص عليها على وجه الحصر - لحكمة ارتآها في تلك الحالات - منها ما نصت عليه المادة 242 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه: "إذا حضر الخصم قبل انتهاء الجلسة التي صدر فيها الحكم عليه في غيبته، وجب إعادة نظر الدعوى في حضوره" وما نصت عليه المادة 86 من قانون المرافعات من أنه: "إذا حضر الخصم الغائب قبل انتهاء الجلسة اعتبر كل حكم صدر عليه فيها كأن لم يكن" وما نصت عليه المادة 99 منه من حق المحكمة بتوقيع غرامة على من يتخلف من العاملين بها أو من الخصوم عن تنفيذ قرارات المحكمة ثم أجاز المشرع للمحكمة إقالة المحكوم عليه من الغرامة كلها أو بعضها إذا أبدى عذراً مقبولاً، وما نصت عليه المادة 104 من ذات القانون على حق المحكمة في الحكم بعقوبات عينتها المادة على من يخل بنظام الجلسة وحقها إلى ما قبل انتهاء الجلسة في الرجوع عن الحكم، وما نصت عليه المادة التاسعة من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968 من حق المحكمة في العدول عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر. متى كان ما تقدم، وكانت محكمة أول درجة بعد إذ قضت بجلسة 17/ 5/ 1982 بإثبات ترك المدعيين بالحقوق المدنية لدعواهما المدنية، عادت في جلسة لاحقة وعدلت عن قضائها السابق ومضت في نظر الدعوى المدنية فإن حكمها يكون - في صدد هذه الدعوى معيباً بالخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه ما كان يجوز لها العدول عن ذلك القضاء بعد أن استنفذت ولايتها في هذا الخصوص، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أشار في مدوناته إلى أن المحكمة عقب قضاءها بإثبات الترك صرحت للمدعيين بالحقوق المدنية بالحضور وبإعلان المتهمين مما مفاده تجديد رفع الدعوى المدنية أمام المحكمة الجنائية بعد إذ سبق الحكم فيها - على السياق المتقدم - لما كان ذلك، وكان نص المادة 262 من قانون الإجراءات الجنائية قد جرى على أنه: "إذا ترك المدعي بالحقوق المدنية دعواه المرفوعة أمام المحاكم الجنائية، يجوز له أن يرفعها أمام المحاكم المدنية، ما لم يكن قد صرح بترك الحق المرفوع به الدعوى". ومفاد ذلك بمفهوم المخالفة، أنه لا يجوز للمدعي بالحقوق المدنية - بعد أن حكم في دعواه المدنية من المحكمة - بالترك - وما دام حكم الترك قائماً لم يلغ، على السياق المتقدم، وهو الحال في الدعوى الماثلة - أن يعود فيجدد الدعوى تلك من جديد أمام المحكمة الجنائية لأن هذا الترك منه يعد إسقاطاً تتحقق أثاره القانونية بمجرد صدور الحكم به ولا يملك المسقط العودة إلى ما أسقط حقه فيه باعتبار أن طبيعة الإسقاط تتأبى على الرجوع فيما تناوله من إسقاط، وكل ما له هو اللجوء إلى المحكمة المدنية ما لم يكن قد صرح بترك الحق المرفوع به الدعوى، يؤكد ذلك أن الأصل المقرر أن تختص المحاكم المدنية بنظر دعوى التعويض الناشئة عن الجريمة، وأجاز المشرع للمضرور استثناء من ذلك الأصل أن يرفعها أمام المحكمة الجنائية ومن ثم فإنه إذا ما سلك الطريق الاستثنائي ثم عدل عنه مسقطاً حقه فيه فلا يجوز له العودة إليه مرة أخرى، لما كان ما تقدم، وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد عاد من بعد إلى العدول عن قضائه السابق بإثبات ترك المدعيين بالحقوق المدنية لدعواهما المدنية، وأجاز لهما تجديد دعواهما المدنية المرفوعة بطريق التبعية للدعوى الجنائية مرة ثانية، والقضاء من ثم بقبول الدعوى المدنية تبعاً للدعوى الجنائية المقامة، فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه - فيما قضى به في الدعوى المدنية - وإلغاء الحكم الابتدائي الصادر بجلسة 18/ 3/ 1985 وتأييد الحكم الابتدائي الصادر بجلسة 17/ 5/ 1982 القاضي بإثبات ترك المدعيين بالحقوق المدنية لدعواهما المدنية، وذلك بالنسبة للطاعن والمحكوم عليه الآخر......، عملاً بنص المادة 42 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959، وذلك لاتصال وجه الطعن به ووحدة الواقعة مع إلزام المطعون ضدهما (المدعيين بالحقوق المدنية) المصاريف المدنية.