مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1963 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 1240

(117)
جلسة 25 من مايو سنة 1963

برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1131 لسنة 7 القضائية

تعليم - تعهد - إثبات - شهادة مرضية - التزام أحد الطلبة بدفع المصروفات المدرسية حال إخلاله بتعهده بالاستمرار في الدراسة واشتغاله بمهنة التدريس ما لم يكن انقطاعه بعذر مقبول - تقديمه شهادة مرضية محررة من طبيب خاص لتبرير الانقطاع عن الدراسة - لا يجوز الاعتداد بها في مجال تقدير العذر المسقط للالتزام المشار إليه - أساس ذلك هو خضوع أمثال هذا الطالب في أجازاتهم المرضية وتقرير لياقتهم للقوانين والتعليمات المنظمة لشئون الموظفين وذلك بمقتضى قرار مجلس الوزراء الصادر في 18/ 7/ 1955.
وافق مجلس الوزراء في 18/ 7/ 1955 على قواعد معينة للالتحاق ببعض المعاهد التي تلتزم الحكومة بتعيين خريجيها حتى لا يعاد الكشف الطبي عند التعيين - ومن مقتضى هذه القواعد أن يخضع هؤلاء في أجازاتهم المرضية وتقرير لياقتهم للاستمرار في الدراسة للقوانين والتعليمات المنظمة لشئون الموظفين والمستخدمين - ومتى كان الأمر كذلك وكانت تلك القواعد بمثابة لائحة عامة تنظيمية متعلقة بحسن سير مرفق عام فإنه لا مناص من اتباعها دون حاجة للنص عليها صراحة في العقد الإداري المبرم بين المطعون ضدهما والحكومة، ومن ثم فإنه كان يتعين على المطعون ضده الأول الطالب بالمدرسة أن يتبع الإجراء المنصوص عليه، فيما يتعلق بالكشف الطبي والأجازات المرضية في القوانين والتعليمات المنظمة لشئون الموظفين وعلى ذلك فإنه لا يجوز قبول شهادة مرضية منه عن مرضه صادرة على خلاف ما رسمه القانون في مثل هذه الحالة... وهو وإن كان المرض واقعة مادية يمكن إثباتها بكافة الطرق إلا أنه متى وضع المشرع قواعد للإثبات تعين اتباعها، فلا يجوز للمطعون ضدهما إثبات المرض بالشهادة المرضية المقدمة منهما والمحررة بمعرفة طبيب خارجي وبغير الطريق المرسوم قانوناً كما لا يجوز لهذا السبب الاعتداد بها في مجال تقدير العذر المسقط للالتزام.


إجراءات الطعن

في 26 من إبريل سنة 1962 أودع السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة نائباً عن السيد وزير التربية والتعليم سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بجلسة 26/ 2/ 1961 في القضية رقم 366 لسنة 14 القضائية المرفوعة من وزارة التربية والتعليم ضد السيدين عبد اللطيف سيد حسن عجمية وسعد حسن عجمية والقاضي برفض دعوى الوزارة مع إلزامها المصروفات، وطلب السيد رئيس إدارة قضايا الحكومة للأسباب التي أوردها في عريضة الطعن: "قبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلزام المطعون ضدهما متضامنين بأن يدفعا للوزارة مبلغ 15 جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4٪ سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى الوفاء والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وقد أعلن هذا الطعن لذوي الشأن ونظر أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا والتي بعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوم سماعه من إيضاحات أرجأت النطق بالحكم إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، حسبما يبين من أوراق الطعن، تتحصل في أنه بموجب عريضة مودعة سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 3 من ديسمبر سنة 1959 أقامت وزارة التربية والتعليم الدعوى رقم 366 لسنة 14 القضائية طالبة الحكم بإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا لها مبلغ 15 جنيهاً والفوائد بواقع 4٪ سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وذكرت بياناً لدعواها أن المدعى عليه الأول (المطعون ضده الأول) التحق بمدرسة المعلمين العامة بالإسكندرية في العام الدراسي 56/ 1957. بعد أن وقع تعهداً في 20/ 4/ 1956 التزم بمقتضاه القيام بالتدريس مدة الخمس السنوات التالية مباشرة لإتمام دراسته حسب الشروط التي تقرها الإدارة المدعية بحيث إذا لم يقم بذلك أو انقطع عن الدراسة بغير عذر مقبول أو فصل لأسباب تأديبية يكون ملتزماً برد المصروفات التي أنفقتها عليه الوزارة بواقع خمسة عشر جنيهاً عن كل سنة دراسية أو جزء منها، والمكافآت التي تكون قد صرفت إليه أثناء الدراسة... وقد تعهد المدعى عليه الثاني (المطعون ضده الثاني) مع المدعى عليه الأول في تنفيذ هذا الالتزام بطريق التضامن، وقد انقطع الطالب المذكور عن الدراسة أكثر من المدة القانونية ولم ينتظم بها ولم يتقدم بعذر مقبول يبرر انقطاعه الأمر الذي أوجب فصله في 16/ 12/ 1956 ورتب حقاً للوزارة في مطالبة المدعى عليهما متضامنين بمصروفات سنة دراسية وتبلغ 15 جنيهاً.. وأثناء سير الدعوى وبجلسة 17/ 5/ 1960 أي بعد الفصل بحوالي أربعة سنوات تقدم المدعى عليهما بشهادة صادرة عن عيادة خاصة لطبيب كتب على تذكرته الطبية أنه "مفتش صحة" وجاء بهذه الشهادة أن المدعى عليه الأول كان مريضاً ويعالج بمعرفة الطبيب مقدم الشهادة في الفترة من 5/ 10/ 1956 إلى 11/ 12/ 1956 ووضع لهذه الشهادة تاريخ هو 15/ 12/ 1956 علماً بأنه لا يجوز بغير قرار من القومسيون الطبي العام إثبات عذر المرض لطلبة المعاهد التي تلتزم الحكومة بتعيين خريجيها وذلك طبقاً لقرار مجلس الوزراء الصادر في 18/ 7/ 1955 هذا إلى أن الشهادة المقدمة من المدعى عليهما ظاهرة الاصطناع بدليل أنه لم يسبق تقديمها إلى المدرسة، إذ قدمت رأساً إلى المحكمة بمعرفة المدعى عليهما وإذا كان صحيحاً ما يزعماه من أنهما أرسلا هذه الشهادة إلى المدرسة لإبداء العذر المبرر للغياب، لظلت تحت يد المدرسة، كما أن المدعى عليهما لم يقدما أي دليل على إرسالها إلى المدرسة، مثل إيصال من موظف مختص أو إيصال البريد المسجل ولا يوجد أي دليل في سجلات المدرسة على تقديم تلك الشهادة، ورغم أن الشهادة المذكورة تقرر أن المدعى عليه الأول كان مريضاً حتى يوم 11/ 12/ 1956 في حين أن الفصل تم في 16/ 12/ 1956 أي أنه كان في استطاعة المدعى عليه الأول بعد انتهاء مرضه (المزعوم) أن يعود إلى استئناف الدراسة قبل فصله، لو أن مثل هذا العذر كان صحيحاً أو كان للشهادة تاريخ ثابت... دفع المدعى عليهما (المطعون ضدهما) الدعوى بأن العدوان الثلاثي على مصر حصل في نوفمبر سنة 1956 وكان من نتيجته أن تعطلت الدراسة في جميع المدارس حتى جلت قوات العدوان عن أرض القنال في ديسمبر سنة 1956، وعلى ذلك فإن المدعى عليه الأول لم ينقطع عن الدراسة إلا بعذر قهري هو تعطيل الدراسة ثم بالمرض المفاجئ والدراسة لم تنتظم قبل أول يناير سنة 1957 لاشتراك عدد كبير من الطلاب في كتائب الحرس الوطني ومنظمات الدفاع الوطني ولقيام المظاهرات في كافة المدن منددة بالعدوان الآثم، وهذه الظروف مضافاً إليها حالة المرض الثابت بشهادة مفتش صحة مطوبس وهي الجهة الوحيدة التي أمكن للمدعى عليه الأول في ظروف العدوان المنوه عنها أن يتقدم إليها خاصة وقد دهمه في بلدته مطوبس، ومفتش الصحة - رسمياً - هو المختص بالتبليغ عن مرض الموظفين ومن في حكمهم، إذ أن شهادة مفتش الصحة تثبت مرض المدعى عليه الأول الذي قام في حدود الظروف الملابسة بالتبليغ عن مرضه ولدى مدرسة المعلمين بالإسكندرية ما يثبت حدوث هذا التبليغ لها، ولكن تعنت ناظر المدرسة إزاء الطالب هو السر في اتخاذه هذا الموقف الجائز المنافي للقانون والتعليمات".
وبتاريخ 26/ 2/ 1961 قضت المحكمة المذكورة برفض الدعوى مع إلزام الوزارة بالمصروفات بانية حكمها على أن المرض واقعة مادية يثبت بكافة طرق الإثبات ولم يحدد القانون طريقاً معيناً لإثباته ولصاحب الشأن أن يبرر إخلاله بالالتزام ويثبت قيام هذا العذر بكافة الطرق، والمحكمة تقدر بعد ذلك ثبوت قيام العذر أو عدم ثبوته... والشهادة التي قدمها المدعى عليه الأول لإثبات العذر موقع عليها من مفتش صحة مطوبس وهو طبيب موظف ببلدة المدعى عليه الأول وترتاح المحكمة لما جاء فيها وهذه الشهادة مؤرخة في 15/ 12/ 1956 وهو تاريخ معاصر لمرض المدعى عليه الأول الأمر الذي يدل على أنه لم يتغيب عن الدراسة إلا بسبب ما ألم به من مرض. وبما أنه وقد ثبت قيام المرض كعذر يحتج به المدعى عليه الأول لإخلاله بالتزاماته المشار إليها، ومن ثم فلا محل لإلزام المدعى عليهما بدفع مبلغ 15 جنيهاً وتكون دعوى الوزارة على غير أساس متعينة الرفض.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الشهادة المقدمة من طبيب خارجي لا تصلح دليلاً لإثبات العذر المقبول للانقطاع إذ أن طلبة المعاهد والمدارس التي يؤخذ على طلبتها تعهد بالعمل كمدرسين مثل المدعى عليه الأول يخضعون للائحة القومسيونات الطبية العامة وفقاً لمذكرة مجلس الوزراء الصادرة في 18 من يوليه سنة 1955 وقد جاء بها "ثالثاً - يكشف طبياً على هؤلاء التلاميذ والطلبة بصفة عامة بمعرفة القومسيون الطبي العام أو قومسيون التربية والتعليم بالقاهرة أو هيئة أخرى يندبها القومسيون الطبي العام تبعاً لظروف العمل وفي الأقاليم والمحافظات يقوم بالكشف الطبي عليهم الإدارات الصحية المدرسية المختصة في هيئة مشتركة على عضو من قومسيون المديرية أو المحافظة". "رابعاً - يخضع تلاميذ وطلبة هذه المدارس والمعاهد إلى ما تقضي به لائحة القومسيونات الطبية العامة" فالمرض بالنسبة لطلبة هذه المعاهد والمدارس يعتبر واقعة مادية لا يمكن إثباتها بكافة الطرق لأنه فيما يتعلق بالكشف الطبي عليهم والأجازات المرضية يعاملون معاملة الموظفين وتطبق عليهم جميع اللوائح والإجراءات والنظم التي تطبق بالنسبة لموظفي الدولة، وهذه الإجراءات نظمت طريقة الكشف على الموظف وكيفية منح الأجازات المرضية بحيث لا يجوز للموظف أن يثبت مرضه أو يقوم بأجازة مرضية إلا طبقاً لهذه النظم والقواعد وقرار مجلس الوزراء المشار إليه صريح في تطبيق تلك القواعد على طلبة المعاهد بحيث لا يجوز لأحد منهم أن يمنح أجازة مرضية إلا بالطريق الذي رسمه القانون وحددته اللوائح والقرارات المنظمة لذلك. ومن المبادئ الرئيسية التي تقوم عليها قواعد الإثبات أنه يتعين أن يكون الإثبات بالطريق الذي رسمه القانون ومن ثم فقد خالف الحكم المطعون فيه القانون إذ اعتمد على الشهادة المرضية المقدمة من المطعون ضده الأول بحجة أنها موقعة من مفتش صحة بطوبس وهو طبيب موظف عمومي ببلدة المطعون ضدهما، ذلك لأن الشهادة المذكورة ليست موقعة من الطبيب المذكور بصفته موظف عمومي كما وأن ما قرره الحكم المطعون فيه من أن تاريخ الشهادة الطبية هو تاريخ معاصر لمرض المطعون ضده الأول مردود عليه بأن الشهادة المذكورة ورقة عرفية لا رسمية فلا تكون حجة على الغير في تاريخها إلا منذ أن يكون لها تاريخ ثابت.
ومن حيث إنه قد تبين من الأوراق المودعة ملف الطعن أن المطعون ضده الأول التحق بمدرسة المعلمين العامة بالإسكندرية في أكتوبر سنة 1955 وقد وقع المذكور تعهداً في 20/ 4/ 1956 من موجبه أن يستمر في الدراسة بالمدرسة إلى أن يتخرج فيها وأن يقوم بالتدريس مدة الخمس السنوات التالية مباشرة لإتمام دراسته فيها على حسب الشروط التي تقرها وزارة التربية والتعليم فإذا أخل بأحد هذين الالتزامين أو بكليهما أو فصل من المدرسة أو الخدمة خلال السنوات الخمس التالية لأسباب تأديبية أو لتغيبه مدة أكثر من 15 يوماً لغير عذر تقبله الوزارة، يكون ملزماً بدفع المصروفات التي أنفقتها الوزارة عليه بواقع 15 جنيهاً عن كل سنة دراسية أو جزء منها للقسم الخارجي هو 40 جنيهاً عن كل سنة دراسية أو جزء منها للقسم الداخلي، وقد ضمنه في ذلك والده المطعون ضده الثاني على وجه التضامن..." ويتضح من المستندات المقدمة من الحكومة أن المطعون ضده الأول قد انقطع عن الدراسة أكثر من خمسة عشر يوماً بغير عذر فتقرر فصله من تاريخ 16/ 12/ 1956 بعد أن أمضى سنة دراسية في المدرسة المذكورة وقد أظهرت التحريات التي عملت بعد ذلك في سنة 1957 أن المطعون ضده الأول يعمل في شركة النشا تبع قسم محرم بك بالإسكندرية وأنه لا يملك شيئاً وأما والده (المطعون عليه الثاني) فيملك 80 فداناً بزمام مطوبس وهو عمدتها. وفي 13/ 5/ 1957 أرسلت المدرسة إلى المطعون ضده الثاني تطالب بدفع 15 جنيهاً قيمة نفقات التعليم عن العام الدراسي 55/ 1956 وفي حالة التأخير ستضطر المدرسة إلى رفع الأمر إلى الوزارة لإجراء اللازم، وذلك لإخلال نجله (المطعون ضده الأول) بالتعهد المأخوذ عليه بضمانتكم وبعد أن عرض الأمر على إدارة الشئون القانونية وما ارتأته في هذا الموضوع وإفادتها بذلك في كتابها المؤرخ 8/ 1/ 1958 تقرر رفع الأمر إلى القضاء ثم أقيمت الدعوى في 3/ 12/ 1959 بطلب 15 جنيهاً قيمة مصروفات سنة دراسية واحدة وفوائد هذا المبلغ من تاريخ المطالبة القضائية. وقد أعلن المطعون ضدهما بعريضة الدعوى الافتتاحية في 17/ 12/ 1959. وفي جلسة المناقشة أمام هيئة المفوضين والتي حدد لها 17/ 5/ 1960 حضر وكيل عن المدعى عليهما وتقدم بشهادة مرضية مؤرخة 15/ 12/ 1956 تحمل توقيع مفتش صحة مطوبس. تضمنت أن المطعون ضده الأول كان مريضاً بعرق نسا أيسر ويعالج بمعرفته في المدة من 5/ 10/ 1956 إلى 11/ 12/ 1956 ولم يحضر المدعى عليهما بعد ذلك في الجلسات أمام محكمة القضاء الإداري.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن العذر الذي يبرر به المطعون ضده الأول غيابه عن المدرسة أكثر من خمسة عشر يوماًَ إنما مبناه شهادة مرضية محررة بمعرفة طبيب بصفته الخاصة وليس بصفته مفتش صحة وهي الوظيفة التي كان يشغلها في بلدة مطوبس عند تحرير هذه الشهادة.
ومن حيث إن مجلس الوزراء قد وافق في 18/ 7/ 1955 على قواعد معينة للالتحاق ببعض المعاهد التي تلتزم الحكومة بتعيين خريجيها حتى لا يعاد الكشف الطبي عند التعيين - ومن مقتضى هذه القواعد أن يخضع هؤلاء في أجازاتهم المرضية وتقرير لياقتهم للاستمرار في الدراسة للقوانين والتعليمات المنظمة لشئون الموظفين والمستخدمين - ومتى كان الأمر كذلك وكانت تلك القواعد بمثابة لائحة عامة تنظيمية متعلقة بحسن سير مرفق عام فإنه لا مناص من إثباتها دون حاجة للنص عليها صراحة في العقد الإداري بين المطعون ضدهما والحكومة، ومن ثم فإنه كان يتعين على المطعون ضده الأول الطالب بالمدرسة أن يتبع الإجراء المنصوص عليه، فيما يتعلق بالكشف الطبي والأجازات المرضية في القوانين والتعليمات المنظمة لشئون الموظفين وعلى ذلك فإنه لا يجوز قبول شهادة مرضية منه عن مرضه صادرة على خلاف ما رسمه القانون في مثل هذه الحالة.. وهو وإن كان المرض واقعة مادية يمكن إثباتها بكافة الطرق إلا أنه متى وضع المشرع قواعد الإثبات، تعين اتباعها فلا يجوز للمطعون ضدهما إثبات المرض بالشهادة المرضية المقدمة منهما والمحررة بمعرفة طبيب خارجي وبغير الطريق المرسوم قانوناً كما لا يجوز لهذا السبب الاعتداد بها في مجال تقدير العذر المسقط للالتزام، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذا اعتد بالشهادة المرضية المشار إليها في تقدير العذر وإسقاط الالتزام قد خالف القانون متعين الإلغاء.
ومن حيث إنه لذلك فليس ثمة عذر قدمه المطعون ضدهما يصح أن يكون موضع تقدير في قيام الالتزام أو إسقاطه وبالتالي يكون المطعون ضدهما قد أخلا بالتزاماتهما ووجب إذن تطبيق نصوص العقد الإداري المبرم بينهما وبين الحكومة والسابق الإشارة إليه.
ومن حيث إن مقتضى التعهد الموقع عليه من المطعون ضدهما أن ثمة التزاماً أصلياً من جانب المدعى عليه الأول هو التزام بعمل محله الاستمرار في الدراسة بالمدرسة إلى أن يتخرج فيها وأن يقوم بالتدريس مدة خمس السنوات التالية مباشرة لإتمام دراسته فيها، وكأثر احتياطي بعدم الوفاء بالتزام آخر محله رد جميع ما أنفقته عليه الوزارة بواقع 15 جنيهاً في السنة أو جزء منها، ولما كان محل الالتزام هو دفع مبلغ من النقود معلوم المقدار ينحصر في قيمة المصروفات التي أنفقتها الحكومة عليه أثناء الدراسة، وكان الثابت أن المذكور وضامنه قد تأخرا عن الوفاء بقيمة هذه النفقات التي بلغت 15 جنيهاً على الرغم من مطالبة الحكومة أباهما به فإنه تستحق على هذا المبلغ فوائد تأخيرية لصالح الحكومة بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى الوفاء وهو ما يتعين الحكم به.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وإلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا للوزارة المدعية مبلغ خمسة عشر جنيهاً والفوائد القانونية بواقع 4٪ سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 3 من ديسمبر سنة 1959 حتى السداد مع المصروفات.