مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1963 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 1443

(131)
جلسة 29 من يونيه سنة 1963

برئاسة السيد الأستاذ/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة/ مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1398 لسنة 6 القضائية

موظف - محاكمة تأديبية - نفاذ القرار الإداري - ترقية المادتان 104، 106 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - تقريرهما أصلاً عما يقتضيه حسن سير الإدارة ومفاده عدم البت في ترقية الموظف الذي يحاكم تأديبياً حتى يفصل فيما نسب إليه - اعتبار ترقيته في هذه الحالة معلقة على شرط ثبوت عدم إدانته - اعتبار قرار الترقية كأن لم يكن إذا تخلف تحقق هذا الشرط - أساس ذلك.
تنص المادة (106) من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أنه "لا يجوز ترقية موظف محال إلى المحاكمة التأديبية أو موقوف عن العمل في مدة الإحالة أو الوقف. وفي هذه الحالة يسري حكم المادة (104) الذي من مقتضاه أنه إذا استطالت المحاكمة لأكثر من سنة وثبت عدم إدانة الموظف، وجب عند ترقيته احتساب أقدميته في الدرجة المرقى إليها من التاريخ الذي كانت تتم فيه لو لم يحل إلى المحاكمة التأديبية" فالمادتان المذكورتان (106، 104) تقرران أصلاً من الأصول العامة التي يقتضيها حسن سير الإدارة وتنظيمه على نحو يوفق بين مصلحة الموظف والمصلحة العامة على أساس عادل، ومفاد هذا الأصل انتظار البت في ترقية الموظف حتى يفصل فيما نسب إليه مما استوجب محاكمته تأديبياً، فلا يجوز ترقيته خلال ذلك، ولا يكون الموظف بصالح وقتئذ للترقية، فالترقية في هذه الحالة تظل معلقة على شرط أن تثبت عدم إدانته في تلك المحاكمة ولئن كانت القاعدة هي نفاذ القرارات الإدارية من تاريخ صدورها، فإنه يجدر التمييز في هذا الصدد بين القرارات الإدارية البسيطة من جهة، والقرارات الإدارية المعلقة على شرط من جهة أخرى، فالقاعدة لا تصدق على إطلاقها إلا بالنسبة للقرارات الأولى، أما المعلقة على شرط موقف أو فاسخ فإن نفاذ هذا النوع من القرارات وتحقق آثارها يكون مرهوناً بتحقق الشرط الذي علقت عليه، وتأسيساً على ما تقدم يكون القرار الصادر في 9/ 11/ 1957 بترقية المطعون ضده بالاختيار إلى الدرجة السابعة الكتابية اعتباراً من 20/ 1/ 1957 والمحال إلى المحاكمة التأديبية من قبل - هو قرار غير بات وإنما معلق على شرط أن يثبت عدم إدانة المطعون ضده في المحاكمة التأديبية، أما إذا تخلف تحقق هذا الشرط وقضى بإدانته فإن أثر ذلك ينسحب على قرار الترقية فيصبح وكأنه لم يكن، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ اعتبر القرار الصادر بترقية المطعون ضده هو قرار بات معلق على شرط فقد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويكون الطعن فيه قد قام على أساس سليم يتعين قبوله.


إجراءات الطعن

في 4 من مايو سنة 1960 أودع السيد/ رئيس إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة عريضة طعن في الحكم الصادر من المحكمة الإدارية المذكورة بجلسة 5 من مارس سنة 1960 في القضية رقم 221 لسنة 6 القضائية المرفوعة من السيد/ اندريا صليب فاخورى ضد وزارة التربية والتعليم القاضي بإلغاء القرار رقم 33 الصادر في 27 من مارس سنة 1958 فيما تضمنه من سحب ترقية المدعي إلى الدرجة السابعة الكتابية بالاختيار والتي تمت بالقرار 876 الصادر في 9/ 11/ 1957 مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة المصروفات "وطلب السيد/ رئيس إدارة القضايا للأسباب التي أوردها في عريضة طعنه قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض دعوى المطعون ضده مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وقد أعلن هذا الطعن لذوي الشأن، وحدد لنظره جلسة أمام دائرة فحص الطعون فقررت إحالته إلى المحكمة الإدارية العليا التي بعد أن سمعت ما رأت لزوم سماعه من الإيضاحات أرجأت النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 221 لسنة 6 القضائية بصحيفة أودعت سكرتيرية المحكمة في 26 من ديسمبر سنة 1958 بطلب الحكم بإلغاء القرار الإداري رقم 22 الصادر بسحب ترقية المدعي إلى الدرجة السابعة الكتابية وتنفيذ قرار الترقية رقم 876 الصادر في 9 من نوفمبر سنة 1957 بترقية المدعي للدرجة السابعة اعتباراً من 20 أكتوبر سنة 1957 مع ما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق..." وقال المدعي في بيان دعواه أن سحب ترقيته قد تم بعد انقضاء أكثر من ستين يوماً على تقريرها الأمر الذي لا يجوز لأنه بمضي هذه المدة قد تحصن قرار ترقيته ولو كان خاطئاً استقرار للأوضاع الإدارية وحماية للمصالح والحقوق المكتسبة، والقرار الإداري لا يكون معدوماً جائز السحب في أي وقت إلا إذا صدر غير متوافر له الإرادة والمحل والسبب، وبمعنى آخر أن القرار المنعدم هو الذي ينقصه عنصر أساسي من عناصره أو هو القرار الذي يبلغ فيه اغتصاب السلطة حداً لا يمكن معه القول بأن هذا القرار قد صدر تنفيذاً لقانون أو لائحة، أما إذا اختل شرط من شروط الأركان المتعلقة بالشكل والاختصاص والمشروعية أو استهداف الصالح العام كان القرار باطلاً فحسب وعلى ذلك يكون القرار الصادر بترقيته وإن خالف نص المادة (106) من القانون رقم 210 لسنة 1951 - هو قرار باطلاً لا منعدم لأن هذه المخالفة لا تعيبه إلا من ناحية عدم المشروعية، ومن ثم يكون إلغاء ترقيته في 27/ 3/ 1958 قد جاء مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء..".
أجابت الوزارة على الدعوى بأنه صدر القرار رقم 876 بتاريخ 9/ 11/ 1957 بترقية المدعي إلى الدرجة السابعة الكتابية اعتباراً من 20/ 10/ 1957، وقد تبين أن المدعي كان محولاً على مجلس التأديب العادي بالقرار 577 بتاريخ 31/ 7/ 1957 وقضى بخصم سبعة أيام من مرتبه في 21/ 11/ 1957 واستأنفت الوزارة هذا الحكم أمام مجلس التأديب العالي الذي قضى بخصم شهر من مرتبه في 11/ 3/ 1958، وتقضي المادة (106) من قانون التوظف بعدم جواز ترقية موظف محال على المحاكمة التأديبية... "وبمجرد وصول النشرة التي بها الترقية إلى المنطقة التي يعمل بها المدعي بادرت بإبلاغ الوزارة عن الرأي في تنفيذ هذه الترقية وقد أجابتها الوزارة بإصدار الأمر التنفيذي رقم 23 في 27/ 3/ 1958 متضمناً إلغاء القرار السابق رقم 876 فيما تضمنه من ترقية المدعي إلى الدرجة السابعة فقامت المنطقة بتنفيذه..."
وبتاريخ 5 من مارس سنة 1960 قضت المحكمة الإدارية بإلغاء القرار رقم 23 الصادر في 27 من مارس سنة 1958 فيما تضمنه من سحب ترقية المدعي إلى الدرجة السابعة الكتابية بالاختيار والتي تمت بالقرار رقم 876 بتاريخ 9 من نوفمبر سنة 1957 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الوزارة المصروفات". بانية قضاءها هذا على أن سحب قرار ترقية المدعي قد تم بعد المواعيد المقررة للسحب، وكان يتعين على الوزارة أن تسحبه خلال ستين يوماً من تاريخ نشره أي في ميعاد غايته 31 يناير سنة 1958 فإن هي لم تفعل ذلك فقد تحصن القرار بفوات الميعاد القانوني فلا يجوز سحبه إذ أن من المقرر أن مخالفة الأوامر الإدارية للقوانين واللوائح أو تعدى الإدارة فيهما حدود سلطتها، إنما هو وجه من أوجه بطلان القرار وليس سبباً من أسباب الانعدام.."
ومن حيث إن الطعن في الحكم يقوم على أن ترقية المطعون ضده جاءت مخالفة لنص المادة (106) من القانون رقم 210 لسنة 1951 وبالتالي فلا يكتسب القرار الصادر بها حصانة ما ومن حق الجهة الإدارية إلغاء هذه الترقية في أي وقت كان دون التقيد بميعاد الستين يوماً..."
ومن حيث إنه يبين من أوراق الطعن أنه بتاريخ 9/ 11/ 1957 صدر القرار رقم 876 متضمناً ترقية المطعون ضده إلى الدرجة السابعة الكتابية بالاختيار اعتباراً من 20/ 10/ 1957 ثم وفي 27/ 3/ 1958 صدر قرار إداري متضمناً إلغاء ترقية المطعون ضده الصادر بها القرار رقم 876 المشار إليه - وبالرجوع إلى حافظة الحكومة المقدمة بملف الطعن (7 دوسيه) يتضح منها أنه صدر قرار برقم 577 بتاريخ 21/ 7/ 1957 بإحالة السيد/ اندريا صليب الكاتب بقلم توريدات منطقة قنا التعليمية إلى مجلس التأديب لمحاكمته على ما نسب إليه وهو أنه تعرض بالاشتراك مع آخرين للمدعوة كريمة حنفي المستخدمة بشركة سنجر (فرع قنا) على وجه يخدش حياءها..." وقد أبلغ الأمر للنيابة العامة التي قيدت الواقعة جنحة ضده برقم 489 لسنة 1956 بندر قنا قضى فيها ابتدائياً واستئنافياً بحبسه أسبوعاً حبساً بسيطاً هذا من الناحية الجنائية، وأما من الناحية الإدارية فقد قضى المجلس التأديبي العادي بمجازاة المطعون ضده بخصم سبعة أيام من راتبه وكان ذلك في 21 نوفمبر سنة 1957، فاستأنفت الحكومة هذا القرار لعدم مناسبة الجزاء أمام مجلس التأديب العالي الذي قضى في 11/ 2/ 1958 بتعديل الجزاء إلى الخصم شهر من المرتب.
ومن حيث إنه يؤخذ مما تقدم أن ترقية المطعون ضده إلى الدرجة السابعة الكتابية بالاختيار في 20/ 10/ 1957 قد تمت بعد إحالته إلى مجلس التأديب بالقرار رقم 577 في 31/ 7/ 1957 وذلك بالمخالفة لحكم المادة (106) من القانون رقم 210 لسنة 1951 على أنه "لا يجوز ترقية موظف محال إلى المحاكمة التأديبية أو موقوف عن العمل في مدة الإحالة أو الوقف" وفي هذه الحالة يسري حكم المادة (104) الذي من مقتضاه أنه إذا استطالت المحاكمة لأكثر من سنة وثبت عدم إدانة الموظف، وجب عند ترقيته احتساب أقدميته في الدرجة المرقى إليها من التاريخ الذي كانت تتم فيه لو لم يحل إلى المحاكمة التأديبية "فالمادتان المذكورتان (106 و104) تقرران أصلاً من الأصول العامة التي يقتضيها حسن سير الإدارة، وتنظيمه على نحو يوفق بين مصلحة الموظف والمصلحة العامة على أساس عادل، ومفاد هذا الأصل انتظار البت في ترقية الموظف حتى يفصل فيما نسب إليه مما استوجب محاكمته تأديبياً، فلا يجوز ترقيته خلال ذلك، ولا يكون الموظف بصالح وقتئذ للترقية، فالترقية في هذه الحالة تظل معلقة على شرط أن تثبت عدم إدانته في تلك المحاكمة ولئن كانت القاعدة هي نفاذ القرارات الإدارية من تاريخ صدورها فإنه يجدر التمييز في هذا الصدد بين القرارات الإدارية البسيطة من جهة، والقرارات الإدارية المعلقة على شرط من جهة أخرى، فالقاعدة لا تصدق على إطلاقها إلا بالنسبة للقرارات الأولى، أما المعلقة على شرط موقف أو فاسخ فإن نفاذ هذا النوع من القرارات وتحقق آثارها يكون مرهوناً بتحقق الشرط الذي علقت عليه، وتأسيساً على ما تقدم يكون القرار الصادر في 9/ 11/ 1957 بترقية المطعون ضده بالاختيار إلى الدرجة السابعة الكتابية اعتباراً من 20/ 10/ 1957 والمحال إلى المحاكمة التأديبية من قبل - هو قرار غير بات وإنما معلق على شرط أن يثبت عدم إدانة المطعون ضده في المحاكمة التأديبية، أما إذا تخلف تحقق هذا الشرط وقضى بإدانته فإن أثر ذلك ينسحب على قرار الترقية فيصبح وكأنه لم يكن، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ اعتبر القرار الصادر بترقية المطعون ضده هو قرار بات غير معلق على شرط فقد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه ويكون الطعن فيه قد قام على أساس سليم يتعين قبوله. والقضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض دعوى المطعون ضده وإلزامه بالمصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وألزمت المدعي بالمصروفات.