أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 40 - صـ 265

جلسة 20 من فبراير سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ محمد أحمد حمدي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ نجاح نصار ومقبل شاكر نائبي رئيس المحكمة ومجدي الجندي وحامد عبد الله.

(43)
الطعن رقم 7389 لسنة 58 القضائية

(1) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تساند الأدلة في المواد الجنائية. مؤداه؟
(2) إثبات "اعتراف". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
حق محكمة الموضوع في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره.
تقدير المحكمة لأدلة الدعوى. لا يجوز مصادرتها فيه لدى محكمة النقض.
(3) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه". تسبيب غير معيب".
نفي التهمة. دفاع موضوعي. أثر ذلك؟
(4) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". حكم "تسبيبه. تسبيب غبر معيب".
عدم التزام المحكمة بتعقب المتهم في كل جزئية من جزئيات دفاعه.
(5) إجراءات "إجراءات المحاكمة". دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية. طالما كان سائغاًً في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة.
(6) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميين. قانون "تفسيره" "تطبيقه".
مخالفة واجبات الوظيفة في مفهوم المادة 104 عقوبات؟
(7) رشوة. جريمة "أركانها". اختصاص. موظفون عموميون. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
دخول الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها في نطاق وظيفته مباشرة. غير لازم. كفاية أن يكون له بها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة. وأن يكون الراشي قد اتجر معه على هذا الأساس.
مثال.
(8) إجراءات "إجراءات المحاكمة". إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
لا يعاب على المحكمة عدم اتخاذ إجراء لم يطلب منها.
(9) رشوة. عقوبة "تطبيقها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
شروط الاعتراف الذي يؤدي إلى إعفاء الراشي أو الوسيط من عقوبة الرشوة: أن يكون صادقاً يغطي جميع وقائع الرشوة وأن يكون لدى جهة الحكم. حصوله أمام جهة التحقيق والعدول عنه أمام المحكمة. لا ينتج أثره. أساس ذلك؟
(10) نقض "المصلحة في الطعن". عقوبة "العقوبة المبررة". ارتباط. رشوة. استيلاء. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
اعتبار الحكم جرائم إعطاء رشوة لموظفين عموميين والاشتراك في الاستيلاء على مال عام وعرض رشوة على موظف عام لم تقبل - جريمة واحدة. بالتطبيق للمادة 32/ 2 من قانون العقوبات ومعاقبة المتهم بالعقوبة المقررة للجريمة الأولى التي لم يقبل نعيه بشأنها. انعدام مصلحته فيما يثيره بشأن الجريمتين الأخرتين.
1 - من المقرر أنه لا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع. وكان الحكم المطعون فيه قد اقتنع بما شهد به شهود الإثبات وما تضمنه اعتراف الطاعن الثالث الذي اطمأن إليه في ثبوت الواقعة - بناء على استخلاص سائغ فإن ما يثيره الطاعنان الأول والثاني من تشكيك في صحة اعتراف الطاعن الثالث وقصوره في التدليل على مقارفتهما لما أدينا به لا يعدو أن يكون جدلاًًًًًًً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض.
3 - لما كان نعي الطاعنين الأول والثاني بالتفات المحكمة عما ساقاه من أوجه دفاع تشهد بعدم تداخلهما في العمل الذي نسب إليهما الإخلال به لا يعدو أن يكون دفاعاً بنفي التهمة - هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم.
4 - من المقرر أنه بحسب الحكم كيما يستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهمين ولا عليه أن يتعقبهما في كل جزئية من جزئيات دفاعهما لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها.
5 - من المقرر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة فإن النعي على الحكم بأنه لم يعرض لدفاع الطاعنين القائم على نفي التهمة والتفاته عما قدماه من مستندات رسمية تأييداً له يكون في غير محله.
6 - لما كان المشرع قد استهدف من النص في المادة 104 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها.
7 - من المقرر أنه ليس من الضروري في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخله في نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون من عرض الرشوة قد اتجر معه على هذا الأساس. وكان الحكم قد استظهر أن لكل من الطاعنين الأول والثاني قدر من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة فإن ما قارفاه يعد إخلالاً بواجبات وظيفتهما في حكم المادة 104 من قانون العقوبات، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أعمل حكم القانون على وجهه الصحيح ويكون منعى الطاعنين عليه في هذا الخصوص لا سند له. لما كان ذلك، وكان يبين من الرجوع إلى المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم من اعتراف الطاعن الثالث بشأن تسليم الشيك له صداه في التحقيقات فإن الادعاء بخطأ الحكم في الإسناد في هذا الصدد لا يكون له محل.
8 - لما كان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن الثاني لم يطلب إلى المحكمة - كما ذهب في طعنه - ضم شيك آخر أو مناقشة الموظفين المختصين باعتماد تسوية المبالغ المستحقة فليس له من بعد أن يعيب على المحكمة عدم اتخاذ إجراء لم يطلبه منها.
9 - من المقرر أنه يشترط في الاعتراف الذي يؤدي إلى إعفاء الراشي أو الوسيط من العقوبة وفقاً لنص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات أن يكون صادقاً كاملاً يغطي جميع وقائع الرشوة التي ارتكبها الراشي أو الوسيط، دون نقص أو تحريف، وأن يكون حاصلاً لدى جهة الحكم حتى تتحقق فائدته. فإذا حصل الاعتراف لدى جهة التحقيق ثم عدل عنه لدى المحكمة، فلا يمكن أن ينتج الإعفاء أثره.
10 - لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن الثالث توافر جريمة إعطاء رشوة لموظفين عموميين - وهي الجريمة التي خلصت هذه المحكمة إلى أن ما أثاره الطاعن من منعى على الحكم المطعون فيه بشأنها إنما هو منعى غير مقبول وأوقع عليه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات عن جميع الجرائم موضوع الاتهام التي دارت عليها المحاكمة، وذلك بالتطبيق للمادة 32/ 2 من قانون العقوبات، وهي عقوبة مقررة لجريمة إعطاء الرشوة سالفة الذكر التي ثبتت في حق الطاعن - وبرئ الحكم من منعاه في خصوصها بما تنعدم معه مصلحته فيما ينعاه على الحكم بالنسبة لجريمتي الاشتراك في الاستيلاء على مال عام وعرض رشوة على موظف عام لم تقبل منه فإن ما يثيره في هذا الخصوص يكون غير مقبول.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة كلاً من (1) ....... (طاعن) (2) ....... (طاعن) (3) ....... (طاعن) (4) ....... (طاعن) (5) ...... (طاعن) بأنهم: - المتهمان الأول والثاني "أ - بصفتهما موظفين عموميين (الأول رئيس لجنة ضبط الأمانات بـ...... والثاني مدير إدارة بها سهلا للمتهم الثالث الاستيلاء على مبلغ..... لمصلحة الجمارك تحت يد البنك المركزي المصري بغير وجه حق. بـ بصفتهما سالفة الذكر: قبلا عطيه من المتهم الثالث للإخلال بواجبات وظيفتهما بأن تقاضيا منه مبلغ...... نظير تسليمهما له الشيك رقم..... دون وجه حق. المتهم الثالث: - أ - أعطى رشوة لموظفين عموميين للإخلال بواجبات وظيفتهما بأن سلم المتهمين الأول والثاني مبلغ...... نظير تسليمه الشيك رقم...... المبين بالأوراق دون وجه حق. ب - اشترك مع المتهمين الأول والثاني بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جناية تسهيل الاستيلاء سالفة الذكر بأن اتفق معهما على ارتكابها وتسلم منهما الشيك رقم..... المبين بالأوراق لصرف قيمته والاستيلاء عليها فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. المتهمون الثلاثة الأول أ - اشتركوا مع مجهول بطريق الاتفاق والمساعدة في ارتكاب تزوير في محررات رسمية هي استمارات 50 ع ج وطلبات الصرف المبينة بالأوراق بأن اتفقوا معه على تزويرها وأمدوه بالبيانات اللازمة لذلك فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. ب - استعملوا المحررات المزورة سالفة الذكر مع علمهم بتزويرها بأن قدموها لـ...... لإصدار الشيك رقم...... المبين بالأوراق على أساسها. المتهم الرابع: ارتكب تزويراًًًًً في محرر رسمي هو الشيك رقم..... سالف البيان والصادر من...... بوضع إمضاء مزور عليه بأن وقع عليه بتوقيع نسبة زوراً لـ...... الموظف المختص لصرف قيمته على النحو المبين بالأوراق. المتهمان الثالث والخامس: - اشتركا مع المتهم الرابع بطريقي الاتفاق والمساعدة في ارتكاب جناية التزوير موضوع الوصف السابق بأن اتفقا معه على انتحاله اسم المستفيد في الشيك رقم....... والتوقيع عليه بهذه الصفة لدى الموظف المختص وإمداده بالبيانات اللازمة لذلك فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. المتهمون من الثالث حتى الخامس: أ - عرضوا رشوة على موظف عمومي للإخلال بواجبات وظيفته ولم تقبل منهم بأن قدموا لـ........ الموظف بـ...... مبلغ خمسين جنيها ليصرف لهم قيمة الشيك...... بغير حق ولم يقبل هذا العرض منهم. ب - استعملوا محرراً مزوراً هو الشيك رقم...... السالف الذكر مع علمهم بتزويره بأن قدموه إلى البنك المسحوب عليه لصرف قيمته. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقا للقيد والوصف الواردين بقرار الاتهام فقرر ذلك. ومحكمة أمن الدولة العليا بالإسكندرية قضت حضوريا عملاً بالمواد 40/ 2، 3، 41، 103، 104، 107 مكرراًً/ 1، 109 مكرراًًً 1/ أ، 110، 111/ 1، 113/ 1 - 2، 118، 118 مكرراً، 119، 119 مكرراً 1/ أ، 212، 214 من قانون العقوبات مع تطبيق المادة 17 من القانون ذاته بمعاقبة كل من المتهمين الأول والثاني والثالث بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمهم ألفي جنيه وبعزل الأولين من وظيفتهما وذلك عما أسند إلى كل منهم. ثانياًً: بمعاقبة كل من الرابع والخامس بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وبتغريمهما خمسمائة جنيه عما أسند إليها.
فطعن المحكوم عليهم الأول والثاني والثالث في هذا الحكم بطريق النقض قيد بجدول محكمة النقض برقم...... لسنة 52 القضائية.
وهذه المحكمة قضت في....... بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه بالنسبة للطاعنين والمحكوم عليهم الآخرين وإحالة القضية إلى محكمة أمن الدولة العليا بالإسكندرية لتنظر فيها من جديد دائرة أخرى ومحكمة الإعادة (مشكلة من دائرة أخرى) قصت حضورياً للمتهمين الأول والثاني والثالث وغيابياً للرابع والخامس عملاً بالمواد 40/ 2، 3، 41، 103، 104، 107 مكرراً/ 1، 109 مكرراً 1/ أ، 110، 111/ 1، 113/ 1 - 2، 118، 118 مكرراًً، 119، 119 مكرراً 1/ أ، 212، 214 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من نفس القانون. أولاً: بمعاقبة كل من الأول والثاني والثالث بالسجن لمدة ثلاث سنوات وبتغريمهم ألفي جنيه وبعزل الأولين من وظيفتهما وذلك عما أسند إلى كل منهم. ثانياً: بمعاقبة كل من الرابع والخامس بالحبس مع الشغل لمدة ستة أشهر وبتغريمهما خمسمائة جنيه عما أسند إليهما.
فطعن المحكوم عليهم الأول والثاني والثالث في هذا الحكم بطريق النقض (للمرة الثانية) كما طعن الأستاذ...... المحامي نيابة عن المحكوم عليه الأول...... والأستاذ...... المحامي نيابة عن الثاني والأستاذ...... نيابة عن الثالث في ذات التاريخ السباق..... إلخ.


المحكمة

وحيث إن الطاعنين الأول والثاني ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجرائم تسهيل الاستيلاء على مال عام وقبول رشوة والاشتراك في تزوير محررات رسمية واستعمالها قد شابه القصور والفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون وفي الإسناد والإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه لم يشتمل على بيان الواقعة بياناً كافياً تتحقق به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دانهما بها ولم يورد الأدلة التي عول عليها في إدانتهما مقتصراًًًًًً على الاستناد إلى اعتراف الطاعن الثالث الذي لا يكفي لإدانتهما فضلاً عن كذبه ومنافاته للمنطق إذ لا يتناسب المبلغ الذي قيل بتقاضي الطاعنين له لذلك الذي تم تسهيل الاستيلاء عليه فضلاً عن أن الحكم تساند إلى هذا الاعتراف في القول باختصاصهما بالعمل وهو ما لم يتضمنه ذلك الاعتراف، كما لم يعرض الحكم لأوجه الدفاع العديدة التي ساقها الدفاع عن الطاعنين وتقطع بعدم تداخلهما في إجراءات الصرف وأن الطاعن الأول نقل إلى عمل خارج مصلحة...... قبل تسليم الشيك للطاعن الثالث وما ثبت من سركي تسليم الشيكات بقلم الصرف بـ...... أن الشيك سلم من شخص آخر غير الطاعن الثاني، فضلاً عما تمسكا به من عدم اختصاصهما بالعمل الذي أسند إليهما أنهما أخلا بواجباته فلم يشغل الحكم بهذا الدفاع ودانهما بجريمة تقاضي الرشوة دون أن يدلل على اختصاصهما بهذا العمل بما لا تتوافر معه أركان هذه الجريمة ويضيف الطاعن الثاني أن الحكم أسند إلى الطاعن الثالث خلاف للثابت في الأوراق - أنه تسلم الشيك منه، كما لم تستجب المحكمة إلى طلب المدافع عنه مناقشة الموظفين المختصين باعتماد وتسوية المبلغ المستحق وضم شيك آخر. كما ينعى الطاعن الثالث على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم إعطاء رشوة وعرضها والاشتراك في ارتكاب تزوير في محررات رسمية واستعمالها قد شابه القصور والخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه أطرح ما تمسك به من الإعفاء من عقوبة جريمة الرشوة برد غير سائغ، كما تمسك بانتفاء جريمة عرض الرشوة على موظف البنك....... موضوع التهمة الرابعة المسندة إليه إذ لا اختصاص لهذا الموظف بصرف الشيكات فلم يعرض الحكم لهذا الدفاع كما لم يعرض لما تمسك به الطاعن من إعفائه من العقاب عن جريمة الاشتراك والاستيلاء على المال العام لأنه لم يحرص عليها وقد أبلغ بها السلطات قبل الحكم النهائي في الدعوى وكل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات واعتراف المتهمين الثالث (الطاعن الثالث) والرابع والخامس وهي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها وقد أورد الحكم مؤداها على نحو واف ومن ثم فإن ما يثيره الطاعنان الأول والثاني على الحكم المطعون فيه بقالة القصور يكون في غير محله ولا سند له من الواقع. لما كان ذلك وكان لا يشترط أن تكون الأدلة التي يعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع في كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً ومنها مجتمعة تتكون عقيدة المحكمة فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقي الأدلة بل يكفي أن تكون الأدلة في مجموعها مؤدية إلى ما قصده الحكم منها ومنتجة في اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه. وأن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في حق نفسه وعلى غيره من المتهمين متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع. وكان الحكم المطعون فيه قد اقتنع بما شهد به شهود الإثبات وما تضمنه اعتراف الطاعن الثالث الذي اطمأن إليه في ثبوت الواقعة - بناء على استخلاص سائغ فإن ما يثيره الطاعنان الأول والثاني من تشكيك في صحة اعتراف الطاعن الثالث وقصوره في التدليل على مقارفتهما لما أدينا به لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً في حق محكمة الموضوع في تقدير أدلة الدعوى مما يخرج عن رقابة محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه في تحقيقه لاعتراف الطاعن الثاني لم يورد - خلافاً لما ذهب إليه الطاعنان الأول والثاني - شيئاً عن اختصاصهما بالعمل فإن ما يثيرانه من خطأ الحكم في هذا الخصوص يكون على غير أساس. لما كان ذلك وكان نعي الطاعنين الأول والثاني بالتفات المحكمة عما ساقاه من أوجه دفاع تشهد بعدم تداخلهما في العمل الذي نسب إليهما الإخلال به لا يعدو أن يكون دفاعاً بنفي التهمة - هو من أوجه الدفاع الموضوعية التي لا تستأهل رداً طالما كان الرد عليها مستفاداً من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، وبحسب الحكم كيما يستقيم قضاؤه أن يورد الأدلة المنتجة التي صحت لديه على ما استخلصه من وقوع الجريمة المسندة إلى المتهمين ولا عليه أن يتعقبهما في كل جزئية من جزئيات دفاعهما لأن مفاد التفاته عنها أنه أطرحها. وكان من المقرر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها المحكمة فإن النعي على الحكم بأنه لم يعرض لدفاع الطاعنين القائم على نفي التهمة والتفاته عما قدماه من مستندات رسمية تأييداً له يكون في غير محله. لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعنين سالفي الذكر بعدم اختصاصهما بالعمل الذي نسب إليهما تقاضي الرشوة للإخلال به ورد عليه في قوله إن "الثابت أن المتهم الأول (الطاعن الأول) هو رئيس لجنة ضبط الأمانات بمصلحة....... ومن اختصاص وظيفته حسب اعترافه بالتحقيقات اعتماد الاستمارة 50 ع. ح التي يتم بموجبها الصرف فإن أخذه رشوة مقابل هذا العمل يشكل في حقه جريمة الرشوة كذلك الأمر بالنسبة للمتهم الثاني (الطاعن الثاني) فالثابت من أقواله وأقوال الشاهد الرابع....... أن المتهم الثاني من اختصاص وظيفته إعداد الاستمارة رقم 50 ع. ح التي يتم بموجبها صرف قيمة الشيك رقم..... من ذلك يتبين أن لكل من المتهمين الأول والثاني اختصاص يتعلق بالعمل الذي تقاضيا عنه الأول مبلغ...... الثاني مبلغ..... من المتهم الثالث الذي اطمأنت المحكمة إلى أقواله وأنهما تسلما منه مبلغ الرشوة في سبيل تسهيل الاستيلاء على قيمة الشيك سالف الذكر وقدره...... دون وجه حق. لما كان ذلك وكان المشرع قد استهدف من النص في المادة 104 من قانون العقوبات المعدلة بالقانون رقم 69 لسنة 1953 على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها. وليس من الضروري في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخله في نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون من عرض الرشوة قد اتجر معه على هذا الأساس. وكان الحكم قد استظهر أن لكل من الطاعنين الأول والثاني قدر من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة فإن ما قارفاه يعد إخلالاًً بواجبات وظيفتهما في حكم المادة 104 من قانون العقوبات، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أعمل حكم القانون على وجهه الصحيح ويكون منعى الطاعنين عليه في هذا الخصوص لا سند له. لما كان ذلك، وكان يبين من الرجوع إلى المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم من اعتراف الطاعن الثالث بشأن تسليم الشيك له صداه في التحقيقات فإن الادعاء بخطأ الحكم في الإسناد في هذا الصدد لا يكون له محل. ولما كان الثابت من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة أن المدافع عن الطاعن الثاني لم يطلب إلى المحكمة - كما ذهب في طعنه - ضم شيك آخر أو مناقشة الموظفين المختصين باعتماد تسوية المبالغ المستحقة فليس له من بعد أن يعيب على المحكمة عدم اتخاذ إجراء لم يطلبه منها. لما كان ما تقدم فإن طعن الطاعنين الأول والثاني يكون على غير أساس متعين الرفض موضوعاً. ولما كان يشترط في الاعتراف الذي يؤدي إلى إعفاء الراشي أو الوسيط من العقوبة وفقاً لنص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات أن يكون صادقاًًً كاملاً يغطي جميع وقائع الرشوة التي ارتكبها الراشي أو الوسيط، دون نقص أو تحريف، وأن يكون حاصلاًً لدى جهة الحكم حتى تتحقق فائدته. فإذا حصل الاعتراف لدى جهة التحقيق ثم عدل عنه لدى المحكمة، فلا يمكن أن ينتج الإعفاء أثره. وإذ كان الثابت من الحكم وبمحضر الجلسة أن الطاعن الثالث أنكر التهمة أمام المحكمة ولم يعترف بها فإن الحكم لا يكون مخطئاً إذا لم يعمل في حقه الإعفاء المنصوص عليه في المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات ويكون منعاه في هذا الخصوص لا سند له. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن الثالث توافر جريمة إعطاء رشوة لموظفين عموميين - وهي الجريمة التي خلصت هذه المحكمة إلى أن ما أثاره الطاعن من منعى على الحكم المطعون فيه بشأنها إنما هو منعى غير مقبول وأوقع عليه عقوبة السجن لمدة ثلاث سنوات عن جميع الجرائم موضوع الاتهام التي دارت عليها المحاكمة، وذلك بالتطبيق للمادة 32/ 2 من قانون العقوبات، وهي عقوبة مقررة لجريمة إعطاء الرشوة سالفة الذكر التي ثبتت في حق الطاعن - وبرئ الحكم من منعاه في خصوصها بما تنعدم معه مصلحته فيما ينعاه على الحكم بالنسبة لجريمتي الاشتراك في الاستيلاء على مال عام وعرض رشوة على موظف عام لم تقبل منه فإن ما يثيره في هذا الخصوص يكون غير مقبول. ويكون الطعن برمته على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.