مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1964 إلى آخر يناير سنة 1965) - صـ 392

(43)
جلسة 10 من يناير 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ الدكتور محمود سعد الدين الشريف نائب رئيس المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور أحمد موسى وعلي محسن مصطفى وعبد الفتاح نصار ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

القضية رقم 978 لسنة 8 القضائية

( أ ) موظف - فصله لصدور حكم عليه في جناية من محكمة الثورة - القرار الصادر بالفصل قرار إداري منشئ, وليس عملاً تنفيذياً يترتب بقوة القانون - أساس ذلك وأثره - تحصن هذا القرار بفوات المواعيد.
(ب) موظف - فصله - إعادته إلى الخدمة بعد العفو عنه - نص قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 الصادر بالعفو عن باقي العقوبات المحكوم بها من محكمة الثورة ومن كافة الآثار والعقوبات التبعية المترتبة عليها - أثر ذلك - عدم انصراف أثر هذا العفو إلى ما ترتب على الحكم من آثار مدنية وإدارية - عدم اعتبار قرار الإعادة إلى الخدمة سحباً لقرار الفصل - أساس هذا كله.
(جـ) موظف - فصله - إعادته إلى الخدمة لا تعطيه حقاً في الطعن في قرارات الترقية التي تناولت زملاءه خلال مدة فصله, ما دام قرار فصله قد تحصن بفوات ميعاد الطعن فيه.
1 - إن ما يذهب إليه المدعي في الطعن من أن القرار الصادر بفصله ليس إلا عملاً تنفيذياً يترتب بقوة القانون على صدور حكم محكمة الثورة ضد المدعي وأنه بهذا الوصف لا يعد قراراً إدارياً يتحصن بميعاد الستين يوماً الذي حدده الشارع أجلاً للتظلم، لا اعتداد بذلك ما دام أن المركز القانوني الخاص بإنهاء رابطة التوظف لا ينشأ إلا بقرار الفصل المشار إليه الذي يقوم على واقعة قانونية هي صدور الحكم عليه في جناية كسبب لإصداره شأنه في ذلك شأن أي قرار إداري يقوم على سببه، وإذا كانت الفقرة الثامنة من المادة 107 من قانون موظفي الدولة قد أوردت في هذا الشأن حكماً تنظيمياً عاماً فإن المركز القانوني للموظف لا يتغير تلقائياً بمجرد صدور الحكم على الموظف في جناية وإنما تتدخل الإدارة بعمل إيجابي تنزل به حكم القانون على وضعه الفردي متى قدرت توافر شروط انطباقه في حقه، وهي بسبيل ذلك إنما تتدخل بسلطتها التقديرية في بيان طبيعة الجريمة والعقوبة المقضى بها، ومن الجلي الواضح في حالة المدعي بالذات بالنسبة لما نسب إليه وحوكم من أجله أن دور جهة الإدارة في التقدير والإنشاء حيال ما أثير حول طبيعة تلك الجرائم وما قام من جدل بشأن تكييفها - كان واضحاً أكيداً - كما أنه ليس صحيحاً ما يقول به المدعي من أن قرار الفصل الباطل لمخالفة القانون لا يتحصن أبداً بفوات مواعيد الطعن فيه بالإلغاء إذا أن هذا النوع من القرارات هو الذي يتقرر له وحدة الحصانة بفوات المواعيد، طالما أن القرارات المشروعة تولد صحيحة وتستمد حصانتها من صدورها موافقة لأحكام القانون.
2 - إن المدعي لا يجديه نفعاً - بالنسبة إلى ما طلبه من ترقيته إلى الدرجتين الثالثة والثانية في المدة التي كان فيها مفصولاً وقائماً بتنفيذ عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة الصادرة ضده أن يستند إلى قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 وهو على التحديد الوارد به لم يتناول النص على سقوط الآثار المدنية والإدارية الناشئة عن الحكم بالعقوبة المقضى بها في الجريمة المسندة إليه. ويؤكد القول بعدم إمكان مجازاة المدعي فيما يزعمه من إسقاط العفو المنصوص عليها بالقرار الجمهوري سالف الذكر لكافة الآثار والعقوبات التبعية ومن بينها الأثر الإداري المترتب على حكم محكمة الثورة، وهو قرار الفصل، أن قرار العفو وهو مصدر حقه في تعيين هذه الآثار - لا ينصب بحسب الإطار الذي وضعه فيه رئيس الجمهورية وطبقاً للحدود التي رسمتها له المادتان 74 و75 من قانون العقوبات إلا على محو باقي العقوبة الأصلية والعقوبات التبعية والآثار الجنائية المترتبة على الحكم بالعقوبة المعفو عنها وليس في هاتين المادتين أية إشارة إلى أن قرار العفو يجوز أن يتضمن الآثار المدنية أو الإدارية للحكم بالعقوبة المقضى بها بل لم يتضمن قرار العفو - وما كان له أن يتضمن - نصاً صريحاً قاضياً بسقوط الآثار المدنية أو الإدارية الناشئة عن الجرائم التي قضي فيها بإدانة من شملهم هذا القرار وتأسيساً على ذلك فإنه لا محيص عن التسليم بأن قرار العفو الذي يتمسك به المدعي لم يتعرض لقرار الفصل من الوظيفة، آية ذلك أن قرار العفو في العقوبة يفترق عن العفو الشامل في أنه لا يميط عن الفعل وصفه الجنائي ولا يمحو معرة الجريمة ومؤدى ذلك أن الحكم الصادر ضد المدعي لا يزال يحوز الحجية الكاملة أمام القضاء الإداري فيما تناوله من ثبوت الجريمة عليه وثبوت الوقائع التي صدرت بشأنها تلك العقوبة وصحة إسنادها إليه وأن العقوبة المقضية قبل صدور قرار العفو تظل مشروعة في سببها وأثار تنفيذها. أما الآثار الجنائية والعقوبات التبعية فهي التي تكفل قرار العفو عن العقوبة بمحوها دون غيرها، وسواء اعتبر العفو غير ذي موضوع بالنسبة لأحكام محكمة الثورة لصدورها على غير ما يتبقى قياساً على الجنايات الواردة في قانون العقوبات أو أنه تناول محو الآثار الجنائية التي يصح ترتيبها على العقوبات المقضى بها من تلك المحكمة فهو لا يتعدى قطعاً إلى الآثار المدنية والإدارية للحكم القاضي بأدائه من تناوله قرار العفو وغني عن البيان أنه لا وجه للقول بأن الإدارة بإعادة المدعي إلى الخدمة بالتطبيق لحكم المادة 23 من قانون موظفي الدولة قد سحبت قرار الفصل إذ لم يتجه في الحقيقة قصدها إلى هذا السحب بدليل أنها ما زالت تتمسك بأثره الحتمي وهو انقطاع خدمة المدعي وعدم اتصالها وأنها ما زالت تصر على سلامة قرارها المنوه عنه تطبيقاً للفقرة الثامنة من المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة مما لا يتفق مع القول بانصراف نيتها إلى سحب القرار.
3 - لا يحق للموظف بالبداهة حساب مدة بقائه مفصولاً في أقدمية الدرجة الرابعة التي نالها قبل قرار الفصل إلا إذا أفلح في إلغاء هذا القرار، وما دام قرار الفصل ما يزال قائماً بحكم تحصنه وفوات ميعاد الطعن فيه. فطلب المدعي إلغاء قرار الترقية إلى الدرجتين الثالثة والثانية المترتب على عدم قيام الفصل وعلى كونه هو ما يزال موظفاً خلال مدة هذا الفصل هو طلب تبعي متعين الرفض إذ ليس للموظف المفصول أن يترتب له حق في قرارات ترقية تناولت أنداده. خلال مدة انسلاخه عن الوظيفة ما دام قد امتنع بفعله عن الطعن بالإلغاء في قرار فصله من الخدمة، ولم يزل تبعاً لذلك العقبة التي تحول بينه وبين الظفر بمبتغاه من حيث اعتبار مدة خدمته متصلة.


إجراءات الطعن

بتاريخ 3/ 4/ 1962 أودع السيد/ أحمد محمود نصيف عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (هيئة الترقيات والتعيينات) بجلسة 8/ 2/ 1962 في الدعوى رقم 188 لسنة 15 ق المرفوعة منه ضد وزارة العدل القاضي "بعدم قبول طلب إلغاء القرار الصادر في 24/ 10/ 1953 بفصل المدعي من الخدمة لعدم التظلم منه في الميعاد القانوني وبرفض طلب إلغاء القرارين الصادرين في 31/ 10/ 1954 وفي 28/ 8/ 1958 بالترقية إلى الدرجتين الثالثة والثانية وألزمت المدعي بالمصروفات" وطلب المدعي للأسباب المبينة بصحيفة الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء للمدعي بطلباته الواردة في عريضة الدعوى مع إلزام الوزارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلن الطعن إلى الحكومة في 7/ 5/ 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 30/ 6/ 1962 وأخطرت الحكومة والمدعي في 17/ 6/ 1962 بميعاد هذه الجلسة، ثم قررت المحكمة إحالة الدعوى إلى المحكمة الإدارية العليا وحددت لذلك جلسة 12/ 4/ 1964. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من ملاحظات ذوي الشأن على الوجه الموضح تفصيلاً بالمحاضر قررت إصدار الحكم في 28/ 6/ 1964. ثم أعيدت الدعوى إلى المرافعة لمناقشة المدعي في بعض نقاط الدعوى التي وردت بمذكرة المدعي الختامية مع تكليف هيئة المفوضين بإعداد تقرير تكميلي تعقيباً على تصدير المدعي لدعواه الوارد في هذه المذكرة. وبجلسة 22/ 11/ 1964 وبعد أن استوفيت الدعوى قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الدعوى قد استوفيت أوضاعها الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام دعواه طالباً الحكم بتسوية حالته بجعل مدة خدمته متصلة وهي المدة التي تبدأ من 11/ 7/ 1934 تاريخ عمله بالحكومة إلى مدة خدمته الحالية التي بدأت في 21/ 7/ 1960 مع ما يترتب على ذلك من آثار وعلى الأخص منحه الدرجات التي تخطى فيها في الترقية إلى الدرجة الثالثة في 31/ 10/ 1954 والدرجة الثانية في 28/ 8/ 1958 مع صرف الفروق المالية المترتبة على ذلك. وقال في بيان دعواه إنه التحق بخدمة الحكومة في 11/ 7/ 1934 وبتاريخ 15 فبراير سنة 1938 عين خبيراً زراعياً بوزارة العدل، وحصل على الدرجة الخامسة الفنية العالية في 1/ 10/ 1945. ثم رقي إلى الدرجة الرابعة بتاريخ 1/ 10/ 1949 وفي 27/ 9/ 1953 قبض عليه وقدم إلى محكمة الثورة فقضت عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة وصدق مجلس قيادة الثورة على الحكم في 11/ 10/ 1953، ثم أفرج عنه إفراجاً صحياً، وبتاريخ 26/ 2/ 1960 صدر القرار الجمهوري رقم 128 لسنة 1960 بالعفو عن بعض المحكوم عليهم من محكمة الثورة بالنسبة لباقي العقوبة مع العفو عن كافة الآثار المترتبة على أحكام محكمة الثورة وجميع العقوبات التبعية وكان المدعي من بين هؤلاء. وعلى إثر ذلك صدر قرار بإعادته إلى وظيفته التي كان يشغلها بمرتبه الذي كان يتقاضاه في سنة 1953، غير أن ذلك لا يتفق مع ما نص عليه القرار الجمهوري المذكور وقد تضمن العفو عن كافة الآثار والعقوبات التبعية ومن أهم الآثار تخطي المدعي في الترقية بالأقدمية المطلقة إلى الدرجات التي كان يستحق الترقية إليها، خاصة وأن القرار رقم 649 الصادر في 24/ 11/ 1953 بفصله من الخدمة على أثر الحكم عليه من محكمة الثورة بالحكم السالف الذكر بالاستناد إلى المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 في شأن نظام موظفي الدولة قد بني على خطأ في تطبيق القانون وتأويله طالما أن الأحكام الصادرة بعقوبة الجناية من محكمة الثورة لا تسري عليها أحكام الكتاب الأول من قانون العقوبات أي لا يطبق في شأنها حكم المادة 25 عقوبات التي تقضي بحرمان المحكوم عليه في جناية من حق تولي الوظائف العامة وبالتالي فإنها لا تندرج تحت الجنايات التي أشارت إليها المادة 107 من قانون الموظفين وهذا التكييف هو ما يتفق مع ما انتهت إليه محكمة النقض من أن محكمة الثورة من أعمال السيادة وأن الأمر الصادر بها لم يتبع في شأن القوانين واللوائح من النشر في الجريدة الرسمية كما أن الجرائم التي تنظرها قد أثمها أمر السيادة العليا - ومن ثم فإن القرار الصادر بإعادة المدعي إلى الخدمة في 21/ 7/ 1960 وقد استند إلى قرار الفصل سابق الذكر فيما يختص بتحديد الدرجة وأقدميته فيها فإنه يكون قد أخل بحقه في الترقية ومنحه الدرجات التي تخطى فيها بعد أن زال أثر الحكم الصادر عليه بالقرار الجمهوري المنوه عنه وأصبح من المتعين تسوية حالته بزميله المهندس محمد أمين عبد السلام الذي رقي إلى الدرجة الثالثة في 31/ 10/ 1954 وإلى الدرجة الثانية بالأقدمية في 28/ 8/ 1958.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن المدعي حصل على الدرجة الرابعة في 1/ 10/ 1949، ثم صدر قرار في 4/ 10/ 1953 بوقفه عن العمل مع صرف مرتبه اعتباراً من 27/ 9/ 1953 تاريخ انقطاعه عن العمل. وبتاريخ 24/ 10/ 1953 صدر قرار بإنهاء خدمته من تاريخ وقفه عملاً بحكم المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بعد الحكم عليه من محكمة الثورة بمعاقبته بالأشغال الشاقة المؤبدة. وعلى أثر صدور القرار الجمهوري رقم 128 لسنة 1960 التمس المدعي إعادته إلى الخدمة فصدر القرار رقم 776 في 21/ 7/ 1960 بإعادته إلى وظيفته التي كان يشغلها ودرجته التي كان بها وقت إنهاء خدمته وذلك استناداً إلى المادة 23 من القانون رقم 210 لسنة 1951 واستطردت الوزارة إلى أن إنهاء خدمة المدعي بالقرار رقم 649 الصادر في 24/ 10/ 1953 اقتضى رفع اسمه من كشوف الأقدميات ومن ثم فلم يكن محلاً للتخطي كما أنه ليس محقاً في طلب صرف أي فروق مالية لأنه لم يقم بعمل يستحق عليه أجراً من تاريخ فصله إلى تاريخ إعادته إلى الخدمة، وطلبت الوزارة رفض الدعوى.
وبجلسة 8/ 2/ 1962، قضت المحكمة بعدم قبول طلب إلغاء القرار الصادر في 24/ 10/ 1953 بفصل المدعي من الخدمة لعدم التظلم منه في الميعاد القانوني وبرفض طلب إلغاء القرارين الصادرين في 31/ 10/ 1954 وفي 28/ 8/ 1958 بالترقية إلى الدرجتين الثالثة والثانية وألزمت المدعي بالمصروفات وأقامت المحكمة قضاءها على أن المدعي إنما يستهدف من دعواه الحكم بإلغاء القرار رقم 649 لسنة 1953 الصادر في 24/ 10/ 1953 بفصله من الخدمة وبإلغاء القرار الصادر في 31/ 10/ 1954 بالترقية إلى الدرجة الثالثة والقرار الصادر في 28/ 8/ 1958 بالترقية إلى الدرجة الثانية فيما تضمنه كل من هذين القرارين من تخطيه في الترقية وما يترتب على ذلك كله من آثار. وإذ كان الثابت من الأوراق أن المدعي تقدم إلى الإدارة العامة للمعاشات في أول فبراير سنة 1958 بطلب صرف المكافأة التي يستحقها عن مدة خدمته السابقة على فصله من الخدمة بتاريخ 20/ 10/ 1953 بناء على الحكم الصادر من محكمة الثورة في قضية الإشاعات، فإن المدعي من هذا التاريخ كان على علم بقرار فصله من الخدمة ومحتوياته، وكان يتعين عليه أن يتظلم منه خلال الستين يوماً التالية لعلمه به، إلا أنه لم يتظلم منه إلا في 6/ 8/ 1960 ومن ثم يكون طلب إلغاء قرار الفصل غير مقبول لرفعه دون التظلم منه في الميعاد الذي شرطه الشارع. ثم رتبت المحكمة على هذا أن طلب المدعي إلغاء القرارين الصادرين في 31/ 10/ 1954 وفي 28/ 8/ 1958 بالترقية إلى الدرجتين الثالثة والثانية أصبح على غير أساس من القانون والواقع ومتعين الرفض طالما أن قرار فصل المدعي من الخدمة قد تحصن من الإلغاء بسبب انقضاء المواعيد القانونية دون التظلم منه والطعن فيه ولا يجوز تبعاً لذلك ترقية المدعي في مدة الفصل طالما أن اسمه كان قد رفع من كشوف أقدميات موظفي وزارة العدل نتيجة لقرار الفصل المشار إليه.
ومن حيث إن طعن المدعي يقوم على أن الحكم المطعون فيه انطوى على خطأ في تطبيق القانون وتأويله، واستندت في ذلك إلى أن القرار الباطل والمخالف للقانون لا يتحصن من الإلغاء بمضي أية مدة، وأنه يجوز لصاحب الشأن الطعن فيه دون التقيد بالمواعيد القانونية وإهدار الآثار غير المشروعة التي ترتبت عليه. وقد صدر قرار الوزارة رقم 649 في 24/ 10/ 1953 بفصل المدعي من الخدمة طبقاً لحكم المادة 107 فقرة 8 من القانون رقم 210 لسنة 1951 لما قضت به محكمة الثورة من معاقبته بالأشغال الشاقة وذلك باعتبار أن محكمة الثورة كالمحاكم العادية تخضع أحكامها والآثار المترتبة عليها لأحكام القوانين المعمول بها جنائية كانت أو مدنية وذلك على خلاف ما قضت به محكمة النقض في حكمها الصادر في 23/ 6/ 1955 من أن محكمة الثورة هي محكمة ذات سيادة لا تسري على الجرائم التي تحكم فيها القواعد المنصوص عليها في قانون العقوبات سواء أكانت الجريمة التي عاقبت عليها هي مما أثمه لأول مرة الأمر الصادر بتشكيلها أو من الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات أو في القوانين الأخرى لأنها في كلتا الحالتين تمارس سيادة عليا تسمو على القوانين العادية، وعلى ذلك لا تكون معاقبة المدعي بحكم من محكمة الثورة بالأشغال الشاقة المؤبدة حكماً في جناية عادية. وأضاف المدعي أنه كان ثمة موانع تحول دون تظلمه من القرار الصادر بفصله، منها وجوده بالسجن تنفيذاً للعقوبة كما أن التظلم لم يكن يجدي شيئاً من قيام الحكم عليه بالعقوبة المذكورة. واستطرد إلى أن وزارة العدل أصدرت القرار رقم 776 لسنة 1960 بإعادته إلى الخدمة بذات درجته ومرتبه السابقين مخالفة بذلك القرار الجمهوري رقم 128 لسنة 1960 الذي أسقط كافة الآثار المترتبة على الحكم بالعقوبة وقضى بالعفو عن جميع العقوبات التبعية. ثم أورد المدعي في مذكرته الختامية التي قدمها في الطعن أن الدعوى - بحسب طلبات المدعي فيها هي دعوى تسوية لأن طلبه الأساسي فيها هو اعتبار عودته إلى الخدمة في الدرجة الرابعة بالأقدمية التي كانت له قبل فصله من وظيفته أي من 1/ 10/ 1949 بدلاً من 10/ 7/ 1956 والقضاء له بذلك هو سنده في باقي الطلبات، والمدعي يستند في ذلك إلى القرار الجمهوري رقم 128 لسنة 1960 الذي يعتبر مصدر حقه في استعادة مركزه الوظيفي السابق بعد أن قرر في العفو الذي انطوى عليه إلغاء كافة الآثار والعقوبات التبعية المترتبة على العقوبة، وبهذه المثابة فإن المدعي لم يطعن أصلاً بالإلغاء في القرار الصادر بإنهاء خدمته في سنة 1953 ولا مصلحة له في الطعن عليه بعد أن أعيد للخدمة فعلاً وتكفل القرار الجمهوري المذكور بالعفو عن كافة الآثار المترتبة على حكم محكمة الثورة ومنها الفصل الذي صدر على أساسه وفضلاً عن ذلك فإن قرار الفصل المشار إليه وقد صدر بالتطبيق للمادة 107 من قانون موظفي الدولة لا يعدو أن يكون عملاً تنفيذياً يترتب على صدور الحكم على الموظف في جناية لأن إنهاء الخدمة وفقاً لهذه المادة يقع بقوة القانون ونتيجة حتمية للحكم على الموظف في جناية، ومن ثم فإنه لا يتحصن بميعاد الستين يوماً الخاصة بالقرارات الإدارية. كما أن قرارات الفصل الباطلة التي تصدر مخالفة للقانون كقرار الفصل الخاص بالمدعي الذي صدر تطبيقاً للمادة 107 في غير حالات انطباقها لا تتحصن بالميعاد بمعنى أنه يجوز لصاحب الشأن الطعن فيه دون التقيد بالمواعيد القانونية وإهدار الآثار غير المشروعة التي تترتب عليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أصاب الحق في قضائه للأسباب التي قام عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة. وتضيف المحكمة إليها أن ما ذهب إليه المدعي في الطعن من أن القرار الصادر بفصله ليس إلا عملاً تنفيذياً ترتب بقوة القانون على صدور حكم محكمة الثورة ضد المدعي وأنه بهذا الوصف لا يعد قراراً إدارياً يتحصن بميعاد الستين يوماً الذي حدده الشارع أجلاً للتظلم، لا اعتداد بذلك ما دام أن المركز القانوني الخاص بإنهاء رابطة التوظف لا ينشأ إلا بقرار الفصل المشار إليه الذي يقوم على واقعة قانونية هي صدور الحكم عليه في جناية كسبب لإصداره شأنه في ذلك شأن أي قرار إداري يقوم على سببه، وإذا كانت الفقرة الثامنة من المادة 107 من قانون موظفي الدولة قد أوردت في هذا الشأن حكماً تنظيمياً عاماً فإن المركز القانوني للموظف لا يتغير تلقائياً بمجرد صدور الحكم على الموظف في جناية وإنما تتدخل الإدارة بعمل إيجابي تنزل به حكم القانون على وضعه الفردي متى قدرت توافر شروط انطباقه في حقه، وهي بسبيل ذلك إنما تتدخل بسلطتها التقديرية في بيان طبيعة الجريمة والعقوبة المقضى بها، ومن الجلي الواضح في حالة المدعي بالذات بالنسبة لما نسب إليه وحوكم من أجله أن دور جهة الإدارة في التقدير والإنشاء حيال ما أثير حول طبيعة تلك الجرائم وما أقام من جدول بشأن تكييفها - كان واضحاً أكيداً - كما أنه ليس صحيحاً ما يقول به المدعي من أن قرار الفصل الباطل لمخالفته القانون لا يتحصن أبداً بفوات مواعيد الطعن فيه بالإلغاء إذا أن هذا النوع من القرارات هو الذي يتقرر له وحدة الحصانة بفوات المواعيد طالما أن القرارات المشروعة تولد صحيحة وتستمد حصانتها من صدورها موافقة لأحكام القانون، وأياً كانت الموانع التي يزعم المدعي قيامها حائلاً دون مباشرته هذا الطعن في قرار الفصل بسبب تنفيذ العقوبة عليه فقد ارتفعت عنه عندما أفرج عنه صحياً، وقدم طلباً في أول فبراير 1958 بصرف مكافأة نهاية خدمته بسبب فصله من الوظيفة في 24 من أكتوبر 1953 بل لقد زالت عنه بعد ذلك كل أسباب التهديد التي يزعمها بصدور قرار رئيس الجمهورية في 6 من فبراير 1960. بالعفو عن باقي العقوبة المحكوم بها عليه ومع ذلك فإنه لم يتظلم بعد هذا التاريخ من قرار الفصل ولم يقم دعوى بإلغائه في الميعاد بل لا يزال يماري بغير حق في فصله لزوم هذا الإلغاء مع أنه يتمسك بعدم قيام قرار الفصل في حقه، وبسقوط الآثار المترتبة على هذا القرار.
ومن حيث إنه فضلاً عما تقدم فإن المدعي لا يجديه نفعاً - بالنسبة إلى ما طلبه من ترقيته إلى الدرجتين الثالثة والثانية في المدة التي كان فيها مفصولاً وقائماً بتنفيذ عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة الصادرة ضده أن يستند إلى قرار رئيس الجمهورية رقم 128 لسنة 1960 وهو على التحديد الوارد به لم يتناول النص على سقوط الآثار المدنية والإدارية الناشئة عن الحكم بالعقوبة المقضى بها في الجريمة المسندة إليه. ويؤكد القول بعدم إمكان مجاراة المدعي فيما يزعمه من إسقاط العفو المنصوص عليه بالقرار الجمهوري سالف الذكر لكافة الآثار والعقوبات التبعية ومن بينها الأثر الإداري المترتب على حكم محكمة الثورة، وهو قرار الفصل، أن قرار العفو وهو مصدر حقه في تعيين هذه الآثار - لا ينصب، بحسب الإطار الذي وضعه فيه رئيس الجمهورية وطبقاً للحدود التي رسمتها له المادتان 74 و75 من قانون العقوبات، إلا على محو باقي العقوبة الأصلية والعقوبات التبعية والآثار الجنائية المترتبة على الحكم بالعقوبة المعفو عنها وليس في هاتين المادتين أية إشارة إلى أن قرار العفو يجوز أن يتضمن الآثار المدنية أو الإدارية للحكم بالعقوبة المقضى بها بل لم يتضمن قرار العفو - وما كان له أن يتضمن - نصاً صريحاً قاضياً بسقوط الآثار المدنية أو الإدارية الناشئة عن الجرائم التي قضي فيها بإدانة من شملهم هذا القرار وتأسيساً على ذلك فإنه لا محيص عن التسليم بأن قرار العفو الذي يتمسك به المدعي لم يتعرض لقرار الفصل من الوظيفة، آية ذلك أن قرار العفو يفترق عن العفو الشامل في أنه لا يميط عن الفعل وصفه الجنائي ولا يمحو معرة الجريمة ومؤدى ذلك أن الحكم الصادر ضد المدعي لا يزال يحوز الحجية الكاملة أمام القضاء الإداري فيما تناوله من ثبوت الجريمة عليه وثبوت الوقائع التي صدرت بشأنها تلك العقوبة وصحة إسنادها إليه وأن العقوبة المقضية قبل صدور قرار العفو تظل مشروعة في سببها وآثار تنفيذها. أما الآثار الجنائية والعقوبات التبعية فهي التي تكفل قرار العفو عن العقوبة بمحوها دون غيرها، وسواء اعتبر العفو غير ذي موضوع بالنسبة لأحكام محكمة الثورة لصدورها على غير ما ينبغي قياسه على الجنايات الواردة في قانون العقوبات أو أنه اعتبر تناول محو الآثار الجنائية التي يصح ترتيبها على العقوبات المقضى بها من تلك المحكمة فهو لا يتعدى قطعاً إلى الآثار المدنية والإدارية للحكم القاضي بإدانة من تناوله قرار العفو - وغني عن البيان أنه لا وجه للقول بأن الإدارة بإعادة المدعي إلى الخدمة بالتطبيق لحكم المادة 23 من قانون موظفي الدولة قد سحبت قرار الفصل إذ لم يتجه في الحقيقة قصدها إلى هذا السحب بدليل أنها ما زالت تتمسك بأثره الحتمي وهو انقطاع خدمة المدعي وعدم اتصالها وأنها ما زالت تصر على سلامة قرارها المنوه عنه تطبيقاً للفقرة الثامنة من المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة مما لا يتفق مع القول بانصراف نيتها إلى سحب القرار.
ومن حيث إنه لا اعتداد بما يتمسك به المدعي من عدم تقيده بميعاد دعوى الإلغاء بذريعة أن طلباته إنما تدور حول تسوية أقدميته في الدرجة الرابعة وما يترتب على ذلك من آثار لا صحة في ذلك لأنه إذا كان تكييف الطلبات في الدعوى من توجيه الخصوم فإن مراقبة هذا التكييف من تصريف المحكمة، فلها بحكم ولايتها أن تصوب التكييف الخاطئ كما تصوب تصرفات الإدارة المخالفة للقانون. أما أن يصور المدعي دعواه بأنها دعوى تسوية بغية التنصل من واجب مراعاة الميعاد فهذا ما لا تستطيع هذه المحكمة متابعته فيه، لأنه لا يحق بالبداهية حساب مدة بقائه مفصولاً في أقدمية الدرجة الرابعة التي نالها قبل قرار الفصل إلا إذا أفلح في إلغاء هذا القرار وما دام قرار الفصل ما يزال قائماً بحكم تحصنه وفوات ميعاد الطعن فيه. فطلب المدعي إلغاء قرار الترقية إلى الدرجتين الثالثة والثانية المترتب على عدم قيام الفصل وعلى كونه هو ما يزال موظفاً خلال مدة هذا الفصل هو طلب تبعي متعين الرفض إذ ليس للموظف المفصول أن يترتب له حق في قرارات ترقية تناولت أنداده خلال مدة انسلاخه عن الوظيفة ما دام قد امتنع بفصله عن الطعن بالإلغاء في قرار فصله من الخدمة، ولم يزل تبعاً لذلك العقبة التي تحول بينه وبين الظفر بمبتغاه من حيث اعتبار مدة خدمته متصلة.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك وكان الفصل الذي تم هو قراراً حصيناً لا محيص عن ترتيب آثاره، فإن ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه من عدم قبول مجادلة المدعي في هذا القرار، ومن رفض مزعمه أنه تخطي بغير حق في الترقية إلى الدرجتين الثالثة والثانية يكون قضاء صحيحاً، ويكون الطعن على غير أساس متعين الرفض مع إلزام المدعي بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت المدعي بالمصروفات.