أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 40 - صـ 797

جلسة 23 من أكتوبر سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ نجاح نصار نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى طاهر ومقبل شاكر نائبي رئيس المحكمة ومجدي الجندي وفتحي الصباغ.

(133)
الطعن رقم 2517 لسنة 59 القضائية

(1) إثبات "شهود". حكم "ما لا يعيبه" "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
إحالة الحكم في إيراد أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر. لا يعيبه. ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها.
اختلاف أقوال شهود الإثبات في بعض تفاصيلها. لا يقدح في سلامه الحكم. شرط ذلك؟.
(2) سبق إصرار. إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
سبق الإصرار. ماهيته؟.
العبرة في سبق الإصرار ليست بمضي الزمن لذاته. وإنما بما يقع بين التصميم على الجريمة ووقوعها من تفكير وتدبير. ما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذها. المنازعة في ذلك أمام النقض. غير جائزة.
(3) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". سبق إصرار. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الخطأ في الإسناد. لا يعيب الحكم. طالما لم يتناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
(4) فاعل أصلي. شريك. مسئولية جنائية. سبق إصرار. اتفاق. حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين. يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق لمن لم يقارف بنفسه الجريمة من المصرين عليها.
عدم التزم المحكمة ببيان وقائع خاصة لإثبات الاتفاق غير ما يثبته مما يعتبر سبق إصرار.
إثبات الحكم تصميم المتهمين على ضرب المجني عليه الأول بما يرتب تضامناً في المسئولية. كفايته لمؤاخذة الطاعنين بوصفهما فاعلين أصليين - سواء كان الفعل الذي قارفه محدداً بالذات أم غير محدد. وبصرف النظر عن مساهمة هذا الفعل في النتيجة.
(5) ظروف مشددة. طعن "المصلحة في الطعن". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
سبق الإصرار. حكمه في تشديد العقوبة كحكم الترصد. لا جدوى من التمسك بتخلف أحدهما.
1 - من المقرر أنه لا يعيب الحكم أن يحيل في إيراد أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ولا يقدح في سلامة الحكم - على فرض صحة ما يثيره الطاعنان - عدم اتفاق أقوال شاهدي الإثبات في بعض تفاصيلها ما دام الثابت أنه حصل تلك الأقوال بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته.
2 - من المقرر أن سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها - طال هذا الزمن أو قصر - بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير، فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافراً ولا يقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض.
3 - من المقرر أن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم إلا إذا تناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة.
4 - من المقرر أن مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف بنفسه الجريمة من المصرين عليها، وليست المحكمة ملزمة ببيان وقائع خاصة لإفادة الاتفاق غير ما تبينه من الوقائع المقيدة لسبق الإصرار، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت تصميم المتهمين على ضرب المجني عليه الأول بما يرتب تضامناً بينهما في المسئولية، يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهما محدداً بالذات أو غير محدد، وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى مؤاخذة الطاعنين بوصفهما فاعلين أصليين في جريمة الضرب المفضي إلى الموت التي وقعت تنفيذاً لذلك التصميم لا يكون قد أخطأ في شيء.
5 - من المقرر أن حكم ظرف سبق الإصرار في تشديد العقوبة كحكم ظرف الترصد وإثبات توافر أحدهما يغني عن إثبات توافر الآخر، فإنه لا يكون للطاعنين مصلحة فيما أثاراه من تخلف ظرف الترصد.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما قتلا....... عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن بيتا النية على قتله وأعدا لهذا الغرض آلات حادة "سكينتين" وكمنا له في الطريق الذي أيقنا مروره فيه وما أن ظفرا به حتى انهال عليه الأول طعنا بسكينة على رأسه وفي ظهره قاصداً من ذلك إزهاق روحه فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنهما في الزمان والمكان سالفي الذكر شرعا في قتل........ عمداً مع سبق الإصرار والترصد بأن طعنه المتهم الثاني بآلة حادة "سكين" قاصداً من ذلك إزهاق روحه فأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي المرفق وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجني عليه بالعلاج وأحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى ابن المجني عليه الأول وشقيق المجني عليه الثاني مدنياً قبل المتهمين بمبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضورياً عملاً بالمادتين 236، 241 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة سبع سنوات ومعاقبة المتهم الثاني بالأشغال الشاقة لمدة خمس سنوات وإلزامهما متضامنين بأن يؤديا للمدعي بالحق المدني مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت وذلك باعتبار أن التهمة الأولى ضرب أفضى إلى موت والثانية ضرب بسيط.
فطعن المحكوم عليهما في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهما بجريمتي الضرب المفضي إلى الموت والضرب البسيط مع سبق الإصرار والترصد قد شابه قصور في التسبيب وخطأ الإسناد ذلك بأن أحال في بيان أقوال الشاهد الثاني إلى ما أورده من أقوال الشاهد الأول رغم تناقضهما بشأن مكان وجود المتهمين حال تعديهما على المجني عليهما، واستخلصت المحكمة ظرف سبق الإصرار بما لا ينتجه وبما يخالف الثابت في الأوراق إذ أورد الحكم أن تحريات الشرطة تضمنت أن مشادة بين الطرفين حدثت عصر يوم الحادث رغم أن التحريات جاء بها أن المشاجرة حدثت في الصباح، كما ذهب الحكم إلى القول بأن الطاعن الثاني انصرف من الحقل قبل الحادث بنحو أربع ساعات رغم ما قرره الشاهد الأول أن الطاعنين انصرفا من الحقل قبل انصراف المجني عليهما بنصف ساعة بما يدل على أنهما كانا يعملان بالحقل ومن ثم تنتفي لديهما نية الانتقام، ولم يستظهر الحكم توافر الاتفاق بين الطاعنين وعول في إثبات توافر ظرف الترصد إلى ما أسنده إلى الشاهد..... من أن الطاعنين كانا يختبئان خلف سور رغم أنه قرر أن الطاعن الأول أطل على المجني عليها من جانب ساقيته دون أن تستظهر المحكمة ما إذا كانت هذه الساقية تحول دون رؤية من يكمن خلفها، وكل ذلك يعيب الحكم بما يستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت مع سبق الإصرار والترصد التي دان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهما أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها مستمدة من أقوال الشهود وتقرير الصفة التشريحية وما جاء بتحريات الشرطة. لما كان ذلك وكان لا يعيب الحكم أن يحيل في إيراد أقوال الشهود إلى ما أورده من أقوال شاهد آخر ما دامت متفقة مع ما استند إليه الحكم منها ولا يقدح في سلامة الحكم - على فرض صحة ما يثيره الطاعنان - عدم اتفاق أقوال شاهدي الإثبات في بعض تفاصيلها ما دام الثابت أنه حصل تلك الأقوال بما لا تناقض فيه ولم يورد تلك التفصيلات أو يركن إليها في تكوين عقيدته. ومن ثم فإن النعي على الحكم في هذا الصدد لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان سبق الإصرار حالة ذهنية تقوم بنفس الجاني قد لا يكون لها في الخارج أثر محسوس يدل عليها مباشرة وإنما هي تستفاد من وقائع وظروف خارجية يستخلصها القاضي منها استخلاصاً ما دام موجب هذه الوقائع والظروف لا يتنافر عقلاً مع هذا الاستنتاج، وليست العبرة في توافر ظرف سبق الإصرار بمضي الزمن لذاته بين التصميم على الجريمة ووقوعها - طال هذا الزمن أو قصر - بل العبرة هي بما يقع في ذلك الزمن من التفكير والتدبير، فما دام الجاني انتهى بتفكيره إلى خطة معينة رسمها لنفسه قبل تنفيذ الجريمة كان ظرف سبق الإصرار متوافراً ولا يقبل المنازعة فيه أمام محكمة النقض، وكان الحكم قد استظهر توافر سبق الإصرار لدى الطاعنين في قوله بأنه "متوافر قبل المتهمين على عنصرين النفسي والزمني وذلك مما يثبت بالأوراق من سابقة تشاجر المجني عليهما مع المتهم الثاني قبل الحادث بحوالي أربع ساعات وانصرافه مهموماً بالرغبة في الانتقام لنفسه بسبب ما لحقه من إهانة. ثم تربصه والمتهم الأول باتفاق بينهما على ضرب المجني عليهما وكمونهما في طريق عودتهما والتعدي عليهما بالصور السالف بيانها". وكان المستفاد مما أورده الحكم أنه استظهر أن المشاجرة السابقة التي نشبت بين المجني عليهما والطاعن الثاني ولدت في نفس الطاعنين أمراً دفعهما إلى ارتكاب الجريمة بعد اتفاق وتربص بما يتضمنه ذلك من تفكير وتدبير ورسم خطة التنفيذ فإن استخلاصه لظرف سبق الإصرار يكون سليماً وصحيحاً في القانون. ولما كان من المقرر أن الخطأ في الإسناد لا يعيب الحكم إلا إذا تناول من الأدلة ما يؤثر في عقيدة المحكمة وفيما استخلصته من نتيجة فإن خطأ الحكم بخصوص وقت المشاجرة التي سبقت وقوع الحادث أخذاً بما جاء في تحريات الشرطة - كما يذهب الطاعن - فهو بفرض صحته كان وقتاً أطول مما حدده الحكم وهو في كلا الحالين كاف لكي يمعن الطاعنان فكرهما وتدبيرهما في هدوء وروية قبل أن يقدما على ارتكاب جريمتهما. ومن ثم يكون النعي على الحكم في هذا الصدد غير قويم. لما كان ذلك، وكان ما ذهب إليه الطاعنان من خطأ الحكم في تحديد وقت انصراف الطاعن الثاني من الحقل قبل الحادث لا أساس له إذ لم يرد بالحكم تحديد لهذا الأمر، فإن منعى الطاعنين في هذا الخصوص لا يكون صحيحاً لما كان ذلك، وكان من المقرر أن مجرد إثبات سبق الإصرار على المتهمين يلزم عنه الاشتراك بالاتفاق بالنسبة لمن لم يقارف بنفسه الجريمة من المصرين عليها، وليست المحكمة ملزمة ببيان وقائع خاصة لإفادة الاتفاق غير ما تبينه من الوقائع المقيدة لسبق الإصرار، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت تصميم المتهمين على ضرب المجني عليه الأول بما يرتب تضامناً بينهما في المسئولية، يستوي في ذلك أن يكون الفعل الذي قارفه كل منهما محدداً بالذات أو غير محدد، وبصرف النظر عن مدى مساهمة هذا الفعل في النتيجة المترتبة عليه، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى مؤاخذة الطاعنين بوصفهما فاعلين أصليين في جريمة الضرب المفضي إلى الموت التي وقعت تنفيذاً لذلك التصميم لا يكون قد أخطأ في شيء. لما كان ما تقدم، وكان حكم ظرف سبق الإصرار في تشديد العقوبة كحكم ظرف الترصد وإثبات توافر أحدهما يغني عن إثبات توافر الآخر، فإنه لا يكون للطاعنين مصلحة فيما أثاراه من تخلف ظرف الترصد. ومن ثم يكون الطعن برمته على غير أساس. متعيناً رفضه موضوعاً.