مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1992 إلى آخر فبراير سنة 1993) - صـ 351

(36)
جلسة 26 من ديسمبر سنة 1992

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد محمود الدكروري - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ محمد مجدي محمد خليل وعلي عوض صالح وحسني سيد محمد ومحمد عبد الحميد مسعود - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 4286 لسنة 35 القضائية

( أ ) دعوى - إثبات - عبء إثبات العلم بالقرار المطعون فيه.
يقع عبء إثبات نشر القرار الإداري أو إعلانه إلى صاحب الشأن أو علمه به في تاريخ معين على عاتق الإدارة إذا دفعت بعدم قبول الدعوى - يثبت العلم اليقيني الشامل من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد في ذلك بوسيلة إثبات معينة - للمحكمة التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذي يمكن ترتيبه عليها من حيث كفاية العلم أو قصوره حسبما تستبينه من أوراق الدعوى وظروف الحال - تطبيق.
(ب) دعوى - تظلم - طريقة التظلم.
لا يشترط في التظلم الذي يكشف عن علم مقدمه بالقرار أن يكون في صيغة خاصة، فقد يكون في صورة التماس أو طلب - لا يشترط أن يتضمن رقم القرار محل التظلم وتاريخه وأوجه العيب في القرار أو أن يكون النعي على القرار بوجه من الأوجه التي حددها قانون مجلس الدولة للطعن بالإلغاء - يكفي أن يقدم الطلب بعد صدور القرار المتظلم منه وأن يشير فيه المتظلم إلى القرار إشارة توضحه وتنبئ عن علمه بصدوره وبمضمونه على نحو يكون من أثره جريان الميعاد في حقه - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الخميس الموافق 10/ 8/ 1989 أودع السيد الأستاذ/ محمود الطوخي بصفته وكيلاً عن السيدة/ يسر أمين السيوي، بالتوكيل الخاص رقم 5331 لسنة 1988، توثيق السيدة زينب النموذجي، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها برقم 4286 لسنة 35 قضائية ضد السيد/ رئيس مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري (دائرة الترقيات)، بجلسة 6/ 7/ 1989، في الدعوى رقم 5880 لسنة 42 قضائية القاضي "بعدم قبول الدعوى شكلاً، لرفعها بعد الميعاد وألزمت المدعية المصروفات" وطلبت للأسباب التي اشتمل عليها تقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والقضاء بإلغاء قرار المدعى عليه (المطعون ضده) رقم 25 لسنة 1985، فيما تضمنه من تخطيها في الترقية إلى وظائف مديري العموم وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عن درجتي التقاضي.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده. وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه - لما تضمنه من أسباب - الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً، وإلزام الطاعنة المصروفات.
وتحددت جلسة 9/ 3/ 1992 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون، وبها نظر وبما تلاها من جلسات إلى أن قررت الدائرة بجلسة 8/ 6/ 1992، إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثانية) لنظره بجلسة 11/ 7/ 1992، وبها نظر وبجلسة 24/ 10/ 1992 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية فإنه يكون مقبولاً شكلاً.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص في أنه بتاريخ 11/ 8/ 1988 أقامت السيدة يسر حسين أمين السيوي أمام محكمة القضاء الإداري (دائرة الترقيات) الدعوى رقم 5880 لسنة 42 قضائية، ضد السيد/ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، طالبة الحكم بإلغاء قرار رئيس مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون رقم 35 بتاريخ 13/ 1/ 1985 فيما تضمنه من تخطيها في الترقية إلى وظائف مديري العموم، وما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام الجهة الإدارية المدعى عليها المصروفات. استناداً إلى أن هذا القرار يخالف أحكام الترقية بالاختيار التي نظمتها المادة 31 وما بعدها من لائحة شئون العاملين باتحاد الإذاعة والتليفزيون بتخطي المدعية في الترقية إلى وظائف مديري العموم، وبرغم أنها مستوفية لاشتراطات شغل الوظيفة، وأقدم من المرقين جميعاً في الوظيفة المرقى منها، وتقارير كفايتها عن جميع سنوات عملها بتقدير امتياز، ولا يفضلها أحد منهم في الكفاية، لذلك فقد تظلمت من هذا القرار في يوم علمها به بتاريخ 11/ 5/ 1988، وإذ لم تتلق رداً على تظلمها فقد أقامت دعواها بغية الحكم لها بطلبها.
وبجلسة 6/ 7/ 1989 حكمت المحكمة بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد وألزمت المدعية المصروفات وشيدت المحكمة قضاءها على أن الثابت أن المدعية تقدمت بتظلمين أولهما بتاريخ 14/ 11/ 1985 إلى رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وثانيهما بتاريخ 13/ 1/ 1986 إلى رئيس التليفزيون، طالبة فيهما ترقيتها لدرجة مدير عام أسوة بزملائها الذين تمت ترقيتهم، ومن ثم فإنها تكون قد علمت بالقرار المطعون فيه، وأن تظلميها ينصرفان إلى القرار المطعون فيه، وإذ لم تقم دعواها إلا بتاريخ 11/ 8/ 1988. وخلت الأوراق مما يفيد سلوك الجهة الإدارية مسلكاً إيجابياً نحو إجابة المدعية إلى طلبها، الذي تتحقق معه قرينة الرفض الضمني المنصوص عليها في المادة 24 من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 وتكون الدعوى قد أقيمت بعد الميعاد المقرر لدعوى الإلغاء، ولا ينال من ذلك عدم تحديد المدعية في تظلمها لرقم القرار المطعون فيه وأسماء زملائها المرقين والوظائف التي رقوا إليها بموجبه، لنفي علمها بالقرار المطعون فيه، إذ لا يلزم أن يذكر في التظلم شيء من ذلك، بل يكفي الإشارة إلى مضمون القرار، وهو ما فعلته في تظلميها المشار إليهما، الأمر الذي يقطع بعلمها بالقرار المطعون فيه وانصراف نيتها إليه، ويكون ما تتمسك به في هذا الشأن غير قائم على أساس صحيح من الواقع أو القانون، مما يتعين طرحه، والحكم بعدم قبول الدعوى شكلاً، لرفعها بعد الميعاد.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وفي تكييفه لما يعتبر من الواقعات محققاً للعلم اليقيني الذي يقوم مقام الإعلان بالقرار ونشره، ويجرى به ميعاد دعوى الإلغاء، فذهب إلى أن الطلبين المقدمين من المدعية (الطاعنة) بتاريخ 14/ 11/ 1985، 13/ 1/ 1986 يفيدان علمها بالقرار الطعين، في حين أن ما جاء بهذين الطلبين من طلب ترقيتها إلى وظيفة مدير عام أسوة بزملائها المرقين، ولا يتحقق به معنى العلم اليقيني بصدور القرار المطعون فيه وبمؤداه، وفحواه وكل العناصر الأساسية فيه التي يمكنها من الإحاطة بمركزها القانوني بالنسبة إلى هذا القرار، ومن ثم فإن الحكم الطعين يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه حرياً بالإلغاء ومن حيث إن المادة (24) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن ميعاد رفع الدعوى أمام المحكمة فيما يتعلق بطلبات الإلغاء ستون يوماً من تاريخ نشر القرار الإداري المطعون فيه في الجريدة الرسمية أو في النشرات التي تصدرها المصالح العامة أو إعلان صاحب الشأن به.
وينقطع سريان هذا الميعاد بالتظلم إلى الهيئة الإدارية التي أصدرت القرار أو الهيئات الرئاسية، ويجب أن يبت في التظلم قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديمه. وإذا صدر القرار بالرفض وجب أن يكون مسبباً ويعتبر مضي ستين يوماً على تقديم التظلم دون أن تجيب عليه السلطات المختصة بمثابة رفضه.
ويكون ميعاد رفع الدعوى بالطعن في القرار الخاص بالتظلم ستين يوماً من تاريخ انقضاء الستين يوماً المذكورة.
ومن حيث إن مفاد هذا النص أن ميعاد الطعن بالإلغاء يسري من تاريخ نشر القرار المطعون فيه أو إعلان صاحب الشأن به، وقد استقر قضاء هذه المحكمة على أن القرارات التنظيمية العامة هي التي يسري ميعاد الطعن فيها من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية، أما القرارات الفردية التي تمس مراكز قانونية ذاتية فيسري ميعاد الطعن فيها من تاريخ إعلانها إلى صاحب الشأن، ويقوم مقام النشر والإعلان تحقق علم صاحب الشأن بالقرار علماً يقينياً لا ظنياً ولا افتراضياً، بحيث يكون شاملاً لجميع محتويات هذا القرار وفحواه حتى يتيسر له بمقتضى العلم أن يحدد مركزه القانوني من القرار، ويقع عبء إثبات نشر القرار الإداري أو إعلانه إلى صاحب الشأن أو علمه به في تاريخ معين على عاتق الإدارة إذا دفعت بعدم قبول الدعوى، والعلم اليقيني الشامل يثبت من أية واقعة أو قرينة تفيد حصوله دون التقيد في ذلك بوسيلة معينة، وللقضاء التحقق من قيام أو عدم قيام هذه القرينة أو تلك الواقعة وتقدير الأثر الذي يمكن ترتيبه عليها من حيث كفاية العلم أو قصوره، وذلك حسبما تستبينه المحكمة من أوراق الدعوى وظروف الحال.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن السيد/ رئيس مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتليفزيون أصدر القرار رقم 25 بتاريخ 13/ 1/ 1985 بتعيين 71 من العاملين بقطاع التليفزيون في وظائف من درجة مدير عام، برئاسة قطاع التليفزيون والقناتين الأولى والثانية، والإدارات المركزية للأخبار، والبرامج الإخبارية والتبادل الإخباري، والمكتبات والأفلام والبرامج التعليمية، إنتاج الفيديو، وأفلام التليفزيون، والمراجعة والنصوص، والخدمات الإنتاجية، والشئون المالية والإدارية. وبذات التاريخ 13/ 1/ 1985 أصدر المدعى عليه القرار رقم 26 لسنة 1985 بندب بعض العاملين بقطاع التليفزيون للقيام بمهام وظائف من درجة مدير عام، بالقناتين الأولى والثانية، وبالإدارات المركزية لأفلام التليفزيون، والأخبار والخدمات الإنتاجية، والإدارة المركزية للنصوص والمراجعة حيث ندبت المدعية (الطاعنة) إلى وظيفة مدير عام النصوص والمراجعة لإنتاج الفيديو.
وقد أقام بعض العاملين ممن لم يشغلوا إحدى وظائف مديري العموم، بطريقة الترقية أو الندب، بالقرارين المذكورين، أمام محكمة القضاء الإداري طعوناً بالإلغاء على القرار رقم 25 لسنة 1985 في حين أن المدعية (الطاعنة) تقدمت بتاريخ 14/ 11/ 1985 إلى السيد/ رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون بطلب أشارت به لقرارات ندبها لشغل وظائف مديري عموم، وإلى كفاءتها، وطلبت ترقيتها لدرجة مدير عام أسوة بزملائها الذين تمت ترقيتهم، كما تقدمت بتاريخ 13/ 1/ 1986 إلى السيد/ رئيس التليفزيون بطلب بذات مضمون الطلب السابق، وانتهت فيه إلى التماس إصدار قرار بترقيتها لدرجة مدير عام أسوة بزملائها الذين تمت ترقيتهم وتنفيذاً لأحكام محكمة القضاء الإداري الصادرة في الدعوى المقامة من بعض العاملين طعناً على القرار رقم 25 لسنة 1985 أصدر السيد/ رئيس مجلس الأمناء القرار رقم 96 بتاريخ 22/ 2/ 1988 بتعيين المحكوم لصالحهم في وظائف من درجة مدير عام وبمناسبة صدور هذا القرار تقدمت بتاريخ 11/ 5/ 1988 إلى المدعى عليه بتظلم من القرار رقم 25 لسنة 1985، وإذ لم تستجب الجهة الإدارية لهذا التظلم فقد أقامت دعواها الصادر فيها الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إنه متى ثبت ذلك، وكانت المدعية (الطاعنة) لم تنكر ما ذهبت إليه الجهة الإدارية أنها لم تجر ترقيات إلى وظائف مديري عموم خلال الخمس سنوات السابقة على صدور القرار رقم 25 لسنة 1985، المطعون فيه، سوى بالقرارين رقمي 187 لسنة 1980، 52 لسنة 1981، برفع الدرجات التي يشغلها بعض العاملين بقطاع التليفزيون إلى الدرجة المالية ذات الربط 1320/ 1920 اعتباراً من أول يوليه سنة 1980، وقت لم تكن فيه المدعية قد ندبت إلى وظيفة مدير عام، فمن ثم فإن إشارتها في طلبها المقدم بتاريخ 14/ 11/ 1985 إلى قرارات ندبها لشغل وظائف من درجة مدير عام بينما كانت الجهة الإدارية قد استنت قاعدة مؤداها أنه يشترط لشغل وظيفة مدير عام بالترقية أن يكون المرشح قد شغلها بطريق الندب، وإشارتها إلى أقدميتها وكفائتها، ثم طلبها الترقية إلى وظيفة مدير عام أسوة بزملائها المرقين، لا يعدو أن يكون تظلماً من القرار رقم 25 لسنة 1985 المطعون فيه، وإذ لا يشترط في التظلم الذي يكشف عن علم مقدمه بالقرار أن يكون في صيغة خاصة، فقد يكون في صورة التماس أو طلب، ولا يشترط أن يتضمن رقم القرار، محل التظلم وتاريخه، ولأوجه العيب في القرار، أو أن يكون النعي على القرار بوجه من الأوجه التي حددها قانون مجلس الدولة للطعن بالإلغاء، وإنما يكفي أن يقدم الطلب بعد صدور القرار المتظلم منه ويشير فيه المتظلم إلى القرار إشارة توضحه وتنبئ عن علمه بصدوره ومضمونه والاشتراطات التي قام عليها، بينما يمكن أن يكون من أثره جريان الميعاد في حقه وهو ما ترى المحكمة تحققه في الطلب المقدم من المدعية (الطاعنة) بتاريخ 14/ 11/ 1985، ومن ثم فإن إقامتها للدعوى بتاريخ 11/ 8/ 1988، يكون بعد الميعاد المنصوص عليه في المادة 24 من قانون مجلس الدولة، آنفة الذكر، وتغدو غير مقبولة شكلاً، وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى هذا النظر، فإنه يكون قد صادف صحيح حكم القانون، ويضحى الطعن الماثل عليه غير قائم على سند من القانون حرياً بالرفض، وتلزم الطاعنة المصروفات عملاً بالمادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وألزمت الطاعنة المصروفات.