مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة - العدد الثالث (من أول مايو سنة 1963 إلى آخر سبتمبر سنة 1963) - صـ 1523

(138)
جلسة 20 من يوليه سنة 1963

برئاسة السيد/ الإمام الإمام الخريبي نائب رئيس المجلس وعضوية السادة/ مصطفى كامل إسماعيل وحسن السيد أيوب والدكتور ضياء الدين صالح ومحمد مختار العزبي المستشارين.

القضية رقم 897 لسنة 9 القضائية

( أ ) اختصاص - أمور مستعجلة - اختصاص القضاء الإداري بالفصل في المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية - يستتبع لزوماً اختصاصه بالفصل فيما ينبثق عن هذه المنازعات من أمور مستعجلة ما دام القانون لم يسلبه ولاية الفصل فيها.
(ب) اختصاص - اختصاص القضاء الإداري بالفصل في الأمور المستعجلة المنبثقة عن منازعات العقود الإدارية - سلطان القضاء الكامل عن مباشرته هذه الولاية وحدوده - له سلطة تقدير عناصر الموضوع بحيث لا يحده سوى قيام حالة الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق.
(ج) عقود إدارية - عقد المقاولة - التنفيذ على حساب المقاول بعد سحب العمل منه يفترض قيام عقد المقاولة.
(د) عقد إداري - عقد المقاولة - تعديله بإعطاء مهلة لصالح المقاول تلتزم خلالها الإدارة بعدم طلب صرف قيمة خطابات الضمان بالنسبة لالتزام البنك بالصرف دون قيد أو شرط - أساس ذلك - استقلال العلاقة بين المستفيد من الضمان والمقاول، وهذه يحكمها عقد المقاولة، عن العلاقة بين البنك والمستفيد وهذه تحكمها خطابات الضمان.
(هـ) عقود إدارية - خطاب الضمان المقدم من أحد البنوك للجهة الإدارية ضماناً لالتزامات المقاول - المقارنة بين خطاب الضمان وبين الشيك - الشيك أداة وفاء وليس خطاب الضمان كذلك - عدم جواز تظهير خطاب الضمان بعكس الشيك.
1 - أن القضاء الإداري يختص دون غيره بالفصل موضوعاً في منازعات العقود الإدارية فيلزم أن يختص تبعاً بالفصل فيما ينبثق منها من أمور مستعجلة، ما دام القانون لم يسلبه ولاية الفصل في الأمور المستعجلة التي تثيرها تلك المنازعات ويعهد بها إلى جهة أخرى.
2 - يملك القضاء الكامل عند مباشرته ولاية الفصل في الأمور المستعجلة سلطان التقدير لعناصر النزاع المطعون عليه ولا يحده في ذلك سوى قيام الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق. أو الاستعجال هو الضرورة الملجئة لوضع حل مؤقت لنزاع يخشى على الحق فيه من مضي الوقت، أو ترك حتى يفصل فيه موضوعاً. والاستعجال حالة مرنة غير محددة ليس ثمت معيار موحد لها يمكن تطبيقه في كل الأحوال بل ظواهر الاستعجال متعددة وقد تبرر في حالة وتختلف عنها في أخرى والمرجع في تقديره إلى القضاء بحسب ظروف كل دعوى على حدتها. فأينما لمس هذه الضرورة كان تصديه للمسألة جائزاً. وأما عدم المساس بأصل الحق فليس المقصود به عدم احتمال لحوق ضرر ما بأحد الطرفين بل إن الضرر قد يكون محتملاً بل قد لا يقبل علاجاً أو إصلاحاً، لأن ولاية الفصل في الأمور المستعجلة هي ولاية قضائية في أساسها، والقضاء الكامل في مباشرتها وإن كان لا يفصل في أصل الحق إلا أنه يحميه مؤقتاً متى تحسس من تقديره لعناصر النزاع أن أحد الطرفين هو الأولى بالحماية فينشئ بينهما مركزاً وقتياً يسمح بتحمل المواعيد والإجراءات التي يقتضيها الفصل في الموضوع فهو ليس ممنوعاً من بحث الحقوق المتنازع عليها ومدى آثارها. بل له في هذا سلطات تقدير مطلق وإنما هو مقيد بألا يقرر إلا حلولاً وقتية لتحفظ تلك الحقوق حتى يفصل فيها موضوعاً حتى ولو ترتب على تلك الحلول لحوق ضرر ما بأحد الطرفين.
3 - إذا كان العمل قد سحب من المقاول. وكانت هيئة الإذاعة قد قامت بالتنفيذ على حسابه، فإن التنفيذ على حساب المقاول بعد سحب العمل منه يفترض قيام عقد المقاولة، كما أن هيئة الإذاعة تملك تعديل عقد المقاولة تعديلاً مؤداه تعهد هيئة الإذاعة بإعطاء مهلة لصالح المقاول تلتزم خلالها الهيئة بعدم طلب صرف قيمة خطابات الضمان فوراً لحين تبين الموقف النهائي للعملية بالنسبة لما تم تنفيذه ولما سيجرى تنفيذه على حسابه بشرط استمرار صلاحية خطابات الضمان للصرف خلال تلك المهلة. فما هو إلا استعمال للسلطة التقديرية التي خولها إياها عقد المقاولة ولائحة المناقصات والمزايدات في خصوص الوقت الذي تراه ملائماً لطلب صرف قيمة خطابات الضمان.
4 - إن تعديل عقد المقاولة بإعطاء مهلة للمقاول تلتزم خلالها جهة الإدارة بعدم صرف قيمة خطابات الضمان فوراً لحين تبين الموقف النهائي للعملية لا مساس له بخصائص خطابات الضمان من حيث وجوب عدم اقتران الصرف فيها بأي قيد أو شرط. فالتعديل لا يمكن أن يكون له قانوناً أي أثر على خطابات الضمان من حيث شروط التزام البنك ذلك أن ضمان البنك لا يعتبر عقداً بينه وبين المستفيدين من خطابات الضمان، ولذلك فإنه لا يشترط لإلزام البنك أن يقبل المستفيد الخطابات، وإنما يلتزم البنك نهائياً بمجرد إصدار الخطابات. وإذا كان المستفيد في مطالبته للبنك يفيد من عدم اقتران الصرف في خطابات الضمان بأي قيد أو شرط فليس مرد ذلك أنه طرف في عقد بينه وبين البنك، وإنما لأن ذلك هو التزام البنك الذي أنشأته خطابات الضمان لصالح المستفيد، فخطابات الضمان وحدها هي التي تحكم العلاقة بين البنك والمستفيد وأنه ولئن كان يترتب على ذلك أن المقاول لا يملك الاحتجاج بأثر مثل ذلك التعديل ضد البنك إلا أن ثمة علاقة أخرى في خصوص خطابات الضمان بين المستفيد والمقاول. وهذه العلاقة الأخرى هي التي يحكمها عقد المقاول وهي مستقلة تماماً عن العلاقة بين البنك والمستفيد. وبمقتضى عقد المقاولة بعد إذ طرأ عليه مثل ذلك التعديل يجوز للمقاول الاحتجاج بأثره ضد المستفيد فالخصم الحقيقي في مثل هذه المنازعة هو المستفيد من خطابات الضمان وليس البنك. وبديهي أنه لا يثور في مثل هذه المنازعة اعتراض الذي يثور في حالة العجز على حق المستفيد في التنفيذ، من أنه يعطل الميزة الجوهرية لخطابات الضمان وهي اطمئنان رب العمل إلى دفع البنك فوراً بمجرد الطلب. وبديهي أنه لا يثور في مثل هذه المنازعة لأن رب العمل هو الذي ارتضى بمطلق إرادته تقييد في طلب الصرف فوراً.
5 - ليس خطاب الضمان مثل الشيك أداة وفاء وإنما هو أداة ضمان، فطبيعة خطاب الضمان تختلف عن طبيعة الشيك، إذ أن خطاب الضمان شخصي ولا يجوز للمستفيد تظهيره إلى غيره أو المتنازع عنه لأي شخص بأي طريق وبالتالي فليست له أية قيمة ذاتية إلا لشخص المستفيد.


إجراءات الطعن

في 30 من مايو سنة 1963 أودعت إدارة قضايا الحكومة سكرتيرية هذه المحكمة بالنيابة عن السيدين وزير الدولة بصفته الرئيس الأعلى لهيئة الإذاعة والتليفزيون ومدير الإذاعة. تقرير طعن في الحكم الصادر بجلسة 31 من مارس سنة 1962 من محكمة القضاء الإداري (هيئة المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية والتعويضات في الطلب المستعجل في الدعوى رقم 955 لسنة 16 القضائية المقامة من السيد/ علي إبراهيم بصفته مديراً لشركة علي إبراهيم وأولاده لعموم المقاولات ضد السادة 1 - وزير الدولة بصفته الرئيس الأعلى لهيئة الإذاعة - 2 - مدير هيئة الإذاعة - 3 - رئيس مجلس إدارة بنك مصر والعضو المنتدب لإدارته. والذي يقضي أولاً - برفض الدفع بعدم قبول الطلب المستعجل - ثانياً - وقف تنفيذ قرار هيئة الإذاعة بسحب قيمة خطابات الضمان أرقام 835/ 59، 678/ 60، 1261/ 60 من بنك مصر وإبقاء الفصل في المصروفات. وطلب الطاعنان للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وبوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه ثم تحويل الطعن إلى المحكمة الإدارية لتحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه ورفض طلب وقف التنفيذ مع إلزام المطعون ضده الأول بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة. وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 22 من يونيه سنة 1963 وأعلن المطعون عليهما في 16 من يونيه سنة 1963 بتقرير وبميعاد الجلسة وفيها أجل نظر الطعن إلى جلسة 29 من يونيه سنة 1963. وفيها قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة العليا لنظره بجلسة اليوم مع الترخيص للطرفين في تقديم مذكرات ومستندات في أسبوعين والمدة مناصفة تبدأ بالحكومة واعتبار النطق بهذا القرار إعلاناً للطرفين. وبعد سماع إيضاحات ذوي الشأن في جلسة اليوم صدر الحكم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع إيضاحات ذوي الشأن وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعي بصفته مديراً لشركة علي إبراهيم علي وأولاده لعموم المقاولات أقام الدعوى رقم 955 لسنة 16 القضائية ضد السادة/ وزير الدولة بصفته الرئيس الأعلى لهيئة الإذاعة ومدير هيئة الإذاعة ورئيس مجلس إدارة بنك مصر والعضو المنتدب لإدارته بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري بتاريخ 17 من يونيه سنة 1962. وقال بياناً للدعوى أنه في سنة 1959 رست على شركته مناقصة إنشاء المبنى الجديد لدار الإذاعة والتلفزيون بشارع كورنيش النيل بالقاهرة مقابل مبلغ حوالي 607 ألف جنيه واتفق على أن تتم الأعمال في ظرف 42 شهراً من تاريخ صدور الأمر الكتابي للمدعي بالبدء في العمل أي في ميعاد غايته 13 من مارس سنة 1962. وقدم المدعي لهيئة الإذاعة خطابات ضمان صادرة من بنك مصر قيمتها 67740 جنيهاً. واجتهد في إنجاز الأعمال على خير وجه إلا أنه فوجئ في 9 من سبتمبر سنة 1961 بخطاب من الهيئة بسحب العمل منه فأقام دعوى أمام محكمة القضاء الإداري بطلب إلغاء هذا القرار ولا تزال هذه الدعوى قائمة. وترتب على هذا القرار أن وضعت الهيئة يدها على جميع الأدوات والمهمات والتشوينات التي أقامها المدعي في موقع العمل. وبتاريخ 10 من سبتمبر سنة 1961 وهو اليوم التالي لقرار سحب العمل. وطلبت الهيئة من بنك مصر أن يدفع لها قيمة خطابات الضمان. ثم أعقبت ذلك بخطاب آخر تاريخه 13 من سبتمبر سنة 1961. وجهته إلى البنك عدلت فيه عن خطابها السابق وطلبت إبقاء قيمة خطابات الضمان حتى تتبين الموقف النهائي للعملية بالنسبة لما تم تنفيذه ولما سيجرى تنفيذه على حساب المدعي. وتربصت الهيئة منذ تاريخ الخطاب المذكور أكثر من تسعة شهور حتى 10 من يونيه سنة 1962 إذ أرسلت إلى البنك خطاباً بهذا التاريخ طالبة فيه أن يدفع لها قيمة خطابات الضمان. واستطرد المدعي يقول أن القرار الذي أصدرته الهيئة مشوب بسوء استعمال الحل ومخالفة الثابت في الأوراق ذلك أن مقتضى هذا التربص الذي قبلته الهيئة أن تتبين ما أداه المدعي من أعمال وما يترتب على ذلك في علاقته مع الهيئة. والثابت في الأوراق أنه في تاريخ سحب العمل كان للمدعي مستخلص قبل الهيئة عن أعمال تمت قيمتها 35000 من الجنيهات وذلك بخلاف إيجار الأخشاب المستعملة لمقاولين آخرين وكذلك التعديلات التي تمت ولم تجر عليها المحاسبة والرخام المستعمل في العملية فقد ورد ثمنه في المستخلص على أنه رخام مصري والواقع أنه رخام وارد من الخارج ثم إن للمدعي بموقع العمل عدداً وآلات ومهمات من أوناش وخلاطات وعروق خشب موسكي وألواح وقمط حديدية وشدات معدنية قيمتها وفق الثابت في الدفاتر المسجلة 45000 من الجنيهات. كما أن الهيئة قد أتمت الأعمال الباقية بوساطة المقاولين الذين كانوا من باطن المدعي وبمقتضى نفس العقود والأسعار التي كانت مبرمة بينه وبينهم. وخلص المدعي من ذلك إلى أنه حتى تاريخ سحب العمل كان المدعي دائناً للهيئة وترك لديها بالإضافة إلى ذلك مهمات ذات قيمة جسيمة. وأن الهيئة قد أتمت الأعمال بأسعار أقل من الأسعار التي تعاقدت عليها مع المدعي. وأنه لما كانت الشركة قد ضمت إلى القطاع العام وهي قائمة على تنفيذ مشروعات كبرى ويترتب على سحب قيمة خطابات الضمان أن يحيق بها الدمار. فقد انتهى المدعي إلى طلب الحكم: أولاً - بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار هيئة الإذاعة سحب قيمة خطابات الضمان من بنك مصر - ثانياً - وبعد إتمام تحضير الدعوى بإلغاء القرار المذكور وأجابت هيئة الإذاعة على الدعوى بأنه لوحظ بعد انقضاء فترة من سريان العقد أن الشركة التي يمثلها المدعي تبطئ في التنفيذ بما لا يبشر بإتمام الأعمال في الآجال المحددة ووفق البرنامج المتفق عليه فأنذرتها الهيئة بتوقيع جزاءات العقد ثم منحتها الهيئة سلفة قدرها 40000 جنيهاً ورغم هذا فقد دأبت الشركة على الإبطاء في التنفيذ بما يشبه التوقف فتوالت عليها الإنذارات ومنحت الشركة آجالاً كثيرة ولم تفلح في التنفيذ كما أن الهيئة وفرت لها المواد الأولية بقصد إعانتها على التنفيذ ولم تؤت بدورها أثراً وعرض الأمر على قسم الرأي فأفتى بسحب العمل من الشركة واقتضاء غرامة التأخير عملاً بالمادة 32 من العقد والمادة 94 من لائحة المناقصات والمزايدات وأنذرت الشركة إزاء تراخيها الظاهر في التنفيذ بسحب العمل ثم تم سحبه منها بتاريخ 9 من سبتمبر سنة 1961. وتقوم الحكومة بتنفيذ العمل على حساب الشركة. واستطردت الهيئة تقول أن ما طلبته الشركة من وقف تنفيذ سحب قيمة خطابات الضمان بمقولة أنه قرار إداري يخضع للوقف والإلغاء لا يقوم على سند من القانون فطلب سحب قيمة خطابات الضمان هو مجرد إجراء تتخذه جهة الإدارة بمقتضى حقها المخول لها من أحكام العقد ولائحة المناقصات والمزايدات وليس بناء على سلطتها العامة. ثم إن العقد المبرم بين الطرفين أخضع خطابات الضمان لما يخضع له التأمين النقدي من أحكام وعلى الأخص جواز صرف جهة الإدارة خطابات الضمان في أي وقت تشاء دون قيام ثمة قيد أو اعتراض. وبالمثل جرت أحكام لائحة المناقصات والمزايدات. كما أن أركان وشروط الطلب المستعجل غير متوافرة في خصوص الطلب المطروح من الشركة. فالاستعجال غير متوافر لأن الشركة قد أقرت بحق الحكومة في صرف قيمتها بغير قيد أو شرط. وليس ثمة حالة يخشى عليها من فوات الوقت أو نتائج لا يتعذر تداركها لأنه فضلاً عن إقرار الشركة. فإن إجراء صرف قيمة خطابات الضمان لا يفصح عن مصادرة قيمة تلك الخطابات بل هو مجرد وضع مقابل التأمين تحت يد الحكومة وحقها في هذا الصدد غير مقيد. ولا خطر من أن تصرف الحكومة قيمة خطابات الضمان لأنها مليئة وتستطيع في أي وقت ردها إذا اقتضى الأمر ذلك. وليس ثمة أسباب جدية يقوم عليها طلب الشركة لأن من حق الهيئة صرف قيمة خطابات الضمان في أي وقت وبدون قيد أو شرط. وهو حق مخول لها بمقتضى أحكام العقد وأحكام لائحة المناقصات والمزايدات وإقرار الشركة. ولا يزال الحق قائماً حتى 7 من سبتمبر سنة 1963. وهذا الحق لا يتعارض إطلاقاً مع ما قد يكون مستحقاً للشركة من مستخلصات إذ بوسعها أن تطالب بها بدعوى موضوعية. والادعاء بوجود أشياء للشركة موقع العمل وقت السحب لا يغير من الأمر شيئاً لأن للهيئة تطبيقاً لنص المادة 94 من لائحة المناقصات أن تحتجز في حالة سحب العمل كل أو بعض ما يوجد بمحل العمل من آلات وغيرها وأن تستعملها في إتمام العمل وأيضاً احتجازها حتى بعد انتهاء العمل وغير صحيح أن الهيئة أتمت أعمالها بمقاولين من الباطن أو أنها لم تتحمل فروقاً أو أن الشركة كانت دائنة. فما زالت الهيئة قائمة بإتمام العمل وبعد إتمامه وتصفية الحساب ترجع الهيئة على المدعية بما يكون لها قبلها بدعوى موضوعية، وأخيراً فإن طلب صرف خطابات الضمان ليس مشوباً بالعسف لأن الهيئة تباشر حقها الذي تلقته من العقد ومن أحكام لائحة المناقصات والمزايدات فضلاً عن إقرار المدعية ذاته. وانتهت الهيئة إلى طلب الحكم أصلياً بعدم قبول الطلب المستعجل واحتياطياً برفضه. وقدم مفوض الدولة لدى محكمة القضاء الإداري تقريره بالرأي القانوني. انتهى فيه إلى أنه ليس لشركة المدعية أي حق في الاعتراض على طلب الهيئة المدعى عليها الخاص بصرف قيمة خطابات الضمانات إذ أنه ممنوع عليها ذلك طبقاً لأحكام اللائحة وطبقاً للشروط المثبتة في خطابات الضمان، ذاتها. ولذلك فليس ثمة حق يقوم عليه طلب الشركة. وهذا فضلاً عن أن ركن الاستعجال غير متوافر إذ أنه لا توجد أمور يخشى عليها من فوات الوقت أو نتائج يتعذر تداركها فمبلغ التأمين من حق جهة الإدارة. ومن حقها أيضاً أن تستبقيه لديها حتى يتم تنفيذ العقد تنفيذاً كاملاً. ولها أن تخصم من هذا المبلغ لتحصيل الجزاءات وغير ذلك من المستحقات الاحتمالية لجهة الإدارة طبقاً لشروط العقد. وإذا كان من حق جهة الإدارة أن تستأدى قيمة التأمين النهائي نقداً من المصرف مصدره خطابات الضمان دون انتظار لصدور حكم من القضاء أو موافقة الشركة المدعية على ذلك. فإنه لا وجه لطلب الشركة المدعية اتخاذ أي إجراء سابق يحول دون استعمال الجهة الإدارية هذا الحق بأية صورة من الصور. وطلب المفوض الحكم برفض الطلب المستعجل. وعقب المدعي بمذكرة ردد فيها بتفصيل ما أورده في صحيفة الدعوى. وأضاف أن الخطاب الصادر من الهيئة إلى بنك مصر بتاريخ 13 من سبتمبر سنة 1961 مقتضاه أن حق الهيئة في قبض قيمة خطابات الضمان بعد أن كان مطلقاً لا يرد عليه قيد وفقاً لعقد الاتفاق. أصبح بعد الخطاب المذكور مشروطاً بشرط معين نص عليه صراحة هو تبين الموقف النهائي للعملية. وأن الوضع النهائي للعملية لا يستقر وتبين معالمه إلا بعد أن تتم الهيئة تنفيذ الأعمال الباقية. وأن الهيئة لا تستطيع قبل تمام التنفيذ أن تدعي أن العملية قد استقرت على وضع نهائي. فإذا هي أدعت غير ذلك فيتعين عليها أن تقيم الدليل عليه. وأنه لو فرض جدلاً أنه يجوز للهيئة أن تتحلل من الشروط الذي قيد بها حقها في صرف مبالغ الضمان. وأن تعود إلى الوضع الأول الذي كان قضائياً عند سحب العمل فإنها لا تكون بذلك مستعملة لحق تستهدف به مصلحة لها، إنما تكون متعسفة في استعمال هذا الحق. ذلك أنه ما دام أن ائتمان المدعي لا يعتوره ضعف أو وهن بما هو دائن به لها وماله تحت يدها من تشوينات وآلات فإن المطالبة بقيمة الضمان لا تستهدف إلا الضرر المحيق بالمدعي. ويتوفر الاستعجال على نحو ظاهر ذلك إذا دفع بنك مصر قيمة خطابات الضمان إلى هيئة الإذاعة فإنه سيرجع بها على المدعي وهي قيمة ضخمة مستحيل على المدعي أداؤها. ويترتب على عجز المدعي عن الوفاء أن يشهر إفلاسه. والرجوع على الحكومة لا يدفع الخطر المحيق بالمدعي لأنه سيتم بعد أن يكون قد أشهر إفلاسه وانتهى أمره. وعقبت الهيئة بمذكرة رددت فيها ما جاء بمذكرتها السابقة وأضافت أن ادعاء الشركة قيام اتفاق جديد بينها وبين بنك مصر من جهة وبين الهيئة بإرجاء صرف قيمة خطابات الضمان حتى نهاية إتمام العملية قول لا يتفق مع التفسير الصحيح للخطاب المرسل من الهيئة للبنك ولا مع أحكام العقد وأحكام لائحة المناقصات والمزايدات التي تشير جميعها إلى الطبيعة القانونية لكتاب الضمان وهي قابليتها للصرف بغير قيد وبرغم معارضة المتعهد أو المقاول. ولا تعد الهيئة متعسفة عند طلب صرف قيمة خطابات الضمان طالما أنها لا تستعمل حقاً مخولاً لها بمقتضى أحكام العقد ولائحة المناقصات. والاستعجال ينشأ من طبيعة الحق المطلوب ومن صيانته ومن الظروف المحيطة به من فعل الاخصام. وزيادة الأعباء المالية على الشركة ليس من المسائل التي يخشى عليها من فوات الوقت أو لا يترتب عليها نتائج يتعذر تداركها. وبجلسة 31 من مارس 1963. قضت محكمة القضاء الإداري أولاً - برفض الدفع بعدم قبول الطلب المستعجل. ثانياً - وقف تنفيذ قرار هيئة الإذاعة بسحب قيمة خطابات الضمان أرقام 835/ 59، 678/ 60، 1261/ 60 من بنك مصر وإبقاء الفصل في المصروفات. وأقامت قضائها على أن الشركة المدعية تهدف بطلبها المستعجل إلى النظر في اتخاذ إجراء مؤقت لدفع الأضرار والنتائج التي تترتب على تحصيل قيمة خطابات الضمان وهي مسألة متفرعة عن النزاع الموضوعي ومتصلة بالجانب المستعجل منه. ومن ثم فإن المحكمة تفصل فيها تأسيساً على أن قاضي الأصل هو قاضي الفرع وفي الحدود والضوابط المقررة في الطلبات المستعجلة. وأن الهيئة المدعى عليها لم تنكر قيام الشركة المدعية بتنفيذ جانب من الأعمال التي كانت موكولة إليها كما لم تنكر كذلك وجود شونات وآلات من متعلقاتها وأن سحب قيمة خطابات الضمان في الظروف والأحوال والملابسات السالف الكلام عنها يعرض الشركة المدعية ولا شك لنتائج يصعب تداركها علاوة على جدية المخاصمة. الأمر الذي ترى معه المحكمة وقف سحب قيمة خطابات الضمان المذكورة من بنك مصر حتى يقضي في موضوع المنازعة القائمة بين طرفي الخصومة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن خطاب الضمان أداة وفاء يحل محل التأمين النقدي بحيث يجب صرف قيمته عند أول طلب من جهة الإدارة للبنك بغير قيد أو شرط ورغم معارضة المتعهد أو المقاول على ما جرت عليه أحكام العقود الإدارية وأحكام لائحة المناقصات والمزايدات. ورأى الفقه وقضاء المحاكم. وأن طلب جهة الإدارة سحب قيمة خطابات الضمان من البنك ليس قراراً إدارياً يخضع للوقف والإلغاء. وإنما هو حق مقرر لها بمقتضى أحكام العقد والقانون وما تضمنته تلك الخطابات. ولا إساءة في استعمال الحقوق المشروعة. وأنه لا خطر ولا ضرر على الشركة من صرف قيمة تلك الخطابات لسبق الاتفاق على ذلك ولأن الهيئة مليئة تستطيع ردها في أي وقت. كما أن من حق جهة الإدارة الاحتفاظ بالتأمين لتخصم منه مستحقاتها. وقد عجزت الشركة عن الوفاء بالتزاماتها فقامت جهة الإدارة بالتنفيذ على حسابها ومن حقها بعدئذ أن تخصم من التأمين مستحقاتها. بل إن جهة الإدارة هي التي تتعرض لخطر حقيقي إذا لم تصرف لها قيمة خطابات الضمان قبل انتهاء الأجل في 7 من سبتمبر سنة 1973 فإذا كانت الشركة تقرر أن صرف هذا المبلغ سيعجزها فإن معنى ذلك أنها ليست مليئة. بحيث يكون سقوط خطابات الضمان مشكلاً لخطر كبير على الحكومة.
ومن حيث إن مفوض الدولة لدى المحكمة العليا قدم تقريره بالرأي القانوني. تناول فيه سلطة قاضي العقود الإدارية بالنسبة لنظر المسائل المتعلقة بها. وانتهى في هذا الخصوص إلى أنه إذا كان من المسلم أن لهذا القاضي إبطال الإجراءات والتصرفات المتعلقة بالعقد. فإنه تبعاً لذلك يملك وقف تنفيذ هذه الإجراءات باعتبار أن ذلك من المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت وبالحدود والضوابط المقررة للفصل في الطلبات المستعجلة ثم تناول ركن الاستعجال وانتهى في خصوصه إلى أنه من المسلم أنه إذا دفع البنك قيمة خطابات الضمان إلى هيئة الإذاعة فسيرجع بها على المطعون ضده وهذا خطر يحيق به لأنه قد يترتب عليه تعطيل تنفيذ المشروعات المسندة إليه لما فيه من مساس بكفايته المالية وتلك نتائج يتعذر تداركها ولا يكفي في ذلك القول بأن هيئة الإذاعة مليئة تستطيع ردها في أي وقت لأن رجوع المطعون ضده على الهيئة سيتم بعد مدة طويلة يكون فيها الخطر قد أحدق بالمطعون ضده. ثم تناول ركن جديد النزاع. وانتهى في خصوصه إلى أنه وقد وافق على مد مدة خطابات الضمان في 7 من سبتمبر سنة 1963. فإنه لا يوجد المبرر الذي يدعو الإدارة على انقضاء قيمة الخطابات فوراً ما دام البنك قد وافق فعلاً على مد مدة سريان هذه الخطابات إلى الميعاد الذي قدرته الإدارة. ومن ثم فإن اقتضائها قيمة هذه الخطابات فوراً وإن كان استعمالاً لحقها طبقاً للعقد إلا أنه استعمال غير مشروع لأن المصالح التي يحققها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مع ما يعود على الغير من ضرر وفقاً لنص المادة 5 من القانون المدني. وهي من الأصول العامة في الالتزامات ولم يثبت أن في انطباق حكمها في المنازعة الحالية أي إخلال بسير المرفق العام أو تعارض مع الطبيعة الخاصة للعقود الإدارية. ثم إن الإدارة لا تصادر التأمين النهائي بصفة نهائية ما دام أنها لم تفسخ العقد وتنهي العلاقة العقدية مع المقاول. وسحب العمل من المقاول اقترن بتنفيذه على حسابه ونيابة عنه ولم يتم بعد تصفية الآثار المالية المترتبة على العقد. ورأى المفوض لذلك كله قبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
ومن حيث إنه يبدو واضحاً من مساق الوقائع أن ما يطلبه المدعي، إن هو إلا من قبيل المنازعة الخاصة بالعقود الإدارية مما يختص بالفصل فيها القضاء الإداري وحده بالتطبيق لحكم المادة العاشرة من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة. وإذ يختص القضاء الإداري دون غيره بالفصل موضوعاً في هذه المنازعات فيلزم أن يختص تبعاً بالفصل فيما ينبثق منها من أمور مستعجلة. ما دام القانون لم يسلبه ولاية الفصل في الأمور المستعجلة التي تثيرها تلك المنازعات ويعهد بها إلى جهة أخرى.
ومن حيث إن هذا القضاء الكامل عند مباشرته ولاية الفصل في الأمور المستعجلة سلطان التقدير لعناصر النزاع المطعون عليه ولا يحده في ذلك سوى قيام الاستعجال وعدم المساس بأصل الحق. والاستعجال هو الضرورة الملجئة لوضع حل مؤقت لنزاع يخشى على الحق فيه من مضي الوقت، لو ترك حتى يفصل فيه موضوعاً. والاستعجال حالة مرنة غير محددة ليس ثمة معيار موحد لها يمكن تطبيقه في كل الأحوال. بل ظواهر الاستعجال متعددة وقد تبرر في حالة وتختلف عنها في أخرى والمرجع في تقديره إلى القضاء بحسب ظروف كل دعوى على حدتها. فأينما لمس هذه الضرورة كان تصديه للمسألة جائزاً. وأما عدم المساس بأصل الحق فليس المقصود به عدم احتمال لحوق ضرر ما بأحد الطرفين بل إن الضرر قد يكون محتملاً بل قد لا يقبل علاجاً أو إصلاحاً، لأن ولاية الفصل في الأمور المستعجلة هي ولاية قضائية في أساسها، والقضاء الكامل في مباشرتها وإن كان لا يفصل في أصل الحق إلا أنه يحميه مؤقتاً من تحسس من تقديره لعناصر النزاع أن أحد الطرفين هو الأولى بالحماية فينشئ بينهما مركزاً وقتياً يسمح بتحميل المواعيد والإجراءات التي يقتضيها الفصل في الموضوع فهو ليس ممنوعاً من بحث الحقوق المتنازع عليها ومدى آثارها. بل له في هذا سلطات تقدير مطلق وإنما هو مقيد لا يقرر إلا حلولاً وقتية لتحفظ تلك الحقوق حتى يفصل فيها موضوعاً. حتى ولو ترتب على تلك الحلول لحوق ضرر ما بأحد الطرفين.
ومن حيث إنه يبين من مطالعة أوراق الدعوى أن هيئة الإذاعة أرسلت إلى بنك مصر كتاباً مؤرخاً 10 من سبتمبر سنة 1961 ترجو فيه سرعة موافاتها بقيمة خطابات الضمان أرقام 835/ 59، 878/ 60 و1261/ 60 وتنتهي كلها في 7 من سبتمبر سنة 1963. وذلك في مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام من تاريخ استلام الكتاب المذكور. ثم أرسلت هيئة الإذاعة إلى بنك مصر كتاباً مؤرخاً 13 من سبتمبر سنة 1961 جاء فيه: "بالإحالة إلى العقد المبرم بين هيئة الإذاعة وشركة علي إبراهيم علي وأولاده عن تنفيذ الأعمال الاعتيادية لمبنى الإذاعة والتلفزيون المتنازل بقيمتها لكم بموجب تنازل رقم 4032 بتاريخ 19 من أكتوبر سنة 1959. نتشرف بالإحاطة أنه قد تقرر سحب العملية موضوع العقد من الشركة المذكورة وفقاً لصورة كتاب الهيئة المرفق طيه. برجاء التفضل بالإحاطة مع موافاتنا بموافقتكم على استمرار صلاحية خطابات الضمان رقم 835/ 59، 878/ 60 و1261/ 60 الخاصة بالعملية بحيث يكون طلب قيمتها تحت تصرف الهيئة بالكامل في أي وقت تشاء لحين تبين الموقف النهائي للعملية بالنسبة لما تم تنفيذه ولما سيجرى تنفيذه على حسابه. وفي حالة عدم الموافقة على وضع قيمة خطابات الضمان المذكورة بالكامل تحت تصرف الهيئة في أي وقت تشاء. نرجو التفضل باتخاذ اللازم نحو موافاتنا بقيمتها فوراً". فأجاب البنك على هذا الكتاب بكتاب مؤرخ 17 من سبتمبر سنة 1961 بأن تعهداته بالنسبة لخطابات الضمان المذكورة ما زالت سارية المفعول لصالح هيئة الإذاعة تدفع لها عند أول طلب منها رغم أية معارضة في ذلك من قبل المقاول المذكور طبقاً للشروط المبينة بكل خطاب ضمان. وبكتاب مؤرخ 10 من يونيه سنة 1962 أبلغ بنك مصر المدعي أن إذاعة الجمهورية العربية المتحدة بالقاهرة طالبت بسداد قيمة خطابات الضمان المذكورة في مدة لا تتجاوز ثلاثة أيام من تاريخ الكتاب المشار إليها. مع رجاء تسوية حسابه الجاري طرف البنك بما يسمح بسداد خطابات الضمان المشار إليها وإلا يضطر البنك لدفع قيمتها والرجوع عليه بالقيمة والمصاريف والعمولات وكافة الملحقات وفقاً لتعهده.
ومن حيث إنه ولئن لم تكن تبدو ثمة شبهة في أن عقد المقاولة كان يخول هيئة الإذاعة الحق المطلق في طلب صرف قيمة خطابات الضمان فوراً في أي وقت تشاء إلا أنه يبدو من طلب الهيئة بتاريخ 10 من سبتمبر سنة 1961 صرف قيمة خطابات الضمان فوراً ثم عدولها عن ذلك الطلب بعد ثلاثة أيام وطلبها استمرار صلاحية خطابات الضمان للصرف لحين تبين الموقف النهائي للعملية بالنسبة لما تم تنفيذه ولما سيجرى تنفيذه على حساب المدعي وإجابة البنك باستمرار صلاحية خطابات الضمان للصرف حتى يوم 7 من سبتمبر سنة 1963. ثم انتظار الهيئة بعد ذلك بمدة تقرب من تسعة أشهر دون أن تطلب صرف قيمة خطابات الضمان فوراً - يبدو من مجموع ذلك - بحسب الظاهر وبغير مساس بأصل الحق - أن ثمة تعديلاً طرأ على عقد المقاولة تعديلاً مؤداه تعهد هيئة الإذاعة بإعطاء مهلة لصالح المقاول تلتزم خلالها الهيئة بعدم طلب صرف قيمة خطابات الضمان فوراً لحين تبين الموقف النهائي للعملية بالنسبة لما تم تنفيذه ولما سيجرى تنفيذه على حسابه بشرط استمرار صلاحية خطابات الضمان للصرف خلال تلك المهلة.
ومن حيث إن مثل ذلك التعديل لعقد المقاولة جائز قانوناً لأنه يبدو أن عقد المقاولة لا يزال قائماً لم يفسخ، وأنه ولئن كان العمل قد سحب من المقاول. وكانت هيئة الإذاعة قد قامت بالتنفيذ على حسابه، والتنفيذ على حساب المقاول بعد سحب العمل منه يفترض قيام عقد المقاولة، كما أن هيئة الإذاعة تملك مثل هذا التعديل، فإن هو إلا استعمال للسلطة التقديرية التي خولها إياها عقد المقاولة ولائحة المناقصات والمزايدات في خصوص الوقت الذي تراه ملائماً لطلب صرف قيمة خطابات الضمان.
ومن حيث إن ذلك التعديل لا مساس له بخصائص خطابات الضمان من وجوب عدم اقتران الصرف فيها بأي قيد أو شرط. فالتعديل كما يبدو طرأ على عقد المقاولة وليس على خطابات الضمان بل إنه لا يمكن أن يكون له قانوناً أي أثر على خطابات الضمان من حيث شروط التزام البنك ذلك أن ضمان البنك لا يعتبر عقداً بينه وبين المستفيد من خطابات الضمان، ولذلك فإنه لا يشترط لإلزام البنك أن يقبل المستفيد الخطابات، وإنما يلتزم البنك نهائياً بمجرد إصدار الخطابات. وإذا كان المستفيد في مطالبته للبنك يفيد من عدم اقتران الصرف في خطابات الضمان بأي قيد أو شرط فليس مرد ذلك أنه طرف في عقد بينه وبين ذلك، وإنما لأن ذلك هو التزام البنك الذي أنشأته خطابات الضمان لصالح المستفيد، فخطابات الضمان وحدها هي التي تحكم العلاقة بين البنك والمستفيد وأنه ولئن كان يترتب على ذلك أن المقاول لا يملك الاحتجاج بأثر مثل ذلك التعديل ضد البنك إلا أنه ثمة علاقة أخرى في خصوص خطابات الضمان بين المستفيد والمقاول. وهذه العلاقة الأخرى هي التي يحكمها عقد المقاولة وهي مستقلة تماماً عن العلاقة بين البنك والمستفيد. وبمقتضى عقد المقاولة بعد إذ طرأ عليه مثل ذلك التعديل يجوز للمقاول الاحتجاج بأثره ضد المستفيد فالخصم الحقيقي في مثل هذه المنازعة هو المستفيد من خطابات الضمان وليس البنك. وبديهي أنه لا يثور في مثل هذه المنازعة اعتراض الذي يثور في حالة العجز على حق المستفيد في التنفيذ، من أنه يعطل الميزة الجوهرية لخطابات الضمان وهي اطمئنان رب العمل إلى دفع البنك فوراً بمجرد الطلب. وبديهي أنه لا يثور في مثل هذه المنازعة لأن رب العمل هو الذي ارتضى بمطلق إرادته تقييد حقه في طلب الصرف فوراً. وغنى عن البيان أن خطاب الضمان ليس مثل الشيك أداة وفاء وإنما هو أداة ضمان، فطبيعة خطاب الضمان تختلف عن طبيعة الشيك، إذ أن خطاب الضمان شخصي ولا يجوز للمستفيد تظهيره إلى غيره أو التنازل عنه لأي شخص بأي طريق وبالتالي فليست له أية قيمة ذاتية إلا لشخص المستفيد.
ومن حيث إنه على هدي ما تقدم لما كان لا يبدو أن الموقف النهائي للعملية قد تبين بالنسبة لما تم تنفيذه ولما سيجرى تنفيذه على حساب المدعي، ولما كانت خطابات الضمان لا تزال سارية المفعول وقد امتدت بتاريخ 25 من يونيه سنة 1963 صلاحيتها للصرف حتى يوم 30 من يونيه سنة 1964. (حافظة لمستندات المدعي رقم 11 دوسيه) ثم امتدت بتاريخ 18 من يوليه سنة 1963 صلاحيتها للصرف لمدد أخرى حتى يتم الفصل في النزاع القائم بين الهيئة والمدعي رضاء أو قضاء بحكم نهائي (حافظة المدعي المقدمة بجلسة اليوم) ولما كان لا يبدو أن ائتمان المدعي قد تعرض أخيراً لما يبرر إسقاط الأجل بل الذي يبدو هو أن المدعي قد أفلح في امتداد صلاحية خطابات الضمان للصرف ولا يزال المدعي يتحدى هيئة الإذاعة بدائنيته لها بقيمة أعمال تمت حوالي نصف قيمة خطابات الضمان. وبآلات وأدوات ومهمات تركها في موقع العمل ولما كان الاستعجال قائماً يتمثل في خطر الإفلاس الداهم الذي يتعرض له المدعي أن قيمة خطابات الضمان صرفت فوراً فيرجع عليه البنك بهذه القيمة الضخمة - لما كان ذلك فإنه يبدو - بحسب الظاهر وبغير مساس بأصل الحق - أن المدعي هو الأولى بالحماية المؤقتة بيد أنه لما كانت أفضلية المدعي للحماية المؤقتة تقوم على ما بدا من تعديل طرأ على عقد المقاولة يمهل صرف خطابات الضمان إلى حين تبين الموقف النهائي للعملية. لذلك فإنه يتعين القضاء بتعديل الحكم المطعون فيه إلى وقف تنفيذ سحب هيئة الإذاعة لقيمة خطابات الضمان أرقام 835/ 59، 1261/ 60، 878/ 60 من بنك مصر لحين تبين الموقف النهائي للعملية بالنسبة لما تم تنفيذه ولما سيجرى تنفيذه على حساب المدعي مع إبقاء الفصل في المصروفات.

فلهذه الأسباب

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه إلى وقف تنفيذ سحب هيئة الإذاعة لقيمة خطابات الضمان المبينة بالأسباب لحين تبين الموقف النهائي للعملية بالنسبة لما تم تنفيذه ولما سيجرى تنفيذه على حساب المدعي وأبقت الفصل في المصروفات.