مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة العاشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1964 إلى آخر يناير سنة 1965) - صـ 463

(49)
جلسة 23 من يناير سنة 1965

برئاسة السيد الأستاذ/ حسن السيد أيوب رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة/ الدكتور ضياء الدين صالح وعادل عزيز زخاري وعبد الستار آدم وأبو الوفا زهدي المستشارين.

القضية رقم 1456 لسنة 8 القضائية

( أ ) محكمة إدارية عليا - اختصاص - تأديب - شرطة - مهمة المحكمة الإدارية العليا هي أصالة التعقيب النهائي على الأحكام واستثناء التعقيب على بعض القرارات الإدارية الصادرة من الهيئات التأديبية - ليس بدعاً في التشريع أن يطعن رأساً في قرار إداري أمام المحكمة الإدارية العليا - الطعن مباشرة أمام المحكمة الإدارية العليا في قرار مجلس تأديب هيئة الشرطة - جائز.
(ب) محاكمة - خبرة - يمين - بطلان - جواز الاستعانة بأهل الخبرة في دور المحاكمة - وجوب حلف الخبير اليمين قبل أداء مأموريته ما لم يكن قد سبق له حلف اليمين لتقريره أمام المحاكم وفقاً للمرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 - إغفال حلف اليمين يستتبع بطلان الحكم الذي يبنى على تقرير الخبير الذي لم يؤدها.
(جـ) تأديب - خبرة - حق هيئات التأديب - الاستعانة برأي جهة فنية متخصصة في الكشف عن الحقيقة والوصول إلى الصواب - لا تحول دونه تبعية تلك الجهة من ناحية التنظيم الإداري للوزارة التي أحالت الموظف إلى المحاكمة التأديبية - امتناع الاستناد في ذلك إلى قواعد المرافعات المدنية والتجارية - أساس ذلك أن الإجراءات المدنية وضعت لصالح خاص على خلاف الحال بالنسبة إلى إجراءات المحاكمة التأديبية.
(د) تحقيق - بصمة - بيان البصمات وتعريفها - التعويل عليها ضمن أهم وسائل تحقيق شخصية الإنسان - أساس ذلك ما ثبت علمياً وعالمياً من عدم وجود شخصين لهما بصمتان متماثلتان في الخطوط والمميزات حتى ولو كانا توأمين من بويضة واحدة.
(هـ) دستور - شكوى - عريضة - حق الشكوى والتظلم - يكفله القانون للكافة ويحميه الدستور على أنه من الحريات المتصلة بصالح الأفراد - مرد ذلك إلى حق تقديم العرائض في مختلف الدساتير التي نادت بحقوق الإنسان - مخاطبة السلطات باسم الجماعات - لا تكون إلا للهيئات النظامية والأشخاص الاعتبارية - شروط وأوضاع ممارسة هذا الحق الدستوري.
1 - لئن كانت مهمة هذه المحكمة العليا هي أصالة التعقيب النهائي على الأحكام فليس هنالك ما يمنع من أن يدخل في نطاق هذه المهمة استثناء التعقيب أيضاً على بعض القرارات الإدارية الصادرة من الهيئات التأديبية لحكمة قد تجد سندها في اختصار مراحل التأديب حرصاً من الشارع على حسن سير الجهاز الحكومي، كما قد تجد سندها القانوني في أن قرارات تلك الهيئات، وإن كانت في حقيقتها قرارات إدارية إلا أنها أشبه ما تكون في نظر هذه المحكمة العليا بالأحكام وإن كانت ليست بذلك طالما أن الموضوع الذي تفصل فيه ليس منازعة قضائية وإنما هو محاكمة مسلكية تأديبية. ومن ثم يسقط التحدي بالمفارقة بين القرارات التأديبية الصادرة من المحاكم التأديبية، وبين مثيلاتها الصادرة من المجالس التأديبية فما هذه وتلك إلا قرارات إدارية تحمل في طياتها جزاءات تأديبية في مآخذ مسلكية وإخلالاً بواجبات الوظيفة ومقتضياتها تنشئ في حق الموظف الصادر في شأنه مركزاً قانونياً جديداً ما كان لينشأ لولا هذه القرارات. وليس بدعاً في التشريع أن يطعن رأساً في قرار إداري أمام المحكمة الإدارية العليا، فلهذا نظير في فرنسا حيث يجوز الطعن رأساً أمام مجلس الدولة الفرنسي بهيئة قضاء نقض في بعض القرارات الإدارية هناك. وفي الجمهورية العربية المتحدة على سبيل المثال، صدر القانون رقم 184 لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات ونصت المادة 80 منه على أن تكون محاكمة أعضاء هيئة التدريس أمام مجلس تأديب يشكل على نحو معين. وجاء في الفقرة الأخيرة من هذه المادة (وتسري بالنسبة للمحاكمة أحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 الخاص بتنظيم المحاكمة التأديبية. على أن تراعى بالنسبة للتحقيق والإحالة إلى مجلس التأديب أحكام المادة 76 من قانون تنظيم الجامعات). والفقرة الأخيرة من هذه المادة 76 تنص على أن (ويحيل مدير الجامعة العضو المحقق معه إلى مجلس التأديب إذا رأى محلاً لذلك) ومفاد ذلك أن المشرع التزم في تنظيم التأديب بالنسبة إلى الموظفين سياسة اختصار مراحله وسرعة البت في أمره فقصر التأديب على محاكمة واحدة أمام هيئة تتوافر فيها الضمانات اللازمة على أن يتاح التعقيب على القرار التأديبي الصادر منها أمام هذه المحكمة الإدارية العليا، وذلك ما نصت عليه المادة 32 من القانون رقم 117 لسنة 1958 الذي أحال إليه قانون تنظيم الجامعات. والمادة 32 المذكورة تنص على أن أحكام المحاكم التأديبية نهائية. ولا يجوز الطعن فيها إلا أمام المحكمة الإدارية العليا. فإذا كان القانون رقم 234 لسنة 1955 الصادر في 27 من إبريل سنة 1955 بنظام هيئة البوليس قد خصص الفصل السادس منه للتأديب ونظم أحكامه في المواد من 64 إلى 85 وقضى بأن الطعن في القرار الصادر من مجلس التأديب الابتدائي يكون أمام المجلس التأديبي الاستئنافي وأن القرار الصادر من مجلس التأديب الأعلى يكون نهائياً. فلا تثريب على الطاعن بعد إذ أنشأ القانون رقم 165 لسنة 1955 الصادر في 23 من مارس سنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، المحكمة الإدارية العليا، وناط بها ولاية التعقيب النهائي على أحكام القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والتأديبية وما أجراه الشارع وقضاء هذه المحكمة الإدارية العليا مجراها من قرارات مجالس التأديب فلا تثريب عليه إذا أقام هذا الطعن مباشرة أمام هذه المحكمة العليا في قرار مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي والاستئنافي الذي قضى بعزله من الخدمة.
(2) إن الخبرة (expértise) هي طريق من طرق التحقيق، يتخذ في الدور الابتدائي كما يتخذ في الدور النهائي منه. وقد أجاز قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 الاستعانة بأهل الخبرة في دور التحقيق الابتدائي فأجازه لرجال الضبط القضائي، وأعضاء النيابة وقضاة التحقيق. ولكنه سكت عن ذلك في دور المحاكمة.
ومن المسلم أن للمحكمة أن تنتدب خبيراً أو أكثر للاستنارة برأيهم في المسائل الفنية التي تستدعي خبرة خاصة، وتنتدب المحكمة الخبير من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم وأوجب هذا القانون أن يحلف الخبير اليمين قبل أداء مأموريته على أن يؤديها بالذمة، (المادة 86) من قانون الإجراءات الجنائية. ومن المسلم أيضاً أن الخبير يجب أن يحلف يميناً أمام المحكمة على أداء مأموريته بالذمة قبل أن يباشرها، إذا لم يكن سبق له حلف اليمين لتقريره أمام المحاكم وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم 96 لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام جهات القضاء. ويترتب على إغفال حلف اليمين بطلان الحكم الذي ينبني على تقرير الخبير الذي لم يؤدها لأنه يشترط لصحة الأخذ بالدليل أن يكون قد استحصل عليه وفقاً للإجراءات المقررة في القانون.
3 - إن القواعد المتعلقة بتأديب الموظفين سواء جاءت في قانون نظام موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 ومن بعده القانون رقم 46 لسنة 1964 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، أم في قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية رقم 117 لسنة 1958 أم في قانون هيئات البوليس رقم 234 لسنة 1955 لم تتضمن نصوصاً تنظم أعمال الخبرة لدى مجالس التأديب وكل ما توجبه هذه القواعد بصفة عامة هو أن يجري التحقيق الإداري أو التأديبي وتتم المحاكمة في حدود الأصول العامة للمحاكمات والتماثل ظاهر بين المحاكمة الجنائية والمحاكمة التأديبية، فكلها تطبق شريعة عقاب سواء في مجال الدولة بأكملها أم في مجال الوظيفة العامة وحدها. ولا جدال في أن لهيئات التأديب الاستعانة بآراء الخبراء وأن انتدابهم أمامها لمهمة خاصة يعتبر إجراء من إجراءات التحقيق. وليس في القواعد التي تنظم تأديب الموظفين أو محاكمتهم ما يمنع من الاستعانة برأي جهة فنية متخصصة في الكشف عن الحقيقة والوصول إلى الصواب. سواء أكانت تلك الجهة تتبع من ناحية التنظيم الإداري الوزارة التي أحالت الموظف إلى المحاكمة التأديبية أم لا تتبعها وليس في تلك القواعد ما يرتب جزاء البطلان على شيء من ذلك. ولا يمكن الاستناد إلى قواعد المرافعات المدنية والتجارية في كل ما لم يرد بشأنه نص في مجال التأديب. ذلك أن الإجراءات المدنية وضعت لصالح خاص أما إجراءات المحاكمة التأديبية وهي أقرب إلى المحاكمة الجنائية فقد نظمت لصالح عام وروعي فيها سير المرفق العام.
4 - من المسلم به علمياً أن البصمات تولد مع الإنسان وتظل على شكلها بدون تغيير حتى مماته. والبصمة عبارة عن تلك الخطوط البارزة (Ridges) التي تحاذيها خطوط أخرى منخفضة (Furraws) التي تتخذ أشكالاً مختلفة على جلد أصابع اليدين والكفين من الداخل وهذه الخطوط تترك طابعها على كل جسم تلمسه وتعتبر بصمات أصابع وراحة اليدين من أهم وسائل تحقيق شخصية الإنسان ويرجع ذلك إلى ما ثبت علمياً وعالمياً من عدم وجود شخصين لهما بصمتان متماثلتان في الخطوط والمميزات حتى ولو كانا توأمين من بويضة واحدة. وقد أخذت مصر بنظام البصمات كطريقة لتحقيق شخصية الفرد منذ عام 1896 إلى جانب طرق المقاسات البدنية التي ابتكرها (برتليون) ثم اعتمدت عليه اعتماداً رسمياً كلياً لتحقيق الشخصية من عام 1901.
5 - لا مراء في أن حق الشكوى والتظلم كحق التقاضي يكفله القانون للكافة ويحميه الدستور على أنه من الحريات المتصلة بمصالح الأفراد. فالمادتين 63، 62 من الدستور الجمهوري تنصان على أن: "للمصريين حق تقديم شكاوى إلى جميع هيئات الدولة عن مخالفة الموظفين العموميين للقانون أو إهمالهم واجبات وظائفهم. كما أن للمصريين مخاطبة السلطات العامة كتابة، وبتوقيعهم ولا تكون مخاطبة السلطات باسم الجماعات إلا للهيئات النظامية، والأشخاص الاعتبارية" ونصت المادة 22 من دستور سنة 1923 الملغي، على أن "لأفراد المصريين أن يخاطبوا السلطات العامة فيما يعرض عليهم من الشئون وذلك بكتابات موقع عليها بإمضائهم أما مخاطبة السلطات باسم المجاميع، فلا تكون إلا للهيئات النظامية والأشخاص المعنوية" ومرد هذا الأصل إلى حق تقديم العرائض (droit de setitio) في مختلف الدساتير التي نادت بحقوق الإنسان فلكل فرد أن يتقدم إلى السلطات العامة بشكوى يتظلم فيها من أمر يهمه كدفع حيف وقع عليه من عمل جائر ابتغاء رد هذا الجور والتعويض عن آثاره. ولممارسة هذا الحق الدستوري شروط وأوضاع في مقدمتها أن يكون الاستصراخ للسلطات في شكل عريضة أو شكوى - وليس بالطبع منشوراً - وأن تحمل الورقة توقيع صاحبها وذاتيته ما دامت الشكوى تهدف إلى تحقيق مصلحة شخصية متصلة بالحرية الفردية، فإذا كانت الشكوى أو العريضة باسم الجماعات فلا يكون الحق في مخاطبة السلطات بشأنها إلا للهيئة النظامية التي تمثل الجماعة صاحبة الحق في الشكوى. ويقتضي حق التقديم أن يكون بطريق إرسال مشروع لا مواربة فيه، ولا مستور ما دامت العريضة تحمل المطالبة بحق يحميه، ويكفله الدستور. كما أن للحق في مخاطبة السلطات العامة كتابة وبالتوقيع الصريح، أسلوباً معيناً ومسلكاً خاصاً ومستوى يرتفع ولا جدال عن الألفاظ النابية وعبارات التحدي والإثارة والتهديد، والاستفزاز والاستنكار. والعريضة المشروعة، وهي رسالة لدرء الحق ورفع الظلم ورد الحق، متى حسن مقصدها واستقام فإنما توجه، على قدر الإمكان إلى السلطة المباشرة المختصة بموضوعها والبت في أمرها. فإذا هي اندفعت متناثرة إلى غير جهاتها الأصيلة وإلى سلطاتها المختصة فإنها تكون قد ضلت سبيلها وأخطأت هدفها، وفقدت سندها المشروع بل إنها بذلك تكون قد انقلبت إلى فعل شائن وتصرف معيب غير مشروع يعاقب عليه القانون أياً كانت المبررات التي أوحت به والنزعات التي دفعت إليه. ومهما يكن من أمر، فإن هذا الحق الدستوري القديم، حق تقديم أفراد الشعب العرائض لمخاطبة السلطات العامة لا يعدو اليوم أن يكون ضماناً تضاءلت قيمته حقيقة وعملاً بعد إذ تعددت لدى الفرد طرق مشروعة فعالة منها القضائية ومنها الإدارية ومنها طريق القضاء الإداري بما يملكه من ولاية الإلغاء.


إجراءات الطعن

في 30 من يوليو سنة 1962 أودع الأستاذ المحامي عن الرائد بالمعاش أحمد عرفة المتبولي, بموجب قرار إعفاء رقم (350) لسنة 8 ق صادر بجلسة 21 من يوليو سنة 1962 سكرتارية المحكمة تقرير طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم (1456) لسنة 8 ق في القرار الصادر من مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة بجلسة 9 من مايو سنة 1962 في القضية التأديبية المقامة ضد الرائد المذكور وهو ضابط بمصلحة السجون وآخر بمصلحة الشرطة, والذي قضى: (بقبول الاستئنافين شكلاً, وفي الموضوع برفضها وبتأييد القرار المستأنف - بعزل هذا الطاعن، وآخر، مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار.) وطلب الحاضر عن الطاعن للأسباب التي استند إليها في تقرير طعنه: (القضاء بقبول هذا الطعن شكلاً, وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي, والاستئنافي وبراءة الطاعن من التهمة التي أسندتها إليه الوزارة، مع ما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الوزارة مصروفات هذا الطعن, ومقابل أتعاب المحاماة). وقد أعلن هذا الطعن إلى وزارة الداخلية في 4 من أغسطس سنة 1962 وعين لنظره أمام دائرة فحص الطعون جلسة 26 من يناير سنة 1963 ومنها إلى جلسة 16 من فبراير ثم إلى 9 من مارس, وفي أول إبريل قدم الحاضر عن الطاعن (عرفة المتبولي) مذكرة شارحة لتقرير طعنه معقباً على تقرير السيد مفوض الدولة قال فيها إنه أخذاً بالأحوط أقام طعنين اثنين على القرار التأديبي الصادر بعزله من وظيفته: أحدهما أمام محكمة القضاء الإداري بالدعوى رقم (1043 ق) لسنة 16 قضائية التي لا تزال بالتحضير وهي عن ذات الموضوع. والثاني هو الطعن رقم (1456) - لسنة 8 ق أمام المحكمة الإدارية العليا, وأن كل من الطعنين مقدم في الميعاد القانوني وإن كان الطاعن يقر السيد رئيس هيئة المفوضين, رأيه في أن هذا الطعن الثاني رقم (1456) لسنة 8 عليا يدخل في اختصاص هذه المحكمة العليا استناداً إلى ما سبق أن قررته المحكمة العليا في طعون متماثلة. أما عن موضوع الطعن فمذكرة الطاعن تنعى على مجلس التأديب الاستعانة بخبير موظف من وزارة الداخلية لفحص بصمات الطاعن (عرفه المتبولي) وفي ذلك مخالفة لأحكام قانون المرافعات. كما تنعى المذكرة على القرار التأديبي بالعزل أنه لم يراع الملاءمة بين الجزاء وبين الذنب الإداري على فرض صحة الاتهام المنسوب إلى الطاعن. وانتهت المذكرة إلى طلب الحكم بقبول هذا الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي والاستئنافي وبراءة الطاعن من التهمة التي أسندتها إليه وزارة الداخلية مع ما يترتب على ذلك من آثار, وإلزام الوزارة مصروفات هذا الطعن, ومقابل الأتعاب.
وبجلسة 6 من إبريل سنة 1963 قررت دائرة فحص الطعون إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للمرافعة بجلسة 18 من مايو سنة 1963 ومنها إلى جلسة 26 من أكتوبر لضم مستندات مودعة في طعن آخر كان لا يزال معلقاً أمام دائرة فحص الطعون, وبجلسة 29 من فبراير سنة 1964 سمعت المحكمة ما رأت سماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة 20 من يونيو سنة 1964 ولكن الحاضر عن الطاعن (المتبولي) طلب إعادة هذا الطعن إلى المرافعة بجلسة 31 من أكتوبر سنة 1964 لأن هذا الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق عليا, ذو صلة بطعن آخر أمام هذه المحكمة العليا وهو رقم (1351) لسنة 8 ق مقدم من الرائد عيسى منصور عيسى يستهدف إلغاء ذات القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي والاستئنافي الذي قضى بعزل الرائدين الطاعنين من خدمة هيئة الشرطة بوزارة الداخلية. وبالجلسة المذكورة قدم الحاضر عن الرائدين الطاعنين (المتبولي, عيسى) حافظة جديدة ببعض المستندات ومذكرة علق فيها على تقرير كان قد أودع في 8 من إبريل سنة 1964 من السيد الدكتور المدير العام السابق لقسم أبحاث التزوير والتزييف بمصلحة الطب الشرعي. ثم قررت المحكمة إرجاء النطق بالحكم إلى جلسة 12 من ديسمبر سنة 1964 ثم أودعت وزارة الداخلية مظروفاً به بعض الأوراق المتعلقة بكل من الطعنين, وقدم الحاضر عن الطاعنين مذكرة في أول ديسمبر سنة 1964 انتهى في ختامها إلى طلب الحكم في كل من الطعنين بإلغاء القرار الصادر من مجلس التأديب الابتدائي في 24 من يناير سنة 1962 والاستئنافي بتاريخ 9 من مايو سنة 1962 وطلب القضاء ببراءة كل من الرائدين الطاعنين من التهمة المسندة إلى كل منهما. وقدمت هيئة مفوضي الدولة مذكرة برأيها القانوني في هذا الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق أوصت فيه بقبوله شكلاً وبرفضه موضوعاً مع إلزام الطاعن (عرفة المتبولي) بالمصروفات. وقد قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم إلى جلسة اليوم والتي صدر فيها أيضاً الحكم في الطعن رقم (1351) لسنة 8 ق المقدم من الرائد عيسى منصور عيسى.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع الإيضاحات, وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة التأديبية حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن السيد وكيل وزارة الداخلية أصدر في 9 من ديسمبر سنة 1961 قراراً بإحالة كل من الرائد أحمد عرفه المتبولي الضابط بمصلحة السجون - الطاعن في هذا الطعن رقم (1456) لسنة 8 ق والرائد عيسى منصور عيسى، الضابط بمصلحة الشرطة - الطاعن في الطعن رقم (1351) لسنة 8 ق إلى مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة لمحاكمتهما عن التهمة الآتية: (وذلك لإخلالهما إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفتهما ومقتضياتها على وجه يخالف القانون والنظام. بأن قاما بإرسال منشورات باسم ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستبلات دون توقيع عليها باسم السيد رئيس الجمهورية، والسادة نواب الرئيس، وبعض الوزراء، وكبار ضباط الشرطة، اشتملت على عبارات ماسة، وآراء تدعو إلى التشيع والفرقة بين أفراد جهاز الشرطة، وأسندت إلى المسئولين في وزارة الداخلية مجافاة العمل بالمبادئ الاشتراكية والتعاونية وقد أرسلا هذه المنشورات بوسائل خفية، وهما اللذان تقتضيهما طبيعة أعمالها محاربة هذه الوسائل والكشف عنها وذلك على النحو الموضح تفصيلاً في التحقيقات والمذكرات ومحاضر التفتيش والتقارير الفنية المرافقة). وفي 7 من يناير سنة 1962 انعقد مجلس التأديب الابتدائي وحضر الضابطان ومعهما الأستاذ المحامي عنهما وناقشهما المجلس تفصيلاً في التهمة المنسوبة إليهما واستمع إلى الدفاع على النحو الثابت تفصيلاً في محضر جلسة المحاكمة التأديبية وقرر المجلس ضم الدفوع وتأجيل النظر في القضية التأديبية لجلسة الأربعاء 10 من يناير سنة 1962 واستدعاء كل من السيد وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية (وديع بشاره يوسف)، والسيد (عبد العزيز الدمرداش) الخبير لدى المحاكم للحضور أمام مجلس التأديب الابتدائي لمناقشتهما في التقريرين المقدمين منهما - وتكليف مصلحة التفتيش العام بوزارة الداخلية بإحضار الأربعة عينات) المنوه عنها في التقرير المقدم من الخبير (الدمرداش) والتي أجريت عليها عملية المضاهاة في الخطوط. وانعقد المجلس الابتدائي في 10 من يناير سنة 1962 وحضر الضابطان (المتبولي، وعيسى) وطلبا التأجيل لمرض المحامي عنهما. كما حضر الخبيران (بشاره والدمرداش) وقرر مجلس التأديب رفض طلب التأجيل لعدم وجود ما يبرره إذ كان الضابطان قد استوفيا دفاعهما الأصلي في الجلسة الأولى، ولم يبق إلا دفاعهما من ناحية موضوع (المنشور) وكانا قد أعدا مذكرة بشأنه، وناقش المجلس الخبيرين، كما سمح للضابطين بمناقشتهما، وذلك على النحو المفصل بمحضر جلسة التأديب ثم قرر مجلس التأديب الابتدائي إصدار القرار التأديبي.
وبجلسة 24 من يناير سنة 1962 أصدر مجلس التأديب الابتدائي لموظفي هيئة الشرطة، والمنعقد بديوان وزارة الداخلية والمشكل برئاسة السيد اللواء مدير عام مصلحة الإدارة العامة، وعضوية اللواء مدير مصلحة الأمن العام، والسيد النائب المختص بمجلس الدولة، أصدر قراره ويقضي: (بإدانة الرائد عيسى منصور عيسى، والرائد أحمد عرفه المتبولي، في التهمة المنسوبة إليهما، ومجازاتهما عنهما بعزلهما من الخدمة مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار). وقد أقام هذا المجلس الابتدائي قراره التأديبي بعزل الرائد أحمد عرفة المتبولي - الطاعن في هذا الطعن - على أن (المنشور) موضوع المحاكمة قد تضمن كثيراً من العبارات الماسة، ومنها على سبيل المثال: أن وزارة الداخلية تعمل على عكس المبادئ التي ينادي بها السيد رئيس الجمهورية، وهي ذوبان الطبقية، وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية. كما أن عبارة "لسنا من الزنوج في جنوب أفريقيا، ولا من المنبوذين في الهند حتى نعامل هذه المعاملة" وهذه العبارة تدعو ولا شك لإثارة الأحقاد والحزازات في النفوس إذ أن كل من سيقرأ هذا المنشور من الضباط خريجي قسم الكونستبلات سيتأثر بالغ التأثير، ويعتقد أنه يعامل بطريقة مختلفة عن باقي الضباط كما أن عبارة "ليس في الدولة عامل أو كناس أو مدرس إلزامي أو عسكري صول في الشرطة، صدر له أي قانون مماثل لهذا القانون الذي لم يوضع مثله قط في الإقليم المصري، ولا من جميع دول العالم" هذه العبارة هي الأخرى تتضمن معاني التفرقة والكراهية والحط من شأنهم وتصويرهم في صورة المنبوذين المضطهدين. ويسترسل مجلس التأديب الابتدائي في أسبابه قائلاً إن عبارات هذا المنشور في جملتها تتضمن إثارة فتنة طائفية في المرفق الواحد، وتبث في نفوس الضباط خريجي قسم الكونستبلات روح الحقد والكراهية للمسئولين في الوزارة. كما أنها تعد سابقة خطيرة في البيئة المنوط في أفرادها أصلاً الطاعة العمياء. ثم استطرد المجلس الابتدائي يقول إن الدفاع عن الرائد أحمد عرفة المتبولي - الطاعن الراهن - قد ردد ما سبق أن أبداه من دفوع بشأن زميله الرائد عيسى منصور عيسى. والمجلس يرفضها لذات الأسباب - وكانت الدفوع ثلاثة: بطلان عملية المضاهاة بالنسبة لخط عيسى، وبطلان تقرير الخبير الدمرداش لأنه لم يؤد اليمين القانونية قبل أداء مهمته، والرائد عيسى لم يعترف بورقة المضاهاة في حين أن قانون المرافعات يوجب اعتراف المتهم بورقة المضاهاة حتى يمكن أن يعتد بنتيجتها - وقد رفض المجلس الابتدائي هذه الدفوع الثلاثة لأن الرائد عيسى كان قد أقر أمام ذلك المجلس بأن ورقة المضاهاة التي باشر عليها الدمرداش مأموريته هي بخطه وتوقيعه. أما عن الخبير الدمرداش فقد نوه المجلس بأنه كان قد أدى اليمين ابتداء يوم أن قبل خبيراً أمام لجنة الخبراء فلا يلزم أن يؤدي اليمين قبل كل تكليف.
وقد أضاف المجلس الابتدائي رداً على دفع جديد خاص بالرائد متبولي وحده، فقال المجلس إنه وإن كان خبير البصمات (وديع بشاره يوسف) لم يؤد اليمين القانونية ابتداء كما يؤديها خبراء الجدول إلا أن هذا الخبير يشغل وظيفة حكومية هي (وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية ولا شك أن هذه الوظيفة هي من الوظائف الرئاسية التي يشترط فيمن يشغلها أن يكون ثقة في فنه أميناً في أدائه، وعلى ذلك فإن المجلس الابتدائي يطمئن إلى أنه أدى مأموريته بأمانة، وعلى أية حال فقد وجه إليه المجلس اليمين فحلفها أمامه بأنه أدى المأمورية الموكلة إليه بطريقة سليمة فنية، وأن البصمات التي وجدها على (المنشورات) المضبوطة هي نفسها بصمات الرائد أحمد عرفه المتبولي (الطاعن) واستطرد المجلس الابتدائي يقول إن الدفاع عن (المتبولي) ينعى على تقرير خبير البصمات (بشارة) أنه جاء قاصراً ومجافياً لروح القانون والفن مما يستوجب هدره، لأنه لم يوضح الأسباب الفنية التي استند إليها عندما قطع بأن البصمات المرفوعة هي بصمات الرائد المتبولي كما وأن تقريره بالصورة التي قدمها إلى المجلس الابتدائي يتضمن خطأ فنياً جسيماً إذ لم يبين فيه نوع بصمة الرائد المتبولي، وما هي الطريقة التي اتبعها عندما قرر ذلك. وما هي الطريقة التي عالج بها البصمة حتى أظهرها على المنشور وما هي العلامة المميزة التي جعلته يقطع برأيه الذي انتهى إليه إذ أن من المستقر علماً أنه لا يجوز التقرير بأن البصمة لشخص ما إلا إذا وجدت أكثر من سبعة علامات فنية مميزة إلى جانب الزاوية أو المركزية.... إلخ.... والمجلس الابتدائي رد على هذا الدفاع عن المتبولي فقال إن الثابت من تقرير خبير البصمات (بشارة) أنه فحص المنشورات بالمعمل الكيماوي بقسم الخبراء والمفتشين، وتبين له وجود أثار لبصمات لأجزاء من أصابع بعضها صالح للمضاهاة. والآخر غير صالح لذلك. فقام الخبير (بشارة) بتصوير البصمات الصالحة للمضاهاة بمصلحة تحقيق الشخصية، وأوضح مكانها في تقريره المقدم وأضاف الخبير إليه بأنه أحاط كلاً من هذه الآثار بدائرة المداد الأحمر ووقع عليها بالنظر. وعندما ذهب إلى إدارة كاتم أسرار الداخلية عرضت عليه ثلاثون شهادة تحقيق شخصية.... (أورنيك 56) لثلاثين ضابط بوليس، أوضح أسماءهم بتقريره، وتبين له من فحص هذه الشهادات أن الآثار الثلاثة التي أمكن رفعها تنطبق تماماً على بصمة السبابة من اليد اليمنى واليسرى للرائد أحمد عرفه المتبولي، صاحب شهادة تحقيق الشخصية رقم (30672/ 1935) والمحررة بالمصلحة في 14/ 9/ 1935 واستطرد المجلس الابتدائي أسبابه قائلاً إنه قد واجه الخبير (بشاره) باعتراضات الدفاع عن المتبولي فقرر هذا الخبير أن نوع البصمة، لا يعتبر أساساً في عملية المضاهاة إذ قد تتفق بصمتان في نوع واحد، وتختلفان في باقي التفاصيل، وأنه لم يشأ ذكر مسألة النوع واكتفى بوجود نقاط مميزة تطابقت في البصمتين، وهذه النقاط المميزة مستقر عليها علماً وعملاً.
وقد تبين للمجلس الابتدائي من مناقشة الخبير (بشارة) أن تطابق البصمتين كان من الوضوح بحيث لم يكن هناك مجالاً لأي شك، وأن ما أثاره الدفاع عن المتبولي في هذا الشأن لا يؤثر بحال على الرأي الذي انتهى إليه المجلس. وكذلك جاء في أسباب قرار المجلس الابتدائي أنه بالإضافة إلى ما تقدم فإن تخبط الرائد المتبولي في دفاعه عن نفسه يحمل الدليل بذاته على ثبوت التهمة قبله. ذلك أنه عندما ووجه بتقرير الخبير بشارة، ذكر أن بصمته التي تمت عليها المضاهاة قد مضى عليها أكثر من ربع قرن من الزمان، وهي والحالة هذه لا تصلح أساساً للمضاهاة. فلما أن وجه بأن بصمة الإنسان لا تتغير من المهد إلى اللحد، أسقط في يده ولجأ إلى دفاع ساذج مفاده أنه كثيراً ما كان يشتري أوراقاً من المكتبات العامة بشارع محمد علي بالقاهرة ليستعملها في عمله لقلة الأوراق التي تصرف من مخازن الوزارة، فربما يكون قد ترك بصماته على هذه الأوراق دون أن يشعر عندما كان يفحصها ولم يشترها فقام غيره بشرائها واستعمالها في المنشورات الموزعة. وقد رأى مجلس التأديب أن هذا الدفاع هو من السذاجة بحيث لا يستأهل حتى مجرد التعقيب. وقد ثبت لمجلس التأديب الابتدائي مما تقدم من أسباب قراره التأديبي أن البصمات التي وجدت على المنشورات المضبوطة هي بصمات الرائد عرفة المتبولي، وأنه قام بإرسال تلك المنشورات بطريقة خفية، فإن التهمة المنسوبة إليه تكون ثابتة قبله. وما ثبت في حق المتبولي وزميله، يعتبر إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفتهما ومقتضياتها، وهما قد سلكا بتصرفاتهما هذه مسلك الخارجين على القانون الذين يروجون لمبادئهم بمثل هذه الطرق الملتوية. ولو كانا حقاً ينشدان إنصافاً أو رفع ظلم لحقهما، لتقدما بشكوى بإمضائهما صراحة إلى الجهات المسئولة وبالطريق القانوني. ولا شك أن المسئولين يضعون نصب أعينهم أنصاف كل ذوي حق، ورفع الظلم عن كافة المواطنين دون أي تفرقة. واستطرد المجلس الابتدائي يقول أن أحداً لم يقل بأن وزارة الداخلية تعامل الضباط خريجي قسم الكونستبلات وكأنهم من زنوج جنوب أفريقيا أو من المنبوذين بالهند. فهذه العبارات كشفت عن خبيئ ظنهما وسوء قصدهما إذ الغرض الأساسي من هذا المنشور الموزع والمضبوط هو إثارة فتنة طائفية مدمرة، فيختل النظام في المرفق الذي يحمي الوطن من الداخل. وكل هذا يحدث في وقت تتكاثف فيه قوى الأعداء، يتآمرون على الوطن من الخارج ومن الداخل ولذلك فإنه يتعين أخذ الرائدين: (المتبولي وعيسى) بالشدة جزاء وفاقاً لما وقع منهما من إساءة خطيرة لواجبات المهنة التي شرفتهما بالانتساب إليها. ثم استطرد مجلس التأديب الابتدائي يقول: "ولقد كان المجلس يود استعمال الرأفة مع الرائد عيسى منصور عيسى - الطاعن في طعن آخر رقم (1351) لسنة 8 ق بسبب المرض الذي ألم به إلا أن جسامة الخطأ الذي وقع فيه مع زميله المتبولي - الطاعن الراهن - وخطورة الآثار الناجمة عنه حالت دون ذلك". بل يرى المجلس لزاماً عليه أن تكون هذه الرأفة من نصيب هيئة الشرطة، ولا يتم ذلك إلا ببتر هذين الضابطين من البوليس حتى تظل بمنأى عن الطائفية البغيضة، فتؤدي واجبها الأسمى جبهة واحدة وروحاً واحدة.
وفي 25 من يناير سنة 1962 تقدم كل من الرائدين (عرفة المتبولي، وعيسى منصور) إلى السيد وكيل وزارة الداخلية لشئون الأمن العام والشرطة، ورئيس مجلس التأديب الاستئنافي، يطلبان استئناف قرار مجلس التأديب الابتدائي الصادر في 24 من يناير سنة 1962 بعزل كل منهما من وظيفته مع حفظ حقه في المعاش أو المكافأة أو صندوق الادخار. فانعقد مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة بجلسة 14 من مارس سنة 1962 بديوان وزارة الداخلية برئاسة اللواء وكيل الوزارة لشئون الأمن والشرطة، وعضوية السيد المحامي العام، والمستشار المساعد المختص بمجلس الدولة لنظر الاستئناف المرفوع من كل من الرائدين المعزولين. وفي هذه الجلسة قام المجلس الاستئنافي بأخذ بصمات الرائد أحمد عرفه المتبولي بمعرفة الخبير (شفيق اسكندر) رئيس قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية بعد أن حلف اليمين القانونية أمام المجلس، وقرر المجلس الاستئنافي إرسال أوراق البصمات إلى مصلحة تحقيق الشخصية لإجراء المضاهاة بينهما، وبين البصمات الموجودة على المنشورات المضبوطة. فقدمت مصلحة تحقيق الشخصية تقريراً في 26 من مارس سنة 1962 انتهت فيه إلى ذات النتيجة التي أوردها خبيرها الأول (وديع بشارة يوسف) في 11 من يناير سنة 1962 المشار إليه في قرار مجلس التأديب الابتدائي.
وبجلسة 9 من مايو سنة 1962 أصدر مجلس التأديب الاستئنافي قراره وهو يقضي "بأن المجلس قرر حضورياً قبول الاستئنافين شكلاً، وفي الموضوع برفضهما، وبتأييد القرار المستأنف". وأقام قراره هذا في حق الرائد عرفة المتبولي على أن الثابت من تقريري مصلحة تحقيق الشخصية، وهي المصلحة ذات الاختصاص والقول الفصل في أمر مضاهاة البصمات، أن بصمات عديدة ببعض المنشورات المضبوطة هي لهذا المتهم دون سواه. واستطرد المجلس الاستئنافي يقول إنه لا يعول على الاعتراضات التي أثارها الدفاع بجلسة المرافعة الأخيرة، في هذا الخصوص لعدم جديتها، ولأن تقرير الخبير المعين من المجلس الاستئنافي (شفيق إسكندر) والمؤرخ 26 من مارس سنة 1962 قد أثبت في البند الأول منه (أنه توجد بصمات بالمنشورات تنطبق على بصمة أصابع السبابة اليسرى للرائد المتبولي، كما توجد بصمة أخرى، تنطبق على بصمة أصبع السبابة اليمنى لنفس المتهم. كما أثبت في البند الثاني من هذا التقرير أنه توجد خمس بصمات تنطبق جميعها على أصبع السبابة اليمنى للرائد المتبولي. وهذا كله بالإضافة إلى أن المجلس الاستئنافي يرى أن موضع بصمات المتهم على المنشورات المضبوطة بطرفيها الأيمن من الناحيتين العليا والسفلى، وبطرفها الأيسر من الناحية السفلى يدل دلالة واضحة على أن هذا المتهم (المتبولي) قد قام بدور إيجابي، وقت طباعة هذا المنشور على الآلة الكاتبة مما ينتفي معه القول بأن دوره كان سلبياً أو لغير ذلك من الاحتمالات التي أثارها الدفاع. ومن أجل ذلك يرى المجلس الاستئنافي أن القرار المستأنف في محله موضوعاً من ناحية ثبوت التهمة على المتهمين. كما أن العقوبة مناسبة لما بدر منهما من أثم يتنافى مع النظام العسكري الذي يدينان به، ويلتزمان بأحكامه. أما وقد خرجا خروجاً صارخاً على مقتضياته، فقد فقدا عنصر الصلاحية للبقاء في الخدمة مما يتعين معه تأييد القرار المستأنف موضوعاً.
وفي 7 من يوليو سنة 1962 طلب الطاعن (المتبولي) من لجنة المساعدة القضائية للمحكمة الإدارية العليا إعفاءه من رسوم هذا الطعن أمام هذه المحكمة في قرار مجلس التأديب الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة الصادر في 9 من مايو سنة 1962 فقررت اللجنة قبول طلبه بجلسة 21 من يوليو سنة 1962 وصدر له قرار الإعفاء رقم (350) لسنة 8 ق وأودع الأستاذ المحامي المنتدب سكرتارية هذه المحكمة في 30 من يوليو سنة 1962 تقريراً بالطعن رقم (1456) لسنة 8 ق ضد وزارة الداخلية وأقام طعنه هذا على أن قرار مجلس التأديب الاستئنافي الذي انتهى إلى تأييد القرار المستأنف بعزل الرائدين المتبولي وعيسى من الخدمة قد أخطأ في تطبيق القانون وتأويله للأسباب الآتية: (1) إن تقرير موظف مصلحة تحقيق الشخصية (وديع بشارة يوسف) وكيل قسم الخبراء الذي اعتمد عليه قرار مجلس التأديب الابتدائي وأيده المجلس الاستئنافي هو تقرير باطل قانوناً لأن هذا الموظف لم يحلف اليمين القانونية قبل مباشرته لمأموريته، ولا عند إسناد وظيفته إليه ولأن له مصلحة شخصية هي أن له شقيقاً من طائفة الضباط المرقيين من سلك الكونستبلات. وعلاوة على ذلك فإن تقرير الخبير (شفيق اسكندر) رئيس القسم المختص بمصلحة تحقيق الشخصية قد التزم طريقة زميله (بشارة) وحرص الرئيس على ألا يخالف الوكيل. (2) وكذلك فإن الخبيرين (بشارة ثم اسكندر) هما موظفان في وزارة الداخلية التي أقامت الدعوى ضد الطاعن (المتبولي) وزميله عيسى، وأنه لذلك يقوم بالخبيرين المذكورين المانع الذي نصت عليه الفقرة الرابعة من المادة (231) من قانون المرافعات (يجوز رد الخبير: إذا كان مستخدماً عند أحد الخصوم أو كان قد اعتاد مؤاكلة أحدهم أو مساكنته أو كان قد تلقى منه هدية قيمة). (3) يجادل هذا الوجه في صحة نسبة البصمات التي وجدت على المنشورات المضبوطة إلى الطاعن (عرفة المتبولي). (4) وحاصل هذا الوجه الرابع من تقرير طعن الرائد المتبولي يدور حول فحوى المنشورات المضبوطة فهي في نظر الرائد الطاعن لا تبرر إنزال عقوبة العزل من الوظيفة لأن حق التظلم يكفله القانون. والطائفة التي ينتمي إليها المتبولي وزميله عيسى كانت في حاجة إلى الشكوى من تصرفات وزارة الداخلية إلى السيد رئيس الدولة. وخلص تقرير هذا الطعن إلى طلب الحكم بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار الصادر من مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي، وبراءة الطاعن أحمد عرفة المتبولي من التهمة التي أسندتها إليه وزارة الداخلية، مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة المصروفات.
عن مدى قبول هذا الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا:
ومن حيث إن السيد اللواء مدير إدارة كاتم أسرار وزارة الداخلية بعث في 15 من أغسطس سنة 1962 إلى السيد رئيس هذه المحكمة العليا كتاباً جاء فيه: "أنه بالنسبة لتقرير الطعن رقم 14565) لسنة 8 ق عليا المقام من الرائد بالمعاش أحمد عرفة المتبولي - الطاعن الراهن - ضد وزارة الداخلية مطالباً بإلغاء قرار مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الاستئنافي الصادر في 9 من مايو سنة 1962 والقاضي بعزله وآخر من الخدمة مع حفظ حقهما في المعاش أو المكافأة نتشرف بإحاطة سيادتكم علماً بأن الطاعن (المتبولي) قد أقام في الوقت ذاته الدعوى رقم (1043) لسنة 16 ق عن نفس الموضوع أمام محكمة القضاء الإداري، وما زالت هذه الدعوى الأخيرة بالتحضير ولم يفصل فيها بعد، ومن ثم فما كان ينبغي لهذا الطاعن أن يطعن في نفس الموضوع أمام المحكمة الإدارية العليا قبل أن يصدر حكم بشأنه من محكمة القضاء الإداري، ولذا فإن هذا الطعن الراهن يصبح والحالة هذه غير مقبول شكلاً وقانوناً ويتحتم رفضه وتفضلوا بقبول.. توقيع.. وقد جاء في مذكرة هذا الطاعن (الرائد المتبولي) المقدمة لهيئة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا بجلسة 6 من إبريل سنة 1963 ما يفيد أنه أخذاً من جانبه بمبدأ الحيطة فقد أقام عن نفسه طعنين على القرار التأديبي الصادر بعزله من وظيفته. أحدهما - الدعوى رقم (1043) لسنة 16 ق أمام محكمة القضاء الإداري، والثاني وهو هذا الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، وقدم كلاً من الطعنين في الميعاد القانوني، فلا تثريب عليه إذن في إقامة هذا الطعن.
ومن حيث إن المادة (15) من القانون رقم (165) لسنة 1955 بشأن تنظيم مجلس الدولة كانت تجري بأن لرئيس هيئة مفوضي الدولة، من تلقاء نفسه أو بناء على طلب ذوي الشأن، إن رأى الرئيس المذكور وجهاً لذلك، أن يطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية وذلك في أحوال محددة. فكانت وظيفة هذه المحكمة العليا الفصل في الطعون على الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية. ثم أدخل القانون رقم (55) لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة تعديلاً على هذه المادة الخامسة عشرة فصارت تجري بما يأتي: (يجوز الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو المحاكم الإدارية أو المحاكم التأديبية وذلك في الأحوال الآتية..... ويكون لذوي الشأن ولرئيس هيئة مفوضي الدولة أن يطعن في تلك الأحكام خلال ستين يوماً من تاريخ صدور الحكم...). فمفاد نص المادة الخامسة عشرة قبل، وبعد تعديلها أن المشرع ناط بهذه المحكمة الإدارية العليا، في الأصل، مهمة التعقيب النهائي على الأحكام سواء الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو من المحاكم الإدارية أو من المحاكم التأديبية حتى تكون كلمتها هي القول الفصل في تأصيل أحكام القانون الإداري، وتنسيق مبادئه واستقرارها ومنع التناقض في الأحكام. فكان من أسباب وجود المحكمة الإدارية العليا أن تواجه مشكلة ضغط الكثيرة الهائلة من القضايا على محكمة القضاء الإداري مع مراعاة أن العدالة الإدارية لن تتحقق على خير وجه إلا إذا سارت على نمط يجمع بين التبسيط والسرعة في الإجراءات ولتأصيل أحكام القانون الإداري تأصيلاً يربط بين شتاتها ربطاً محكماً متكيفاً مع البيئة العربية خاصة وأن القانون الإداري يفترق عن القوانين الأخرى في أنه غير مقنن وأنه ما زال في مقتبل نشأته يكتنفه فراغ واسع من النصوص وفيه أوضاع حائرة تبحث لها عن سند تارة في مجال قانون المرافعات وأخرى في مجال قانون الإجراءات الجنائية في مادة التأديب مثلاً، وتارة أخرى في مجال تقنين آخر فما تزال طرق هذا القانون وعرة وعسيرة المسالك. ومن هنا صح القول بأن القضاء الإداري ليس مجرد قضاء تطبيقي وإنما هو في الأعم الأغلب قضاء تكويني إنشائي خلاق. ويبتدع الحلول المناسبة للروابط القانونية التي تنشأ بين جهات الإدارة في تيسيرها للمرافق العامة من جهة وبين الأفراد من جهة أخرى ويبتكر المخارج لما يعترض سبيله من مآزق أو مزالق تحقيقاً لمهمة المواءمة بين الصالح العام والمصلحة الخاصة.
لئن كانت مهمة هذه المحكمة العليا هي أصالة التعقيب النهائي على الأحكام فليس هنالك ما يمنع من أن يدخل في نطاق هذه المهمة استثناء التعقيب أيضاً على بعض القرارات الإدارية الصادرة من الهيئات التأديبية لحكمة قد تجد سندها في اختصار مراحل التأديب حرصاً من الشارع على حسن سير الجهاز الحكومي، كما قد تجد سندها القانوني في أن قرارات تلك الهيئات، وإن كانت في حقيقتها قرارات إدارية إلا أنها أشبه ما تكون في نظر هذه المحكمة العليا بالأحكام وإن كانت ليست بذلك طالما أن الموضوع الذي تفصل فيه ليس بمنازعة قضائية وإنما هو محاكمة مسلكية تأديبية. ومن ثم يسقط التحدي بالمقارنة بين القرارات التأديبية الصادرة من المحاكم التأديبية، وبين مثيلاتها الصادرة من المجالس التأديبية فما هذه وتلك إلا قرارات إدارية تحمل في طياتها جزاءات تأديبية في مآخذ مسلكية وإخلالاً بواجبات الوظيفة ومقتضياتها تنشئ في حق الموظف الصادرة في شأنه مركزاً قانونياً جديداً ما كان ينشأ لولا هذه القرارات. وليس بدعاً في التشريع أن يطعن رأساً في قرار إداري أمام المحكمة الإدارية العليا، فلهذا نظير في فرنسا حيث يجوز الطعن رأساً أمام مجلس الدولة الفرنسي بهيئة قضاء نقض في بعض القرارات الإدارية هناك. وفي الجمهورية العربية المتحدة على سبيل المثال، صدر القانون رقم (184) لسنة 1958 في شأن تنظيم الجامعات ونصت المادة (80) منه على أن تكون محاكمة أعضاء هيئة التدريس أمام مجلس تأديب يشكل على نحو معين. وجاء في الفقرة الأخيرة من هذه المادة (وتسري بالنسبة للمحاكمة أحكام القانون رقم (117) لسنة 1958 الخاص بتنظيم المحاكمات التأديبية. على أن تراعى بالنسبة للتحقيق والإحالة إلى مجلس التأديب أحكام المادة (76) من قانون تنظيم الجامعات). والفقرة الأخيرة من هذه المادة (76) تنص على أن (ويحيل مدير الجامعة العضو المحقق معه إلى مجلس التأديب إذا رأى محلاً لذلك.). ومفاد ذلك أن المشرع التزم في تنظيم التأديب بالنسبة إلى الموظفين سياسة اختصار مراحله وسرعة البت في أمره فقصر التأديب على محاكمة واحدة أمام هيئة تتوافر فيها الضمانات اللازمة على أن يتاح التعقيب على القرار التأديبي الصادر منها أمام هذه المحكمة الإدارية العليا، وذلك ما نصت عليه المادة (32) من القانون رقم (117) لسنة 1958 الذي أحال إليه قانون تنظيم الجامعات. والمادة (32) المذكورة تنص على أن أحكام المحاكم التأديبية نهائية. ولا يجوز الطعن فيها إلا أمام المحكمة الإدارية العليا. فإذا كان القانون رقم (234) لسنة 1955 الصادر في 27 من إبريل سنة 1955 بنظام هيئة البوليس قد خصص الفصل السادس منه للتأديب ونظم أحكامه في المواد من (64) إلى (85) وقضى بأن الطعن في القرار الصادر من مجلس التأديب الابتدائي يكون أمام المجلس التأديبي الاستئنافي وأن القرار الصادر من مجلس التأديب الأعلى يكون نهائياً. فلا تثريب على الطاعن بعد إذا أنشأ القانون رقم (165) لسنة 1955 الصادر في 23 من مارس سنة 1955 في شأن تنظيم مجلس الدولة، المحكمة الإدارية العليا، وناط بها ولاية التعقيب النهائي على أحكام القضاء الإداري والمحاكم الإدارية والتأديبية وما أجراه الشارع وقضاء هذه المحكمة الإدارية العليا مجراها من قرارات مجالس التأديب، فلا تثريب عليه إذا أقام هذا الطعن مباشرة أمام هذه المحكمة العليا في قرار مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة الابتدائي والاستئنافي الذي قضى بعزله من الخدمة.
والقرار التأديبي المطعون فيه صدر من تاريخ لاحق لتاريخ صدور القانون رقم (117) لسنة 1958 على ما سلف تفصيله. فيتعين رفض هذا الدفع.
عن موضوع هذا الطعن:
ومن حيث إن الطاعن (المتبولي) ينعى على تقرير السيد/ (وديع بشارة يوسف) وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية، بطلانه إذ لم يحلف هذا الوكيل اليمين القانونية قبل أن يباشر مأموريته أمام مجلس التأديب الابتدائي، ولا عند إسناد الوظيفة التي يشغلها إليه، وفوق ذلك فإن له مصلحة شخصية تتمثل في أن له شقيقاً من طائفة الضباط المرقين في سلك الكونستبلات. أما عن تقرير السيد (شفيق اسكندر) رئيس قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية، وهو التقرير المقدم إلى المجلس الاستئنافي بعد حلف اليمين القانونية أمام المجلس، فإن الطاعن ينعى عليه أيضاً مجاملة رئيس المصلحة لوكيلها وحرص الأول على التزام رأي الثاني.
ومن حيث إن الخبرة (Ľexpertise) هي طريق من طرق التحقيق، يتخذ في الدور الابتدائي كما يتخذ في الدور النهائي منه. وقد أجاز قانون الإجراءات الجنائية رقم (150) لسنة 1950 الاستعانة بأهل الخبرة في دور التحقيق الابتدائي فأجازه لرجال الضبط القضائي، وأعضاء النيابة وقضاة التحقيق. ولكنه سكت عن ذلك في دور المحاكمة. ومن المسلم أن للمحكمة أن تنتدب خبيراً أو أكثر للاستنارة برأيهم في المسائل الفنية التي تستدعي خبرة خاصة، وتنتدب المحكمة الخبير من تلقاء نفسها أو بناء على طلب الخصوم وأوجب هذا القانون أن يحلف الخبير اليمين قبل أداء مأموريته على أن يؤديها بالذمة. (المادة 86) من قانون الإجراءات الجنائية. ومن المسلم أيضاً أن الخبير يجب أن يحلف يميناً أمام المحكمة على أداء مأموريته بالذمة قبل أن يباشرها، إذا لم يكن سبق له حلف اليمين لتقريره أمام المحاكم وفقاً لأحكام المرسوم بقانون رقم (96) لسنة 1952 بتنظيم الخبرة أمام جهات القضاء. ويترتب على إغفال حلف اليمين بطلان الحكم الذي ينبني على تقرير الخبير الذي لم يؤدها لأنه يشترط لصحة الأخذ بالدليل أن يكون قد استحصل عليه وفقاً للإجراءات المقررة في القانون. وفي قانون المرافعات المدنية والتجارية نظم الفصل السادس منه أعمال الخبرة وأجازت المادة (225) للمحكمة عند الاقتضاء أن تحكم بندب خبير وقضت المادة (229) منه بأنه إذا كان الخبير غير مقيد اسمه في جدول الخبراء، وجب أن يحلف أمام القاضي يميناً بأن يؤدي عمله بالصدق والأمانة، وإلا كان العمل باطلاً، وبالرجوع إلى أوراق المحاكمة التأديبية لهذا الطاعن (الرائد عرفة المتبولي) يبين من استقراء محضر اجتماع المجلس في 7 يناير سنة 1962 أن السيد وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية (بشارة) قد حلف اليمين أمام مجلس التأديب في 10 من يناير سنة 1962 وقام المجلس بمناقشته كما أذن المجلس للمتهم (المتبولي) بمناقشة هذا الخبير - ص 15 من محضر تحقيق مجلس التأديب الابتدائي - وفضلاً عن ذلك فإن مجلس التأديب الاستئنافي قد رأى استدعاء السيد (شفيق اسكندر) - رئيس قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية وحلف اليمين على الوجه الآتي - والله العظيم أؤدي واجبي بالذمة والصدق - ص 7 من محضر تحقيق جلسة 14/ 3/ 1962 وكلف المجلس الاستئنافي هذا الخبير بأخذ بصمات الرائد أحمد عرفة المتبولي على ورقة منفصلة وقع عليها بالنظر السيد رئيس المجلس الاستئنافي. وقد تم ذلك بحضور محامي المتهم (المتبولي) وأثبت المجلس بمحضر المحاكمة أنه قرر انتداب السيد كبير الخبراء بمصلحة تحقيق الشخصية، وهو السيد (شفيق اسكندر) لإجراء عملية المضاهاة بين بصمة الرائد المتبولي وهي (البصمة المأخوذة أمام المجلس اليوم على ورقة منفصلة) وبين البصمة الموجودة على أصل المنشورات المضبوطة موضوع التهمة وقرر المجلس تأجيل جلسة المحاكمة حتى يرد تقرير مصلحة تحقيق الشخصية عن بصمات (المتبولي)، وتقرير مصلحة الطب الشرعي عن مضاهاة خطوط المتهم الثاني (عيسى منصور). فلا يستساغ بعد ذلك النعي بالبطلان على هذا الإجراء من إجراءات التحقيق أمام مجلس التأديب كما لا يقبل قول الطاعن بأن للخبير (بشارة) مصلحة تتعلق بأخيه، هذا قول لا دليل عليه، وإن صح هذا القول فإنه منبت المصلحة بإدانة الطاعن في الاتهام المنسوب إليه. ولا يقدح في تقرير رئيس قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية أنه جاء مطابقاً لما اتجه وانتهى إليه تقرير وكيل هذا القسم. وترتيباً على ذلك يكون الوجه الأول من أوجه الطعن غير قائم على سند من الواقع ولا من القانون متعيناً رفضه.
ومن حيث إن الطاعن ينعى على القرار التأديبي المطعون فيه أنه استند إلى تقريري الخبيرين (بشارة وشفيق) وفات مجلس التأديب أنهما موظفان في وزارة الداخلية التي أقامت عليه الدعوى التأديبية ووجهت الاتهام إليه. فخالفت بذلك الفقرة الرابعة من المادة (231) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، والتي تقرر جواز رد الخبير إذا كان مستخدماً عند أحد الخصوم. وهذا الوجه مردود بدوره لأنه لا يستقيم والفهم الصحيح لإجراءات المحاكمات التأديبية على النحو الذي أرسى قواعده القضاء الإداري، وضبطه قضاء هذه المحكمة العليا. ذلك أن القواعد المتعلقة بتأديب الموظفين سواء جاءت في قانون نظام موظفي الدولة رقم (210) لسنة 1951 ومن بعده القانون رقم (46) لسنة 1964 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة، أم في قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية رقم (117) لسنة 1958 أم في قانون هيئات البوليس رقم (234) لسنة 1955 لم تتضمن نصوصاً تنظم أعمال الخبرة لدى مجالس التأديب وكل ما توجبه هذه القواعد بصفة عامة هو أن يجري التحقيق الإداري أو التأديبي وتتم المحاكمة في حدود الأصول العامة للمحاكمات. والتماثل ظاهر بين المحاكمة الجنائية. والمحاكمة التأديبية، فكلها تطبق شريعة عقاب سواء في مجال الدولة بأكملها أم في مجال الوظيفة العامة وحدها. ولا جدال في أن لهيئات التأديب الاستعانة بآراء الخبراء وأن انتدابهم أمامها لمهمة خاصة يعتبر إجراء من إجراءات التحقيق. وليس في القواعد التي تنظم تأديب الموظفين أو محاكمتهم ما يمنع من الاستعانة برأي جهة فنية متخصصة في الكشف عن الحقيقة والوصول إلى الصواب. سواء أكانت تلك الجهة تتبع من ناحية التنظيم الإداري الوزارة التي أحالت الموظف إلى المحاكمة التأديبية أم لا تتبعها، وليس في تلك القواعد ما يرتب جزاء البطلان على شيء من ذلك. ولا يمكن الاستناد إلى قواعد المرافعات المدنية والتجارية في كل ما لم يرد بشأنه نص في مجال التأديب. ذلك أن الإجراءات المدنية وضعت لصالح خاص أما إجراءات المحاكمة التأديبية وهي أقرب إلى المحاكمة الجنائية، فقد نظمت لصالح عام وروعي فيها سير المرفق العام. وترتيباً على ذلك لا يقبل من الطاعن أن الخبيرين اللذين ندبهما مجلس التأديب (بشارة، وشفيق) هما موظفان تابعان لوزارة الداخلية، فما كان يجوز الاعتداد بما جاء في تقريرهما. فكل من الخبيرين قدم تقريره ووضح فيه أعماله والنتيجة التي انتهى إليها. وقد ضم هذان التقريران إلى أوراق المحاكمة وعرضا للمناقشة أمام المجلس وتمكن الطاعن من الرد على ما جاء بهما - ص 15 من محضر جلسة المجلس الاستئنافي بتاريخ 25/ 4/ 1962 - وقدر مجلس التأديب ما جاء بالتقريرين من حيث الوقائع الثابتة فيهما ومن حيث الرأي والنتيجة واطمأن المجلس إلى ما توافق عليه الخبيران ورأى أن الدفوع التي وجهت إليهما غير جدية وهي من قبيل مقتضيات الدفاع - فهذا الوجه من الطعن لا أساس له من القانون متعيناً رفضه.
ومن حيث إنه عن الوجه الثالث لهذا الطعن فإنه يقوم على المجادلة في نسبة البصمات التي وجدت على المنشورات المضبوطة إلى الطاعن (المتبولي) وقد تبين لهذه المحكمة من الاطلاع على أوراق الطعن الراهن، أن منشورات مطبوعة على الآلة الكاتبة باللغة العربية كانت قد أرسلت بطريق البريد داخل مظاريف باسم السيد رئيس الجمهورية، والسادة نواب الرئيس، وبعض السادة الوزراء وكبار ضباط الشرطة ورؤساء تحرير الصحف. وفي آخر كل منشور عبارة (ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستابلات) فقط وبدون توقيع. واشتملت هذه المنشورات على عبارات عدتها وزارة الداخلية ماسة، وبها ألفاظ غير لائقة، وآراء تدعو إلى التشيع والتفرقة بين أفراد جهاز الشرطة، وأسندت إلى المسئولين في وزارة الداخلية مجافاة العمل بالمبادئ الاشتراكية والتعاونية. وفي 27 من نوفمبر سنة 1961 ورد لمصلحة التفتيش العام بوزارة الداخلية الكتاب رقم (1229) سري من السيد وكيل الوزارة لشئون الأمن العام والشرطة يتضمن أن السيد نائب الرئيس ووزير الداخلية أمر بأن تقوم مصلحة التفتيش العام بإجراء تحقيق في موضوع هذه المنشورات التي أرسلت داخل مظاريف مغلقة باسم السيد الرئيس ورجال الدولة والصحافة، وهي صادرة من بعض خريجي ضباط الشرطة قسم الكونستابلات. وثابت من أوراق الطعن أن الفنيين بمصلحة تحقيق الشخصية تولوا فتح هذه المظاريف. فتبين لهم أن خمسة من المنشورات التي بداخلها تحمل بعض بصمات تحفظوا عليها ثم رفعوها وأجروا مضاهاتها فظهر أنها تطابق بصمة رائد اسمه (أحمد عرفة المتبولي) الضابط بمصلحة السجون, وهو من الضباط الكونستابلات الأصل. قامت المباحث العامة فوراً بتحرياتها وإجراءاتها لمعرفة من أرسل أو اشترك في إرسال هذه المنشورات. فندبت خبيراً من قسم الخبراء بمصلحة تحقيق الشخصية لإجراء مضاهاة بصمات بعض الضباط من خريجي قسم الكونستابلات ممن اشتبه في إرسالهم لها على ما ظهر من بصمات على المنشورات. وعرضت نماذج من خطوط الضباط المشتبه في إرسالهم للمنشورات والخطوط التي وجدت على بعض المظاريف التي أرسلت بداخلها تلك المنشورات على خبير لدى المحاكم لإجراء الأبحاث والمضاهاة بين هذه الخطوط. فجاء بالتقرير الذي أعده الخبير (وديع بشارة يوسف) وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية والمؤرخ 22/ 11/ 1961 ما يأتي: (في 16/ 11/ 1961 حضر للمصلحة الرائد طاهر شكري بإدارة المباحث العامة وقدم عدد (23) مظروفاً مغلقاً لفضها بمعرفة مصلحة تحقيق الشخصية ورفع ما قد يوجد بداخلها من أوراق لآثار بصمات. وقد قمت بنفسي بفض هذه المظاريف ووجدت بداخل كل منها منشوراً عبارة عن ورقتين في حجم الفولسكاب مطبوع على الجستتنر معنون (السيد المحترم) وينتهي بعبارة (ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستبلات) وبفحص هذه المنشورات بالمعمل الكيماوي بالقسم تبين وجود آثار لبصمات لأجزاء من أصابع بعضها صالح للمضاهاة والآخر غير صالح. فأجريت تصوير آثار البصمات الصالحة للمضاهاة بالمصلحة، وبيانها كالآتي: أولاً: الأثر المرموز لصورته الفوتوغرافية بالرقم (1) وهو عبارة عن بصمة أصبع وجد بنهاية الصفحة الأولى من المنشور الذي كان موجوداً بداخل المظروف المعنون (السيد أنور السادات رئيس مجلس الأمة). ثانياً: الأثر المرموز لصورته الفوتوغرافية بالرقم (2) عبارة عن جزء من بصمة أصبع وجد بنهاية الصفحة الأولى على يمين القارئ من المنشور الذي كان موجوداً بداخل المظروف المعنون (السيد فتحي الشرقاوي وزير العدل). ثالثاً: الأثر المرموز لصورته الفوتوغرافية بالرقم (3) وهو عبارة عن جزء من بصمة أصبع وجدت بنهاية الصفحة الأولى من المنشور الذي كان موجوداً بالمظروف المعنون السيد نائب رئيس الجمهورية، ووزير الداخلية زكريا محيي الدين) وقد أحيطت هذه الآثار بدائرة أجريتها بالمداد الأحمر ووقعت عليها بالنظر، ثم قمت بإخطار المباحث العامة فرع القاهرة بنتيجة الفحص فأرسلت ضابطاً بإدارة المباحث ليصحبني إلى إدارة كاتم أسرار وزارة الداخلية أيام السبت والاثنين والثلاثاء 18، 20، 21 من نوفمبر سنة 1961 حيث عرضت على شهادات تحقيق شخصية (وأرنيك 56) خاصة بالآتي أسماؤهم: (أسماء ثلاثين ضابطاً) فتبين من فحص هذه الشهادات: ( أ ) الأثر المرموز لصورته بالرقم (1) والمنوه عنه بالبند أولاً من هذا التقرير ينطبق تماماً على بصمة السبابة من اليد اليسرى للسيد/ (أحمد عرفة المتبولي) صاحب شهادة تحقيق الشخصية رقم (30672/ 1935) والمحررة بالمصلحة في 14/ 9/ 1935، (ب) الأثر المرموز لصورته بالرقم (2) والمنوه عنه بالبند ثالثاً من هذا التقرير ينطبق كذلك على بصمة السبابة من اليد اليسرى للسيد أحمد عرفه المتبولي وأنه. (ج) الأثر المرموز لصورته بالرقم (3) المنوه عنه بالبند ثالثاً من هذا التقرير ينطبق على بصمة السبابة من اليد اليمنى للسيد/ أحمد عرفة المتبولي ذاته. ونتيجة التقرير هي: أنني أقرر بصفة قاطعة أن الآثار المرموز لصورها الفوتوغرافية بالأرقام (1، 2، 3) والمرفوعة من على المنشورات الثلاث المشار إليها سابقاً بهذا التقرير هي للسيد/ أحمد عرفة المتبولي (الطاعن الراهن) صاحب شهادة تحقيق الشخصية رقم (30673/ 1935) والمستخرجة من هذه المصلحة بتاريخ 14/ 9/ 1935 لأجل طالب كونستابل. ومرفق من هذا المنشورات المرفوع من عليها الآثار المذكورة وكذلك الصور الفوتوغرافية لتلك الآثار وشهادة تحقيق الشخصية الخاصة بالسيد المذكور، وموقع على كل ذلك مني بالنظر.). وفي ملف الطعن تقرير ثان من مصلحة تحقيق الشخصية مؤرخ في 11 من يناير سنة 1962 وموقع عليه أيضاً من السيد وكيل قسم الخبراء والمفتشين (وديع بشارة يوسف) جاء فيه: (بتاريخ 7، 9 من ديسمبر سنة 1961 حضر إلى المصلحة رائد بإدارة المباحث العامة وقدم عدد (57) مظروفاً مغلقاً لفضها بمعرفة هذه المصلحة، ولرفع ما قد يوجد على ما بداخلها من آثار لبصمات على أوراقها. فقمت بفحص هذه المظاريف، ووجدت بداخل كل منها منشوراً عبارة عن ورقتين في حجم الفولسكاب مكتوب على الآلة الكاتبة ومطبوع بالجستتنر ومعنون باسم (السيد) وينتهي بعبارة (ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستبلات) وبفحص هذه المنشورات بالمعمل الكيماوي بعد معالجتها بالمواد الكيمائية بالقسم تبين وجود أثر لبصمات أصابع، وأجزاء من أصابع أجريت تصويرها بالمصلحة وبيانها كالآتي: أولاً: الآثار المرموز لصورها بالأرقام (1، 3، 9، 10، 11، 12، 13 ب) عبارة عن بصمات أصابع وجدت على سبعة من هذه المنشورات. ثانياً: الآثار المرموز لصورها بالأرقام (2، 4، 5، 6، 7، 8، 13، 14) عبارة عن أجزاء لبصمات أصابع وجدت على خمسة من هذه المنشورات. وبفحص الصور الفوتوغرافية لهذه الآثار تبين أنها جميعاً غير واضحة، ولا تصلح للمضاهاة لذلك فقد استبعدناها. وقد أحيطت هذه الآثار جميعها بدائرة بالمداد الأحمر موقع عليها مني بالنظر... وفي 11 من ديسمبر سنة 1961 حضر للمصلحة ضابط بإدارة المباحث العامة، وسلمنا ثلاث شهادات تحقيق شخصية (أورنيك رقم 56) أرقامها 28435/ 1935 باسم شفيق شنودة فام، ورقم (3899/ 1941) باسم أنيس نجيب ورقم 30672/ 1935) باسم أحمد عرفة المتبولي، والمسحوبة من ملفات الخدمة الخاصة بالسادة المذكورين، وذلك لمضاهاة الآثار المرفوعة من على المنشورات السالفة الذكر على البصمات المأخوذة على شهادات تحقيق الشخصية الخاصة بالمذكورين: المضاهاة: وبإجراء المضاهاة الفنية تبين الآتي: أولاً: الأثر المرموز لصورته بالرقم (9) والذي وجد بأعلى الصفحة الأولى من الجهة اليمنى للمنشور المرسل داخل مظروف معنون باسم السيد الرئيس جمال عبد الناصر، ينطبق تماماً على بصمة السبابة اليمنى للسيد أحمد عرفه المتبولي - الطاعن - المأخوذة له على شهادة تحقيق الشخصية رقم (30672/ 935) ثانياً: الأثر المرموز لصورته بالرقم (10) والذي وجد بأعلى الصفحة الأولى من الجهة اليمنى للمنشور المرسل داخل مظروف معنون باسم السيد/ المشير عبد الحكيم عامر، تنطبق تماماً على بصمة السبابة اليمنى لأحمد عرفة المتبولي. ثالثاً الأثر المرموز لصورته بالرقم (11) والذي وجد بأعلى الصفحة الأولى من الجهة اليمنى للمنشور المرسل داخل مظروف معنون باسم السيد/ زكريا محيي الدين تنطبق تماماً على بصمة السبابة اليمنى للسيد أحمد عرفة المتبولي... رابعاً: الأثر المرموز لصورته بالرقم (12) للمنشور المرسل باسم السيد/ كمال الدين حسين ينطبق تماماً على بصمة السبابة اليمنى للسيد المتبولي. خامساً: الأثر المرموز لصورته بالرقم (13 ب) والمعنون باسم السيد/ عبد اللطيف البغدادي ينطبق تماماً على بصمة السبابة اليمنى للسيد المتبولي. سادساً: الأثر المرموز بالرقم (11) والمعنون باسم السيد/ أنور السادات ينطبق تماماً على بصمة السبابة اليمنى للسيد المتبولي. سابعاً: الأثر المرموز لصورته بالرقم (2) والذي وجد بظهر الصفحة الثانية من المنشور المعنون باسم السيد/ كمال الدين حسين يختلف اختلافاً كلياً عن البصمات المأخوذة على شهادات تحقيق الشخصية الخاصة بكل من السادة: شفيق شنودة فام، وأنيس نجيب، وأحمد عرفه المتبولي. والنتيجة: أقرر بصفة قاطعة أن الآثار المرموز لصورها الفوتوغرافية بالأرقام (1، 9، 10، 11، 12، 13 ب) والمرفوعة من على المنشورات - السابق ذكرها - هي للسيد/ (أحمد عرفة المتبولي) وذلك لتوافر العلامات الفنية المميزة اللازمة لتقرير التطابق. وذلك مع الإحاطة بأن الأثر المرموز لصورته الفوتوغرافية بالرقم (3) ما زال لمجهول. كما وأن الآثار المرموز لصورها الفوتوغرافية بالأرقام (2، 4، 5، 6، 7، 13 أ، 14) قد استبعدت لعدم وضوحها. ومرفق مع هذا صور فوتوغرافية للآثار التي وجدت على المنشورات، وصورة فوتوغرافية مكبرة للأثر المرموز له بالرقم (12)، وأخرى للسبابة اليمنى للسيد (المتبولي) موضحاً بكل منها العلامات الفنية المميزة المماثلة، وذلك على سبيل المثال. ومرفق مع هذا أيضاً المنشورات التي رفع من عليها الآثار المشار إليها، وعددها (11) منشوراً وشهادات تحقيق الشخصية الخاصة بكل من السادة أحمد عرفة المتبولي، وشفيق شنودة فام، وأنيس نجيب، موقع على الجميع مني بالنظر.). وقد أمر السيد نائب رئيس الجمهورية ووزير الداخلية بأن تقوم مصلحة التفتيش العام بالداخلية بإجراء تحقيق مع هذين الرائدين (المتبولي وعيسى) وقد تطلبت إجراءات التحقيق تفتيش مسكن كل منهما بعد أن أذنت النيابة العامة بذلك، كما جرى تفتيش مكتب كل منهما. وقد أسفر تفتيش مسكن هذا الطاعن (المتبولي) عن وجود الأوراق الآتية: (1) صورة من تقرير بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة لمحكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم (284) لسنة 14 قضائية المرفوعة من المقدم السابق عبد الفتاح عبد العزيز غنيم، وهي قضية يحنو عليها ضباط خريجي قسم الكونستبلات، ضد وزارة الداخلية (2) كذلك أسفر التفتيش عن وجود مذكرة مطبوعة تتناول قضية الضباط من خريجي قسم الكونستبلات وتنطوي هذه المذكرة على تظلم من أحكام القانون رقم (140) لسنة 1944 - الخاص بنظام هيئة البوليس مما يقطع بأنها كانت قد أعدت قبل صدور القانون رقم (234) - لسنة 1955 بشأن نظام هيئة الشرطة. وفي التحقيق الذي أجرته وزارة الداخلية مع هذين الرائدين أنكر كل منهما علمه بهذه المنشورات الموزعة والمضبوطة كما أنكرا مجرد الاشتراك في الإعداد والإرسال. ورد الرائد عرفة المتبولي - الطاعن - على ما قام ضده من دليل البصمات التي وجدت على المنشورات المضبوطة، بقوله إن بصماته بتذكرة تحقيق الشخصية الموجودة بملف خدمته قديمة جداً وترجع إلى عام تخرجه من كلية البوليس قسم الكونستبلات سنة 1935 ومن ثم فإنها لا تصلح أبداً للمضاهاة. ولكن خبير تحقيق الشخصية عقب على دفاعه هذا بأن من الأصول المقررة علمياً ودولياً في أبحاث البصمات finger prints)) أن بصمات الإنسان تبقى ثابتة مدى حياته منذ مولده إلى ما بعد وفاته وإلى أن يتحلل جسده.
(eneradicable and show no change from childhood to extreme old age).
ومن حيث إن السيد وكيل الداخلية أصدر في 9 من ديسمبر سنة 1961 القرار رقم (1) بإحالة كل من الرائدين (المتبولي، وعيسى إلى مجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة عملاً بأحكام القانون رقم (234) لسنة 1955 بشأن موظفي هيئة الشرطة وبعد الاطلاع على التحقيقات التي أجرتها مصلحة التفتيش العام وتقريرها المؤرخ 6/ 12/ 1961 بنتيجة هذه التحقيقات وذلك لإخلالهما إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفتهما ومقتضياتها على وجه يخالف القانون والنظام. بأن قاما بإرسال منشورات باسم ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستبلات دون توقيع عليها، وباسم السيد رئيس الجمهورية والسادة نواب الرئيس وبعض الوزراء وكبار ضباط الشرطة، واشتملت على عبارات ماسة وأراء تدعو إلى التشيع والفرقة بين أفراد جهاز الشرطة، وأسندت إلى المسئولين في وزارة الداخلية مجافاة العمل بالمبادئ الاشتراكية والتعاونية وقد أرسلا هذه المنشورات بوسائل خفية، وهما اللذان تقتضيهما طبيعة أعمالها محاربة هذه الوسائل والكشف عنها، وذلك كله على النحو الموضح تفصيلاً في التحقيقات والمذكرات والمحاضر والتقارير الفنية المرافقة. وعلى رئيس مجلس تأديب هيئة الشرطة تنفيذ هذا القرار. ونظر مجلس التأديب الابتدائي الدعوى التأديبية بجلستي 7، 10 من يناير سنة 1962 وقد حضر الرائدان المتهمان وأنكرا ما نسب إليهما، ولم يعترفا بالنتائج التي أوردتها تقارير الخبراء، وأثار الدفاع عنهما عدة دفوع حققها مجلس التأديب ورد على كل منها في أسباب قراره. وقد ردد الرائد المتبولي (الطاعن في هذا الطعن) ما دفع به زميله (عيسى) من دفوع شكلية رد عليها المجلس بأن الخبير بشارة وكيل قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية، وهي وظيفة رئاسية لا يشغلها إلا من تحققت له الكفاية الفنية وتوافرت فيه الثقة التامة. ومع ذلك فقد وجه إليه مجلس التأديب الابتدائي اليمين فحلفها أمام المجلس وأكد أن البصمات التي وجدت على المنشورات المضبوطة هي بصمات الرائد المتبولي - وعندما ووجه الرائد المتبولي في جلسة مجلس التأديب بالقاعدة العلمية العالمية في مادة البصمات قدم إلى مجلس التأديب مذكرة بخط يده جاء فيها: "أرجو أن يثبت في التحقيق أني كثيراً ما اشتريت ظروفاً من ميدان العتبة وكنت أفحص أوراق الأظرف قبل شرائها فربما فحصت بعض الأظرف قبل شرائها ولم اشتريها لعدم الاتفاق مع البائع على الثمن، وتركت بصماتي عليها عفواً فاشتراها غيري، واستعملها وكثيراً ما اشتريت أوراقاً من مكاتب شارع محمد علي لاستعمالها في عملي حيث كنت استعمل أوراقاً كثيرة في التحقيقات بالأقسام لقلة الأوراق التي تصرف من المخازن، وربما فحصت هذه الأوراق قبل شرائها وتركتها لعدم الاتفاق عليها، فانطبعت بصماتي على بعض منها واشتراها من بعدي غيري واستعملها في هذه المنشورات". وطلب الطاعن (المتبولي) إعادة عمل المقارنة والمضاهات للبصمات بمعرفة خبير آخر. ولكن المجلس الابتدائي أعرض عن هذا الدفاع الجديد وقدر أنه من السذاجة بحيث لا يستأهل الرد عليه.
ومن حيث إن مجلس التأديب الاستئنافي قد استجاب إلى مطلب الرائد المتبولي (الطاعن) وسأله عما إذا كان قد قدم تقريره الاستشاري في دليل البصمات المنسوبة إليه. فأجاب المحامي عنه أنه بحث عن المختصين في فن البصمات فوجد اثنين: أحدهما كان موظفاً بوزارة الداخلية واستقال لخلافات بينه وبين رؤسائه، والثاني كان مفتشاً بتحقيق الشخصية ببور سعيد (طعيمه) الذي قدم للرائد المتبولي تقريراً غير قاطع ولذلك فإنه لن يقدم لمجلس التأديب الاستئنافي تقريراً في ذلك الشأن - محضر جلسة المجلس الاستئنافي صفحة 15 - فقرر المجلس الاستئنافي ندب خبير جديد آخر غير (بشارة) واستدعى السيد (شفيق اسكندر) رئيس قسم الخبراء والمفتشين بمصلحة تحقيق الشخصية بالقاهرة ووجه إليه المجلس الاستئنافي اليمين فحلفها أمام المجلس، وأخذ في الجلسة بصمات جديدة للرائد (المتبولي) على ورقة مستقلة مؤشر عليها من السيد اللواء رئيس المجلس في 14/ 3/ 1962 وعليها (26) بصمة لأصابع الرائد المتبولي لإجراء المضاهاة الفنية بينها وبين بصمات المنشورات الموزعة والمضبوطة. وفي 26 من مارس سنة 1962 قدم رئيس قسم الخبراء والمفتشين بالمصلحة تقريره موقعاً عليه منه ومن السيد اللواء مدير عام مصلحة تحقيق الشخصية بالجمهورية. وجاء في هذا التقرير الجديد الأخير ما يأتي:
(كلفني رئيس المجلس التأديبي الاستئنافي لموظفي هيئة الشرطة بإعادة فحص آثار البصمات التي وجدت على المنشورات ومضاهاتها على بصمات الرائد عرفة المتبولي، الماثل أمام هيئة المجلس. وقد قمت بأخذ بصمات سيادته على ورق أبيض من ثلاث نسخ أمام هيئة المجلس وأشر عليها السيد رئيس المجلس الاستئنافي. وفي 20 من مارس سنة 1962 تسلمت أصول المنشورات الثلاث المشار إليها بتقرير المصلحة المؤرخ 22/ 11/ 1961 من قلم المحاكمات التأديبية بمصلحة التفتيش العام كما تسلمت أصول المنشورات الإحدى عشر المشار إليها بتقرير المصلحة المؤرخ 11/ 1/ 1962 من إدارة المباحث العامة، وذلك لإجراء الفحص والمضاهاة المطلوبة. ثم استطرد التقرير يقول: عن الفحص والمضاهاة: بفحص البصمات التي وجدت على جميع المنشورات السالفة الذكر ومضاهاتها ببصمات الرائد (أحمد عرفة المتبولي) المأخوذة لسيادته بمعرفتي أمام هيئة المجلس بالجلسة المنعقدة في 14/ 3/ 1962 تبين الآتي: أولاً: البصمات التي وجدت على الثلاث منشورات المرافقة لتقرير المصلحة المؤرخ 22/ 11/ 1961 وهي ثلاث بصمات لأصابع منفردة المشار لصورها بأرقام (1، 2، 3) تنطبق البصمتان رقمي (1، 2) منها على بصمة أصابع السبابة اليسرى. كما تنطبق البصمة رقم (3) على بصمة أصبع السبابة اليمنى للسيد الرائد المتبولي المأخوذة لسيادته بمعرفتي أمام هيئة المجلس بجلسة 14/ 3/ 1962 وذلك لتوافر النقط المميزة بالبصمات الثلاث التي وجدت على المنشورات المشار إليها، والمطابقة لنظائرها ببصمتي أصبعي السبابة اليسرى، والسبابة اليمنى للسيد الرائد (المتبولي) وأقرر بصفة قاطعة أن هذه البصمات الثلاث التي وجدت على المنشورات هي لسيادته. ثانياً: البصمات التي وجدت على المنشورات المشار إليها بتقرير المصلحة المؤرخ 11/ 1/ 1962 والمرقومة صورها بأرقام (1، 9، 10، 12، 13 ب) تنطبق جميعها على بصمة أصبع السبابة اليمنى للرائد (عرفة المتبولي) المأخوذة لسيادته بمعرفتي أمام هيئة المجلس الاستئنافي بجلسة 14/ 3/ 1962 وذلك لتوافر النقط المميزة بالبصمات المذكورة التي وجدت على المنشورات والمطابقة لنظائرها ببصمات السبابة اليمنى للسيد الرائد المتبولي, وأقرر بصفة قاطعة أن هذه البصمات التي وجدت على المنشورات هي لسيادته. ثالثاً: قد أعدت تصوير البصمات المرقومة صورها بأرقام (4، 5، 7، 14) التي وجدت على المنشورات المشار إليها في تقرير المصلحة المؤرخ 11/ 1/ 1962 من واقع أصول هذه المنشورات، وبمضاهاتها على بصمات الرائد (المتبولي) تبين أن الأثر المشار لصورته بالرقم (14) ينطبق على بصمة السبابة اليمنى للرائد (عرفة المتبولي) وذلك لتوافر النقط المميزة بهذه البصمة والمطابقة لنظائرها ببصمة أصبعه السبابة اليمنى وأقرر بصفة قاطعة أن ذلك الأثر هو لسيادته. فأما عن الآثار المرقومة صورها (4، 5، 7) فإنها تختلف عن بصمات أصابع السيد عرفه المتبولي، وكذلك الأثر رقم (3) المشار بتقرير المصلحة المؤرخ 11/ 1/ 1962. رابعاً: الأثر المشار لصورته بالرقم (11) الذي وجد على إحدى المنشورات المشار إليها بتقرير المصلحة المؤرخ 11/ 1/ 1962 وجد به ست نقط مميزة مطابقة لنظائرها ببصمة السبابة اليمنى للرائد (المتبولي) ولا تتوافر بذلك الأثر النقط المميزة اللازمة لتقرير التطابق بصفة قاطعة أما باقي الآثار التي وجدت على المنشورات المشار إليها بتقرير المصلحة المؤرخ 11/ 2/ 1962 فإنها غير واضحة، ولا تصلح للمضاهاة. ومرفق بهذا التقرير بصمات أصابع الرائد (عرفة المتبولي) المأخوذة أمام المجلس بجلسة 14/ 3/ 1962 والصور الفوتوغرافية للآثار المشار إليها بأرقام (4، 5، 7، 14) التي أعدت تصويرها، والمنشورات الأربعة المشار إليها كلها داخل حرز مختوم بالجمع الأحمر، وقد توقع مني بالنظر عليها في تاريخه. وتفضلوا.)... وقد عرض السيد رئيس مجلس التأديب الاستئنافي على المتهم الرائد (عرفة المتبولي) بحضور محاميه في جلسة المحاكمة، تقرير رئيس قسم الخبراء والمفتش (شفيق اسكندر) لمناقشته فيه فقال الدفاع عن هذا المتهم أن السيد شفيق اسكندر، وهو رئيس الخبير السابق (وديع بشارة) قد اطلع بحكم العمل على تقرير وكيله ولا شك أنه تأثر به وقانون المرافعات يجيز رد الخبير. وكان من الطبيعي والحالة هذه أن لا يعول المجلس الاستئنافي على مثل هذا الدفاع وقرر رفضه. وكون المجلس الاستئنافي عقيدته التي استخلصها استخلاصاً سائغاً معقولاً مما هو ثابت بالأوراق، وقد توافقت التقارير الفنية على أن البصمات التي ظهرت على صفحات العديد من المنشورات إنما هي للرائد المتبولي دون سواه.
المسلم به علمياً أن البصمات تولد مع الإنسان وتظل على شكلها بدون تغيير حتى مماته. والبصمة عبارة عن تلك الخطوط البارزة (Ridges) التي تحاذيها خطوط أخرى منخفضة (furraws) التي تتخذ أشكالاً مختلفة على جلد أصابع اليدين والكفين من الداخل، وهذه الخطوط تترك طابعها على كل جسم تلمسه وتعتبر بصمات أصابع وراحة اليدين من أهم وسائل تحقيق شخصية الإنسان ويرجع ذلك إلى ما ثبت علمياً وعالمياً من عدم وجود شخصين لهما بصمتان متماثلتان في الخطوط والمميزات حتى ولو كانا توأمين من بويضة واحدة. وقد أخذت مصر بنظام البصمات كطريقة لتحقيق شخصية الفرد منذ عام (1896) إلى جانب طرق المقاسات البدنية التي ابتكرها (برتليون) ثم اعتمدت عليه اعتماداً رسمياً كلياً لتحقيق الشخصية من عام 1901.
ولقد انتهى مجلس التأديب الاستئنافي، وبحق، إلى الإعراض عما ساقه الطاعن من جدل حول نسبة البصمات إليه وثبوتها في حقه، جدل لا يستسيغه عقل، ولا يستقيم عليه دفاع. ويتعين رفض هذا الوجه الثالث من تقرير الطعن.
ومن حيث إنه عن الوجه الرابع لهذا الطعن، فإنه يدور حول فحوى المنشورات الموزعة والمضبوطة، وهي سبب القرار التأديبي المطعون فيه. فالطاعن (المتبولي) يذهب إلى أن ما انطوت عليه تلك المنشورات، على الرغم من إنكاره صلته بها، لا يستحق تلك الضجة التي أقامت وزارة الداخلية وأقعدتها ثم استتبعت إنزال أشد الجزاء الإداري على الطاعن وعلى زميل له. فالطاعن يرى أن حق التظلم مكفول وأن طائفة الضباط الكونستبلات في حاجة إلى الشكوى من تصرفات وزارة الداخلية إلى السيد الرئيس ونوابه باعتبارهم ملاذ الشاكين. وقد كانت تصرفات الوزارة سبباً أدى بالكثيرين من الضباط الكونستبلات إلى مقاضاة الحكومة أمام مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري. وتذهب وزارة الداخلية في ردها على هذا الوجه إلى أن ما ثبت في حق الطاعن عن طريق تعدد بصمات كلتا يديه على المنشورات مما يدل على أنه قام بدور إيجابي وقت طباعتها على الآلة الكاتبة، ثم قام بإرسالها بطرق خفية أقلقت بال رجال الأمن واستغرقت كل اهتمامهم ونشاطهم لفترة من الزمن، هذا الذي ثبت في حقه يعتبر إخلالاً خطيراً بواجبات وظيفته ومقتضياتها فقد سلك هذا الرائد مسلك الخارجين على القانون الذين يروجون لأفكارهم بمثل هذه الطرق الملتوية. ولو كان هو وزميله - الرائد عيسى منصور عيسى الطاعن في الطعن رقم (1351) لسنة 8 قضائية عليا - ينشدان حقاً إنصافاً أو رفع ظلم وقع عليهما، لتقدما صراحة بتظلم أو شكوى قانونية إلى الجهات المسئولة أمام الإدارة أو أمام القضاء. وتضيف وزارة الداخلية أن المسئولين فيها يضعون نصب أعينهم إنصاف كل ذي حق ورفع الظلم عنه دون أي تفرقة، فمن التجني عليها القول والتشهير بأنها تعامل ضباط خريجي قسم الكونستبلات وكأنهم زنوج جنوب أفريقيا أو المنبوذين في الهند أو أنها تعاملهم معاملة الكناسين إلى غير ذلك من العبارات المسجلة بالمنشورات التي تؤدي في جملتها إلى إثارة فتنة طائفية في المرفق الواحد لجهاز الشرطة المسئول عن الأمن في البلاد، وتبث في نفوس الضباط من خريجي قسم الكونستبلات روح الحقد والمقت والكراهية بين الضابط الكونستابل الأصل، والضابط الشرطي الأصل، وكل منهما زميل لأخيه، وكل منهما ينتمي إلى طائفة تعتز بها وزارة الداخلية، وكل منهما مؤتمن على سلاح لصيانة الأمن في حدود القانون.
ومن حيث إنه لا مراء في أن حق الشكوى والتظلم كحق التقاضي يكفله القانون للكافة ويحميه الدستور على أنه من الحريات المتصلة بمصالح الأفراد. فالمادتين (63، 62) من الدستور الجمهوري تنصان على أن: "للمصريين حق تقديم شكاوى إلى جميع هيئات الدولة، عن مخالفة الموظفين العموميين للقانون أو إهمالهم واجبات وظائفهم. كما أن للمصريين مخاطبة السلطات العامة كتابة، وبتوقيعهم ولا تكون مخاطبة السلطات باسم الجماعات إلا للهيئات النظامية، والأشخاص الاعتبارية" ونصت المادة (22) من دستور سنة 1923 الملغي، على أن "لأفراد المصريين أن يخاطبوا السلطات العامة فيما يعرض لهم من الشئون وذلك بكتابات موقع عليها بإمضائهم أما مخاطبة السلطات باسم المجاميع، فلا تكون إلا للهيئات النظامية والأشخاص المعنوية" ومرد هذا الأصل إلى حق تقديم العرائض (droit de setition) في مختلف الدساتير التي نادت بحقوق الإنسان. فلكل فرد أن يتقدم إلى السلطات العامة بشكوى يتظلم فيها من أمر يهمه كدفع حيف وقع عليه من عمل جائر ابتغاء رد هذا الجور والتعويض عن آثاره. ولممارسة هذا الحق الدستوري شروط وأوضاع في مقدمتها أن يكون الاستصراخ للسلطات في شكل عريضة أو شكوى - وليس بالطبع منشوراً - وأن تحمل الورقة توقيع صاحبها وذاتيته ما دامت الشكوى تهدف إلى تحقيق مصلحة شخصية متصلة بالحرية الفردية، فإذا كانت الشكوى أو العريضة باسم الجماعات فلا يكون الحق في مخاطبة السلطات بشأنها إلا للهيئة النظامية التي تمثل الجماعة صاحبة الحق في الشكوى. ويقتضي حق التقديم أن يكون بطريق إرسال مشروع لا مواربة فيه، ولا مستور ما دامت العريضة تحمل المطالبة بحق يحميه، ويكفله الدستور. كما أن لحق مخاطبة السلطات العامة كتابة وبالتوقيع الصريح، أسلوب معين ومسلك خاص ومستوى يرتفع ولا جدال عن الألفاظ النابية وعبارات التحدي والإثارة والتهديد، والاستفزاز والاستنكار. والعريضة المشروعة، وهي رسالة لدرء الحق ورفع الظلم ورد الحق، متى حسن مقصدها واستقام فإنها توجه، على قدر الإمكان إلى السلطة المباشرة المختصة بموضوعها والبت في أمرها. فإذا هي اندفعت متناثرة إلى غير جهاتها الأصلية وإلى سلطاتها المختصة فإنها تكون قد ضلت سبيلها وأخطأت هدفها. وفقدت سندها المشروع. بل إنها بذلك تكون قد انقلبت إلى فعل شائن وتصرف معيب غير مشروع يعاقب عليه القانون أياً كانت المبررات التي أوحت به والنزعات التي دفعت إليه. ومهما يكن من أمر، فإن هذا الحق الدستوري القديم، حق تقديم أفراد الشعب لعرائض لمخاطبة السلطات العامة لا يعدو اليوم أن يكون ضماناً تضاءلت قيمته حقيقة وعملاً بعد إذ تعددت لدى الفرد طرق مشروعة فعالة منها القضائية ومنها الإدارية ومنها طريق القضاء الإداري بما يملكه من ولاية الإلغاء.
ومن حيث إن الفعل المعيب، والمنسوب إلى الطاعن، والذي كان هو سبب القرار التأديبي المطعون فيه، بعيد كل البعد عن الحقوق المقررة على النحو المتقدم وعن ممارستها المشروعة فمجلس تأديب موظفي هيئة الشرطة لم يحاكم الطاعن لأنه تقدم بشكوى موقعة باسمه أو باسم من أعدها، مخاطباً السلطات العامة لرفع حيف أو درء جور وقع عليه أو لحق الطائفة الرسمية التي ينتمي الطاعن إليها وفي أسلوب يرتفع إلى مستوى المطلب الذي ينادي به وإلى مصاف الجهات الرسمية العليا التي وصلت إليها صور تلك الشكوى. وإنما حوكم الطاعن محاكمة عادلة استقصت نسبة الجريمة إليه، وثبوت التهمة قبله فأدانته وحكمت عليه بالعزل من وظيفته كرائد بالشرطة لأنه أعد وأرسل منشورات عديدة باسم زملائه ضباط الشرطة خريجي قسم الكونستبلات بمدرسة البوليس، دون توقيع عليها باسم السيد رئيس الدولة والسادة نواب الرئيس، وبعض السادة الوزراء من مختص بالموضوع أو غير مختص به وباسم ضباط الشرطة على مختلف رتبهم وصفوفهم وتلك المنشورات مشبعة بعبارات ماسة سامة تدعو إلى التشيع والفرقة بين أفراد جهاز واحد للشرطة وتبعث على القلق والاضطراب بين الصفوف المسلحة. ولقد راجعت هذه المحكمة صفحات تلك المنشورات فقرأت فيها: (لسنا من الزنوج، ولا من المنبوذين. وهل في الدولة عامل أو كناس له قانون مماثل لقانون الضباط خريجي قسم الكونستبلات. لقد قاسى زملاؤنا مرارة شظف العيش والهوان بما لا يتفق مع كرامتهم وكرامة رتبهم، فإذا لم تتداركوا إنصاف الموجودين بالخدمة ستتكرر المأساة.. فلنحارب هذا الإقطاع المهني. لقد نفذ الصبر وطال الانتظار. فجنبونا يا سيدي هذا الشر المستطير، وهذا السيف المسلط على رقابنا، إنه أسلوب التهديد والوعيد أسلوب السجن والتشريد، مشكلة مزمنة هي مشكلة الكونستبلات..). ثم أرسلت هذه المنشورات بوسائل خفية إلى عشرات الجهات مبتدئة من السيد رئيس الجمهورية إلى محرري الصحف والمجلات. أن هذا الفعل الجريء إذا صدر من أحد موظفي الدولة أو العاملين المدنيين فإن صاحبه لا ينجو من أشد جزاءات القانون الإداري وقد يقع تحت طائلة قانون العقوبات - فإذا ما وقع من أحد أعضاء هيئة الشرطة ومن مرتبة رائد، وهو الأمين على الأمن والنظام وهو المسئول عن مطاردة كل من تسوله نفسه ولو من الأفراد العامة بإرسال مثل تلك المنشورات، وقام الدليل عليه يقيناً وبما لا يحتمل مظنة أو شكاً على أنه الفاعل الخارج عن القانون. ففي ذلك ولا ريب إخلال مزدوج وخطير بواجبات وظيفة الشرطة التي يشغلها وبمقتضياتها الدقيقة على وجه يعافه القانون ويستنكره النظام. وتكون الإدانة على ما سبق سرده وتفصيله قد استخلصها مجلس التأديب استخلاصاً سائغاً وسليماً لا عوج فيه، ويكون جزاء الطاعن عليه بالعزل من وظيفته متسماً بقدر كبير من الملاءمة بعيداً عن الإسراف فيه، ولا سبيل إلى إعمال الرقابة عليه. فهذا الجزاء من جنس العمل...
ومن حيث إنه لكل ما تقدم، يكون الطعن قد قام على غير سند سليم من القانون متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً, وبرفضه موضوعاً، وألزمت الطاعن بالمصروفات.