مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 499

(67)
جلسة 17 من فبراير سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين محمد السعيد المستشارين.

القضية رقم 116 لسنة 11 القضائية

( أ ) موظف "تعيين. تكليف" اعتبار التكليف أداة استثنائية للتعيين في الوظائف العامة - أثره.
(ب) موظف "موظف مؤقت". "تأديب". ميزانية - مناط دائمية الوظيفة أو عدم دائميتها في ظل العمل بأحكام القانون رقم 210 لسنة 1951 هو وصف الوظيفة في الميزانية - الدرجات الناتجة عن تقسيم اعتماد مؤقت تأخذ حكمه وتتصف بالتأقيت - الموظفون المعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة يخضعون في تأديبهم لأحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 31 من ديسمبر سنة 1952 تنفيذاً لنص المادة 26 من القانون رقم 210 لسنة 1951 - اختصاص رئيس المصلحة أو وكيل الوزارة بتوقيع العقوبات عليهم - المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية جاءت متسقة مع هذا الوضع - عدم اختصاص المحاكم التأديبية بمحاكمتهم.
(جـ) موظف "موظف مؤقت". "تأديب" عاملون مدنيون بالدولة. محكمة تأديبية "اختصاصها". معيار التمييز بين الوظائف الدائمة والمؤقتة طبقاً لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 هو طبيعة العمل - سريان أحكام هذا القانون كأصل عام على العاملين المعينين في الوظائف الدائمة والمؤقتة على السواء ما لم ينص صراحة على تقييد العمومية والشمول أو قصرها على نوع من الوظائف دون سواها - الفصل التاسع من القانون المذكور الخاص بالتحقيق مع العاملين وتأديبهم يسري على المعينين على وظائف مؤقتة - أثر ذلك - اختصاص المحاكم التأديبية بالنظر في القضايا التأديبية المقامة ضد العاملين بلا استثناء - اعتبار ذلك تعديلاً للمادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 - النص في المادة السادسة من قرار رئيس الجمهورية بقواعد وشروط وأوضاع نقل العاملين إلى الدرجات المعادلة لدرجاتهم الحالية على استمرار العاملين المعينين بربط ثابت أو مكافآت بوضعهم الحالي إلى أن تتم تسوية حالاتهم أو يوضعون على درجات - لا أثر له على مركزهم القانوني المستمد من أحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 والذي من شأنه إخضاعهم لاختصاص المحاكم التأديبية [(1)].
(د) اختصاص "اختصاص المحاكم التأديبية". قانون "قانون معدل للاختصاص" موظف "موظف مؤقت" "تأديب". القانون رقم 46 لسنة 1964 - تعديله اختصاص المحاكم التأديبية بسحب ولايتها على العاملين الشاغلين لوظائف مؤقتة - من القوانين الإجرائية - سريانه بأثر مباشر على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل به - لا مجال لإعمال حكم الفقرة الأولى من المادة الأولى من قانون المرافعات في هذا الشأن - أساس ذلك.
1 - إن التكليف أداة استثنائية خاصة للتعيين في الوظائف العامة وفقاً لأحكام القوانين واللوائح الصادرة في هذا الشأن فإذا تم شغل الوظيفة العامة بهذه الأداة انسحب المركز الشرطي الخاص بالوظيفة على المكلف بجميع التزاماتها ومزاياها في الحدود التي نصت عليها القوانين المشار إليها وأصبح بهذه المثابة وفي هذا الخصوص شأنه شأن غيره من الموظفين.
2 - إن المادة الرابعة من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة تنص على أن "الوظائف الداخلة في الهيئة إما دائمة أو مؤقتة حسب وصفها الوارد في الميزانية" وبهذه المثابة كان وصف الوظيفة في الميزانية هو مناط دائمية الوظيفة أو عدم دائميتها. ولما كان الثابت أن المطعون ضده شغل درجة سادسة بميزانية الباب الثالث في السنة المالية 1958/ 1959 وكانت اعتمادات هذا الباب من ميزانية الوزارات موقوتاً تطبيقها بالغرض الذي أدرجت من أجله وهو تنفيذ بعض الأعمال الجديدة، فإذا ما قسم جزء من أحد هذه الاعتمادات إلى درجات لتعيين بعض العاملين اللازمين لتنفيذ هذه الأعمال، فإن هذه الدرجات تأخذ بدورها حكم الاعتماد ذاته وتتصف بالتأقيت، وعلى هذا تكون الدرجة السادسة التي شغلها المطعون ضده مؤقتة، ويكون المطعون ضده وقد شغل هذه الدرجة بطريق التكليف لمدة سنتين قابلتين للامتداد بمثابة موظف مؤقت شاغل لوظيفة مؤقتة.
كما أن المادة 26 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة الذي في ظله صدر أمر تكليف المطعون ضده وأحيل إلى المحاكمة التأديبية كانت تنص على أن "تسري على الموظفين المؤقتين الشاغلين وظائف دائمة جميع الأحكام الواردة في هذا القانون أما الموظفون المعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة فأحكام توظيفهم وتأديبهم وفصلهم يصدر بها قرار من مجلس الوزراء...." وقد أصدر مجلس الوزراء في 31 من ديسمبر سنة
1952 هذا القرار ونص في الفقرة الثانية من عقد تعيين الموظف المؤقت على تخويل وكيل الوزارة أو رئيس المصلحة سلطة توقيع العقوبات التأديبية ويكون قراره نهائياً فيما عدا عقوبة الفصل فتكون من سلطة الوزير وجاءت المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية متسقة مع هذا المنطق فقضت بأن "تختص بمحاكمة الموظفين المعينين على وظائف دائمة عن المخالفات المالية والإدارية محاكم تأديبية تشكل على الوجه الآتي..." وقد كان من مقتضى هذه الأحكام أن يخضع المطعون ضده باعتباره موظفاً مؤقتاً شاغلاً لوظيفة مؤقتة لأحكام قرار مجلس الوزراء المشار إليه في شأن تأديبه ولا تختص المحاكم التأديبية بمحاكمته.
3 - استحدث القانون رقم 46 لسنة 1964 بالنسبة للوظائف الدائمة أو المؤقتة تنظيماً جديداً مغايراً لما كان يقضي به القانون الملغي رقم 210 لسنة 1951 سالف الذكر فأخذ بمعيار طبيعة العمل في تعريف كل من الوظائف الدائمة والمؤقتة فعرف في المادة الثالثة منه الوظائف الدائمة بأنها تلك التي تقتضي القيام بعمل غير محدد بزمن معين أما الوظيفة المؤقتة فهي التي تقتضي القيام بعمل مؤقت ينتهي في زمن محدد أو تكون لغرض مؤقت وإدراج هذين النوعين من الوظائف في جدول الدرجات المرافق للقانون دون تفرقة بينهما فنص في المادة الرابعة على أن "تنقسم الوظائف العامة الدائمة والمؤقتة إلى اثنتى عشرة درجة كما هو مبين بالجدول المرافق وذلك فيما عدا وظائف وكلاء الوزارات والوظائف الممتازة، وأخضع القانون في المادة الثانية منه شاغلي الوظائف الدائمة والمؤقتة جميعهم لأحكامه دون ما استثناء على غير ما كان يذهب إليه القانون رقم 210 لسنة 1951 المذكور فنصت على أن "يعتبر عاملاً في تطبيق أحكام هذا القانون كل من يعين في إحدى الوظائف الدائمة أو المؤقتة بقرار من السلطة المختصة" وباستقراء نصوص القانون رقم 46 لسنة 1964 يبين أنه جرى في معظمها على إيراد لفظ عامل ووظيفة مطلقاً دون تخصيص وفي باقي النصوص يجري على تخصيصه كما هو الشأن في المادة 73 التي تنص على جواز إحالة العامل المعين على وظيفة دائمة إلى الاستيداع والفقرة الثامنة من المادة 73 التي تقرر انتهاء خدمة العامل بسبب إلغاء الوظيفة المؤقتة دلالة ذلك أن أحكام هذا القانون تسري كأصل عام على العاملين المعينين في الوظائف الدائمة والمؤقتة على السواء وذلك ما لم ينص صراحة على تقييد عموميتها وشمولها أو قصرها على نوع من الوظائف دون الآخر.
ويبين من استعراض نصوص الفصل التاسع من القانون رقم 46 لسنة 1964 الخاص بالتحقيق مع العاملين وتأديبهم أن المشرع أطلق فيه لفظ العاملين والوظائف دون تخصيص ومن ثم يتعين أن تفسر على عموميتها دون تفرقة بين عامل معين على وظيفة دائمة أو مؤقتة، وقد حددت المادة 63 من القانون السالف الذكر السلطات المختصة بتوقيع الجزاءات على العاملين دون تفرقة بين من يشغل منهم وظيفة دائمة أو مؤقتة وقصرت توقيع بعض الجزاءات على المحكمة التأديبية، ومن مقتضى ذلك أن المحكمة التأديبية أصبحت مختصة بالنظر في الدعاوى التأديبية العامة ضد العاملين بلا استثناء وما ينطوي على ذلك من تعديل لحكم المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بسحب اختصاص المحكمة التأديبية في توقيع الجزاء على العاملين الذين يشغلون وظائف مؤقتة أسوة بمن شغل منهم وظيفة دائمة ولا ينال من ذلك ما تقضي به المادة السادسة من قرار رئيس الجمهورية رقم 2264 لسنة 1964 بقواعد وشروط وأوضاع نقل العاملين إلى الدرجات المعادلة لدرجاتهم الحالية من أن "يستمر العاملون المعينون بربط ثابت أو مكافآت بوضعهم الحالي إلى أن يتم تسوية حالاتهم أو يضعون على درجات" ذلك أن إرجاء تسوية حالة العامل المعين بمكافأة شاملة والشاغل لوظيفة مؤقتة شأن المطعون ضده لا أثر له على مركزه القانوني المعتمد من أحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 والذي من شأنه أن يخضعه لاختصاص المحكمة التأديبية.
4 - إن القانون رقم 46 لسنة 1964 وقد عدل اختصاص المحكمة التأديبية على هذا النحو بسحب ولايتها على العاملين الشاغلين لوظائف مؤقتة بعد أن كانت غير مختصة بذلك في ظل القانون رقم 210 لسنة 1951 فإنه يعتبر في هذا الشأن من القوانين الإجرائية التي تسري طبقاً لحكم المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية بأثر مباشر على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها، ولا مجال لإعمال حكم الفقرة الأولى من هذه المادة التي تستثنى من هذه القاعدة القوانين المعدلة للاختصاص متى كان تاريخ العمل بها بعد إقفال باب المرافعة في الدعوى ذلك أن المراد بالقوانين المعدلة للاختصاص في هذا الصدد تلك التي من شأنها تغيير الاختصاص النوعي أو المحلي للمحكمة بسلب بعض اختصاصاتها دون تلك التي تضفي عليها اختصاصات لم تكن لها أصلاً، ففي هذه الحالة يحدث القانون أثره بمجرد نفاذه ويؤكد هذا المنطق أن المشرع إذ استهدف من حكم الفقرة الأولى المشار إليها عدم انتزاع الدعوى التي حجزت للحكم من المحكمة التي أتمت تحقيقها وسمعت المرافعة فيها فإنه لا يقبل أن تتخلى المحكمة عن نظر دعوى أصبحت مختصة بها بعد إقامتها أمامها، ولما كان الأمر كذلك وقد عمل بالقانون رقم 46 لسنة 1964 أثناء نظر الدعوى التأديبية وقبل الفصل فيها فإن المحكمة التأديبية تصبح مختصة بنظرها وما كان يجوز لها والحالة هذه أن تقضي بعدم اختصاصها بنظرها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية وذلك بمراعاة أن الحكم المطعون فيه صدر في 19 من أكتوبر سنة 1964 وكان اليوم المكمل لميعاد الطعن فيه هو 18 من ديسمبر سنة 1964 يوافق يوم جمعة ولا يتيسر اتخاذ إجراءات الطعن فيه فإن ميعاد الطعن يوقف بهذه القوة القاهرة ويمتد إلى اليوم التالي له وهو 19 من ديسمبر سنة 1964 وفيه أقام الطاعن طعنه.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه من أول يناير سنة 1964 أودعت النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة التأديبية لموظفي وزارة التربية والتعليم أوراق الدعوى التأديبية التي قيدت بسجل المحكمة تحت رقم 57 لسنة 6 القضائية وتقرير اتهام ضد السيد/ الفونس رزق الله عبد الملك المهندس بمكافأة شاملة (على ربط الدرجة السادسة الدائمة) بالإدارة العامة للتعليم الصناعي متضمناً اتهامه بأنه في غضون الأعوام من 1958 إلى 1963 بالإدارة العامة للتعليم الصناعي خرج على مقتضى واجب الوظيفة العامة بأن زاول أعمالاً تجارية تمثلت في فتح مكتب لأعمال المقاولات والهندسة ويكون بذلك قد ارتكب المخالفات الإدارية المنصوص عليها في المادتين 80 فقرة 2، 3 من القانون رقم 10 لسنة 1951 وطلبت النيابة الإدارية بمحاكمته بالمادتين سالفتى الذكر وتطبيقاً للمادتين 10 مكرراً ثانياً و36 من القانون المذكور.
وتقدم المتهم بمذكرة بدفاعه أشار فيها أنه مهندس مكلف بمكافأة شاملة قدرها 25 جنيهاً خصماً على الدرجة السادسة المعتمدة بميزانية الفرع الأول باب ثالث وليس على ربط الدرجة السادسة الدائمة كما جاء بتقرير الاتهام.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية تقصر اختصاص المحاكم التأديبية على محاكمة الموظفين المعينين على وظائف دائمة وأن هذا الحكم لم يتناوله القانون رقم 46 لسنة 1964 بشأن نظام العاملين المدنيين بالدولة بالتعديل أو بالإلغاء بل أبقى على التفرقة بين الوظائف الدائمة والوظائف المؤقتة التي كانت قائمة في القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة ولما كان المتهم لم يعين منذ أن التحق بالخدمة إلى أن انقطع عن عمله على وظيفة دائمة فإنه يتعين لذلك الحكم بعدم اختصاص المحاكم التأديبية بتأديبه وقضت المحكمة بعدم اختصاصها بنظر الدعوى.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله تأسيساً على أن المادة 26 من القانون رقم 210 لسنة 1951 كانت تقضي بسريان جميع الأحكام الواردة - في هذا القانون على الموظفين المؤقتين الشاغلين وظائف دائمة أما الموظفون المعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة فأحكام توظيفهم وتأديبهم وفصلهم يصدر بها قرار من مجلس الوزراء وقد صدر هذا القرار في 31 من ديسمبر سنة 1952 ونص على اختصاص الجهة الإدارية بتوقيع كافة الجزاءات بالنسبة لهؤلاء الموظفين. وقد سوى القانون رقم 46 لسنة 1964 في المادتين 5، 14 منه بين المعينين على وظائف دائمة والمعينين على وظائف مؤقتة الأمر الذي يتعين معه أن تسري أحكام هذا القانون ومن بينها أحكام التأديبية على العاملين جميعاً سواء كانوا شاغلين وظائف دائمة أو مؤقتة ولما كانت المادة 63 من القانون الأخير قد حددت مستويات بتوقيع الجزاءات وقصرت توقيع الجسيم منها على المحكمة التأديبية دون أن تفرق فيما بين الوظائف الدائمة أو المؤقتة فتكون بذلك قد أدخلت تعديلاً ضمنياً على المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بأن جعلت اختصاص المحكمة التأديبية في توقيع الجزاءات الجسيمة شاملاً العاملين الذين يشغلون وظائف مؤقتة.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة رأت في التقرير المقدم منها قبول الطعن شكلاً وفي الموضوع إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء باختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى وأقامت رأيها على أن القانون رقم 46 لسنة 1964 أخضع العاملين المؤقتين لأحكامه الموضوعية شأنهم في ذلك شأن غيرهم من العاملين بالدولة وعدل بذلك ضمناً نص المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 الذي كان يقصر اختصاص المحاكم التأديبية على الموظفين المعينين على وظائف دائمة.
ومن حيث إن شغل وظائف المهندسين عن طريق التكليف يتم وفقاً لأحكام القانون رقم 296 لسنة 1956 في شأن أوامر التكليف للمهندسين المصريين خريجي الجامعات المصرية الذي كلف المطعون ضده في ظله قبل تعديله بأن تقوم اللجنة المشكلة بالتطبيق للمادة الثانية منه بترشيح أسماء الخريجين الذين تدعو حاجة الوزارات المختلفة والهيئات والمؤسسات العامة إلى إلحاقهم بوظائفها ثم يصدر الوزير المختص أو من ينوبه أمر تكليف إلى الخريجين الذين رشحتهم اللجنة للعمل في الوظائف التي عينتها ويكون هذا الأمر نافذاً لمدة سنتين قابلة للامتداد. وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن التكليف أداة استثنائية خاصة للتعيين في الوظائف العامة وفقاً لأحكام القوانين واللوائح الصادرة في هذا الشأن فإذا تم شغل الوظيفة العامة بهذه الأداة انسحب المركز الشرطي الخاص بالوظيفة على المكلف بجميع التزاماتها ومزاياها في الحدود التي نصت عليها القوانين المشار إليها وأصبح بهذه المثابة وفي هذا الخصوص شأنه شأن غيره من الموظفين.
ومن حيث إن السيد وكيل وزارة التربية والتعليم المساعد أصدر بالتطبيق لأحكام القانون رقم 296 لسنة 1956 سالف الذكر القرار رقم 103 لسنة 1958 في 15 سبتمبر سنة 1958 بتكليف المطعون ضده بالعمل في إحدى وظائف الوزارة لمدة سنتين قابلتين للامتداد على أن يمنح مكافأة شهرية شاملة قدرها 25 جنيهاً من ربط الدرجة السادسة الفنية العالية المحجوزة له بميزانية الباب الثالث من الفرع الأول بميزانية الوزارة للسنة المالية 1958/ 1959. ثم أصدرت الوزارة في 18 من أكتوبر سنة 1960 القرار رقم 130 لسنة 1960 بتجديد تكليفه لمدة عامين آخرين من تاريخ انتهاء أمر التكليف السابق. ومؤدى حجز الدرجة السادسة المشار إليها للمطعون ضده وصرفه المكافأة الشهرية المقررة له من ربطها أنه قد شغلها فعلاً بطريق التكليف.
ومن حيث إن المادة الرابعة من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة كانت تنص على أن "الوظائف الداخلة في الهيئة إما دائمة وإما مؤقتة حسب وصفها الوارد في الميزانية" وبهذه المثابة كان وصف الوظيفة في الميزانية هو مناط دائمية الوظيفة أو عدم دائميتها. ولما كان الثابت أن المطعون ضده شغل درجة سادسة بميزانية الباب الثالث في السنة المالية 1958/ 1959 وكانت اعتمادات هذا الباب من ميزانية الوزارات موقوتاً تطبيقها بالغرض الذي أدرجت من أجله وهو تنفيذ بعض الأعمال الجديدة، فإذا ما قسم جزء من أحد هذه الاعتمادات إلى درجات لتعيين بعض العاملين اللازمين لتنفيذ هذه الأعمال، فإن هذه الدرجات تأخذ بدورها حكم الاعتماد ذاته وتتصف بالتأقيت. وعلى هذا تكون الدرجة السادسة التي شغلها المطعون ضده مؤقتة. ويكون المطعون ضده وقد شغل هذه الدرجة بطريق التكليف لمدة سنتين قابلتين للامتداد بمثابة موظف مؤقت شاغل لوظيفة مؤقتة.
ومن حيث إن المادة 26 من القانون رقم 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة الذي في ظله صدر أمر تكليف المطعون ضده وأحيل إلى المحكمة التأديبية كانت تنص على أن "تسري على الموظفين المؤقتين الشاغلين وظائف دائمة جميع الأحكام الواردة في هذا القانون أما الموظفون المعينون على وظائف مؤقتة أو لأعمال مؤقتة فأحكام توظيفهم وتأديبهم وفصلهم يصدر بها قرار من مجلس الوزراء..." وقد أصدر مجلس الوزراء في 31 من ديسمبر سنة 1952 هذا القرار ونص في الفقرة الثانية من عقد تعيين الموظف المؤقت على تخويل وكيل الوزراء أو رئيس المصلحة سلطة توقيع العقوبات التأديبية ويكون قراره نهائياً فيما عدا عقوبة الفصل فتكون من سلطة الوزير وجاءت المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية متسقة مع هذا المنطق فقضت بأن "تختص بمحاكمة الموظفين المعينين على وظائف دائمة عن المخالفات المالية والإدارية محاكم تأديبية تشكل على الوجه الآتي......" وقد كان من مقتضى هذه الأحكام أن يخضع المطعون ضده باعتباره موظفاً مؤقتاً شاغلاً لوظيفة مؤقتة لأحكام قرار مجلس الوزراء المشار إليه في شأن تأديبه ولا تختص المحاكم التأديبية بمحاكمته.
ومن حيث إنه في غضون نظر الدعوى التأديبية صدر القانون رقم 46 لسنة 1964 بإصدار قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة وعمل به اعتباراً من أول يوليه 1964 وقد استحدث هذا القانون بالنسبة للوظائف الدائمة والمؤقتة تنظيماً جديداً مغايراً لما كان يقضي به القانون الملغي رقم 210 لسنة 1951 سالف الذكر فأخذ بمعيار طبيعة العمل في تعريف كل من الوظائف الدائمة والمؤقتة فعرف في المادة الثالثة منه الوظائف الدائمة بأنها تلك "التي تقتضى القيام بعمل غير محدد بزمن معين" "أما الوظيفة المؤقتة فهي التي تقتضي القيام بعمل مؤقت ينتهي في زمن محدد أو تكون لغرض مؤقت" وأدرج هذين النوعين من الوظائف في جدول الدرجات المرافق للقانون دون تفرقة بينهما فنص في المادة الرابعة على أن "تنقسم الوظائف العامة الدائمة أو المؤقتة إلى اثنتى عشرة درجة كما هو مبين بالجدول المرافق وذلك فيما عدا وظائف وكلاء الوزارات والوظائف الممتازة، وأخضع القانون في المادة الثانية منه شاغلي الوظائف الدائمة والمؤقتة جميعهم لأحكامه دون ما استثناء على غير ما كان يذهب إليه القانون رقم 210 لسنة 1951 المذكور فنصت على أن "يعتبر عاملاً في تطبيق أحكام هذا القانون كل من يعين في إحدى الوظائف الدائمة أو المؤقتة بقرار من السلطة المختصة". وباستقراء نصوص القانون رقم 46 لسنة 1964 يبين أنه جرى في معظمها على إيراد لفظ عامل ووظيفة مطلقاً دون تخصيص وفي باقي النصوص يجري على تخصيصه كما هو الشأن في المادة 73 التي تنص على جواز إحالة العامل المعين على وظيفة دائمة إلى الاستيداع والفقرة الثامنة من المادة 77 التي تقرر انتهاء خدمة العامل بسبب إلغاء الوظيفة المؤقتة ودلالة ذلك أن أحكام هذا القانون تسري كأصل عام على العاملين المعينين في الوظائف الدائمة والمؤقتة على السواء وذلك ما لم ينص صراحة على تقييد عموميتها وشمولها أو قصرها على نوع من الوظائف دون الآخر.
ومن حيث إنه تبين من استعراض نصوص الفصل التاسع من القانون رقم 46 لسنة 1964 الخاص بالتحقيق مع العاملين وتأديبهم أن المشرع أطلق فيه لفظ العاملين والوظائف دون تخصيص ومن ثم يتعين أن تفسر على عموميتها دون تفرقة بين عامل معين على وظيفة دائمة أو مؤقتة، وقد حددت المادة 63 من القانون السالف الذكر السلطات المختصة بتوقيع الجزاءات على العاملين دون تفرقة بين من يشغل منهم وظيفة دائمة أو مؤقتة وقصرت توقيع بعض الجزاءات على المحكمة التأديبية، ومن مقتضى ذلك أن المحكمة التأديبية أصبحت مختصة بالنظر في الدعاوى التأديبية المقامة ضد العاملين بلا استثناء وما ينطوي على ذلك من تعديل لحكم المادة 18 من القانون رقم 117 لسنة 1958 بسحب اختصاص المحكمة التأديبية في توقيع الجزاءات على العاملين الذين يشغلون وظائف مؤقتة أسوة بمن يشغل منهم وظيفة دائمة. ولا ينال من ذلك ما تقضى به المادة السادسة من قرار رئيس الجمهورية رقم 2264 لسنة 1964 بقواعد وشروط وأوضاع نقل العاملين إلى الدرجات المعادلة لدرجاتهم الحالية من أن "يستمر العاملون المعينون بربط ثابت أو مكافآت بوضعهم الحالي إلى أن يتم تسوية حالاتهم أو يوضعون على درجات" ذلك أن إرجاء تسوية حالة العامل المعين بمكافأة شاملة والشاغل لوظيفة مؤقتة شأن المطعون ضده لا أثر له على مركزه القانوني المستمد من أحكام القانون رقم 46 لسنة 1964 والذي من شأنه أن يخضعه لاختصاص المحكمة التأديبية.
ومن حيث إن القانون رقم 46 لسنة 1964 وقد عدل اختصاص المحكمة التأديبية على هذا النحو بسحب ولايتها على العاملين الشاغلين لوظائف مؤقتة بعد أن كانت غير مختصة بذلك في ظل القانون رقم 210 لسنة 1951 فإنه يعتبر في هذا الشأن من القوانين الإجرائية التي تسري طبقاً لحكم المادة الأولى من قانون المرافعات المدنية والتجارية بأثر مباشر على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل بها، ولا مجال لإعمال حكم الفقرة الأولى من هذه المادة التي تستثنى من هذه القاعدة القوانين المعدلة للاختصاص متى كان تاريخ العمل بها بعد إقفال باب المرافعة في الدعوى ذلك أن المراد بالقوانين المعدلة للاختصاص في هذا الصدد تلك التي من شأنها تغيير الاختصاص النوعي أو المحلي للمحكمة بسلب بعض اختصاصاتها دون تلك التي تضفي عليها اختصاصات لم تكن لها أصلاً، ففي هذه الحالة يحدث القانون أثر بمجرد نفاذه. ويؤكد هذا المنطق أن المشرع إذ استهدف من حكم الفقرة الأولى المشار إليها عدم انتزاع الدعوى التي حجزت للحكم من المحكمة التي أتمت تحقيقها وسمعت المرافعة بها فإنه لا يقبل أن تتخلى المحكمة عن نظر دعوى أصبحت مختصة بها بعد إقامتها أمامها. ولما كان الأمر كذلك وقد عمل بالقانون رقم 46 لسنة 1964 أثناء نظر الدعوى التأديبية وقبل الفصل فيها فإن المحكمة التأديبية تصبح مختصة بنظرها وما كان يجوز لها والحالة هذه أن تقضي بعدم اختصاصها بنظرها وإذ هي قضت بذلك فإنها تكون قد خالفت صحيح القانون الأمر الذي يتعين معه إلغاء حكمها والقضاء باختصاصها بنظر الدعوى التأديبية وإعادتها إليها للفصل فيها.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة التأديبية للعاملين بوزارة التربية والتعليم بنظر الدعوى وبإعادتها إليها للفصل فيها.


[(1)] انظر حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في القضية رقم 1631 لسنة 10 ق بجلسة 23 من ديسمبر سنة 1967.