مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1992 إلى آخر فبراير سنة 1993) - صـ 595

(61)
جلسة 23 من يناير سنة 1993

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ حنا ناشد مينا - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة/ رأفت محمد يوسف ومحمد عزت السيد إبراهيم ومحمد أبو الوفا عبد المتعال وعلي فكري صالح - نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1825 لسنة 37 القضائية

جامعات - أعضاء هيئة التدريس - مجلس الكلية - حرية الرأي.
الأصل أن لعضو مجلس الكلية أن يبدي رأيه بحرية وصراحة تامة وأن يتناول بالنقد ما يراه جديراً بذلك - ليس له أن يجاوز ذلك إلى الطعن والتجريح والتطاول دون مقتضى على الزملاء - أساس ذلك: أن هذه الاجتماعات ليست مجالاً للنيل من الرؤساء والزملاء والتشهير بهم الأمر الذي يتعارض مع المصلحة العامة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الثلاثاء الموافق 3/ 4/ 1991 أودع الأستاذ/ فتحي عبد الصبور المحامي والوكيل عن الطاعن بمقتضى التوكيل رقم 2319/ 1991 عام الجيزة قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1825/ 37 ق عليا في القرار الصادر من مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر بجلسة 26/ 2/ 1991 في الدعوى رقم 12/ 1989 والمتضمن مجازاة الطاعن بعقوبة اللوم.
وقد انتهى تقرير الطعن للأسباب الواردة به تفصيلاً إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار وببراءته مما أسند إليه.
وبتاريخ 30/ 4/ 1991 أعلن الطعن إلى المطعون ضده.
وقد أودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 26/ 6/ 1991 وقد تدوول الطعن أمامها على النحو المبين بمحاضر الجلسات إلى أن قررت الدائرة بجلسة 9/ 12/ 1992 إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) وحددت لنظره جلسة 26/ 12/ 1992 بالجلسة المسائية. وحيث قررت المحكمة بجلسة 9/ 1/ 1993 إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن قدم في الميعاد وإذ استوفى أوضاعه الشكلية الأخرى فإنه يكون مقبول شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أنه بتاريخ 8/ 11/ 1989 أصدر الأستاذ الدكتور/ رئيس جامعة الأزهر القرار رقم 12 لسنة 1989 بإحالة الأستاذ الدكتور...... إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس لأنه بجلسة مجلس الكلية المنعقد في 13/ 11/ 1988 وجه ألفاظاً في حق الأستاذ الدكتور....... ومجلس قسم التفسير وعلوم القرآن سباً علنياً على النحو الوارد في التحقيق مما يعتبر إخلالاً بمقتضى الواجب الوظيفي وخروجاً على القيم والتقاليد الجامعية التي يجب أن يتحلى بها أستاذ الجامعة بصفة عامة وجامعة الأزهر على وجه الخصوص.
ومن حيث إنه بجلسة 26/ 2/ 1991 أصدر مجلس التأديب القرار المطعون فيه بمجازاة الدكتور....... بعقوبة اللوم، وأقام قضاءه على ثبوت الواقعة المسندة إليه من شهادة الشهود ومن اعتراف الطاعن نفسه خلال التحقيقات بصدور هذه العبارات وأن القول بأن القصد من ذلك هو المعنى اللغوي دون المعنى الحرفي لا تَصَنُّّع فيه إذ لا يتفق والجو الذي دارت فيه المناقشة وإصرار الطاعن على استبعاد كلمة أسلوب الذي اقترحها الدكتور....... وتمسكه بالعبارة التي قالها على الرغم مما أوضح له من مجافاتها للأصول المرعية بين الزملاء، وهذه العبارات تتضمن تحقيراً للزملاء وتعد خروجاً على مقتضى الواجب الوظيفي وإخلالاً بحسن السير والسلوك والمستأهل للعقاب بوصفه ذنباً إدارياً.
ومن حيث إن مبنى الطعن هو مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ومخالفة الثابت بالأوراق ذلك أن جهة الإدارة قد حددت الذنب التأديبي محل الاتهام الموجه إلى الطاعن على أساس أن الأقوال المنسوبة إليه تشكل جريمة السب العلني على أساس أن تلك الأقوال فيها تحقير للزملاء وسوء سلوك من الطاعن - أي سباً قصد به الطاعن خدش الشرف والاعتبار مع انتفاء ذلك لأن مكان واقعة الاتهام مكان خاص غير علني وصدور عبارات الاتهام نتيجة استفزاز، كما أن عبارات الاتهام تحمل معنيين أحدهما لغوي والآخر حرفي وقد نفى الطاعن المعنى الحرفي من عبارة (ليتعلموا الأدب) حتى في مواجهة الدكتور...... وإنما هدف إلى المعنى العلمي وهو أن يتعلموا أسلوب الحوار أو المخاطبة وهذا المعنى لا مساس فيه بالشرف والاعتبار سواء بالنسبة للدكتور.... أو رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن، كما أن قول الطاعن للدكتور...... من أنت حتى تسمح أو لا تسمح قصد به أنه ليس له إدارة المناقشة بجلسة مجلس الكلية وذلك رداً على ما قرره الدكتور...... من أنه لا يسمح للطاعن بما قاله في المناقشة وليس ذلك إلا من باب الحوار دون أن تصل إلى حد المساس بالشرف والاعتبار لأي منها ودون أن تتجه إرادة الطاعن إلى ذلك بالإضافة إلى أن القرار المطعون فيه عابه الفساد في الاستدلال والقصور ذلك لأنه لم يعلل انصراف المعني الحرفي من عبارات الاتهام دون المعنى العلمي إلا أنه لا يتفق مع سير المناقشة بين الطاعن والدكتور...... واقتراح الأخير استبدال كلمة (أسلوب) بدلاً من (أدب) ذلك لأن السياق ذاته يدل على أن المناقشة كانت تدور حول المعنى اللغوي دون المعنى الحرفي وهو ما صرح به الطاعن وانصرفت إرادته إليه، كما أن القرار المطعون فيه لم يرد على ما أثاره الطاعن من أن الذنب التأديبي غير متوافر لصدور عبارات الاتهام نتيجة استفزاز الدكتور...... وتبادله مع الطاعن عبارات مماثلة تحمل التوجيه والتأديب للطاعن هي التي جعلت المناقشة ذات نبرة حادة وإن لم يقصد به الخدش والاعتبار من أيهما للآخر.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه بتاريخ 13/ 11/ 1988 وأثناء انعقاد مجلس كلية الدراسات الإسلامية والعربية حدثت مناقشة حول موضوع تعديل الإشراف الخاص بالسيدة...... المدرس المساعد بقسم التفسير وعلوم القرآن المقدم من قسم التفسير وعلوم القرآن وكان قد جاء بقرار القسم (إلغاء) إشراف كل من الأستاذ الدكتور...... والدكتور...... على رسالة السيدة المذكورة ويسند الإشراف إلى كل من الأستاذ الدكتور...... والأستاذ الدكتور....... وقد اقترح الأستاذ الدكتور....... تغيير كلمة (إلغاء) واستبدال كلمة تغيير بها فعقب الأستاذ الدكتور...... بأن كلمة تغيير أحسن للمحافظة على المشرفين السابقين ووافق الطاعن على ذلك ثم انتقلت المناقشة إلى هل يعاد القرار إلى مجلس التفسير لتعديل الكلمة أو الاكتفاء بتعديلها بقرار مجلس الكلية فاقترح بإعادة الموضوع إلى القسم فعقب الطاعن قائلاً يعاد إلى مجلس القسم (ليتعلموا الأدب) فرد عليه الدكتور..... بأنه لا يصح أن يقال مثل هذا التعبير على زملائنا ومن الأحسن أن نقول ليتعلموا الأسلوب فرد الطاعن بل أكرر ليتعلموا الأدب فرد عليه الدكتور...... أنا لا أسمح لك أن تقول هذه العبارات على زملائنا الغائبين لأنهم متعلمون الأدب فرد الطاعن من أنت حتى تسمح أو لا تسمح فأنا أقول لتتعلم أنت الأدب أيضاً فتقدم الأستاذ الدكتور...... بشكوى إلى الدكتور عميد الكلية طلب فيها إبلاغ الأستاذ الدكتور رئيس الجامعة بما حدث من الطاعن رئيس قسم اللغة الفارسية ضده وضد أعضاء مجلس قسم التفسير وعلوم القرآن بجلسة مجلس الكلية في التاريخ المذكور وبشهادة أعضاء المجلس فأحيل الموضوع إلى التحقيق بمعرفة أحد أساتذة القانون بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر وبناءً على ذلك أصدر رئيس الجامعة القرار رقم 12 بتاريخ 7/ 1/ 1989 بإحالة الطاعن إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس لمحاكمته تأديبياً عما نسب إليه بقرار الاتهام، وبجلسة 26/ 2/ 1991 أصدر المجلس قراره المطعون فيه.
ومن حيث إنه لا يوجد اختلاف في الوقائع التي حدثت أثناء انعقاد مجلس كلية الدراسات الإسلامية والعربية بتاريخ 13/ 11/ 1988 فقد عرض قرار مجلس قسم التفسير وعلوم القرآن بإلغاء الإشراف على المدرس المساعد بالقسم السيدة..... وأن اقتراح الطاعن تعديل كلمة إلغاء واستبدالها بكلمة تغيير وموافقة الدكتور...... على ذلك بأن كلمة تغيير أحسن للمحافظة على المشرفين السابقين ثم انتقلت المناقشة حول إعادة القرار إلى القسم أو إجراء التعديل فتم الاقتراع بإعادة الموضوع فعقب الطاعن قائلاً بأن يعاد إلى القسم ليتعلموا الأدب فرد عليه الدكتور...... بأنه لا يصح أن يقال ذلك على زملائنا ومن الأحسن أن يقال ليتعلموا الأسلوب فرد الطاعن بل أكرر ليتعلموا الأدب فرد عليه الدكتور...... أنا لا أسمح لك أن تقول هذه العبارة على زملائناً الغائبين لأنهم تعلمون الأدب فرد عليه الطاعن بعبارة من أنت حتى تسمح أو لا تسمح وأنا أقول لتتعلم أنت الأدب أيضاً.
ومن حيث إن هذه المناقشة قد حدثت أثناء انعقاد مجلس كلية الدراسات الإسلامية والعربية وإذا كان الأصل أن لأعضاء المجلس أن يبدي رأيه بحرية وصراحة تامة وأن يتناول بالنقد ما يراه جديراً بذلك إلا أنه ليس له أن يجاوز ذلك إلى الطعن والتجريح والتطاول دون مقتضى على الزملاء وإلا أصبحت مثل هذه الاجتماعات مجالاً للنيل من الرؤساء والزملاء والتشهير بهم الأمر الذي لا يتفق مع المصلحة العامة وما تقتضيه من قيام الثقة والتعاون بين جميع الأساتذة الزملاء، ومن ثم فإن مجلس التأديب إذا أدان سلوك الطاعن وأوقع عليه عقوبة اللوم إنما يكون قد استخلص النتيجة التي انتهى إليها استخلاصاً سائغاً ومقبولاً من أصول تنتجها مادياً وقانوناً ويكون الطعن والحالة هذه لا يقوم على أساس سليم متعيناً رفضه.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.