مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1964 إلى آخر يناير سنة 1965) - صـ 403

(44)
جلسة 16 من يناير 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ حسن السيد أيوب وكيل المجلس وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور ضياء الدين صالح وعادل عزيز زخاري وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1682 لسنة 6 القضائية

تقادم - الأصل أن اكتمال مدته لا يرتب بذاته سقوط الالتزام - وجوب تمسك المدين به, إذ الأصل فيه أنه لا يعتبر من النظام العام - لا تملك المحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها, ما لم يرد نص على خلاف هذا الأصل - أساس ذلك ومثال: نص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات بأن الماهيات التي لم يطالب بها مدة 5 سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة - للمحكمة أن تقضي بالسقوط وفقاً لهذا النص من تلقاء نفسها - رجوع الإدارة على الموظف بمبالغ صرفت له دون وجه حق - لا يجيز للمحكمة أن تقضي بسقوط الحق فيها بالتقادم, دون طلب من ذي المصلحة.
إن الأصل في التقادم أنه لا يترتب على اكتمال مدته سقوط الالتزام من تلقاء ذاته بل لابد أن يتمسك به المدين، فالتقادم دفع يدفع به المدين دعوى الدائن، والأصل فيه أن لا يعتبر من النظام العام. ذلك أن سقوط الالتزام بالتقادم وإن كان مبنياً على اعتبارات تمت إلى المصلحة العامة لضمان الأوضاع المستقرة، إلا أنه يتصل مباشرة بمصلحة المدين الخاصة، كما أنه يتصل اتصالاً مباشراً بضميره فإذا كان يعلم أن ذمته مشغولة بالدين وتخرج من التذرع بالتقادم، كان له النزول عنه عن طريق عدم التمسك به، فلا تستطيع المحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها - كل ذلك ما لم يرد نص على خلاف هذا الأصل، كنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات التي يقضي بأن "الماهيات التي لم يطالب بها مدة خمس سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة". ومفاد هذا النص أنه بمجرد انقضاء مدة الخمس سنوات تصبح الماهيات حقاً للحكومة دون أن يتخلف أي التزام طبيعي في ذمة الدولة وأنه يجوز للمحكمة أن تقضي بسقوط الحق في المطالبة بها من تلقاء نفسها. وعلة خروج هذا النص على الأصل العام المشار إليه هي - قيام اعتبارات تنظيمية بالمصلحة العامة وتهدف إلى استقرار الأوضاع الإدارية وعدم تعرض ميزانية الدولة - وهي في الأصل سنوية - للمفاجآت والاضطراب.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى أنه ليس هناك نص مماثل لنص المادة 50 المشار إليها في شأن ما تصرفه الحكومة للعاملين فيها من مبالغ تزيد عما هو مستحق لهم - فإن الاعتبارات التي يقوم عليها حكم النص المذكور غير قائمة في شأن رجوع الحكومة بتلك المبالغ على من صرفت إليهم دون وجه حق، ويترتب على ذلك سريان الأصل العام السابق الإشارة إليه على تقادم الحق في المطالبة بالمبالغ المذكورة، فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب ذي المصلحة.
ومن حيث إنه لذلك فإنه إن جاز للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط حق العامل في الأجر الذي لم يطالب به مدة خمس سنوات وفقاً لنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات، فإنه لا يجوز لها أن تقضي من تلقاء نفسها بتقادم حق الدولة في الرجوع على العامل بما صرف له دون وجه حق إذ يتعين للحكم بهذا التقادم أن يتمسك هو به.
ومن حيث إن المدعى عليه لم يدفع بالتقادم فإنه ما كان يجوز للمحكمة الإدارية أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط الدعوى، وإذ قضت بذلك يكون حكمها مخالفاً للقانون.


إجراءات الطعن

في 8 من يونيه سنة 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن السيد وزير المواصلات قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1682 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية بجلسة 5 من إبريل سنة 1960 في الدعوى رقم 980 لسنة 6 القضائية المقامة من السيد وزير المواصلات ضد السيد/ سيد محمود خليل, والقاضي بسقوط الدعوى وإلزام المدعي المصروفات - وطلب الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير الطعن الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون والقضاء بإلزام المدعى عليه بدفع مبلغ 26 جنيهاً و244 مليماً والمصاريف وأتعاب المحاماة عن الدرجتين. وقد أعلن هذا الطعن بتسليم صورته إلى النيابة في 4 من إبريل سنة 1961 لعدم الاستدلال على محل إقامة المطعون ضده - وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 1 من يونيه سنة 1962 - وأبلغ الطرفان في 22 من مايو سنة 1962 بموعد هذه الجلسة وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا حيث عين لنظره جلسة 16 من مايو سنة 1964 التي أبلغ بها الطرفان في 8 من إبريل سنة 1964 وتم إخطار المدعى عليه بموعد كل من هاتين الجلستين بإرسال الإخطارين إلى وكيل نيابة محرم بك بالإسكندرية لعدم الاستدلال على محل إقامته - وقررت المحكمة تأجيل نظر الطعن لجلسة 28 من نوفمبر سنة 1964 وبعد أن سمعت الإيضاحات على الوجه المبين بمحضر الجلسة قررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه قد صدر في 5 من إبريل سنة 1960 وأن تقرير الطعن قد أودع قلم كتاب المحكمة في 8 من يونيه سنة 1960 وأن المدة من 4 إلى 7 من يونيه سنة 1960 صادفت عطلة رسمية هي عطلة عيد الأضحى فامتد ميعاد الطعن إلى اليوم التالي لها وذلك بالتطبيق لحكم المادتين 20، 22 من قانون المرافعات.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة للسكك الحديدية في 8 من سبتمبر سنة 1959 أقامت وزارة المواصلات الدعوى رقم 980 لسنة 6 القضائية ضد السيد/ سيد محمود خليل طالبة الحكم بإلزامه بأن يدفع لها مبلغ 26 جنيهاً و244 مليماً والفوائد والمصروفات وأتعاب المحاماة. وقالت بياناً لدعواها إن المدعى عليه التحق بمصلحة الطرق والكباري ضمن عمال القناة بمهنة رئيس عمال ومنح بصفة مؤقتة أجراً يومياً قدره 300 مليم وكانت التعليمات تستوجب أن يتقدم بمستند يثبت أنه كان يعمل مع الجيش البريطاني حتى تاريخ إلغاء المعاهدة، ولكنه عجز عن تقديم هذا المستند فعرض أمره على اللجنة الفنية المشكلة بمصلحة الطرق والتي قررت وضعه في درجة عامل عادي 100/ 300 مليم بأول مربوطها طبقاً لنوع الوظيفة التي كان يزاولها بالجيش البريطاني وذلك اعتباراً من أول إبريل سنة 1953 تاريخ نفاذ كادر العمال وترتب على هذه التسوية أن استحق للوزارة في ذمته مبلغ 29 جنيهاً و625 مليماً صرفت إليه بدون وجه حق في الفترة من 6 إبريل سنة 1952 تاريخ نفاذ الكادر حتى 31 من ديسمبر سنة 1952 تاريخ التسوية واستقطع من هذه القيمة مبلغ 3 جنيهات و381 مليماً. وفي 17 من إبريل سنة 1953 انقطع المدعى عليه عن العمل وتقرر فصله اعتباراً من ذلك التاريخ وتبقى عليه مبلغ 26 جنيهاً و244 مليماً صرفت إليه بدون وجه حق - وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفع مبلغ 9 جنيهات و654 مليماً وفوائده القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية والمصروفات وذلك تأسيساً على أن الثابت بملف خدمته أن الجهة الإدارية عاملته على أنه ساع أو فراش فيستحق طبقاً لكادر عمال القناة أجراً يومياً قدره 140 مليماً اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 مضافاً إليه إعانة غلاء معيشة حسب حالته الاجتماعية بلغت 75% فيكون الأجر الإجمالي المستحق له قانوناً 245 مليماً يومياً وتكون الزيادة التي صرفها بدون وجه حق عن أيام عمله في المدة من أول إبريل إلى آخر ديسمبر سنة 1952 هي 13 جنيهاً و35 مليماً حصلت منها الوزارة 3 جنيهات و381 مليماً فيكون الباقي هو مبلغ 9 جنيهات و654 مليماً يتعين القضاء به للوزارة مع الفوائد القانونية. وعقبت الوزارة على هذا التقرير بقولها إن المدعى عليه عين بمصلحة الطرق والنقل البري بعد تطبيق قواعد كادر العمال عليه على أساس أنه عامل رش بالطرق المحدد له أجر بكادر العمال درجة (عامل عادي 100/ 300) فتكون مطالبته بالمبلغ موضوع الدعوى على أساس سليم استناداً إلى التسوية التي أجرتها المصلحة والتي لم يعترض عليها المدعى عليه - وبجلسة 5 من إبريل سنة 1960 قضت المحكمة الإدارية بسقوط الدعوى وألزمت المدعية المصروفات. وأسست قضاءها بذلك على أن مطالبة الوزارة بالمبالغ التي استولى عليها المدعى عليه دون وجه حق لا تعدو أن تكون من دعاوى الاسترداد التي يتحتم رفعها قبل انقضاء المدة المنصوص عليها في المادة 187 من القانون المدني وأنه يبين من الأوراق أن الوزارة قد علمت بما لها في ذمة المدعى عليه في يناير سنة 1953 وآية ذلك أنها قامت باستقطاع ما استولى عليه زيادة من مرتبه اعتباراً من شهر يناير سنة 1953 حتى شهر مارس سنة 1953 ولم يتخذ أي إجراء قاطع للتقادم بعد أن توقفت عن الخصم من مرتبه بسبب فصله من الخدمة في 17 من إبريل سنة 1953 إلى أن أقامت الدعوى بصحيفة أعلنت إلى المدعي في 14 من سبتمبر سنة 1959 فتكون الدعوى قد أقيمت بعد الميعاد المقرر في المادة 187 ويتعين الحكم بسقوطها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أعمل التقادم الوارد بالمادة 187 من القانون المدني دون أن يطلب المدعى عليه ذلك في حين أن قواعد التقادم ليست من النظام العام فليس للمحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها ولا ينال من ذلك أن المطالبة محل الدعوى تتعلق برابطة من روابط القانون العام لأن مصدر الالتزام هنا حكم القانون المدني والقاعدة التي طبقتها المحكمة واردة بهذا القانون فكان يتعين عليها أن تأخذ بقواعده كاملة ما دام لا يوجد نص آخر في قانون آخر يغاير هذه القواعد أو بعضها، ولا وجه للقياس على حكم المادة 50 من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية لأنه جاء في خصوصية معينة هي الماهيات المستحقة في ذمة الدولة للأفراد - هذا فضلاً عن أنه لو طبق حكم هذه المادة فإن الحق لا يسقط إلا بمضي خمس سنوات على تاريخ استحقاقه ولم يكن هذا الحق قد سقط بعد عند رفع الدعوى في 8 من سبتمبر سنة 1959 لأن الوزارة كانت قد أخذت خلال سنة 1957 إجراءات قاطعة للتقادم حيث طالبت المطعون ضده بالمبلغ محل الدعوى بموجب عريضة دعوى أمام محكمة ميناء البصل المدنية ولكنها تركتها بعد أن تبينت أن القضاء الإداري هو المختص بنظر هذه المنازعة.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قد قدمت تقريراً برأيها انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المدعى عليه بأن يدفع للوزارة المدعية مبلغ 26 جنيهاً و244 مليماً مع إلزامه المصروفات. وذلك تأسيساً على أن التقدم الثلاثي المنصوص عليه في المادة 187 من القانون المدني لا يسري على حق الحكومة في استرداد المدفوع من جانبها إلى الموظف بدون حق وأن مدة التقادم التي تسري على المبلغ موضوع الدعوى هي مدة التقادم المسقطة للمرتب وهي مدة الخمس سنوات المنصوص عليها في المادة 50 من القسم الثاني من اللائحة المالية للميزانية والحسابات، وأنه من المقرر أنه يجوز للمحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها وأن الجهة الإدارية قد قامت باستقطاع جزء من المبلغ المستحق لها عن طريق الخصم من أجر المدعى عليه في الأشهر من يناير إلى مارس سنة 1953 كما أنها لم تأل جهداً إبان عامي 1954، 1955 في سبيل التعرف على محل إقامة المدعى عليه بغية مطالبته بباقي المبلغ المستحق عليه وكتبت في هذا الشأن إلى كل من تفتيش الشرق بالوجه البحري ومحافظة القناة بالإسماعيلية طالبة إجراء التحريات اللازمة للوقوف على محل إقامته، وهذه الإجراءات تقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم. وكما كانت الدعوى قد رفعت في 8 من سبتمبر سنة 1959 فإنها تكون قد رفعت في ميعاد لم يكن فيه الحق قد سقط بالتقادم لاسيما وأن إدارة قضايا الحكومة تقرر في صحيفة طعنها أنها قطعت التقادم خلال عام 1957 عندما طالبت المدعى عليه بالمبلغ موضوع النزاع بموجب صحيفة دعوى مدنية أمام محكمة ميناء البصل.
ومن حيث إن وزارة المواصلات قد تقدمت بمذكرة بدفاعها أضافت فيها إلى ما تضمنه تقرير الطعن أنها أخذت في التحري عن محل إقامة المدعى عليه. وفي 6 من مايو سنة 1957 حددت أول جلسة محكمة محرم بك لنظر هذا النزاع ثم أحيلت الدعوى إلى محكمة ميناء البصل الجزئية بعد أن تبين أنه يقيم في دائرة تلك المحكمة، وفي أول سبتمبر سنة 1959 تركت الحكومة هذه الدعوى للشطب بعد أن تبينت أن المحكمة المختصة هي المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات. وذكرت الوزارة أن هذه الإجراءات جميعاً تدل على أن الإدارة لم تهمل المطالبة فقطع التقادم في مجال هذه الرابطة الإدارية التي تحكمها القوانين واللوائح - وأن المدعى عليه ظل يقبض أجر مهنة رئيس عمال بواقع 300 مليم في اليوم بعد أن سويت حالته بوضعه في الدرجة 100/ 300 مليم بأول مربوطها اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 فتجمد في ذمته نتيجة لذلك المبلغ محل المطالبة. وانتهت الوزارة إلى طلب الحكم بالطلبات الموضحة بتقرير الطعن.
ومن حيث إن الوزارة تقيم مطالبتها للمدعى عليه بالفرق بين الأجر الذي صرف له فعلاً والأجر الذي تدعي أنه كان يستحقه في المدة من أول إبريل إلى آخر ديسمبر سنة 1952 على أنه عجز عن تقديم المستند الدال على أنه كان يعمل بالجيش البريطاني حتى تاريخ إلغاء معاهدة سنة 1936 فعرض أمره على اللجنة الفنية المشكلة بمصلحة الطرق التي قررت وضعه في درجة عامل عادي (100/ 300 مليم) بأول مربوطها اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 تاريخ نفاذ كادر العمال وترتب على هذه التسوية أن استحق للوزارة في ذمته مبلغ 29 جنيهاً و625 مليماً صرفت إليه بدون وجه حق في الفترة من 6 من إبريل سنة 1952 حتى 31 من ديسمبر سنة 1952 تاريخ التسوية خصم منها مبلغ 3 جنيهاً و381 مليماً استقطع مما استحق للمدعى عليه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بسقوط الدعوى على أنها من دعاوى الاسترداد التي يتحتم رفعها قبل انقضاء المدة المنصوص عليها في المادة 187 من القانون المدني وأنها قد أقيمت بعد انقضاء المدة المذكورة.
ومن حيث إن المدعى عليه لم يحضر أمام المحكمة الإدارية ولم يتقدم بأي دفع أو دفاع في الدعوى وبذلك يكون الحكم المطعون فيه قد قضى بالسقوط دون أن يدفع المدعى عليه بالتقادم المسقط.
ومن حيث إن الأصل في التقادم أنه لا يترتب على اكتمال مدته سقوط الالتزام من تلقاء ذاته بل لابد أن يتمسك به المدين، فالتقادم دفع يدفع به المدين دعوى الدائن، والأصل فيه أنه لا يعتبر من النظام العام. ذلك أن سقوط الالتزام بالتقادم وإن كان مبنياً على اعتبارات تمت إلى المصلحة العامة لضمان الأوضاع المستقرة، إلا أنه يتصل مباشرة بمصلحة المدين الخاصة، كما أنه يتصل اتصالاً مباشراً بضميره فإذا كان يعلم أن ذمته مشغولة بالدين وتخرج من التذرع بالتقادم، كان له النزول عنه عن طريق عدم التمسك به، فلا تستطيع المحكمة أن تقضي بالسقوط من تلقاء نفسها - كل ذلك ما لم يرد نص على خلاف هذا الأصل، كنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات الذي يقضي بأن "الماهيات التي لم يطالب بها مدة خمس سنوات تصبح حقاً مكتسباً للحكومة". ومفاد هذا النص أنه بمجرد انقضاء مدة الخمس سنوات تصبح الماهيات حقاً للحكومة دون أن يتخلف أي التزام طبيعي في ذمة الدولة، وأنه يجوز للمحكمة أن تقضي بسقوط الحق في المطالبة بها من تلقاء نفسها. وعلة خروج هذا النص على الأصل العام المشار إليه هي - قيام اعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة وتهدف إلى استقرار الأوضاع الإدارية وعدم تعرض ميزانية الدولة - وهي في الأصل سنوية - للمفاجآت والاضطراب.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى أنه ليس هناك نص مماثل لنص المادة 50 المشار إليها في شأن ما تصرفه الحكومة للعاملين فيها من مبالغ تزيد عما هو مستحق لهم - فإن الاعتبارات التي يقوم عليها حكم النص المذكور غير قائمة في شأن رجوع الحكومة بتلك المبالغ على من صرفت إليهم دون وجه حق، ويترتب على ذلك سريان الأصل العام السابق الإشارة إليه على تقادم الحق في المطالبة بالمبالغ المذكورة، فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بالتقادم من تلقاء نفسها بل يجب أن يكون ذلك بناء على طلب ذي المصلحة.
ومن حيث إنه لذلك فإنه إن جاز للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط حق العامل في الأجر الذي لم يطالب به مدة خمس سنوات وفقاً لنص المادة 50 من اللائحة المالية للميزانية والحسابات، فإنه لا يجوز لها أن تقضي من تلقاء نفسها بتقادم حق الدولة في الرجوع على العامل بما صرف له دون وجه حق إذ يتعين للحكم بهذا التقادم أن يتمسك هو به.
ومن حيث إن المدعى عليه لم يدفع بالتقادم فإنه ما كان يجوز للمحكمة الإدارية أن تقضي من تلقاء نفسها بسقوط الدعوى، وإذ قضت بذلك يكون حكمها مخالفاً للقانون.
ومن حيث إنه يبين من ملف خدمة المدعى عليه أنه كان من عمال الجيش البريطاني قبل إلغاء معاهدة سنة 1936 - وفي 4 من نوفمبر سنة 1951 قيد بمكتب عمل الإسماعيلية وتضمنت شهادة القيد أن صناعته ريس عمل (صفحة 3 من ملف الخدمة) وتضمن بيان حالته المؤرخ في 3 من ديسمبر سنة 1951 والموقع منه ومن الموظف المختص أنه كان يعمل متعهد غسيل ومكوجي وأنه ترك خدمة الجيش البريطاني في 25 من أكتوبر سنة 1951 وأنه ألحق بالعمل بالحكومة رئيس فرقة بقسم أبي حماد وأن الأجر المؤقت الذي قدر له هو ثلاثون قرشاً (الصفحة الأولى من الملف) - وقدم تصريح المرور الصادر له من الجيش البريطاني وثابت فيه أنه (عامل) وأن التصريح معتمد عن المدة من 3 إلى 9 من مايو سنة 1951 - (صفحة 2 من الملف) - ولما كان هذا التصريح تنتهي مدة سريانه قبل أول أكتوبر سنة 1951 فقد طالبه تفتيش الشرق بمصلحة الطرق والكباري بتقديم ما يدل على سابقة اشتغاله بالجيش البريطاني حتى أول أكتوبر سنة 1951 (صفحة 5 من الملف) وقد أجاب المدعى عليه على ذلك بأنه قد استحال عليه الحصول من الجيش البريطاني على ما يدل على ذلك لغلق أبواب المعسكرات وأنه حصل من قسم شرطة أبو صوير على رقم المحضر الذي حرر في 6 من نوفمبر سنة 1951 على إثر امتناعه عن العمل بالجيش المذكور، وأن هذا القسم على الاستعداد لإرسال هذا المحضر الذي يثبت عمله بالجيش البريطاني (صفحة 4 من الملف) وعرضت مصلحة الطرق الأمر على مصلحة العمل بكتابها المؤرخ في 22 من فبراير سنة 1953 طالبة الإفادة عما يتبع نحو المدعى عليه، وهل من الجائز استمراره في العمل (صفحة 7 من الملف) فأجابت مصلحة العمل بكتابها المؤرخ في 31 من مارس سنة 1953 بأنه بالبحث وجد هذا العامل مقيداً بمكتب الإسماعيلية بمهنة مكوجي بتاريخ 4 من نوفمبر سنة 1951 برقم 271/ 18 وأنه قد تقدم للجنة التحريات بجلسة 27 من أكتوبر سنة 1951 ورشح لوزارة الداخلية بتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1951 بناء على تعرف اللجنة على سابقة اشتغاله بالمعسكرات البريطانية. وأشارت المصلحة بأن يستمر في عمله (صفحة 10 من الملف) - وكان المدعي قد تقدم بشكوى إلى مدير عام مصلحة الطرق والكباري في 12 من مارس سنة 1953 ذكر فيها أنه عين رئيس مكوجية بهندسة الدقهلية بحري بأجر يومي قدره 300 مليم وأنه توجه إلى تفتيش الشرق لإجراء الامتحان ولكن الكاتب المختص أفهمه بأنه لا يمكن امتحانه لأنه ليس في المصلحة عمال مكوجية، وقال إنه إذا كان الأمر كذلك فمن الواجب أن يحول إلى مصلحة أخرى إذ أن مرتبه أصبح 3 جنيهات و130 مليماً شهرياً بعد أن كان يتقاضى من الجيش البريطاني مرتباً لا يقل عن خمسة عشر جنيهاً (صفحة 8 من الملف) - وبين مدير عام مصلحة الطرق والكباري في كتابه المرسل إلى وكيل الوزارة في 4 من يوليه سنة 1953 أن المدعى عليه ألحق بالعمل على أنه ريس عمل بأجر قدره 300 مليم شامل إعانة غلاء المعيشة ولكن عند تقديم مسوغات تعيينه اتضح أنه مكوجي، وطبقاً للتعليمات عومل على أنه ساعي أو فراش بأجر يومي قدره 240 مليماً وأنه نتيجة لهذه التسوية استحق عليه مبلغ 29 جنيهاً و244 مليماً اعتباراً من أول إبريل سنة 1952 وأنه انقطع عن العمل اعتباراً من 17 من إبريل سنة 1953 أكثر من عشرة أيام - فتقرر فصله اعتباراً من ذلك التاريخ (صفحة 16 من الملف). وقد أجابت الوزارة على هذا الكتاب بكتابها المؤرخ في 26 من ديسمبر سنة 1953 الذي رأت فيه محاسبة المدعى عليه على أجر يومي قدره 140 مليماً اعتباراً من تاريخ تقديم مسوغات تعيينه (صفحة 24 من الملف) - وبالرجوع إلى كشف حساب فرق الأجور موضوع الدعوى التي أقامتها الوزارة ضد المدعى عليه يبين أن هذا الفرق قد حسب على أساس أن الأجر المستحق للمدعي اعتباراً من أول إبريل إلى آخر ديسمبر سنة 1952 هو 100 مليم تضاف إليه إعانة الغلاء بنسبة 75% وأن الأجر الذي صرف له فعلاً عن تلك المدة كان يزيد على ذلك إذ بلغ 300 مليم يومياً شاملة لإعانة الغلاء.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعى عليه قد منح عقب تركه خدمة الجيش البريطاني وعند إلحاقه بالعمل بوزارة المواصلات أجراً مؤقتاً قدره 300 مليم يومياً، وأنه بعد نفاذ القواعد التنظيمية التي وضعت لإعادة توزيع عمال القناة وتقدير أجورهم في أول إبريل سنة 1952 لم يحدد أجر المدعي بصفة نهائية إلا في أول يناير سنة 1953 إذ قرر له اعتباراً من ذلك التاريخ أجر يومي قدره 140 مليماً حسبما هو مستفاد من ملف الخدمة لا مائة مليم كما جاء بصحيفة الدعوى..
ومن حيث إنه على إثر إلغاء معاهدة سنة 1936 ترك العمال المصريون الجيش البريطاني بمنطقة القناة أعمالهم فكان لزاماً على الحكومة أن تدبر لهم سبل العيش. ولما كانت الحالة تستدعي علاجاً سريعاً ونظراً إلى كثرة هؤلاء العمال فقد ألحقوا بالوزارات والمصالح المختلفة دون مراعاة حاجة العمل بالمصالح ودون مراعاة حرف هؤلاء العمال. وفي 18 من نوفمبر سنة 1951 قرر مجلس الوزراء تشكيل لجنة في وزارة المالية تمثل فيها جميع الوزارات المختلفة كما صدر قرار مجلس الوزراء في 2 من ديسمبر سنة 1951 بتخويل اللجنة المشار إليها الحق في إعادة النظر في أجور العمال. وفي 19 من مارس سنة 1952 وضعت اللجنة تقريراً تضمن القواعد التنظيمية في شأن إعادة توزيع هؤلاء العمال وإعادة تقدير أجورهم ودرجاتهم وهي القواعد التي اصطلح على تسميتها بكادر عمال القناة وقدرت فيه أجور أرباب الحرف بما يطابق درجات كادر عمال الحكومة وكان من بين القواعد التي وضعتها اللجنة قاعدة تقضي بأن: "من سيقل أجره بعد نقله إلى الدرجة المقررة له في كادر عمال اليومية الحكومي فلا يحصل منه الفروق كذلك الحال بالنسبة لمن يرتفع أجره فلا يصرف له فرق عن الماضي - أما العمال الذين ليس لهم عمل يتفق مع حرفهم سواء في الجهات الملحقين بها الآن أو بالجهات الأخرى فهؤلاء يكلفون القيام بأعمال يستطيعون القيام بها وتقرب من حرفهم الأصلية بقدر المستطاع وفي هذه الحالة تقدر أجورهم حسب الأعمال التي يقومون بها فعلاً لأن الأجر يقدر على قدر العمل على أساس حرفة العامل نفسه". كما كان مما قررته اللجنة عدم نفاذ هذه التقديرات والأجور إلا بعد إقرارها واعتمادها بدون أثر رجعي - وقد اعتمدت الجهات المختصة تقرير اللجنة بما تضمنه من قواعد ونشرت وزارة المالية كتاباً دورياً في هذا الشأن إلى الوزارات والمصالح لتنفيذه اعتباراً من أول إبريل سنة 1952.
ومن حيث إنه يظهر من ذلك أن مركز العمال المذكورين من حيث الدرجات التي وضعوا فيها والأجور التي منحوها أول الأمر عقب تركهم خدمة الجيش البريطاني إثر إلغاء معاهدة سنة 1936 إنما كان مركزاً مؤقتاً غير بات اقتضته الضرورة العاجلة وقتذاك، أما مراكزهم النهائية فيما يتعلق بهذه الدرجات والأجور فلم تكن لتستقر إلا بعد نفاذ القواعد التنظيمية التي وضعت لإعادة توزيعهم بصفة نهائية والعبرة في هذا الشأن بالمركز النهائي الذي يطبق عليهم بعد نفاذ تلك القواعد وتقدير أجورهم على أساسها إذ أن مراكزهم عندئذ تعتبر المراكز القانونية النهائية التي تتحرر على مقتضاها درجاتهم وأجورهم.
ومن حيث إنه وإن كان عامل القناة لا يكسب في وضعه المؤقت الحق في الدرجة التي وضع فيها أو في الاستمرار في تقاضي الأجر المحدد لها - إلا أنه أثناء هذا الوضع المؤقت وإلى أن يتجدد مركزه بصفة نهائية يستحق الأجر الذي قدر له في هذا الوضع لقيام هذا الأجر على أساس من التقدير الجزافي واستناد قبضه إياه إلى سبب مشروع هو بقاؤه في الوضع المذكور بإرادة جهة الإدارة ولو زاد هذا الأجر على الأجر الذي حدد له على مقتضى قواعد كادر عمال القناة وذلك ما لم تكن تلك الزيادة قد صرفت له نتيجة غش من جانبه.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أن المدعى عليه قد قدم إلى جهة الإدارة المختصة قبل أول إبريل سنة 1952 تاريخ نفاذ كادر عمال القناة ما يدل على أنه كان عاملاً بالجيش البريطاني كما سجل في بيان حالته المقدم في 3 من ديسمبر سنة 1951 أنه كان يعمل مكوجياً في ذلك الجيش وهذا ما أكدته مصلحة العمل في كتابها في 31 من مارس سنة 1953 (صفحة 10 من ملف الخدمة) الذي تضمن أنه بالبحث وجد هذا العامل مقيداً بمكتب الإسماعيلية بمهنة مكوجي بتاريخ 4 من نوفمبر سنة 1951 برقم 271/ 18، وأنه قد تقدم للجنة التحريات بجلسة 27 من نوفمبر سنة 1951 ورشح لوزارة الداخلية بتاريخ 28 من نوفمبر سنة 1951 بناء على تعرف اللجنة على سابقة اشتغاله بالمعسكرات البريطانية - ولقد كان في مقدور جهة الإدارة على أساس هذه البيانات أن تحدد مركزه وأن تقدر أجره بصفة نهائية ابتداء من أول إبريل سنة 1952 لو أنها اتبعت في شأنه ما أشارت به لجنة إعادة توزيع عمال الجيش البريطاني في تقريرها المؤرخ في 19 من مارس سنة 1952 إذ تضمن هذا التقرير أنه كان من هؤلاء العمال من يعمل في حرف ليست الحكومة في حاجة إلى استخدام أربابها مثل الكوائين وأن اللجنة قد أشارت باستخدام الكوائين في وظائف السعاة والفراشين وما شابه ذلك من أعمال - ولكن الإدارة تراخت في القيام بذلك ولم تقم بتسوية حالة المدعى عليه على مقتضى قواعد كادر عمال القناة إلا في 31 من ديسمبر سنة 1952 الأمر الذي ترتب عليه بقاءه في وضعه المؤقت واستمرار الإدارة في صرف الأجر الذي قدر له جزافاً وقدره 300 مليم يومياً إلى نهاية سنة 1952.
ومن حيث إن قبض المدعى عليه للأجر المذكور خلال المدة من أول إبريل حتى آخر ديسمبر سنة 1952 يستند حسبما سبق البيان إلى سبب مشروع هو الوضع المؤقت الذي أبقته فيه جهة الإدارة بإرادتها، فليس من حقها أن ترجع عليه بالفرق بين هذا الأجر والأجر الذي حدد له على مقتضى قواعد كادر عمال القناة استناداً إلى أن هذا الفرق قد دفع له بغير حق، وتكون دعواها بالمطالبة بهذا الفرق غير قائمة على أساس سليم مما كان يتعين معه القضاء برفضها، لذلك يتعين الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام الوزارة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى، وألزمت الوزارة الطاعنة بالمصروفات.