مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1964 إلى آخر يناير سنة 1965) - صـ 290

(32)
جلسة 2 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد/ الأستاذ حسن السيد أيوب رئيس المحكمة وعضوية السادة/ الأساتذة الدكتور ضياء الدين صالح ومحمد شلبي يوسف وعادل عزيز زخاري وعبد الستار آدم المستشارين.

القضية رقم 1276 لسنة 7 القضائية

( أ ) موظف - ترك الخدمة - استقالة - طلب ترك الخدمة وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 - عدم الفصل فيه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه يعتبر قبولاً ضمنياً له - امتناع رفض الطلب بعد فوات هذا الميعاد - أساس ذلك.
(ب) معاش - تسوية - دعوى الإلغاء - عدم الفصل في طلب ترك الخدمة وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه يكسب الموظف مركزاً قانونياً ذاتياً يخوله حق المطالبة بتسوية معاشه على هذا الأساس - دعواه في ذلك من قبيل التسوية لا الإلغاء.
(جـ) موظف - معاش - مناط ضم مدة السنتين إلى مدة الخدمة المحسوبة في المعاش طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 - ألا تجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لذلك سبعاً وثلاثين سنة ونصف سواء في ذلك بلغ مقدار المعاش ثلاثة أرباع المرتب أم لم يبلغه - أساس ذلك وضوح النص وضوحاً يغني عن البحث عن حكمة التشريع ودواعيه.
(د) موظف - معاش - زيادة مدة خدمة المدعي المحسوبة في المعاش على سبع وثلاثين سنة ونصف في تاريخ تقديم طلبه وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 - لا تحول دون إفادته من العلاوتين اللتين أجازهما هذا القانون وإن حالت دون ضم سنتين إلى مدة خدمته.
1 - تنص المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 على أنه (استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال الثلاث شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابها في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين على ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتين من علاوات درجته ولا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة) وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه (رؤى عدم قصر هذه الإباحة على أصحاب الدرجات الشخصية وإنما إتاحة الفرصة لغيرهم من الموظفين الذين يبلغون سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ سريان هذا التشريع أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة بنفس الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمتها مواد قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة مع الاستثناء من الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون التي تعتبر الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط كأن لم تكن) - ومفاد ذلك هو لزوم مراعاة أحكام قانون موظفي الدولة والقوانين المعدلة له مع التحلل من الفقرة الأخيرة وحدها من المادة 110 من القانون 210 لسنة 1951، وهذا القانون رعاية منه لصالح الموظف أوجب أن تفصل جهة الإدارة في طلب الاستقالة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمها وفرض جزاء على تراخي الإدارة في هذا الصدد بنصه على اعتبار الاستقالة مقبولة بعد انقضاء الثلاثين يوماً - ومؤدى ذلك أن عدم إجابة جهة الإدارة على طلب اعتزال الخدمة المقدم للانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه يعتبر قبولاً ضمنياً لهذا الطلب مع التسوية المطلوبة ويترتب على ذلك انتهاء خدمة مقدم الطلب بقوة القانون متى توافرت في حقه الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون - وترتيباً على ذلك لا يجوز لجهة الإدارة بعد انتهاء مدة الثلاثين يوماً دون صدور قرار منها بالفصل في طلب ترك الخدمة أن تصدر قراراً برفض الطلب فإن هي فعلت ذلك يكون مثل هذا القرار قد نزل على غير محل بعد إذ انقطعت رابطة التوظف مع مقدم الطلب بحكم القانون.
2 - إن الثابت من الأوراق أن المدعي ولد في 6 من أكتوبر سنة 1900 أي أن سنه كان يزيد على الخامسة والخمسين عند العمل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وقد تقدم بطلب ترك الخدمة في 16 من مايو سنة 1960 وليس على هذا الطلب أي تأشير بحفظه كما أنه ليس في الأوراق ما يفيد أن جهة الإدارة قد اتخذت قراراً في شأن هذا الطلب سواء بالقبول أو بالرفض خلال الثلاثين يوماً التالية لتقديمه فلو ثبت أن المدعي مستوف للشروط المنصوص عليها في القانون لاعتبر سكوت الإدارة قبولاً لطلبه ولتسوية معاشه وفقاً للقانون المذكور ويكون قد اكتسب مركزاً ذاتياً في هذا الشأن يخوله حق المطالبة بتسوية معاشه على هذا الأساس وتكون دعواه في حقيقتها وبحسب تكييفها الصحيح من قبيل المنازعات الخاصة بالمعاشات إذ يتناول موضوعها تسوية معاشه وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 بعد أن اكتسب مركزاً ذاتياً يخوله الانتفاع بأحكام هذا القانون ومن ثم لا تخضع للمواعيد والإجراءات المقررة لرفع دعاوى الإلغاء فليس شرطاً لقبولها أن يسبق إقامتها تظلم إلى الجهة الإدارية المختصة أو الهيئة الرئيسية.
3 - إن ما ذهب إليه المدعي من أن من حقه وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 أن تضم سنتان إلى مدة خدمته المحسوبة في المعاش والتي كانت تبلغ في تاريخ تقديم طلبه حوالي التسعة والثلاثين عاماً وذلك تأسيساً على أن الحكمة من نص القانون المذكور على ألا تجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لضم مدة السنتين سبعاً وثلاثين سنة ونصف هي ألا يجاوز المعاش ثلاثة أرباع المرتب وأنه نظراً إلى أنه معامل بقانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 فإنه لن يترتب على ضم مدة السنتين المشار إليهما إلى مدة خدمته أن يجاوز معاشه ثلاثة أرباع المرتب وما ذهب إليه المدعي في هذا الشأن مردود بأن نص المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 صريح وقاطع في أن مناط ضم مدة السنتين إلى مدة الخدمة المحسوبة في المعاش هو ألا تجاوز هذه المدة نتيجة لهذا الضم سبعاً وثلاثين سنة ونصف ومتى كان النص واضحاً جلي المعنى فلا مقتضى للبحث عن حكمة التشريع ودواعيه إذ أن ذلك لا يكون إلا عند غموض النص أو وجود لبس فيه.
4 - إن مجرد زيادة مدة خدمة المدعي المحسوبة في المعاش على سبع وثلاثين سنة ونصف في تاريخ تقديم طلبه وإن كانت تحول دون إفادته من ضم مدة سنتين إلى تلك المدة إلا أنها لا تحول دون إفادته من العلاوتين اللتين أجاز القانون رقم 120 لسنة 1960 منحهما له بشرط ألا يجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة الرابعة.


إجراءات الطعن

بتاريخ 3 من يونيه سنة 1961 أودع الأستاذ محمود مصطفى شلبي المحامي بالنيابة عن السيد/ أحمد أحمد فارس قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1276 لسنة 7 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل بجلسة 4 من إبريل سنة 1961 في الدعوى رقم 26 لسنة 8 القضائية المقامة من الطاعن ضد السيد الأستاذ مدير النيابة الإدارية والقاضي بعدم قبول الدعوى شكلاً وإلزام المدعي المصروفات. وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير الطعن الحكم بقبوله شكلاً وبإلغاء حكم المحكمة الإدارية المطعون فيه بكامل أجزائه وبمعاملته بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وتسوية معاشه طبقاً لأحكامه وذلك بضم سنتين لمدة خدمته وإضافة علاوتين لمرتبه وتعديله إلى مبلغ 30 جنيهاً و750 مليماً شهرياً بخلاف علاوة الغلاء وذلك مع إلزام المطعون ضده المصروفات عن الدرجتين ومقابل أتعاب المحاماة وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون ضده في 12 من يونيو سنة 1961. وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 30 من مايو سنة 1964 وأعلن الطرفان بموعد هذه الجلسة في 2 من إبريل سنة 1964. وقررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا حيث عين لنظره جلسة 21 من نوفمبر سنة 1964 وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل في 10 من نوفمبر سنة 1960 أقام السيد/ أحمد أحمد فارس الدعوى رقم 26 لسنة 8 القضائية ضد السيد الأستاذ مدير النيابة الإدارية طالباً الحكم بمعاملته بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وتسوية معاشه طبقاً لأحكامه وذلك بضم سنتين لمدة خدمته وإضافة علاوتين لمرتبه وتعديله إلى مبلغ 30 جنيهاً و750 مليماً شهرياً بخلاف علاوة الغلاء وذلك مع إلزام المدعى عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال بياناً لدعواه إنه التحق بخدمة الحكومة في 31 من مارس سنة 1923 في وظيفة من الدرجة الثامنة بمصلحة البريد ثم رقي بعد عشرين سنة إلى الدرجة السابعة الشخصية في أول يوليو سنة 1943 ثم نقل إلى مصلحة الشهر العقاري مع ترقيته إلى الدرجة السادسة في 14 من نوفمبر سنة 1949 وفي سنة 1953 صدر القانون رقم 432 لسنة 1953 للمنسيين فمنح الدرجة الخامسة الشخصية تنفيذاً للقانون رقم 371 لسنة 1953 المعدل بالقانون رقم 377 لسنة 1953 ثم نقل من موظفي التحقيقات بالشهر العقاري إلى النيابة الإدارية عند إنشائها في 15 من ديسمبر سنة 1954 وعين رئيساً للتفتيش الإداري والكتابي ولم يرق بعد ذلك إلى الدرجة الرابعة إلا في أول مارس سنة 1959 وفي 26 من مارس سنة 1960 صدر القانون رقم 120 لسنة 1960 متضمناً النص على أنه يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو يبلغها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ نفاذه طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين وعلى ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم سبعة وثلاثين سنة ونصف وعلى أن يمنح علاوتان من علاوات درجته ولا يتجاوز بهما مربوط الدرجة - وعمل بهذا القانون من تاريخ نشره في 3 من إبريل سنة 1960 - وذكر المدعي أنه لما كان هذا القانون ينطبق عليه فقد قدم للمدعى عليه بصفته طلباً في 14 من مايو سنة 1960 لإحالته إلى المعاش طبقاً للأوضاع التي رتبها له ولأمثاله - ونظراً إلى أنه لم يتخذ أي إجراء في هذا الطلب فقد قدم تظلماً إلى المدعى عليه في 20 من يوليو سنة 1960 بعث به عن طريق البريد الموصى عليه ولكن المدعى عليه لم يرد بالقبول أو الرفض رغم مضي أكثر من ستين يوماً على التظلم - وذلك بمثابة رفض للتظلم - وأضاف المدعي أن عدم إجابته إلى طلبه ينطوي على مخالفة للقانون كما أنه مشوب بالانحراف يؤيد ذلك أن عدداً كبيراً من موظفي الحكومة قد قبلت طلباتهم وتمتعوا بالامتيازات التي أتاحها القانون المذكور رغم أن بعضهم كان على وشك ترك الخدمة لبلوغه سن الستين بعد أيام أو شهور من تاريخ صدور القانون واستطرد المدعي قائلاً إنه بلغ سن التقاعد أخيراً وأحيل إلى المعاش على أساس القانون القديم وكان مرتبه الأخير الذي على أساسه سوى معاشه 38 جنيهاً و500 مليماً شهرياً فأصبح معاشه 18 جنيهاً و900 مليماً وأنه لو عومل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 بضم سنتين لمدة خدمته وعلاوتين لمرتبه لأصبح معاشه الشهري 30 جنيهاً و750 مليماً وأنه لذلك يطلب الحكم بتسوية معاشه على أساس هذا القانون.
وأجابت المدعى عليها على الدعوى بمذكرة قالت فيها إنه يبين من القانون رقم 120 لسنة 1960 حسبما جاء في مذكرته الإيضاحية أنه أجاز للموظفين الذين تنطبق عليهم شروطه أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمتها مواد قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له - وأنه يبين من ذلك أن القانون قد أعطى الجهة الإدارية سلطة تقديرية مطلقة في قبول أو رفض أي طلب يقدم لها وذلك في ضوء الاعتبارات التي تقدرها مراعاة منها للصالح العام ودون معقب عليها من القضاء - وأضافت أن المدعي دخل الخدمة في 27 من يناير سنة 1920 (خارج الهيئة) واعتبر في الدرجة الثامنة من أول نوفمبر سنة 1923 وأصبح في الدرجة الرابعة الكتابية منذ 28 من فبراير سنة 1959 بماهية قدرها 38 جنيهاً و500 مليماً في أول مايو سنة 1960 وبلغ سن الإحالة إلى المعاش في 5 من أكتوبر سنة 1960 وكانت المدة الباقية لبلوغه هذا السن عندما تقدم بطلب معاملته وفقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 أربعة أشهر وعشرين يوماً وعند عرض هذا الطلب على السيد الأستاذ الوكيل العام للنيابة الإدارية رأى حفظ الموضوع وفي 20 من يوليو سنة 1960 تقدم المدعي بالتماس يستفسر فيه عما تم في هذا الطلب فأشر عليه بالحفظ لأن قبول أو رفض الطلب مسألة جوازية متروكة لتقدير الإدارة وانتهت المدعى عليها إلى طلب الحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وتقدم المدعي بمذكرة ردد فيها ما تضمنته صحيفة الدعوى وأضاف أنه فضلاً عن أن المدعى عليها لم ترد على الطلب المقدم منه في 14 من مايو سنة 1960 فإنه تبين من الاطلاع على ملف خدمته أنها سكتت عن الفصل في الطلب المذكور خلال ثلاثين يوماً كما تقضي بذلك المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 ومن ثم فإنه يعتبر مقبولاً بقوة القانون وإنما إذا كانت المدعى عليها قد صدر منها بعد ذلك ما يفيد رفض هذا الطلب في 20 من يوليو سنة 1960 فإن قرارها في هذا الشأن يعتبر منعدماً لوروده على غير محل لسبق اعتبار علاقته بالحكومة منتهية بقوة القانون.
وقدمت هيئة المفوضين تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بتسوية حالة المدعي طبقاً لأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليها بالمصروفات.
وبجلسة 4 من إبريل سنة 1961 قضت المحكمة الإدارية بعدم قبول الدعوى شكلاً وألزمت المدعي بالمصروفات وأقامت قضاءها بذلك على أن طلب ترك الخدمة وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 يعتبر طلباً لاعتزال الخدمة وفقاً لأوضاع وأحكام خاصة تختلف عن الأوضاع والأحكام المقررة في شأن الاستقالة العادية فتترخص الإدارة في قبوله أو رفضه وفقاً لما تراه أكثر تحقيقاً للمصلحة العامة - وهي في مجال تطبيقها للمادة الأولى من القانون المذكور لا تتقيد بميعاد محدد للإفصاح عن إرادتها وليس للقضاء الإداري التعقيب على القرار الذي تتخذه في هذا الشأن ما دام قد خلا من إساءة استعمال السلطة - ومتى ثبت أن للجهة الإدارية سلطة تقديرية مطلقة في قبول أو رفض الطلب المقدم من المدعي للانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 فإن الدعوى المرفوعة بطلب إلغاء قرار الرفض لا تعتبر من قبيل دعاوى التسويات وإنما تعتبر دعوى إلغاء ينبغي لقبولها توافر الإجراءات الشكلية المقررة بالنسبة إلى دعاوى الإلغاء والواردة بالقانون رقم 55 لسنة 1959 الذي أوجب التظلم من القرارات الإدارية القابلة للسحب والصادرة في شأن الموظفين قبل رفع دعوى الإلغاء وأن الثابت من الأوراق أن المدعي قد تقدم بطلب الانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 في 14 من مايو سنة 1960 ورأى السيد وكيل عام النيابة الإدارية حفظ ذلك الطلب فتقدم بطلب آخر يستفسر فيه عما تم في شأن طلبه الأول اعتزال الخدمة وقد تأشر على ذلك الطلب أيضاً بالحفظ - والقرار الصادر بالحفظ يعتبر في حقيقته قراراً برفض طلب المدعي اعتزال الخدمة ولئن كان هذا القرار لم يبلغ للمدعي إلا أن إحالته إلى المعاش في 5 من أكتوبر سنة 1960 وتسوية معاشه طبقاً للقواعد العامة توفر في حقه العلم بأن طلبه الانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 سالف الذكر قد رفض - وعلى أية حال فقد علم يقيناً بهذا الحفظ المتضمن لمعنى الرفض بعد إقامته الدعوى ومع ذلك لم يتظلم من قرار الرفض لا قبل إقامة الدعوى ولا في أية مرحلة من مراحلها ولا محل لما يزعمه من أن طلبه المؤرخ في 20 من يوليو سنة 1960 يعتبر تظلماً لأن الظاهر أنه كان يريد الوقوف على النتيجة التي انتهى إليها أمر طلبه الانتفاع بأحكام القانون المذكور وما دام لم يتظلم من قرار حفظ طلبه المتضمن رفضه فإن دعواه تعتبر غير مقبولة شكلاً.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الدعوى ليست دعوى إلغاء بل دعوى منازعة في مرتب أو معاش لا يسري عليها ما يسري على دعاوى الإلغاء من قيود وأنه ليس في الأوراق ما يدل على أن المدعي قد علم علماً يقيناً مستوفياً بقرار رفض طلبه الانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 كما أن خطابه المؤرخ في 20 من يوليو سنة 1960 الذي استفسر فيه عما تم في طلبه إنما هو في الواقع تظلم من تأخير الفصل في هذا الطلب - كما يقوم الطعن على أن القانون رقم 120 لسنة 1960 قد جعل الحق في ترك الخدمة لمن بلغ الخامسة والخمسين عند صدوره أو يبلغها خلال ثلاثة شهور من سريانه في 4 من إبريل سنة 1961 ولم يجعل للحكومة الحق في أي اعتراض أو منازعة في هذا الطلب فمتى انطبق الشرط بالنسبة للسن وجب على الحكومة قبول ترك الخدمة وكان المدعي عند نفاذ القانون بالغاً من السن أكثر من خمسة وخمسين سنة وقدم طلبه فاستعمل حقاً لا معقب عليه ولا محل للقول بأن هذه استقالة مشروطة وأنها ليست مقبولة طبقاً لنص المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 لأن تقديم هذه الاستقالة أجازه القانون 120 لسنة 1960 استثناء من القانون رقم 210 لسنة 1951.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى قبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه والحكم بأحقية الطاعن في معاملته بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وبتسوية معاشه طبقاً لأحكامه.
وتقدم المدعي بمذكرة بدفاعه أضاف فيها إلى ما ورد بتقرير الطعن أنه وفقاً للمادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951 كان يتعين الفصل في طلبه ترك الخدمة خلال الثلاثين يوماً التالية لتقديمه وإلا اعتبرت استقالته مقبولة بقوة القانون متى توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في القانون رقم 120 لسنة 1960 - وأنه قد قدم طلبه في 14 من مايو سنة 1960 ولم يفصل فيه خلال ثلاثين يوماً فتعتبر استقالته مقبولة بحكم القانون ويكون حفظ هذا الطلب قد ورد على غير محل - وذكر أنه معامل بالقانون رقم 5 لسنة 1909 بخصم 5% من مرتبه على أساس اعتبار مدة الخدمة ستين عاماً وحسبت له مدة خدمة تبلغ حوالي تسعة وثلاثين عاماً وأن معاملته بالقانون رقم 120 لسنة 1960 بضم سنتين إلى مدة خدمته وإن كان سيترتب عليه تجاوز المدة المحسوبة في المعاش سبعاً وثلاثين سنة ونصف حسب قانون المعاش الحالي إلا أن هذه المدة توازي في القانون رقم 5 لسنة 1909 المعامل به خمساً وأربعين سنة أي ثلاثة أرباع الستين سنة مدة الخدمة في القانون المذكور وأنه لذلك يستحق أن تضم له سنتان وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 تحسبان في المعاش فتصبح مدة خدمته واحداً وأربعين سنة ويمنح علاوتين من علاوات درجته على ألا يجاوز نهاية مربوط الدرجة ولما كان في الدرجة الرابعة ومرتبه 38 جنيهاً و500 مليماً شهرياً فقد توافرت في حقه الشروط المطلوبة - وأضاف أن اعتراض الحكومة بأنه أحيل إلى المعاش في سن الستين وهو في الدرجة الرابعة الفعلية اعتراض لا سند له من القانون ولا يمنع من أحقيته في المطالبة بقبول استقالته طبقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960.
ومن حيث إن المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 تنص على أنه (استثناء من أحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 يجوز لكل من بلغ سن الخامسة والخمسين من الموظفين أو من يبلغها خلال الثلاث شهور من تاريخ نفاذ هذا القانون طلب ترك الخدمة على أن يسوى معاشه على أساس ضم سنتين لمدة خدمته وحسابها في المعاش حتى ولو تجاوز بهذا الضم سن الستين على ألا تتجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لهذا الضم 37.5 سنة وعلى أن يمنح علاوتين من علاوات درجته ولا يتجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة) وجاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا القانون أنه (رؤى عدم قصر هذه الإباحة على أصحاب الدرجات الشخصية وإنما إتاحة الفرصة لغيرهم من الموظفين الذين يبلغون سن الخامسة والخمسين أو يبلغونها خلال ثلاثة أشهر من تاريخ سريان هذا التشريع أن يتقدموا بطلب ترك الخدمة بنفس الشروط للمصالح والهيئات الحكومية والوزارات التي يكون لها البت في هذه الطلبات في ضوء المصلحة العامة وفي الحدود التي رسمتها مواد قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 والقوانين المعدلة له مع الاستثناء من الفقرة الأخيرة من المادة 110 من القانون التي تعتبر الاستقالة المقترنة بأي قيد أو المعلقة على أي شرط كأن لم تكن) - ومفاد ذلك هو لزوم مراعاة أحكام قانون نظام موظفي الدولة والقوانين المعدلة له مع التحلل من الفقرة الأخيرة وحدها من المادة 110 من القانون رقم 210 لسنة 1951. وهذا القانون رعاية منه لصالح الموظف أوجب أن تفصل جهة الإدارة في طلب الاستقالة خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمها وفرض جزاء على تراخي الإدارة في هذا الصدد بنصه على اعتبار الاستقالة مقبولة بعد انقضاء الثلاثين يوماً - ومؤدى ذلك أن عدم إجابة جهة الإدارة على طلب اعتزال الخدمة المقدم للانتفاع بأحكام القانون رقم 120 لسنة 1960 خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تقديمه يعتبر قبولاً ضمنياً لهذا الطلب مع التسوية المطلوبة ويترتب على ذلك انتهاء خدمة مقدم الطلب بقوة القانون متى توافرت في حقه الشروط المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون - وترتيباً على ذلك لا يجوز لجهة الإدارة بعد انتهاء مدة الثلاثين يوماً دون صدور قرار منها بالفصل في طلب ترك الخدمة أن تصدر قراراً برفض الطلب فإن هي فعلت ذلك يكون مثل هذا القرار قد نزل على غير محل بعد إذ انقطعت رابطة التوظف مع مقدم الطلب بحكم القانون.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن المدعي ولد في 6 من أكتوبر سنة 1900 أي أن سنه كان يزيد على الخامسة والخمسين عند العمل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 وقد تقدم بطلب ترك الخدمة في 16 من مايو سنة 1960 وليس على هذا الطلب أي تأشير بحفظه كما أنه ليس في الأوراق ما يفيد أن جهة الإدارة قد اتخذت قراراً في شأن هذا الطلب سواء بالقبول أو بالرفض خلال الثلاثين يوماً التالية لتقديمه فلو ثبت أن المدعي مستوف للشروط المنصوص عليها في القانون لاعتبر سكوت الإدارة قبولاً لطلبه ولتسوية معاشه وفقاً للقانون المذكور ويكون قد اكتسب مركزاً ذاتياً في هذا الشأن يخوله حق المطالبة بتسوية معاشه على هذا الأساس وتكون دعواه في حقيقتها وبحسب تكييفها الصحيح من قبيل المنازعات الخاصة بالمعاشات إذ يتناول موضوعها تسوية معاشه وفقاً للقانون رقم 120 لسنة 1960 بعد أن اكتسب مركزاً ذاتياً يخوله الانتفاع بأحكام هذا القانون ومن ثم لا تخضع للمواعيد والإجراءات المقررة لرفع دعاوى الإلغاء فليس شرطاً لقبولها أن يسبق إقامتها تظلم إلى الجهة الإدارية المختصة أو الهيئة الرئاسية.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى أن سن المدعي كان في تاريخ العمل بالقانون رقم 120 لسنة 1960 يزيد على الخامسة والخمسين فإنه كان في الدرجة الرابعة وكان مرتبه 38 جنيهاً و500 مليماً شهرياً أي أقل من نهاية مربوط تلك الدرجة بستة جنيهات ونصف أي أنه لم يكن هناك ما يحول دون إفادته من أحكام القانون المذكور.
ومن حيث إن المدعي قد ذهب في مذكرته إلى أن من حقه وفقاً لأحكام القانون أن تضم سنتان إلى مدة الخدمة المحسوبة في المعاش والتي كانت تبلغ في تاريخ تقديم طلبه حوالي التسعة والثلاثين عاماً وذلك تأسيساً على أن الحكمة من نص القانون المذكور على ألا تجاوز مدة الخدمة المحسوبة في المعاش نتيجة لضم مدة السنتين سبعاً وثلاثين سنة ونصف هي ألا يجاوز المعاش ثلاثة أرباع المرتب - وأنه نظراً إلى أنه معامل بقانون المعاشات رقم 5 لسنة 1909 فإنه لن يترتب على ضم مدة السنتين المشار إليهما إلى مدة خدمته أن يجاوز معاشه ثلاثة أرباع المرتب، ما ذهب إليه المدعي في هذا الشأن مردود بأن نص المادة الأولى من القانون رقم 120 لسنة 1960 صريح وقاطع في أن مناط ضم مدة السنتين إلى مدة الخدمة المحسوبة في المعاش هو ألا تجاوز هذه المدة نتيجة لهذا الضم سبعاً وثلاثين سنة ونصف ومتى كان النص واضحاً جلي المعنى فلا مقتضى للبحث عن حكمة التشريع ودواعيه إذ أن ذلك لا يكون إلا عند الغموض في النص أو وجود لبس فيه.
ومن حيث إن مجرد زيادة مدة خدمة المدعي المحسوبة في المعاش على سبع وثلاثين سنة ونصف في تاريخ تقديم طلبه وإن كانت تحول دون إفادته من ضم مدة السنتين إلى تلك المدة إلا أنها لا تحول دون إفادته من العلاوتين اللتين أجاز القانون رقم 120 لسنة 1960 منحهما له بشرط ألا يجاوز بهما نهاية مربوط الدرجة الرابعة.
ومن حيث إنه لذلك يكون المدعي محقاً في طلب تسوية معاشه وفقاً لأحكام القانون المذكور على الوجه المبين بأسباب هذا الحكم، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب يكون قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله الأمر الذي يتعين معه إلغاؤه والحكم بأحقية المدعي في تسوية معاشه على الوجه السابق بيانه مع إلزام الحكومة المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبأحقية المدعي في تسوية حالته بالتطبيق للقانون رقم 120 لسنة 1960 وألزمت الحكومة بالمصروفات.