أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 40 - صـ 347

جلسة 2 من مارس سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ أحمد أبو زيد نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى طاهر وحسن عميره وصلاح البرجى نواب رئيس المحكمة ومحمد حسام الدين الغرياني.

(55)
الطعن رقم 8989 لسنة 58 القضائية

(1) نقض "أسباب الطعن. عدم تقديمها".
التقرير بالطعن بالنقض في الميعاد دون تقديم أسبابه. أثره: عدم قبول الطعن شكلاً.
(2) محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وإطراح ما يخالفها.
(3) إثبات "شهود". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود. موضوعي.
أخذ المحكمة بأقوال شاهد. مفاده إطراح جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
الجدل الموضوعي في تقدير الدليل تستقل به محكمة الموضوع ولا يجوز مجادلتها فيه أمام محكمة النقض.
(4) قتل عمد. شروع. مسئولية جنائية. موانع العقاب "الغيبوبة الناشئة عن تناول عقاقير مخدرة". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير توافر عناصر الجريمة" "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
شروط الغيبوبة المانعة من المسئولية؟
تقدير موانع المسئولية الناشئة عن فقدان الشعور. موضوعي.
(5) قتل عمد. شروع. قصد جنائي. جريمة "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات "بوجه عام". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
نية القتل. أمر داخلي متعلق بالإرادة. تقدير توافرها من عدمه. موضوعي.
(6) سبق الإصرار. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". ظروف مشددة.
البحث في توافر سبق الإصرار. موضوعي.
مثال لاستدلال سائغ على توافر سبق الإصرار.
(7) دفاع "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
محكمة الموضوع غير ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي.
(8) إثبات "بوجه عام". قتل عمد. سبق إصرار. مسئولية جنائية. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
توافر ظرف سبق الإصرار. يرتب تضامناً بين المتهمين في المسئولية الجنائية.
(9) عقوبة "تطبيقها". ظروف مخففة. نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
عدم التزام المحكمة ببيان مبررات الرأفة عند إعمالها المادة 17 عقوبات.
1 - إن الطاعن الأول وإن قرر بالطعن في الحكم في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه فيكون الطعن المقدم منه غير مقبول شكلاً.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
3 - إن وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، ومتى أخذت بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال المجني عليه واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهد بها، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال المجني عليه أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض.
4 - الأصل أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها بحيث تفقده الشعور والاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل، وكان تقدير حالة المتهم وقت ارتكاب الجريمة فيما يتعلق بفقدان الشعور أو التمتع به، والفصل في امتناع مسئوليته تأسيساً على وجوده في حالة سكر وقت الحادث أمراً يتعلق بوقائع الدعوى يقدره قاضي الموضوع دون معقب عليه.
5 - من المقرر أن تعمد القتل أمر داخلي متعلق بالإرادة يرجع تقديره أو عدم توافره إلى سلطة قاضي الموضوع وحريته في تقدير الوقائع، وكان ما أورده الحكم تدليلاً على قيام نية القتل لدى الطاعن وزميله من الظروف والملابسات التي أوضحها هو تدليل سائغ ويكفي لإثبات توافر هذه النية، فإن ما يثيره الطاعن في شأن ذلك كله لا يكون له محل.
6 - إن البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات محكمة الموضوع تستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا تتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، وكان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر أن الضغينة التي دلل على قيامها تدليلاً سائغاً ولدت في نفس الطاعن وزميله مما دفعهما إلى ارتكاب الجريمة بعد تفكير وروية وتدبير فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون سليماً وصحيحاً في القانون.
7 - إن المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وفي كل جزئية يثيرها.
8 - لما كان الحكم قد أثبت توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن والمتهم الآخر مما يرتب في صحيح القانون تضامناً بينهما في المسئولية الجنائية فإن كلاً منهما يكون مسئولاً عن جريمة الشروع في القتل التي وقعت تنفيذاً لقصدهما المشترك الذي بيتا النية عليه باعتبارهما فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات، ومن ثم يضحى النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد.
9 - لما كانت المحكمة غير ملزمة ببيان مبررات الرأفة عند إعمالها المادة 17 من قانون العقوبات وكان ما ينعاه الطاعن بشأن دلالة هذا التصرف - على نحو ما أشار إليه بأسباب الطعن لا سند له بالأوراق، فإن ما يثيره من ذلك لا يكون له وجه ولا يعتد به.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما شرعا في قتل....... عمداً مع سبق الإصرار بأن صمما على قتله وعقدا العزم على ذلك فاستدرجاه لمكان غير مطروق واستل كل منهما سلاحاً أبيض "مطواة قرن غزال" وطعناه عدة طعنات قاصدين من ذلك قتله فأحدثا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادتهما فيه وهو مداركة المجني عليه بالعلاج، وأحالتهما إلى محكمة جنايات السويس لمحاكمتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضورياً عملاً بالمواد 45، 46، 230، 231 من قانون العقوبات مع إعمال المادة 17 من ذات القانون بمعاقبتهما بالسجن لمدة ثلاث سنوات.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الأول وإن قرر بالطعن في الحكم في الميعاد إلا أنه لم يقدم أسباباً لطعنه فيكون الطعن المقدم منه غير مقبول شكلاً.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الثاني قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الشروع في القتل العمد مع سبق الإصرار قد شابه الفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب، ذلك أنه عول في قضائه على أقوال كاذبة للمجني عليه الذي أرجع الحادث إلى رغبة الطاعن والمحكوم عليه الآخر في الأخذ بالثأر لمقتل صديق لهما مع أن الواقعة لا تعدو في حقيقتها أن تكون مشاجرة نشبت بين ثلاثتهم تحت تأثير الخمر، وقد أطرح الحكم بما لا يسوغ دفاع الطاعن بأنه كان في حالة سكر وقت الحادث مما لازمه انتفاء نية القتل لديه وذهب - على خلاف القانون - إلى توافرها، كما استخلص توافر ظرف سبق الإصرار من أمور لا تنتجه بغير أن يعرض لدفاع الطاعن في هذا الشأن وما كان يجوز في صحيح القانون وقد انتفى هذا الظرف عن الواقعة مساءلة الطاعن إلا عن الأفعال التي أتاها هذا إلى أن المحكمة أعملت المادة 17 من قانون العقوبات دون إيضاح مبررات الرأفة مما يوحي بعدم اطمئنانها إلى قضائها بالإدانة، كل ذلك يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما يجمل في أن الطاعن والمحكوم عليه الآخر انتويا الانتقام من المجني عليه لاعتقادهما بأنه قتل صديقاً لهما فعقدا العزم على قتله وأعد كل منهما لهذا الغرض مطواة "قرن غزال" وما أن أفلحا في استدراجه ليلة الحادث إلى أحد الأماكن النائية بدعوى احتساء الخمر حتى أخذا في الاعتداء عليه بسلاحيهما قاصدين إزهاق روحه فأحدثا به جرحاً نافذاً في تجويف الصدر والبطن ولم يكفا عن الاعتداء عليه إلا ظناً منهما أنه لقي حتفه فتركاه ملقى على الأرض وحاولا الهرب بالسيارة الأجرة التي كانت أقلت ثلاثتهم إلى مكان الحادث إلا أن سائقها تمكن من إبلاغ الشرطة وتم نقل المجني عليه إلى المستشفى وإسعافه بالعلاج، وأورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة أدلة سائغة مستمدة من أقوال المجني عليه وسائق السيارة ومن اعتراف المحكوم عليه الآخر والتقرير الطبي. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وكان وزن أقوال الشهود وتقديرها مرجعه إلى محكمة الموضوع تنزله المنزلة التي تراها وتقدره التقدير الذي تطمئن إليه بغير معقب، ومتى أخذت بأقوال الشاهد فإن ذلك يفيد إطراحها لجميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكان الحكم قد كشف عن اطمئنانه إلى أقوال المجني عليه واقتناعه بوقوع الحادث على الصورة التي شهد بها، فإن ما يثيره الطاعن من منازعة حول تصوير المحكمة للواقعة أو في تصديقها لأقوال المجني عليه أو محاولة تجريحها ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض، ولما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن والمتهم الآخر بأنهما كانا في حالة سكر تنتفي به مسئوليتهما عن الحادث وفقاً لنص المادة 62 من قانون العقوبات وأطرحه تأسيساً على أنه لم يثبت للمحكمة أنهما تناولا مواد مسكرة في تاريخ الحادث وأنه على فرض صحة ذلك فإن القدر الذي تناولاه منها لم يعدم لديهما الإدراك والشعور استناداً إلى ما تبين من طريقة تنفيذهما الجريمة بالإضافة إلى مسلك المتهم الآخر - الذي قبض عليه وحده إثر الحادث - في التحقيق الذي تم وإجاباته به التي تنم عن تمتعه بالوعي والإدراك، ثم عرض الحكم إلى نية القتل واستدل على توافرها بحق الطاعن وزميله بما أورده من أنهما انتويا الإجهاز على حياة المجني عليه انتقاماً لمقتل صديق لهما اتهماه بقتله وقد استدرجاه لهذا الغرض لمكان ناء بعد أن كانا قد أعد سلاحين حادين وما أن ظفرا به حتى أخذا في طعنه بهما في مقاتل من جسمه فأحدثا به جرحاً نافذاً إلى تجويف الصدر والبطن وواصلا اعتداءهما عليه عندما أراد الفرار إلى أن سقط مغشياً عليه واعتقدا أنه فارق الحياة. لما كان ما تقدم، وكان الحكم قد محص دفاع الطاعن والمتهم الآخر في خصوص امتناع مسئوليتهما تأسيساً على وجودهما في حالة سكر وقت الحادث، وانتهى للأسباب السائغة التي أوردها إلى أنهما كانا أهلاً لتحمل المسئولية الجنائية لتوافر الإدراك والاختيار لديهما وقت مقارفة الفعل الذي ثبت في حقهما، وكان الأصل أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هي التي تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها الجاني قهراً عنه أو على غير علم منه بحقيقة أمرها بحيث تفقده الشعور والاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل، وكان تقدير حالة المتهم وقت ارتكاب الجريمة فيما يتعلق بفقدان الشعور أو التمتع به، والفصل في امتناع مسئوليته تأسيساً على وجوده في حالة سكر وقت الحادث أمراً يتعلق بوقائع الدعوى يقدره قاضي الموضوع دون معقب عليه، وإذ كان من المقرر أن تعمد القتل أمر داخلي متعلق بالإرادة يرجع تقدير توافره أو عدم توافره إلى سلطة قاضي الموضوع وحريته في تقدير الوقائع، وكان ما أورده الحكم تدليلاً على قيام نية القتل لدى الطاعن وزميله من الظروف والملابسات التي أوضحها هو تدليل سائغ ويكفي لإثبات توافر هذه النية، فإن ما يثيره الطاعن في شأن ذلك كله لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان البحث في توافر ظرف سبق الإصرار من إطلاقات محكمة الموضوع تستنتجه من ظروف الدعوى وعناصرها ما دام موجب تلك الظروف وهذه العناصر لا تتنافر عقلاً مع ذلك الاستنتاج، وكان الواضح من مدونات الحكم أنه استظهر أن الضغينة التي دلل على قيامها تدليلاً سائغاً ولدت في نفس الطاعن وزميله مما دفعهما إلى ارتكاب الجريمة بعد تفكير وروية وتدبير فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون سليماً وصحيحاً في القانون. ولا محل لما ينعاه الطاعن من أن الحكم لم يعرض لدفاعه بكذب أقوال المجني عليه في هذا الشأن إذ المحكمة ليست ملزمة بتعقب المتهم في مناحي دفاعه الموضوعي وفي كل جزئية يثيرها وما دام الحكم قد اطمأن لهذه الأقوال فإن ذلك يدل على إطراحه جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحمله على عدم الأخذ بها، ولما كان الحكم قد أثبت توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن والمتهم الآخر مما يرتب في صحيح القانون تضامناً بينهما في المسئولية الجنائية فإن كلاً منهما يكون مسئولاً عن جريمة الشروع في القتل التي وقعت تنفيذاً لقصدهما المشترك الذي بيتا النية عليه باعتبارهما فاعلين أصليين طبقاً لنص المادة 39 من قانون العقوبات، ومن ثم يضحى النعي على الحكم في هذا الصدد غير سديد. لما كان ذلك، وكانت المحكمة غير ملزمة ببيان مبررات الرأفة عند إعمالها المادة 17 من قانون العقوبات وكان ما ينعاه الطاعن بشأن دلالة هذا التصرف - على نحو ما أشار إليه بأسباب الطعن لا سند له بالأوراق، فإن ما يثيره من ذلك لا يكون له وجه ولا يعتد به. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.