أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 39 - صـ 397

جلسة 10 من مارس سنة 1988

برئاسة السيد المستشار/ قيس الرأي عطيه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد نجيب صالح وعوض جادو نائبي رئيس المحكمة وصلاح عطية وعمار إبراهيم.

(59)
الطعن رقم 4123 لسنة 57 القضائية

(1) نقض "التقرير بالطعن. وإيداع الأسباب".
عدم تقديم أسباب للطعن. أثره عدم قبول الطعن شكلاً.
(2) تفتيش "إذن التفتيش. إصداره". مواد مخدرة. جلب.
كون التحريات أسفرت عن أن المتهم وآخرين قد جلبوا المواد المخدرة لترويجها بداخل البلاد. إصدار الإذن بضبط المواد المخدرة المجلوبة على المركب المتواجدة بالمياه الإقليمية. مؤداه: صدور الأمر لضبط جريمة تحقق وقوعها.
(3) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "شهود".
حق محكمة الموضوع في تجزئة أقوال الشاهد.
ورود الشهادة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها. غير لازم. كفاية أن تؤدي إليها باستنتاج سائغ.
(4) إثبات "بوجه عام" "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". مواد مخدرة. جلب.
عدم اشتراط أن يكون الدليل قاطعاً في كل جزئية من جزئيات الدعوى. كفاية أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ولو عن طريق الاستنتاج.
(5) مواد مخدرة. جلب. جريمة "أركانها". جمارك "إقليم جمركي" "خط جمركي".
جريمة جلب الجواهر المخدرة. مناط تحققها؟
الإقليم الجمركي والخط الجمركي. ماهية كل منهما في مفهوم المواد الثلاث الأولى من القانون 66 لسنة 1963؟
تخطي الحدود الجمركية أو الخط الجمركي بغير استيفاء الشروط المنصوص عليها في القانون 182 لسنة 1960. يعد جلباً محظوراً.
(6) مواد مخدرة. قصد جنائي. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التحقق من علم المتهم بكنة المادة المضبوطة. موضوعي. ما دام سائغاً.
(7) مواد مخدرة. جلب. قصد جنائي. جريمة "أركانها".
الجلب في حكم القانون 182 لسنة 1960. معناه؟
(8) حكم "بيانات التسبيب".
صياغة الأحكام. لم يرسم لها القانون شكلاً خاصاً.
(9) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب" "ما لا يعيبه في نطاق التدليل".
اختلاف أقوال شهود الإثبات في غير ما هو مؤثر فيما خلصت إليه المحكمة من عقيدة لا عيب.
الإحالة في بيان أقوال شهود الإثبات إلى أقوال أحدهم. لا عيب. ما دامت تتفق في جملتها مع أقوال الأخير.
(10) ارتباط "عقوبة الجرائم المرتبطة" عقوبة "تطبيقها" "عقوبة الجريمة الأشد".
مناط تطبيق كل من فقرتي المادة 32 عقوبات وأثر التفرقة بينهما في تحديد العقوبة؟
(11) مواد مخدرة. جلب. تهريب جمركي. جريمة "أركانها". عقوبة "تطبيقها".
الجواهر المخدرة من البضائع الممنوعة. مجرد إدخالها إلى البلاد قبل الحصول على ترخيص. يتحقق به الركن المادي لجريمتي الجلب والتهريب الجمركي. وجوب الاعتداد بالجريمة الأولى ذات العقوبة الأشد دون عقوبة الجريمة الثانية. أصلية كانت أو تكميلية. أساس ذلك؟
(12) مواد مخدرة. إثبات "قرائن" "بوجه عام". جريمة "أركانها". قصد جنائي. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضي له بالبراءة. القصد الجنائي في جريمة جلب الجواهر المخدرة. استخلاصه موضوعي. متى كان سائغاً.
1 - حيث إن الطاعن الثاني...... وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد إلا أنه لم يودع أسباباً لطعنه مما يتعين معه القضاء بعدم قبوله شكلاً عملاً بحكم المادة 34 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.
2 - لما كان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي جلب المخدرات وتهريبها اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها عرض للدفع ببطلان إذن التفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة ولا تخضع للقانون الجنائي المصري ورد عليه في قوله "بأن كل ما يشترط لصحة التفتيش الذي تجريه النيابة العامة أو تأذن في إجرائه هو أن يكون رجل الضبط القضائي قد علم من تحرياته واستدلالاته أن جريمة معينة جناية أو جنحة قد وقعت من شخص معين وأن تكون هناك من الدلائل والأمارات الكافية والشبهات المقبولة ضد هذا الشخص بقدر يبرر تعرض التفتيش لحريته في سبيل كشف اتصاله بالجريمة وإذ كان الثابت من مطالعة محضر التحريات المحرر بمعرفة العميد...... رئيس قسم النشاط الخارجي بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات في الساعة التاسعة من صباح يوم...... أن الباخرة..... المطلوب الإذن بتفتيشها وضبط ما عليها متواجدة بالفعل بالمياه الإقليمية المصرية وقد صدر إذن النيابة العامة بناء على التحريات المسطرة بمحضره في ذات اليوم الساعة العاشرة والربع صباحاً ومفاد ذلك أن الإذن قد صدر لضبط جريمة تخضع للقانون المصري وتحقق وقوعها من مقارفها لا لضبط جريمة مستقبلة أو محتملة لا تخضع للقانون الجنائي المصري ولا يغير من قناعة المحكمة في هذا الخصوص كون عملية الضبط قد تمت فجر يوم....... حال تراكي الباخرة بميناء بور سعيد إذ أن ذلك لا ينفي تواجدها بالمياه الإقليمية المصرية وعلى ظهرها شحنة المواد المخدرة المجلوبة من لبنان وقت صدور الإذن بالضبط والتفتيش حسبما جاء بالتحريات أو على لسان العميد/....... محرر محضر التحريات والقائم بالضبط والتفتيش والعميد/....... الذي شاركه في ذلك والتي تطمئن إليها المحكمة في هذا الخصوص وتأخذ بها في هذا الشأن سيما وأن الثابت من أقوال...... أن المركب قد وصلت بعد ظهر يوم..... إلى ساحل طرابلس وتم وضع شحنة المخدرات بها وفي اليوم التالي أي....... أبحرت المركب على الفور مما لا ينفي إمكان تواجدها بالمياه الإقليمية المصرية صبيحة يوم....... الصادر فيه الإذن بالضبط والتفتيش وإذ كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية التحريات التي أسفرت عن أن الطاعن وآخرين قد جلبوا كمية كبيرة من المواد المخدرة لترويجها بالداخل، وأن الأمر بالتفتيش صدر لضبط المواد المخدرة المجلوبة على المركب المتواجدة بالمياه الإقليمية المصرية بما مفهومه أن الأمر صدر بضبط جريمة تحقق وقوعها من مقارفيها لا لضبط جريمة مستقبلة. ومن ثم فإن ما أثبته الحكم يكفي لاعتبار الإذن صحيحاً صادر لضبط جريمة واقعة بالفعل ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد غير سديد".
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى، وأنه لا يشترط في شهادة كل شاهد أن تكون دالة بذاتها على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها، وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها. ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون على غير أساس.
4 - من المقرر أنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً.
5 - الجلب في حكم القانون رقم 182 سنة 1960 ليس مقصوراً على استيراد الجواهر المخدرة من خارج الجمهورية وإدخالها إلى المجال الخاضع لاختصاصها الإقليمي كما هو محدد دولياً بل أنه يمتد أيضاً إلى كل واقعة يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها في الفصل الثاني من القانون المذكور في المواد من 3 إلى 6 إذ يتبين من استقراء هذه النصوص أن الشارع اشترط لجلب الجواهر المخدرة أو تصديرها الحصول على ترخيص كتابي من جهة الإدارة المختصة لا يمنح إلا للفئات المبينة بالمادة الرابعة ولا تسلم الجواهر المخدرة التي تصل إلى الجمارك إلا بموجب إذن سحب كتابي تعطيه الجهة الإدارية المختصة للمرخص له بالجلب أو لمن يحل محله في عمله وأوجب على مصلحة الجمارك في حالتي الجلب والتصدير تسلم إذن السحب أو التصدير من صاحب الشأن وإعادته إلى الجهة الإدارية المختصة، كما يبين من نصوص المواد الثلاث الأولى من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 أنه يقصد بالإقليم الجمركي الأراضي والمياه الإقليمية الخاضعة لسيادة الدولة وأن الخط الجمركي هو الحدود السياسية الفاصلة بين الجمهورية والدولة المتاخمة وكذلك شواطئ البحار المحيطة بالجمهورية وتعتبر خطاً جمركياً ضفتا قناة السويس وشواطئ البحيرات التي تمر بها هذه القناة ويمتد نطاق الرقابة الجمركية البحرية من الخط الجمركي إلى مسافة ثمانية عشر ميلاً بحرياً في المياه المحيطة به، ومفاد ذلك أن تخطي الحدود الجمركية أو الخط الجمركي بغير استيفاء الشروط التي نص عليها القانون رقم 182 لسنة 1960 والحصول على الترخيص المطلوب من الجهة الإدارية المنوط بها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - يعد جلباً محظوراً ويضحى النعي في هذا الخصوص غير سديد وإذ كان الحكم قد أثبت أن المركب اجتازت بالمخدرات الخط الجمركي ودخلت المياه الإقليمية المصرية فإن ما أثبته الحكم من ذلك هو الجلب بعينه ويضحى النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديد.
6 - لما كان تقصي العلم بحقيقة الجوهر المخدر هو من شئون محكمة الموضوع، وحسبها في ذلك أن تورد من الوقائع والظروف ما يكفي في الدلالة على توافره بما لا يخرج من موجب الاقتضاء العقلي والمنطقي. وإذ كانت المحكمة قد استظهرت من ظروف الدعوى وملابساتها علم الطاعن بكنة الجوهر المخدر المضبوط وردت - في الوقت ذاته - على دفاعه في هذا الخصوص رداً سائغاً في العقل والمنطق يتحقق به توافر ذلك العلم في حقه - توافراً فعلياً - فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها ولا المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض.
7 - من المقرر أن القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 إذ عاقب في المادة 33 منه على جلب المواد المخدرة فقد دلل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورد لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركي قصداً من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات في المجتمع الدولي. وهذا المعنى يلابس الفعل المادي المكون للجريمة ولا يحتاج في تقديره إلى بيان ولا يلزم الحكم أن يتحدث عنه على استقلال إلا إذا كان الجوهر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله وكان ظاهر الحال من ظروف الدعوى وملابساتها تشهد له ويدل على ذلك فوق دلالة المعنى اللغوي والاصطلاحي للفظ الجلب أن المشرع نفسه لم يقرن نصه على الجلب بالإشارة إلى القصد منه بعكس ما استنه في الحيازة أو الإحراز لأن ذلك ترديداً للمعنى المتضمن في الفعل مما يتنزه عنه الشارع إذ الجلب بطبيعته لا يقبل تفاوت القصود ولا كذلك حيازة المخدر أو إحرازه.
8 - لما كان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم. بيان الواقعة والظروف التي وقعت فيها وكان الحكم المطعون فيه فيما أورده قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمتين المسندتين إليه وأورد مؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة فإنه ينحسر عن الحكم قالة القصور في التسبيب ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد في غير محله.
9 - لما كان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أحال في إيراد أقوال...... إلى ما حصله من أقوال...... كما يبين من المفردات المضمومة أن أقوالهما متفقة في جملتها ولم تختلف أقوالهما إلا في نفي..... سماعه الحديث الذي جرى بين الطاعن الأول والأشخاص المسلحين الذين نقلوا شحنة المخدرات إلى المركب. لما كان ذلك، وكانت إحالة الحكم في أقوال....... إلى أقوال....... رغم الخلاف في تلك الجزئية غير مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها، وكانت أقوال شهود الإثبات والمتهمين التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع متفقة على أن الطاعن الأول فاعل أصلي في جريمتي جلب المخدرات وتهريبها اللتين دين بهما ومن ثم فلا يعيب الحكم أن يحيل في إيراد أقوال الشهود على ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها. لما كان ذلك، وكان ما حصله الحكم من أقوال أفراد طاقم المركب ترتد إلى أصول ثابتة في تحقيقات النيابة ولم يحد الحكم عن نص ما أنبأت به أو فحواه، فإن الحكم يكون قد انحسرت عنه قالة الخطأ في الإسناد. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
10 - لما كانت المادة 32 من قانون العقوبات إذ نصت في فقرتها الأولى على أنه إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها فقد دلت بصريح عباراتها على أنه في الحالة التي يكون فيها للفعل الواحد عدة أوصاف، يجب اعتبار الجريمة التي تمخض عنها الوصف والتكييف القانوني الأشد للفعل والحكم بعقوبتها وحدها دون غيرها من الجرائم التي تتمخض عنها الأوصاف الأخف والتي لا قيام لها البتة مع قيام الجريمة ذات الوصف الأشد، إذ يعتبر الجاني كأن لم يرتكب إلا هذه الجريمة الأخيرة وذلك على خلاف حالة التعدد الحقيقي للجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة التي اختصت بها الفقرة الثانية من المادة 32 سالفة الذكر، إذ لا أثر لاستبعاد العقوبات الأصلية للجرائم الأخف في وجوب الحكم بالعقوبات التكميلية المتعلقة بهذه الجرائم ضرورة أن العقوبة التكميلية إنما تتعلق بطبيعة الجريمة ذاتها لا بعقوبتها يؤكد هذا النظر تباين صيغة الفقرتين إذ أردف الشارع عبارة "الحكم بعقوبة الجريمة الأشد" لعبارة ودون غيرها في الفقرة الأولى الخاصة بالتعدد المعنوي بينما أسقط تلك العبارة في الفقرة الثانية الخاصة بالتعدد الحقيقي ولو كان مراده التسوية بينهما في الحكم لجرت صياغتها بعبارة واحدة وعلى نسق واحد ولما كانت حاجة إلى أفراد فقرة لكليهما.
11 - لما كان الفعل الذي قارفه الطاعن بتداوله وصفان قانونيان: جلب جوهر مخدر دون الحصول على ترخيص كتابي من الجهة الإدارية المختصة وتهريب هذا المخدر بقصد التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة عليه، مما يقتضي - إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات - اعتبار الجريمة التي تمخض عنها الوصف الأشد - وهي جريمة الجلب - والحكم بعقوبتها المنصوص عليها في المادتين 33/ أ، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1980 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها دون عقوبة التهريب الجمركي المنصوص عليها في المادة 122 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، أصلية كانت أو تكميلية، فإن الحكم المطعون فيه إذ التزم هذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون منعى الطاعنة على الحكم في هذا الصدد غير سديد.
12 - من المقرر أنه يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضى له بالبراءة لأن المرجع في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر أنه ألم بعناصر الدعوى وأحاط بأدلتها عن بصر وبصيرة. لما كان ذلك، وكان الفصل في ثبوت أو تخلف القصد الجنائي في جريمة جلب الجواهر المخدرة هو من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام يقيم قضاءه بذلك على ما يسوغه.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من: 1 - ..... (طاعن) 2 - .... (طاعن) 3 - ..... 4 - ..... 5 - .... 6 - ..... 7 -..... 8 - .... 9 - ..... 10 - .....
وهذه المحكمة - محكمة النقض - قضت في..... بعدم قبول الطعن المقدم من..... (الطاعن الثاني) شكلاً وبقبول الطعن المقدم من..... (الطاعن الأول) و..... و..... شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة إليهم وإلى الطاعن الثاني وإحالة القضية إلى محكمة جنايات بور سعيد لتفصل فيها من جديد مشكلة من قضاة آخرين.
ومحكمة الإعادة - بهيئة أخرى - قضت غيابياً لـ........ (المتهم التاسع) وحضورياً لـ...... و..... (الطاعنين) و...... (المتهم الثالث): أولاً: بمعاقبة الطاعنين والتاسع...... بالأشغال الشاقة المؤيدة وبتغريم كل منهم عشرة آلاف جنيه وبمصادرة المخدر المضبوط وألزمتهم المصروفات الجنائية. ثانياً: ببراءة المتهم...... (الثالث) مما أسند إليه.
فطعن كل من..... و...... المحكوم عليهما وهيئة قضايا الدولة نيابة عن وزير المالية بصفته والنيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض...... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الثاني...... وإن قرر بالطعن بالنقض في الميعاد إلا أنه لم يودع أسباباً لطعنه مما يتعين معه القضاء بعدم قبوله شكلاً عملاً بحكم المادة 34 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959.
ومن حيث إن الطعن المقدم من كل من المحكوم عليه الأول ووزير المالية بصفته (المدعي بالحقوق المدنية) والنيابة العامة قد استوفى الشكل المقرر في القانون. بأنهم أولاً: جلبوا إلى جمهورية مصر العربية جوهراً مخدراً "حشيش" دون الحصول على ترخيص كتابي من الجهة الإدارية المختصة. ثانياً: هربوا المواد المخدرة موضوع التهمة الأولى والمبينة وصفاً ووزناً وقيمة بالتحقيقات بإدخالها إلى المياه الإقليمية لجمهورية مصر العربية بطريقة غير مشروعة وبالمخالفة للنظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة وكان ذلك بقصد الاتجار. وأحالتهم إلى محكمة جنايات بور سعيد لمعاقبتهم بالمواد 1، 2، 3، 33/ 1، 42/ 1 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانونين 40 لسنة 1966، 61 لسنة 1977 والبند 57 من الجدول رقم 1 الملحق والمعدل بقرار وزير الصحة 295 لسنة 1976 والمواد 1، 2، 3، 4، 15، 121/ 1، 124/ 1 مكرراً من القانون 66 لسنة 1963 المعدل بالقانون 75 لسنة 1980 والمحكمة المذكورة قضت حضورياً: أولاً: بمعاقبة كل من...... و...... (الطاعنين) و...... و....... المتهمين الثالث والتاسع عما أسند إليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريم كل منهم عشرة آلاف جنيه ومصادرة المخدرات والسفينة المضبوطة وإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا إلى مصلحة جمارك بور سعيد مبلغ 92713742.420 جنيهاً مثلي الضرائب والرسوم الجمركية المستحقة. ثانياً: ببراءة كل من الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن والعاشر..... و..... و.... و.... و..... و..... مما أسند إليه.
فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض وقيد بجدولها برقم.... لسنة 54 القضائية.
أولاً: عن الطعن المقدم من المحكوم عليه الأول:
وحيث إن مبنى أوجه الطعن التي وردت بتقريري الأسباب المقدمين من المحكوم عليه..... هو إن الحكم المطعون فيه إذ دانه بجريمتي جلب المخدرات والتهريب قد شابه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال وأخطأ في تطبيق القانون ذلك بأن المدافع عن الطاعن دفع ببطلان إذن التفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة ولا تخضع للقانون الجنائي المصري إلا أن الحكم رد على هذا الدفع برد غير سائغ ولا يتفق والقانون. كما دفع الطاعن بانتفاء علمه بحقيقة الجوهر المخدر وبعدم توافر القصد الجنائي لديه عن جلب المخدر وتمسك بانتفاء الجريمة في حقه استناداً إلى أن المركب كانت عابرة قناة السويس قاصدة ميناء العقبة الأردني وأنه لم يكن متواجداً بها وقت الضبط ولكن الحكم رد على ذلك برد قاصر ويخالف القانون. هذا إلى أن الحكم قد استند في إدانة الطاعن إلى أن أفراد طاقم السفينة قد ذكروا أن الطاعن كان يتحدث باللاسلكي للنداء على أشخاص آخرين. وجاء له الرد بأن هناك أشخاص سيحضرون إليه دون أن يكون للحكم في هذا سند من أوراق الدعوى هذا فضلاً عن أنه أورد مضمون شهادة...... - أحد أفراد طاقم المركب - وأحال في بيان شهادة بقية أفراد الطاقم إلى مضمون ما شهد به الأول مع خلاف جوهري بين الشهادتين في شأن ما إذا كان حديثاً قد دار بين الطاعن والمسلحين الذين أحضروا المخدر إلى المركب قبل شحنه بالمركب أم لا كل ذلك مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي جلب المخدرات وتهريبها للعقبة اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها عرض للدفع ببطلان إذن التفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة ولا تخضع للقانون الجنائي المصري ورد عليه في قوله "بأن كل ما يشترط لصحة التفتيش الذي تجريه النيابة العامة أو تأذن في إجرائه هو أن يكون رجل الضبط القضائي قد علم من تحرياته واستدلالاته أن جريمة معينة جناية أو جنحة قد وقعت من شخص معين وأن تكون هناك من الدلائل والأمارات الكافية والشبهات المقبولة ضد هذا الشخص بقدر يبرر تعرض التفتيش لحريته في سبيل كشف اتصاله بالجريمة وإذ كان الثابت من مطالعة محضر التحريات المحرر بمعرفة العميد/....... رئيس قسم النشاط الخارجي بالإدارة العامة لمكافحة المخدرات في الساعة التاسعة من صباح........ أن الباخرة....... المطلوب الإذن بتفتيشها وضبط من عليها متواجدة بالفعل بالمياه الإقليمية المصرية وقد صدر إذن النيابة العامة بناء على التحريات المسطرة بمحضره في ذات اليوم الساعة العاشرة والربع صباحاً ومفاد ذلك أن الإذن قد صدر لضبط جريمة تخضع للقانون المصري وتحقق وقوعها من مقارفها لا لضبط جريمة مستقبلة أو محتملة لا تخضع للقانون الجنائي ولا يغير من قناعة المحكمة في هذا الخصوص كون عملية الضبط قد تمت فجر يوم....... حال تراكي الباخرة بميناء بور سعيد إذ أن ذلك لا ينفي تواجدها بالمياه الإقليمية المصرية وعلى ظهرها شحنة المواد المخدرة المجلوبة من لبنان- وقت صدور الإذن بالضبط والتفتيش حسبما جاء بالتحريات أو على لسان العميد/....... محرر محضر التحريات والقائم بالضبط والتفتيش والعميد/........ الذي شاركه في ذلك والتي تطمئن إليها المحكمة في هذا الخصوص وتأخذ بها في هذا الشأن سيما وأن الثابت من أقوال....... أن المركب قد وصلت بعد ظهر يوم...... إلى ساحل طرابلس وتم وضع شحنة المخدرات بها وفي اليوم التالي أي....... أبحرت المركب على الفور مما لا ينفي إمكان تواجدها بالمياه الإقليمية المصرية صبيحة يوم........ الصادر فيه الإذن بالضبط والتفتيش وإذ كانت المحكمة قد اقتنعت بجدية التحريات التي أسفرت عن أن الطاعن وآخرين قد جلبوا كمية كبيرة من المواد المخدرة لترويجها بالداخل، وأن الأمر بالتفتيش صدر لضبط المواد المخدرة المجلوبة على المركب المتواجدة بالمياه الإقليمية المصرية بما مفهومه أن الأمر صدر بضبط جريمة تحقق وقوعها من مقارفيها لا لضبط جريمة مستقبلة. ومن ثم فإن ما أثبته الحكم يكفي لاعتبار الإذن صحيحاً صادر لضبط جريمة واقعة بالفعل ويكون ما ينعاه الطاعن في هذا الصدد غير سديد". لما كان ذلك وكان البين من مطالعة المفردات المضمومة أن ما أورده الحكم من أقوال العميد/...... والعميد/..... من أن المركب التي عليها المخدرات المجلوبة كانت داخل المياه الإقليمية المصرية وقت صدور الإذن بتفتيشها له أصوله الثابتة فيما قرراه بتحقيقات النيابة ومن ثم تنحسر عن الحكم قالة الخطأ في الإسناد ولا ينال من ذلك أن يكون للعميد/...... قول آخر جاء به أن المركب قد وصلت المياه الإقليمية المصرية يوم...... لما هو مقرر من أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها ما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها في تقدير أدلة الدعوى، وأنه لا يشترط في شهادة كل شاهد أن تكون دالة بذاتها على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها، وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفي أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدي إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله الشاهد بالقدر الذي رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها. ومن ثم فإن ما يعيبه الطاعن على الحكم في هذا الخصوص يكون على غير أساس. وأنه لا ينال من الحكم كذلك استخلاصه مما قرره...... من أن المركب قد وصلت إلى طرابلس ظهر يوم....... وتم شحنها بالمخدرات المجلوبة وإبحارها في اليوم التالي وأنها كانت في المياه الإقليمية المصرية صباح يوم...... لما هو مقرر من أنه لا يشترط في الدليل أن يكون صريحاً دالاً بنفسه على الواقعة المراد إثباتها بل يكفي أن يكون ثبوتها منه عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات. ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن في هذا الصدد لا يكون مقبولاً. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لما أثاره الطاعن من أن الواقعة لا تشكل جريمة جلب الجواهر المخدرة استناداً إلى أن المركب كانت عابرة قناة السويس له قاصدة ميناء العقبة الأردني وأطرحه بقوله "إنه بفرض صحة هذا الزعم فمردود عليه بأن الجلب في حكم القانون رقم 182 سنة 1960 ليس مقصوراً على استيراد الجواهر المخدرة من خارج الجمهورية وإدخالها إلى المجال الخاضع لاختصاصها الإقليمي كما هو محدد دولياً بل أنه يمتد أيضاً إلى كل واقعة يتحقق بها نقل الجواهر المخدرة على خلاف الأحكام المنظمة لجلبها المنصوص عليها في الفصل الثاني من القانون المذكور في المواد من 3 إلى 6 إذ يتبين من استقراء هذه النصوص أن الشارع اشترط لجلب الجواهر المخدرة أو تصديرها الحصول على ترخيص كتابي من جهة الإدارة المختصة لا يمنح إلا للفئات المبينة بالمادة الرابعة ولا تسلم الجواهر المخدرة التي تصل إلى الجمارك إلا بموجب إذن سحب كتابي تعطيه الجهة الإدارية المختصة للمرخص له بالجلب أو لمن يحل محله في عمله وأوجب على مصلحة الجمارك في حالتي الجلب والتصدير تسلم إذن السحب أو التصدير من صاحب الشأن وإعادته إلى الجهة الإدارية المختصة، كما يبين من نصوص المواد الثلاث الأولى من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 أنه يقصد بالإقليم الجمركي الأراضي والمياه الإقليمية الخاضعة لسيادة الدولة وأن الخط الجمركي هو الحدود السياسية الفاصلة بين الجمهورية والدولة المتاخمة وكذلك شواطئ البحار المحيطة بالجمهورية وتعتبر خطاً جمركياً ضفتا قناة السويس وشواطئ البحيرات التي تمر بها هذه القناة ويمتد نطاق الرقابة الجمركية البحرية من الخط الجمركي إلى مسافة ثمانية عشر ميلاً بحرياً في المياه المحيطة به، ومفاد ذلك أن تخطي الحدود الجمركية أو الخط الجمركي بغير استيفاء الشروط التي نص عليها القانون رقم 182 لسنة 1960 والحصول على الترخيص المطلوب من الجهة الإدارية المنوط بها - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - يعد جلباً محظوراً ويضحى النعي في هذا الخصوص غير سديد". وإذ كان الحكم قد أثبت أن المركب اجتازت بالمخدرات الخط الجمركي ودخلت المياه الإقليمية المصرية فإن ما أثبته الحكم من ذلك هو الجلب بعينه ويضحى النعي على الحكم في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن من انتفاء صلته بالواقعة وعدم ضبطه على المركب وعدم علمه بحقيقة الجوهر المخدر ورد عليه بقوله "بأنه لا يشترط لاعتبار الجاني حائزاً لمادة مخدرة أن يكون محرزاً مادياً لها بل يكفي لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوط عليها ولو لم تكن في حيازته المادية أو كان المحرز للمخدر شخصاً غيره وكانت المادة 39 من قانون العقوبات إذ نصت على أنه يعتبر فاعلاً في الجريمة من يدخل في ارتكابها إذا كانت تتكون من جملة أعمال فيأتي عمداً عملاً من الأعمال المكونة لها فقد دلت على أن الجريمة إذا تركبت من عدة أفعال سواء بحسب طبيعتها أو طبقاً لخطة تنفيذها فإن كل من تدخل في هذا التنفيذ بقدر ما يعد فاعلاً مع غيره فيها ولو أن الجريمة لم تتم بفعله وحده بل تمت بفعل واحد أو أكثر ممن تدخلوا معه فيها متى وجد لدى الجاني نية التدخل تحقيقاً لغرض مشترك هو الغاية النهائية من الجريمة بحيث يكون كل منهم قَصَدَ قصْد الفاعل معه في إيقاع تلك الجريمة المعينة وأسهم فعلاً بدور في تنفيذها وإذ ما كان الثابت من أوراق الدعوى أن المتهمين الثلاثة الأولى والثاني والرابع قد اتفقت كلمتهم على جلب المواد المخدرة وأن كل منهم أسهم تحقيقاً لذلك بالدور الذي أعد له في خطة تنفيذ تلك الجريمة وأن دور المتهم الأول هو إعداد السفينة المملوكة لنجله لنقل المخدر عليها واستقلاله إياها مع قبطانها المتهم الثاني من ميناء ليما سول إلى ساحل طرابلس اللبناني وقيامه بالنداء على من سيحضر شحنة المواد المخدرة وتقابله معهم بعد حضورهم وإشرافه على وضع الشحنة بداخل الكونيتر على ظهر السفينة ثم مغادرة المركب بذات اللنش الذي أحضر المخدرات للحضور إلى البلاد لانتظار الحمولة والإعداد لاستلامها يقطع بجلاء بأن المتهم الأول ضالع في جريمة الجلب المسندة إليه وأنه يعلم كنة المادة المخدرة المضبوطة التي تم تحميلها على ظهر المركب وإخفائها بداخل الكونيتر"، لما كان ذلك، وكان تقصي العلم بحقيقة الجوهر المخدر هو من شئون محكمة الموضوع، وحسبها في ذلك أن تورد من الوقائع والظروف ما يكفي في الدلالة على توافره بما لا يخرج من موجب الاقتضاء العقلي والمنطقي. وإذ كانت المحكمة قد استظهرت من ظروف الدعوى وملابساتها - على النحو المتقدم بيانه - علم الطاعن بكنة الجوهر المضبوط وردت - في الوقت ذاته - على دفاعه في هذا الخصوص رداً سائغاً في العقل والمنطق يتحقق به توافر ذلك العلم في حقه - توافراً فعلياً - فإنه لا يجوز مصادرتها في عقيدتها ولا المجادلة في تقديرها أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 إذ عاقب في المادة 33 منه على جلب المواد المخدرة فقد دلل على أن المراد بجلب المخدر هو استيراده بالذات أو بالواسطة ملحوظاً في ذلك طرحه وتداوله بين الناس سواء كان الجالب قد استورد لحساب نفسه أو لحساب غيره متى تجاوز بفعله الخط الجمركي قصداً من الشارع إلى القضاء على انتشار المخدرات في المجتمع الدولي. وهذا المعنى يلابس الفعل المادي المكون للجريمة ولا يحتاج في تقديره إلى بيان ولا يلزم الحكم أن يتحدث عنه على استقلال إلا إذا كان الجوهر المجلوب لا يفيض عن حاجة الشخص أو استعماله وكان ظاهر الحال من ظروف الدعوى وملابساتها تشهد له ويدل على ذلك فوق دلالة المعنى اللغوي والاصطلاحي للفظ الجلب أن المشرع نفسه لم يقرن نصه على الجلب بالإشارة إلى القصد منه بعكس ما استنه في الحيازة أو الإحراز لأن ذلك ترديداً للمعنى المتضمن في الفعل مما يتنزه عنه الشارع إذ الجلب بطبيعته لا يقبل تفاوت القصود ولا كذلك حيازة المخدر أو إحرازه. - لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن المخدر المجلوب 85 جـ/ 4 ك/ 8 ط من جوهر الحشيش جلبها الطاعن وآخرون في مركب من لبنان ودخل بها المياه الإقليمية لجمهورية مصر العربية ببور سعيد، فإن ما أثبته الحكم من ذلك هو الجلب بعينه كما هو معرف به في القانون بما يتضمنه من طرح الجوهر في التعامل - وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون وانتفت عنه قالة القصور. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلاً خاصاً يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة والظروف التي وقعت فيها وكان الحكم المطعون فيه فيما أورده قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به العناصر القانونية للجريمتين المسندتين إليه وأورد مؤدى الأدلة التي استخلص منها الإدانة فإنه ينحسر عن الحكم قالة القصور في التسبيب ويكون ما يثيره الطاعن في هذا الصدد في غير محله. لما كان ذلك، وكان يبين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أحال في إيراد أقوال...... إلى ما حصله من أقوال....... كما يبين من المفردات المضمومة أن أقوالهما متفقة في جملتها ولم تختلف أقوالهما إلا في نفي....... سماعه الحديث الذي جرى بين الطاعن الأول والأشخاص المسلحين الذين نقلوا شحنة المخدرات إلى المركب. لما كان ذلك، وكانت إحالة الحكم في أقوال....... إلى أقوال....... رغم الخلاف في تلك الجزئية غير مؤثر في عقيدة المحكمة التي خلصت إليها، وكانت أقوال شهود الإثبات والمتهمين التي اطمأنت إليها محكمة الموضوع متفقة على أن الطاعن الأول فاعل أصلي في جريمتي جلب المخدرات وتهريبها اللتين دين بهما ومن ثم فلا يعيب الحكم أن يحيل في إيراد أقوال الشهود على ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها. لما كان ذلك، وكان ما حصله الحكم من أقوال أفراد طاقم المركب ترتد إلى أصول ثابتة في تحقيقات النيابة ولم يحد الحكم عن نص ما أنبأت به أو فحواه، فإن الحكم يكون قد انحسرت عنه قالة الخطأ في الإسناد. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثانياً عن الطعن المقدم من المدعي بالحقوق المدنية بصفته:
وحيث إن وزير المالية بصفته ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ذلك بأنه دان المطعون ضدهما الثلاثة الأول بجريمتي جلب المخدرات وتهريبها وأغفل القضاء بالتعويض المنصوص عليه في المادة 122 من القانون رقم 66 لسنة 1963 كما قضى بتبرئة المطعون ضده الرابع استناداً إلى عدم ثبوت التهمة في حقه رغم أن الثابت من أقوال وتحريات الشرطة أنه كان على علم بالخطة الموضوعة لجلب المخدر وساعد في نقله من اللنش إلى المركب وتقاضى نظير ذلك مبلغ خمسة آلاف دولار وقام بتوزيع خمسة آلاف دولار آخرين على بقية أفراد طاقم السفينة مما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إنه لما كانت المادة 32 من قانون العقوبات إذ نصت في فقرتها الأولى على أنه إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها فقد دلت بصريح عباراتها على أنه في الحالة التي يكون فيها للفعل الواحدة عدة أوصاف، يجب اعتبار الجريمة التي تمخض عنها الوصف والتكييف القانوني الأشد للفعل والحكم بعقوبتها وحدها دون غيرها من الجرائم التي تتمخض عنها الأوصاف الأخف والتي لا قيام لها البتة مع قيام الجريمة ذات الوصف الأشد، إذ يعتبر الجاني كأن لم يرتكب إلا هذه الجريمة الأخيرة وذلك على خلاف حالة التعدد الحقيقي للجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة التي اختصت بها الفقرة الثانية من المادة 32 سالفة الذكر، إذ لا أثر لاستبعاد العقوبات الأصلية للجرائم الأخف في وجوب الحكم بالعقوبات التكميلية المتعلقة بهذه الجرائم ضرورة أن العقوبة التكميلية إنما تتعلق بطبيعة الجريمة ذاتها لا بعقوبتها يؤكد هذا النظر تباين صيغة الفقرتين إذ أردف الشارع عبارة "الحكم بعقوبة الجريمة الأشد" لعبارة ودون غيرها في الفقرة الأولى الخاصة بالتعدد المعنوي بينما أسقط تلك العبارة في الفقرة الثانية الخاصة بالتعدد الحقيقي ولو كان مراده التسوية بينهما في الحكم لجرت صياغتها بعبارة واحدة وعلى نسق واحد ولما كانت حاجة إلى أفراد فقرة لكليهما. لما كان ذلك، وكان الفعل الذي قارفه الطاعن بتداوله وصفان قانونيان: جلب جوهر مخدر دون الحصول على ترخيص كتابي من الجهة الإدارية المختصة وتهريب هذا المخدر بقصد التخلص من الضرائب الجمركية المستحقة عليه، مما يقتضي - إعمالاً لنص الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات - اعتبار الجريمة التي تمخض عنها الوصف الأشد - وهي جريمة الجلب - والحكم بعقوبتها المنصوص عليها في المادتين 33/ أ، 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها دون عقوبة التهريب الجمركي المنصوص عليها في المادة 122 من قانون الجمارك الصادر بقرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 66 لسنة 1963، أصلية كانت أو تكميلية، فإن الحكم المطعون فيه إذ التزم هذا النظر فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ويكون منعى الطاعن على الحكم في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعنين الأول والثاني والمحكوم عليه الآخر بهما وأورد الأدلة على ذلك انتهى إلى تبرئة المطعون ضده الرابع....... بقوله "أما بشأن المتهم الثالث....... الذي نسبت له النيابة العامة مع باقي المتهمين جريمة الجلب والتهريب وتساندت في ذلك إلى أقوال الشاهدين الأول والثاني العميد/...... والعميد/...... - من أن تحرياتهما قد دلت على علمه بالواقعة واشتراكه فيها وإلى إقراره لمشاهدته لوضع المخدر بالسفينة واشتراكه في نقلها بوصفه ميكانيكي المركب وأخذه لمبلغ من الدولارات لتوزيعه على البحارة فإن المحكمة ترى أن نسبة مثل هذا الاتهام للمتهم المذكور يحوطه الشك ولا تطمئن المحكمة إلى أنه ضالع في تلك الجريمة موضوع الدعوى المطروحة إذ أنه لا يعدو أن يكون مجرد عامل على المركب (ميكانيكي) ومجرد إلحاقه للعمل عليها قبيل الواقعة بأيام كمثل باقي البحارة لا ينهض دليلاً على توافر علمه بجريمة جلب المخدر كما وأن نقل المخدر من اللنش إلى المركب في حضوره وباشتراكه لا يقطع بأنه ضالع في مثل تلك الجريمة إذ ورد على لسان جميع أفراد طاقم الباخرة أن ذلك قد تم بواسطة رجال مسلحين الأمر الذي ترى معه المحكمة بأن اشتراك المتهم المذكور في نقل المخدر للمركب مع باقي أفراد الطاقم كان تنفيذاً لما أوهم به الرجال المدججين بالسلاح المرافقين لشحنة المواد المخدرة أي أنه وباقي أفراد الطاقم كانوا مكرهين مسلوبي الإرادة في هذا الفعل ألجأتهم إلى ارتكابه ضرورة وقاية أنفسهم وأرواحهم من خطر إطلاق الرصاص عليهم في حالة امتناعهم ولا يغير من هذا النظر القول بأنه كان في إمكان المذكور التخلص من المخدر أو الإبلاغ عقب مغادرة الرجال المسلحين للسفينة وإبحارها في اتجاه بور سعيد إذ أن المخدر قد تم وضعه بداخل أحد الكونتيرات وأغلق بإحكام واحتفظ المتهم الثاني قبطان السفينة بالمفتاح في حوزته. كما وأن المتهم المذكور بوصفه رباناً للسفينة هو المسيطر والمهيمن على كل أمورها وهي متراكية بالميناء ولم تكن هناك فسحة من الوقت يمكن معها القول بتوافر إمكانية الإبلاغ عن وجود المخدر من المتهم الثالث......، كما وأن إقرار المتهم بتقاضيه لخمسة آلاف دولار وتوزيع مثلها على باقي البحارة لا يقطع في حد ذاته باشتراكه في الجلب ولا يكفي للقول بأن إرادته قد انصرفت إلى إتمام جريمة الجلب والاشتراك فيها لكل ما تقدم وإزاء الشك الذي يحوط الاتهام الذي نسبته النيابة العامة للمتهم المذكور قد تعين براءته مما نسب إليه عملاً بنص المادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية". لما كان ذلك، وكان يكفي في المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضي في إسناد التهمة إلى المتهم لكي يقضى له بالبراءة لأن المرجع في ذلك إلى ما يطمئن إليه في تقدير الدليل ما دام الظاهر أنه ألم بعناصر الدعوى وأحاط بأدلتها عن بصر وبصيرة. لما كان ذلك، وكان الفصل في ثبوت أو تخلف القصد الجنائي في جريمة جلب الجواهر المخدرة هو من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بغير معقب ما دام يقيم قضاءه بذلك على ما يسوغه، وكانت المحكمة قد خلصت بعد تمحيصها للواقعة استناداً إلى الأسباب السائغة التي أوردتها إلى تخلف أركان جريمتي جلب المخدرات وتهريبها في حق هذا المتهم وهو تدليل سائغ يستقيم به قضاء الحكم، وله صداه في الأوراق على ما يبين من المفردات. فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً حول سلطة محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى ومبلغ اطمئنانها هي إليها مما لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.
ثالثاً: عن الطعن المقدم من النيابة العامة:
وحيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دان المحكوم عليه بجريمتي جلب جوهر مخدر وتهريبه وأعمل حكم المادة 32 من قانون العقوبات قد أغفل القضاء بالتعويض المنصوص عليه في المادة 122 من القانون رقم 66 لسنة 1963 مما يعيبه بالخطأ في تطبيق القانون ويستوجب نقضه.
وحيث إن هذا النعي سبق الرد عليه عند بحث أوجه الطعن المقدمة من المدعي بالحقوق المدنية ومن ثم فإن تعييب الحكم بالخطأ في تطبيق القانون في هذا الصدد يكون في غير محله ويكون الطعن كسابقه على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.