أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 40 - صـ 819

جلسة 2 من نوفمبر سنة 1989

برئاسة السيد المستشار/ محمد رفيق البسطويسي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ محمد أحمد حسن وعبد الوهاب الخياط نائبي رئيس المحكمة وعبد اللطيف أبو النيل وعمار إبراهيم.

(138)
الطعن رقم 4684 لسنة 58 القضائية

(1) رشوة. جريمة "أركانها". موظفون عموميون.
جريمة الرشوة المعاقب عليها بالمادتين 103، 104 عقوبات. مناط توافرها. أن يكون الجاني موظفاً عاماً.
(2) موظفون عموميون. قانون "تفسيره".
الموظف أو المستخدم العام. تعريفه؟
(3) موظفون عموميون. أموال عامة. صحافة. أحزاب سياسية. قانون "تفسيره".
النص في المادتين 11، 14 من القانون 40 لسنة 1977 على اعتبار أموال الأحزاب من الأموال العامة واعتبار القائمين عليها والعاملين بها في حكم الموظفين العموميين. عدم تضمنه أو غيره من القوانين النص على اعتبار أموال الصحف غير القومية من الأموال العامة ولا على اعتبار العاملين بها من الموظفين العموميين أو من في حكمهم.
(4) قانون "تفسيره".
التحرز في تفسير القوانين الجنائية وعدم تحميل عباراتها فوق ما تحتمل. واجب.
صياغة النص في عبارة واضحة في الدلالة على مراد الشارع منها. وجوب قصر تطبيقها على ما يتأدى مع صريح نص القانون.
(5) رشوة. أموال عامة. قانون "تفسيره". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
المادة 119 عقوبات. سريانها على جرائم اختلاس المال العام والاعتداء عليه والغدر. خروج جرائم الرشوة من نطاقها.
(6) قانون "تفسيره".
صياغة النص في عبارة واضحة جلية. اعتبارها تعبيراً صادقاً عن إرادة المشرع. عدم جواز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل.
(7) رشوة. قانون "تفسيره".
النص في المادة 107 مكرراً عقوبات على معاقبة الوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي. وجوب تطبيقه على من يصدق عليه وصف الوسيط سواء أكان يعمل من جانب الراشي أم من جانب المرتشي. أساس ذلك؟
(8) حكم "ما لا يعيبه في نطاق التدليل" "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
لا يقدح في سلامة الحكم القاضي بالبراءة أن تكون إحدى دعاماته معيبة. ما دام قد أقيم على دعامات أخرى تكفي وحدها لحمله.
(9) رشوة. جريمة "أركانها". قانون "تفسيره". قصد جنائي.
إيراد الشارع مصطلحاً معيناً في نص لمعنى معين. وجوب صرفه لهذا المعنى في كل نص آخر يرد فيه.
جريمة المادة 109 مكرراً ثانياً عقوبات. جريمة مستحدثة ذات كيان خاص يغاير جريمة الوسيط في الرشوة المنصوص عليها في المادة 107 مكرراً عقوبات. أساس ذلك؟
مناط قيام الجريمة المستحدثة؟
القياس أو التوسع في التفسير في مجال التأثيم. محظور.
(10) إجراءات "إجراءات التحقيق". نيابة عامة. إذن التفتيش "إصداره".
النص في المادة 119 إجراءات جنائية على أن تباشر النيابة العامة التحقيق طبقاً للأحكام المقررة لقاضي التحقيق. لا يعفي النيابة العامة مما فرضه القانون على قاضي التحقيق من ضوابط وقيود.
الإذن بالتفتيش. ماهيته؟
تقدير كفاية الدلائل لتسويغ إصدار الإذن بالتفتيش وإن كان لسلطة التحقيق إلا أنه يخضع لرقابة محكمة الموضوع.
(11) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
عدم التزام المحكمة بالرد على كل دليل من الأدلة عند قضائها بالبراءة. ما دامت قد رجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك في عناصر الإثبات.
(12) حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
تزيد الحكم فيما لا أثر له في نتيجته. لا يعيبه.
(13) إجراءات "إجراءات التحقيق". إذن التفتيش "إصداره" "بطلانه". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
الأعمال الإجرائية تجرى على حكم الظاهر. عدم بطلانها من بعد. نزولاً على ما ينكشف من أمر واقع.
(14) محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام".
وجوب بناء الإدانة على دليل مشروع في القانون. عدم اشتراط ذلك في دليل البراءة. أساس ذلك؟
حرية القاضي الجنائي في اختيار الطريق الموصل إلى كشف الحقيقة وتقدير ما يعرض عليه ووزن قوته التدليلية.
(15) نقض "أسباب الطعن. تحديدها" "ما لا يقبل منها".
تفصيل أسباب الطعن ابتداء. واجب.
(16) إثبات "بوجه عام" "شهود". محكمة الموضوع "سلطتها في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. موضوعي.
الجدل الموضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى. غير جائز أمام محكمة النقض.
(17) الحصول على مال بطريق التهديد. جريمة "أركانها". قصد جنائي. إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها".
جريمة المادة 326 عقوبات. تحققها. رهن بصدور فعل من الجاني على المجني عليه بقصد تخويفه أو ترويعه بما يحمله على تسليم مبلغ من المال أو أي شيء آخر بغير حق. تقدير توافر أركانها. موضوعي.
(18) إثبات "بوجه عام". محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية تشكك المحكمة في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي تقضي له بالبراءة. متى أحاطت بالدعوى عن بصر وبصيرة.
النعي على المحكمة قضائها بالبراءة لاحتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها. غير جائز. علة ذلك؟
1 - إن الشارع يتطلب لتوافر جريمة الرشوة المعاقب عليها بالمادتين 103، 104 من قانون العقوبات أن يكون الجاني موظفاً عاماً.
2 - إن الموظف أو المستخدم العام هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق.
3 - لئن كانت المادتان 11، 14 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية قد نصتا على اعتبار أموال الأحزاب من الأموال العامة وعلى اعتبار القائمين على شئون الأحزاب والعاملين بها في حكم الموظفين العموميين في صدد تطبيق أحكام قانون العقوبات، إلا أنه لم يرد بأي من ذينك النصين أو بغيرهما من نصوص القانون المذكور ولا في نصوص القانون رقم 148 لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة ولا في أي قانون آخر، أي نص على اعتبار أموال الصحف - غير القومية - من الأموال العامة ولا على اعتبار العاملين بها من الموظفين العموميين أو من في حكمهم.
4 - الأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية بأن لا تُحمل عباراتها أكثر مما تحتمل وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة في الدلالة على مراد الشارع منها فإنه يتعين قصر تطبيقها على ما يتأدى مع صريح نص القانون.
5 - لما كان ما تثيره الطاعنة من انطباق المادة 119 من قانون العقوبات على جريمة الرشوة مردوداً بأن هذه المادة إنما وردت في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وهو الذي أفرده الشارع لجرائم اختلاس المال العام والاعتداء عليه والغدر، ومن ثم لزم قصر تطبيقها على هذه الجرائم فحسب الأمر الذي تخرج معه جرائم الرشوة من نطاقها بما يضحى معه منعى النيابة العامة الطاعنة في هذا الخصوص غير سديد.
6 - من المقرر أنه متى كانت عبارة النص واضحة لا لبس فيها ولا غموض فإنها يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف بها عن طريق التفسير أو التأويل.
7 - إن الشارع إذ نص في المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات على معاقبة الوسيط بالعقوبة ذاتها المقررة للمرتشي قد أطلق لفظ "الوسيط" بما يتعين معه تطبيق النص على كل من يصدق عليه وصف الوسيط في الرشوة سواء أكان يعمل من جانب الراشي أم من جانب المرتشي، والقول بغير ذلك فيه تخصيص للنص بغير مخصص وتقيد له بغير مقيد، وهو ما لا يصح في أصول التفسير أو التأويل.
8 - لا يقدح في سلامة الحكم القاضي بالبراءة أن تكون إحدى دعاماته فاسدة ما دام قد أقيم على دعامات أخرى تكفي وحدها لحمل قضائه.
9 - لما كان الأصل في قواعد التفسير أن الشارع إذا ما أورد مصطلحاً معيناً في نص لمعنى معين وجب صرفه لهذا المعنى في كل نص آخر يرد فيه، وكان يؤخذ من وضوح عبارة المادة 109 مكرراً ثانياً وما كشفت عنه الأعمال التشريعية لها، وإيرادها مع مثيلاتها في باب بذاته من الكتاب الثاني من قانون العقوبات - هو الباب الثالث الخاص بالرشوة - أنه وإن كانت الجريمة المستحدثة بالمادة 109 مكرراً ثانياً آنفة الذكر ذات كيان خاص يغاير جريمة الوسيط في الرشوة المنصوص عليها في المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات، إذ تغيا الشارع من الجريمة المستحدثة تجريم الأفعال التي لا تجاوز عرض أو قبول الوساطة في رشوة والتي لا تبلغ حد الاشتراك في رشوة أو في شروع فيها والتي لا يؤثمها نص المادة 109 مكرراً أو أي نص آخر. وذلك للقضاء على سماسرة الرشوة ودعاتها، إلا أنه وقد قرن الشارع الأفعال المادية المكونة لها بجريمة الرشوة بقوله "كل من عرض أو قبل الوساطة في رشوة" فإنه لا قيام لهذه الجريمة المستحدثة إلا إذا كان عرض الوساطة أو قبولها إنما كان في جريمة من جرائم الرشوة التي انتظمها وحدد عناصرها ومقوماتها ذلك الباب ما دام أن مدلول النص هو الإحالة بالضرورة - في بيان المقصود بالرشوة وفي تحديد الأركان التي يلزم تحققها لقيام أي جريمة منها - إلى أحكام المادة 103 وما بعدها من قانون العقوبات. لما كان ذلك، فقد لزم لقيام تلك الجريمة المستحدثة أن يأتي الجاني فعله في المهد الأول للرشوة، وهو عليم بوجود حقيقي لموظف عام أو من في حكمه، وبوجود عمل حقيقي أو مزعوم أو مبني على اعتقاد خاطئ - لهذا الموظف يراد منه أداؤه أو الامتناع عنه، وبوجود حقيقي لصاحب حاجة لهذا العمل، ويلزم في ذلك أن تكون إرادة الجاني - على هذا الأساس - قد اتجهت في الحقيقة وليس بمجرد الزعم إلى إتيان فعل عرض أو قبول الوساطة في رشوة، ذلك بأنه لو أراد الشارع مد التأثيم في هذه الجريمة إلى مجرد الزعم لعمد إلى الإفصاح عن ذلك في صراحة، على غرار نهجه في المادة 104 مكرراً من قانون العقوبات من تأثيمه زعم الموظف أن العمل من أعمال وظيفته، وليس يجوز القياس أو التوسع في التفسير، لأنه في مجال التأثيم محظور.
10 - لما كان النص في المادة 41 من الدستور على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقاً لأحكام القانون...." وفي المادة 44 منه على أنه "للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً لأحكام القانون" وفي المادة 45 منه على أن "لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون. وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفقاً لأحكام القانون". وفي المادة 91 من قانون الإجراءات الجنائية على أن "تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق، ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بمقتضى أمر من قاضي التحقيق بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المنزل المراد تفتيشه بارتكاب جناية أو جنحة أو باشتراكه في ارتكابه أو إذا وجدت قرائن تدل على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة. ولقاضي التحقيق أن يفتش أي مكان ويضبط فيه الأوراق والأسلحة وكل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها أو وقعت عليه وكل ما يفيد في كشف الحقيقة. وفي جميع الأحوال يجب أن يكون أمر التفتيش مسبباً". وفي المادة 94 منه على أن "لقاضي التحقيق أن يفتش المتهم، وله أن يفتش غير المتهم إذا اتضح من أمارات قوية أنه يخفي أشياء تفيد في كشف الحقيقة، ويراعى في التفتيش حكم الفقرة الثانية من المادة 46". وفي المادة 95 من القانون ذاته على أن "لقاضي التحقيق أن يأمر بضبط جميع الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود لدى مكاتب البريد وجميع البرقيات لدى مكاتب البرق وأن يأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر. وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الضبط أو الاطلاع أو المراقبة أو التسجيل بناء على أمر مسبب ولمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة" وفي المادة 206 منه على أنه "لا يجوز للنيابة العامة تفتيش غير المتهم أو منزل غير منزله إلا إذا اتضح من أمارات قوية أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة. ويجوز لها أن تضبط لدى مكاتب البريد جميع الخطابات والرسائل والجرائد. والمطبوعات والطرود، ولدى مكاتب البرق جميع البرقيات وأن تراقب المحادثات السلكية واللاسلكية وأن تقوم بتسجيلات لمحادثات جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر. ويشترط لاتخاذ أي إجراء من الإجراءات السابقة الحصول مقدماً على أمر مسبب بذلك من القاضي الجزئي بعد اطلاعه على الأوراق. وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الأمر بالضبط أو الاطلاع أو المراقبة لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً. ويجوز للقاضي الجزئي أن يجدد هذا الأمر مدة أو مدداً أخرى مماثلة. وللنيابة العامة أن تطلع على الخطابات والرسائل والأوراق الأخرى والتسجيلات المضبوطة على أن يتم هذا كلما أمكن ذلك بحضور المتهم والحائز لها أو المرسلة إليه وتدون ملاحظاتهم عليها. ولها حسب ما يظهر من الفحص أن تأمر بضم تلك الأوراق إلى ملف الدعوى أو بردها إلى من كان حائزاً لها أو من كانت مرسلة إليه". وكانت المادة 199 من القانون ذاته إذ نصت على أن تباشر النيابة العامة التحقيق طبقاً للأحكام المقررة لقاضي التحقيق، قد خلت مما يعفي النيابة العامة مما فرضه القانون على قاضي التحقيق من ضوابط وقيود، كل ذلك يدل على أن الإذن بالتفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق لا يصح إصداره إلا بصدد جريمة - جناية أو جنحة - واقعة بالفعل وترجحت نسبتها إلى متهم معين وأن هناك من الدلائل ما يكفي للتصدي لحرمة مسكنه أو لحرمة حياته الخاصة أو لحريته الشخصية أو ما يتصل بها مما ورد ذكره في النصوص آنفة الذكر، يستوي في ذلك أن تكون هذه الدلائل قد قدمت لسلطة التحقيق من مأمور الضبط القضائي فأسست عليها الإذن أو تكشفت لديها بعد قطعها شوطاً في التحقيق، وإذ كان ذلك وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه وإن كان تقدير مدى كفاية الدلائل لتسويغ إصدار الإذن موكولاً بداءة لسلطة التحقيق إلا أن تقديرها هذا يخضع - في كل الأحوال - لرقابة محكمة الموضوع، ومن ثم فإن ما تذهب إليه الطاعنة من إصدار الإذن من النيابة العامة بعد أن قطعت شوطاً في التحقيق هو أمر من إطلاقاتها، يكون بعيداً عن محجة الصواب.
11 - إن محكمة الموضوع لا تلتزم في حالة قضائها بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام ما دام أنها قد رجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك في عناصر الإثبات، لأن في إغفالها التحدث عنها ما يفيد ضمناً أنها لم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المتهم فأطرحتها.
12 - لما كان ما تثيره الطاعنة في شأن الحكم ببطلان الأذون الصادرة في 27، 30 من أغسطس و23 من سبتمبر سنة 1986 بدعوى أن التحريات التي بنيت عليها قد انصبت على أشخاص لم يطرح أمرهم على المحكمة، مردوداً بأنه - بفرض صحته - لا يعدو أن يكون تزيداً لم يكن له أثر في منطق الحكم ولا في النتيجة التي انتهى إليها، ذلك بأن الواضح من مدونات الحكم أنه أقام قضاءه على أسباب مستقلة عما تزيد فيه من أسباب ورد عليها النعي ويستقيم الحكم بدونها.
13 - لما كان الأصل في الأعمال الإجرائية أنها تجرى على حكم الظاهر فلا تبطل من بعد نزولاً على ما ينكشف من أمر واقع، فإن إطراح الحكم الدفع ببطلان أذون التفتيش الخمسة الصادرة من النيابة العامة تأسيساً على أنها صدرت بناء على ما ظهر من الأوراق - وقت إصدارها - من وقوع جناية مما تختص به محكمة أمن الدولة العليا، لا يتعارض مع ما تناهى إليه بعد تحقيق الدعوى وتمحيصها من استبعاد تلك الجناية.
14 - لما كان من المقرر أنه وإن كان يشترط في دليل الإدانة أن يكون مشروعاً، إذ لا يجوز أن تبنى إدانة صحيحة على دليل باطل في القانون، إلا أن المشروعية ليست بشرط واجب في دليل البراءة ذلك بأن الأصل على مقتضى المادة 67 من الدستور والمبادئ الأساسية في الإجراءات الجنائية أن كل متهم يتمتع بقرينة البراءة إلى أن يحكم بإدانته بحكم بات، وأنه إلى أن يصدر هذا الحكم له الحرية الكاملة في اختيار وسائل دفاعه بقدر ما يسعفه مركزه في الدعوى وما تحيط نفسه من عوامل الخوف والحرص والحذر وغيرها من العوارض الطبيعية لضعف النفوس البشرية، وقد قام على هدي هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حقاً مقدماً يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معها، إدانة بريء، هذا إلى ما هو مقرر من أن القانون، فيما عدا ما استلزمه من وسائل خاصة للإثبات، فتح بابه أمام القاضي الجنائي على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصلاً إلى الكشف عن الحقيقة ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر، مع حرية مطلقة في تقدير ما يعرض عليه ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما يستفاد من وقائع الدعوى وظروفها مما لا يقبل معه تقييد حرية المحكمة في دليل البراءة باشتراط مماثل لما هو مطلوب في دليل الإدانة.
15 - لما كان تفصيل أسباب الطعن ابتداء مطلوباً على وجه الوجوب، تحديداً للطعن وتعريفاً بوجهه منذ افتتاح الخصومة بحيث يتيسر للمطلع عليه أن يدرك لأول وهلة موطن مخالفة هذا الحكم للقانون أو خطئه في تطبيقه أو موطن البطلان الجوهري الذي وقع فيه أو موطن بطلان الإجراءات الذي يكون أثر فيه، وكانت الطاعنة لم تكشف في أسباب طعنها عن موطن مخالفة الحكم فيما استخلصه من التسجيلات للثابت بمحاضر تفريغها وإذ جاءت عبارتها في هذا الوجه مرسلة مجهلة فإنه يكون غير مقبول.
16 - لما كان الحكم في معرض نفيه جريمة الرشوة عن المطعون ضده الأول - قد أورد أنه "بالنسبة لعنصر أخذ مبلغ الرشوة فإن الثابت من الأوراق أن المتهم..... رفض استلام هذا المبلغ أثناء تواجده بفندق شبرد ورفض أيضاً التوجه مع..... و..... إلى فندق ماريوت كما رفض استلام الحقيبة المضبوطة التي بها مبلغ الرشوة من..... أثناء مقابلته في شارع قصر النيل ولم يعمل على استلامها منه أبداً بل إن المتهم...... هو الذي ألقى بها داخل السيارة وفي نفس اللحظة تم القبض على المتهم....... ويؤكد ذلك ما تبينته المحكمة عند مشاهدتها شريط الفيديو عن واقعة ضبط المتهم.... بشارع قصر النيل أن المتهم...... الذي كان واقعاً تحت سيطرة رجال الضبط منذ أن كان بمنزل...... واستلامه الحقيبة إلى أن تقابل مع...... بشارع قصر النيل أن الأخير رفض استلامها منه عند مقابلته له رغم إصرار...... على ذلك وعندما هم..... بركوب السيارة سارع...... بإلقاء الحقيبة المضبوطة في السيارة وفي نفس اللحظة داهمه رجال الضبط الأمر الذي ترى معه المحكمة أن واقعة إلقاء الحقيبة داخل السيارة بهذه الصورة التي تمت بها لا يعد أبداً تسلماً إرادياً أو فعلياً أو حقيقياً". وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وإذ كانت النيابة العامة لا تزعم أن ما أورده الحكم فيما تقدم لا يرتد إلى أصل ثابت في الأوراق، فإن ما تثيره بدعوى عدم تفطن الحكم إلى دلالة تتابع الأحداث منذ لقاء المطعون ضدهم بالمبلغ بفندق شبرد وحتى أن تم ضبط الحقيبة بسيارة أولهم يكون غير سديد إذ ينحل في الواقع من أمره إلى جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباط معتقدها وهو ما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض في شأنه لدى محكمة النقض.
17 - لما كان مناط تحقق جريمة المادة 326 من قانون العقوبات أن يصدر من الجاني على المجني عليه أي فعل بقصد تخويفه أو ترويعه بما يحمله على أن يسلم بغير حق، مبلغاً من المال أو أي شيء آخر، وكان تقدير توافر أركان هذه الجريمة من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بلا رقابة عليه من محكمة النقض ما دام تقديره سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص للأسباب السائغة التي أوردها إلى تبرئة المطعون ضده الأول من تهمة الشروع في الحصول على مال بطريق التهديد تأسيساً على انتفاء صدور أي تهديد أو ترويع منه على المبلغ، فإن ما تثيره الطاعنة من جدل في هذا الخصوص يكون غير مقبول.
18 - لما كان من المقرر أنه يكفي في المحاكمة الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة إذ أن مرجع ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل، ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه تكشف عن أن المحكمة قد ألمت بظروف الدعوى ومحصت أدلة الثبوت التي قام الاتهام عليها على نحو ينبئ عن أنها فطنت إليها وقامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث ثم أفصحت - من بعد - عن عدم اطمئنانها إليها، فإن هذا حسبها ليستقيم قضاؤها، وكان لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت بالبراءة بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه، ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم: المتهم الأول (أولاً) بصفته موظفاً عاماً من القائمين على شئون حزب....... (رئيس لجنة الإعلام باللجنة العامة لمحافظة القاهرة - ونائب رئيس تحرير جريدة...... الصادرة عن الحزب والمعبرة عن آرائه) طلب لنفسه وأخذ عطية للإخلال بواجبات وظيفته، بأن طلب تقاضى بواسطة المتهمين الثاني والثالث مبلغ مائة ألف جنيه من...... على سبيل الرشوة مقابل وقف الحملة الصحفية ضده والتي دأب على نشرها بباب..... الذي يشارك في تحريره بجريدة...... وكشف مصادره في المعلومات التي تتضمنها. (ثانياً) بصفته السابقة حصل لنفسه بدون وجه حق على ربح من عمل من أعمال وظيفته بأن طلب وأخذ مبلغ مائة ألف جنيه من....... بمناسبة الحملة الصحفية التي يشنها عليه في باب...... بجريدة...... الذي يشارك في تحريره. (ثالثاً) حصل بطريق التهديد على مبلغ مائة ألف جنيه بأن قام بشن حملة صحفية ضد...... بجريدة..... وواصل تلك الحملة حتى تمكن بذلك من الحصول على هذا المبلغ. المتهمان الثاني والثالث: أولاً: توسطا في طلب وأخذ مبلغ مائة ألف جنيه على سبيل الرشوة موضوع التهمة الأولى المنسوبة للمتهم الأول والذي طلبه من....... لوقف حملته الصحفية والكشف عن مصادره في المعلومات التي تتضمنها الحملة وتسلمه منه المتهم الثاني ثم سلمه للمتهم الثالث الذي سلمه بدوره للمتهم الأول على النحو المبين بالتحقيقات. (ثانياً) اشتركا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في حصوله بغير حق على مبلغ مائة ألف جنيه من عمل من أعمال وظيفته - موضوع التهمة الثانية - المنسوبة للمتهم المذكور بأن اتفقا معه على طلب هذا المبلغ..... وساعداه بتسلم هذا المبلغ بالفعل من المذكور وتسليمه إليه على النحو المبين بالتحقيقات فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. (ثالثاً): اشتركا بطريقي الاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول في ارتكاب التهمة الثالثة المنسوبة له بأن اتفقا معه على ارتكابها وساعداه في طلب واستلام المبلغ موضوع التهمة من...... وتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة. وأحالتهما إلى محكمة أمن الدولة العليا بالقاهرة لمعاقبتهم طبقاً للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة. وادعى الدكتور...... مدنياً قبل المتهمين جميعاً بمبلغ 151 جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. والمحكمة المذكورة قضت حضورياً (أولاً) بعدم قبول الدعوى المدنية. (ثانياً) ببراءة المتهمين من التهم المسندة إليهم.
فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

من حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده الأول من تهم الرشوة والتربح، والحصول بطريق التهديد على مبلغ من المال، وببراءة المطعون ضدهما الثاني والثالث من تهم التوسط في الرشوة المنسوبة للأول، والاشتراك في ارتكاب الجريمتين الأخريين المسندتين إليه، قد أخطأ في تأويل القانون وشابه الفساد في الاستدلال والقصور في التسبيب والتناقض فيه فضلاً عن مخالفة الثابت بالأوراق، ذلك بأنه استبعد تهمة الرشوة المعاقب عليها بالمواد 103، 104، 111 من قانون العقوبات عن المطعون ضده الأول، تأسيساً على عدم سريان المادة 14 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية عليه باعتبار أنه ليس من القائمين على شئون حزب....... وذلك على خلاف النظر الصحيح في القانون، فضلاً عن انطباق المادة 119 من قانون العقوبات عليه لكونه في حكم الموظفين العموميين المعنيين بهذا النص. ونفى تهمة التوسط في الرشوة عن المطعون ضدهما الثاني والثالث على سند من أنه لا قيام لهذه الجريمة إلا إذا كان الوسيط من قبل الراشي على الرغم من مخالفة ذلك لنص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات، وخلص الحكم إلى بطلان إذني النيابة العام الصادرين في 21 من سبتمبر و5 من أكتوبر سنة 1986 تأسيساً على عدم جدية التحريات التي بني عليها مع أن هذين الإذنين، وقد أصدرتهما النيابة العامة أثناء مباشرتها التحقيق في الدعوى، فيكون إصدارهما من إطلاقاتها، ولم يعرض الحكم للدليل المستمد من اعتراف المطعون ضدهما الثاني والثالث ولا للتحقيقات التي أجرتها النيابة العامة منذ 16 من سبتمبر سنة 1986 وحتى أصدرت الإذن بالتسجيل، ولا لما قرره المطعون ضده الأول من أنه عضو باللجنة العامة لمحافظة القاهرة بحزب..... وأنه يرتبط بجريدة...... بعقد عمل لقاء أجر شهري ودلالة ذلك في ضوء المادتين 11، 14 من القانون رقم 40 لسنة 1977 آنف الذكر، وأقام براءة المطعون ضدهما الثاني والثالث من التهمة الأولى المسندة إليهما على أسباب معماة مبهمة، وخلص إلى بطلان أذون التسجيل الصادرة في 27 و30 من أغسطس و23 من سبتمبر سنة 1986 تأسيساً على عدم جدية التحريات التي صدرت بناء عليها مع أنها انصبت على أشخاص لم يشملهم أمر الإحالة فلم يكن أمرهم مطروحاً على المحكمة، وأطرح الحكم الدفع ببطلان أذون التفتيش الخمسة الصادرة من النيابة العامة على سند من تمتعها بسلطات قاضي التحقيق عند تحقيقها جناية مما تختص به محكمة أمن الدولة العليا ثم عاد - من بعد - وخلص إلى انتفاء تلك الجناية، وعلى الرغم من أنه انتهى إلى بطلان أذون التسجيل الصادرة من النيابة العامة في 27 و30 من أغسطس و21 و23 من سبتمبر و5 من أكتوبر سنة 1986 بما يؤدي إلى إهدار الدليل المستد من تنفيذها غير أنه عاد من بعد واستند إلى هذا الدليل ذاته في صدد قضائه بالبراءة هذا إلى أن ما استخلصه الحكم من هذه التسجيلات يخالف الثابت بمحاضر تفريغها، ولم يفطن لتتابع الأحداث ما بين لقاء المطعون ضدهم الثلاثة بالمبلغ بفندق.... وما تبعه من لقاءات حتى تم ضبط النقود في سيارة المطعون ضده الأول أمام مسكن الثاني بعد أن سلمها له الثالث ودلالة ذلك على توافر الاتفاق بين ثلاثتهم على ارتكاب الجريمة وخطوات تنفيذها، ونفى عن الأول جنحة الرشوة المؤثمة بالمادة 106 من قانون العقوبات على سند من خلو الأوراق مما يؤيد قالة المطعون ضده الثاني بأن الأول طلب الرشوة مع أنه أورد في معرض تبرئة المطعون ضدهما الثاني والثالث من تهمة التوسط في الرشوة أنها لا تتم إلا بقبول الموظف للرشوة قبولاً جدياً، وقضى ببراءة المطعون ضده الأول من تهمة الحصول بطريق التهديد على مبلغ من المال تأسيساً على انتفاء صدور تخويف منه للمبلغ وأنه وإن كان آخرون قد هددوه فإنه يكون من عندياتهم دون أن يفطن الحكم إلى توقف الحملة الصحفية ضد المبلغ في عدد جريدة....... الصادر بتاريخ 28 من أغسطس سنة 1986 وهو العدد الذي حدده رسول أوفد للمبلغ لمطالبته بمبلغ الرشوة ثم استؤنفت تلك الحملة في الأعداد التالية وهو ما يشكل ضغطاً على المجني عليه تتوافر به تلك الجريمة، هذا إلى أن الحكم لم يعرض لما يشكله مسلك المطعون ضدها الثاني والثالث من جريمة النصب. كل ذلك يعيب الحكم المطعون فيه بما يستوجب نقضه.
ومن حيث إن الشارع يتطلب لتوافر جريمة الرشوة المعاقب عليها بالمادتين 103، 104 من قانون العقوبات أن يكون الجاني موظفاً عاماً. لما كان ذلك، وكان الموظف أو المستخدم العام هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق. ولئن كانت المادتان 11، 14 من القانون رقم 40 لسنة 1977 بنظام الأحزاب السياسية قد نصتا على اعتبار أموال الأحزاب من الأموال العامة وعلى اعتبار القائمين على شئون الأحزاب والعاملين بها في حكم الموظفين العموميين في صدد تطبيق أحكام قانون العقوبات، إلا أنه لم يرد بأي من ذينك النصين أو بغيرهما من نصوص القانون المذكور ولا في نصوص القانون رقم 148 لسنة 1980 بشأن سلطة الصحافة ولا في أي قانون آخر، أي نص على اعتبار أموال الصحف - غير القومية - من الأموال العامة ولا على اعتبار العاملين بها من الموظفين العموميين أو من في حكمهم، لما كان ذلك، وكان الأصل أنه يجب التحرز في تفسير القوانين الجنائية بأن لا تحمل عباراتها أكثر مما تحتمل وأنه متى كانت عبارة القانون واضحة في الدلالة على مراد الشارع منها فإنه يتعين قصر تطبيقها على ما يتأدى مع صريح نص القانون، فإن الحكم المطعون فيه إذ خلص، للأسباب السائغة التي أوردها، إلى أن المطعون ضده الأول بوصفه من العاملين بصحيفة...... ليس من الموظفين العموميين أو في حكمهم يكون قد اقترن بالصواب، وإذ كان ما تثيره الطاعنة من انطباق المادة 119 من قانون العقوبات على جريمة الرشوة مردوداً بأن هذه المادة إنما وردت في الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات وهو الذي أفرده الشارع لجرائم اختلاس المال العام والاعتداء عليه والغدر، ومن ثم لزم قصر تطبيقها على هذه الجرائم فحسب الأمر الذي تخرج معه جرائم الرشوة من نطاقها بما يضحى معه منعى النيابة العامة الطاعنة في هذا الخصوص غير سديد. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه متى كانت عبارة النص واضحة لا لبس فيها ولا غموض فإنها يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ولا يجوز الانحراف بها عن طريق التفسير أو التأويل، وكان الشارع إذ نص في المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات على معاقبة الوسيط بالعقوبة ذاتها المقررة للمرتشي قد أطلق لفظ "الوسيط" بما يتعين معه تطبيق النص على كل من يصدق عليه وصف الوسيط في الرشوة، سواء أكان يعمل من جانب الراشي أم من جانب المرتشي، والقول بغير ذلك فيه تخصيص للنص بغير مخصص وتقيد له بغير مقيد، وهو ما لا يصح في أصول التفسير أو التأويل، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر باشتراطه أن يكون الوسيط من قبل الراشي فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون، غير أنه لما كان البين من مدونات الحكم أنه أقام براءة المطعون ضدهما الثاني والثالث من تهمة التوسط في الرشوة تأسيساً على تشكيك المحكمة في ثبوت أركانها، فلا ينال منه - من بعد - ما تردى فيه من تقريرات قانونية خاطئة في هذا الصدد، لما هو مقرر من أنه لا يقدح في سلامة الحكم القاضي بالبراءة أن تكون إحدى دعاماته فاسدة ما دام قد أقيم على دعامات أخرى تكفي وحدها لحمل قضائه - وهو الحال في الدعوى الماثلة - كما لا يغير من ذلك ما تثيره الطاعنة من أن المادة 109 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات تعاقب على مجرد عرض الوساطة أو قبولها ما دام الحكم قد أثبت انحسار صفة الموظف العمومي أو من في حكمه عن المطعون ضده الأول المقول بالتوسط لديه، ذلك بأنه لما كان الأصل في قواعد التفسير أن الشارع إذا ما أورد مصطلحاً معيناً في نص لمعنى معين وجب صرفه لهذا المعنى في كل نص آخر يرد فيه، وكان يؤخذ من وضوح عبارة المادة 109 مكرراً ثانياً وما كشفت عنه الأعمال التشريعية لها، وإيرادها مع مثيلاتها في باب بذاته من الكتاب الثاني من قانون العقوبات - هو الباب الثالث الخاص بالرشوة - أنه وإن كانت الجريمة المستحدثة بالمادة 109 مكرراً ثانياً آنفة الذكر ذات كيان يغاير جريمة الوسيط في الرشوة المنصوص عليها في المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات، إذا تغيا الشارع من الجريمة المستحدثة تجريم الأفعال التي لا تجاوز عرض أو قبول الوساطة في رشوة والتي لا تبلغ حد الاشتراك في رشوة أو في شروع فيها والتي لا يؤثمها نص المادة 109 مكرراً أو أي نص آخر، وذلك للقضاء على سماسرة الرشوة ودعاتها، إلا أنه وقد قرن الشارع الأفعال المادية المكونة لها بجريمة الرشوة بقوله "كل من عرض أو قبل الوساطة في رشوة" فإنه لا قيام لهذه الجريمة المستحدثة إلا إذا كان عرض الوساطة أو قبولها إنما كان في جريمة من جرائم الرشوة التي انتظمها وحدد عناصرها ومقوماتها ذلك الباب ما دام أن مدلول النص هو الإحالة بالضرورة - في بيان المقصود بالرشوة وفي تحديد الأركان التي يلزم تحققها لقيام أية جريمة منها - إلى أحكام المادة 103 وما بعدها من قانون العقوبات. لما كان ذلك، فقد لزم لقيام تلك الجريمة المستحدثة أن يأتي الجاني فعله في المهد الأول للرشوة، وهو عليم بوجود حقيقي لموظف عام أو من في حكمه، وبوجود عمل حقيقي أو مزعوم أو مبني على اعتقاد خاطئ - لهذا الموظف يراد منه أداؤه أو الامتناع عنه، وبوجود حقيقي لصاحب حاجة لهذا العمل، ويلزم فوق ذلك أن تكون إرادة الجاني - على هذا الأساس - قد اتجهت في الحقيقة وليس بمجرد الزعم إلى إتيان عرض أو قبول الوساطة في رشوة، ذلك بأنه أراد الشارع مد التأثيم في هذه الجريمة إلى مجرد الزعم لعمد إلى الإفصاح عن ذلك في صراحة، على غرار نهجه في المادة 104 مكرراً من قانون العقوبات من تأثيمه زعم الموظف أن العمل من أعمال وظيفته، وليس يجوز القياس أو التوسع في التفسير، لأنه في مجال التأثيم محظور. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بما أورده من أدلة سائغة، أن قصد المطعون ضدهما الثاني والثالث لم ينصرف إلى الاتصال بالطرف الآخر المزمع إرشاؤه، بما ينتفي معه - في صورة هذه الدعوى - الركن المعنوي للجريمة المنصوص عليها في المادة 109 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات، فإن النعي عليه في هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان النص في المادة 41 من الدستور على أن "الحرية الشخصية حق طبيعي وهي مصونة لا تمس، وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع، ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة، وذلك وفقاً لأحكام القانون...." وفي المادة 44 منه على أنه "للمساكن حرمة فلا يجوز دخولها ولا تفتيشها إلا بأمر قضائي مسبب وفقاً لأحكام القانون" وفي المادة 45 منه على أن "لحياة المواطنين الخاصة حرمة يحميها القانون. وللمراسلات البريدية والبرقية والمحادثات التليفونية وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها أو الاطلاع عليها أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة وفقاً لأحكام القانون". وفي المادة 91 من قانون الإجراءات الجنائية على أن "تفتيش المنازل عمل من أعمال التحقيق ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بمقتضى أمر من قاضي التحقيق بناء على اتهام موجه إلى شخص يقيم في المنزل المراد تفتيشه بارتكاب جناية أو جنحة أو باشتراكه في ارتكابه أو إذا وجدت قرائن تدل على أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة. ولقاضي التحقيق أن يفتش أي مكان ويضبط فيه الأوراق والأسلحة وكل ما يحتمل أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها أو وقعت عليه وكل ما يفيد في كشف الحقيقة. وفي جميع الأحوال يجب أن يكون أمر التفتيش مسبباً". وفي المادة 94 منه على أن "لقاضي التحقيق أن يفتش المتهم، وله أن يفتش غير المتهم إذا اتضح من أمارات قوية أنه يخفي أشياء تفيد في كشف الحقيقة، ويراعى في التفتيش حكم الفقرة الثانية من المادة 46". وفي المادة 95 من القانون ذاته على أن "لقاضي التحقيق أن يأمر بضبط جميع الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود لدى مكاتب البريد وجميع البرقيات لدى مكاتب البرق وأن يأمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر. وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الضبط أو الاطلاع أو المراقبة أو التسجيل بناء على أمر مسبب ولمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة". وفي المادة 206 منه على أنه "لا يجوز للنيابة العامة تفتيش غير المتهم أو منزل غير منزله إلا إذا اتضح من أمارات قوية أنه حائز لأشياء تتعلق بالجريمة. ويجوز لها أن تضبط لدى مكاتب البريد جميع الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود، ولدى مكاتب البرق جميع البرقيات وأن تراقب المحادثات السلكية واللاسلكية وأن تقوم بتسجيلات لمحادثات جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر. ويشترط لاتخاذ أي إجراء من الإجراءات السابقة الحصول مقدماً على أمر مسبب بذلك من القاضي الجزئي بعد اطلاعه على الأوراق. وفي جميع الأحوال يجب أن يكون الأمر بالضبط أو الاطلاع أو المراقبة لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً. ويجوز للقاضي الجزئي أن يجدد هذا الأمر مدة أو مدداً أخرى مماثلة. وللنيابة العامة أن تطلع على الخطابات والرسائل والأوراق الأخرى والتسجيلات المضبوطة على أن يتم هذا كلما أمكن ذلك بحضور المتهم والحائز لها أو المرسلة إليه وتدون ملاحظاتهم عليها. ولها حسب ما يظهر من الفحص أن تأمر بضم تلك الأوراق إلى ملف الدعوى أو بردها إلى من كان حائزاً لها أو من كانت مرسلة إليه". وكانت المادة 199 من القانون ذاته إذ نصت على أن تباشر النيابة العامة التحقيق طبقاً للأحكام المقررة لقاضي التحقيق، قد خلت مما يعفي النيابة العامة مما فرضه القانون على قاضي التحقيق من ضوابط وقيود، كل ذلك يدل على أن الإذن بالتفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق لا يصح إصداره إلا بصدد جريمة - جناية أو جنحة - واقعة بالفعل وترجحت نسبتها إلى متهم معين وأن هناك من الدلائل ما يكفي للتصدي لحرمة مسكنه أو لحرمة حياته الخاصة أو لحريته الشخصية أو ما يتصل بها مما ورد ذكره في النصوص آنفة الذكر، يستوي في ذلك أن تكون هذه الدلائل قد قدمت لسلطة التحقيق من مأمور الضبط القضائي فأسست عليها الإذن أو تكشفت لديها بعد قطعها شوطاً في التحقيق، وإذ كان ذلك، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه وإن كان تقدير مدى كفاية الدلائل لتسويغ إصدار الإذن موكولاً بداءة لسلطة التحقيق إلا أن تقديرها هذا يخضع - في كل الأحوال - لرقابة محكمة الموضوع، ومن ثم فإن ما تذهب إليه الطاعنة من أن إصدار الإذن من النيابة العامة بعد أن قطعت شوطاً في التحقيق هو أمر من إطلاقاتها، يكون بعيداً عن محجة الصواب. لما كان ذلك، وكانت محكمة الموضوع لا تلتزم في حالة قضائها بالبراءة بالرد على كل دليل من أدلة الاتهام ما دام أنها قد رجحت دفاع المتهم أو داخلتها الريبة والشك في عناصر الإثبات، لأن في إغفالها التحدث عنها ما يفيد ضمناً أنها لم تر فيها ما تطمئن معه إلى إدانة المتهم فأطرحتها. وكان الحكم قد عرض لصلة المطعون ضده الأول بكل من حزب...... وجريدة....... - على خلاف ما تزعمه الطاعنة - وخلص من ذلك سائغاً، إلى أنه لا يعد موظفاً عاماً أو من في حكمه في مجال تطبيق أحكام قانون العقوبات، فإن منعى النيابة العامة في هذا الخصوص لا يكون له محل. لما كان ذلك، وكان ما تثيره الطاعنة في شأن قضاء الحكم ببطلان الأذون الصادرة في 27، 30 من أغسطس و23 من سبتمبر سنة 1986 بدعوى أن التحريات التي بنيت عليها قد انصبت على أشخاص لم يطرح أمرهم على المحكمة، مردوداً بأنه - بفرض صحته - لا يعدو أن يكون تزيداً لم يكن له أثر في منطق الحكم ولا في النتيجة التي انتهى إليها، ذلك بأن الواضح من مدونات الحكم أنه أقام قضاءه على أسباب مستقلة عما تزيد فيه من أسباب ورد عليها النعي ويستقيم الحكم بدونها. لما كان ذلك، وكان الأصل في الأعمال الإجرائية أنها تجرى على حكم الظاهر فلا تبطل من بعد نزولاً على ما ينكشف من أمر واقع، فإن إطراح الحكم الدفع ببطلان أذون التفتيش الخمسة الصادرة من النيابة العامة تأسيساً على أنها صدرت بناء على ما ظهر من الأوراق - وقت إصدارها - وقوع جناية مما تختص به محكمة أمن الدولة العليا، لا يتعارض مع ما تناهى إليه بعد تحقيق الدعوى وتمحيصها من استبعاد تلك الجناية. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان يشترط في دليل الإدانة أن يكون مشروعاً، إذ لا يجوز أن تبنى إدانة صحيحة على دليل باطل في القانون، إلا أن المشروعية ليست بشرط واجب في دليل البراءة، ذلك بأن الأصل على مقتضى المادة 67 من الدستور والمبادئ الأساسية في الإجراءات الجنائية أن كل متهم يتمتع بقرينة البراءة إلى أن يحكم بإدانته حكم بات، وأنه إلى أن يصدر هذا الحكم له الحرية الكاملة في اختيار وسائل دفاعه بقدر ما يسعفه مركزه في الدعوى وما تحيط نفسه من عوامل الخوف والحرص والحذر وغيرها من العوارض الطبيعية لضعف النفوس البشرية، وقد قام على هدي هذه المبادئ حق المتهم في الدفاع عن نفسه وأصبح حقاً مقدماً يعلو على حقوق الهيئة الاجتماعية التي لا يضيرها تبرئة مذنب بقدر ما يؤذيها ويؤذي العدالة معاً، إدانة بريء، هذا إلى ما هو مقرر من أن القانون، فيما عدا ما استلزمه من وسائل خاصة للإثبات، فتح بابه أمام القاضي الجنائي على مصراعيه يختار من كل طرقه ما يراه موصلاً إلى الكشف عن الحقيقة ويزن قوة الإثبات المستمدة من كل عنصر، مع حرية مطلقة في تقدير ما يعرض عليه ووزن قوته التدليلية في كل حالة حسبما يستفاد من وقائع الدعوى وظروفها مما لا يقبل معه تقييد حرية المحكمة في دليل البراءة باشتراط مماثل لما هو مطلوب في دليل الإدانة، وبالتالي يكون منعى الطاعنة في هذا الصدد غير قويم. لما كان ذلك، وكان تفصيل أسباب الطعن ابتداء مطلوباً على وجه الوجوب، تحديداً للطعن وتعريفاً بوجهه منذ افتتاح الخصومة بحيث يتيسر للمطلع عليه أن يدرك لأول وهلة موطن مخالفة هذا الحكم للقانون أو خطئه في تطبيقه أو موطن البطلان الجوهري الذي وقع فيه أو موطن بطلان الإجراءات الذي يكون أثر فيه، وكانت الطاعنة لم تكشف في أسباب طعنها عن موطن مخالفة الحكم فيما استخلصه من التسجيلات للثابت بمحاضر تفريغها وإذ جاءت عبارتها في هذا الوجه مرسلة مجهلة، فإنه يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان الحكم، في معرض نفيه جريمة الرشوة عن المطعون ضده الأول - قد أورد أنه "بالنسبة لعنصر أخذ مبلغ الرشوة فإن الثابت من الأوراق أن المتهم... رفض استلام هذا المبلغ أثناء تواجده بفندق شبرد ورفض أيضاً التوجه مع..... و...... إلى فندق ماريوت كما رفض استلام الحقيبة المضبوطة التي بها مبلغ الرشوة من..... أثناء مقابلته في شارع قصر النيل ولم يعمل على استلامها منه أبداً بل إن المتهم....... هو الذي ألقى بها داخل السيارة وفي نفس اللحظة قم القبض على المتهم...... ويؤكد ذلك ما تبينته المحكمة عند مشاهدتها شريط الفيديو عن واقعة ضبط المتهم.... بشارع قصر النيل أن المتهم..... الذي كان واقعاً تحت سيطرة رجال الضبط منذ أن كان بمنزل....... واستلامه الحقيبة إلى أن تقابل مع...... بشارع قصر النيل أن الأخير رفض استلامها منه عند مقابلته له رغم إصرار....... على ذلك وعندما هم....... بركوب السيارة سارع...... بإلقاء الحقيبة المضبوطة في السيارة وفي نفس اللحظة داهمه رجال الضبط الأمر الذي ترى معه المحكمة أن واقعة إلقاء الحقيبة داخل السيارة بهذه الصورة التي تمت بها لا يعد أبداً تسلماً إرادياً أو فعلياً أو حقيقياً. وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق، وإذ كانت النيابة العامة لا تزعم أن ما ورد بالحكم فيما تقدم لا يرتد إلى أصل ثابت في الأوراق، فإن ما تثيره بدعوى عدم تفطن الحكم إلى دلالة تتابع الأحداث منذ لقاء المطعون ضدهم بالمبلغ بفندق شبرد وحتى أن تم ضبط الحقيبة بسيارة أولهم يكون غير سديد إذ هو ينحل في الواقع من أمره إلى جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في وزن عناصر الدعوى واستنباطها معتقدها وهو ما لا يجوز مصادرتها فيه أو الخوض في شأنه لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان مناط تحقق جريمة المادة 326 من قانون العقوبات أن يصدر من الجاني على المجني عليه أي فعل بقصد تخويفه أو ترويعه بما يحمله على أن يسلم بغير حق، مبلغاً من المال أو أي شيء آخر وكان تقدير توافر أركان هذه الجريمة من الموضوع الذي يستقل به قاضيه بلا رقابة عليه من محكمة النقض ما دام تقديره سائغاً مستنداً إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق، وكان الحكم المطعون فيه قد خلص، للأسباب السائغة التي أوردها، إلى تبرئة المطعون ضده الأول من تهمة الشروع في الحصول على مال بطريق التهديد تأسيساً على انتفاء صدور أي تهديد أو ترويع منه على المبلغ، فإن ما تثيره الطاعنة من جدل في هذا الخصوص يكون غير مقبول. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يكفي في المحاكمة الجنائية أن تتشكك محكمة الموضوع في صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكي تقضي له بالبراءة إذ أن مرجع ذلك إلى ما تطمئن إليه في تقدير الدليل، ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكانت مدونات الحكم المطعون فيه تكشف عن أن المحكمة قد ألمت بظروف الدعوى ومحصت أدلة الثبوت التي قام عليها على نحو ينبئ عن أنها فطنت إليها وقامت بما ينبغي عليها من تدقيق البحث، ثم أفصحت - من بعد - عن عدم اطمئنانها إليها، فإن هذا حسبها ليستقيم قضاؤها، وكان لا يصح النعي على المحكمة أنها قضت بالبراءة بناء على احتمال ترجح لديها بدعوى قيام احتمالات أخرى قد تصح لدى غيرها لأن ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدان قاضيها وما يطمئن إليه، ما دام قد أقام قضاءه على أسباب تحمله - كما هو الحال في واقعة الدعوى الماثلة - وإذ كان ما أفصح عنه الحكم في مدوناته من عدم الاطمئنان لأدلة الثبوت في الدعوى يتضمن بطريق اللزوم العقلي والمنطقي إطراح ما قد تتصف بها الأفعال المنسوبة إلى المطعون ضدهما الثاني والثالث من أوصاف أخرى، فإن سائر ما تثيره النيابة العامة في أسباب طعنها يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.