مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1992 إلى آخر فبراير سنة 1993) - صـ 110

(9)
جلسة 15 من نوفمبر سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد معروف محمد ومحمد عبد الغني حسن وأحمد عبد العزيز أبو العزم ود. منيب محمد ربيع - المستشارين.

الطعن رقم 3986 لسنة 35 القضائية

عقد إداري - عقد استغلال حديقة متحف استراحة الهرم - إنهاء العقد - قرار إزالة التعدي.
المادة الثالثة من القانون رقم 117 لسنة 1983 بشأن حماية الآثار - قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 624 لسنة 1978 باعتبار هضبة الأهرام منطقه أثرية.
تعتبر الآثار من الأموال العامة - هضبة الأهرام من الأموال العامة لأنها منطقة أثرية - عقد استغلال حديقة متحف استراحة الهرم هو عقد إداري - أساس ذلك: تعلقه بمال عام وتضمنه شروطاً تخرج عن القواعد المقررة في القانون الخاص تتعلق بالأسعار التي تحددها جهة الإدارة ونوع الأدوات والملابس المستعملة والخدمات المقدمة وطبيعة المنشآت المقامة - احتفاظ الإدارة بحقها في فسخ العقد دون اتخاذ أي إجراء وذلك في حالة مخالفة المتعاقد معها لأي من أحكام العقد - لجهة الإدارة تعديل العقد بما يتفق وحسن سير المرفق - حق الإدارة في تعديل العقد يشمل إنهاءه قبل الأوان - أساس ذلك: تميز العقود الإدارية عن العقود المدنية بطابع خاص مناطه احتياجات المرفق العام التي يستهدف العقد تسييره وتغليب وجه المصلحة العامة على مصلحة الأفراد الخاصة - للإدارة دائماً سلطة إنهاء العقد إذا استجدت ظروف تستدعي ذلك - لا يكون للطرف الآخر سوى الحق في التعويض إذا توافرت شروط استحقاقه - متى ثبت للإدارة أن استمرار شغل حديقة الاستراحة سيؤدي إلى أضرار جسيمة بعد أن أكدت التقارير الهندسية حدوث تشققات وهبوط في أرضية الاستراحة فإن الإجراءات التي اتخذتها بإنذار المتعاقد بإنهاء عقده وإخلاء الاستراحة والحديقة لترميمها تتفق وصحيح حكم القانون - امتناع المتعاقد عن تسليم العين بعد انتهاء عقده يبرر القرار المطعون فيه بإزالة التعدي عليها - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم السبت الموافق 27 من يوليو سنة 1989 أودعت الأستاذة/ آمال فؤاد البياض المحامية بصفتها وكيلة عن الطاعن بصفته قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها العام برقم 3986 لسنة 35 ق ع في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "دائرة منازعات الأفراد والهيئات" بجلسة 1/ 6/ 1989 في الدعوى رقم 3561 لسنة 43 ق فيما قضى به بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المطعون ضده بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 2 من أكتوبر سنة 1989 وتداولت نظره بالجلسات على النحو المبين بالمحاضر، وأثناء نظره أمام الدائرة أودع الأستاذ المستشار/ علي رضا مفوض الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني انتهى فيه إلى الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وإلزام المطعون ضده المصروفات، وبجلسة 15 من يوليو سنة 1991 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى هذه المحكمة حيث نظرته بجلسة 19 من أكتوبر سنة 1991 والجلسات التالية على النحو المبين بمحاضر الجلسات حتى قررت بجلسة 4 من أكتوبر سنة 1992 إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم 15/ 11/ 1992 وبها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المطعون ضده قد أقام الدعوى رقم 3561 لسنة 43 ق بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 12/ 3/ 1988 طالباً الحكم بوقف تنفيذ وبإلغاء القرار الصادر من رئيس مجلس إدارة هيئة الآثار المصرية رقم 173 لسنة 1989 بتاريخ 23/ 1/ 1989 وما يترتب على ذلك من آثار مع الحكم بالتعويض المناسب عما رتبه القرار المطعون فيه من أضرار وعما ترتب من أضرار للمدعي بسبب عدم تمكنه من بناء المقصف المتفق عليه بالقيد المحرر سنة 1954، مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال في شرح الدعوى أنه في أول ديسمبر سنة 1954 أبرمت وزارة الإرشاد القومي مع المرحوم أنور عمار مورث المدعي عقد لإنشاء واستغلال مقصف بمنطقة الهرم بذات الشروط التي صادق عليها مجلس الوزراء بجلسته التي عقدت في الرابع من أغسطس سنة 1954 وفي أول أغسطس سنة 1958 كون مورث المدعي شركة توصية بسيطة هو شريك متضامن فيها اتخذت اسماً لها هو شركة مشروعات صحارى السياحية غرضها استغلال المحلات السياحية التي أقامها وطلب في أول إبريل سنة 1959 الموافقة على أيلولة الحقوق والامتيازات التي كانت له إلى الشركة الجديدة، وقد وافقت مصلحة السياحة على ذلك في كتابها ملف رقم 8/ 3/ 14 فرعي في 9/ 9/ 1959، وبدأ مورث المدعي في الحفر تمهيداً لإقامته مباني في المقصف طبقاً للرسومات والمواصفات التي وردت بالعقد والمعتمدة من جهة الإدارة إلا أن العمل توقف بسبب ما أثارته مصلحة الآثار في ذلك الحين من إشكالات، وأضاف المدعي بأنه نظراً لخلو المنطقة من أية خدمات سياحية فقد رأت مصلحة السياحة أن يتولى مورث المدعي سالف الذكر استغلال استراحة الهرم لتقديم الخدمات الضرورية للسياح لحين إتمام مقصف الهرم المتفق عليه بالعقد المؤرخ 1/ 12/ 1954 فتحرر عقد استغلال استراحة الهرم بين مورث المدعي بصفته شريكاً متضامناً في شركة مشروعات صحارى السياحية (أنور عمار وشركاه) وبين مصلحة السياحة يبدأ من يناير سنة 1958 ومدة العقد ستة أشهر تبدأ من أول يناير سنة 1958 وتجدد بعدها وتنتهي هذه المدة بافتتاح مقصف الهرم موضوع عقد 1/ 12/ 1954 ثم عدل اسم شركة مشروعات صحارى السياحية إلى شركة صحارى السياحية، وبوفاة مورث المدعي سنة 1975 استمرت الشركة بين باقي الشركاء وقام المدعي بتمثيل الشركة باعتباره الشريك المتضامن المسئول، وقد انتقل الإشراف على منطقة الأهرام من مصلحة السياحة إلى الهيئة العامة للآثار، واستمر المدعي يدفع الإيجار لهذه الهيئة - المدعى عليها - ونظراً لعدم إنشاء مقصف الهرم المتفق عليه بعقد 1/ 12/ 1954، فإن عقد إيجار استراحة الهرم ظل يتجدد تلقائياً بمقتضى نص المادة الأولى من العقد المؤرخ أول يناير 1958 التي نصت على أن العقد ينتهي بافتتاح مقصف الهرم واستطرد المدعي أنه بتاريخ 22/ 1/ 1983 تلقى كتاب رئيس هيئة الآثار المصرية رقم 544 بالموافقة على توسيع المبنى الخفيف المقام بالحديقة الخاصة باستراحة المالك السابق بالهرم مع بعض التعديلات الأخرى، وبتاريخ 12/ 8/ 1984 تلقى المدعي إنذاراً من المدعى عليه لإخلاء موقع كافتيريا استراحة الهرم وتسليمه لهيئة الآثار على سند من القول بأنه بعد وفاة مورث المدعي استمر المدعي في استغلال هذا المحل دون ترخيص من المدعى عليه بصفته رئيساً لمجلس إدارة هيئة الآثار المصرية صاحبة السيادة على منطقة هضبة الهرم الأثرية والتي صدرت عدة قرارات بتخصيصها للمنفعة العامة بحيث أن وجود المدعي واستغلاله لمحل التعاقد هو استغلال دون سند شرعي أو قانوني مما يشكل عملاً غير مشروع وتعدياً على الأرض الأثرية بمنطقة هضبة الهرم ويحق للمدعى عليه إزالته بالطريق الإداري تطبيقاً لحكم المادة 17 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وللمادة 970 مدني خاصة وأن التقارير الهندسية لهيئة الآثار أثبتت حدوث تشققات وهبوط في أرض استراحة الهرم التي تعتبر الكافتيريا المستغلة من المدعى عليه امتداداً لها، وقد علم المدعي بصدور قرار من المدعى عليه برقم 173 بتاريخ 23/ 1/ 1981 بإزالة التعدي الواقع على حديقة استراحة الهرم الأكبر والمتمثل في استغلال المدعي لها كبوفيه ومطعم لتقديم المأكولات بدون سند قانوني بذلك حيث أن الهيئة أنذرته رسمياً بإلغاء الترخيص لأن الصالح العام يقتضي ذلك، وينعى المدعي على القرار المطعون فيه انعدام سببه واتسامه بإساءة استعمال السلطة وذلك لأن مورث المدعي قد تعاقد مع جهة الإدارة بصفته شريكاً متضامناً في شركة مشروعات صحارى السياحية وكان هناك اتفاق على استمرار الشركة مع ورثة الشريك المتوفى ومن ثم فإن الشركة تكون قائمة ولم تنته بوفاة مورث المدعي ويكون العقد قائماً بعد انتقال الإشراف على منطقة هضبة الهرم من مصلحة السياحة إلى الهيئة العامة للآثار وبالتالي يكون ادعاء جهة الإدارة بأن المدعي يستغل هذا المحل بدون ترخيص ودون سند شرعي هو ادعاء مخالف للقانون والواقع، كما أن الجهة الإدارية وقد استندت في قرارها إلى أنها أنذرت المدعي رسمياً بإلغاء الترخيص لأن الصالح العام يقتضي ذلك في حين أن هذا الإنذار لم يتضمن إلغاء الترخيص صراحة، كذا استناد جهة الإدارة إلى حدوث تشققات وهبوط في أرضية استراحة الهرم التي تعتبر الكافتيريا المستغلة من المدعي امتداداً لها وهو ما يخالف الواقع لأن عقد الإيجار والاستغلال الفعلي قاصراً على الحديقة التي تبعد عن مبنى استراحة الهرم مسافة كبيرة ذلك لأن الاستراحة ذاتها متخذة مقراً لشرطة الآثار والتشققات والهبوط يرجع إلى استعمالات شرطة الآثار على فرض حدوث ذلك، وأن الاستناد إلى المادة (17) من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وإلى المادة 970 من القانون المدني في غير محلة لعدم حدوث تعد من المدعي، وطالما كانت الحديقة المرخص للمدعي للانتفاع بها وما زالت معدة بطبيعتها لاستراحة زائري هذه المنطقة ومن ثم فإن حق انتفاعه بها يظل قائماً ما دامت الحديقة قائمة وما دام المدعي قائماً بالوفاء بالتزاماته، ولأن القرار المطعون فيه أهدر حقوق المدعي المستمدة من العقد وألحق به أضراراً فإنه يكون مشوباً بعيب إساءة استعماله السلطة وتكون الإدارة ملزمة بتعويضه عن هذه الأضرار، وأن على الإدارة تعويضه عن خطئها في عدم تمكينه من إنشاء المقصف المتفق على إنشائه، وأنه لما يترتب على تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها خاصة تشريد عماله فإنه يطلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
وبجلسة 1 من يونيه سنة 1989 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أن القضاء الإداري مستقر على أن المقصود بالتعدي الذي تجوز إزالته بالتنفيذ المباشر هو العدوان المادي الذي يتجرد من أي أساس قانوني يستند إليه، أما إذا تمثل الأمر في ادعاء بحق قانوني على مال من أموال الدولة وكان لهذا الحق ما يظاهره من الأسباب والأسانيد القانونية وجحدت جهة الإدارة هذا الحق وأنكرته على مدعيه فإنه والحال هذه ترتد الأمور إلى حالتها الطبيعية ونكون أمام نزاع قانوني بين الإدارة وأصحاب الشأن حول حق من الحقوق وتنحسر عن الإدارة سلطتها الاستثنائية في إزالة التعدي بالتنفيذ المباشر ويتعين عليها الالتجاء إلى الطريق الطبيعي وهو رفع الأمر إلى القضاء المختص ليحسم ما دار بين الإدارة وذوي الشأن من نزاع قانوني، ولما كان ظاهر الأوراق يفيد أن القرار المطعون فيه فيما استند إليه من أحكام القانون رقم 117/ 1983 بشأن حماية الآثار وادعائه بوقوع تعد من المدعي على حديقة استراحة الهرم الأكبر إنما هو استناد في غير محله لاستناد المدعي في استغلاله تلك الحديقة إلى عقد مبرم بينه وبين جهة الإدارة ولم يقع منه عدوان مادي على تلك الحديقة الأمر الذي لا يجوز معه لجهة الإدارة أن تلجأ إلى التنفيذ المباشر وكان يتعين عليها اللجوء إلى القضاء المختص ليفصل بينها وبين المدعي فيما ثار من نزاع الأمر الذي يغدو معه القرار المطعون فيه مفتقداً لسنده الصحيح من الواقع والقانون مما يتوافر معه ركن الجدية في طلب وقف تنفيذه، فضلاً عن توافر ركن الاستعجال لما في تنفيذ هذا القرار من نتائج يتعذر تداركها فيما لو قضى فيما بعد بإلغائه.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وأصابه الفساد في التسبب وفي الاستدلال فلم يفرق الحكم المطعون فيه بين المال العام والمال الخاص فأسلوب إدارة المال العام يخضع لنظام الترخيص بالاستغلال وهو حق مكفول للإدارة تمنحه أو تلغيه أو تعدله وفقاً لما تراه محققاً للصالح العام وهذا الترخيص بالاستغلال شخصي ولا يورث بعد وفاته في حين يخضع المال الخاص لنظام الإيجار المنصوص عليه في قانون تأجير الأماكن يكون فيها العقد شريعة المتعاقدين، ولما كان الترخيص الممنوح لمورث المدعي قد انتهى بوفاته ولا يورث للمدعي وإذا كانت الهيئة الطاعنة قد أجازت الاستغلال في وقت سابق فإنها سحبت هذه الإجازة في أول أكتوبر سنة 1984 وبذلك اعتبر المدعي متعدياً على أرض أثرية، ولما كان عقد الترخيص الممنوح لمورث المطعون ضده قد نص على أن يكون مشاهرة فذلك معناه أنه مجرد إنذار قبل انتهاء مدة الشهر وعدم تجديد العقد ينتهي الترخيص وهذا ما اتخذته الهيئة حين أنذرته بتسليم الأرض محل الاستغلال وإلا اعتبر متعدياً عليها اعتباراً من أول أكتوبر سنة 1984 ولما كان وجود المطعون ضده بعد إلغاء الترخيص بالاستغلال يعد تعدياً غير مشروع يستوجب إزالته بالطريق الإداري طبقاً لحكم المادة 17 من قانون حماية الآثار رقم 117/ 1983 ولما كان القرار الصادر بإزالة تعدي المطعون ضده قد صدر ممن يملك إصداره ومستوفياً شكله القانوني ابتغاء مصلحة عامة وقومية في تصفية أي وجود على هضبة الأهرام الأثرية تمهيداً لإجراء عملية تطوير شاملة وإنشاء مركز ثقافي أثري وقومي وعالمي في موقع التعدي وذلك بهدف إحياء هذه المنطقة الأثرية الهامة والمحافظة على رونقها الجمالي، وحيث إنه بصدور الحكم المطعون فيه أصبح المال العام في حالة تهدده بالخطورة من جراء تواجد المطعون ضده دون سند من القانون مستثمراً الأرض الأثرية والإثراء على حسابها مما يكبد الدولة خسارة مادية وأدبية يتعذر تداركها.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة مستقر على أنه طبقاً لحكم المادة 49 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 يتعين للحكم بوقوف تنفيذ القرار الإداري توافر ركنين الأول هو ركن الجدية بأن يكون القرار المطعون فيه معيباً بحسب الظاهر من الأوراق مما يحمل على ترجيح إلغائه عند الفصل في الموضوع والثاني هو ركن الاستعجال بأن يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها.
ومن حيث إنه يبين من ظاهر الأوراق وبصفة خاصة من صورة المستند الذي قامت على أساسه الدعوى والذي قدمته جهة الإدارة أمام محكمة القضاء الإداري بجلسة المرافعة المنعقدة في 4/ 5/ 1989 والمبرم مع مورث المطعون ضده - حيث أن ما قدمه المطعون ضده لا يعدو أن يكون صورة من هذا المستند مشار فيها إلى تغيير صفة مورث المطعون ضده أو أن ثمة عقداً مبرم بينه وبين جهة الإدارة عام 1954 وهو ما لا يمكن التعديل عليه نظراً لأنه كان في مكنة المطعون ضده طوال مراحل نظر الدعوى أمام القضاء الإداري أو نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون أو في جلسات المرافعة أمام هذه المحكمة أن يقدم أصل العقد المبرم بين مورثه وبين الإدارة عام 1954 أو ذلك العقد المشار إليه بحسبان مورث المطعون ضده شريكاً في شركة تضامن أو ما يفيد تعديل العقد عام 1968 وإذ تبين من صورة العقد المقدم من جهة الإدارة - والذي لم يجحد نصوصه المطعون ضده - أن مدة هذا العقد ستة شهور ابتداءً من أول يناير سنة 1958 تجدد بعدها مشاهرة وتنتهي هذه المدة بتاريخ افتتاح مقصف الهرم الجديد بدون حاجة إلى إعلان أو إخطار، ويرخص بهذا العقد المبرم بين مصلحة السياحة وبين مورث المطعون ضده في استغلال حديقة متحف استراحة الهرم ليعد بها بوفيهاً ومطعماً تقدم فيه الوجبات والمأكولات والشطائر والمرطبات والچيلاتي والشاي والمشروبات الغازية والمثلجة بالأسعار التي تحددها مصلحة السياحة، ويشترط أن تكون الأدوات التي يستعملها من مناضد وكراسي وشماسي وأدوات السفرة من مفارش وغيرها نظيفة على الدوام ومن النوع المستعمل في محلات الدرجة الأولى ويتعهد بمراعاة الاشتراطات الصحية والنظافة التامة وعليه أن يستخدم عمالاً حسنى السير والسلوك لم تصدر ضدهم أحكام خاليين من الأمراض المعدية، مرتدين ملابس نظيفة موحدة مراعين أصول اللياقة والأدب في معاملاتهم للعملاء، كما يحرم عليه تقديم الخمور للزبائن إلا إذا رأت المصلحة غير ذلك مستقبلاً، ولا يجوز له إدخال الموسيقى أو إذاعة اسطوانات بالميكرفون إلا بتصريح كتابي، ويحرم عليه التنازل عن العقد أو الإيجار من الباطن للغير بدون تصريح كتابي من مصلحة السياحة، وله أن يقيم بعض المنشآت البسيطة اللازمة كإقامة مظلة أو دورة مياه صغيرة بمصاريف من عنده وأن تكون قابلة للإزالة يتعهد بإزالتها عند نهاية العقد ما لم تر المصلحة غير ذلك - وفي حالة إزالة المنشآت يتعهد بتسليم الأماكن بالحالة التي تسلمها بها عند التعاقد - وإذا خالف أي حكم من أحكام هذا العقد جاز للمصلحة فسخه دون تنبيه أو إنذار أو أي إجراء قانوني آ خر.
ومن حيث إن المادة الثالثة من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 تنص على أن "تعتبر أرضاً أثرية الأراضي المملوكة للدولة التي اعتبرت أثرية بمقتضى قرارات أو أوامر سابقة على العمل بهذا القانون أو التي يصدر باعتبارها كذلك قرار من رئيس مجلس الوزراء بناءً على عرض الوزير المختص بشئون الثقافة...." وقد صدر قرار من وزير التعليم رقم 136/ 1955، وقرار وزير الثقافة والإعلام رقم 90 لسنة 1978 وقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 624 لسنة 1978 باعتبار هضبة الأهرام منطقة أثرية، وإذ تعتبر جميع الآثار من الأموال العامة طبقاً للمادة السادسة من القانون آنف الذكر وطبقاً للقانونين رقمي 14 لسنة 1962، 215 لسنة 1951، ومن حيث إن المادة 87 من القانون المدني تنص على أنه "تعد أموالاً عامة العقارات التي للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص وهذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم، فالمال المملوك للإدارة يكتسب صفة العمومية بتخصيصه لمنفعة عامة بإحدى الطرق المقررة قانوناً، ولما كانت ملكية الأموال العامة للدولة ومن حق الملكية حق استعمال المال واستثماره والتصرف فيه بمراعاة أغراض المنفعة العامة المخصص لها المال، ويحول هذا التخصيص دون التصرف في المال العام إلا إذا انطوى ذلك على نية تجريده من صفة العمومية فيه، ويجرى ترتيب سبل الانتفاع بالمال العام وفقاً للأوضاع والإجراءات المنظمة قانوناً للانتفاع بالمال العام، ومعنى ذلك أن المال العام لا يمكن أن يكون محلاً لتصرفات مدنية ومنها عقود الإيجار المعروفة في القانون الخاص لأن هذه الاتفاقات والعقود المدنية لا تتفق وطبيعة الأغراض التي يخصص لها المال العام وهو الاستعمال والانتفاع العام، من الكافة ومن ثم فإن لجهة الإدارة أن تتحفظ على المال العام بسلطتها كاملة طبقاً للنظام القانوني الذي يحدد قواعد الانتفاع بالمال العام بأن تنظم الانتفاع بالمال العام بترخيص يصدر بقرار إداري منها، كما أن لها أن تفرغ الاتفاق في صورة عقد إداري تكون الإدارة أحد طرفيه بوصفها سلطة عامة حيث يتصل العقد بنشاط مرفق عام وبقصد تسييره أو تنظيمه ويتسم بالطابع المميز للعقود الإدارية وهو انتهاج أسلوب القانون العام فيما تتضمنه شروط هذه العقود من شروط استثنائية متميزة تتفق مع طبيعة الانتفاع بالمال العام.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على العقد السالف بيانه أن جهة الإدارة خصت مورث المطعون ضده بجزء من الأموال العامة لانتفاعه الخاص مقابل مبلغ معين بشروط معينة تخرج عن نطاق القواعد المقررة في القانون الخاص خاصة ما تعلق منها بالأسعار التي تحددها جهة الإدارة أو في تحديد نوع الأدوات المستعملة والملابس التي يستعملها عماله أو ما يقدمه من خدمات أو في طبيعة المنشآت التي يقيمها أو في فسخ العقد بغير اتخاذ أي إجراء في حالة مخالفة المتعاقد مع الإدارة لأي من أحكامه، وبذلك فإن هذا العقد عقد إداري.
ومن حيث إن سلطة جهة الإدارة في تعديل العقد أو في تعديل طريقة تنفيذه هي الطابع الرئيسي لنظام العقود الإدارية، بل هي أبرز الخصائص التي تميز العقود الإدارية عن نظام العقود المدنية، ومقتضى هذه السلطة أن جهة الإدارة مستهدفة تحقيق حسن سير وانتظام المرافق العامة في أداء الخدمات العامة على النحو الذي يحقق الصالح العام تملك من جانبها وحدها وبإرادتها المنفردة وعلى خلاف المألوف في معاملات الأفراد فيما بينهم - حق تعديل العقد أثناء تنفيذه وتعديل التزامات المتعاقد معها على نحو وبصورة لم تكن معروفه وقت إبرام العقد فتزيد من أعباء الطرف الآخر - أو تنقصها بشرط أن تقتضي حاجة المرفق أو المصلحة العامة هذا التعديل، ولا شك أن هذا الحق في تعديل العقد المقرر لجهة الإدارة بإرادتها المنفردة إنما يشمل سلطة إنهاء العقود الإدارية قبل الأوان باعتبار أن الإنهاء ينصب على الشروط الخاص بمدة العقد.
هذا الحق لجهة الإدارة في تعديل العقد بما يشمله من إنهائه يترتب على ما للعقود الإدارية من تميز عن العقود المدنية بطابع خاص مناطه احتياجات المرفق العام الذي يستهدف العقد تسييره وتغليب وجه المصلحة العامة على مصلحة الأفراد الخاصة فللإدارة دائماً وفقاً لمقتضيات الصالح العام سلطة إنهاء العقد من غير أن يحتج عليها بقاعدة الحق المكتسب، أو بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين، ذلك لأن طبيعة العقود الإدارية وأهدافها يحكمها مبدأ حسن سير واستمرار المرافق العامة وهي تفترض مقدماً حصول تغيير في ظروف وملابسات العقد وملابساته وطرق تنفيذه تبعاً لمقتضيات حسن سير المرفق العام وانتظامه ويقوم التعاقد فيها على أساس أن نية الطرفين قد انصرفت عند إبرام العقد إلى ضرورة الوفاء بحاجة المرفق وتحقيق المصلحة العامة مما يترتب عليه أن جهة الإدارة - هي صاحبة الاختصاص في تنظيم المرفق وتحديد قواعد تسييره - تملك حق تعديل هذا العقد بما يتواءم مع هذه الظروف المتغيرة مع الضرورة ويحقق تلك المصلحة العامة أو إنهاء العقد إذا ما استلزمت ذلك ضرورة الوفاء بحاجات المرفق العام المحققة للمصلحة العامة، والإدارة في ممارستها لسلطة تعديل العقد أو إنهائه إنما تستعمل حقاً وهذه السلطة لا تستمدها الإدارة من نصوص العقد بل من النظام العام لسير المرفق العام والذي يحكم كفالة حسن سيرها وانتظامها في أداء خدماتها بما يحقق المصلحة العامة ومن ثم فحق الإدارة في التعديل أو الإنهاء للعقد الإداري مقرر بغير حاجة إلى النص عليه في العقد وإلى موافقة الطرف الآخر عليه، فإذا ما أشارت نصوص العقد إلى حق الإدارة في إجراء هذا التعديل، فإن ذلك لا يكون إلا مجرد تنظيم لسلطة التعديل وبيان أوضاع وأحوال ممارستها وما يترتب على ذلك دون أن يكون في ذلك أي مساس بالحق الأصيل المقرر للجهة الإدارية في التعديل ولاتصال هذه السلطة بالنظام العام للمرافق العامة من المقرر أنه لا يجوز لجهة الإدارة نفسها أن تتنازل عن ممارسة هذه السلطة لأنها تتعلق بكيان المرافق العامة، فللإدارة دائماً سلطة إنهاء العقد إذا قدرت أن ظروفاً استجدت تستدعي هذا الإنهاء، كما إذا أصبح العقد غير ذي فائدة للمرفق العام أو أضحى لا يحقق المصلحة العامة المقصودة في ظل من تغير ظروف الحال عنها وقت التعاقد مع المنتفع، وليس للطرف الآخر في العقد إلا الحق في التعويضات إن كان لها وجه وتوافرت الشروط الموجبة لاستحقاق التعويض.
ومن حيث إنه يبين من ظاهر الأوراق أن هيئة الآثار وطبقاً للتقارير الهندسية قد ثبت لها حدوث تشققات وهبوط في أرضية استراحة الهرم التي تعتبر الكافتيريا محل العقد المشار إليه امتداد لها، وأنه نظراً لأن هضبة الأهرام تعد موقعاً أثرياً هاماً بل من أهم تلك المواقع في مصر وبالنسبة للعالم كله والتي تلتزم السلطة العامة في الدولة بالحفاظ عليها ورعايتها، كما أن الاستراحة ذاتها ذات طراز معماري فريد وفيها العديد من الحجرات والصالات التي تفي بالغرض الثقافي وتسهم في تحقيق الخدمات اللازمة للسياحة الثقافية مما تحرص الدولة على إصدار التشريعات الكفيلة بحماية وصيانة هضبة الهرم وقد تم بالفعل إزالة جميع التعديات الواقعة على الهضبة الأثرية من شاليهات وكازينوهات وخلافه التي كانت مقامة عليها ولما كان الثابت من ظاهر الأوراق أن استمرار شغل المطعون ضده لحديقة الاستراحة ينبئ عن حدوث أضرار جسيمة على هذا الموقع الأثري الهام مما يستلزم إخلاء الاستراحة والحديقة لترميمها تمهيداً لإعدادها كمركز ثقافي أثري، ومن ثم فقد قامت هيئة الآثار بتاريخ 19/ 7/ 1984 وفي 24/ 9/ 1984 بإنذار المطعون ضده بإنهاء انتفاعه بحديقة متحف استراحة الهرم الواقعة على هضبة الأهرام أمام الهرم الأكبر بالجيزة بنهاية شهر سبتمبر سنة 1984 وأن عليه إخلاء موقع الكافتيريا وتسليمه للهيئة وإلا عد وجوده بعد هذا التاريخ تعدياً على أرض الآثار مما يستوجب إزالته إدارياً نفاذاً لحكم المادة 17 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وطبقاً للمادة 970 من القانون المدني، وإذ لم يقم المطعون ضده بتسليم حديقة الاستراحة المشار إليها ومن ثم أصدرت الجهة الإدارية القرار رقم 173 بتاريخ 23/ 1/ 1989 بإزالة تعديه إدارياً على تلك الحديقة بحسبانها من أراضي المنفعة العامة وآثار، ولما كان قد جرى قضاء هذه المحكمة على أن المحظور على جهة الإدارة اتخاذ الإزالة الإدارية طريقاً لها إذا كان للخصم سند جدي في ملكيته أو صيانة العقار - يوجب على الإدارة اللجوء لجهة القضاء للفصل في النزاع على الملكية احتراماً للشريعة وسيادة القانون، وهو أمر غير متوافر في الطعن الماثل حيث لا ينازع المطعون ضده في ملكية جهة الإدارة لهذا العقار وقد ثبت مما تقدم أن القانون قد خولها سلطة إنهاء العقد إذا ما حدثت ظروف أصبح معها العقد غير ذي فائدة للمرفق العام أو أضحى استمرار تنفيذ العقد لا يحقق المصلحة العامة ويهدد حسن سير وانتظام المرفق العام وهو ما ينطبق على العقد الماثل محل النزاع حيث تقوم جهة الإدارة بتجهيز المكان لاستخدامه كموقع أثري هام ليكون مزاراً سياحياً قومياً عالمياً ويجب الحفاظ عليه ورعايته وحمايته مما قد يصيبه من أضرار لا يمكن إصلاحها من جراء استخدامه على غير نحو ما تضمنه العقد المذكور ومن ثم فحيث إنه قد بادرت جهة الإدارة بإنهاء هذا العقد بمقتضى السلطة المخولة قانوناً لها وأضحت من ثم يد المطعون ضده يد متعدية على أموال عامة مملوكة للدولة تستوجب إزالتها إدارياً وبالتالي فقد أصدرت جهة الإدارة قرارها رقم 173 لسنة 1989 بإزالة هذا التعدي وفقاً لما يقتضيه صحيح حكم القانون فإنه لا يوجد سند من القانون لوقف تنفيذ هذا القرار.
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم وحيث ذهب الحكم المطعون فيه دون سند صحيح من القانون إلى توافر ركن الجدية في طلب وقف التنفيذ وقضى بوقف تنفيذ القرار ومن ثم فإنه يكون قد جانب الصواب وخالف صحيح حكم القانون فيما قضى به مما يستوجب إعلاء للشرعية وسيادة القانون الحكم بإلغائه والقضاء برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن من خسر الطعن ملزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار رقم 173 لسنة 1989 المطعون فيه وألزمت المطعون ضده بالمصروفات.