مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1964 إلى آخر يناير سنة 1965) - صـ 439

(48)
جلسة 23 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ حسن السيد أيوب رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور ضياء الدين صالح وعادل عزيز زخاري وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1351 لسنة 8 القضائية

( أ ) محكمة إدارية عليا - قرار إداري - مشروعية - رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية - رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون - الأمر في ذلك هو عين الموضوع الذي تتناوله المحكمة العليا عند رقابتها القانونية لتلك الأحكام والقرارات.
(ب) إثبات - تحقيق خطوط - عملية تحقيق الخطوط - هي مجموع الإجراءات التي رسمها القانون لإثبات صحة الورقة العرفية التي ينكرها الشخص المنسوب إليه صدورها منه - وسيلة ذلك البينة والمضاهاة بواسطة أهل الخبرة في الخطوط.
(جـ) إثبات - خبرة - تحقيق خطوط - قواعد وأصول عملية تحقيق الخطوط - لا التزام على المحكمة برأي الخبير الذي انتدبته - أساس ذلك أنها لا يمكن أن تقضي بغير ما تقتنع هي به ويرتاح إليه ضميرها - استخلاص قضائها ينبغي أن يكون استخلاصاً سائغاً مما أمرت به ومما يكون في ملف الدعوى من مستندات وقرائن.
(د) قضاء إداري - قرار إداري - سبب - رقابة القضاء الإداري في مجال القرار الإداري تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة ومستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً أم لا.
1 - إن الطعن أمام هذه المحكمة العليا، يفتح الباب أمامها لتزن الحكم أو القرار التأديبي المطعون فيه بميزان القانون، وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة الخامسة عشرة من القانون رقم (165) لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه أو قراره التأديبي فتبقي عليه وترفض الطعن. ومن المسلم كذلك أن ليس لمحكمة القضاء الإداري أو للمحاكم الإدارية أو التأديبية وما جرى مجراها من قرارات - المجالس التأديبية من حيث جواز الطعن فيها أمام هذه المحكمة، سلطة قطعية في فهم الواقع أو الموضوع تقصر عنها سلطة هذه المحكمة العليا، والقياس في هذا الشأن على نظام النقض المدني هو قياس مع الفارق. ذلك أن رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وهذا بدوره هو عين الموضوع الذي ستتناوله هذه المحكمة العليا عند رقابتها القانونية لتلك الأحكام والقرارات. فالنشاطان وإن اختلفا في المرتبة إلا أنهما متماثلان في الطبيعة لأن مردهما في النهاية إلى مبدأ المشروعية، تلك تسلطه على القرارات الإدارية، وهذه تسلطه على هذه القرارات ثم على الأحكام.
2 - إن عملية تحقيق الخطوط La vérification ďécriture هي مجموع الإجراءات التي رسمها القانون لإثبات صحة الورقة العرفية التي ينكرها الشخص المنسوب إليه صدورها منه. ويحصل التحقيق بالبينة والمضاهاة بواسطة أهل الخبرة في الخطوط أو بإحدى الطريقتين. وتبين المحكمة في حكمها الصادر بإجراء التحقيق الطريقة التي يحصل بها، وتعيين الخبراء الذين يستعان برأيهم في عملية المضاهاة.
3 - إن عملية تحقيق الخطوط يجريها خبراء الخطوط الفنيون. فيقوم الخبير بفحص الخط الذي حصل إنكاره ودراسة خطوط الكتابة باليد لها قواعد وأصل أساسها أن لكل شخص طريقة معينة في الكتابة لا يشترك معه فيها أحد غيره حتى لو كانا قد تعلما الكتابة معاً منذ الصغر. هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة منها درجة الثقافة والتعليم وطريقة إمساك الشخص للقلم أو الريشة، وطريقة جلوسه أو قيامه أثناء كتابته وحالته النفسية.
وتعتمد عملية مضاهاة الخطوط على خبرة القائمين بها، مع التقيد بالقواعد والأصول التي يتعين على الخبير أن يلتزم بها أثناء فحصه للخط، ومنها شكل الخط بصفة عامة وهل هو كبير أو صغير، وطريقة كتابة السطور، ومدى الضغط على الخطوط في أجزاء الكلمات المختلفة، ثم وقفات اليد عليها، واستقامة الخط أو ميله إلى إحدى الجهات أو تقطعه في مواضع مختلفة. ولقد تقدم اليوم علم دراسة خطوط الكتابة باليد، (علم الجرافولوجيا) حتى أصبح من المستطاع معرفة أخلاق المرء من خط يده، فلا تقتصر أهمية فحص الخط على معرفة الشخص الذي كتبه وإنما تمتد إلى معرفة عاداته وأخلاقه. ويقدم أهل الخبرة في الخطوط تقاريرهم للمحكمة. ولئن كانت المحكمة لا تلتزم برأي الخبير الذي انتدبته فلها أن تحكم بما يخالفه لأنها لا يمكن أن تقضي بغير ما تقتنع هي به ويرتاح إليه ضميرها، ولئن كان للقاضي الحرية التامة في تقدير عمل الخبير الذي ندبه فله أن يأخذ برأيه وله ألا يأخذ به، وله أن يأمر بإجراءات أخرى من إجراءات الإثبات إلا أن استخلاص قضائه لابد وأن يكون استخلاصاً سائغاً مما مر به ومما يكون في ملف الدعوى من مستندات وقرائن.
4 - إن رقابة القضاء الإداري تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة، وما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً أم لا، إذ يتوقف على وجود هذه الأصول أو عدم وجودها وعلى سلامة استخلاص النتيجة التي انتهى إليها القرار في هذه الأصول أو فسادها، وعلى صحة التكييف القانوني للوقائع بفرض وجودها مادياً أو عدم صحة هذا التكييف يتوقف على هذا كله قيام أو عدم قيام ركن السبب في القرار الإداري ومطابقته أو عدم مطابقته للقانون.


إجراءات الطعن

في 7 من يوليو سنة 1962 أودع الأستاذ المحامي عن الرائد بالمعاش عيسى منصور عيسى, سكرتارية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (1351) لسنة 8 ق في القرار الصادر من مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة بجلسة 9 من مايو سنة 1962 في القضية التأديبية المقامة ضده وآخر بمصلحة السجون والذي قضى: (بقبول الاستئنافين شكلاً, وفي الموضوع برفضهما, وبتأييد القرار المستأنف - بعزل هذا الطاعن وآخر - المتبولي - مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار.) وطلب الحاضر عن الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه: (القضاء بقبول هذا الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي, والاستئنافي, وبراءة الطاعن من التهمة التي أسندتها إليه الوزارة مع ما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الوزارة مصروفات هذا الطعن, ومقابل أتعاب المحاماة). وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 10 من يوليو سنة 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 4 من يناير سنة 1964. ولما كان هذا الطعن رقم (1351) لسنة 8 ق, قد سبقه إلى دائرة فحص الطعون الطعن الآخر رقم (1456) لسنة 8 ق وقد قررت الدائرة إحالة هذا الطعن الآخر إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 6 من إبريل سنة 1963 ومنها إلى جلسة 25 من يناير سنة 1964 للمرافعة فيه, ونظراً لأن هذا الطعن الراهن رقم (1351) لسنة 8 ق ذو صلة وثيقة وأكيدة بالطعن الذي سبق أن أحالته دائرة فحص الطعون إلى المحكمة العليا للمرافعة فيه, فقد بادرت دائرة فحص الطعون بجلستها المنعقدة في 4 من يناير سنة 1964 إلى إحالة هذا الطعن أيضاً إلى المحكمة العليا ليلحق بالطعن الآخر الموازي له, بجلسة 25 من يناير سنة 1964. ولما كان هذا الطعن الراهن رقم (1351) لسنة 8 ق غير مهيئ للمرافعة بسبب نقص الكثير من الأوراق والمستندات اللازمة للفصل فيه فقد قررت المحكمة الإدارية العليا ضم ملف المحاكمة التأديبية من إدارة كاتم أسرار وزارة الداخلية. وقررت تأجيل النظر في الطعنين المقدمين من الرائدين (عيسى رقم 1351, المتبولي رقم (1456) إلى جلسة 29 من فبراير سنة 1964 للمرافعة. وفيها سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات المحامي الوكيل عن الرائدين عيسى والمتبولي في الطعنين المذكورين. فقال الوكيل المترافع عن الرائد عيسى أن تقرير مصلحة الطب الشرعي هو المعول عليه في تحقيق الخطوط والمضاهاة وليس تقرير خبير وزارة الداخلية لأنها خصم للطاعن. وأبرز المحامي التناقض الواضح بين تقريري خبيري الخطوط في قضية الرائد عيسى وقال إنه لا مرجح بين التقريرين المتناقضين وطلب من هذه المحكمة أن تمكنه وتسمح له بتقديم تقرير استشاري من خبير آخر مختص. فقررت المحكمة تأجيل النظر في الطعن إلى جلسة 11 من إبريل سنة 1964 مع الترخيص بالاطلاع وتقديم مستندات. وترافع الحاضر عن وزارة الداخلية وصمم على رفض هذا الطعن كما صمم أيضاً على رفض الطعن المقدم من (أحمد عرفة المتبولي). وفي 26 من ماس سنة 1964 تقدم الطاعن في هذا الطعن الراهن رقم (1351) لسنة 8 ق وهو الرائد عيسى منصور إلى السيد رئيس هذه المحكمة العليا يقول: (أشرنا في جلسة 29 من فبراير سنة 1964 أن هناك تقريرين مودعان بملف التحقيق المودع بملف الطعن رقم (1351) لسنة 8 ق, وهذان التقريران متعارضان تماماً, وقد طلبنا من هيئة المحكمة الترخيص بتقديم تقرير استشاري للترجيح بينهما. وقد قررت المحكمة في تلك الجلسة التأجيل لجلسة 11/ 4/ 1964 مع الترخيص بالاطلاع وتقديم المستندات. وقد حضرت اليوم مع الدكتور محمود عبد المجيد الذي اطلع على الملف بسكرتارية المحكمة وطلب الإذن من هيئة المحكمة بتصوير بعض المستندات المتعلقة بالتقريرين المقدمين من خبير الجدول (الدمرداش) وخبير مصلحة الطب الشرعي (عثمان). ولما كان من المتعذر نقل جهاز الطبع إلى السكرتارية فإن الطاعن عيسى يلتمس الإذن للسيد سكرتير الجلسة (أو من تندبه المحكمة باستلام المستندات لتصويرها معناً والعودة بها). وقد أشر السيد رئيس هذه المحكمة على الطلب المذكور في 28 من مارس سنة 1964 بما يأتي:
(يسلم المستند إلى موظف من مجلس الدولة ليذهب به إلى الإدارة المختصة بالتصوير ليقوم بتصويره في حضوره وإعادته إلى ملف الدعوى.) وبجلسة 11 من إبريل سنة 1964 أودع الحاضر عن الطاعن - عيسى - حافظة بمستندات جديدة فيها (1) تقرير استشاري مقدم من الدكتور محمود عبد المجيد, مدير عام أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي سابقاً والتقرير بتاريخ 8 من إبريل سنة 1964 - (2) ثلاث صور فوتوغرافية لثلاث ورقات استكتاب لخط الطاعن كتبت أمام مجلس التأديب الاستئنافي - (3) صور فوتوغرافية لثلاث طلبات مسحوبة من ملف الطاعن عيسى, وهي بخطه. (4) عدد أربع صور فوتوغرافية لمظاريف معنونة باسم السيد الرئيس, والسيد أنور السادات, والسيد فتحي الشرقاوي, والسيد زكريا محيي الدين وهي التي أجريت عليها عملية المضاهاة في التقارير الثلاثة بمعرفة خبير الجدول (الدمرداش) وقسم أبحاث التزييف والتزوير, والدكتور عبد المجيد مدير الطب الشرعي سابقاً. (5) صورة فوتوغرافية من تقرير خبير الجدول (الدمرداش) بتاريخ 4/ 12/ 1961 وثابت فيه أنه قام بمهمته بناء على تكليف السيد العقيد مفتش المباحث العامة فرع القاهرة في 2/ 12/ 1961 وهو تكليف للخبير من جهة غير قضائية. ثم قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة 20 من يونيو سنة 1964 فقدم الحاضر عن الطاعن مذكرة جديدة في 24 من مايو سنة 1964 انتهى فيها إلى طلب الحكم بإلغاء قرار مجلس التأديب الاستئنافي الذي قضى بعزله من وظيفته واعتباره كأن لم يكن مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام وزارة الداخلية بمصروفات هذا الطعن. وبالجلسة المذكورة قررت المحكمة إعادة الطعن إلى المرافعة بجلسة 31 أكتوبر سنة 1964 لمناقشة الطرفين في بعض نقاط هذا الطعن، والطعن الآخر المقدم من الرائد المتبولي، ولتبدي الحكومة وجهة نظرها فيما قدمه الطاعن من أوراق ومستندات. فقررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم في الطعن لجلسة 12 من ديسمبر سنة 1964 مع الترخيص في تقديم مذكرات ومستندات وفي أول ديسمبر سنة 1964 قدم الطاعن عيسى مذكرة أخيرة في هذا الطعن رقم (1351) لسنة 8 انتهى فيها إلى أن الاتهام ضد الرائد عيسى قام على تقرير الخبير (عبد العزيز دمرداش) وهذا التقرير مردود بتقرير مصلحة الطب الشرعي الذي قطع بأن كتابة المظاريف ليست بخط الطاعن عيسى منصور عيسى. ومردود بتقرير الخبير الاستشاري الدكتور عبد المجيد الذي ناقض خبير الجدول الدمرداش. ومردود بتقرير مصلحة تحقيق الشخصية الذي أثبت عدم وجود بصمات للطاعن على أي من الأوراق موضوع المحاكمة, ومردود بثبوت عدم وجود أصول للأوراق موضوع المحاكمة أو مسوداتها في منزل الطاعن عيسى, ومردود بثبوت الصلة الوثيقة بين الشرطة وبين خبير الجدول, (دمرداش) الذي عين أخيراً في خدمة المؤسسة الاستهلاكية لضباط الشرطة وكان يكتب المقالات في مجلة الأمن العام التي تصدرها وزارة الداخلية, الأمر الذي يستدعي عدم الالتفات إلى تقريره وعدم التعويل عليه. وانتهت المذكرة الأخيرة للطاعن بطلب إلغاء قرار مجلس التأديب والحكم ببراءته مما هو منسوب إليه. ولم تقدم وزارة الداخلية دفاعاً غير ما جاء بأوراق وزارة الداخلية وما أبدته في جلسات المرافعة من ملاحظات. ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم - والتي صدر فيها أيضاً الحكم في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق المقدم من الرائد أحمد عرفة المتبولي.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع الإيضاحات, وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة, حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أن السيد وكيل وزارة الداخلية، أصدر في 9 من ديسمبر سنة 1961 قراراً بإحالة كل من الرائد عيسى منصور عيسى، الضابط بمصلحة الشرطة - الطاعن في هذا الطعن رقم (1351) لسنة 8 ق، والرائد أحمد عرفة المتبولي الضابط بمصلحة السجون - الطاعن في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق، إلى مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة لمحاكمتهما عن التهمة الآتية (وذلك لإخلالهما، إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفتهما ومقتضياتها على وجه يخالف القانون والنظام. بأن قاما بإرسال منشورات، باسم ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستبلات، دون توقيع عليها باسم السيد رئيس الجمهورية، والسادة نواب الرئيس وبعض الوزراء وكبار ضباط الشرطة، اشتملت على عبارات ماسة وآراء تدعو إلى التشيع والفرقة بين أفراد جهاز الشرطة، وأسندت إلى المسئولين، في وزارة الداخلية مجافاة العمل بالمبادئ الاشتراكية التعاونية. وقد أرسلا هذه المنشورات، بوسائل خفية، وهما اللذان تقتضيهما طبيعة أعمالهما محاربة هذه الوسائل والكشف عنها، وذلك على النحو الموضح تفصيلاً في التحقيقات والمذكرات ومحاضر التفتيش والتقارير الفنية المرافقة). وفي 7 من يناير سنة 1962 انعقد مجلس التأديب الابتدائي، وحضر الضابطان ومعهما الأستاذ المحامي عنهما، وناقشهما المجلس تفصيلاً في التهمة المنسوبة إليهما، واستمع إلى الدفاع على النحو الثابت تفصيلاً في محضر جلسة المحاكمة التأديبية، وقرر المجلس ضم الدفوع للموضوع, وتأجيل النظر في القضية التأديبية لجلسة الأربعاء 10 من يناير سنة 1962 واستدعاء كل من السيد وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية (وديع بشارة يوسف) والسيد (عبد العزيز الدمرداش) الخبير لدى المحاكم للحضور أمام مجلس التأديب الابتدائي لمناقشتهما في التقريرين المقدمين منهما. وتكليف مصلحة التفتيش العام بإحضار (الأربعة عينات) المنوه عنها في التقرير المقدم من السيد (الدمرداش) والتي أجريت عليها عملية المضاهاة في الخطوط. ثم انعقد المجلس الابتدائي في 10 من يناير سنة 1962 وحضر الضابطان (عيسى والمتبولي) وطلبا التأجيل لمرض المحامي عنهما. كما حضر الخبيران (بشارة عن بصمات المتبولي، والدمرداش عن مضاهاة خطوط عيسى) وقرر مجلس التأديب رفض طلب التأجيل لعدم وجود ما يبرره إذ كان الضابطان قد استوفيا دفاعهما الأصلي في الجلسة الأولى ولم يبق إلا دفاعهما من ناحية الموضوع (المنشور) وكانا قد أعدا مذكرة بشأنه، وناقش مجلس التأديب الابتدائي الخبيرين المذكورين، كما سمح للضابطين بمناقشة الخبيرين، وذلك على النحو المفصل بمحضر جلسة التأديب ثم قرر مجلس التأديب الابتدائي إصدار القرار التأديبي.
وبجلسة 24 من يناير سنة 1962 أصدر مجلس التأديب الابتدائي لموظفي هيئة الشرطة، والمنعقد بديوان وزارة الداخلية، والمشكل برئاسة السيد اللواء مدير عام مصلحة الإدارة العامة. وعضوية اللواء مدير مصلحة الأمن العام، والسيد النائب المختص بمجلس الدولة، أصدر قراره ويقضي: (بإدانة الرائد عيسى منصور عيسى، والرائد أحمد عرفة المتبولي، في التهمة المنسوبة إليهما، ومجازاتهما عنها بعزلهما من الخدمة، مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار). وقد أقام هذا المجلس الابتدائي قراره التأديبي بعزل الرائد عيسى منصور عيسى - الطاعن - على أن الدفاع عن هذا المتهم - عيسى - يدفع ببطلان عملية المضاهاة التي تمت بالنسبة لخط هذا الضابط، ويقر بأنها باطلة بطلاناً مطلقاً. ولا يمكن الاعتداد بها إذ المعلوم قانوناً أن تتم عملية المضاهاة بتوقيع وإمضاء المحقق على ورقة المضاهاة، بعد استكتاب المتهم أمام المحقق، وهذا لم يحصل في هذه القضية - كما يدفع ببطلان تقرير هذا الخبير لأنه لم يؤد اليمين القانونية قبل أداء مهمته كما يستوجب القانون، وأضاف دفعاً ثالثاً مفاده أن المادة (269) من قانون المرافعات توجب اعتراف المتهم بورقة المضاهاة، والضابط المتهم لا يدري عن ورقة المضاهاة شيئاً ولا يعترف بها، ويقرر بأنها ليست بخطه. وقال مجلس التأديب الابتدائي أن هذه الدفوع الثلاثة مردودة ولا يعتد بها. ذلك أن هذا الضابط قد أقر صراحة أمام المجلس بأن ورقة المضاهاة التي باشر عليها الخبير مأموريته هي بخطه وتوقيعه، ومن ثم فإن الدفعين الأول والثاني ينهاران من أساسهما، وأنه وإن لم يوقع المحقق على ورقة المضاهاة سالفة الذكر إلا أن التوقيع في هذه الحالة لم يكن له ما يبرره، ذلك أن المقصود من توقيع المحقق على ورقة الاستكتاب أن لا يعود المتهم فينكر ما كتبه. أما عن الدفع الثاني فإنه مردود كذلك لأن السيد الدمرداش خبير لدى المحاكم، وقد أدى اليمين ابتداء عندما قبل خبيراً أمام لجنة الخبراء، وليس بلازم عليه أن يؤدي اليمين قبل البدء في كل مأمورية يكلف بها. وقد قرر سيادته أمام المجلس أنه يؤدي عمله في المأموريات التي توكلها إليه المحاكم المختلفة دون أن يؤدي اليمين عن كل مأمورية بذاتها. ومن أجل ذلك تكون هذه الدفوع الثلاثة مرفوضة. ولما كان الدفاع ينعى على تقرير الخبير (الدمرداش) قصوره وعدم وضوحه إذ لم يبين الأركان الفنية التي استند عليها للوصول إلى النتيجة التي انتهى إليها كما أنه أبدى عدم ارتياحه لاختيار هذا الخبير بالذات، لأنه يكتب في مجلة الأمن العام، وكان من الصواب اختيار خبير آخر لا علاقة له برجال الشرطة حتى يكون بعيداً عن كل مظنة أو شبهة. وأصر المتهم - عيسى - على أن الخط الذي كتبت به هذه الظروف المضبوطة ليس بخطه، وهذا يبدو في كثير من الأحرف لو ضوهيت بالعين المجردة إذ الاختلاف فيها واضح. وأضاف المتهم بأن المسودات التي ضبطت في منزله تعتبر دليلاً له وليس عليه، ذلك أنه لو كان هو الذي تولى تحرير المنشور المضبوط، لاشتملت عباراته على بعض العبارات التي وردت في المسودات المضبوطة وهي أعنف وأشد مما جاء بالمنشور الموزع. وقال إن تفتيش منزله لم يسفر عن ضبط أي منشور مشابه للمنشورات المضبوطة، وهذه المسودات المضبوطة لا تعدو أن تكون عدة خواطر اعتملت في نفسه عندما أحس بالظلم الذي لحقه من جراء تكليفه بأعمال لا طاقة له بها، وهو المريض المحتاج لكل رعاية ورحمة. فإذا ما نفث عن نفسه بكتابة ما اعتقد أنه ظلم يلاحقه فلا تثريب عليه في ذلك إذ لم تخرج هذه الخواطر من حيز الأوراق التي سطرت عليها وبقيت في مكتبه إلى أن تم ضبطها. وليس في الكتابة لأحد الزملاء لمطالبته بجمع بعض المال لمساعدة زميل لهم أحيل إلى المعاش، فأقام دعوى أمام مجلس الدولة لإنصافه من ظلم اعتقد أنه وقع عليه، وليس في هذا التصرف أية مؤاخذة، إذ حق الالتجاء إلى القضاء مكفول للكافة وأن من يلجأ لمثل هذا العمل جهاراً ونهاراً ليس هو بحاجة إلى الالتجاء لطرق المنشورات السرية. كما أن المضبوطات التي وجدت في منزله كان من بينها صور من الشكاوى التي رفعها للجهات المختصة بتوقيعه، وقد احتوت هذه الشكاوى على كل ما أراده أن يصل إلى مسامع المسئولين، ومن كان يفعل ذلك فلا يلجأ إلى الطريق المحفوف بالمخاطر وهو طريق المنشورات السرية. وانتقل الدفاع إلى موضوع المنشورات فقرر أنه مع تمسكه بأن موكله (عيسى) لم يشترك فكراً ولا تنفيذاً في إرسال أو إعداد المنشورات إلا أنه يرى أنه لا يجوز مساءلة الضابط لمجرد إرسال هذه المنشورات إلى السادة رئيس الجمهورية ونوابه والوزراء وكبار الضباط. ذلك أن هؤلاء الأشخاص هم المسئولون في الدولة، ولا وجه لمساءلة أي متظلم يجأ بشكواه إلى الجهات العليا. كما أن المنشور لم يحتو على أية عبارات ماسة، وإذا ما التقطت بعض العبارات على سبيل التجاوز لتبين أنها لا تعد ماسة بأية حال مثال ذلك رجاء كاتب المنشورات أن تفسح وزارة الداخلية صدرها: "أين ما يثبت أن وزارة الداخلية تعمل بتنفيذ المبادئ التي ينادي بها رئيس الدولة، وهي ذوبان الطبقة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية..."..
فهذه العبارات لا يمكن القول بأنها ماسة ذلك أنها لا تعدو أن تكون مناشدة وتوسلاً وتذكرة بتطبيق المبادئ التي ينادي بها رئيس الدولة، وأنهم ليسوا من غير أبناء هذا البلد حتى يقع عليهم ظلم بهذا لشكل.. فهل هذه الألفاظ والمعاني تعتبر ماسة؟ وليس بالمنشور أية آراء تدعو إلى التشيع والفرقة، وليس في إيراد بعض الأمثلة عن الإنصاف الذي صدر أخيراً لصالح الضباط الذين كانوا في بدء خدمتهم عساكر بأن يبقوا في الخدمة حتى سن الستين، ليس في هذا أي نوع من التفرقة بل هو مناداة بعكس ذلك حتى يكون الجميع صفاً واحداً لا حاسد ولا محسود. ولم يرد بالمنشور أية عبارة تتضمن المساس بأية فئة من الفئات. ولم يطالب المنشور أية فئة بأي عمل من الأعمال حتى يمكن القول بأن المنشور دعا إلى التشيع والفرقة. وأن العبارة التي وردت بهذا المنشور من أن المسئولين بوزارة الداخلية لا يعلمون بالمبادئ الاشتراكية والتعاونية هذه العبارة مقصوداً بها المادة (103) من قانون هيئة الشرطة رقم (234) لسنة 1955، ولا يمكن القول بغير ذلك إذ أن المنشور يناشد اللجنة التي أمر بتشكيلها السيد وزير الداخلية أن يكون نصب أعينها إلغاء المادة (103) من القانون المذكور، فكل الاعتراض منصب على مضمون هذه المادة وليس على أحد من المسئولين بالوزارة.
وقد أنهى المتهم (الرائد عيسى) دفاعه بقوله إنه، وهو المريض بالصورة الخطيرة التي تبينها المجلس لا يمكن أن يجازف بصحته فيشترك في عمل يعاقب عليه القانون، كما أن الله قد بسط عليه من سعة الرزق فلا يغامر بمستقبله بمثل هذه التصرفات الخرقاء. وقد رد مجلس التأديب الابتدائي على دفاع الرائد عيسى بما يجري: أن هذا الدفاع لا يعتد به، ويدحضه ما هو ثابت في الأوراق - فالخبير الذي عهدت إليه الوزارة بمأمورية مضاهاة الخطوط قدم تقريره المرافق بأوراق الطعن، وخلص فيه إلى أن الضابط المذكور (عيسى) هو الذي كتب بخطه ستة عشر مظروفاً من بين الستة والعشرين مظروفاً المضبوطة وأورد في تقريره الأسباب الفنية التي استند إليها، وأوضح بالصور الفوتوغرافية المكبرة خواص الأحرف وتماثلها مع الأحرف المكتوبة في الطلب الذي أجريت عليه عملية المضاهاة. وحيث إن إنكار الضابط عيسى بعد ذلك لواقعة كتابة العناوين على الأظرف المضبوطة لا يؤبه به، وما دفع به من وجود خلاف في كيفية كتابة بعض النقط على الحروف أو كتابة حرف معين بذاته هذا الدفاع لا يعدو أن يكون من باب الجدل فحسب. والمجلس يطمئن إلى ما جاء بتقرير الخبير الدمرداش ولا يلتفت إلى الطعن الموجه إلى الخبير الدمرداش بمقولة إنه يكتب في مجلة الأمن العام ولا مصلحة لهذا الخبير إطلاقاً في أن يحنث باليمين التي حلفها، ويغير رأيه باتهام رجل برئ لمجرد أنه يكتب في مجلة الأمن العام. واستطرد مجلس التأديب الابتدائي يقول إن الأوراق التي ضبطت بمنزل الرائد عيسى - الطاعن هنا - تحمل الدليل بذاتها على أنه يتولى دوراً رئيسياً في هذه العملية، ولا يتصور أن تكون الأوراق التي أقر بكتابتها مجرد خواطر، كما أن اتصاله بزميله الرائد (إبراهيم رضوان سالم) مطالباً إياه بجمع المال من زملائه لمساعدة زميل لهم أحيل إلى المعاش، وأقام قضية ضد الوزارة أمام مجلس الدولة، هذا الاتصال يؤيد ويؤكد أن الرائد عيسى غارق لأذنيه في هذه العملية. ولا جدال في أن حق الشكوى مكفول للكافة، ولا يرى عليه أي قيد إلا أن الشكوى المرسلة في صورة منشور غفل من الإمضاء وترسل رأساً إلى السيد رئيس الجمهورية ونوابه والوزراء هذه الطريقة هي موضع المؤاخذة إذ أن هيئة الشرطة لها نظامها وطابعها وتقاليدها التي تصل إلى حد القداسة ولأي فرد من الهيئة أن يتظلم لمن يشاء بشرط أن تسير الشكوى في طريقها الذي رسمته الأوامر والتعليمات فإذا ما خالف الشرطي الطريق المرسوم للشكوى حق عليه الجزاء. والمنشور موضوع المحاكمة قد تضمن كثيراً من العبارات الماسة لا محل لتكرارها في هذا الطعن بعد أن ورد ذكرها في الحكم الصادر من هذه المحكمة العليا بجلسة اليوم في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق عليا المرفوع من أحمد عرفة المتبولي - واستطرد قرار مجلس التأديب الابتدائي يقول إن عبارات هذا المنشور في جملتها تتضمن إشارة فتنة طائفية في المرفق الواحد وتبث في نفوس الضباط خريجي قسم الكونستبلات روح الحقد والكراهية للمسئولين في الوزارة، كما أنها تعد سابقة خطيرة في البيئة المنوط في أفرادها أصلاً الطاعة العمياء. وانتهت أسباب القرار التأديبي الابتدائي فيما يتعلق بالرائد عيسى منصور عيسى، بالنتيجة الآتية: (وحيث إنه قد ثبت مما تقدم أن الخط الذي كتبت به عناوين الستة عشر ظرفاً المضبوطة هو خط الرائد عيسى منصور عيسى، وأنه قام بإرسال المنشورات المضبوطة والتي تضمنت العبارات الماسة سالفة الذكر بطريقة مخالفة للتعليمات، فإن التهمة المنسوبة إليه تكون ثابتة قبله).
ولذلك فإنه يتعين أخذ هذين الضابطين (المتبولي وعيسى) جزاء وفاقاً لما اقترفاه من إساءة خطيرة لواجبات المهنة التي شرفتهما بالانتساب إليها. ولقد كان المجلس يود استعمال الرأفة مع الرائد عيسى منصور عيسى - الطاعن الراهن - بسبب المرض الذي ألم به، إلا أن جسامة الخطأ الذي ارتكبه هو وزميله، وخطورة الآثار الناجمة عنه، حالت دون ذلك،.. فلهذه الأسباب قرر المجلس الابتدائي إدانة الرائد عيسى والرائد عرفة المتبولي في التهمة المنسوبة إليهما، ومجازاتهما عنها بعزلهما من الخدمة مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار.
وفي 25 من يناير سنة 1962 تقدم كل من الرائدين (عيسى، والمتبولي) بطلب استئناف قرار مجلس التأديب الابتدائي الصادر في 24 من يناير سنة 1962، فانعقد مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة نزولاً على حكم المادتين (72 و73) من القانون رقم 234 لسنة 1955 بنظام هيئة البوليس، بجلسة 14 من مارس سنة 1962 بديوان وزارة الداخلية برئاسة اللواء وكيل الوزارة لشئون الأمن والشرطة، لنظر الاستئناف المرفوع من كل من الرائدين المعزولين. وفي هذه الجلسة قال المتهم عيسى إن تقرير الخبير الدمرداش لم يعرض علي ولم أره إلا بعد صدور القرار الابتدائي بعزلي. وأنا أقسم أني لم أكتب هذه الظروف ولم اشترك في المنشورات ولو جاء خبير واحد من مائة خبير وقرر أن هذا خطي فإني أخضع لحكمكم. وأنا أوافق على أي خبير تختارونه لتقارنوا بين المكتوب على الظروف وبين خطي. وقال نعم أرسلت كتاباً موقعاً عليه باسمي إلى السيد مدير المخابرات بالقصر الجمهوري لأشكو من ظلم صارخ وقع ضدي لأني مريض وقرر القومسيون الطبي إعفائي من الخدمات المجهدة ومع ذلك كلفتي مصلحة الشرطة بأعمال تخالف قرار القومسيون وأنا مصاب بانسداد في الشريان التاجي للقلب فلا استطيع صعود 330 درجة سلم كل يوم في عملي الذي كلفت به. ولما تظلمت من ذلك لم يستمع أحد لشكواي فكتبت أطلب مقابلة وزير الداخلية لأشرح له شكواي وكتب باسمي صراحة إلى مخابرات القصر الجمهوري. وقال الدفاع عن الرائد عيسى أنه طلب من مجلس التأديب الابتدائي اختيار خبير استشاري ولو على نفقته الخاصة لأن تقرير خبير الجدول (الدمرداش) خاطئ والنتيجة التي انتهى إليها تقريره لا تطابق الحقيقة. ولكن المجلس الابتدائي رفض هذا الطلب وأقام قراره بالإدانة على تقرير فني خاطئ وهو تقرير (الدمرداش). وكان يتعين على المجلس الابتدائي قبول طلب المتهم واختيار خبير فني آخر. والمتهم عيسى ينكر ورقة المضاهاة ولا يعترف بها. ويلتمس المتهم من المجلس الاستئنافي أن يأمر ويختار بنفسه من يشاء من الخبراء الفنيين لمضاهاة خط المتهم على المظاريف التي أرسلت بداخلها المنشورات موضوع الاتهام. وقال إن المتهم عيسى مريض بمرض خطير وقد صدر قرار السيد الرئيس بإيفاده على نفقة الدولة إلى الخارج (السويد) للعلاج السريع، وكان الرائد عيسى يستعد للسفر إلى الخارج تنفيذاً لقرار القصر الجمهوري ولكن هذا الاتهام حال دون سفره فضاعت عليه فرصة العلاج وقرر أنه مظلوم من التهمة المنسوبة إليه (ص 5 من محضر جلسة المحاكمة الاستئنافية). ثم قرر المجلس الاستئنافي استكتاب الرائد عيسى منصور عيسى أمامه، وأملى عليه عبارات الظروف المضبوطة وذلك على ثلاث ورقات منفصلة أشر عليها السيد رئيس المجلس بالنظر والتاريخ 14/ 3/ 1962، والمجلس الاستئنافي قرر إرسال استكتابات الرائد عيسى مرفقاً به طلب إجازة قديم من ملف خدمته مكتوب بخط يده واعترف به الرائد عيسى، قرر المجلس إرسالها كلها إلى قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي لإجراء المضاهاة عليها مع إخطار القسم المذكور بإرسال التقرير المطلوب على وجه السرعة - ص 8 من محضر جلسة المحاكمة الاستئنافية - وبجلسة 5 من إبريل سنة 1962 كان قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي قد قدم تقريراً بالمطلوب منه مؤرخاً في 21 من مارس سنة 1962، وحاصل هذا التقرير المطول أنه يخلص مما تقدم (أن خط العبارات المدونة على الظروف الثلاثة موضوع البحث تختلف عن خط الرائد عيسى منصور عيسى - الطاعن هنا - بأوراق استكتابه، وبأوراق المضاهاة الأخرى، وأن عبارات الظروف المذكورة كتبت بيد شخص آخر غيره). وقرر المجلس الاستئنافي تأجيل القضية لجلسة 25 من إبريل سنة 1962 لإعلان خبيري الخطوط (الدمرداش ومحمد صالح عثمان من مصلحة الطب الشرعي) المعينين في الدعوى لمناقشتهما أمام المجلس وبالجلسة المذكورة حضر الخبيران كما حضر الضابطان المتهمان وأخذ المجلس في مناقشة الخبير الدمرداش على ضوء ما جاء بتقرير الطب الشرعي بعد أن حلف الخبيران اليمين أمام المجلس الاستئنافي. فأدلى كل خبير بوجهة نظره الفنية مؤيداً التقرير الذي تقدم به، والتقريران متعارضان. تقرير الدمرداش يقول إن الظروف مكتوبة بخط الرائد عيسى، وتقرير الطب الشرعي يؤكد أنها ليست بيده على الإطلاق.
وبجلسة 9 من مايو سنة 1962 أصدر مجلس التأديب الاستئنافي قراره ويقضي: (بأن المجلس قرر حضورياً قبول الاستئنافين شكلاً، وفي الموضوع برفضهما، وبتأييد القرار المستأنف). وجاء في أسباب هذا القرار بشأن الطاعن عيسى منصور عيسى ما يأتي: "ومن حيث إنه عن الاتهام المسند إلى الرائد عيسى، فإن المجلس بعد أن استعرض تقرير خبير الجدول - الدمرداش - وتقرير مصلحة الطب الشرعي - عثمان - وبعد أن ناقش هذين الخبيرين في الأسس التي بني عليها كل منهما تقريره، يطمئن إلى أن الكاتب لخط المظاريف المضبوطة هو هذا المتهم، للأسباب الواردة بتقرير خبير الجدول وبمحضر مناقشته في جلسة المرافعة الأخيرة، ولا يعول المجلس على اعتراضات الكيماوي الشرعي، في هذا الخصوص، لأنها لا تعدو أن تكون خلافات ظاهرية مردها إلى السرعة في الكتابة أو البطء فيها، أو إجادة الكاتب للخط أو عدم إجادته، وهي أمور قد تختلف في الشخص الواحد منها مع نفسه حتى في المحرر الواحد. وقد دلل الخبير - الدمرداش - على ذلك بوضوح في الجلسة الأخيرة بما يرتاح هذا المجلس الاستئنافي إلى الأخذ به والتعويل عليه. ومن حيث إنه مما يؤكد هذا الأمر أنه ضبط لدى المتهم - عيسى - بمسكنه أوراق تعد في مجموعها وثيقة الصلة بما جاء بالمنشورات موضوع هذه الدعوى. ولا أدل على ذلك من مسودة التظلم المقدم منه إلى السيد مدير عام المخابرات بالقصر الجمهوري الذي ورد به حرفياً: (اتخذت ضدي إجراءات تعسفية خيل إلي أنني زنجي بأمريكا أو أسود بجنوب أفريقيا). وهي تماثل الألفاظ الواردة بالمنشورات محل الاتهام. ولقد لجأ في إرسال هذا التظلم إلى تخطي المرفق الذي ينتمي إليه مما يحمل في طياته المعنى الوارد بتقرير الاتهام من إرساله للمنشورات المضبوطة بوسائل خفية وغير نظامية. لم يلتزم فيها التدرج الرئاسي، والاختصاص المصلحي بنظر مثل هذه المحررات. وثابت من الأوراق أن هذا المتهم - عيسى - قام بنشاط توجيهي لزملائه من أبناء طائفته نحو مطالبهم الخاصة المشار إليها بالمنشورات المضبوطة. ولا أدل على ذلك من الخطاب المضبوط بمنزله والمرسل إليه من زميله الرائد إبراهيم رضوان سالم والذي يتضمن أنه أي المتهم عيسى، كان قد أرسل خطاباً لزميله رضوان يطلب منه جمع بعض المال من زملائه وتشير الدلائل إلى أن هذا الطلب كان متعلقاً بالقضية التي أقامها زميله المقدم بالمعاش عبد الفتاح عبد العزيز غنيم، ومما يؤكد هذا النشاط أيضاً اعتراف المتهم عيسى بالمحضر المؤرخ 6/ 12/ 1961 والمحرر من العقيد محمد حسن المفتش بالوزارة من أنه كانت ترد إليه مذكرات عديدة بطريق البريد من زملائه أبناء طائفته تتضمن مطالبتهم بتحسين حالتهم، وأنه وردت إليه ذات مرة مذكرة محررة على الآلة الكاتبة بشأن التفرقة بين الضباط خريجي كلية الشرطة، والضباط خريجي قسم الكونستبلات وقد قام المتهم بمراجعة هذه المذكرات وأراد التعديل فيها فحرر مسودة بالمعنى الوارد بها.
ومن حيث إن هذا الطعن يقوم على أن مجلس التأديب المطعون في قراره قد خانه التوفيق في المبررات التي أقام عليها ترجيحه لرأي خبير الجدول على رأي مصلحة الطب الشرعي فلم يسلك العمل الذي تسلكه المحاكم عادة من الاستعانة في مثل هذه الحالات برأي خبير مرجح على ما يجري عليه القضاء الجنائي والمدني فضلاً على أن الثابت أن خبير الجدول على صلة بوزارة الداخلية ويعمل عندها بأجر وأن هذا الخبير لم يتبع الطريقة التي رسمها قانون المرافعات وقانون الإجراءات الجنائية عند إجراء عملية المضاهاة. وكذلك فات مجلس التأديب الاستئنافي أن المنشورات المضبوطة جاءت خالية تماماً من أي بصمة عليها للطاعن عيسى منصور مع أن المجلس التأديبي أقام إدانته لزميل هذا الطاعن وهو الرائد أحمد عرفه المتبولي على أساس تقرير خبير البصمات. وفضلاً عن ذلك فإن الطاعن ينعى على القرار التأديبي المطعون فيه ارتكازه على قرائن غير قاطعة تدور كلها حول استنتاج أن الرائد عيسى على صلة بمشكلة الضباط خريجي قسم الكونستبلات ومن ثم فإنه غارق إلى أذنيه في تهمة المنشورات. ثم عرج تقرير الطعن إلى فحوى المنشورات المضبوطة وقال ما سبق أن قاله بشأنها في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق من أنها لا تستحق هذه الضجة ولا تبرر إنزال أشد العقاب ما دام حق المتظلم مكفولاً للكافة. واختتم تقرير الطعن أسبابه بأن للقضاء رقابة على تقدير الجزاء التأديبي إذا ما تبين عدم الملاءمة بين الذنب الإداري والجزاء الموقع على الطاعن عيسى. وطلب الطاعن قبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي والاستئنافي وبراءة الطاعن عيسى منصور عيسى من التهمة التي أسندتها إليه وزارة الداخلية ومن العزل الذي أنزله به مجلس التأديب.
ومن حيث إن الطعن أمام هذه المحكمة العليا، يفتح الباب أمامها لتزن الحكم أو القرار التأديبي المطعون فيه بميزان القانون، وزناً مناطه استظهار ما إذا كانت قد قامت به حالة أو أكثر من الأحوال التي تعيبه والمنصوص عليها في المادة الخامسة عشرة من القانون رقم (165) لسنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة فتلغيه ثم تنزل حكم القانون في المنازعة أم أنه لم تقم به أية حالة من تلك الأحوال وكان صائباً في قضائه أو قراره التأديبي فتبقي عليه وترفض الطعن. ومن المسلم كذلك أن ليس لمحكمة القضاء الإداري أو للمحاكم الإدارية أو التأديبية وما جرى مجراها من قرارات المجالس التأديبية من حيث جواز الطعن فيها أمام هذه المحكمة، سلطة قطعية في فهم الواقع أو الموضوع تقصر عنها سلطة هذه المحكمة العليا، والقياس في هذا الشأن على نظام النقض المدني هو قياس مع الفارق. ذلك أن رقابة محكمة القضاء الإداري والمحاكم الإدارية على القرارات الإدارية هي رقابة قانونية تسلطها عليها لتتعرف مدى مشروعيتها من حيث مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وهذا بدوره هو عين الموضوع الذي ستتناوله هذه المحكمة العليا عند رقابتها القانونية لتلك الأحكام والقرارات. فالنشاطان وإن اختلفا في المرتبة إلا أنهما متماثلان في الطبيعة لأن مردهما في النهاية إلى مبدأ المشروعية، تلك تسلطه على القرارات الإدارية، وهذه تسلطه على هذه القرارات ثم على الأحكام.
ومن حيث إن مجلس التأديب لموظفي هيئة الشرطة بدرجتيه الابتدائي والاستئنافي قد استند في إثبات التهمة المحددة في قرار الإحالة، إلى الطاعن الرائد عيسى منصور عيسى، إلى تقرير خبير الجدول الدكتور عبد العزيز الدمرداش، واستمد منه أصالة دليل الاقتناع. وهذا التقرير محرر في 4/ 12/ 1961 وتجري عباراته بالآتي: تقرير في مضاهاة الخطوط مقدم إلى إدارة المباحث العامة بوزارة الداخلية، السيد العقيد مفتش المباحث العامة. إيماء إلى تكليف سيادتكم لي بتاريخ 2/ 12/ 1961 بالمأمورية المبينة بعد أقدم رأيي الآتي: المأمورية. بيان خط الظروف المقدمة، وعددها (23) ومضاهاتها على عينات الخطوط المرفقة بهذه المظاريف لمعرفة الكاتب للظروف موضوع البحث: الأوراق المقدمة هي (23) مظروفاً كتبت بالمداد. ثم أربعة (4) عينات لخطوط مختلفة. وقد دل الفحص على الآتي: أولاً - بعد فحص خطوط الـ (23) مظروفاً وجدت أن (16) ستة عشر كتبت بخط شخص واحد والباقي كتبت بخط شخص آخر. ثانياً: بمضاهاة خط الـ (16) ظرفاً وخط الـ (7) ظروف على عينات الخطوط المقدمة لي، تبين لي أن خط الستة عشر ظرفاً تتفق مع خط السيد الرائد عيسى منصور - الطاعن في هذا الطعن - وذلك من حيث الخواص الخطية الطبيعية للكاتب. ونقدم على سبيل المثال ما يأتي: (1) يلتزم كاتب الظروف كتابة حرف اللام المفرد بزائدة تكون مع بداية عمود اللام زاوية حادة، وهذه الخاصة الطبيعية للكاتب لها نظائر من عينة خط الرائد عيسى (2) ثم إن حرف الراء المتصل التزم كاتب الظروف كتابته مقوساً على شكل ربع دائرة أسفل أيمن، وهذه الخاصة الطبيعية التزم كتابتها الرائد عيسى في كتابته المقدمة للمضاهاة. (3) وكذلك فإن حرف الراء مع الشين اختلفت في تكوينها عما هو مشاهد عند اتصالها بحرف اللام، فكتبت بطرف منتهى منعقف إلى أعلى يميناً، وهذه الخاصة الطبيعية نجدها ماثلة التكوين في خط الرائد عيسى... (4) وكذلك التفاف حرف الطاء المبتدئ مع الهاء المعقودة التزم كاتب الظروف كتابة الالتفاف بيضاوي صغير، وشرطة الطاء عمودية الوضع ومنفصلة عن التفاف، وهذه الخاصة الطبيعية التزمها الرائد عيسى. والصور الفوتوغرافية تبين بوضوح هذه الخاصة. (5) وبالإضافة إلى ذلك فإن مسار اليد الكاتبة للظروف الـ (16) تتحدد مع مسار يد الرائد عيسى في كتابتها الطبيعية المقدمة للمضاهاة. والخلاصة: للأسباب الفنية الواردة بصلب هذا التقرير نرى أن الرائد عيسى هو الكاتب للظروف الستة عشر المذكورة بصدر هذا التقرير. توقيع الخبير الدمرداش". فلما أن أبدى الطاعن اعتراضه على هذا التقرير لأسباب جوهرية مستقاة من عيون الأوراق وتمس الضمانات الجوهرية لعملية مضاهاة الخطوط من ذلك أن عملية المضاهاة قد أجريت دون عمل استكتاب قانوني، وقبل البدء في التحقيق وجرت لا بناء على طلب مجلس التأديب وإنما بناء على طلب من المباحث العامة على النحو الثابت بصدر التقرير المقدم للمجلس الابتدائي من خبير لا يطمئن الطاعن إلى حيدته لسبب أو لآخر فإن مجلس التأديب الابتدائي لم يلتفت إلى هذه الملاحظات وأعرض عنها ولم يستجب إلى طلب الطاعن أن يعين المجلس خبير آخر يقوم بمضاهاة الأوراق التي يستكتبها المجلس الابتدائي للطاعن ويطلب من الخبير المعين من المجلس أن يقوم بمضاهاة العبارة المستكتبة بالمجلس مع خطوط الظروف جسم الجريمة وصلب الاتهام.
ومن حيث إن مجلس التأديب الاستئنافي كان قد اتجه إلى تحقيق دفاع الطاعن عيسى وبدأ الطريق السليم عندما قرر استدعاء أحد خبراء قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي بالقاهرة، وهي الإدارة الرسمية الأولى في جهاز الدولة لهذه المهمة الدقيقة فندبه لذلك بعد أن قام بحلف اليمين القانونية أمام المجلس الاستئنافي، كما استكتب هذا المجلس الطاعن عيسى لذات العبارات الواردة على الظروف المضبوطة وطلب المجلس إلى هذا الخبير الشرعي المختص أن يقوم بعملية المضاهاة بين أوراق الاستكتاب وأوراق المضاهاة (piéces de Comparaison) فقدم هذا الخبير المنتدب، (محمد صالح عثمان) تقريره المفصل المستفيض إلى المجلس الاستئنافي بتاريخ 21/ 3/ 1962 وانتهى فيه إلى أنه يقرر مما تقدم: (أن خط العبارات المدونة على الظروف الثلاثة موضوع البحث يختلف عن خط الرائد عيسى منصور بأوراق استكتابه، وبأوراق المضاهاة الأخرى، وأن عبارات الظروف المذكورة كتبت بيد شخص آخر غيره). - وقد أبلغ السيد رئيس المجلس عن هذا التقرير الشرعي وأشير عليه بالنظر وبأن يضم إلى أوراق التحقيق - وهذه التأشيرة تحمل تاريخ 5/ 4/ 1962 - أما تقرير مصلحة الطب الشرعي هذا فإنه قام على الأسباب الآتية: (بناء على كتاب السيد اللواء رئيس مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة شرطة رقم (331 سري في 15/ 3/ 1962) وانتدابي أنا الكيمائي الشرعي محمد صالح عثمان الخبير بقسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي بالقاهرة أثبت أني تسلمت المظروف المرسل، وهو مغلق وموقع عليه بتوقيع بمداد أزرق بتوقيع عبد العظيم والتاريخ 15/ 3 ومعنون أن بداخله ما يأتي: (1) ثلاث أوراق استكتاب بخط الرائد عيسى إمام مجلس التأديب الاستئنافي بجلسة 14/ 3/ 1962 وموقع عليها من هيئة المجلس (2) طلب إجازة مؤرخ 18/ 7/ 1961 مسحوب من ملف خدمة الطاعن ومعترف بصدوره منه بجلسة 14/ 3/ 1962 أمام المجلس (3) طلب إجازة مؤرخ 10/ 6/ 1961 مسحوب من ملف خدمته (4) طلب مؤرخ 11/ 3/ 1961 مسحوب من ملف خدمته (5) ثلاث مظاريف معنونة الأول إلى السيد نائب رئيس الجمهورية ووزير الداخلية زكريا محيي الدين، والثاني إلى السيد أنور السادات رئيس مجلس الأمة والثالث إلى السيد فتحي الشرقاوي وزير العدل (6) أربع صور فوتوغرافية الأولى لطلب الإجازة المعترف بصدوره منه، والمسحوب من ملف خدمته مؤرخ 18/ 7/ 1961 والثانية للمظروف المرسل لوزير الداخلية، والثالثة للمظروف المرسل لرئيس مجلس الأمة والرابعة لوزير العدل (7) تقرير في مضاهاة الخطوط من خمس ورقات مؤرخ 4/ 12/ 1961 ومقدم من الدكتور عبد العزيز الدمرداش الخبير لدى المحاكم، والمطلوب تنفيذاً لانتداب السيد رئيس المجلس وهو إجراء المضاهاة لمعرفة ما إذا كانت الظروف قد كتبت بخط الرائد المستكتب أمام المجلس (عيسى) من عدمه، الفحص:
أولاً - بالإطلاع على الظروف الثلاثة المرسلة موضوع الفحص وجدت تحتوي على العبارات الآتية: الظرف الأول: ويحتوي على عبارات. القاهرة. وزارة الداخلية. السيد نائب رئيس الجمهورية ووزير الداخلية زكريا محيي الدين. والظرف الثاني إلى أنور السادات، والظرف الثالث إلى فتحي الشرقاوي.. وقد حررت هذه العبارات جميعها بمداد أزرق بقلم رفيع نسبياً، وبخط رقعي القاعدة جيد الدرجة ينم عن تمكن صاحبه من الكتابة وإجادته لها ويتفق فيها من حيث الدرجة والخواص والمميزات الخطية وطريقة كتابة الألفاظ والمقاطع المشتركة مما يشير إلى وحدة اليد الكاتبة لها جميعها....
ثانياً - وبالاطلاع على ورقات استكتاب الرائد عيسى الثلاث أمام المجلس التأديبي الاستئنافي بجلسة 14/ 3/ 1961 وجدت محررة بمداد أزرق فاتح وتحتوي على العبارات المدونة على الظروف الثلاثة، مكتوبة مرتين بخط رقعي القاعدة حسن الدرجة، وتسير الكتابة في هذا الاستكتاب على مستوى واحد من القوة والثبات والمكرر من الألفاظ والمقاطع كتبت بطريقة متحدة تخلو من محاولات التصنع والتلاعب والتنويع، وقد تأشر على كل من هذه الورقات الثلاثة بعبارة كتب أمامنا. يتلوها ثلاث توقيعات على شكل فرمة من رئيس المجلس. وبالاطلاع على الورقات الثلاثة المسحوبة من ملف خدمة الرائد عيسى الذي اعترف أمام رئيس المجلس بصدورها منه.
وبفحص هذه الورقات الثلاث، وجدت محررة بمداد بنفسجي اللون وبخط رقعي القاعدة حسن الدرجة يتفق في درجته ومميزاته وخصائصه مع خط استكتاب الرائد عيسى بالورقات الثلاث أمام مجلس التأديب الاستئنافي مما يشير إلى وحدة اليد الكاتبة لهذه الورقات الست جميعها. وقد وجدنا أن ورقات المضاهاة الست المذكورة قد اكتملت لها العناصر الفنية التي تكسبها الصلاحية في إعطاء صورة كاملة صادقة لخط كاتبها، ومجمل هذه العناصر الفنية هو طبيعة الكتابة في هذه الأوراق وسلامتها من محاولات التصنيع والتلاعب ومعاصرتها في التاريخ للأوراق موضوع الفحص، فضلاً عن احتوائها على عدد كاف من الألفاظ والمقاطع التي تكفل دراسة وافية لمميزات خط الكاتب. ثانياً: وبإجراء عملية المضاهاة بين خط العبارات المدونة على الظروف الثلاثة موضوع البحث، وخط ورقات المضاهاة الست المذكورة بالبند السابق وجدنا أن الخطين يختلفان من حيث الدرجة والخواص الخطية وطريقة كتابة الألفاظ: ونجمل فيما يلي أوجه الخلاف الرئيسية بين الخطين: - (1) أن خط العبارات المدونة على الظروف أرقى في درجته، وكاتبه أكثر تمكناً في الكتابة وإجادته لها من كاتب ورقات المضاهاة، وترى هذه الظاهرة أوضح ما يكون في المقطع المكون من حرفي اللام والجيم من لفظي الجيزة، والجمهورية، وفي لفظ محيي وفي حرف النون في لفظ (الدين) أن كاتب ورقات المضاهاة الست التزم في تنقيط الأحرف ذات النقطتين، وهي الفاء المفتوحة والمربوطة والياء والقاف كتابة هاتين النقطتين منفصلتين، وفي وضع رأسي أو مائل قليلاً يميناً أو يساراً. أما في العبارات المدونة على الخطابات الثلاثة فقد التزم كاتبها بكتابة هاتين النقطتين: إما على شكل خط أفقي كما هو الحال في لفظ السيد، ولفظ رئيسي أو على شكل رقم (8) صغير كما هو الحال في لفظ القاهرة، ولفظ الأمة. (3) أن المقطع المكون من حرفي اللام والجيم من لفظي الجيزة والجمهورية كتب في ورقات المضاهات بحركة قلمية واحدة، بينما في الظروف الثلاثة كتب هذا المقطع بحركتين قلميتين مستقلتين عن بعضهما أولاهما عبارة عن عمود حرف اللام والثانية عبارة عن حرف الجيم (4) أن الذراع الرأسي الذي يرتكن عليه حرف التاء المربوطة الأخير من لفظي (الداخلية) المكرر مرتين، (الأمة) كتب في الظروف موضوع البحث مقوساً بشكل ظاهر ناحية اليسار بينما نجد هذا الحرف في أوراق المضاهاة، في اللفظين المذكورين، وفي غيرهما من الألفاظ المحتوية عليه مثل لفظ السنوية (بالطلب المؤرخ 18/ 7/ 1961) لفظ الصحية, ولفظ الشرطة (بالطلب المؤرخ 11/ 3/ 1961) كتب مرتكناً إلى ذراع مستقيم التكوين رأسي الوضع خال من التقويس (5) أن لفظ (محيي) بالظرف المعنون إلى زكريا محيي الدين، كتب تبعاً للقواعد الإملائية بحرفي ياء كاملي التكوين بينما أهملت كتابة الياء الأولى، وأهمل تنقيطها كذلك في هذا اللفظ باستكتاب الرائد عيسى - وهذا الخلف يعزز ما ذهبنا إليه من اختلاف المستوى الكتابي في كل من الظروف موضوع البحث وأوراق المضاهاة. (6) أن من مميزات كاتب ورقات المضاهاة الست الخطية، وضع حرف الألف تحت حرف اللام في أول الألفاظ، ونذكر منها على سبيل المثال، الألفاظ: القاهرة، الداخلية، السيد، الجمهورية، العقيد، التصريح، الصالح، المحامي.. وغير ذلك. أما في الظروف الثلاثة فالسائد فيها وضع الألف على يمين عمود اللام ومواز له. (7) الخلاف في طريقة كتابة الألفاظ وتكوينها. نذكر منها على سبيل المثال: ألفاظ فتحي، بالجيزة، الدين.
رابعاً: أطلعنا (الخبير الشرعي صالح عثمان) على التقرير المقدم من السيد عبد العزيز الدمرداش في 4/ 12/ 1961 وقد وجدنا أن الاتفاق الخطي الذي ذكره في التقرير لا يعدو أن يكون تشابهاً ظاهرياً يتفق وجوده بين أي خطين تقاربت الدرجة الخطية في كل منهما. وأن هذا التشابه الظاهري لا يرتقي إلى مرتبة اللازمة الخطية التي يتميز بها خط الكاتب وتدخل في تكوين شخصيته الكتابية الفردية، وأن الأمثلة التي ساقها سيادته في تقريره لخير دليل على ما نقول، وسنبين ذلك فيما يلي: ( أ ) حرف اللام المنفصل - أن الدراسة الفنية لهذا الحرف لتظهر أن عمود هذا الحرف والأحرف المماثلة في ورقات المضاهاة كتب مقوساً في جزئه الأول ناحية اليسار. أما في الظروف الثلاثة فقد كتب هذا العمود مقوساً في البداية ناحية اليمين. كما أن تقويس كاسة هذا الحرف يختلف في كل من الخطين في درجة التقويس وتدرج ضغط القلم ومساره (ب) حرف الراء المتصل - كتب في الظروف أكثر تقويساً وعمقاً من نظائره في أوراق المضاهاة (جـ) حرف الطاء من لفظ الشرطة بالصورة الفوتوغرافية المكبرة بالصفحة الرابعة من التقرير كتب بيضي التكوين، وجراته مقوسة بينما نظائره بأوراق المضاهاة كتبت مثلثة التكوين، وتغلب على جراتها الاستقامة وزاوية الاتصال. (خامساً) لإظهار ما ذكرناه من خلافات جوهرية بين خط الظروف الثلاثة موضوع البحث، وخط الرائد عيسى - الطاعن - بأوراق استكتابه الثلاث والأوراق المسحوبة من ملف خدمته قمنا بعمل صور فوتوغرافية وأرفقت بهذا التقرير. إمضاء).
ومفاد هذا التقرير الفني المفصل، والمقدم بناء على طلب مجلس التأديب الاستئنافي من مصلحة الطب الشرعي على أسس قانونية وفنية سليمة، أن الخطوط التي تحملها ظروف المنشورات السرية هي ليست للرائد عيسى وإنما هي خطوط لشخص آخر سواه. ولم يثبت أن ظرفاً واحداً من الظروف المضبوطة يمكن أن ينسب إليه.
ومن حيث إن عملية تحقيق الخطوط La verification ďécriture هي مجموع الإجراءات التي رسمها القانون لإثبات صحة الورقة العرفية التي ينكرها الشخص المنسوب إليه صدورها منه. ويحصل التحقيق بالبينة والمضاهاة بواسطة أهل الخبرة في الخطوط أو بإحدى الطريقتين. وتبين المحكمة في حكمها الصادر بإجراء التحقيق الطريقة التي يحصل بها، وتعيين الخبراء الذين يستعان برأيهم في عملية المضاهاة وهذه العملية يجريها خبراء الخطوط الفنيون. فيقوم الخبير بفحص الخط الذي حصل إنكاره، ودراسة خطوط الكتابة باليد، لها قواعد وأصول أساسها أن لكل شخص طريقة معينة في الكتابة لا يشترك معه فيها أحد غيره حتى لو كانا قد تعلما الكتابة معاً منذ الصغر. هذا بالإضافة إلى عوامل أخرى كثيرة منها درجة الثقافة والتعليم، وطريقة إمساك الشخص للقلم أو الريشة، وطريقة جلوسه أو قيامه أثناء كتابته وحالته النفسية. وتعتمد عملية مضاهاة الخطوط على خبرة القائمين بها، مع التقيد بالقواعد والأصول التي يتعين على الخبير أن يلتزم بها أثناء فحصه للخط، ومنها شكل الخط بصفة عامة وهل هو كبير أو صغير، وطريقة كتابة السطور، ومدى الضغط على الخطوط في أجزاء الكلمات المختلفة، ثم وقفات اليد عليها، واستقامة الخط أو ميله إلى إحدى الجهات أو تقطعه في مواضع مختلفة. ولقد تقدم اليوم علم دراسة خطوط الكتابة باليد، (علم الجرافولوجيا) حتى أصبح من المستطاع معرفة أخلاق المرء من خط يده، فلا تقتصر أهمية فحص الخط على معرفة الشخص الذي كتبه وإنما تمتد إلى معرفة عاداته وأخلاقه. ويقدم أهل الخبرة في الخطوط تقاريرهم للمحكمة. ولئن كانت المحكمة لا تلتزم برأي الخبير الذي انتدبته فلها أن تحكم بما يخالفه لأنها لا يمكن أن تقضي بغير ما تقتنع هي به ويرتاح إليه ضميرها، ولئن كان للقاضي الحرية التامة في تقدير عمل الخبير الذي ندبه، فله أن يأخذ برأيه وله ألا يأخذ به، وله أن يأمر بإجراءات أخرى من إجراءات الإثبات إلا أن استخلاص قضائه لابد وأن يكون استخلاصاً سائغاً مما أمر به ومما يكون في ملف الدعوى من مستندات وقرائن.
ومن حيث إنه ليس فقط مصلحة الطب الشرعي قد أكدت في تقريرها الشرعي المقدم إلى مجلس التأديب الاستئنافي في 21/ 3/ 1962 أن الرائد عيسى منصور - الطاعن - منبت الصلة بخط العبارات المدونة على ظروف المنشورات السرية وأن خطه يختلف عن خطوط اليد التي كتبت الظروف، وإنما أيضاً بعثت مصلحة تحقيق الشخصية بتقرير مؤرخ 7/ 2/ 1962 إلى السلطات المختصة تتضمن نتيجة مضاهاة بصمات الطاعن عيسى على الآثار المرفوعة من على المنشورات السرية. وقد تم هذا الإجراء بناء على كتاب إدارة كاتم أسرار الداخلية في 1/ 2/ 1962 وجاء في هذا التقرير أنه قد تم أخذ بصمات الرائد عيسى في 3/ 2/ 1962 وبإجراء المضاهاة المطلوبة تبين: أن الأثر الباقي الذي لا يزال لمجهول والمرموز لصورته بالرقم (3) والمرفوع من على إحدى منشورات الدفعة الثانية التي أجري فحصها بالمصلحة يختلف اختلافاً بيناً عن بصمات الرائد عيسى المأخوذة له بالمصلحة يوم 3/ 2/ 1962. وهذا مع الإحاطة بأن الآثار المرموز لصورها بالأرقام (1 و9 و10 و11 و12 و13 ب) والتي وجدت على المنشورات الواردة للفحص انطبقت على بصمات الرائد - أحمد عرفه المتبولي - الطاعن في الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق فإذا أضيف إلى ذلك أنه بجلسة المرافعة أمام هذه المحكمة العليا في 26 من مارس سنة 1964 تقدم الطاعن بطلب إلى السيد رئيس هذه المحكمة الترخيص له بتقديم استشاري ليرجح بين تقرير خبير الجدول الدمرداش وتقرير مصلحة الطب الشرعي فقررت المحكمة الترخيص بالاطلاع وبتقديم مستندات ثم أشر رئيس المحكمة على الطلب المقدم إليه بما يفيد تمكين الطاعن من تصوير بعض المستندات المودعة بملف الطعن وعلى أثر ذلك قدم الطاعن حافظة في 8/ 4/ 1964 بها تقرير استشاري مقدم من الدكتور محمود عبد المجيد مدير عام أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي سابقاً، وجاء في هذا التقرير المفصل ما يؤكد: (1) أن العبارات التي كتبت بها عناوين المظاريف ليست بخط هذا الطاعن (2) أن تقرير السيد الخبير الدمرداش لا يستند إلى أساس علمي لأنه لم يقم بدراسة الخصائص الخطية لكل من الأوراق موضوع الفحص وأوراق المضاهاة للإلمام بالعناصر الخطية (3) وأنه يتفق في الرأي مع التقرير المقدم للمجلس الاستئنافي من مصلحة الطب الشرعي.
ومن حيث إن الثابت مما تقدم أن اتهام الطاعن - عيسى منصور عيسى - والتقرير بإدانته والحكم عليه بالعزل من وظيفته إنما قام كل ذلك أصالة على تقرير السيد خبير الجدول بأن الطاعن هو الكاتب المحرر لمظاريف المنشورات السرية. وقد بان بوضوح من كل ما سبق أن هذا التقرير لا ينهض دليلاً ولا يقوى على مساندة الاتهام بعد إذ تقدمت مصلحة الطب الشرعي بتقرير مفصل سليم تطمئن إليه هذه المحكمة لما انطوى عليه من دقة وتأصيل خلص إلى رأي فني قاطع بأن الطاعن ليس هو الكاتب لمظاريف المنشورات السرية وأنها كتبت بخط يخالف خطه. أكد ذلك أيضاً التقرير الاستشاري المقدم من الطاعن ولم تعلق عليه الحكومة بشيء، وقد فند هذا التقرير الاستشاري تقرير خبير الجدول ورماه بالبعد عن الأساليب العلمية في البحث والتمحيص مما أدى إلى نتيجة عكسية بعيدة عن حقيقة الأوضاع وكذلك أكد تقرير مصلحة تحقيق الشخصية عدم وجود بصمات للطاعن في الطعن الراهن على أي من الأوراق موضوع المحاكمة التأديبية كما دلت المعاينة وأظهر التفتيش المفاجئ الذي أجرته السلطات بمنزل الطاعن وبمكتبه، على عدم وجود أصول للمنشورات السرية أو مسودات لها. وكل ما وجد من أوراق بمنزله لا يعدو أن يبين أنه من ضباط خريجي قسم الكونستبلات وأنه على صلة بأمرهم المعروض على جهة القضاء الإداري للفصل فيه وفقاً لأحكام القانون. كما وجدت أصول الشكاوى وتظلمات أرسلها بخطه وتوقيعه إلى السلطات المختصة وفي مقدمتها ما يتعلق بالمرض الدفين الذي يقاسي منه وقد شهد بذلك القومسيون الطبي العام وأشارت إليه أسباب القرار المطعون فيه. ولئن كان القضاء الإداري لا هيمنة له على ما تكون منه الإدارة عقيدتها واقتناعها في شيء من هذا، فإنما الرقابة التي للقضاء المذكور تجد حدها الطبيعي في التحقق مما إذا كانت النتيجة التي انتهى إليها القرار مستمدة من أصول موجودة أو غير موجودة، وما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً أو قانونياً أم لا، إذ يتوقف على وجود هذه الأصول أو عدم وجودها، وعلى سلامة استخلاص النتيجة التي انتهى إليها القرار من هذه الأصول أو فسادها، وعلى صحة التكييف القانوني للوقائع بفرض وجودها مادياً أو عدم صحة هذا التكييف يتوقف على هذا كله قيام أو عدم قيام ركن السبب في القرار الإداري ومطابقته أو عدم مطابقته للقانون.
وإذ كان الثابت من كل ما تقدم أن القرار التأديبي المطعون فيه كان، في شأن هذا الطاعن عيسى منصور عيسى، وليد استخلاص غير سائغ ولا مقبول فإن الأسباب التي ارتكز عليها تخالف الوقائع المادية والأسانيد الفنية والقانونية التي أحاطت بالاتهام المنسوب إليه فجاء قرار مجلس التأديب بعزل الطاعن من الخدمة مخالفاً لأحكام القانون - ويكون هذا الطعن فيه سليماً فيما انتهى إليه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الاستئنافي فيما قضى به من تأييد القرار الابتدائي الصادر بعزل الرائد عيسى منصور عيسى (الطاعن) من الخدمة, وببراءته من التهمة المسندة إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الوزارة المطعون عليها بالمصروفات.