مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1964 إلى آخر يناير سنة 1965) - صـ 238

(26)
جلسة 19 من ديسمبر 1964

برئاسة السيد الأستاذ حسن السيد أيوب وكيل المجلس وعضوية السادة الأساتذة محمد شلبي يوسف وعادل عزيز وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 698 لسنة 7 القضائية

تقادم - مدته بالنسبة للالتزامات التي مصدرها القانون - هي خمس عشرة سنة ميلادية ما لم ينص القانون على مدة أقصر - سريان هذه المدة على تقادم حق الحكومة في استرداد مكافأة منحت استناداً إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 11/ 2/ 1930 بعد أن أصبحت غير مستحقة وفقاً لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 28/ 2/ 1923 - أساس ذلك.
إذا كان الثابت أن المكافأة منحت استناداً إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 11/ 2/ 1930 وأن الذي حرم من الأحقية منها نص قرار مجلس الوزراء الصادر في 8/ 3/ 1933 ومن ثم يكون مصدر الالتزام بالرد هو القانون وليس مصدراً غيره وإذا كان مصدر الالتزام هو القانون فيجب أن تكون مدة التقادم خمس عشرة سنة ما دام لا يوجد نص خاص يحدد مدة أخرى وذلك إعمالاً للقاعدة العامة الواردة في القانون المدني التي تنص على ما يأتي "يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون وفيما عدا الاستثناءات".
وهذه المدة تسري على كل التزام لم ينص القانون في خصوصه على مدة أخرى أقصر منها بالشروط والأوضاع التي يقررها.
ومما يظاهر هذا الرأي القضاء السابق لهذه المحكمة في العديد من أحكامها ومما اتجه إليه الفقه الإداري في فرنسا إذ فرق بين ديون الدولة قبل الغير وبين ديون الغير قبلها وقال بأن الأولى تسقط بالمدد المعتادة طبقاً لنصوص القانون المدني، أما الثانية فتسقط بمضي أربع سنوات بمقتضى قانون خاص صدر في هذا الخصوص، وذلك إن لم ينص القانون على السقوط بمدة أقصر.
ولما كانت علاقة الحكومة بموظفيها هي علاقة تنظيمية عامة مصدرها القوانين واللوائح وأن القضاء الإداري ليس ملزماً بتطبيق النصوص المدنية في التقادم أياً كان مجال تطبيقها إلا إذا وجد نص خاص يقضي بذلك أو رأى تطبيقها على وجه يتلائم مع تلك الروابط (يراجع الطعن رقم 98 لسنة 2 ق) فإذا ما رأى تطبيق قواعد القانون المدني كانت قواعده العامة أولى بالتطبيق في حالة عدم النص على الحالات الخاصة لأن الأولى هي الواجبة التطبيق سواء في مجال القانون المدني أو القانون الإداري.
ويبين مما تقدم كله أن حق الحكومة في هذه الحالة لا يتقادم إلا بخمس عشرة سنة ميلادية ومن ثم يكون القول بسقوط حقها في مدة أقصر من غير نص قانون يبرر ذلك على غير أساس.


إجراءات الطعن

في 28 من يناير سنة 1961 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة بصفته سكرتيرية هذه المحكمة صحيفة طعن عن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 28/ 11/ 1960 في الدعوى رقم 854 لسنة 13 ق القاضي بقبول الدعوى شكلاً وفي الموضوع بإلزام الحكومة برد ما استقطعته من معاش المدعي مقابل ما استولى عليه بدون وجه حق لسقوط الحق في المطالبة طبقاً لنص المادة 187 مدني وإلزام الحكومة بالمصروفات.
وفي 14 من فبراير سنة 1961 أعلن الطعن للمطعون ضده وتعين له أولاً جلسة 3/ 11/ 1962 أمام دائرة فحص الطعون فقررت بإحالته إلى هذه الدائرة فعينت له جلسة 9/ 5/ 1964 وأخطر بها ذوو الشأن فنظرته في عدة جلسات ثم أرجأت النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه.
ومن حيث إن واقعات هذه المنازعة تتحصل في أن المطعون ضده أقام دعواه آنفة الذكر طالباً الحكم برد ما استقطع من معاشه وهو مبلغ 100 جنيه صرفته إليه الطاعنة مكافأة عن مدة الخدمة الزائدة عن الحق الذي يدخل في المعاش، وبسط دعواه قائلاً إنه أحيل إلى المعاش في سنة 1952 بعد أن أمضى في خدمة الحكومة أكثر من ثلاثة وأربعين عاماً في وظائف عسكرية معينة وفي حساب المعاش لم يحسب له من هذه المدة إلا سبع وثلاثون عاماً ونصف وأما المدة الزائدة فلم تحسب له إلا مدة سنتين فقط ومنحت له مكافأة عنها مقدارها 100 جنيه بواقع نصف مرتب شهر من آخر مرتب تقاضاه وقد صرفت إليه هذه المكافأة فعلاً في 2/ 8/ 1952 وفي 20/ 5/ 1957 طالبته الوزارة برد هذا المبلغ باعتبار أنه صرف إليه مكافأة إضافية بغير وجه حق وقد بدأت فعلاً تخصم من معاشه شهرياً من يونيه سنة 1957 بواقع 16 جنيه و780 مليماً وأضاف المطعون ضده إلى الوقائع السابقة أنه لا يسوغ لها طلب رد المكافأة للأسباب الآتية:
(1) أنه صرف هذه المكافأة اعتماداً على قرار مجلس الوزراء الصادر في 11/ 12/ 1930 الذي قدر المكافأة المستحقة للضباط الذين أحيلوا إلى المعاش في الفترة من 1/ 5/ 1928.
(2) أن نص المادة 46 من القانون 59 لسنة 1930 لا يجيز للحكومة ولا لصاحب الشأن أن ينازع في مقدار المكافأة التي دفعت إلا إذا قدمت المعارضة في خلال الستة الأشهر التالية لتاريخ صرف المكافأة.
(3) لا يسوغ تطبيق المادة 187 من القانون المدني في شأنه إذ أن مدة السقوط التي حددتها المادة المشار إليها في ثانياً وهي الواجبة التطبيق أقصر من المدة التي حددتها هذه المادة.
فردت الطاعنة على هذه الوقائع بأن المطعون ضده عمل في خدمتها مدة زمنية طويلة ثم أحيل إلى المعاش برتبة لواء في 18/ 6/ 1952 بقرار من مجلس الوزراء صدر في ذلك التاريخ مع ضم المدة الباقية لبلوغه السن القانونية في 12 من يناير سنة 1953 إلى مدة خدمته المحسوبة في المعاش ومنح الفرق بين الماهية والمعاش عن المدة المضافة، وأن إحالته إلى المعاش كان على أساس قانون المعاشات العسكرية رقم 59 لسنة 1930 إعمالاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 8/ 2/ 1933 الذي رخص لضباط الجيش الذين كانوا يعملون في خدمة الشرطة واختاروا المعاملة بأحكام القانون 37 لسنة 1929 بالعدول عن هذا الاختيار وتطبيق قانون المعاشات العسكرية آنف الذكر، وبتسوية معاشه وفقاً لأحكام هذا القانون استحق معاشاً مقداره 78 جنيه و150 مليماً ثم صرفت إليه مكافأة إضافية قدرها 100 جنيه عن المدة الزائدة عن الـ 37 سنة ونصف وبذا يكون هذا المبلغ قد صرف إليه دون وجه حق لأن قرار مجلس الوزراء الصادر في 8/ 2/ 1933 نص صراحة على عدم استحقاق من طلبوا المعاملة بقانون المعاشات العسكرية لهذه المكافأة.
ثم استطردت ذاكرة أن هذه المكافأة لا ينطبق عليها حكم المادة 46 من قانون المعاشات رقم 59 لسنة 1930 المعدل بالقانون 546 لسنة 1953 إذ هي ليست مكافأة أصلية عن مدة خدمة فعلية وإنما هي منحة لضباط الجيش قررها مجلس الوزراء في 11/ 12/ 1930 ثم ألغاها في 8/ 2/ 1933 وإذ هي صرفت بغير وجه حق فيحكمها نص المادة 187 من القانون المدني دون غيرها وقد بادرت فعلاً إلى إقامة الدعوى في إبريل سنة 1956 قبل أن تمضي المدة التي حددتها هذه المادة.
ومن حيث إن تلك المحكمة أصدرت حكمها آنف الذكر وأقامته على أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 8/ 2/ 1933 رخص للضباط الذين سبق لهم اختيار قانون المعاشات المدنية أن يعدلوا عن اختيارهم ويطلبوا تطبيق قانون المعاشات العسكرية بشرط أن يقدموا طلباً بذلك في المدة التي حددها القانون 59 لسنة 1930 وألا يمنحوا المكافأة المنصوص عليها في قرار مجلس الوزراء الصادر في 11/ 12/ 1930، وأن هذه المكافأة لا تطبق في شأنها المادة - 46 من القانون رقم 59 لسنة 1930 لأنها لم تقرر بهذا القانون وإنما الذي يحكمها هو نص المادة - 187 من القانون المدني الذي يقضي بسقوط الحق في استرداد ما دفع بغير وجه حق بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من دفع غير المستحق بحقه في الاسترداد، وأن الجهة الإدارية صرفت له هذه المكافأة في 2/ 8/ 1952 كما قامت بتسوية حالته في 18/ 6/ 1952 عند إحالته إلى المعاش وأن هذه الجهة لم تكن تجهل حقيقة مركزه وقت الصرف ومن ثم تحسب المدة التي حددتها هذه المادة من تاريخ الصرف ومن ثم تنتهي في 2/ 8/ 1955، وإذ تقرر الجهة الإدارية أنها لم تحرر إلى إدارة قضايا الحكومة بطلب هذه المكافأة إلا في 1/ 4/ 1956 ولم تطالبه قضائياً بأن تحرر له طلباً برد هذا المبلغ إلا بكتابها المؤرخ 20/ 5/ 1957 ومن ثم يكون حقها قد سقط بانقضاء مدة ثلاث سنوات على التفصيل السابق وبالتالي يكون ما استقطعته من معاشه على غير أساس من القانون ويتعين عليها رده إليه.
ومن حيث إن الطعن أسس على القول بأن روابط القانون العام تختلف عن روابط القانون الخاص وأنه كان على المحكمة المطعون في حكمها أن تقضي بسقوط الحق بمضي خمس عشرة سنة من اليوم الذي ينشأ فيه هذا الحق أو من يوم قبض المطعون ضده المبلغ غير المستحق، وأن الحق في المكافأة كان مقرراً ومستمداً من قرار مجلس الوزراء الصادر في 11/ 12/ 1930 كما أن عدم الأحقية مستمد من قرار مجلس الوزراء الصادر في 8/ 2/ 1932 ومن ثم يكون مصدر الالتزام بالرد هو القانون وهو المصدر الخامس من مصادر القانون فلا تحكمه المادة 187 من القانون المدني إذ هذه المادة خاصة بالالتزامات التي مصدرها الإثراء بلا سبب وهو المصدر الرابع من مصادر القانون وهذا ما انتهى إليه حكم المحكمة الإدارية العليا (يراجع الطعن رقم 98 لسنة 2 ق بجلسة 8/ 12/ 1956) وإذ ذهبت محكمة القضاء الإداري إلى وجوب تطبيق هذه المادة مع اختلاف مصدر الالتزام يكون حكمها مخالفاً للقانون متعين الإلغاء وبالتالي رفض دعوى المطعون ضده.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً برأيها ذهبت فيه إلى القول بأن المطعون ضده لم يكن له حق في المكافأة التي قررها مجلس الوزراء في 11/ 12/ 1930 ومن ثم ليس له أن يتمسك بالحكم الذي نصت عليه المادة 46 من القانون 59 لسنة 1930 وقد أصاب الحكم المطعون فيه في تقريره ذلك ولكنه من جهة أخرى خانه التوفيق إذ قرر تطبيق المادة 187 من القانون المدني على هذه الحالة لأن المبلغ الذي صرف ليس مرتباً ولا مرتباً إضافياً ومن ثم يكون في ذمة المطعون ضده ولا تبرأ منه إلا بمضي التقادم الطويل (خمس عشرة سنة) واستشهد التقرير في هذا المقام بالحكم الصادر من هذه المحكمة في الطعن رقم 176 لسنة 5 ق بجلسة 2/ 7/ 1960 والطعن رقم 871 لسنة 5 ق بجلسة 9/ 10/ 1960 ثم قامت به حالة من حالات مخالفة القانون ويتعين إلغاؤه وبالتالي تضحى الدعوى قمينة بالرفض.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أنه لا يوجد ثمت خلاف حول وقائع هذه المنازعة السابق تباينها وعلى عدم أحقية المطعون ضده في المبلغ الذي قبض موضوع دعواه وإنما مناط الخلاف في النص القانوني الذي يحكم هذا الموضوع وهل المدة مدة سقوط أم مدة تقادم وما نوع هذا التقادم؟
ومن حيث إنه للفصل في ذلك يتعين معرفة كنه هذا المبلغ.
ومن حيث إنه لا جدال في أنه ليس مرتباً ولا مرتباً إضافياً وليس مكافأة من المكافآت التي يعنيها قانون المعاشات رقم 59 لسنة 1930 الذي يحكم حالة المطعون ضده وما دام الأمر كذلك فإن نص المادة - 46 من هذا القانون لا ينطبق في هذه الحالة وهو يتحدث عن مدة سقوط لا مدة تقادم ذلك لأن هذه المادة تحكم المكافأة المقررة بأحكامه، فلا يسوغ سحب حكمها على غيرها من المكافآت التي تقرر بمصدر آخر بل يجب الرجوع فيها إلى المصدر الذي قررها أو إلى أحكام القواعد العامة في حالة عدم نصه عليها، ولأن المطعون ضده عمل مدة طويلة في خدمة الطاعنة الأمر الذي استحق عنها معاشاً ولا يسوغ له الجمع بين معاش ومكافأة ومن ثم تكون هذه المكافأة حتماً ولزاماً غير تلك التي نصت عليها المادة آنفة الذكر وإن اتفقت معها في التسمية.
ومن حيث إن المصدر الوحيد لهذه المكافأة هو قرار مجلس الوزراء الصادر في 11/ 2/ 1930 كما أن الذي حرم من الأحقية منها نص قرار مجلس الوزراء الصادر في 8/ 3/ 1933 سالف الذكر ومن ثم يكون مصدر الالتزام بالرد هو القانون وليس مصدراً غيره وإذا كان مصدر الالتزام هو القانون فيجب أن تكون مدة التقادم خمس عشرة سنة ما دام لا يوجد نص خاص يحدد مدة أخرى وذلك إعمالاً للقاعدة العامة الواردة في القانون المدني التي تنص على ما يأتي "يتقادم الالتزام بانقضاء خمس عشرة سنة فيما عدا الحالات التي ورد عنها نص خاص في القانون وفيما عدا الاستثناءات".
وهذه المدة تسري على كل التزام لم ينص القانون في خصوصه على مدة أخرى أقصر منها بالشروط والأوضاع التي يقررها.
ومن حيث إنه مما يظاهر هذا الرأي القضاء السابق لهذه المحكمة في العديد من أحكامها، ومما اتجه إليه الفقه الإداري في فرنسا إذ فرق بين ديون الدولة قبل الغير وبين ديون الغير قبلها وقال بأن الأولى تسقط بالمدد المعتادة طبقاً لنصوص القانون المدني، أما الثانية فتسقط بمضي أربع سنوات بمقتضى قانون خاص صدر في هذا الخصوص، وذلك إن لم ينص القانون على السقوط بمدة أقصر.
ومن حيث إنه لما كانت علاقة الحكومة بموظفيها هي علاقة تنظيمية عامة مصدرها القوانين واللوائح وأن القضاء الإداري ليس ملزماً بتطبيق النصوص المدنية في التقادم أياً كان مجال تطبيقها إلا إذا وجد نص خاص يقضي بذلك أو رأى تطبيقها على وجه يتلاءم مع تلك الروابط (يراجع الطعن رقم 97 لسنة 2 ق) فإذا ما رأى تطبيق قواعد القانون المدني كانت قواعده العامة أولى بالتطبيق في حالة عدم النص على الحالات الخاصة لأن الأولى هي الواجبة التطبيق سواء في مجال القانون المدني أو القانون الإداري.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم كله أن حق الحكومة في هذه الحالة لا يتقادم إلا بخمس عشرة سنة ميلادية ومن ثم يكون القول بسقوط حقها في مدة أقصر من غير نص قانوني يبرر ذلك على غير أساس وإذ قضى الحكم المطعون فيه بسقوط حق الحكومة في مدة أقصر منها يكون حكماً مخالفاً للقانون وبالتالي يتعين إلغاؤه ورفض دعوى المطعون ضده.
ومن حيث إن المطعون ضده أصابه الخسر ومن ثم يتعين إلزامه بالمصروفات وذلك إعمالاً لنص المادة 357 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي المصروفات.