مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1964 إلى آخر يناير سنة 1965) - صـ 155

(18)
جلسة 5 من ديسمبر سنة 1964

برياسة السيد الأستاذ/ عبد العزيز الببلاوي رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ حسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبي يوسف وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 229 لسنة 9 القضائية

دعوى - إجراءات - تكرار طلب التأجيل لذات السبب - رفض المحكمة للتأجيل وفصلها في الدعوى بعد أن أتاحت لصاحب الشأن فرصة التقدم بدفاعه - سليم.
ليس من السائغ أن يطلب الطاعن التأجيل لأكثر من مرة لنفس السبب الذي تقدم به والذي من أجله أجابته المحكمة إلى طلب فتح باب المرافعة وأتاحت له ولغيره تقديم مستندات ومذكرات ثم عندما حجزت الدعوى للحكم أتاحت له أيضاً التقدم بها، وقد قدم فعلاً دفاعه الموضوعي فلا جناح عليها إن فصلت في الدعوى بعد ذلك ومن ثم يكون النعي عليها من هذا الوجه لا أساس له من القانون ويتعين الرفض.


إجراءات الطعن

في 11/ 2/ 1963 أودع السيد رئيس هيئة مفوضي الدولة بناء على طلب السيد/ أنور قلاده فرج سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن عن الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم بجلسة 26/ 12/ 1962 في الدعوى رقم 20 لسنة 3 ق المقامة من النيابة الإدارية ضد السيد أحمد إبراهيم جادو وآخرين وطلب السيد الطاعن بناء على طلب صاحب الشأن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وقد تعين لنظر الطعن جلسة 2/ 11/ 1963 أمام دائرة فحص الطعون وأخطر بها ذوو الشأن في 12/ 10/ 1963 فقررت بإحالته إلى هذه الدائرة فعينت له أولاً جلسة 14/ 12/ 1963 وأخطر بها ذوو الشأن في 27/ 11/ 1963 فنظرته في جملة جلسات على النحو الوارد في محضر جلستها ثم قررت إرجاء الحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن واقعات هذا الطعن تخلص فيما أبلغ به ناظر مدرسة المعالي الابتدائية بنين بشبرا - حيث يعمل الطاعن - المنطقة التعليمية الشمالية والإدارة العامة للتعليم الحر في أوائل العام الدراسي 1953/ 1954 من أن بعض المدرسين اقترفوا مخالفات فتولت النيابة الإدارية التحقيق فبان لها منه أن المبلغ وكثيرين من المدرسين اقترفوا مخالفات عديدة ومن ثم طلبت إقامة الدعوى التأديبية قبلهم بتقرير اتهام أودعته نسبت فيه للطاعن أنه بصفته مدرساً بالمدرسة خرج على مقتضى الواجب بأن أغفل إثبات مدة خدمته السابقة بمجلس الدولة وذلك على الاستمارة رقم 103 مدد خدمة سابقة عندما تقدم بأوراقه للتعيين بالوزارة الأمر الذي ترتب عليه أن استولى على مرتب يومي 28، 29/ 2/ 1952 من مجلس الدولة ووزارة التربية والتعليم معاً.
ومن حيث إن المحكمة التأديبية أصدرت حكمها في 26/ 12/ 1962 بعزل الطاعن مع حفظ حقه في المعاش أو المكافأة وأقامت قضاءها على أنه ظهر لها من ملف خدمته أنه كان موظفاً في مجلس الدولة في المدة من 17/ 5/ 1950 حتى 12/ 3/ 1952 حيث قدم استقالته من العمل به وانقطع عن العمل - اعتباراً من 1/ 3/ 1952 حتى 11/ 3/ 1952 ثم قبلت الاستقالة في 29/ 3/ 1952 اعتباراً من تاريخ تقديمها في 12/ 3/ 1952 على أن تكون المدة من أول مارس حتى 11 منه إجازة بدون إذن وبدون مرتب ثم تسلم مسوغات تعيينه من المجلس في 12/ 4/ 1952. كما ثبت لها أنه استلم عمله في وزارة التربية والتعليم اعتباراً من 28/ 2/ 1952 وقرر بالاستمارة رقم 103 بعدم وجود خدمة سابقة وصدر إذن التعيين في 2/ 11/ 1952 اعتباراً من 2/ 2/ 1952 ولكنه أغفل عامداً مدة خدمته السابقة بالاستمارة 103 كما قبض راتبه كاملاً من مجلس الدولة عن شهر فبراير سنة 1952 مع أنه عمل في وزارة التربية والتعليم اعتباراً من 28/ 2/ 1952 وحصل من تلك الوزارة على راتب عن يومي 28، 29 من فبراير سنة 1952، أما إغفاله الإشارة إلى مدة عمله السابق فليس القصد من ذكر المدة السابقة في الاستمارة هو ضم مدد الخدمة السابقة فحسب بل الوقوف على عناصر الصلاحية للتعيين وآية تعمده الإغفال أنه استلم مؤهله الدراسي في 29/ 4/ 1952 ولم يقدمه للجهة الجديدة إنما قدم صورة شمسية منه حتى يخفي واقعة سابقة عمله في مجلس الدولة لما جرى عليه العمل من ختم المؤهل بخاتم الجهة التي كان يعمل بها الموظف عند استرداده لمؤهله منها وأما قبضه راتباً عن يومي 28، 29 من مجلس الدولة ووزارة التربية والتعليم فأمر يكشف عن عدم استقامته وحسن سمعته ونزاهته وهذه عناصر يجب توافرها في الموظف عند التعيين وفي أثناء الخدمة.
كما أنه ارتكب تزويراً في اشتراك ترام وجوزي عن ذلك إدارياً بالخصم من راتبه خمسة عشر يوماً وأنه ثبت لها ما تقدم فاعتبرت الطاعن عنصراً فاسداً في الإدارة الحكومية يجب بتره تطهيراً لها من أمثاله لأن رجل التعليم يصعب بشأنه وضع حد بين المسلك الوظيفي وغير الوظيفي لما يجب أن يتحلى به من خلق قويم وسيرة عطرة في كافة تصرفاته باعتباره القدوة الحسنة التي يحتذي بها تلاميذه الذين على شاكلته يشبون.
ومن حيث إن الطاعن قدم مذكرة بأسباب طعنه نعى فيها على الحكم المطعون الأوجه الآتية:
(1) بطلان الحكم المطعون فيه لإخلاله بحق الدفاع وفي بيان هذا الوجه ذكر أن المحكمة التأديبية قررت بجلسة 21/ 11/ 1962 حجز الدعوى للحكم بجلسة 26/ 12/ 1962 وغفلت عن طلبه الثابت في محضر جلستها الخاص بالاطلاع على الأوراق والتأجيل لحضور محاميه وهذا ينطوي على الإخلال بحق الدفاع إخلالاً جوهرياً يتعين معه بطلان الحكم، ومما يؤكد هذا البطلان أن المحكمة خالفت ما جاء في قرار الاتهام ومذكرة النيابة من أن ما اقترفه كان بحسن نية ولكنها غيرت الوصف والتكييف إلى جعل تصرفه صادراً بسوء نية دون أن تشير في القليل إلى رغبتها في هذا التغيير أو تنبه إليه محاميه.
(2) بطلان إجراءات تحقيق الدعوى مما أثر في الحكم المطعون عليه وذلك بأن اعتبرت المحكمة أنه التحق بخدمة وزارة التربية والتعليم في 28/ 2/ 1952 ولم يقدم استقالته من مجلس الدولة إلا في 12/ 3/ 1952 في حين أنه ثبت أن تقديم استقالته كان في 28/ 2/ 1952 مشروطاً بصرف المكافأة ثم أردف بطلبه الأول... طلباً ثانياً في 12/ 3/ 1952 تنازل فيه عن المكافأة "يراجع ملف خدمته" وفعلاً جاء طلبه الثاني مشيراً إلى طلبه الأول من التقرير بتنازله عن المكافأة رغبة منه في قبول الاستقالة فصدر قرار رئيس مجلس الدولة في 29/ 3/ 1952 مشيراً إلى الاستقالة الأولى في 28/ 2/ 1952 وإلى طلبه الثاني المقدم في 12/ 3/ 1952 ثم وقع إقرار قيامه بالعمل في وزارة التربية والتعليم في 28/ 2/ 1952 ولكنه لم يباشر عمله إلا في 2/ 3/ 1952 ومن ثم اعتبر يوم 28 وأول مارس إجازة عارضة وأما يوم 29/ 2/ 1952 فكان يوم جمعة وإذ كانت له مصلحة جوهرية في إقامته بالعمل في أول مارس لأن قوانين الوزارة تقضي بأن من يعين ابتداء من أول مارس لا يعتبر موظفاً على البند الأول... وإنما يعتبر موظفاً بمكافأة بحيث لا يصرف له مرتب في الإجازة الصيفية ويمكن للوزارة الاستغناء عنه بمجرد انتهاء السنة الدراسية واستطرد ذاكراً أنه وجد أن حصوله على مسوغات التعيين يحتاج إلى وقت طويل وأن التعيين لا يكون إلا بعد استيفاء كل مسوغاته ومن ثم اضطر إلى تقديم الصور الشمسية من المسوغات وقد تم له كل ذلك في الفترة السابقة على 12/ 4/ 1952، وأنه لم يتمكن من سحب المسوغات من مجلس الدولة إلا في 27/ 4/ 1952 وإذ عول الحكم على أنه سحب مسوغات تعيينه في 12/ 4/ 1952 ذاكراً أنه تعمد عدم تقديمها فيكون مخالفاً لما هو ثابت في الأوراق ويكون استخلاص سوء النية استخلاصاً غير سائغ وكذلك يكون استخلاصه سوء النية من الأفعال التي ارتكبها على سابقة نسبة تزوير إليه في اشتراك ترام مع انتفاء هذه التهمة عنه إذ لا يعتبر الإثم السابق على فرض قيامه دليلاً على الإثم الجديد فيما لو كان القديم ثابتاً - كما أن الجزاء على الإثم القديم لم يعدمه الصلاحية في البقاء في الوظيفة بدليل أنه بقى موظفاً في مجلس الدولة بعد توقيع الجزاء فانتقلت صلاحيته إلى وظيفته الجديدة دون أن يفقدها.
ثم أردف إلى ما تقدم أن المحكمة كونت عقيدتها في إثبات الإثم على أمور لم يقم عليها قرار الاتهام ولكنها وردت في محاضر الجلسات واهتمت بها فقد قيل أنه سبق الحكم عليه في جريمة الاعتياد على الإقراض بالربا الفاحش من المحاكم الجنائية مع أنه برئ نهائياً من هذه التهمة في 20/ 10/ 1963 وقدم صورة رسمية من حكم البراءة (تراجع حافظة مستنداته) كما أشار إلى أن الحكم المطعون فيه شابه البطلان من وجه آخر إذ قضت تلك المحكمة في الدعوى بعد سقوطها بمضي المدة ذلك أن آخر إجراء صحيح في التحقيق يرجع إلى 2/ 10/ 1954 ثم صدر قرار وكيل وزارة التربية والتعليم المساعد بإحالته إلى مجلس تأديب في 31/ 3/ 1955 ولم يتخذ أي إجراء بعد ذلك حتى حرر تقرير الاتهام في 30/ 7/ 1960 أي بعد انقضاء أكثر من خمس سنوات على آخر إجراء صحيح ولا يقطع المدة إحالة الأوراق إلى ديوان المحاسبات لاتخاذ إجراءات المحاكمة التأديبية إذ لم يكن هو أحد الذين أحيل التحقيق معهم إلى ديوان المحاسبات كما هو ثابت من قرار السيد وكيل الوزارة المشار إليه آنفاً.
(3) الوجه الثالث: مخالفة الحكم للقانون والخطأ في تطبيقه وتأويله وتفسيره.
وشرح هذا الوجه فقال إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه على إغفال بيان مدة الخدمة السابقة في الاستمارة رقم 103 وأن هذه الورقة لها صفة الرسمية وتعول عليها الجهة الإدارية للوقوف على مدى صلاحية المرشح للتعيين بحسب مفهوم المادة 6 من القانون 210 لسنة 1951 وأخذ الحكم هذا الأمر على هذا النحو فيه مخالفة للقانون لأن الاستمارة 103 ليست من الأوراق المنصوص عليها في المادة 6 المشار إليها وغير معدة لإثبات مدة الخدمة وهي لا تعدو أن تكون إقراراً من الموظف عن المدة السابقة التي يحق له ضمها وإذ أن منشورات المالية تحتم عدم ضم المدة التي تقل عن سنتين وطالما أن مدته أقل من سنتين فليس له أن يضمها فإذا ما أغفلها فلا إثم عليه وبالتالي يبدو الحكم المطعون وقد وصفه بسوء النية في هذا الإغفال منافياً للقانون. (يراجع منشور رقم 2 لسنة 1931 في الوظائف الفنية) أما استخلاصه توافر سوء النية في قبضه راتب يومي 28، 29 فبراير سنة 1952 من مجلس الدولة ومن وزارة التربية والتعليم فهو غير سديد أيضاً إذ أن قبضه أجر هذين اليومين كان ضمن شهر فبراير سنة 1952 والأجر يصرف له مشاهرة وقد ظل يعمل في وزارة التربية والتعليم طوال أربعة أشهر لم يقبض راتباً إذ صرفت له أجره دفعة واحدة بالإذن رقم 8380 ورقم 633137 مجموعة 13 ولما أن علم أن تنازله عن المكافأة غير قانوني قدم طلباً إلى مجلس الدولة بخصم أجر اليومين من المكافأة التي يستحقها وسجل هذا الطلب في حينه في دفتر الوارد بخط الموظف المختص "محمد أحمد الخراط" ثم أضاف إلى ما تقدم أنه قضي ببراءته نهائياً في الاتهام الكيدي الذي وجه إليه في تهمة الإقراض بالربا الفاحش وعلى ذلك طلب الحكم ببطلان الحكم المطعون فيه أو إلغاءه وبراءته مما أسند إليه أو إعادة الدعوى إلى المحكمة التأديبية للحكم فيها مجدداً من دائرة أخرى.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت مذكرة بوجهة نظرها في هذا الطعن بسطت فيها الوقائع على النحو السالف ذكره ثم قررت أن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية وذكرت عن موضوعه أنه ثبت لها أن الطاعن كان موظفاً في مجلس الدولة ثم قدم استقالة منه وقدم طلب تعيين إلى وزارة التربية والتعليم فعين فيها وتسلم عمله اعتباراً من 28/ 2/ 1952 وأخفى مدة خدمته السابقة ولم يذكرها في الاستمارة 103 كما حصل على راتبه كاملاً في يومي 28، 29 من فبراير سنة 1952 من مجلس الدولة ومن وزارة التربية والتعليم كذلك ارتكب جريمة تزوير في اشتراك ترام واستعماله وقيدت الواقعة ضده جنحة برقم 1887 لسنة 51 جنح مصر القديمة ولكن النيابة العامة اكتفت بمجازاته إدارياً وقد جوزي فعلاً عن ذلك في أثناء عمله بمجلس الدولة بالخصم من راتبه خمسة عشر يوماً ونعت تصرفه بتقديم صور من مسوغات التعيين بالانحراف إذ استلمها في 29/ 4/ 1952 ولم يقدمها إلى وزارة التربية لكي يخفي واقعة اشتغاله بعمل سابق كما قبض راتباً من جهتين حكوميتين عن يومي 28، 29 فبراير لسنة 1952 وراح يبرر ذلك بطرق منحرفة وخارجة عن قاعدة السلوك المستقيم ثم أشارت المذكرة إلى أن الحكم استخلص واقعة الاتهام استخلاصاً سائغاً ولا يعيبه أن استظهر من اقتراف الطاعن واقعة التزوير في اشتراك الترام ما ينم على سوء سلوكه ومن ثم فقده الصلاحية للاستمرار في العمل الوظيفي، ولا حجة في القول ببطلان الحكم لإغفاله دفاعه إذ الثابت أنه رد على دفاعه بما فيه الكفاية وليس من اللازم أن يتعقب كل ما يسوقه الطاعن من أوجه الدفاع - وإذا ما انتهى إلى أن الفصل من الخدمة هو الجزاء الوفاق لما اقترف الطاعن من إثم فيكون الجزاء ملائماً ولا مجال لإعمال الرقابة على ما كونت منه المحكمة التأديبية عقيدتها واقتناعها فيما انتهت إليه وبالتالي يبدو الحكم سليماً لأسبابه التي قام عليها ويكون الطعن عليه واجب الرفض.
ومن حيث إن الطاعن عقب على ما جاء في مذكرة هيئة المفوضين بمذكرة أخيرة ردد أوجه دفاعه السابقة وتمسك بما جاء فيها وأضاف عليه أن الحكم المطعون فيه اتخذ من اتهام سابق وجه إليه في تزوير اشتراك ترام دليلاً على اقترافه ما أسند إليه حالياً وفي ذلك قلب للأوضاع القانونية إذ يجب أن يقوم الاتهام الجديد على أدلة تتوافر له بذاته منبتة الصلة عن كل مؤاخذة سابقة إذ كل ما لها من أثر أن تعتبر ظرفاً مشدداً في وزن الجزاء إذ ما ثبت الاتهام الجديد.
أما عن موضوع تهمة التزوير في الاشتراك رقم 878 فقد تبين أنه بدل فاقد للاشتراك رقم 628 وأن الطاعن ابن أحد عمال الترام السابقين الذين يحملون اشتراكات بالمجان وقد بان من التحقيق أن الاشتراك المضبوط صدر فعلاً من الشركة وعليه ختم من يمثلها قانوناً وليس فيه من تغيير للحقيقة وإنما جرى التحقيق معه بناء على بلاغ كيدي من أحد مفتشي الشركة لسوء تفاهم نشأ بينه وبين والده في أثناء العمل، ومع التسليم الجدلي بأن الاشتراك المضبوط به المحو والكشط الظاهرين فتكون الجريمة مستحيلة بناء على نظرية "التزوير المفضوح الظاهر" أن تضمن الاشتراك تغييراً للحقيقة، أما وقد ثبت من التحقيق أن هذا الاشتراك انتهى العمل به فعلاً قبل ضبطه ولا تغيير في هذا التاريخ فيكون استعماله بمثابة إثبات صلته بأحد عمال الشركة السابقين وقد جرى عرف الشركة بمجرد ذكر صلة القربى بهم يباح لهم الركوب بالمجان إذ لا يكون من شأن هذا الاشتراك منحه حقاً ليس له.
أما عن الاتهام في جريمة الإقراض بالربا الفاحش والذي تأثرت به المحكمة المطعون في حكمها بدليل ما جاء في محاضر جلساتها فقد قضى فيه بالبراءة وفند القضاء تلفيق وكيد خصومه.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة الأوراق أن النيابة الإدارية أودعت تقرير الاتهام في شهر أكتوبر سنة 1960 ونسبت للطاعن أنه بصفته مدرساً بالمدرسة ارتكب: -
خرج على مقتضى الواجب بأن أغفل إثبات مدة عمله السابقة بمجلس الدولة وذلك على الاستمارة رقم 103 مدد خدمة سابقة عندما تقدم بأوراقه للتعيين في وزارة التربية الأمر الذي ترتب عليه أن استولى على مرتب يومي 28، 29/ 2/ 1952 من مجلس الدولة ووزارة التربية والتعليم.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن فقد ثبت من مطالعة محضر جلسة 5/ 9/ 1962 أن المحكمة المطعون في حكمها أصدرت القرار الآتي:
من حيث إن الحاضر عن المتهم طلب التأجيل لأن موكله طريح الفراش ولم يستوف أوجه دفاعه والمستندات المؤيدة له ورغبة في تحقيق العدالة على الوجه المنشود قررت المحكمة إعادة القضية للمرافعة لجلسة 21/ 11/ 1962 وصرحت بالاطلاع وتقديم مذكرات ومستندات وفي الجلسة الأخيرة طلب الحاضر عنه أجلاً للاطلاع وحضور محاميه فحجزت المحكمة الدعوى للحكم لجلسة 26/ 12/ 1962 وصرحت بتقديم مذكرات ومستندات.
ومن حيث إن الطاعن قدم مذكرة مستفيضة لهذه المحكمة تاريخها 24/ 12/ 1962 قبل الجلسة المحددة للنطق بالحكم وهي جلسة 26/ 12/ 1962 استوفى منها أوجه دفاعه وأن ضمنها أصلياً طلب فتح باب المرافعة لاطلاع محاميه إلا أنه طلب احتياطياً الحكم ببراءته مما أسند إليه اعتماداً على الأسباب الموضوعية التي ذكرها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه لا يعاب من هذا الوجه لأنه ليس من السائغ أن يطلب الطاعن التأجيل لأكثر من مرة لنفس السبب الذي تقدم به والذي من أجله أجابته المحكمة إلى طلب فتح باب المرافعة وأتاحت له ولغيره تقديم مستندات ومذكرات ثم عندما حجزت الدعوى للحكم أتاحت له أيضاً التقدم بها، وقد قدم فعلاً دفاعه الموضوعي فلا جناح عليها إن فصلت في الدعوى بعد ذلك ومن ثم يكون النعي عليها من هذا الوجه لا أساس له من القانون ومتعين الرفض.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني فإن ما وقعت فيه المحكمة المطعون في حكمها من أخطاء في ذكر بعض التواريخ لا ينفي التهمة الأولى المسندة إلى الطاعن إذ قرر في ذيل الاستمارة رقم 103 وتحت عنوان الإقرار بعدم وجود معاش ولا مرتب من الحكومة بأنه ليس لديه معاش ولا مرتب من الحكومة وبصرف النظر عن تحديد ما أعد له الأنموذج رقم 103 فإن هذا الإقرار لا يطابق الحقيقة سواء أكان الهدف منه الإسراع في التعيين أم الحصول على أجر من جهتين إداريتين في وقت واحد، كما لا ينفي عنه التهمة الثانية وإن سلم جدلاً معه أنه قدم طلباً بخصم أجر يومي 28، 29 من فبراير سنة 1952 من المكافأة التي يستحقها لأن ذلك لو حصل يكون بعد أن قبض الأجر مرتين وكان يتعين عليه رد أجر اليومين إلى مجلس الدولة بعد انقطاعه الفعلي بالاستقالة منذ 28/ 2/ 1952 لا بعد ذلك بمدة طويلة، أما ما ذكره من تعليلات في دفاعه المشار إليه آنفاً فلا يكفي في دحض هذه التهمة عنه.
ومن حيث إنه فيما يختص بالقول بأن الدعوى التأديبية قد سقطت لرفعها بعد خمسة أعوام من انتهاء التحقيق أو من اتخاذ إجراء نهائي فيها فإن هذا القول على غير أساس من القانون إذ أن المشرع أضاف المادة 102 مكرراً بالقانون رقم 73 لسنة 1957 إلى قانون موظفي الدولة والتي نصها يجري على النحو الآتي: (لا تسقط الدعوى التأديبية بالنسبة إلى الموظفين طول وجودهم في الخدمة وتسقط بمضي خمس سنوات من تاريخ تركهم الخدمة لأي سبب كان). كما نصت الفقرة الأخيرة منها على أنه (إذا تعدد المتهمون فإن انقطاع المدة بالنسبة إلى أحدهم يترتب عليه انقطاعها بالنسبة للباقين ولو لم تكن قد اتخذت ضدهم إجراءات قاطعة للمدة). وقد نشر هذا القانون في 4/ 4/ 1957 وأصبح واجب العمل به من تاريخ نشره، ومن ثم يكون هذا الدفع واجب الرفض.
ومن حيث إن ما أسند إلى الطاعن من اتهام لا يتناسب البتة مع ما وقع عليه من جزاء وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه وإن كان للسلطات التأديبية ومن بينها المحاكم التأديبية سلطة تقدير خطورة الذنب الإداري وما يناسبه من جزاء بغير معقب عليها في ذلك. إلا أن مناط مشروعية هذه السلطة - شأنها كشأن أية سلطة تقديرية أخرى - ألا يشوب استعمالها غلو. ومن صور هذا الغلو عدم الملاءمة الظاهرية بين درجة خطورة الذنب الإداري وبين نوع الجزاء ومقداره إذ في هذه الصورة تتعارض نتائج عدم الملائمة الظاهرة مع الهدف الذي تغياه القانون من التأديب وإذا كانت درجة خطورة الذنب الإداري لا تتناسب البتة مع نوع الجزاء ومقداره فيخرج التقدير من نطاق المشروعية إلى نطاق عدم المشروعية والمعيار في تحديد ذلك موضوعي لا شخصي، وأن تعيين الحد الفاصل بين نطاق المشروعية ونطاق عدم المشروعية في هذه الصورة يخضع لرقابة هذه المحكمة.
والإمعان في الشدة يؤدي إلى إحجام عمال المرافق العامة عن حمل المسئولية خشية التعرض لهذه القسوة الممعنة في الشدة كما أن الإفراط المسرف في الشفقة يؤدي إلى الاستهانة بالواجبات ومن ثم يجعل للجزاء حداً وسطاً بين هذين النقيضين اللذان يتعارضان مع حسن سير المرافق العامة وذلك بتقدير الجزاء تقديراً ملائماً للذنب المقترف دون إمعان في شدة أو إغراق في شفقة.
وبتطبيق هذا المعيار يكون الحكم متسماً بعدم الملاءمة في توقيعه الجزاء السابق ومن ثم يتعين إلغاؤه وتوقيع الجزاء الملائم للذنب المقترف وهو الاكتفاء بالخصم من راتب الطاعن خمسة عشر يوماً.
ومن حيث إن الحكومة أصابها الخسر في الطعن فتحمل عبء مصروفاته وذلك إعمالاً لنص المادة 357 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبمجازاة المطعون لصالحه بخصم خمسة عشر يوماً من راتبه.