مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة والثلاثون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1992 إلى آخر فبراير سنة 1993) - صـ 698

(75)
جلسة 28 من فبراير سنة 1993

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد حامد الجمل - رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأستاذة/ محمد معروف محمد ومحمد عبد الغني حسن وعبد القادر هاشم النشار ود. منيب محمد ربيع - المستشارين.

الطعن رقم 2648 لسنة 34 القضائية

اتحاد الإذاعة والتليفزيون - طبيعة القرارات الخاصة بعرض البرامج.
المادة الثانية من القانون رقم 13 لسنة 1979 في شأن اتحاد الإذاعة والتليفزيون - القرار الصادر بعرض برنامج بعينه هو قرار تنظيمي داخلي يلزم الأجهزة المختصة فنياً وإدارياً باتحاد الإذاعة والتليفزيون لتحديد الخريطة الإذاعية والإرسال المرئي - عرض البرامج أمر منبت الصلة بالمشاهدين - مثل هذه القرارات ليست قرارات إدارية - أثر ذلك: عدم قبول الدعوى المقامة بشأنها أمام القضاء الإداري - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد 10/ 7/ لسنة 1988، أودع الأستاذ/ جلال يوسف الشكعة المحامي بالنقض، بصفته وكيلاً عن الطاعن، تقرير طعن قيد بجدولها برقم 2648 لسنة 34 ق عليا، في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري، دائرة منازعات الأفراد والهيئات، وبجلسة 28/ 6/ 1988 في الدعوى رقم 3749 لسنة 41 ق. المقامة من الطاعن ضد المطعون ضده. وذلك فيما قضى به من قبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً وإلزام المدعي بالمصروفات.
وطلب الطاعن في ختام تقرير طعنه - وللأسباب المبينة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المطعون ضده بالمصروفات.
وفي يوم الاثنين 8/ 8/ لسنة 1988، أودع الأستاذ المستشار/ رئيس هيئة مفوضي الدولة تقرير طعن قيد بجدول المحكمة برقم 3004 لسنة 34 ق. عليا. في ذات الحكم المشار إليه وطلب في ختام تقرير طعنه - وللأسباب المبينة به - الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار المطعون فيه وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات وقد أعلن الطعنان على الوجه المبين بالأوراق .
وقدم الأستاذ المستشار/ عادل الشربيني، مفوض الدولة تقريراً بالرأي القانوني لهيئة مفوضي الدولة ارتأى فيه الحكم بقبول الطعنين شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار المطعون فيه، مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.
وقد نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون، على النحو المبين بمحاضر جلساتها حيث قررت الدائرة، بجلسة 6/ 1/ لسنة 1992، ضم الطعنين لتصدر فيهما حكماً واحداً وبجلسة 17/ 2/ لسنة 1992، قررت الدائرة إحالة الطعنين إلى هذه المحكمة.
وقد تم نظرهما أمام هذه المحكمة على النحو الثابت بمحاضرها، وتداول أمامها بالجلسات وناقشت المحكمة أدلتهما التفصيلية حيث قررت بجلسة 29/ 10 لسنة 1992 إصدار الحكم فيهما بجلسة 27/ 12/ لسنة 1992 مع مذكرات خلال ثلاثة أسابيع لمن يشاء، ثم قررت المحكمة مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم 28/ 2/ لسنة 1993 وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة والمداولة.
ومن حيث إن الطعنين قد استوفيا إجراءات قبولهما الشكلية، ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي قد أقام الدعوى 3749 لسنة 41 ق. بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 5/ 5/ لسنة 1987، وطلب في ختامها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار الإداري القاضي بعرض البرامج - الفوازير وألف ليلة وليلة وزهور من نور - عقب الإفطار ليالي شهر رمضان المبارك لما تحويه من رقص خليع وتصرفات مشينة تتعارض مع أبسط ما يجب أن يتوافر لهذا الشهر الكريم من تقدير وتقديس يرتفع به إلى مكانته كشهر القرآن والفضائل في دولة إسلامية وينص دستورها على ضرورة التقيد بأحكام الشريعة الإسلامية والتزام أخلاقها ومبادئها. فضلاً عما تسببه هذه البرامج بما تحويه من السيئ من الأمور والتصرفات من إفساد للأخلاق وإهدار للقيم ومساس بجوانب العقيدة الإسلامية. وأضاف المدعي قوله أنه فضلاً عما تقدم فالملاحظ لكل مشاهد أن هذه البرامج تذاع في أوقات بعينها تعاصر صلاة العشاء والتراويح أو عقب صلاة المغرب مما يصرف النشئ والشباب عن متابعة إقامة ليالي رمضان بالذكر والعبادة.
كما أن هذه البرامج، بما يتضح فيها من إسراف وتبذير في ملابس الفنانين والديكورات وسائر التجهيزات، تعرض على أبناء شعب غالبيتهم من متوسطي الحال وذوي الحاجات الذين لا يجد غالبيتهم قوت يومهم مما يدفعهم إلى انحراف مؤكد وتبرم واضح وإفساد لا يمكن تدارك آثاره السلبية على مدى حرص الشباب على العقيدة وتمسك الآخرين بالمبادئ والقيم.
وإذ توافرت في الدعوى شروط قبولها فإنه يكون من المتعين الحكم للمدعي بطلباته وبجلسة 28/ 6/ لسنة 1988، أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها المطعون فيه والقاضي بقبول الدعوى شكلاً وبرفضها موضوعاً وإلزام المدعي بالمصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أن الثابت من الأوراق أن التليفزيون يقوم بحكم رسالته الإعلامية الشاملة - بعرض نوعيات مختلفة من البرامج على قنواته الثلاث منها الإخبارية والاجتماعية والعلمية والدينية والثقافية والرياضية..... فضلاً عن العديد من الأفلام العربية والأجنبية. وكل من هذه البرامج أو تلك الأفلام لا تعرض قبل أن تعرض على لجنة فعالة الأداء من المتخصصين كل في مجاله لضمان عدم مساس أي منها بالقيم الدينية أو الأخلاقية وعدم خروجها على الآداب العامة أو تضمنها لمشاهد أو عبارات من شأنها إيذاء مشاعر جمهور المشاهدين.
فضلاً عن أن التليفزيون يعمل دائماً على امتداد المساحة الزمنية المخصصة للبرامج الدينية خلال شهر رمضان عن مثيلاتها في الأشهر الأخرى. ولا يتصور بحال أن يقتصر التليفزيون على عرض هذه النوعية من البرامج الدينية خلال هذا الشهر.
ولما كان الثابت أن البرامج موضوع الدعوى تخضع كغيرها من البرامج للمتابعة والرقابة من الأجهزة المتخصصة قبل عرضها لكفالة عدم مساس أي منها بالمشاعر أو القيم الدينية فإن قرار عرضها يكون قد قام على صحيح سنده من القانون حرياً برفض الطعن عليه بالإلغاء.
وأضافت المحكمة تبياناً لحكمها أنه من حيث إن ما أثاره الطاعن عن ما تمثله هذه البرامج من إسراف مالي دون مبرر فإن الواقع يخالف ذلك حيث إنه من المحقق أن هذه النوعية من البرامج تدر أرباحاً ودخلاً يعتمد عليه في الإنفاق على سائر البرامج.
وخلصت المحكمة إلى إصدار حكمها برفض الدعوى.
ومن حيث إن مبنى الطعن في كل من الطعنين، أن الحكم المطعون فيه قد جاء مخالفاً لصحيح أحكام الدستور والقانون وأخطأ في تطبيقها وتفسيرها حيث ذهب إلى عدم إيقاف هذه البرامج مع ما تتضمنه من خلاعة ورقص وإسفاف يخرج بها عن صحيح قيم المجتمع ومبادئه مما يمثل تعارضاً مع صحيح أحكام المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
كما تنص المادة (12) من الدستور على أن يلتزم المجتمع برعاية الأخلاق وحمايتها وقد توج المشرع الدستوري مبادرته بحماية قيم المجتمع وأخلاقياته ودعم ما يحفظها ونبذ ما يمسها أو يسئ إليها وحظر أية دعوى تغايرها أو تعمل ضد تأكيدها.
كما أن القانون رقم (13) لسنة 1979 في شأن اتحاد الإذاعة والتليفزيون يهدف إلى تحقيق رسالة الإعلام الإذاعي المسموع والمرئي سياسة وتخطيطاً تأكيداً لأداء خدمة إعلامية جماهيرية.
كما أن التليفزيون كجهاز إعلامي مؤثر، وبحكم رسالته يلتزم بأن تكون برامجه مرتبطة بالقيم والأخلاق والمبادئ التي تغرس في نفوس النشئ والشباب، بل بأبناء الأسر جميعاً كبيرهم وصغيرهم على أسس من سلامة الذوق واحترام الذات بدلاً من خليع البرامج أو التافه من المعلومات التي لا تفيد ولا تنفع فإذا سايرت المحكمة غير ما تقدم من ادعاءات حول رسالة التليفزيون وحقيقتها وأهدافها، فإنه يكون حكمها خليقاً بالإلغاء ويتعين الحكم بإلغاء قرار إذاعة البرامج موضوع الدعوى خاصة في شهر رمضان المبارك وخلال مواقيت الصلاة.
ومن حيث إن مقطع النزاع في هذا الطعن هو مدى توافر القرار الإداري الذي يؤثر في المركز القانوني للطاعن من عدمه.
ومن حيث إنه قد جرى قضاء هذه المحكمة على أنه وإن كان للخصوم حق تحديد طلباتهم وصياغة عبارتهم بما يتفق مع نيتهم في تحديد ما يقصدونه من الطلبات وسندهم فيها قانوناً. فإنه يتعين على المحكمة أن تحدد على نحو موضوعي الطلبات وفقاً لحقيقة ما يقصده الخصوم من تقديمها وصحيح إرادتهم بشأنها مما يمكنها من إنزال حكم القانون الصحيح على هذه الطلبات، وبصفة خاصة فيما يتعلق بولاية القضاء الإداري بنظرها، أو اختصاص محكمة من بين محاكم مجلس الدولة بذلك، أو بعدم قبول الدعوى شكلاً سواء فيما يتعلق بميعاد رفعها أو غير ذلك من سائر الشروط الشكلية لقبولها وتتولى المحكمة ذلك من تلقاء نفسها. ولو دون طلب من الخصوم لما في تحديد طلبات الخصوم وتكييفها وتحديد طبيعة المنازعة من ارتباط حتمي بالأصول العامة للتنظيم القضائي وبصفة خاصة ولاية محاكم مجلس الدولة التي حددتها المادة (172) من الدستور وأحكام قانون تنظيم مجلس الدولة.
ولما كان الطعن سواء المقدم من رئيس هيئة مفوضي الدولة أو من الطاعن قد استند في تجريح الحكم المطعون فيه إلى أنه قد خالف الدستور والقانون رقم (13) لسنة 1979 بشأن اتحاد الإذاعة والتليفزيون بعدم إلغاءه لقرار لجنة مراقبة البرامج بالتليفزيون باعتماد عرضه برنامج "فوازير رمضان" "وحلقات ألف ليلة وليلة" استناداً إلى ما تتضمنه من خروج على قيم ومبادئ المجتمع فضلاً عن سوء اختيار إذاعتها على خريطة الإرسال بتوقيتها خلال شهر رمضان المعظم وبصورة خاصة خلال إقامة صلاة العشاء وصلاة القيام.
ومن حيث إنه قد جرى قضاء هذه المحكمة على أن القرار الإداري هو تصرف قانوني يصدر عن الإدارة بما لها من سلطة عامة ملزمة لينشئ مركزاً قانونياً جديداً، أو يؤثر في مركز قانوني قديم لفرد محدد أو لعدد من الأفراد محددين أو موصوفين. أو هو - وعلى حد ما استقر عليه قضاء هذه المحكمة - قرار تفصح به الإدارة عن إرادتها الملزمة للأفراد بناءً على سلطتها العامة بمقتضى القوانين واللوائح حيث تتجه تلك الإرادة نحو إنشاء مركز قانوني، وتتولى محاكم مجلس الدولة أو القضاء الإداري بصورة عامة رقابة الشرعية وسيادة القانون عن طريق وقف تنفيذ وإلغاء القرارات الإدارية التي بها عيب مخالفة القانون أو التعسف في استعمال السلطة. وتكون الإدارة ملزمة بتنفيذ أحكام القضاء الإداري الصادرة في هذا الشأن عملاً بحجية الأمر المقضى به والتي هي مطلقة بالنسبة لأحكام الإلغاء التي نص قانون تنظيم مجلس الدولة صراحة على أنها حجة على الكافة. كما يلزم في القرار الإداري أن يكون محله هو المركز القانوني الذي تتجه إرادة مصدر القرار إلى إحداثه إلزاماً وحتماً بإرادته المنفردة والأثر القانوني الذي يترتب عليه حالاً ومباشرة، وهذا الأثر هو إنشاء حالة قانونية معينة أو تعديلها أو إلغاؤها بالإرادة المنفردة الملزمة للسلطة الإدارية والتي لا تتقيد قراراتها بالقوة والإكراه إذا اقتضى الأمر ذلك.
وهذا المبدأ هو الذي أرست مبادئه هذه المحكمة باعتبارها قمة قضاء المشروعية والشرعية والحامية لحمى سيادة الدستور والقانون والمبادئ والحقوق والحريات العامة والخاصة للمواطنين وفقاً لما حددتها أحكام الدستور ونظمتها القوانين واللوائح المختلفة، وهي الأمينة على الالتزام من الجهات الإدارية بمبدأ الشرعية وسيادة القانون الذي نص الدستور صراحة في المادة (64) منه أنه أساس الحكم في الدولة - كما أكد هذه السيادة والعلو للشرعية وسيادة القانون على كل إرادة في الدولة ما نص الدستور عليه في المادة (65) من أنه تخضع الدولة للقانون واستقلال القضاء وحصانته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات - فهذه المحكمة واجبها أن تنزل حكم الدستور والقانون على ما يعرض أمامها من طعون ومسئوليتها كفالة حق أي من المواطنين في كفالة مركزه القانوني من أي عدوان جبري من قرارات أو من تصرفات الإدارة ومن المؤكد مسئوليتها عن حماية الحق في كل ما يمثل مساساً بالتقييد أو المنع من أحد الحقوق الدستورية للمواطنين والتي تتصل بالمواطن وتكون حقاً مقدساً له باعتباره كذلك بما يكفل أن لا تزايله أي من هذه الحقوق إلا على النحو الذي يحكم الدستور أو القانون تنظيمه وبيانه.
فالمنازعات المتعلقة بحق من الحقوق الدستورية العامة وفي مقدمتها حق الطعن ومهما اصطبغت مثل هذه الطعون وبحكم اللزوم بالصبغة الخاصة بالمنازعات الإدارية، بحسبانها في ظاهرها منازعات تمثل الجهة الإدارية أحد أطرافها، فإنه يتعين أن تقوم قانوناً في أساسها على طلب دفع عدوان إلزامي أو جبري بإرادة الإدارة المنفردة على الأفراد، وإعلاء الشرعية بإلزام الإدارة العاملة المطعون في قراراتها بأحكام الدستور والقانون.
والعدوان الإداري على الشرعية وسيادة القانون يجب لوجوده أن يمس القرار مركزاً قانونياً للأفراد أو لفرد بذاته، مما يتوافر له معه الحق في الاعتراض عليه بالطعن أمام محاكم مجلس الدولة لوقف تنفيذه أو إلغاؤه، وإزالة الجبر غير المشروع له على المركز أو الوضع القانوني الذي يتمثل في محل القرار.
ومن حيث إن المادة الثانية من الدستور تنص على أن "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".
وتنص المادة (12) على أن "يلتزم المجتمع برعاية الأخلاق وحمايتها والتمكين للتقاليد المصرية الأصلية. وعليه مراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية والقيم الخلقية والوطنية والتراث التاريخي للشعب والحقائق العلمية والسلوك الاشتراكي والآداب العامة وذلك في حدود القانون.
ومن حيث إن المادة الثانية من القانون رقم (13) لسنة 1979 في شأن اتحاد الإذاعة والتليفزيون تنص على أن "يهدف الاتحاد إلى تحقيق رسالة الإعلام الإذاعي المسموع والمرئي، سياسة وتخطيطاً وتنفيذاً في إطار السياسة العامة للمجتمع ومتطلباته الإعلامية. أخذاً بأحدث ما تصل إليه تطبيقات العلم الحديث، وتطوراته في مجالات توظيف الإعلام المرئي والمسموع لخدمة المجتمع وبلوغ أهدافه.
وفي سبيل ذلك يعمل الاتحاد على تحقيق الأغراض الآتية:
1 - أداء الخدمة الإذاعية المسموعة والمرئية بالكفاءة المطلوبة. وضمان توجيههاً لخدمة الشعب والمصلحة القومية، في إطار القيم والتقاليد الأصيلة للشعب المصري، وفقاً للمبادئ العامة التي نص عليها الدستور.
2 - ..................
3 - العمل على نشر الثقافة وتضمين البرامج الجوانب التعليمية والحضارية والإنسانية، وفقاً للرؤية المصرية والعربية والعالمية الرفيعة لخدمة كافة فئات الشعب وتكريس برامج خاصة للطفولة والشباب والمرأة العاملة والعمال والفلاحين إسهاماً في بناء الإنسان حضارياً وعملاً على تماسك الأسرة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أنه طبقاً لأحكام الدستور والقانون فإن رقابة القضاء الإداري ومحاكم مجلس الدولة على القرارات الإدارية، هي رقابة مشروعية، تسلطها على القرارات المطعون فيها لتزنها بميزان الدستور والقانون والشرعية والمصلحة العامة فتلغيها أو توقف تنفيذها لو تبين صدورها مخالفة لأحكام القانون بصفة عامة، أو انحرافها عن الغاية الوحيدة التي حددها الدستور والقانون لسلامة قرارات وتصرفات الإدارة العاملة وهي تحقيق الصالح العام، إلى تحقيق غير ذلك من أغراض تخرج عن صحيح ما استهدف تحقيقه من صالح عام، الدستور أو القانون المنظم للنشاط الإداري. كما أن مجلس الدولة لا تلتزم محاكمه في مباشرة رقابتها للمشروعية على قرارات وتصرفات الجهات التنفيذية بالإدارة العامة في أدائها لواجباتها بغير أحكام الدستور والقانون وسيادة القانون، وعلو المصلحة العامة التي يلزم أن تكون الغاية الوحيدة لكل ممارسة للسلطة العامة وسند مشروعية هذه الممارسة ومبررها، ولا تجاوز سلطة وولاية محاكم مجلس الدولة إعلاء الشرعية وسيادة القانون بالنسبة للقرارات الإدارية المخالفة للقانون الحكم بوقف تنفيذها أو إلغائها فولاية محاكم مجلس الدولة باعتبارها ولاية رقابة للمشروعية، ولاية بعدية تنصب على تصرف أو قرار إداري يصدر من الجهة الإدارية المختصة ولا شأن للقضاء الإداري أي محاكم مجلس الدولة بتوجيه الجهات الإدارية المسبق وإلزامها بتصرف محدد أو معين ولو كان سند ذلك أحكام تجد أساس الشرعية في الدستور أو القانون، فهذه المحاكم لا تحل محل الجهات الإدارية المختصة في أدائها لوظيفتها الإدارية في تسيير وإدارة المرافق العامة بانتظام واضطراد في مجال الخدمات أو الإنتاج وذلك بحكم استقلال السلطة القضائية التي تباشرها المحاكم عموماً ومحاكم مجلس الدولة بينها عن السلطتين التنفيذية أو التشريعية بحكم صريح في مواد الدستور، الذي يقوم على احترام مبدأ استقلال السلطات الثلاث في الدولة مع خضوعها لسيادة القانون ( المواد 64، 65، 68، 165، 166، 167، 172 من الدستور) فكما أنه لا سلطان على القضاة المستقلين في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضايا أو في تحقيق العدالة فلا تتدخل محاكم مجلس الدولة أو قضاتها عند أداء وظيفتهم ومباشرة رسالتهم في الفصل في المنازعات الإدارية في سير النشاط الإداري أو تتولى توجيهه وتسييره بدلاً من الإدارة التي تقوم بذلك على مسئوليتها السياسية والإدارية والمدنية والجنائية وفقاً لأحكام الدستور والقانون.
ومن حيث إنه بناءً على ما سلف الإشارة إليه من الأحكام الواضحة المعنى والغاية في مواد الدستور وقانون اتحاد الإذاعة والتليفزيون، التي تحدد وتقرر المبادئ والأصول العامة الحاكمة لحدود رقابة مشروعية القضاء الإداري على القرارات الإدارية من خلال بيانها لأهدافها وغاياتها على وجه القطع واليقين فإنه لا شك أن نشاط اتحاد الإذاعة والتليفزيون يجب أن يهدف إلى تأكيد أن الإنتاج الفني أو العمل المذاع مرئياً أو مسموعاً إنما يكون لتأكيد تحقيق هذا العمل أو ذلك النشاط الارتقاء بالمستوى الفني وليكون مستهدفاً العمل على تأكيد قيم المجتمع الدينية والروحية والخلقية ومساهماً في تنمية الثقافة العامة والمهارات الخاصة لأي من فئات الشعب على اختلاف طبقاته وأنماط سلوكه محققة في ذلك الحفاظ على القيم الدينية التي تتحدد على أساسها مبادئ وحدود الآداب العامة والحفاظ على النظام في إطار الشرعية وسيادة الدستور والقانون وحماية النشئ من الانحراف.
ومن حيث إنه يتعين أن تبين المحكمة أن مفهوم الأخلاق والآداب العامة يخرج عن مجال النظام العام المادي المحسوس والممثل للحالة المناقضة للاضطراب، وباعتبار أن القيم والمبادئ والأخلاق إنما هي تعبير عن أفكار ومعتقدات وأحاسيس يلزم أن يكون لها تأثير ذو مظهر ونشاط خارجي يبرر التدخل لرقابته وتقرير مدى مشروعيته.
ومن ثم فإن مضمون النظام العام الخلقي ومبادئه الاجتماعية تؤكد أن الدستور والقانون لا يتضمن فقط الإشارة إلى أي منها بل إلى بيان وتأكيد الهدف منها وهو حفظ الفضيلة والتي تتحدد من خلال مفهوم المجتمعات نفسها لهذا المعنى من خلال موقفها ومدى تقبلها لعمل ما خضوعاً واتفاقاً مع العادات والتقاليد المستقرة التي تعارف عليها المجتمع قبولاً أو رفضاً في الغالبية العظمى من أفراده، ليس بحسب معيار أو رؤية محددة لقلة منه وفي هذا النطاق فإنه يتعين الالتزام بحماية الاحتشام العام de cens publique أي القيم والمبادئ الأخلاقية العامة التي يتقبلها المجتمع بالأغلبية الساحقة ويعتبرها من تقاليده التي تحمي مصالحه وهي بالتالي تصل إلى الاهتمام العام بالأخلاق العامة بما يتحقق للمجتمع عامة والنشئ والقصر من صغار السن وخاصة قيم ومبادئ عليا تتمثل في إطار من العقيدة وتقاليد المجتمع وهذه كلها مقيدة في إطار من المفهوم المحلي للمجتمع وقد أدى هذا المفهوم إلى صدور العديد من القوانين الرقابية والمبادئ القضائية التي تنظم منع عرض المطبوعات.
التي تصف الجرائم والفضائح وكذلك عرض الأفلام اللاأخلاقية lmmoraux Les films التي تصف الإثارة وتعرض البذيء من الألفاظ أو المثير من الحركات واتسام هذه التشريعات بترك سلطة تقديرية واسعة للسلطة القائمة على الرقابة لتحديد المجال المحمود للأخلاق وأنماط حماية المجتمع وعاداته في المجال الاجتماعي، ويؤكد ذلك أحكام الدستور المصري وقانون اتحاد الإذاعة والتليفزيون المشار إليه الذي يوضح أن الغاية والهدف هي أن تأدية الرسالة الإعلامية المسموعة أو المرئية يلزم أن تكون موجهة وفقاً للقواعد العامة للشرعية الإسلامية ومبادئها القائمة على رعاية الأخلاق والتقيد بالتقاليد المصرية الأصيلة ومراعاة المستوى الرفيع للتربية الدينية والقيم الخلقية والوطنية والتراث التاريخي للشعب والآداب العامة وضماناً لتأكيد خدمتها للشعب ومصالحه القومية بجميع طوائفه، وفي إطار من القيم والتقاليد الأصيلة له إسهاماً في إنماء حضارته وتأكيداً لقيمه وعملاً على تماسك الأسر الخلية الأساسية للمجتمع وأساس وجوده وقوامه الدين والأخلاق والوطنية، والتي يتعين أن تحرص الدولة بجميع أجهزتها وفي جميع أنشطتها وعلى قمتها الإذاعة المسموعة والمرئية التي تتولى إدارتها والهيمنة عليها على الحفاظ على الطابع الأصيل للأسرة المصرية وما يتمثل فيها من قيم وتقاليد وحماية للأمومة والطفولة، ورعاية النشئ والشباب وتوفير الظروف المناسبة لتنمية مواهبهم (المواد 9، 10 من الدستور) وقد تواترت هذه المبادئ العامة في سائر القوانين بالاتفاق مع أحكام الدستور بحكم اللزوم.
وفيما يخص موضوع هذا الطعن فإن القانون رقم (340) لسنة 1955 وتعديلاته بشأن الرقابة على المصنفات الفنية والقانون رقم (109) لسنة 1971 بشأن نظام هيئة الشرطة قد تضمنت النصوص والأحكام التي تقرر اختصاص هيئات الضبط الإداري بحماية النظام العام والآداب العامة وكفالة الاحتشام العام.
ويتعين التأكيد على أنه مع التسليم - على أساس معيار موضوعي يتعلق بالأغلبية العظمى لأفراد المجتمع - بوجود نظام عام خلقي للمجتمع حسبما يقر في ضمير وعقيدة الأغلبية العظمى من أفراده فإنه لا يعني الإطلاق في التصرف أو التقييد كما أن ذلك لا يمنع من التبصر بحقيقة وصعوبة الفصل المطلق بين ما هو خلقي وذاتي وخاص في فهم الفرد وشعوره وما هو قانوني ومشروع حسبما يتضمن النظام القانوني للجماعة وما يترتب على ذلك من إزالة الحواجز بين ما يعتبر من "الفضيلة" وما يتصف "بالمشروعية" وهو إذ ينطوي على خطر جسيم على الفكر والفن وحرية التعبير في كل صورها يتجسد في عدم إمكانية التحديد الدقيق الموضوعي العام لمضمون ماهية الأخلاق تحديداً جامعاً مانعاً بين التوسع في مضمونها بما يوسع المجال وتفتحه أمام الرقابة من الإدارة لتتغول وتفرض وصايتها ورؤيتها ووجهة نظرها على كل عمل فكري أو علمي أو فني بدعوى حماية القيم الخلقية لمن يقومون بالرقابة باسم سلطة الدولة أو لمن يجعلون أنفسهم رقباء أو أوصياء على المجتمع في مجال تطبيق القانون ومبادئ الشريعة وبالتالي يصبح كل فكر ورأي وفن من أي نوع مجالاً لطغيان الإدارة والمواقف الشخصية حيث يحل فيه الأفراد أنفسهم وفقاً لآرائهم ورؤيتهم الخاصة التي تعبر عنهم أو عن قلة لا تتفق مع الجماعة العامة محل سلطة الدولة في التقدير، ويقيمون من القواعد والمعايير الشخصية التي يشرعونها لأنفسهم تحديداً لماهية الأخلاق والقيم والمبادئ التي يحميها الدستور، وينهضون إلى فرض ذلك مباشرة، أو قسراً من خلال القضاء أو غيره من السلطات العامة في الدولة على المجتمع، وعلى جمهور المواطنين، ولذلك فإن هذه الرقابة تجد حدها الطبيعي في رقابة القضاء وفقاً لما يحدده المشرع وأحكام القانون من ماهية المجال الأخلاقي والأدبي في تناوله له باعتبار أن القاعدة القانونية التي بها الحكم الموضوعي الذي يحكم الشرعية، وبين غير القانوني وغير المشروع إنما يمثل الحد الأدنى للفضيلة ذات الأثر الحميد التي يجب على الجميع أن ينتهجوها، والذي يكون له مضمون موضوعي حدده الشارع ونقاط تدور عليه الأحكام خاصة وأن المجتمع في تطوره وتقدمه يجب أن يقوم على مبادئ حقيقة من الأخلاق القويمة التي يحددها القانون بواسطة ممثلي الشعب الذين يشرعون، ويهدف إلى تأكيد المبادئ الأخلاقية ورعايتها في المجتمع دون إزالة الحدود ما بين القانون والأخلاق حيث الأخلاق تمثل الغاية الرفيعة من الدين وهي مسئولية الفرد قبل خالقه وقبل المجتمع وخارجه، والله وحده الرقيب على الضمائر وهو العليم بالسرائر وقد استقرت لذلك آراء الفقه وأحكام القضاء وأن المفهوم الأخلاقي هو ذلك الذي يطابق الحد الأدنى للفكرة الأخلاقية السائدة والمقبولة من الأفراد ومن حيث أن ما سبق كله إنما يتصل بوجوب منع السلوك الخارجي للإنسان الذي يمثل بتصرف منه خروجاً على المألوف وتقاليد المجتمع وإحراجاً للمشاهد ويعتبر فعلاً مؤثماً كجريمة جنائية أو إدارية ترتب المسئولية القانونية لمن تثبت عليه أو المطلع عليها.
ومن حيث إنه بناءً على ما سبق جميعه فإنه يلتزم اتحاد الإذاعة والتليفزيون بمراعاة ما يقدمه من برامج وبصفه خاصة في حلقات فوازير رمضان أو حلقات ألف ليلة وليلة بصحيح وواقع القيم الخلقية السائدة في المجتمع والقيم الدينية الخلقية الرفيعة التي يقوم عليها نظام الأسرة أفرادها وتوقير شهر رمضان المعظم الذي له منزلته في قلوب المسلمين كافة وبينهم غالبية أبناء هذا الوطن باعتباره الشهر المبارك الذي أنزل الله فيه القرآن دستوراً وهدى لحياة البشرية جمعاء، ولكونه جزءً من عقيدتهم الإسلامية التي تعتبر الدين الرسمي للدولة بمقتضى النص الصريح لدستور هذه الشريعة التي ما أنزل الله القرآن فيها على رسوله إلا ليتمم مكارم الأخلاق وهي التي تحترم الأديان والعقائد السماوية بين أبناءها وما يتطلبه ذلك من مراعاة شعائرهم والتزامها بتمكينهم من أداء هذه الشعائر وفق أصولها الدينية وما يتفق مع عادات وتقاليد أغلبية الأفراد ولاشك إنه بناءً على كل تلك المبادئ الدستورية العامة والقيم الخلقية للنظام العام الخلقي الإسلامي الذي جعله الدستور أساساً ومنهاجاً للدولة وتصرفاتها ولسلوك المجتمع وأفراده على جميع فئاتهم وتجمعاتهم يفرض على أخطر الأجهزة الإعلامية الوطنية المصرية تأثيراً في تثقيف وتربية وتوجيه المصريين بل وجميع مشاهديه من الناطقين باللغة العربية في الدول العربية والعالم، وهو التليفزيون أن يقوم بدوره المؤثر الهام والخطير في حياة المجتمع وتطوره والمحدد له وفقاً لأحكام القانون واللوائح مسئولية كبرى توجب على المسئولين عن تخطيط وتدعيم برامجه مراعاة القيم الدينية والخلقية التي يقوم عليها النظام العام للمجتمع، وأن يحافظوا على حرية تمكين الأفراد من أدائهم مناسك صيامهم وعبادتهم في جو من التقديس والتوقير المتلازمين مع ممارسة أي شعيرة دينية وبصفة خاصة خلال شهر رمضان المعظم، وذلك على مسئوليتهم الإدارية والسياسية والجنائية حسبما نظمها الدستور والقانون حيث إن الوزير المسئول عن الإعلام والمشرف على أداء التليفزيون والإذاعة مسئول سياسياً ودستورياً أمام مجلس الشعب عن طريق الاستجواب والسؤال وطرح الثقة وهي وسائل الرقابة البرلمانية عن أي خلل في سياسات البرامج التي تحيد عن التعبير بحق وصدق عن قيم المجتمع الدينية والخلقية، والتي تهبط عن المستوى الرفيع للثقافة الجيدة والترفيه بالفنون الراقية بالذوق والحس الإنساني الذي ينمي قدرات المصري على التقدم والنهوض إلى التقدم والقوة والرخاء بهذا الوطن، كما أن العاملين في أجهزة الإذاعة والتليفزيون خاضعون طبقاً لقوانين ولأنظمة العاملين السارية بشأنهم للمحاسبة إدارياً وتأديبياً عن أي خروج في أي عمل أو تصرف أو أداء للبرامج تخطيطاً وتنفيذاً عن الشرعية وعن القيم الخلقية والثقافية والجمالية الرفيعة التي نص عليها الدستور وقانون اتحاد الإذاعة والتليفزيون وجرى عليها باستقرار العرف الثقافي والفني الإذاعي المسموع والمرئي في اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري الذي عليه في هذا الإطار العمل والنشاط لتحقيق السياسة الإعلامية بجميع أهدافها تحت إشراف ورئاسة المسئولين والرؤساء المختصين ورقابة أجهزة الرقابة الداخلية والخارجية المختصة وكلهم موظفون عموميون وخاضعون للمحاسبة تأديبياً عن أخطائهم.
كذلك فإن ما يرد في البرامج من خروج على النظام العام أو الآداب العامة يمثل جرائم جنائية يعاقب مرتكبوها وفقاً لأحكام قانون العقوبات، وتتولى رفع الدعوى العمومية قبلهم النيابة العامة بناءً على أية شكوى من أي مواطن أو من السلطات الرئاسية المسئولة في اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وهذا كله مقرر بصفة خاصة وفقاً لأحكام المواد (171)، (178)، (269)، (287) من قانون العقوبات، ومن حيث إنه بمراعاة ما سلف بيانه من تحديد للمبادئ والقيم الخلقية والإنسانية والوطنية الرفيعة والنبيلة التي يلتزم بها اتحاد الإذاعة والتليفزيون والعاملين في إدارته وتسييره وفقاً لأحكام الدستور والقانون وكذلك تعدد أوجه المسئوليات السياسية والإدارية والجنائية التي يخضعون لها ويمكن لأي مواطن تحريكها من خلال أعضاء المجلس الشعبي سياسياً أو النيابة الإدارية وجهات التحقيق الداخلية إدارياً أو النيابة العامة والمحكمة الجنائية جنائياً، فإن مقطع النزاع في هذا الطعن وهو وجود قرار إداري ملزم للطاعن أو لغيره من المواطنين بصفته متفرجاً بما يحدده المختصون في اتحاد الإذاعة والتلفزيون من برامج تعرض على الشاشة في قنواته المختلفة ومدى تأثير القرارات الداخلية بالاتحاد بشأن هذه البرامج - في المركز القانوني للفرد - ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن قرار لجنة اتحاد الإذاعة والتليفزيون بعرض برنامج بعينه ليس سوى قرار تنظيمي داخلي ملزم قانوناً فقط للأجهزة المختصة فنياً وإدارياً في اتحاد الإذاعة والتليفزيون لتحديد الخريطة الإذاعية للإرسال المرئي.
وهذه القرارات الداخلية غير ملزمة بمقتضى السلطة الإدارية المنفردة للجهة المختصة باتحاد الإذاعة والتليفزيون لأي فرد من الأفراد من المنتفعين بخدمات الإذاعة والتليفزيون وبرامجهما بل إنها موجهة للقائمين على وضع البرامج وملزمة لهم إدارياً وفنياً بصلاحية إنتاج وعرض هذه البرامج على المشاهدين وهو أمر منبت الصلة قانوناً بأي من مشاهدي التليفزيون حيث لا يترتب على ذلك أي التزام قانوني وحتمي لأي منهم بمشاهدة هذه البرامج، ومن حيث إنه من البديهي إنه ما دام أن قرار اتحاد الإذاعة والتليفزيون بإذاعة برنامج معين لا ينطوي بذاته على إلزام أو قهر أي من المواطنين أو إجباره على مشاهدة هذا البرنامج خاصة وأن الإنسان المشاهد هو صاحب السلطة القانونية والفعلية في ذات الوقت التي تجعله وحده المسيطر على جهاز الاستقبال وليس لاتحاد الإذاعة والتليفزيون أو لأي سلطة في الدولة إكراه أي فرد من الأفراد على فتح الجهاز على قناة معينة وفي موعد محدد لرؤية برنامج بذاته وفي مكنة كل فرد وقدرته الحرة في إطار من العقل والضمير والذوق الذي يحدد له قيمة ومستوى ما يقبله عقله ومستوى ما يرضي نفسه ويحقق له قيمة ويرضي ضميره أن يختار ما يرضيها دون رقابة أو التزام بأي برنامج من برامج التليفزيون الداخلي بل وأصبح له أيضاً أن يختار بالتقدم التكنولوجي والعلمي أي برنامج خارجي بطريق الأقمار الصناعية.
ومن حيث إنه وفقاً لما تقدم فإن قرار اتحاد الإذاعة والتليفزيون بعرض البرنامج موضوع الدعوى والحكم محل هذا الطعن إنما يمثل اعتماداً وتعليمات داخلية بإذاعة برامج معينة وتوجيهاً للجهات القائمة على إعداد البرامج اليومية بإدراج هذه البرامج ضمن البرامج المختلفة والمعتمد إذاعتها.
ولا تملك سلطات اتحاد الإذاعة والتليفزيون ولا غيرها من السلطات العامة فعلاً وعملاً بمقتضى دستورنا وقانوناً إلزام أي أحد من الناس بالمشاهدة لأي برنامج لا يرضاه - الأمر الذي ينتفي معه وجود ما يعد وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة وإجماع الفقه والفقهاء الإداريين - كيان القرار الإداري النهائي الجائز قانوناً الطعن عليه بالإلغاء أمام إحدى محاكم مجلس الدولة المختصة طبقاً لأحكام المادة (172) من الدستور وأحكام المادة (10) خامساً من القانون رقم (47) لسنة 1972 بتنظيم مجلس الدولة مما كان يتعين معه على محكمة أول درجة الحكم بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري المطعون عليه وحيث إن الحكم المطعون فيه قد ذهب غير هذا المذهب فإنه يكون قد جاء مخالفاً لصحيح أحكام القانون حرياً والحال هذه بإلغائه والقضاء بعدم قبول الدعوى لانتفاء القرار الإداري النهائي الذي يدخل في ولاية محاكم مجلس الدولة رقابة مشروعيته والنظر في وقف تنفيذه وإلغائه.
ومن حيث إنه لا يفوت المحكمة أن تؤكد أنه للطاعن ولغيره من الأفراد الذين لهم رؤية وتوجيه في البرامج محل الطعن فضلاً عن حرية الاختيار لمشاهدة ما يرونه من البرامج على المستوى الخلقي والثقافي والديني الذي يرضيهم في أية قناة أو برنامج يذاع من اتحاد الإذاعة والتليفزيون أو من الخارج بواسطة الأقمار الصناعية دون التزام أو إجبار لأي منهم بمشاهدة أي برنامج من البرامج التي لا تتفق مع رؤيتهم الأخلاقية، فإن لكل منهم أيضاً وفي ذات الوقت لكل فرد الحق في أن يلجأ بالطريق القانوني إلى سلطات الرقابة السياسية ممثلة في مجلس الشعب صاحب الرقابة السياسية على السلطات التنفيذية وإلى وسائل الإعلام المكتوبة بل إلى سلطات الإشراف والرقابة الإدارية الداخلية المتولية أمر اتحاد الإذاعة والتليفزيون أو إلى النيابة الإدارية أو النيابة العامة بحسب الأصول لتحريك المسئولية السياسية والتأديبية أو الجنائية قبل من لا يلتزم من المسئولين أو العاملين باتحاد الإذاعة والتليفزيون في برنامج محدد أو عمل محدد بالمبادئ والأسس الدستورية العامة والقانونية التي تحدد النظام العام الخلقي للمجتمع المصري الإسلامي الذي يلتزم به المجتمع متمثلاً في كل مصري وكل سلطة من سلطات الدولة في إطار اختصاصها وولايتها وفقاً لأحكام الدستور والقانون.
وحيث إن من خسر دعواه يلزم بمصروفاتها وفقاً لأحكام المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى القرار الإداري، وألزمت الطاعن بالمصروفات.