مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1964 إلى آخر يناير سنة 1965) - صـ 109

(14)
جلسة 5 من ديسمبر سنة 1964

برئاسة السيد الأستاذ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة حسن السيد أيوب ومحمد شلبي يوسف وعادل عزيز زخاري وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 141 لسنة 8 القضائية

( أ ) شركات - مرافق عامة - نص القانون رقم 243 مكرراً لسنة 1956 على الإذن لوزير الحربية بشراء جميع أسهم الشركة، وبانتهاء شخصيتها الاعتبارية، وبإلحاقها بمصنع الطائرات وسريان أحكام القانون رقم 3 لسنة 1954 عليها - صيرورة المصنع المملوك لهذه الشركة مرفقاً عاماً.
(ب) موظف عام - تعريفه - قرار وزير الحربية رقم 1645 في 14/ 11/ 1956 بناء على السلطة المخولة بالقانون رقم 206 لسنة 1956، بالاستيلاء على مصانع ومنشآت الشركة التي أذن له في شراء جميع أسهمها بالقانون رقم 243 مكرراً لسنة 1956، وانتهاء شخصيتها، وبإلحاقها بمصنع الطائرات. وتضمن هذا القرار تكليف العاملين بها الذين تحددهم إدارة هذا المصنع بالاستمرار في العمل بها للمدد التي تحددها تحت إشرافه - اعتبار هؤلاء العاملين موظفين عموميين تربطهم بالإدارة المذكورة علاقة لائحية لا تعاقدية - أساس ذلك وأثره: فصل العامل بعد انتهاء المدة المحددة لخدمته.
(1) في 6 من يونيه 1956 صدر القانون رقم 243 مكرر لسنة 1956 وقضى في مادته الأولى بأن "يرخص لوزير الحربية في شراء جميع أسهم شركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) ش. م. م وذلك في حدود مبلغ 91000 جنيه" كما قضى في مادته الثانية بأن "تنتهي الشخصية الاعتبارية لشركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) من تاريخ إتمام هذا الشراء وتنتقل جميع حقوقها والتزاماتها إلى وزارة الحربية وتلحق بمصنع الطائرات الحربية وتسري عليها أحكام القانون رقم 3 لسنة 1954 الخاص بإنشاء مصنع الطائرات الحربية" وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه لما كانت أغراض شركة سيرفا المشار إليها ذات اتصال وثيق بالمجهود الحربي ونظراً لأهمية قيام تلك الصناعة في مصر من الوجهة الحربية، وتذليلاً للصعاب التي تعترض طريق إنتاج تلك المعدات الحربية فقد رأت وزارة الحربية أن تقوم الحكومة بشراء تلك الشركة على أن تلحق بعد شرائها بمصنع الطائرات الحربية الذي أنشئ بالقانون رقم 3 لسنة 1954 وذلك لشدة احتياج مصنع الطائرات الحربية لمنتجات الشركة المذكورة.
ويستفاد مما تقدم أن المصنع المملوك أصلاً لشركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) كان - على ما هو واضح من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 243 مكرر لسنة 1956 - يقوم على أغراض ذات اتصال وثيق بالمجهود الحربي وينتج من المعدات الحربية ما كان مصنع الطائرات الحربية في حاجة شديدة إليه، وهو بهذه المثابة وباستيلاء الحكومة عليه في 14 من نوفمبر سنة 1965 وتوليها إدارته بواسطة إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية لاستخدامه في الأغراض العامة، قد أصبح مرفقاً عاماً.
(2) صدر الأمر رقم 1645 في 14 من نوفمبر 1956 من وزير الحربية بناء على أن العلاقة بين المدعي والمدعى عليها أصبحت علاقة لائحية وليست مادته الأولى على أن "يستولى فوراً على مصانع ومنشآت ومتعلقات شركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) كاملة بتجهيزاتها". وفي المادة الثانية على أن "تقوم إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية باستلام مصانع ومنشآت ومتعلقات الشركة المشار إليها في المادة الأولى من هذا الأمر لاستخدامها في الأغراض المطلوبة". وفي المادة الثالثة على أن "يكلف أفراد الشركة المذكورة الذين تحددهم إدارة مصانع الطائرات بالاستمرار في العمل للمدد التي تحددها وتحت إشرافها".
إن الموظف العام هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى، ولما كان الموظف والعمال الذين كانت شركة... تستخدمهم أصلاً قد كلفوا - بمقتضى الأمر سالف الذكر الذي صدر أمر الاستيلاء مقروناً به - بالاستمرار في العمل بالمصنع المستولى عليه تحت إشراف إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية وألحقوا بموجب هذه الأداة الاستثنائية الخاصة بخدمة تلك الإدارة وأصبحوا تابعين لها، فإنهم بحكم كونهم أداتها في تسيير ذلك المرفق العام الذي تقوم عليه، يعدون موظفين عموميين وتسري عليهم تبعاً لذلك الأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الحكومة وعمالها فيما لم يرد به نص خاص في أمر التكليف الصادر إليهم وفي القانون الذي ينظم إصداره، فعلاقتهم بالإدارة المذكورة علاقة لائحية أو تنظيمية لا تعاقدية كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه - وقد بدأت وقامت على أمر التكليف الصادر إليهم من وزير الحربية بإرادته المنفردة دون دخل لإرادتهم أو تعليق على رضائهم الذي لا قيام لتعاقد مع انتفائه.
ومن حيث إن أمر التكليف المشار إليه، والذي تخضع الرابطة بين العمال المكلفين والحكومة للأحكام الخاصة الواردة به، قد نص على أن يكون عملهم بإدارة مصانع الطائرات للمدد التي تحددها هذه الإدارة، ومن ثم كان الأمر في تحديد الوقت الذي تنتهي عنده خدمة كل منهم مرده إليها تترخص فيه على هدي متطلبات انتظام العمل بالمصنع وحسن سيره، وقرارها في هذا الشأن لا تعقيب عليه ما برئ من الانحراف وإساءة استعمال السلطة، وإذا كانت جهة الإدارة في الدعوى المطروحة قد أنهت بالقرار المطعون فيه خدمة المدعي في الوقت الذي حددته، فإن قرارها هذا يجد سنده القانوني فيما خول لها صراحة في أمر التكليف على نحو ما تقدم مما لا محل معه للنعي على القرار بمخالفة القانون.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 30 من ديسمبر سنة 1961 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن السيدين وزير الحربية ومدير عام الهيئة العامة للمصانع الحربية بصفتيهما تقرير طعن في الحكم الصادر بجلسة 30 من أكتوبر سنة 1961 من المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية في الدعوى رقم 86 لسنة 7 القضائية والذي قضى بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الحكومة بالمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة، وطلب الطاعنان للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً , وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده في 22 من يناير سنة 1962, ونظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون لهذه المحكمة بجلسة 23/ 6/ 1962 وقررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 86 لسنة 7 القضائية ضد السيد وزير الحربية بصفته الرئيس الأعلى للمصانع الحربية بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية في 7 من نوفمبر سنة 1959 طالباً الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الإداري الصادر بتاريخ 24 من نوفمبر سنة 1958 والمبلغ له في 4 من ديسمبر سنة 1958 والذي قضى بفصله من الخدمة واعتبار هذا القرار كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وقال بياناً للدعوى إنه التحق بالعمل بشركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) عام 1954 ولدماثة خلقه ولأنه معروف بين زملائه بالتضحية ونكران الذات فقد انتخبوه رئيساً لنقابة عمال ومستخدمي تلك الشركة، وبتاريخ 6 من يونيه سنة 1956 صدر القانون رقم 243 مكرر لسنة 1956 بالترخيص لوزير الحربية في شراء جميع أسهم الشركة على أن تنتهي الشخصية الاعتبارية لها من تاريخ إتمام هذا الشراء وتنتقل جميع حقوقها والتزاماتها إلى وزارة الحربية وتلحق بمصنع الطائرات الحربية وتسري عليها أحكام القانون رقم 3 لسنة 1954 الخاص بإنشاء مصنع الطائرات الحربية، وتنفيذاً لهذا القانون أصدر السيد الوزير أمراً بالاستيلاء على الشركة استيلاء مؤقتاً حتى يتم شراء أسهمها، وبتاريخ 24 من نوفمبر سنة 1958 صدر القرار رقم 211 لسنة 1958 من وكيل وزارة الحربية لشئون المصانع الحربية جاء به "إنهاء خدمة السيد/ حسن بحر عبد المولى رئيس قسم التجميع بمصنع سيرفا بمقتضى المادتين 36، 37 من المرسوم بقانون 317 لسنة 1952 وإلغاء أمر التكليف الصادر له بالعمل في مصنع سيرفا وحفظ حقوقه طبقاً للمادتين سالفتي الذكر وذلك لتزعمه عمال المصنع وتوجيههم ضد بعض الموظفين لأسباب شخصية وحصوله على بعض التوقيعات من بعض العمال على شكوى مقدمة منه في هذا الشأن أثناء العمل، وعند انعقاد مجلس التحقيق يقصد التأثير على إجراءاته". واستطرد المدعي قائلاً إنه أخطر بهذا القرار في 4 من ديسمبر سنة 1958 وتظلم منه للسيد الوزير ومضى على التظلم أكثر من ستين يوماً وأعقب ذلك بطلب معافاته من الرسوم القضائية في الطلب رقم 645 لسنة 6 القضائية وأنه ينعى عليه مخالفته للقانون لأن المادة الثانية من القانون رقم 243 مكرر لسنة 1956 تقضي بأن تنتقل إلى وزارة الحربية جميع حقوق والتزامات الشركة ومن ضمن هذه الالتزامات احترام لائحة الجزاءات الخاصة بالشركة، وفضلاً عن أن ما وجه إليه من اتهامات أو مخالفات لا صحة له لأنه كرئيس لنقابة العمال والمستخدمين إنما كان يعمل على رعاية مصالحهم وحمايتهم، فإن توقيع جزاء الفصل عليه كان خاطئاً إذ أن البند 19، 24 من لائحة الجزاءات المشار إليها قد نص على أن جمع التوقيعات بدون إذن أو الادعاء كذباً على الرؤساء أو الزملاء مما قد يؤدي إلى تعطيل العمل يوجب جزاء قدره خصم نصف يوم من الأجر للمرة الأولى وخصم يوم للمرة الثانية ويومين للمرة الثالثة وثلاثة أيام للمرة الرابعة وبعد ذلك يجوز توقيع عقوبة الفصل، وخلص المدعي من ذلك إلى أن تصرف الجهة الإدارية كان مخالفاً للقانون أو على الأقل فيه تعسف في استعمال الحق بفرض أنه قد ارتكب جرماً يستوجب الجزاء.
وردت الهيئة العامة للمصانع الحربية على الدعوى بمذكرة مؤرخة 9 من فبراير سنة 1960 تضمنت أن وزارة الحربية وضعت يدها على مصنع شركة سيرفا سابقاً (حالياً مصنع رقم 333) وكان رأس ماله قد نفذ مرتين مما دعى المساهمون في أول الأمر إلى مناشدة الحكومة التدخل فساهمت في رأس ماله، وفي المرة الثانية اضطرت الوزارة إلى استصدار قرار بالاستيلاء عليه وإدارته بمعرفتها وذلك حتى لا يشرد عماله. وكان المأمول من المدعي الذي كان رئيساً لنقابة عمال ومستخدمي الشركة أن يتعاون مع الوزارة إلى أن تتحسن أحوال المصنع غير أنه استغل صفته ووظيفته لتحريض العمال على تقديم شكاوى ضد بعض المسئولين بالمصنع، الأمر الذي أوجد حالة من البلبلة أثرت على إنتاج المصنع إلى حد كبير وهو الذي يعتبر مصنعاً حربياً ومكملاً لإنتاج بعض الأسلحة، وأنه عقب شكوى قدمت للمسئولين شكلت لجنة لتحقيق ما جاء بها، غير أن المدعي رأى أن يستغل وجود اللجنة ليحول الاتهامات إلى بعض خصومه هو الشخصيين من القائمين بالأعمال في المصنع، فتقدم فعلاً بشكوى وحصل على توقيعات العمال عليها، وباستجوابه اتضح أنه لم يكن يقصد الصالح العام وراء شكواه وإنما كان يقصد الإضرار بخصومه مما يدل على أنه كان يستغل النقابة التي كان يرأسها لقضاء مصالحه الخاصة، وأن لائحة الجزاءات التي أشار إليها قد وضعت وقت أن كان المصنع يتبع شركة مدنية ليست لها علاقة مباشرة بالحكومة وبحركة التصنيع والإنتاج الحربي في البلاد، ولذلك كانت جزاءاتها سهلة هينة. ولما كانت الهيئة ترى أن من حقها المحافظة على أموال الدولة التي أنفقتها في سبيل إصلاح حال المصنع المذكور كما أنها ترى من حقها تأمين إنتاج المصنع لضمان الإنتاج ولإمداد القوات المسلحة بحاجتها من الذخيرة والعتاد وخاصة أن النقابات هي من التشكيلات المحظور تكوينها أو إنشاؤها في المصانع الحربية طبقاً للمادة الأولى من قانون النقابات القديم، وخشية من سيطرة أحدهم عليها مما قد يضر بالمصلحة العامة ولما ثبت من أن المدعي استغل صفته ووظيفته كرئيس لنقابة العمال وقام بتحريضهم، لذلك رأت الهيئة الاستغناء عن خدماته مع معاملته معاملة عادلة بصرف كل حقوقه له طبقاً للقوانين، فصدر القرار الإداري رقم 211 لسنة 1958 متضمناً إنهاء خدمته بمقتضى المادتين 36 و37 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 مع إلغاء أمر التكليف الصادر له بالعمل في مصنع سيرفا مع حفظ حقوقه طبقاً للمادتين سالفتي الذكر، وانتهت المذكرة إلى طلب رفض الدعوى بناء على أنها غير قائمة على أساس سليم من القانون.
ورد المدعي على مذكرة الوزارة بأنه حتى تاريخ فصله لم تكن شركة سيرفا قد زالت شخصيتها الاعتبارية إذ في ذات تاريخ الفصل 4 من ديسمبر سنة 1958 تم التوقيع على عقد بيع الشركة للمصانع الحربية، أما قبل ذلك التاريخ فكان هناك قرار استيلاء مؤقت بوضع الشركة تحت إدارة وزارة الحربية، وبذا لم يكن هناك مانع من قيام النقابة بل لو أن هناك مانعاً لما توانت المصانع الحربية عن استصدار قرار بحلها. فوجود النقابة وكون المدعي رئيساً لها لا يمكن أن يفسر ضده، وأنه إذا كان قد استغل صفته لتحريض العمال فقد تولت لائحة الجزاءات تنظيم هذه الأمور وهي اللائحة الواجبة التطبيق بنص القانون الذي نقل الشركة إلى المصانع الحربية بنفس الميزات التي كانت لهم من قبل، وأن وزارة الحربية اعترفت بأن الشكوى المقدمة كان مقصوداً بها النيل من بعض الأشخاص الذين يشغلون وظائف رئيسية في الشركة ولعل في هذا الاعتراف دليل على أن أولئك الرؤساء قد قصدوا الانتقام من المدعي، وساق المدعي بعد ذلك أدلته على الفصل التعسفي فذكر أن الفصل تم دون تحقيق وأنه لم يواجه في التحقيق الذي أجري بأي اتهام وكان واجباً أن يعطى فرصة للدفاع عن نفسه، وأنه ليس في الأوراق ما يفيد أن الشكوى المقدمة من المدعي وزملائه قد أثرت على إنتاج المصنع، وأن وزارة الحربية حين استولت على المصنع لم تعلن أنها قد ألغت لائحة الجزاءات بل ظلت تطبقها حتى زالت الشخصية المعنوية للشركة في 4 من ديسمبر سنة 1958 وليس من المعقول أن يعاقب المتهم بقانون لا يعلمه، وأنه قدم في دعوى المعافاة شهادات من المهندس العقيد عبد الحميد هنداوي تشهد له بأنه كان مخلصاً في عمله وعلى دراية وخبرة فنية ممتازة ومستقيماً، ومما يثير التساؤل أن يشهد مدير المصنع هذه الشهادة وهو الرئيس المباشر للمدعي في الوقت الذي تتهمه فيه الإدارة بسوء الخلق وخلق المنازعات والتأثير على إنتاج المصنع.
وقد قدم مفوض الدولة لدى المحكمة الإدارية تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الدعوى انتهى فيه إلى أنه يرى الحكم بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 30 من أكتوبر سنة 1961 أصدرت المحكمة الإدارية لوزارتي الأشغال والحربية حكمها في الدعوى قاضياً بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي من الخدمة وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة بالمصروفات وبأن تدفع للمدعي مبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة، وقد ذكر الحكم في أسبابه أن المدعي أقام الدعوى رقم 2334 لسنة 1959 تجاري كلي عمال القاهرة ضد السيدين مدير شركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) ووزير الحربية طالباً الحكم بإلزامهما متضامنين أولاً بإعادته إلى عمله واعتبار قرار فصله كأن لم يكن، وثانياً إلزامهما بأن يدفعا له مبلغ 300 جنيه كتعويض، وأنه بتاريخ 6 من إبريل سنة 1959 حكمت المحكمة حضورياً بقبول الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وبعدم اختصاصها بنظرها وأعفت المدعي من المصروفات. وأسست قضاءها على أن قرار فصل المدعي هو قرار إداري تختص بنظره محاكم القضاء الإداري، كما تضمنت أسباب حكم المحكمة الإدارية أن "المدعي قد التحق بخدمة شركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) بموجب عقد محرر في 17 من نوفمبر سنة 1954 نص فيه على أن شروط هذا الاستخدام خاضعة لأحكام المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 في شأن عقد العمل الفردي وكذلك للوائح الشركة. وقد أصدر وزير الحربية قراراً في 14 من نوفمبر سنة 1956 بالاستيلاء على مصانع ومنشآت ومتعلقات الشركة المذكورة على أن تقوم إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية باستلامها لاستخدامها في الأغراض المطلوبة لها. وصدر أمر تكليف للمدعي بالاستمرار في العمل تحت إشراف إدارة مصانع الطائرات. وبتاريخ 24 من نوفمبر سنة 1958 أصدر وكيل وزارة الحربية قراراً بإنهاء خدمة المدعي بالتطبيق لأحكام المادتين 36 و37 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 الخاص بعقد العمل الفردي آنف الذكر مع إلغاء أمر التكليف له بالعمل في مصنع سيرفا، ومن ثم تكون العلاقة بين المدعي والحكومة علاقة عقدية يحكمها عقد العمل الفردي". ثم عرض الحكم بعد ذلك للشكوى المشار إليها في دفاع الوزارة أمام هذه المحكمة فقال "ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 22 من أكتوبر سنة 1958 أصدر وكيل وزارة الحربية لشئون المصانع الحربية أمراً بتشكيل مجلس تحقيق للتحقيق في واقعة تقدم السيد/ حمزة عبد السلام أدهم مدير الأفراد بمصنع سيرفا بتقرير مؤرخ 19 من أكتوبر سنة 1958 إلى السيد/ كمال الدين حسين وزير التربية والتعليم، وكذلك فيما تضمنه ذلك التقرير. وقد استجوب المجلس 26 موظفاً وعاملاً من بينهم المدعي وقد اعترف السيد/ حمزة عبد السلام بأنه مقدم الشكوى موضوع التحقيق، وقال إنها ليست شكوى بالمعنى المفهوم وإنما هي تقرير عن أخطاء لاحظها وكيفية علاجها، وأن الدافع له في تقديم التقرير إلى السيد/ كمال الدين حسين هو زمالته السابقة له ولصالح المجموعة التي يعيش فيها وصالح المصانع الحربية باعتبارها عاملاً من العوامل الأساسية في نهضتنا الحالية. وأثناء قيام المجلس بالتحقيق تقدم المدعي - بصفته رئيساً لنقابة مستخدمي وعمال الشركة - بشكوى إلى رئيس مجلس التحقيق موقع عليها منه ومن أعضاء مجلس إدارة النقابة وبعض مستخدمي وعمال الشركة ضد السيد/ حسن محمد توفيق المدير الإداري للمصنع. وقد قرر مجلس التحقيق أن السيد/ حسن بحر عبد المولى (المدعي) ارتكب المخالفات الآتية:
(1) تزعمه عمال المصنع وتوجيههم ضد بعض الموظفين لأسباب شخصية ذكرت في أقواله.
(2) حصوله على بعض التوقيعات على الشكوى أثناء العمل والتحقيق بقصد التأثير في إجراءاته".
وبعد أن استعرض الحكم الأقوال التي أبديت في التحقيق خلص إلى ما يأتي "ومن حيث إن المستفاد مما تقدم أن ثمة شكوى وقعها رئيس وأعضاء مجلس إدارة النقابة - التي أوصى مجلس التحقيق بحلها على أن تؤول أموالها إلى لجنة إدارية تنشأ بالمصنع - وعدد كبير من المستخدمين والعمال ضد السيد/ حسن محمد توفيق المدير الإداري للمصنع بدار النقابة يوم الجمعة الموافق 24 من أكتوبر سنة 1958 وقد حمل المدعي بصفته رئيساً للنقابة الشكوى قبل انصرافه من دار النقابة وظلت معه حتى وقت تقديمها، كما طلب من بعض الموظفين والعمال في اليوم التالي أثناء العمل بالمصنع التوقيع على الشكوى، إلا أنه لم يثبت في حق المدعي أنه هو الذي دعا إلى اجتماع بدار النقابة أو أنه محرر الشكوى أو أنه تزعم العمال ووجههم ضد بعض الموظفين، كما أن مجلس التحقيق قد انتهى إلى مساءلة المشكو في حقه... ومن حيث إن العلاقة بين المدعي والحكومة هي علاقة عقدية يحكمها قانون عقد العمل الفردي ولائحة الجزاءات الخاصة بشركة سيرفا فإنه وعلى فرض ثبوت التهمتين المذكورتين الموجهتين للمدعي والذي على ضوئهما فصل من الخدمة وهما لا تخرجان عن كون المدعي قد ادعى كذباً على رؤسائه أو زملائه لأسباب شخصية وحصوله - لتزعمه العمال - على بعض التوقيعات على شكوى أثناء العمل. ولما كانت لائحة الجزاءات الخاصة بالشركة المذكورة والصادر بها قرار من وزير الشئون الاجتماعية في 4 من إبريل سنة 1953 تنص على أن جمع التوقيعات بدون إذن أو الادعاء كذباً على الرؤساء أو الزملاء مما يؤدي إلى تعطيل العمل يعاقب عليه بخصم نصف يوم في المرة الأولى ويوم في المرة الثانية ويومين في المرة الثالثة وثلاثة أيام في المرة الرابعة وإذا تكررت المخالفة لأكثر من رابع مرة قبل مضي ستة أشهر على وقوع المخالفة السابقة لها جاز فصل العامل مع صرف المكافأة. ولما كان الثابت أن مخالفة المدعي للنص المشار إليه كانت للمرة الأولى، ومن ثم يكون ما وقع على المدعي من عقوبة الفصل مخالفاً للقانون وبالتالي طلب إلغاء القرار الصادر بفصله من الخدمة مستنداً على أساس سليم من القانون.
وبصحيفة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 30 من ديسمبر سنة 1961 طعن الطاعنان في حكم المحكمة الإدارية المشار إليه طالبين إلغاءه ورفض دعوى المطعون ضده، وقام الطعن على أن الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى تكييف العلاقة بين المدعي والحكومة على أنها علاقة عقدية يحكمها عقد الاستخدام والمرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 بشأن عقد العمل الفردي، وأن هذا التكييف سليم، إلا أنه عند التطبيق على واقعة الدعوى وطلبات المدعي خرج الحكم عن نطاق تطبيق القانون المذكور، ذلك أن المدعي قد فصل من الخدمة بمقتضى المادة 36 من هذا القانون ونصها يعطي لكل من طرفي عقد العمل غير المحدد المدة الحق في إلغاء العقد بإرادته المنفردة بعد إمهال الطرف الآخر أو تعويضه عن مدة المهلة، وهذا الحكم هو ما تضمنته أيضاً المادة 694 من القانون المدني في فقرتها الثانية، وحكمة تقرير هذا الحق لكل من طرفي العقد هو القضاء على كل شبهة بشأن أبدية العقد، بمعنى أن العقد غير المحدد المدة عقد مؤقت فلا يجوز التنازل مطلقاً عن الحق في فسخه, واستعمال هذا الفسخ بالإرادة المنفردة لا يترتب أية مسئولية طالما استند إلى مبرر، فإذا أعوزه المبرر كان للطرف الذي أصابه الضرر من هذا الفسخ الحق في تعويض تقدره المحكمة عملاً بنص المادة 39 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 والفقرة الثانية من المادة 695 مدني، ومناقشة المبررات التي دعت إلى إصدار القرار المطعون فيه لبيان ما إذا كان قد صدر في وقت لائق أم أنه جاء مشوباً بالتعسف مكانها الطبيعي في دعوى التعويض عن الفصل لا في الدعوى الراهنة.
وقد قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً في الدعوى أبدت فيه أن مجرد تكليف بعض العمال والموظفين بالاستمرار في شركة سيرفا المستولى عليها لا يقلب صفة هؤلاء العمال والموظفين من أفراد يخضعون لأحكام القانون الخاص وتربطهم بالشركة علاقة عقدية يحكمها قانون العمل الفردي إلى موظفين عموميين تربطهم بالجهة الإدارية علاقة تنظيمية تحكمها القوانين واللوائح ذلك أن الجهة الإدارية لم تنصرف إرادتها إلى تعيين هؤلاء العمال والموظفين واعتبارهم ضمن عمالها وموظفيها وإنما قصدت فقط إلى إلحاقهم بالعمل في نفس وظائفهم وبنفس حالتهم بصفة مؤقتة مراعاة لحسن سير المرفق بانتظام واطراد وعلى مقتضى هذا تظل علاقتهم بالشركة المشرفة عليها إدارة مصانع الطائرات بموجب قرار الاستيلاء علاقة عقدية يحكمها قانون عقد العمل الفردي ولوائح الشركة المذكورة ومن بينها اللائحة الخاصة بالجزاءات، أنه لما كان قانون عقد العمل الفردي لم يجز في أحكامه إلغاء قرار فصل العامل أو إنهاء خدمته إذا فسخ عقده دون مبرر وإنما كل ما قرره للعامل من حقوق في هذا الشأن هو استحقاقه لتعويض عن فصله دون مهلة فضلاً عن استحقاقه للمكافأة على الوجه المبين بالقانون، وأنه لا محل بعد ذلك لبحث سبب قرار إنهاء خدمة المطعون ضده ومدى مطابقته أو مخالفته للقانون بغية الوصول إلى إلغائه، وانتهت هيئة المفوضين إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المدعي المصروفات.
وقد قدم المطعون ضده مذكرة ختامية طلب فيها رفض الطعن مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة، وأورد فيها أنه كان قد رفع الدعوى 2334 لسنة 1959 عمال كلي القاهرة بطلب إعادته إلى عمله واعتبار قرار فصله كأن لم يكن وتعويضه بمبلغ 3000 جنيه وقد دفع فيها الحاضر عن الحكومة بعدم اختصاص المحكمة بنظر النزاع بناء على أن العلاقة بين المدعي والمدعى عليها أصبحت علاقة لائحية وليست تعاقدية ويختص بنظرها مجلس الدولة استناداً إلى أحكام القانون رقم 165 لسنة 1955 وقد أخذت المحكمة بالدفع المذكور وحكمت بعدم اختصاصها ولائياً بنظر الدعوى وإزاء هذا الحكم بادر برفع الدعوى الحالية أمام المحكمة الإدارية المختصة واستطرد المطعون ضده قائلاً إن العلاقة بينه وبين الجهة الإدارية في مرحلة الاستيلاء المؤقت هي علاقة لائحية ذلك أنه عند استيلاء الوزارة على الشركة أصدرت أمراً للعمال والموظفين بتكليفهم الاستمرار في العمل وفي إصدار هذا الأمر إهدار لأهم شرط في عقد العمل وهو ركن الرضا، ولئن كان قرار الفصل قد قرر معاملته بأحكام قانون العمل فإن هذا لا يخلع عن العلاقة صفتها اللائحية إذ للجهة الإدارية الحق في الاسترشاد بالقوانين المعمول بها، على أن هذا البحث لا محل له من شراء الحكومة للمصنع في 4 من ديسمبر سنة 1958 إذ تنقلب العلاقة بحكم القانون إلى علاقة لائحية والمطعون ضده قد أبلغ قرار الفصل في ذلك اليوم ومن ثم يجوز له أن يلجأ للقضاء الإداري بطلب إلغاء القرار المذكور بالتطبيق لأحكام قانون مجلس الدولة، وأضاف المطعون ضده أنه إذا أخذ برأي الدفاع عن الحكومة ورأي هيئة المفوضين من أن العلاقة ينطبق عليها قانون عقد العمل الفردي فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب فيما ذهب إليه بعد أن تبين أن الفصل من الوظيفة إنما تم بسبب نشاط المطعون ضده النقابي ويتعين إعادته للعمل بالتطبيق للمادة 39 مكرر من ذلك القانون.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه في يوم 6 من يونيه سنة 1956 صدر القانون رقم 243 مكرر لسنة 1956 وقضى في مادته الأولى بأن "يرخص لوزير الحربية في شراء جميع أسهم شركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) ش. م. م. وذلك في حدود مبلغ 91000 جنيه" كما قضى في مادته الثانية بأن "تنتهي الشخصية الاعتبارية لشركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) من تاريخ إتمام هذا الشراء وتنتقل جميع حقوقها والتزاماتها إلى وزارة الحربية وتلحق بمصنع الطائرات الحربية وتسري عليها أحكام القانون رقم 3 لسنة 1954 الخاص بإنشاء مصنع الطائرات الحربية" وجاء في المذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه لما كانت أغراض شركة سيرفا المشار إليها ذات اتصال وثيق بالمجهود الحربي ونظراً لأهمية قيام تلك الصناعة في مصر من الوجهة الحربية وتذليلاً للصعاب التي تعترض طريق إنتاج تلك المعدات الحربية فقد رأت وزارة الحربية أن تقوم الحكومة بشراء تلك الشركة على أن تلحق بعد شرائها بمصنع الطائرات الحربية الذي أنشئ بالقانون رقم 3 لسنة 1954 وذلك لشدة احتياج مصنع الطائرات الحربية لمنتجات الشركة المذكورة - وأعقب هذا القانون صدور الأمر رقم 1645 في 14 من نوفمبر سنة 1956 من وزير الحربية بناء على السلطة المخولة له بالقانون رقم 206 لسنة 1956 وهو ينص في مادته الأولى على أن "يستولى فوراً على مصانع ومنشآت ومتعلقات شركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) كاملة بتجهيزاتها". وفي المادة الثانية على أن "تقوم إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية باستلام مصانع ومنشآت ومتعلقات الشركة المشار إليها في المادة الأولى من هذا الأمر لاستخدامها في الأغراض المطلوبة". وفي المادة الثالثة على أن "يكلف أفراد الشركة المذكورة الذين تحددهم إدارة مصانع الطائرات بالاستمرار في العمل للمدد التي تحددها وتحت إشرافها" وفي 22 من أكتوبر سنة 1958 أصدر وكيل وزارة الحربية لشئون المصانع أمراً بتشكيل مجلس تحقيق للتحقيق مع السيد/ حمزة عبد السلام أدهم من مصنع سيرفا لتقدمه بتقرير مؤرخ في 19 من أكتوبر سنة 1958 عن المصانع الحربية لجهة غير مختصة وكذلك التحقيق فيما تضمنه ذلك التقرير من وقائع - وفي 24 من نوفمبر سنة 1958 أصدر وكيل الحربية لشئون المصانع القرار رقم 211 لسنة 1958 (وهو القرار المطعون فيه) قاضياً بإنهاء خدمة كل من حمزة عبد السلام أدهم والمدعي تطبيقاً للمادتين 36 و37 من المرسوم بقانون رقم 317 لسنة 1952 وإلغاء أمر التكليف الصادر لكل منهما بالعمل في مصنع سيرفا مع حفظ حقوقهما طبقاً للمادتين سالفتي الذكر وذلك - بالنسبة للأول - لما أتاه من تصرفات محاولاً إثارة الضجة وإظهار المصانع الحربية بصورة بعيدة عن الواقع مع علمه بأنه ليس لديه أدلة تؤيد ما ادعاه في تقريره المؤرخ 19 من أكتوبر سنة 1958 المرفوع للسيد وزير التربية والتعليم المركزي الأمر الذي يترتب عليه إزعاج السلطات العليا دون مبرر، وبالنسبة للثاني أي المدعي لتزعمه عمال المصنع وتوجيههم ضد بعض الموظفين لأسباب شخصية وحصوله على بعض التوقيعات من بعض العمال على شكوى مقدمة منه في هذا الشأن أثناء العمل وعند انعقاد مجلس التحقيق بقصد التأثير على إجراءاته، كما قضى القرار المطعون فيه بأن تتخذ الإجراءات القانونية لحل نقابة مستخدمي وعمال شركة سيرفا ويستعاض عنها بإنشاء لجنة للنشاط الرياضي والاجتماعي تتبع الاتحاد العام للنشاط الرياضي والاجتماعي للمصانع الحربية، وبأن ينشر على موظفي وعمال مصنع سيرفا بأن أي طلبات أو تظلمات يجب أن ترفع بالطريق القانوني المنصوص عليه في لائحة عمال المصانع الحربية ومصانع الطائرات وأن أي خروج عن هذه القواعد سوف يعرض مرتكبوها لأشد الإجراءات.
ويستفاد مما تقدم أن المصنع المملوك أصلاً لشركة القذائف النفاثة ذات الطيران السريع (سيرفا) كان - على ما هو واضح من المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 243 مكرر لسنة 1956 - يقوم على أغراض ذات اتصال وثيق بالمجهود الحربي وينتج من المعدات الحربية ما كان مصنع الطائرات الحربية في حاجة شديدة إليه، وهو بهذه المثابة وباستيلاء الحكومة عليه في 14 من نوفمبر سنة 1956 وتدويلها إدارته بواسطة إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية لاستخدامه في الأغراض العامة، قد أصبح مرفقاً عاماً.
إن الموظف العام هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى، ولما كان الموظفون والعمال الذين كانت شركة سيرفا تستخدمهم أصلاً قد كلفوا - بمقتضى الأمر سالف الذكر الذي صدر أمر الاستيلاء مقروناً به - بالاستمرار في العمل بالمصنع المستولى عليه تحت إشراف إدارة مصانع الطائرات بوزارة الحربية وألحقوا بموجب هذه الأداة الاستثنائية الخاصة بخدمة تلك الإدارة وأصبحوا تابعين لها، فإنهم بحكم كونهم أداتها في تسيير ذلك المرفق العام الذي تقوم عليه، يعدون موظفين عموميين وتسري عليهم تبعاً لذلك الأنظمة المقررة بالنسبة لموظفي الحكومة وعمالها فيما لم يرد به نص خاص في أمر التكليف الصادر إليهم وفي القانون الذي ينظم إصداره، فعلاقتهم بالإدارة المذكورة علاقة لائحية أو تنظيمية لا تعاقدية - كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه - وقد بدأت وقامت على أمر التكليف الصادر إليهم من وزير الحربية بإرادته المنفردة دون دخل لإرادتهم أو تعليق على رضائهم الذي لا قيام لتعاقد مع انتفائه.
ومن حيث إن أمر التكليف المشار إليه، والذي تخضع الرابطة بين العمال المكلفين والحكومة للأحكام الخاصة الواردة به، قد نص على أن يكون عملهم بإدارة مصانع الطائرات للمدد التي تحددها هذه الإدارة، ومن ثم كان الأمر في تحديد الوقت الذي تنتهي عنده خدمة كل منهم مرده إليها تترخص فيه على هدي متطلبات انتظام العمل بالمصنع وحسن سيره، وقرارها في هذا الشأن لا تعقيب عليه ما برئ من الانحراف وإساءة استعمال السلطة، وإذا كانت جهة الإدارة في الدعوى المطروحة قد أنهت بالقرار المطعون فيه خدمة المدعي في الوقت الذي حددته فإن قرارها هذا يجد سنده القانوني فيما خول لها صراحة في أمر التكليف على نحو ما تقدم مما لا محل معه للنعي على القرار بمخالفة القانون، أما عن النعي عليه بإساءة استعمال السلطة فليس ثمة في أوراق الدعوى أي دليل على أن جهة الإدارة بإنهائها خدمة المدعي وإلغاء تكليفه قد صدر عن الهوى أو الغرض واستهدفت غير وجه الصالح العام، وقد صدر قرارها هذا في مناسبة ما نسب إليه بعد تحقيقات أجريت ممن تزعمه عمال المصنع وتوجيههم ضد بعض الموظفين لأسباب شخصية وحصوله على بعض التوقيعات من بعض العمال على شكوى مقدمة منه في هذا الشأن أثناء العمل وعند انعقاد مجلس التحقيق بقصد التأثير على إجراءاته، وهو ما ينأى بقرارها عن منطقة الانحراف إذ لا يخفي ما يحيط بالعمل في ذلك المرفق الهام مرفق المصانع الحربية من اعتبارات خاصة تدعو إلى أبلغ الحرص على سيره في انتظام وهدوء وعلى تجنيبه أي عامل للقلقلة أو الاضطراب.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويتعين الحكم بإلغائه وبرفض دعوى المدعي مع إلزامه بمصاريفها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.