مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1963 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 1448

(132)
جلسة 29 من يونيه سنة 1963

برياسة السيد الأستاذ/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة/ مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 1609 لسنة 6 القضائية

( أ ) دستورية القانون - اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - أعمال السيادة - القانون رقم 31 لسنة 1963 بتعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة - نصه على اعتبار قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي من قبيل أعمال السيادة - جواز تعديل الاختصاص القضائي لمجلس الدولة زيادة أو نقصاً بذات الأداة التي أنشأت هذا الاختصاص وهي القانون - وصف بعض أعمال الحكومة بأنها أعمال سيادة هو تعديل لهذا الاختصاص بطريقة غير مباشرة مما يملكه المشرع - القول بأن هذا القانون غير دستوري قول غير سليم - حالات عدم الدستورية هي مخالفة نص دستوري قائم أو الخروج على روحه ومقتضاه.
(ب) اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري - أعمال السيادة - سلطة الشارع في إخراج عمل ما من ولاية القضاء أساسها أنه المنوط به بنص الدستور ترتيب جهات القضاء وتعيين اختصاصاتها - حريته في اختيار وسيلة هذا الإخراج - وصف المشرع بعض أعمال الحكومة بأنها أعمال سيادة هو وسيلة لإخراجها من اختصاص مجلس الدولة - سلطة القاضي في تقرير الوصف القانوني للعمل المطروح عليه محدودة بما قد يرى المشرع إلزامه به - حرية المشرع الكاملة في هذا الشأن ما دامت في حدود الدستور.
(ج) دستورية القانون - القانون رقم 31 لسنة 1963 باعتبار قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي من قبيل أعمال السيادة - النعي عليه بعدم الدستورية قولاً بأن فيه مصادرة لحق الموظف في الانتصاف عن طريق القضاء - مردود بأن ذلك لا يكون إلا إذا كان حق الموظف في الوظيفة العامة هو من الحقوق التي يكفلها الدستور ذاته ويقرر الدستور وسيلة اقتضائه كذلك - وضع الموظف هو وضع شرطي منوط بالصلاحية للوظيفة العامة - إلغاء الوسيلة القضائية للتظلم من هذه القرارات لا يعتبر إلغاء لأصل الحق في ذاته ما دام المشرع قد أوجد هيئة إدارية تختص بنظر التظلم والفصل فيه بقرار مسبب وجوباً في حالة الرفض - النعي على هذا القانون بأن فيه إخلالاً بالمساواة أمام القانون والقضاء مردود بأن الوضع واحد دون تمييز بالنسبة إلى كل من تصدر في حقهم من الموظفين القرارات المشار إليها.
(د) سريان القانون من حيث الزمان - القوانين المعدلة للاختصاص - إضفاء المشرع صفة أعمال السيادة على القرارات المنصوص عليها في القانون رقم 31 لسنة 1963 يترتب عليه عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الطلبات المتعلقة بها - اعتبار هذا القانون على هذا النحو من القوانين المعدلة للاختصاص - سريانه على ما لم يكن قد فصل فيه من دعاوى أو تم من إجراءات قبل تاريخ العمل به ما دام هذا التاريخ قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى وذلك طبقاً للمادة الأولى من قانون المرافعات - النص بأن سريان هذا القانون على هذه الدعاوى يؤدي إلى حرمان صاحب الشأن من الالتجاء للوسيلة الإدارية للتظلم لفوات ميعادها - مردود بأن رفع الدعوى في الميعاد أمام المحكمة المختصة يحفظ ميعاد التظلم.
(هـ) دعوى التعويض - النص في القانون رقم 31 لسنة 1963 على اعتبار قرارات معينة من أعمال السيادة - أثر ذلك عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بها إلغاء أو تعويضاً - لا يغير هذا الحكم فيما يتعلق بالتعويض كون التضامن الاجتماعي أساساً للمجتمع - أساس ذلك أن التضامن الاجتماعي فكرة فلسفية عامة لا تمس ما تخصص بالنص.
(و) مصروفات الدعوى - زوال اختصاص مجلس الدولة بنظر الدعوى بعد رفعها لصدور القانون رقم 31 لسنة 1963 والعمل به قبل قفل باب المرافعة فيها - وجوب إلزام الحكومة بالمصروفات في هذه الحالة.
1 - في 4 من مارس سنة 1963 صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 31 لسنة 1963 في شأن تعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة الذي عمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية في 11 من مارس سنة 1963 ونص في مادته الأولى على أن يستبدل بالمادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 المشار إليه النص الآتي: "لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة. ويعتبر من قبيل أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي..." وقد أفصح الشارع في المذكرة الإيضاحية المرافقة لهذا القانون عن الحكمة التي حدت به إلى إصداره والغاية التي استهدفها من التعديل الذي تضمنته إذ ورد به قوله في تنظيم المرافق العامة وفي إدارتها على أحسن وجه وذلك. "ولما كانت المصلحة العامة تتطلب إطلاق يد الحكومة بوصفها سلطة حكم باختيار أقدر الأشخاص على العمل في خدمة هذه المرافق، وإبعاد من ترى أنه غير صالح لأداء هذه الخدمة، وعلى الأخص من يشغل منهم وظيفة ذات سلطة إذا تعذر العمل معه أو إذا ارتأت الحكومة أنه غير محل لثقتها أو لوجود شبهات قوية حوله تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة، أو لغير ذلك من الأسباب التي تتصل بالصالح العام". ومما لا شك فيه أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة والكفيلة بصيانة النظام العام وضمان سير المرافق العامة بطريقة مستمرة ومنتظمة ومنتجة تتصل بمصالح الدولة العليا، ومن ثم تعتبر من قبيل أعمال السيادة وتخرج بالتالي من ولاية القضاء - لذلك فقد أعد المشروع المرافق وتحقيقاً لذلك فقد استبدلت الفقرة الأولى من المادة 12 ونص فيها على اعتبار قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم عن غير الطريق التأديبي من قبيل أعمال السيادة إذ أن مثل هذه القرارات من أخص أعمال السيادة وتصدر من السلطة التنفيذية بصفتها المهيمنة على مصالح الدولة العليا والمسئولة عن تسيير أمورها والمحافظة على الأمن فيها..".
ويؤخذ من القانون رقم 31 لسنة 1963 ومن مذكرته الإيضاحية أن الشارع لعله قدر أهمية ما تنطوي عليه في ظروف تطلبت المصلحة العامة فيها إطلاقاً يد السلطة الحاكمة بصفتها المهيمنة على مصالح الدولة العليا والمسئولة عن تسيير أمورها في تنظيم المرافق العامة وفي إدارتها من أثر في ضمان سير هذه المرافق بانتظام واضطراد وفي حسن أدائها للخدمات المنوطة بها على وجه سديد منتج بما يكفل صيانة النظام العام ويتمشى مع أهداف المجتمع الراهن ومقومات ومفهومات شئون الإدارة ونظام الحكم مسئولياته فيه، رأى لهذه العلة أن يضفى على طائفة من القرارات الإدارية التي تصدر في شأن الموظفين العموميين، وهي تلك التي يصدرها رئيس الجمهورية بمقتضى السلطة المخولة بالقانون بإحالة هؤلاء الموظفين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي، حصانة عدم الخضوع لرقابة القضاء باعتباره إياها من قبيل أعمال السيادة بحيث تخرج من ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري فلا يختص بالنظر في الطلبات المتعلقة بها وذلك لتحقق الحكمة المتقدمة فيها باعتبار الوظيفة العامة جزاء غير منفصل عن التخطيط الشامل الذي آلت الحكومة على نفسها تحقيقه والذي يدخل فيما يتناوله إصلاح الأجهزة القائمة على إدارة المرافق العامة وحسن اختيار العاملين فيها ومؤدى هذا كف ولاية مجلس الدولة القضائية عن أن تمتد إلى هذا الضرب من القرارات التي لا تخرج في الأصل من حيث طبيعتها عن كونها قرارات إدارية. وإذ كان الاختصاص القضائي لمجلس الدولة مسنداً بالنص ومحدداً بالقانون حسب إرادة المشرع لكون المجلس غير ذي ولاية عامة، وكانت الأصول الدستورية التي رددتها المادة 61 من الدستور المؤقت الصادر في 13 من مارس سنة 1958 تقضي بأن "يرتب القانون جهات القضاء ويعين اختصاصها، فإن تعديل الاختصاص القضائي لمجلس الدولة، سواء بالزيادة أو بالنقصان إنما يتم بالأداة ذاتها التي أنشأت هذا الاختصاص وحددت مداه وهي القانون. ومثل هذا القانون إذا جاء مضيقاً لاختصاص القضاء سواء بمنعه إياه مباشرة من نظر منازعات بعينها أو بخلعه على طبيعة هذه المنازعات وصفاً قانونياً يؤدي إلى النتيجة ذاتها بطريقة غير مباشرة، ولا ينطوي على أية مخالفة للمبادئ الدستورية لأن القانون لا يكون غير دستوري إلا إذا خالف نصاً دستورياً قائماً أو خرج على روحه ومقتضاه ومرد ذلك إلى أن الدستور وهو القانون الأعلى فيما يقرره، لا يجوز أن يهدره قانون وهو أداة أدنى.
2 - ما دامت النصوص الدستورية تنوط بالقانون ترتيب جهات القضاء وتعيين اختصاصاتها وتجعله أداة ذلك، فإن كل ما يخرجه القانون من ولاية القضاء يصبح هذا الأخير معزولاً عن نظره، لأن القضاء يتخصص بالزمان والمكان والخصومة، وهو يملك ذلك بالشروط والأوضاع التي يقررها. وكما يملك القانون الأصل وهو إخراج عمل ما من ولاية القضاء فإنه يملك الوسيلة لهذا الإخراج فإذا وصف بعض أعمال الحكومة بأنها أعمال سيادة فإن هذا يستوي في النتيجة وتعديل ولاية القاضي في هذا الخصوص، الأمر الذي لا جدال في أن المشرع يملكه بحكم الدستور ذاته. وإذا كان من المسلم أن للمحاكم سلطة تقرير الوصف القانوني للعمل المطروح عليها وما إذا كان يعد عملاً إدارياً عادياً أو عملاً من أعمال السيادة فإن المشرع الذي استمدت منه المحاكم ولايتها هذه تكون له تلك السلطة كذلك. وذلك أن المشرع عندما نص في قانون مجلس الدولة على عدم اختصاص المجلس بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، وأطلق هذه العبارة الأخيرة دون تعريف أو تحديد إنما خول القاضي سلطة تقدير بعض أعمال السلطة التنفيذية وترك له حرية وصفها وتكييفها بما يترتب عليه تقرير اختصاصه أو عدم اختصاصه بنظرها. فإذا رأى المشرع في حدود الدستور وهو مانح هذه السلطة أن يحد منها بالنسبة إلى أعمال بذاتها فيخلع عليها صراحة الوصف القانوني الذي لا يدع مجالاً للترخيص في تقديرها أو تكييفها فإن القاضي الذي تلقى ولايته من المشرع بالحدود التي رسمها له يلتزم حتماً بهذا الوصف الذي عين لولايته حدوداً جديدة وحسم كل مناقشة في شأن الإهمال التي تناولها، ذلك أن وظيفته هي تطبيق القانون وهو في سبيل هذا التطبيق يعمل اجتهاده حيث لا نص يقيده، ولا اجتهاد له مع تكييف تشريعي تضمنه نص صريح كما لا سلطة له في مراجعة المشرع في السبب الذي أقام عليه حجته في تعليل أخذه بالوصف الذي ارتآه، إذ يتمتع المشرع في هذا المجال بحرية كاملة وسلطة تقديرية واسعة المدى لا معقب عليها ما دام لا يخالف الدستور ولا قيد عليه من نصوصه في اختيار النظم والأوضاع التشريعية التي يراها أكثر ملائمة لظروف المجتمع ومقومات كيانه والمفاهيم التي يقوم عليها نظام الإدارة والحكم وسياسة الإصلاح والتطوير فيه في وقت ما، ويقدر أنها أدنى إلى تحقيق الصالح العام وفق هذه المعاني والغايات، ولا تثريب على الشارع أن يسبغ على الوسائل التي يعتمد عليها جهاز الحكم والإدارة في تسيير المرافق العامة وتدعيم أسس المجتمع لبلوغ مثله وأهدافه حصانة تعصمها من الرقابة القضائية في ظروف خاصة تبرر ذلك بما يقي السلطة الحاكمة من أن تغل يدها عن المعنى في تنفيذ خطط الإصلاح الشامل في شتى المرافق، ويكفل حسن مزاولة هذه المرافق لنشاطها ونهوضها برسالتها على الوجه المتبقي.
3 - لا حجة في النعي على مثل هذا التشريع أنه ينطوي على مصادرة لحق الموظف العام في تعويضه عن فصله، سواء بالطريق العيني وهو الإلغاء أو بطريق المقابل وهو التعويض، إذا كان القرار قد وقع مخالفاً للقانون، وعلى مصادرة لحقه في الإنصاف في هذا الشأن عن طريق القضاء، وعلى إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون والقضاء، إذ أن هذا النعي لا يستقيم إلا إذا كان حق الموظف في الوظيفة العامة هو من الحقوق التي يكفلها الدستور ذاته، وكانت وسيلة اقتضائه عن طريق القضاء هي وسيلة يقررها الدستور كذلك وكان ثمة حقاً إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون والقضاء في هذا الشأن، لأنه لا يجوز عندئذ أن يهدر القانون ما يقرره الدستور. أما إذا كان هذا الحق هو مما ينشئه القانون أو يلغيه وكانت وسيلة اقتضائه هي مما ينظمه القانون على الوجه الذي يراه، وكان القانون لا يقوم على تمييز بين أفراد طائفة واحدة تماثلت مراكزهم القانونية، فلا يكون ثمة وجه للنعي المتقدم. ذلك أن تقليد الموظف الوظيفة العامة بإسناد اختصاصاتها إليه وتعيينه فيها أياً كانت أداته لا يخلق الوظيفة ولا يرتب للموظف حقاً فيها على غرار حق الملكية إذ هي ملك الدولة توليها من يصلح للاضطلاع بأعبائها، وبقاء الموظف في المركز القانوني العام المترتب على شغله ليس حقاً يرقى إلى مرتبة الحقوق الدستورية أو يقاس على حق الملكية الذي صانه الدستور بما يكفل عدم نزعه إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون، بل هو وضع شرطي منوط بصلاحية الموظف للنهوض بأعباء الوظيفة العامة، وهو أمر يخضع لتقدير الحكومة القوامة على تسيير المرافق العامة، دون الاحتجاج بأمر له أصل حق في البقاء في الوظيفة. كما أن ثمة فرقاً بين المصادرة المطلقة لحق التقاضي عموماً وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء بالتوسيع أو التضييق فيها، الأمر الذي يملكه القانون بالتطبيق للنصوص الدستورية بوصفه الأداة التي ناط بها الدستور ترتيب جهات القضاء وتحديد نطاق ولايتها وتوزيع الاختصاص بينها وبيان وسائل المطالبة بالحقوق، قضائية كانت أو غير قضائية، بالشروط والأوضاع التي يقررها على نحو ما سلف بيانه. على أن الشارع قد أصدر في 4 من مارس سنة 1963 وهو التاريخ الذي صدر فيه القانون رقم 31 لسنة 1963 الذي عمل به في 11 منه - القرار الجمهوري رقم 358 لسنة 1963 بإضافة حكم جديد إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل سنة 1955 ببيان إجراءات التظلم الإداري وطريقة الفصل فيه. ويقضي هذا الحكم بأن "يقدم المتظلم من قرارات رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبي إلى لجنة تشكل من أعضاء مجلس الرئاسة بقرار من رئيس الجمهورية" وذلك لتبت فيه قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديمه على الوجه المبين بهذا القرار. كما أصدر في التاريخ ذاته القرار الجمهوري رقم 359 لسنة 1963 بتشكيل اللجنة المشار إليها. فإذا كان قد ألغى الوسيلة القضائية للتظلم من هذه القرارات، فإنه لم يلغ أصل الحق في ذاته، إذ أوجد هيئة إدارية أسند إليها ولاية نظر هذا التظلم والفصل فيه بقرار مسبب وجوباً في حالة الرفض هي اللجنة المذكورة بما لا معقب عليها من القضاء. والقانون هو الذي يحدد وسيلة المطالبة بالحق ويعين الجهة التي يلجأ إليها صاحب الحق لاقتضاء حقه، قضائية كانت هذه الجهة أو غير قضائية. وليس من المحتم أن تكون وسيلة اقتضاء الحق أو رده إلى نصابه هي المطالبة القضائية وحدها، أو أمام جهة قضائية بعينها دون أخرى، بل قد تكون هذه الوسيلة غير قضائية، أو قضائية بوجه معين أو بآخر أمام جهة معينة أو أخرى. ولا إخلال بمبدأ المساواة أمام القضاء ما دام الوضع واحداً دون تمييز بالنسبة إلى كل من تصدر في حقهم من الموظفين العموميين القرارات الجمهورية التي اعتبرها القانون رقم 31 لسنة 1963 من قبيل أعمال السيادة. ومن ثم فإن هذا القانون يكون تشريعاً دستورياً واجب التطبيق.
4 - إن إضفاء الشارع على القرارات التي نص عليها القانون رقم 31 لسنة 1963 صفة أعمال السيادة إنما قصد به منع التعقيب القضائي على هذه الطائفة من القرارات لإخراجها عن ولاية القضاء، إذ لا تقتصر الغاية التي استهدفها من إصدار هذا القانون على الحكم الموضوعي الذي أنشأه وهو اعتبارها من قبيل أعمال السيادة، وإنما تجاوز ذلك إلى الهدف البعيد الذي تغياه وذلك له بهذه الوسيلة وهو تقرير قاعدة إجرائية تتعلق بالاختصاص إذ أن مقتضى اعتبار قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم عن غير الطريق التأديبي من قبيل أعمال السيادة التي ينص قانون مجلس الدولة في المادة 12 منه على عدم اختصاص المجلس بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بها، هو عدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعاوى المقامة بشأن هذه القرارات. وبذلك يكون المشرع بهذا النص قد استحدث تعديلاً أورده على اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالتضييق في هذا الاختصاص بحيث ينحسر عن المنازعات المتعلقة بالقرارات المذكورة سواء بالطريق المباشر أو غير المباشر وتقصر عنها ولاية هذا القضاء وبعد أن كانت تشملها في ظل القوانين السابقة التي صدرت منذ إنشاء المجلس، ذلك أن الحصانة القضائية المقررة لأعمال السيادة إنما تتعلق بالنظام العام، وهو دفع مطلق بعدم الاختصاص بنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة لا بعدم القبول فيما يتعلق بكل من دعوى الإلغاء ودعوى التعويض أصلية كانت أو دفعاً أو تفسيراً. وإذ كان القانون رقم 31 لسنة 1963 المعمول به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية في 11 من مارس سنة 1963 قانوناً معدلاً للاختصاص على هذا النحو، فإنه يسري بأثره المباشر على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل به ما دام هذا التاريخ قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى، وذلك بالتطبيق لحكم الفقرة الأولى والبند (1) من المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية، إذ الأصل في قوانين المرافعات أنها تسري على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها. ومرد ذلك إلى أن القاعدة في سريان قوانين المرافعات على الدعاوى القائمة هي من الأصول المسلمة. إذ أن القوانين المنظمة لأصول التداعي والترافع والحكم وطرق الطعن والتنفيذ والتحفظ هي في عمومها منظمة لمراكز قانونية خاضعة بطبيعتها للتعديل والتغيير من جانب المشرع دون أن يرمى عمله برجعية الأثر. وإنما أخرجت من هذه القاعدة على سبيل الاستثناء الحالات التي حصرتها المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية التجارية في فقراتها الثلاث، وأولاها "القوانين المعدلة للاختصاص متى كان تاريخ العمل بها بعد إقفال باب المرافعة في الدعوى". والحكمة التشريعية لهذا الاستثناء هي رعاية الحقوق التي ثبتت والمصالح التي روعي أنها جديرة بالاستثناء. ذلك أنه يكون أقرب إلى السداد والقصد ألا تنزع الدعاوى التي حجزت للحكم من المحكمة التي أتمت تحقيقها وسمعت المرافعة فيها، لأن الدعوى بعد أن تبلغ هذا المبلغ من الاستواء للحكم تصبح مصلحة الخصوم في عدم انتزاعها في مرتبة الحق الذي لا يصح المساس به إلا بنص خاص. ولم يتضمن القانون رقم 31 لسنة 1963 أي حكم خاص، لا صراحة ولا ضمناً، يتخصص به أثره المعدل للاختصاص بقصره على الدعاوى الجديدة التي ترفع بعد نفاذه دون ما سواها. وقد صدرت في ذات التاريخ الذي صدر فيه القانون المذكور وهو 4 من مارس سنة 1963 قرار رئيس الجمهورية رقم 358 لسنة 1963 بإضافة حكم جديد إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل سنة 1955 ببيان إجراءات التظلم الإداري وطريقة الفصل فيه، ورقم 359 لسنة 1963 بتشكيل لجنة التظلمات المنصوص عليها في القرار الأول، واستحدثا تنظيماً للتظلم من قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبي يقوم على عرض التظلم من هذه القرارات على لجنة مشكلة من أعضاء مجلس الرياسة بقرار من رئيس الجمهورية بالإجراءات والأوضاع وفي المواعيد المنصوص عليها في هذين القرارين، بما يكفل لذوي الشأن ضمانات تحقق لهم العدالة أمام سلطة إدارية عليا يقف عندها الأمر بغير تعقيب تال من السلطة القضائية بعد ذلك، وقد استبعد المشرع مظنة ألا يسري إلغاء هذا التعقيب إلا بالنسبة لما يصدر من قرارات في ظل التنظيم الجديد بضماناته التي كفلها دون السابقة عليه، ونفى هذه المظنة بما نص عليه في المادة الأولى من القانون رقم 31 لسنة 1963 من حكم أورده في خصوص وضع فرض أنه قائم فعلاً قبل صدوره، وإنما أوصد بشأن ذرائع الاجتهاد، إذ مقتضى اعتبار القرار الجمهوري الصادر بإحالة الموظف إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصله عن غير الطريق التأديبي عمل سيادة هو قيام هذه الصفة بذاتيته لزوماً منذ نشوئه لاستحداثها كتحول طارئ عليه. وإذا كان الشارع قد قرن هذا الحكم بإجازة التظلم من القرار أمام اللجنة التي نص عليها، فليس ثمة تلازم زمني بين اعتبار القرار عمل سيادة، وإجازة التظلم منه أمام اللجنة المذكورة. ومن ثم فإن حكم القانون رقم 31 لسنة 1963 يصدق على القرارات الجمهورية التي صدرت بالفعل قبل العمل به سواء رفعت عنها دعاوى لا تزال منظورة أمام القضاء الإداري أم لم ترفع. كما يصدق على القرارات الجديدة التي تصدر في ظله على حد سواء. ولا يقصد من هذا النظر كون القرار الجمهوري رقم 358 لسنة 1963 وقد نص على أن ميعاد تقديم التظلم من القرارات التي ذكرها هو ستون يوماً من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية أو إعلان ذوي الشأن بها، أو كون المشرع لم يورد حكماً وقتياً بالنسبة إلى الدعاوى القائمة بطلب إلغاء قرارات سابقة من هذا القبيل أو التعويض عنها، لأنه إذا كان ميعاد التظلم قد فات بالنسبة إلى هذه القرارات بالنظر إلى تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية أو إعلان صاحب الشأن بها، فإن رفع الدعوى عنها في الميعاد أمام المحكمة المختصة بنظرها وقتذاك قد حفظ هذا الميعاد. ويظل هذا الأثر قائماً لحين صدور الحكم فيها مهما طال أمد نظرها ما دام الأمر بيد الجهة القضائية المختصة. وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة الإدارية المختصة متمسكاً فيه بحقه طالباً أداءه، وكذا طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة، يقوم مقام المطالبة القضائية في قطع التقادم وقطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء. ولا ريب أن المطالبة القضائية ذاتها التي نصت المادة 383 من القانون المدني على أثرها القاطع للتقادم هي أوقع من كل هذا وأبلغ.
5 - ما دام المشرع قد اعتبر القرار الجمهوري الصادر بإحالة الموظف إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصله عن غير الطريق التأديبي من قبيل أعمال السيادة فإن مقتضى هذا هو عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بهذه الأعمال إلغاء كان موضوعها أو تعويضاً، لأن تعرض القضاء للنظر في طلب التعويض عن أعمال السيادة فيه استباحة لمناقشة هذه الأعمال التي أراد المشرع جعلها بمنأى عن أية رقابة قضائية. ولا يغير هذا الحكم فيما يتعلق بالتعويض كون التضامن الاجتماعي أساساً للمجتمع كفكرة فلسفية عامة لا تمس ما تخصص بالنص ولا تنشئ قاعدة على خلاف الأصل في المسئولية لم يرد في شأنها نص خاص يقررها.
6 - أن القضاء الإداري إذ كان مختصاً بنظر الدعوى وقت أن رفعت، وإنما أصبح غير مختص بناء على قانون جديد معدل للاختصاص صدر بعد ذلك وعمل به قبل قفل باب المرافعة فيها، فإنه يتعين الحكم بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر هذه الدعوى مع إلزام الحكومة بالمصروفات.


إجراءات الطعن

في 23 من مايو سنة 1960 أودعت إدارة قضايا الحكومة بصفتها نائبة عن وزارة الخارجية سكرتيرية المحكمة عريضة طعن أمام هذه المحكمة قيد بجدولها تحت رقم 1609 لسنة 6 القضائية في الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" بجلسة 6 من إبريل سنة 1960 في الدعوى رقم 800 لسنة 13 القضائية المقامة من السيد/ محمود شمس الدين عبد الغفار ضد وزارة الخارجية القاضي بإلغاء القرار الجمهوري الصادر في 17 من ديسمبر 1958 المطعون فيه بما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المدعى عليها مصاريف الدعوى ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة "وطلبت الوزارة الطاعنة للأسباب التي استندت إليها في عريضة طعنها" إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما يختص بإلغاء القرار رقم 1565 الصادر في 17 من ديسمبر 1958 بإحالة المطعون ضده إلى المعاش، وبرفض الدعوى مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين "وقد أعلن هذا الطعن إلى المطعون عليه في 18 من يونيه 1960 فرد عليه بمذكرة طلب فيها "الحكم برفض الطعن". وأودعت وزارة الخارجية الطاعنة مذكرة بملاحظاتها طلبت فيها "قبول الطعن شكلاً وإحالة الطعن إلى دائرة المرافعة للقضاء في موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى" وعقبت هيئة مفوضي الدولة على الطعن بتقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته من أسباب إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الحكومة المصروفات". وبعد أن انقضت المواعيد القانونية المقررة عين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 7 من يناير 1962 التي أبلغ بها الطرفان في 26 من ديسمبر 1961 وقد قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الأولى بالمحكمة العليا حيث عين لنظره أمامها جلسة 8 من ديسمبر 1962 التي أبلغ بها الطرفان في 19 من نوفمبر 1962. وبعد أن سمعت المحكمة ما رأت لزوماً لسماعه من إيضاحات ذوي الشأن على الوجه المبين بمحضر الجلسة، قررت إرجاء النطق بالحكم في الطعن إلى جلسة اليوم. وقد تبادل الطرفان المذكرات بعد حجز الطعن للحكم. كما أودعت هيئة مفوضي الدولة مذكرة ثانية بالرأي القانوني مسبباً خلصت فيها إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً. وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى مع إلزام الحكومة بالمصروفات".


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 800 لسنة 13 القضائية ضد وزارة الخارجية أمام محكمة القضاء الإداري "هيئة الفصل بغير الطريق التأديبي" بصحيفة أودعها سكرتيرية المحكمة في 2 من إبريل 1959 ذكر فيها أنه تخرج في كلية الحقوق بجامعة القاهرة في مايو 1941، ثم اشتغل بالمحاماة إلى أن عين محامياً بأقسام قضايا الحكومة في أكتوبر 1942 ونقل منها إلى النيابة المختلطة في أغسطس 1945 وظل بها حتى عين في أغسطس سنة 1947 سكرتيراً ثالثاً بوزارة الخارجية ثم رقى سكرتيراً ثانياً ورئيساً لقسم بريطانيا وأمريكا في الإدارة السياسية بالوزارة المذكورة في سنة 1950 وعين قنصلاً عاماً من الدرجة الثانية لمصر في باريس في ديسمبر 1952 ورقى في يوليه 1953 سكرتيراً أول وقنصلاً عاماً من الدرجة الأولى وذلك بالاختيار حيث تخطى الكثيرين ممن كانوا يسبقونه في كشف الأقدمية ثم رقى مستشاراً مع بقائه بالندب مستشاراً لسفارة مصر في باريس في إبريل 1954 وكانت هذه الترقية أيضاً بطريق الاختيار إذ تخطت به الوزارة الكثيرين من زملائه، ثم عين وزيراً مفوضاً بالوزارة في مايو 1956 بالاختيار كذلك، وقد عنى كتاب تبليغه بهذه الترقية الممهور بتوقيع الوزير بالتنويه بكفايته، وقد وقع عليه الاختيار ليكون عضواً في وفد المفاوضات بشأن تعويضات حملة أسهم شركة قناة السويس المنحلة وذلك في يناير 1958 وتلك مهمة لا يختار لها إلا الأكفاء القادرون الذين هم موضع الثقة والتقدير. وقد كان المدعي في كل المناصب التي تولاها قائماً بعمله على أحسن وجه محققاً على أتم صورة حسن الظن به، ولكنه فوجئ بصدور قرار جمهوري بإحالته إلى المعاش أبلغ إليه في 20 من ديسمبر 1958. ولما كان هذا القرار مجافياً للقانون ومشوباً بسوء استعمال السلطة فإنه يطلب "الحكم بإلغاء القرار الصادر في 17 ديسمبر 1958 بإحالته إلى المعاش وبإلزام المعلن إليه بأن يدفع إليه بصفته مبلغ 10000 جنيه عشرة آلاف جنيه على سبيل التعويض مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة".
وقد ردت وزارة الخارجية على هذه الدعوى بمذكرتين قالت فيهما أن انتهاء خدمة المدعي تم بالقرار الجمهوري رقم 1565 لسنة 1958 الصادر في 17 من ديسمبر 1958، وهو إجراء متروك ملاءمته لتقدير الإدارة بلا معقب عليها ما دام قرارها خلا من إساءة استعمال السلطة فلم تستهدف سوى المصلحة العامة. ومرد هذا إلى أصل طبيعي هو وجوب هيمنة الإدارة على تسيير المرافق العامة على وجه يحقق الصالح العام. ومن المقرر أن تكون للحكومة حرية اختيار من ترى صلاحيته من عمال هذه المرافق لهذا الغرض، وفصل من تراه أصبح غير صالح. وما دامت الإدارة قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها في قرارها استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها لها وجود ثابت في الأوراق ويترتب عليها تعييب مسلك الموظف فإن قرار الإحالة إلى المعاش يكون قائماً على سببه، ويكون للإدارة حرية تقدير الخطورة الناجمة عن ذلك وتقدير ما يناسبها من جزاء إلى حد الإعفاء من الخدمة. هذا إلى أن الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها بالإحالة إلى المعاش الذي أصدرته في حق المدعي تطبيقاً لحكم البند 6 من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة. وليس للقضاء الإداري أن يراقب الإدارة في وزن وترجيح الدلائل والبيانات والقرائن. ولما كان الدافع إلى إصدار قرار إحالة المدعي إلى المعاش هو دافع وثيق الصلة بالمصلحة العامة والرغبة في تحقيق هذه المصلحة، فلا محل للقول بأن القرار المطعون فيه قد صدر مشوباً بإساءة استعمال السلطة، إذ لم تنحرف الوزارة فيه عن قصد الشارع بل حققت هذا القصد في حدود السلطة التي خولها إياها القانون. والمفروض في القرارات الإدارية أنها تهدف في جميع الأحوال إلى تحقيق المصلحة العامة وتحقيق ذات الغرض الذي منحت الإدارة من أجله سلطة إصدارها وأنها قائمة على سببها المبرر لها وبذا تحمل قرينة المشروعية، وهذه القرينة لا تزايلها لمجرد عدم إبداء أسباب القرار ما لم يقم على دحضها الدليل العكسي ممن يطلب إلغاءه. وليس يكفي في دحض هذه القرينة أن يكون ملف خدمة الموظف خالياً مما يصح أن يكون سبباً لفصله مع احتوائه في الوقت ذاته على ما يزكيه لأن الملف ليس هو المرجع الوحيد في كل ما يتعلق بالموظف من بيانات ومعلومات قد يكون لها أثرها في هذا الشأن، وعلى من يدعي إساءة استعمال السلطة أن يقدم الدليل على ذلك. ودعوى المدعي في ضوء هذه المبادئ واجبة الرفض، إذ أن فصله تم بغير الطريق التأديبي وبذا قامت في جانبه قرينة الملاءمة كما لا محل لإلغاء القرار الصادر به بوساطة القضاء لتعلق الأمر بسلطة الإدارة التقديرية. وليس على الحكومة حرج إذ هي قدرت لاعتبارات قامت لديها عدم الإفصاح عن الأسباب التي حملتها على إصدار هذا القرار. ومن ثم فإن الدعوى تكون نافذة الأساس، ولا محل بعد ذلك للقول بقيام إضرار أو للمطالبة بتعويض عن القرار المطعون فيه، ويتعين والحالة هذه "الحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي المصروفات والأتعاب".
وقد عقب المدعي على دفاع الحكومة بمذكرتين ناقش فيهما ما أوردته من مبادئ استقتها من أحكام القضاء الإداري، ورد عليها بأحكام أخرى قضت بأن سلطة الحكومة في فصل الموظفين ليست سلطة تحكمية إذ هي تجد حدها الطبيعي في العلة القانونية التي أملتها وهي المصلحة العامة فإذا انحرفت الإدارة عن هذا الحد كان تصرفها مشوباً بإساءة استعمال السلطة كما يكون ذلك إذا خلا ملف خدمة الموظف من كل شائبة يمكن الاستناد إليها لتبرير تنحيته عن وظيفته، وحوى الكثير مما يشيد بكفايته ونشاطه ووفرة إنتاجه واستقامته مع نقاء صحيفته، فإذا لم تقدم في الدعوى ما يدحض ما ورد في ملف الخدمة كان قرار الفصل غير قائم على أساس سليم حقيقاً بالإلغاء. وقرار الفصل الذي يصدر بالاستناد إلى الفقرة 6 من المادة 107 من قانون نظام موظفي الدولة وإن كان قراراً لا تلتزم الإدارة بتسبيبه كإجراء شكلي إلا أنه يجب أن يقوم على سبب يبرره مرده إلى اعتبارات تتعلق بالمصلحة العامة وإلى أمور جدية قائمة بذات الموظف المراد إبعاده من الخدمة. وإلا كان عملاً غير مشروع والحال أن الحكومة لم تذكر سبباً يبرر إحالة المدعي إلى المعاش، فضلاً عما يكشف عنه ملف خدمته في جميع مراحل حياته الوظيفية من كفاية عالية وخلق قويم ومزايا فائقة مما كان محل الرضاء والتقدير في مناسبات عديدة ومسوغاً لترقيات متتالية إلى كبرى الوظائف بالاختيار مع إسناد أعمال إليه ذات خطر ومسئوليات جسيمة نهض بها موفقاً ومرموقاً. وليس من شك في أن ملف خدمة الموظف وما حواه هو كتابه الذي تقرأ صفحاته وتستوعب دلائله وبياناته فإذا ما احتكم إليه الموظف، وهو بين يدي الحكومة، في نزاع بينه وبينها، فقد أعطيت الحكومة في مقام الدليل أقصى ما يمكن إعطاؤه. وما حواه هذا الملف له بغير شك قيمته في تقدير كفايته وسلوكه. وقد قضى قانون نظام موظفي الدولة في المادة 29 منه بإنشاء ملف لكل موظف يودع به كل ما يتعلق بعمله أو سلوكه. وبذلك ضبط القاعدة التي يكون على مقتضاها بحث حالة الموظف وتقديرها، قاصداً بذلك تقرير ضمان للموظف حتى لا يؤخذ عليه، ولا يستقيم بعد هذا مطلقاً أن يكون حساب الموظف على أساس معلومات أو بيانات لا يحويها ملف خدمته. والجهة الإدارية ملزمة طبقاً لأحكام المحكمة الإدارية العليا بأن تقدم الأسباب التي تستند إليها خارجاً عن ملف الخدمة، كما أن عليها أن تقدم الدليل على صحة هذه الأسباب. ووزارة الخارجية لم تقدم سبباً لفصل المدعي بل لاذت بالصمت، وقد طلب منها السيد المفوض ذلك أكثر من مرة فلم تحر جواباً.
وقد أودع السيد مفوض الدولة تقرير بالرأي القانوني مسبباً انتهى فيه لما أبداه به من أسباب إلى أنه يرى "الحكم بقبول الدعوى شكلاً، وفي الموضوع إلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار ورفض طلب التعويض مع إلزام وزارة الخارجية مصاريف طلب الإلغاء وأتعاب المحاماة".
وبجلسة 6 من إبريل 1960 قضت محكمة القضاء الإداري "بإلغاء القرار الجمهوري الصادر في 17 من ديسمبر 1958 المطعون فيه بما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الوزارة المدعى عليها مصاريف الدعوى ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة" وأقامت قضاءها على أن سلطة الحكومة في أن تقصي عن الوظيفة العامة من تراه من الموظفين قد أصبح غير صالح لتولي مهامها لا يحدها إلا قيد حسن استعمالها وفقاً لمقتضيات المصلحة العامة أي بدون انحراف، وهذه السلطة ليست تحكمية تباشرها بغير ضابط وإنما هي سلطة تقديرية تجد حدها الطبيعي في العلة التي أملتها وهي الصالح العام. فالحكومة وهي تمارس هذا الحق إنما تمارس معلولاً بعلته أي دون تحيف أو إجحاف بشاغل الوظيفة فإذا لاح من تصرفها الانحراف بسلطتها بات تصرفها معيباً وحق إبطاله، والقرار المطعون فيه كأي قرار إداري آخر يجب من الناحية الموضوعية أن يقوم على سبب يبرره حقاً وصدقاً أي في الواقع والقانون. فإذا تبين على وجه قاطع أن الإدارة لم تستند إلى سبب يبرره يضحى التصرف فاقداً لركن انعقاده ويقع تبعاً لذلك باطلاً. وإذا كانت الإدارة غير ملزمة بالإفصاح عن أسباب تصرفها إذ يحمل تصرفها على الصحة لافتراض قيامه على سبب صحيح يبرره، إلا أن هذا لا يعني إعفاءها من لزوم قيام تصرفها بالفعل على أسباب واقعية تبرره، فإذا لم تفصح عن هذا السبب كان للمحكمة، وهو بسبيل وزن القرار لتقضي بصحته أو بإبطاله أن تتحقق من قيام ركن السبب وهو ركن انعقاد القرار فإذا تحقق وجوده كان القرار سليماً قانوناً، وإلا وقع باطلاً لافتقاده ركن انعقاده. ولما كانت الحكومة قد أحجمت عن بيان الأسباب التي دعتها لإحالة المدعي إلى المعاش قبل بلوغه، وأصرت على موقفها هذا في جلسات التحضير وفي المرافعة، فإنه يحق للمحكمة أن تقضي هذه الأسباب بالرجوع إلى سائر أوراق الدعوى وأخصها ملف خدمة المدعي باعتباره المرجع الرئيسي لحياته الوظيفية والمرآة الصادقة لسلوكه وكفايته. والثابت من هذا الملف أنه قد خلا من كل ما يشينه وحفل بما يشهد بأنه كان محل تقدير من الرؤساء لأهليته وكفايته وحسن سمعته مما يشفع في الإبقاء عليه في الوظيفة لا الاستغناء عن خدماته، ويلزم من هذا أن فصله من الخدمة لم يكن له سبب يبرره، ولا يغير من هذا القول بأن القرار الإداري يحمل في الأصل على أنه صحيح وقائم على سببه المبرر له قانوناً ولو لم يصرح فيه بالسبب لأن قرينة الصحة هذه تنتفي بما سبق ذكره استخلاصاً من أوراق ملف الخدمة. وقد قامت بإزائها قرينة أخرى مستفادة من ذات الأوراق على أن القرار بصورة السبب المشروع، وهذه هي القرينة التي لم تحاول الحكومة أو لم تستطع نفيها، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه يكون غير قائم على سبب مشروع مما يجعله مخالفاً للقانون متعيناً إلغاءه وما ترتب عليه. ولما كان هذا الإلغاء يذهب أثر كل ضرر يكون قد حل بالمدعي مادياً أو معنوياً فإن أساس طلب التعويض يكون غير قائم ويتعين رفض هذا الطلب.
وبعريضة مودعة سكرتيرية هذه المحكمة في 23 من مايو 1960 طعنت وزارة الخارجية في هذا الحكم طالبة "إحالة هذا الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضي فيه بقبوله شكلاًً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما يختص بإلغاء القرار رقم 1565 الصادر في 17 من ديسمبر 1958 بإحالة المطعون ضده إلى المعاش وبرفض الدعوى مع إلزامه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين". وأسست الوزارة طعنها على ذات الأسباب التي سبق أن ضمنتها دفاعها في موضوع الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري، وساقت لتأييدها بعضاً من المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا في هذا الخصوص وخلصت من ذلك إلى أن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذه المبادئ يكون قد جانب الصواب وقامت به حالة من حالات الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا.
وقد قدمت وزارة الخارجية إلى دائرة فحص الطعون بعد رفع الطعن، مذكرة بأقوالها استعرضت فيها قضاء المحكمة الإدارية العليا في شأن فصل الموظفين بغير الطريق التأديبي واستخلصت منه أن هناك قرينة قانونية على صحة القرار على الرغم من عدم إفصاح الإدارة عن سببه، فإذا طعن عليه الموظف لزمه بوصفه مدعياً إقامة الدليل المقنع على عكس هذه القرينة القانونية أو على عكس ما أفصحت عنه الإدارة من أسباب، أما الاكتفاء بالملف الخالي من الشوائب فهو ليس قرينة كافية لدحض تلك القرينة القانونية. وأضافت أنه إذا كانت المحكمة العليا قد رأت استجلاء للحقيقة في دعوى بذاتها أن تستفسر من الحكومة عن الأسباب بالنظر إلى ظروف المنازعة القائمة، فإن هذا لا يمكن أن يكون قاعدة سنتها المحكمة لتصبح سبيلها في كل دعوى فصل، إذ تكون النتيجة مخالفة القانون في اعتباره القرار صحيحاً أصلاً على الرغم من عدم بيان أسبابه وفي أنه لا إلزام على الحكومة ببيان هذه الأسباب. وقلب عبء الإثبات بناء على قرينة الملف التي لا ترقى إلى درجة القرينة المفترضة في القرار بصحته. وقد قررت المحكمة العليا أن قرينة الملف غير كافية. ومن البديهي أن الاستفسار عن أسباب فصل طبيب أو مدرس يختلف كلية في أساسه وموضوعه عن الاستفسار عن أسباب فصل موظف كبير بالسلك السياسي تنطوي وظيفته بطبيعتها على حساسية وقتية من أهم عناصرها السرية المطلقة التي قد تؤرق الدولة إذا ما طلب منها الإباحة بها، مما يجب معه الاحتفاظ بهذه السرية للمصلحة العامة العليا. وإذا ما تقرر هذا فإن إلزام الحكومة بتقديم أسباب قراراتها حيث لا يلزمها القانون الإفصاح عنها يكون بمثابة قيد على حريتها في التقدير ووزن الملاءمات لم يضعه المشرع صاحب الحق في ذلك، ورقابة المشروعية لا تقضي إلزام الحكومة بالإفصاح عن الأسباب حيث لا يستوجب القانون التسبيب. وتستطيع المحكمة أن تباشر رقابتها على الأسباب دون أن تلزم الحكومة بالإفصاح عنها وذلك باستقراء أوراق الدعوى لا للتنقيب عن الأسباب ولكن للبحث فيما يعزز أو يزعزع قرينة الصحة المفروضة في القرار ويؤيد أو ينفي مزاعم المدعي وادعاءاته ولها أن تأمر بضم أوراق متصلة بالموضوع لتستكمل بها تكوين عقيدتها وتستهدي بها في وزن القرائن والترجيح بينها وتحقيق مزاعم المدعي. ذلك أن من حق الحكومة أن يتاح لها قدر مناسب من الحرية في تقدير الأمور ووزن ملاءمتها والتصرف بلا حرج أو عنت في سياسة الحكم بلا رقيب أو حسيب يناقشها حساب أعمالهم اللهم إلا من السلطة التي تنصب لذلك وهي المجالس النيابية، وإلزامها بالإفصاح عن أسباب قراراتها حيث لا يستوجب القانون التسبيب، هو إلى الرقابة البرلمانية أدنى وفي المسئولية السياسية أدخل. وقد تعرضت مذكرة وزارة الخارجية بعد ذلك للفقه والقضاء الفرنسي في هذا الخصوص ثم لموضوع المنازعة الحالية وأهداف القرار المطعون فيه، وردت أن الوظيفة الكبيرة بوزارة الخارجية ليست مثل سائر وظائف الدولة الأخرى أو بعضها فيكون مصير قرار فصل الموظف منها مرهوناً بملف خال أو برأي لموظف آخر، بل أن المشرع نفسه قال في مذكرته الإيضاحية للقانون رقم 166 الصادر في 20 من مارس 1954 بنظام السلكين السياسي والقنصلي أن طبيعة العمل بوزارة الخارجية تختلف عن العمل الذي يؤديه سائر موظفي الدولة، وأنهم يضطلعون بعمل ذي طابع خطر التبعة. كما قال في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 548 الصادر في 4 من نوفمبر 1954 بتعديل أحكام القانون السابق "ونظراً لطبيعة العمل الدبلوماسي والقنصلي وحساسيته وتأثيره المباشر على مصالح البلاد العليا في كثير من الأحيان.."، ومن ثم فإن ملف الخدمة بالنسبة إلى موظفي السلكين السياسي والقنصلي ليس مرآة صحيحة لحياتهم الوظيفية ولا قرينة كافية بذاتها إذ أن ثمة معلومات شخصية عن كل صغيرة وكبيرة متعلقة بالوظيفة وبالقائمين بها تقتضي من مصادر عدة ويوزن بها الأمر بميزان محايد لكي يؤسس عليها التقدير الشخصي. فإذا كبا الواحد منهم مرة فقد يكون في ذلك ما يوجب إبعاده عن مركزه دون تهاون ودون أن يكون له من ماضيه شفيع، ولا ضرورة لأن تفصح الوزارة عن الخطأ الذي بدر منه في واقعة محددة بالذات ما دام في ذلك مصلحة عامة تقتضي الكتمان وقد نظرت الوزارة إلى المدعي كموظف بالنسبة لمرفقها وسياستها الجديدة، وانتهت بحسب تقديرها الذي لا معقب عليه لبراءته من إساءة استعمال السلطة، إلى ألا تسند إليه تنفيذ هذه السياسة وأهدافها عموماً بناء على أنها أصبحت لا تأنس فيه ذلك، وكان هذا بمناسبة تقريرها تجديد مرفقها في نهاية سنة 1958 فأقصته وغيره عن وظائفهم واستبدلت بهم غيرهم، وهذا هو الصالح العام بعينه المنتفي عنه الغرض الشخصي أما اختياره للاشتراك في إحدى المفاوضات ذات الطابع السياسي فقد كان بحكم وظيفته التي كان يشغلها وقتذاك لدخول المفاوضة في اختصاصات هذه الوظيفة بل إن فصله وإقصاءه عن وظيفته بعد هذا الاختيار دليل على أن قرار فصله لا يحمل شبهة الغرض أو الانحراف، وخلصت الوزارة في مذكرتها إلى طلب "قبول الطعن شكلاً، وإحالة الطعن إلى دائرة المرافعة للقضاء في موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى".
وقد رد المدعي على دفاع وزارة الخارجية هذا بمذكرة قال فيها أن الوزارة لم تنسب إليه وقائع مادية أو وقائع محددة ومن المستحيل تقديم أسباب محددة إذ أن مندوب الحكومة قدم بجلسة 13 من أكتوبر 1962 كتاباً وارداً إليه من الوزارة تاريخه 12 من يونيه سنة 1961 بشأن بيان الأسباب التي بني عليها قرار الفصل المطعون فيه جاء به أن النتيجة التي انتهت إليها جهة الإدارة بهذا القرار إنما استخلصتها من قرائن الأحوال رائدها في ذلك الصالح العام. ومعنى هذا أنه ليس ثمة ما يمس المدعي في عمله أو سلوكه مطلقاً، ولكن مندوب الحكومة يقول أن تنظيم الوزارة في ضوء المفاهيم الجديدة هو الذي اقتضى إخراجه من الخدمة وهو دفاع ابتدعه المندوب المذكور ولم تقله الوزارة في كتابها المقدم للمحكمة وتذرع فيه بالمذكرة الإيضاحية للقانون رقم 453 لسنة 1955 بتنظيم وزارة الخارجية مع أن هذا القانون يتناول بيان اختصاصات وزارة الخارجية والمهام التي تباشرها والهيئات التي تتولاها وتشرف عليها والإدارات التي تتكون منها وتوزيع العمل فيما بينها، ولا شأن له بالوظيفة. ولو صح في الجدل أن التنظيم المقرر لوزارة الخارجية بهذا القانون يقتضي التعرض للموظفين وإخراج من تراه الوزارة غير صالح للخدمة، فالثابت أن الوزارة قد استبقت المدعي في خدمتها عند إجراء هذا التنظيم، بل إنها رقته إلى وظيفته وزير مفوض بالاختيار في مايو 1956 أي بعد التنظيم المذكور لما له من خبرة وكفاية وما لها فيه من ثقة كانت السبب في وقوع الاختيار عليه ليكون عضواً في هيئة المفاوضات بشأن تعويضات حملة أسهم شركة قناة السويس المنحلة، وليس يجدي الآن الانتقاص من قيمة هذا الاختيار والاستهانة بآمره. واختتم المدعي مذكرته بالإشارة إلى ما سجله القضاء الإداري في أحكامه في صدد فصل الموظفين بسبب التنظيم وما قرره من بسط رقابته على هذا الفصل، ثم انتهى إلى طلب "الحكم برفض الطعن".
وقد عقبت هيئة مفوضي الدولة على الطعن بمذكرة بالرأي القانوني مسبباً ذهبت فيها إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً مع إلزام الحكومة المصروفات" وأسست رأيها على أن القرار المطعون فيه وهو قرار فصل صدر بغير الطريق التأديبي استناداً إلى الفقرة 6 من المادة 107 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة، بأن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيبه كإجراء شكلي ويفترض فيه ابتداء قيامه على سبب صحيح حتى يثبت العكس، إلا أنه يجب مع كل ذلك أن يقوم على سبب يبرره. وقد كان لجوء المحكمة عندما أصدرت الحكم المطعون فيه إلى استظهار ملف خدمة المدعي، مع التسليم حقاً بأنه ليس هو الوعاء الوحيد الذي تستمد منه أسانيد دحض مشروعية قرار الفصل، رغبة منها في استجلاء حقيقة السبب المبرر للفصل إزاء تمسك الإدارة للنهاية بعدم الإفصاح عن هذا السبب وقد أسفر بحث المحكمة في الأوراق المعروضة عليها عن خلوها من أية شائبة تمس سلوك المدعي أو تنال من كفايته أو ائتمانه على أسرار مهنته بوصفه عضواً في السلك الدبلوماسي وعن إشادة هذه الأوراق على العكس بحسن سمعته. ومن ثم فلا تثريب على المحكمة إزاء إصرار الإدارة على كتمان سبب الفصل إذا خلصت إلى استنتاج عدم قيام قرار الفصل على سبب يبرره. ولا يفسر أحجام الإدارة عن ذكر هذا السبب ولو بصفة سرية لقضاء المحكمة إلا على أن الغرض منه هو التخلية بين المحكمة وبين تسليط رقابتها القانونية على ركن السبب المبرر للفصل للحيلولة دون تمكنها من التحقق من مدى مطابقته أو عدم مطابقته للقانون ومن أثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار المطعون فيه. ولما كانت الإدارة لا تزال مصرة حتى الآن على عدم ذكر ما ينفي القرينة المستفادة من خلو ملف خدمة المدعي مما يصح أن يكون سبباً لفصله، فإن مقتضى هذا أن يكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق في قضائه إذ انتهى إلى عدم قيام قرار فصل المدعي على سبب يبرره حقاً وصدقاً، وبالتالي إلى إلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار، ويكون الطعن فيه غير قائم على أساس سليم من القانون متعيناً رفضه.
وعلى أثر صدور قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة بالقانون رقم 31 لسنة 1963 في شأن تعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة دفعت الحكومة الدعوى بعدم اختصاص القضاء بنظرها استناداً إلى حكم المادة 12 من قانون مجلس الدولة بعد تعديلها بالقانون المشار إليه، ثم قدمت مذكرة بأقوالها أوضحت فيها أن ما قرره المشرع بالقانون المذكور لا يتعارض مع أعمال السيادة، بل إنه أضاف إليها عملاً يعتبر من أخص هذه الأعمال وهو ما يصدر من رئيس الجمهورية من قرارات بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي. ذلك أنه مما لا شك فيه أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة والكفيلة بصيانة النظام العام وضمان سير المرافق العامة بطريقة مستمرة ومنتظمة ومنتجة تتصل بمصالح الدولة العليا. ويدخل في هذا المجال إبعاد الحكومة عن مرافقها من ترى أنه غير صالح لخدمتها لأنه يعرقل إحدى وظائف الحكومة الأساسية بل أهم واجباتها التي تقوم على ضمان سير المرافق بانتظام واطراد لتحقيق المصلحة العامة والنظام العام وخدمة الجمهور على أحسن وجه. وإذا كان للقضاء سلطة وصف بعض أعمال الحكومة بأنها أعمال سيادة فلا تختص بنظرها وفقاً لحكم القانون، فإن للمشرع من باب أولى هذه السلطة ذلك أن سلطة القاضي في إضفاء وصف السيادة على بعض أعمال السلطة التنفيذية مستمدة من المشرع مباشرة، فإذا قرر المشرع إضفاء هذا الوصف صراحة على أحد هذه الأعمال، فإنه بذلك يكون قد سلب القاضي سلطته في هذا الخصوص وألزمه بالقضاء بعدم اختصاصه بنظر ذلك التصرف. وليس في هذا مخالفة لأي مبدأ دستوري، إذ وظيفة السلطة القضائية هي تطبيق أحكام القانون، فإذا وجد نص، فعلى القاضي تطبيقه كما تقضي بذلك وظيفته. ولما كان اختصاص القضاء يعين بالقانون، فلا محل لمراجعة السبب المصرح به في القانون والقائم عليه موضوع النص، إذ لا ولاية للقاضي في مراجعة المشرع في تقديره للسبب أو للوصف الذي يضفيه على موضوع التشريع، شأنه في ذلك شأن الموضوع ذاته ولما كان القانون رقم 31 لسنة 1963 قد صدر بعدم اختصاص القضاء في خصوصية معينة فإنه يسري على القضايا المنظورة طالما أنه لم يتقرر فيها إقفال باب المرافعة بعد، كما تقضي بذلك المادة الأولى من قانون المرافعات. هذا إلى أن المفاهيم الجديدة للدولة وواجبات الحكومة في حياة الجماعة من جميع وجوهها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ونظرتها للوظيفة العامة في ضوء هذه المفاهيم والواجبات مجتمعة، والتخطيط الكامل الذي آلت الحكومة على نفسها تحقيقه وفقاً للأنظمة المنظورة تأسيساً على مبادئ الثورة، قد دعت الحكومة بل ألزمتها أن تعتبر الوظيفة العامة جزءاً غير منفصل عن ذلك التوجيه والتخطيط الشامل لحياة الجماعة في جميع عناصرها، لا سيما أن القطاع العام هو صاحب الدور الأول في تنفيذ ذلك التخطيط. ومن ثم يعتبر من أعمال السيادة ويدخل فيها لاتصاله بمصالح الدولة العليا ما يصدره رئيس الجمهورية من قرارات بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش. وهذا ما صدر القانون الجديد لتأكيده تشريعياً.
وقد أبدت هيئة مفوضي الدولة رأيها في هذا الدفع في مذكرتها المسببة التي انتهت فيها إلى أنها ترى "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، مع إلزام الحكومة المصروفات". وأسست رأيها على أن المشرع قد ارتأى بالقانون رقم 31 لسنة 1963 لحكمة معينة أن يجتزئ طائفة من القرارات الإدارية التي تصدر في شأن الموظفين العموميين وهي القرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية بمقتضى السلطة المخولة في قانون نظام موظفي الدولة بإحالتهم إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي، وأن يضفي على هذه القرارات صفة أعمال السيادة بحيث تخرج من ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري. ولما كان القضاء الإداري في مصر إنما يتحدد اختصاصه بالقانون إذ ليس هو قاضي القانون العام فإن تعديل اختصاصه سواء بالزيادة أو بالنقصان يقع بالأداة ذاتها التي أنشأته وحددت ولايته شأنه شأن أية جهة قضائية أخرى. وعلى هذا فإن الشارع في القانون رقم 31 لسنة 1963 لا يكون قد خرج على نص المادة 61 من الدستور المؤقت الصادر في 13 من مارس 1958 التي قضت بأن "يرتب القانون جهات القضاء ويعين اختصاصها" ولما كان الأصل هو حرية السلطة التشريعية، فإنها تختار بمطلق إرادتها التنظيم الذي تراه متفقاً والصالح العام لتعلق هذا بالسياسة العامة أكثر منه بالقانون ولا مراء في أن الأهداف التي تعمل لها حكومة اشتراكية بقصد إحداث تعديل جذري في مقومات المجتمع ومفهومات شئون الإدارة والحكم تختلف اختلافاً بيناً عن تلك الأهداف التي تتغياها أنظمة أخرى للحكم. كما أنه لا تثريب على المشرع إن هو أسبغ على الوسائل التي تحقق هذه الأهداف صفة أعمال السيادة ليجعلها بمنأى عن الرقابة القضائية بما يكفل لها بلوغ الغاية المرجوة منها. ومن ثم فإن القانون رقم 31 لسنة 1963 لا يكون قد خرج على أحكام الدستور القائم نصاً وروحاً. كما أنه من ناحية أخرى لم يصادر حقاً من الحقوق التي كفلها الدستور وهو حق التقاضي، ذلك أنه تجب التفرقة بين المصادرة المطلقة لحق التقاضي عموماً وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء بالتوسيع أو التضييق، فالقضاء يتخصص بالزمان والمكان والخصومة والدستور يقضي بأن القانون هو الذي يرتب جهات القضاء ويبين اختصاصاتها، فما يخرجه القانون من ولاية القضاء يصبح معزولاً عن نظره. ولما كان القانون المشار إليه لم يشتمل على حكم مخالف للدستور القائم نصاً وروحاً ولم ينكر حقاً من الحقوق التي كفلها هذا الدستور وهو حق التقاضي وحق المساواة أمام القانون، فإنه تشريعاً دستورياً يتعين إعماله. أما عن النطاق الزمني لسريان أحكام هذا القانون الذي عمل به اعتباراً من 11 من مارس 1963 فإن القانون المذكور لم يقتصر على إنشاء حكم موضوعي باعتبار القرارات التي نص عليها من أعمال السيادة. وإنما اشتمل في الوقت ذاته على قاعدة إجرائية متعلقة بالاختصاص حين أورد هذا الحكم عن طريق تعديل المادة 12 من القانون رقم 55 لسنة 1959 بتنظيم مجلس الدولة، وهي التي تناولت تحديد اختصاص المجلس بهيئة قضاء إداري، الأمر الذي يجعل نص التشريع الذي قضى بالتعديل من طبيعة التشريع الذي ورد عليه التعديل. وقد كشف الشارع عن هذا الاتجاه صراحة في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 31 لسنة 1963 وأفصح عن العلة في اعتبار القرارات التي نص عليها من قبيل أعمال السيادة التي تخرج أصلاً عن ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري وعن ولاية القضاء عموماً. فهذا القانون لا يعدو بحسب مقصود الشارع أن يكون مقرراً لحكم جديد يعدل من اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بحذف الدعاوى بالطعن في قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم بغير الطريق التأديبي من اختصاصه وبحكم كونه قانوناً معدلاً للاختصاص فإنه يسري بأثره المباشر على ما لم يكن قد قفل باب المرافعة فيه من الدعاوى قبل العمل به وذلك وفقاً لحكم الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية واستثناء من الأصل المقرر في قوانين المرافعات من أنها تسري على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها، ولا يغير من هذا النظر صدور قرار رئيس الجمهورية رقم 358 لسنة 1963 المعمول به اعتباراً من 7 من مارس 1963 بإضافة حكم جديد إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل 1955 ببيان إجراءات التظلم الإداري وطريقة الفصل فيه، ذلك أن القانون رقم 31 لسنة 1963 لم يتضمن حكماً خاصاً صريحاً أو ضمنياً، يتخصص به أثر إلغاء التعقيب القضائي فقط بالنسبة للقرارات التي تصدر بعد العمل به دون تلك السلطة على نفاذه، كما أن الشارع لم يفصح فيه عن أن المقصود بالتنظيم المستحدث لإجراءات التظلم الإداري الوجوبي في هذه الطائفة من القرارات أن يكون بديلاً للتظلم القضائي. ولما كان الطعن الحالي لا زال متداولاً بجلسات المرافعة فإن الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، وهو الدفع الذي أبدته الجهة الإدارية، يكون قائماً على أساس سليم من القانون متعيناً قبوله والقضاء به، مع إلزام الحكومة بالمصروفات ما دام هذا الحكم قد جاء نزولاً على مقتضى قانون جديد معدلاً للاختصاص، وكانت المحكمة مختصة في ظل القانون القديم.
وقد أودع المدعي مذكرة بدفاعه طلب فيه "الحكم برفض الدفع الذي أبدته الحكومة وفي الموضوع برفض الطعن". ورد على الدفع بأن أعمال السيادة هي من وضع القاضي لا من صنع الشارع. فالقاضي هو الذي ينتهي من بحث وقائع النزاع وظروفه وملابساته إلى تقرير ما إذا كان العمل المطروح عليه هو عمل إداري عادي أو عمل من أعمال السيادة. وهذا الأخير هو عمل يصدر من السلطة التنفيذية وتحيط به اعتبارات خاصة كسلامة الدولة في الداخل أو الخارج ويخرج عن رقابة المحاكم متى قرر له القضاء هذه الصفة. والقضاء هو صاحب القول الفصل في أنه من أعمال السيادة أو عمل إداري. وهذا ما قضت به محكمة النقض قبل إنشاء مجلس الدولة وما أقره الشارع حين عدل بالقانون رقم 165 لسنة 1955 نص القانون رقم 112 لسنة 1946 في صدد أعمال السيادة. ولما كانت هذه الأعمال وليدة الظروف فهي في نطاق عمل القاضي وبمنأى عن تدخل الشارع. فإذا اقتحم الشارع مجال القاضي أو العكس كان في هذا خروج على الأصول الدستورية ومجافاة لها. ولما كان الضابط المميز لأعمال السيادة هو طبيعتها فليس في وسع الشارع مهما امتد سلطانه أن يغير طبائع الأشياء وبذلك يكون القانون رقم 31 لسنة 1963 قد خرج على هذه المسلمات. ذلك أن فصل الموظف بطبيعته وأياً كانت أداته هو عمل إداري بحت. ولم يقل مجلس الدولة الفرنسي أن فصل الموظف يمكن أن يكون عملاً من أعمال السيادة. كما أن القضاء في مصر قد نحا هذا النحو. وقد توج هذا القضاء بإنشاء مجلس الدولة الذي جعل في مقدمة ما يختص به قضايا فصل الموظفين إلغاء وتعويضاً. بل لقد تضمنت المذكرة الإيضاحية لقانونه تنويهاً خاصاً بضمانات الموظفين وأثرها في صلاح أداة الحكم. وكذلك الحال بالنسبة إلى المرسوم بقانون رقم 181 لسنة 1952 وما ورد في مذكرته الإيضاحية فلم يقل الشارع أن فصل الموظفين يعتبر عملاً من أعمال السيادة بل كل ما حجبه عن مجلس الدولة هو طلبات الإلغاء، أما طلبات التعويض فقد ظلت من اختصاص المجلس. ومما يلفت النظر أن الأسباب التي تضمنتها المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 31 لسنة 1963 مستقاة في جوهرها مما تضمنته المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 181 لسنة 1952. وإذ صح في الجدل أن الشارع يملك إصدار قانون بتحويل العمل الإداري إلى عمل سيادة فإن هذا يكون منه عملاً إنشائياً يجرى حكمه على الأعمال الإدارية التي تقع بعد تاريخ العمل بالقانون فلا يسري على قرارات فصل الموظفين التي صدرت قبل نفاذه ما لم ينص الشارع على سريانه على الماضي بنص صريح. ومن ثم فإن القانون رقم 31 لسنة 1963 لا يسري على الدعاوى المنظورة وهذا ما جرى عليه الشارع حتى بالنسبة لأعمال هي بطبيعتها من أعمال السيادة فقد نص القانون رقم 277 لسنة 1952 على أنه يعتبر من أعمال السيادة كل تدبير اتخذه أو يتخذه القائد العام للقوات المسلحة ورئيس حركة الجيش التي قامت في يوم 23 من يوليه 1952 بقصد حماية الحركة والنظام القائم عليها إذ اتخذ في مدة لا تجاوز ستة أشهر من ذلك التاريخ، وتنتهي هذه التدابير بانتهاء هذا الأجل، ولم يشتمل القانون رقم 31 لسنة 1963 على نص سريانه على الماضي، على أن ثمة خصصية في صدد هذا القانون تؤكد أخذه بالقاعدة المذكورة ذلك أن الشارع قد أجاز للموظف التظلم من القرار الجمهوري الذي يصدر بفصله أمام لجنة معينة فهناك تلازم بين اعتبار القرار الجمهوري الصادر بالفصل عملاً من أعمال السيادة وبين التظلم منه أمام اللجنة المشار إليها. ولما كان لهذا التظلم ميعاد يبدأ من تاريخ نشر القرار الجمهوري الصادر بالفصل فإنه كنتيجة لازمة لذلك لا يسري القانون رقم 31 لسنة 1963 إلا بالنسبة للقرارات الجمهورية التي يكمن التظلم منها في الميعاد المنصوص عليه فيه، وبالتالي لا يسرى إلا على القرارات الجمهورية التي تصدر بالفصل بعد العمل بالقانون المذكور. ولا يجوز القول بأن التظلم للقرارات الجمهورية التي صدرت بالفصل قبل العمل بالقانون ورفعت عنها دعاوى بالفعل يبدأ ميعاده من تاريخ الحكم الذي يصدر في هذه الدعاوى. ذلك أن الشارع لو قصد ذلك لوضع حكماً وقتياً بهذا المعنى. وإذ لم يفعل فإن مراده هو عدم سريان القانون على القرارات الجمهورية التي صدرت قبل العمل به - ولا وجه للقول بأن القانون رقم 31 لسنة 1963 قد أتى بقاعدة من قواعد الاختصاص إذ الواقع أنه إنما أتى بقاعدة موضوعية هي اعتبار القرار الجمهوري بفصل الموظف عملاً من أعمال السيادة وقد استغنى بالتظلم أمام اللجنة التي عينها عن تعقيب السلطة القضائية، ومن ثم فلا يسري بإلغاء التعقيب إلا بالنسبة لما يصدر من قرارات في ظل التنظيم الجديد. وظاهر من الرجوع إلى المذكرة الإيضاحية للقانون المذكور أنه تشريع ينظم المستقبل. على أن اعتبار القرار الجمهوري الصادر بفصل الموظف عمل سيادة لا يمنع من الحكم للموظف المفصول بالتعويض وذلك تأسيساً على نظرية التضامن الاجتماعي وفق ما جرى عليه قضاء مجلس الدولة الفرنسي في هذا الشأن، بل لعل الحكم عن أعمال السيادة بالتعويض في مصر أوجب، ذلك أن نظرية التضامن الاجتماعي في فرنسا اجتهاد فقهي أو قضائي بينما هي مقررة في مصر بحكم دستوري ومعتبرة من المقومات الأساسية للمجتمع المصري. فقد نصت المادة الرابعة من دستور 1956 على أن التضامن الاجتماعي أساس للمجتمع المصري. "وقد رددت ذات الحكم المادة الثالثة من الدستور المؤقت إذ قررت أن "التضامن الاجتماعي أساس للمجتمع".
ومن حيث إنه في 4 من مارس 1963 صدر قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 31 لسنة 1963 في شأن تعديل بعض أحكام قانون مجلس الدولة الذي عمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية في 11 من مارس 1963 ونص في مادته الأولى على أن يستبدل بالمادة 12 من القانون 55 لسنة 1959 المشار إليه النص الآتي: لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة. ويعتبر من قبيل أعمال السيادة قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبي..." وقد أفصح الشارع في المذكرة الإيضاحية المرافقة لهذا القانون عن الحكمة التي حدت به إلى إصداره والغاية التي استهدفها من التعديل الذي تضمنته، إذ ورد به قوله "ولما كانت المصلحة العامة تتطلب إطلاق يد الحكومة بوصفها سلطة حكم في تنظيم المرافق العامة وفي إدارتها على أحسن وجه، وذلك باختيار أقدر الأشخاص على العمل في خدمة هذه المرافق وإبعاد من ترى أنه غير صالح لأداء هذه الخدمة، وعلى الأخص من يشغل منهم وظيفة ذات سلطة إذا تعذر العمل معه أو إذا ارتأت الحكومة أنه غير محل لثقتها أو لوجود شبهات قوية حوله تمس كرامة الوظيفة أو النزاهة أو الشرف أو حسن السمعة، أو لغير ذلك من الأسباب التي تتصل بالصالح العام. ومما لا شك فيه أن الإجراءات التي تتخذها الحكومة والكفيلة بصيانة النظام العام وضمان سير المرافق العامة بطريقة مستمرة ومنتظمة ومنتجة تتصل بمصالح الدولة العليا، ومن ثم تعتبر من قبيل أعمال السيادة وتخرج بالتالي من ولاية القضاء - لذلك فقد أعد المشروع المرافق، وتحقيقاً لذلك فقد استبدلت الفقرة الأولى من المادة 12 ونص فيها على اعتبار قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم عن غير الطريق التأديبي من قبيل أعمال السيادة إذ أن مثل هذه القرارات من أخص أعمال السيادة وتصدر من السلطة التنفيذية بصفتها المهيمنة على مصالح الدولة العليا المسئولة عن تسيير أمورها والمحافظة على الأمن فيها...".
ومن حيث إنه يؤخذ من القانون رقم 31 لسنة 1963 ومن مذكرته الإيضاحية أن الشارع لعلة قدر أهمية ما تنطوي عليه في ظروف تطلبت المصلحة العامة فيها إطلاق يد السلطة الحاكمة بصفتها المهيمنة على مصالح الدولة العليا والمسئولة عن تسيير أمورها في تنظيم المرافق العامة وفي إدارتها من أثر في ضمان سير هذه المرافق بانتظام واضطراد وفي حسن أدائها للخدمات المنوطة بها على وجه سديد منتج بما يكفل صيانة النظام العام ويتمشى مع أهداف المجتمع الراهن ومقومات ومفهومات شئون الإدارة ونظام الحكم ومسئولياته فيه، رأى لهذه العلة أن يضفي على طائفة من القرارات الإدارية التي تصدر في شأن الموظفين العموميين، وهي تلك التي يصدرها رئيس الجمهورية بمقتضى السلطة المخولة بالقانون بإحالة هؤلاء الموظفين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم عن غير الطريق التأديبي حصانة عدم الخضوع لرقابة القضاء باعتباره إياها من قبيل أعمال السيادة بحيث تخرج من ولاية مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري فلا يختص بالنظر في الطلبات المتعلقة بها وذلك لتحقق الحكمة المتقدمة فيها باعتبار الوظيفة العامة جزءاً غير منفصل عن التخطيط الشامل الذي آلت الحكومة على نفسها تحقيقه والذي يدخل فيما يتناوله إصلاح الأجهزة القائمة على إدارة المرافق العامة وحسن اختيار العاملين فيها ومؤدى هذا كف ولاية مجلس الدولة القضائية عن أن تمتد إلى هذا الضرب من القرارات التي لا تخرج في الأصل من حيث طبيعتها ومصدرها عن كونها قرارات إدارية. وإذ كان الاختصاص القضائي لمجلس الدولة مستنداً بالنص ومحدداً بالقانون حسب إرادة المشرع لكون المجلس غير ذي ولاية عامة، وكانت الأصول الدستورية التي رددتها المادة 61 من الدستور المؤقت الصادر في 13 من مارس 1958 تقضي بأن "يرتب القانون جهات القضاء ويعين اختصاصها فإن تعديل الاختصاص القضائي لمجلس الدولة، سواء بالزيادة أو بالنقصان، إنما يتم بالإدارة ذاتها التي أنشأت هذا الاختصاص وحددت مداه وهي القانون. ومثل هذا القانون إذا جاء مضيقاً لاختصاص القضاء سواء بمنعه إياه مباشرة من نظر منازعات يعينها أو بخلعه على طبيعة هذه المنازعات وصفاً قانونياً يؤدي إلى النتيجة ذاتها بطريقة غير مباشرة، لا ينطوي على أية مخالفة للمبادئ الدستورية، لأن القانون لا يكون غير دستوري إلا إذا خالف نصاً دستورياً قائماً أو خرج على روحه ومقتضاه ومرد ذلك إلى أن الدستور، وهو القانون الأعلى فيما يقرره، لا يجوز أن يهدره قانون أداة أدنى. وما دامت النصوص الدستورية تنوط بالقانون ترتيب جهات القضاء ويتعين اختصاصاتها وتجعله أداة ذلك، فإن كل ما يخرجه القانون من ولاية القضاء يصبح هذا الأخير معزولاً عن نظره، لأن القضاء يتخصص بالزمان والمكان والخصومة وهو يملك ذلك بالشروط والأوضاع التي يقررها. وكما يملك القانون الأصل وهو إخراج عمل ما من ولاية القضاء فإنه يملك الوسيلة لهذا الإخراج، فإذا وصف بعض أعمال الحكومة بأنها أعمال سيادة فإن هذا يستوي في النتيجة وتعديل ولاية القاضي في هذا الخصوص، الأمر الذي لا جدال في أن المشرع يملكه بحكم الدستور ذاته. وإذا كان من المسلم أن للمحاكم سلطة تقرير الوصف القانوني للعمل المطروح عليها وما إذا كان يعد عملاً إدارياً أو عملاً من أعمال السيادة فإن المشرع الذي استمدت منه المحاكم ولايتها هذه تكون له تلك السلطة كذلك. ذلك أن المشرع عندما نص في قانون مجلس الدولة على عدم اختصاص المجلس بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة، وأطلق هذه العبارة الأخيرة دون تعريف أو تحديد أنما خول القاضي سلطة تقدير بعض أعمال السلطة التنفيذية وترك له حرية وصفها وتكييفها بما يترتب عليه تقرير اختصاصه أو عدم اختصاصه بنظرها. فإذا رأى المشرع في حدود الدستور وهو مانح هذه السلطة أن يحد منها بالنسبة إلى أعمال بذاتها فيخلع عليها صراحة الوصف القانوني الذي لا يدع مجالاً للترخيص في تقديرها أو تكييفها فإن القاضي الذي تلقى ولايته من المشرع بالحدود التي رسمها له يلتزم حتماً بهذا الوصف الذي عين لولايته حدوداً جديدة وحسم كل مناقشة في شأن الأعمال التي تناولها، ذلك أن وظيفته هي تطبيق القانون وهو سبيل هذا التطبيق يعمل اجتهاده حيث لا نص يقيده، ولا اجتهاد له مع تكييف تشريعي تضمنه نص صريح، كما لا سلطة له في مراجعة المشرع في السبب الذي أقام عليه حجته في تعليل أخذه بالوصف الذي ارتآه، إذ يتمتع المشرع في هذا المجال بحرية كاملة وسلطة تقديرية واسعة المدى لا معقب عليها ما دام لا يخالف الدستور ولا قيد عليه من نصوصه في اختيار النظم والأوضاع التشريعية التي يراها أكثر ملاءمة لظروف المجتمع ومقومات كيانه والمفاهيم التي يقوم عليها نظام الإدارة والحكم وسياسة الإصلاح والتطوير فيه في وقت ما، ويقدر أنها أوفى إلى تحقيق الصالح العام وفق هذه المعاني والغايات. ولا تثريب على الشارع أن يسبغ على الوسائل التي يعتمد عليها جهاز الحكم والإدارة في تسيير المرافق العامة وتدعيم أسس المجتمع لبلوغه مثله وأهدافه حصانة تعصمها من الرقابة القضائية في ظروف خاصة تبرر ذلك بما يقي السلطة الحاكمة من أن تغل يدها عن المعنى في تنفيذ خطط الإصلاح الشامل في شتى المرافق، ويكفل حسن مزاولة هذه المرافق لنشاطها ونهوضها برسالتها على الوجه المبتغى. ولا حجة في النعي على مثل هذا التشريع بأنه ينطوي على مصادرة لحق الموظف العام في تعويضه عن فصله، سواء بالطريق العيني وهو الإلغاء أو بطريق المقابل وهو التعويض، إذا كان القرار قد وقع مخالفاً للقانون، وعلى مصادرة لحقه في الانتصاف في هذا الشأن عن طريق القضاء، وعلى إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون والقضاء، إذ أن هذا النعي لا يستقيم إلا إذا كان حق الموظف في الوظيفة العامة من الحقوق التي يكفلها الدستور ذاته، وكانت وسيلة اقتضائه عن طريق القضاء هي وسيلة يقررها الدستور كذلك وكان ثمة حقاً إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون والقضاء في هذا الشأن، لأنه يجوز عندئذ أن يهدر القانون ما يقرره الدستور. أما إذا كان هذا الحق هو مما ينشئه القانون أو يلغيه وكانت وسيلة اقتضائه هي مما ينظمه القانون على الوجه الذي يراه، وكان القانون لا يقوم على تمييز بين أفراد طائفة واحدة تماثلت مراكزهم القانونية، فلا يكون ثمة وجه للنعي المتقدم. ذلك أن تقليد الموظف الوظيفة العامة بإسناد اختصاصاتها إليه وتعيينه فيه أياً كانت أداته لا يخلق الوظيفة ولا يرتب للموظف حقاً فيها على غرار حق الملكية إذ هي ملك للدولة توليها من يصلح للاضطلاع بأعبائها. وبقاء الموظف في المركز القانوني العام المترتب على شغله ليس حقاً يرقى إلى مرتبة الحقوق الدستورية أو يقاس على حق الملكية الذي صانه الدستور بما يكفل عدم نزعه إلا للمنفعة العامة ومقابل تعويض عادل وفقاً للقانون، بل هو وضع شرطي منوط بصلاحية الموظف للنهوض بأعباء الوظيفة العامة، وهو أمر يخضع لتقدير الحكومة القوامة على تسيير المرافق العامة، دون الاحتجاج بأن له أصل حق في البقاء في الوظيفة. كما أن ثمة فرقاً بين المصادرة المطلقة لحق التقاضي عموماً وبين تحديد دائرة اختصاص القضاء بالتوسيع أو التضييق فيها، الأمر الذي يملكه القانون بالتطبيق للنصوص الدستورية بوصفه الأداة التي ناط بها الدستور ترتيب جهات القضاء وتحديد نطاق ولايتها وتوزيع الاختصاص بينها وبيان وسائل المطالبة بالحقوق، قضائية كانت أو غير قضائية، بالشروط والأوضاع التي يقررها على نحو ما سلف بيانه. على أن الشارع قد أصدر في 4 من مارس 1963 - وهو التاريخ الذي صدر فيه القانون رقم 31 لسنة 1963 الذي عمل به في 11 منه - القرار الجمهوري رقم 358 لسنة 1963 بإضافة حكم جديد إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل 1955 ببيان إجراءات التظلم الإداري وطريقة الفصل فيه. ويقضي هذا الحكم بأن "يقدم المتظلم من قرارات رئيس الجمهورية بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبي إلى لجنة تشكل من أعضاء مجلس الرئاسة بقرار رئيس الجمهورية". وذلك لتبت فيه قبل مضي ستين يوماً من تاريخ تقديمه على الوجه المبين بهذا القرار. كما أصدر في التاريخ ذاته القرار الجمهوري رقم 359 لسنة 1963 بتشكيل اللجنة المشار إليها. فإذا كان قد ألغى الوسيلة القضائية للتظلم من هذه القرارات، فإنه لم يلغ أصل الحق في ذاته، إذ أوجد هيئة إدارية أسند إليها ولاية نظر هذا التظلم والفصل فيه بقرار مسبب وجوباً في حالة الرفض هي اللجنة المذكورة بما لا معقب عليها من القضاء. والقانون هو الذي يحدد وسيلة المطالبة بالحق ويعين الجهة التي يلجأ إليها صاحب الحق لاقتضاء حقه، قضائية كانت هذه الجهة أو غير قضائية. وليس من المحتم أن تكون وسيلة اقتضاء الحق أو رده إلى نصابه هي المطالبة القضائية وحدها، أو أمام جهة قضائية بعينها دون أخرى، بل قد تكون هذه الوسيلة غير قضائية، أو قضائية بوجه معين أو بآخر أمام جهة معينة أو أخرى. ولا إخلال بمبدأ المساواة أمام القضاء ما دام الوضع واحداً دون تمييز بالنسبة إلى كل من تصدر في حقهم من الموظفين العموميين القرارات الجمهورية التي اعتبرها القانون رقم 31 لسنة 1963 من قبيل أعمال السيادة. ومن ثم فإن هذا القانون يكون تشريعاً دستورياً واجب التطبيق.
ومن حيث إن إضفاء الشارع على القرارات التي نص عليها القانون رقم 31 لسنة 1963 صفة أعمال السيادة إنما قصد به منع التعقيب القضائي على هذه الطائفة من القرارات لإخراجها من ولاية القضاء، إذ لا تقتصر الغاية التي استهدفها من إصدار هذا القانون على الحكم الموضوعي الذي أنشأه وهو اعتبارها من قبيل أعمال السيادة، وإنما تجاوز ذلك إلى الهدف البعيد الذي تغياه. وذلك له، بهذه الوسيلة وهو تقرير قاعدة إجرائية تتعلق بالاختصاص إذ أن مقتضى اعتبار قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصلهم عن غير الطريق التأديبي من قبيل أعمال السيادة التي ينص قانون مجلس الدولة في المادة 12 منه على عدم اختصاص المجلس بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بها، هو عدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعاوى المقامة بشأن هذه القرارات. وبذلك يكون المشرع بهذا النص قد استحدث تعديلاً أورده على اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالتضييق في هذا الاختصاص بحيث ينحسر عن المنازعات المتعلقة بالقرارات المذكورة سواء بالطريق المباشر أو غير المباشر وتقصر عنها ولاية هذا القضاء وبعد أن كانت تشملها في ظل القوانين السابقة التي صدرت منذ إنشاء المجلس، ذلك أن الحصانة القضائية المقررة لأعمال السيادة إنما تتعلق بالنظام العام، وهو دفع بعدم الاختصاص بنص المادة 12 من قانون مجلس الدولة لا بعدم القبول فيما يتعلق بكل من دعوى الإلغاء ودعوى التعويض أصلية كانت أو دفعاً أو تفسيراً. وإذ كان القانون رقم 31 لسنة 1963 المعمول به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية في 11 من مارس سنة 1963 قانوناً معدلاً للاختصاص على هذا النحو، فإنه يسري بأثره المباشر على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل به ما دام هذا التاريخ قبل إقفال باب المرافعة في الدعوى، وذلك بالتطبيق لحكم الفقرة الأولى والبند (1) من المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية، إذ الأصل في قوانين المرافعات أنها تسري على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها. ومرد ذلك إلى أن القاعدة في سريان قوانين المرافعات على الدعاوى القائمة هي من الأصول المسلمة. إذ أن القوانين المنظمة لأصول التداعي والترافع والحكم وطرق الطعن والتنفيذ والتحفظ هي في عمومها منظمة لمراكز قانونية خاضعة بطبيعتها للتعديل والتغيير من جانب المشرع دون أن يرمى عمله برجعية الأثر. وإنما أخرجت من هذه القاعدة على سبيل الاستثناء الحالات التي حصرتها المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية في فقراتها الثلاث وأولاها "القوانين المعدلة للاختصاص متى كان تاريخ العمل بها بعد إقفال باب المرافعة في الدعوى" والحكمة التشريعية لهذا الاستثناء هي رعاية الحقوق التي ثبتت والمصالح التي رؤى أنها جديرة بالاستثناء. ذلك أنه يكون أقرب إلى السداد والقصد ألا تنزع الدعاوى التي حجزت للحكم من المحكمة التي أتمت تحقيقها وسمعت المرافعة فيها، لأن الدعوى بعد أن تبلغ هذا المبلغ من الاستواء للحكم تصبح مصلحة الخصوم في عدم انتزاعها في مرتبة الحق الذي لا يصح المساس به إلا بنص خاص. ولم يتضمن القانون رقم 31 لسنة 1963 أي حكم خاص، لا صراحة ولا ضمناً، يتخصص به أثره المعدل للاختصاص بقصره على الدعاوى الجديدة التي ترفع بعد نفاذه دون ما سواها. وقد صدر في ذات التاريخ الذي صدر فيه القانون المذكور وهو 4 من مارس 1963 قرار رئيس الجمهورية رقم 358 لسنة 1963 بإضافة حكم جديد إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 6 من إبريل 1955 ببيان إجراءات التظلم الإداري وطريقة الفصل فيه، ورقم 359 لسنة 1963 بتشكيل لجنة التظلمات المنصوص عليها في القرار الأول، واستحدثا تنظيماً للتظلم من قرارات رئيس الجمهورية الصادرة بإحالة الموظفين العموميين إلى المعاش أو الاستيداع أو فصلهم من غير الطريق التأديبي يقوم على عرض التظلم من هذه القرارات على لجنة مشكلة من أعضاء مجلس الرياسة بقرار من رئيس الجمهورية بالإجراءات والأوضاع وفي المواعيد المنصوص عليها في هذين القرارين، بما يكفل لذوي الشأن ضمانات تحقق لهم العدالة أمام سلطة إدارية عليا يقف عندها الأمر بغير تعقيب تال من السلطة القضائية بعد ذلك، وقد استبعد المشرع مظنة إلا يسري إلغاء هذا التعقيب إلا بالنسبة لما يصدر من قرارات في ظل التنظيم الجديد بضماناته التي كفلها دون السابقة عليه، ونفى هذه المظنة بما نص عليه في المادة الأولى من القانون رقم 31 لسنة 1963 من حكم أورده في خصوص وضع فرض أنه قائم فعلاً قبل صدوره، وإنما أوصد بشأنه ذرائع الاجتهاد، إذ مقتضى اعتبار القرار الجمهوري الصادر بإحالة الموظف إلى المعاش أو لاستيداع أو بفصله عن غير الطريق التأديبي عمل سيادة هو قيام هذه الصفة بذاتيته لزوماً منذ نشوئه لاستحداثه كتحول طارئ عليه. وإذا كان الشارع قد قرن هذا الحكم بإجازة التظلم من القرار أمام اللجنة التي نص عليها، فليس ثمة تلازم زمني بين اعتبار القرار عمل سيادة وإجازة التظلم منه أمام اللجنة المذكورة. ومن ثم فإن حكم القانون رقم 31 لسنة 1963 يصدق على القرارات الجمهورية التي صدرت بالفعل قبل العمل به سواء رفعت عنها دعاوى لا تزال منظورة أمام القضاء الإداري أم لم ترفع كما يصدق على القرارات الجديدة التي تصدر في ظله على حد سواء. ولا يقصد من هذا النظر كون القرار الجمهوري رقم 358 لسنة 1963 قد نص على أن ميعاد تقديم التظلم من القرارات التي ذكرها هو ستون يوماً من تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية أو إعلان ذوي الشأن بها، أو كون المشرع لم يورد حكماً وقتياً بالنسبة إلى الدعاوى القائمة بطلب إلغاء قرارات سابقة من هذا القبيل أو التعويض عنها، لأنه إذا كان ميعاد التظلم قد فات بالنسبة إلى هذه القرارات بالنظر إلى تاريخ نشرها في الجريدة الرسمية أو إعلان صاحب الشأن بها، فإن رفع الدعوى عنها في الميعاد أمام المحكمة المختصة بنظرها وقتذاك قد حفظ هذا الميعاد. ويظل هذا الأثر قائماً لحين صدور الحكم فيها مهما طال أمد نظرها ما دام الأمر بيد الجهة القضائية المختصة. وقد سبق لهذه المحكمة أن قضت بأن الطلب أو التظلم الذي يوجهه الموظف إلى السلطة الإدارية المختصة متمسكاً فيه بحقه طالباً أداءه، وكذا طلب المساعدة القضائية للدعوى التي يزمع صاحب الشأن رفعها على الإدارة، يقوم مقامها المطالبة القضائية في قطع التقادم وقطع ميعاد رفع دعوى الإلغاء ولا ريب أن المطالبة ذاتها التي نصت المادة 383 من القانون المدني على أثرها القاطع للتقادم هي أوقع من كل هذا وأبلغ.
ومن حيث إنه ما دام المشرع قد اعتبر القرار الجمهوري الصادر بإحالة الموظف إلى المعاش أو الاستيداع أو بفصله عن غير الطريق التأديبي من قبيل أعمال السيادة، فإن مقتضى هذا هو عدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالنظر في الطلبات المتعلقة بهذه الأعمال إلغاء كان موضوعها أو تعويضاً، لأن تعرض القضاء للنظر في طلب التعويض عن أعمال السيادة فيه استباحة لمناقشة هذه الأعمال التي أراد المشرع جعلها بمنأى عن أية رقابة قضائية. ولا يغير هذا الحكم فيما يتعلق بالتعويض كون التضامن الاجتماعي أساساً للمجتمع كفكرة فلسفية عامة لا تمس ما تخصص بالنص ولا تنشئ قاعدة على خلاف الأصل في المسئولية لم يرد في شأنها نص خاص يقررها.
ومن حيث إنه لكل ما تقدم يكون الدفع الذي أبدته الحكومة وأيدته هيئة مفوضي الدولة بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى الحالية قائماً على سند سليم من القانون متعيناً قبوله والقضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم الاختصاص بنظر الدعوى بشقيها فيما يتعلق بكل من طلبي الإلغاء والتعويض. مع إلزام الحكومة بالمصروفات إذ أن القضاء الإداري كان مختصاً بنظرها وقت أن رفعت، وإنما أصبح غير مختص بذلك بناء على قانون جديد معدل للاختصاص صدر بعد ذلك وعمل به قبل باب المرافعة فيها.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم الاختصاص بنظر الدعوى، وألزمت الحكومة بالمصروفات.


(1) بمثل المبادئ ( أ )، (ب)، (ج)، (د)، (و) قضت المحكمة بذات الجلسة في القضيتين رقم 392، لسنة 6 ق، ورقم 2548 لسنة 6 ق. المضمومتين.