مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 625

(83)
جلسة 2 من مارس سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين السعيد ومحمد بهجت محمود عتيبه المستشارين.

القضية رقم 882 لسنة 10 القضائية

( أ ) عقد إداري "عقد توريد". وجوب إعمال أحكام الغلط التي أوردها القانون المدني في شأن العقود الإدارية لعدم تعارضها مع الأسس العامة التي تقوم عليها هذه العقود - شروط الغلط الذي يعيب العقد.
(ب) عقد إداري - حق الجهة الإدارية في تعديل شروط العقد وإضافة شروط جديدة إليها بما يتراءى لها أنه أكثر اتفاقاً مع الصالح العام، كما أن لها سلطة إنهاء العقد إذا ما قدرت أن هذا الإجراء يقتضيه الصالح العام - ليس للمتعاقد معها الاجتماع بقاعدة العقد شريعة المتعاقدين - ليس له إلا الحق في التعويضات إن كان لها وجه.
1 - إن الغلط في الشيء المبيع أو في محل التوريد الذي من شأنه أن يعيب الإرادة ويؤثر في صحة العقد ويجيز للمتعاقد الذي وقع فيه أن يطلب إبطال العقد بسببه، يشترط فيه طبقاً لحكم المادتين 120، 121 من القانون المدني أن يكون جوهرياً ويكون كذلك إذا بلغ حداً من الجسامة بحيث يمتنع معه المتعاقد عن إبرام العقد لو لم يقع في هذا الغلط ويعتبر الغلط جوهرياً إذا وقع في صفة للشيء جوهرية في نظر المتعاقدين أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف ولما ينبغي في التعامل من حسن النية، فإذا لم يكن ثمة غلط في الصفة الجوهرية التي كانت محل اعتبار المتعاقدين في الشيء وكانت ذاتية هذا الشيء معروفة للمتعاقدين عند التعاقد على وجه محقق وتوافقت إرادة الطرفين على قبوله وهي على بينة من حقيقته فإنه لا يجوز إبطال العقد للغلط. أما الشرط الثاني الذي يتوافر الغلط به فهو أن يتصل بهذا الغلط الجوهري المتعاقد الآخر فلا يستقل به أحد المتعاقدين. وأحكام الغلط التي أوردها القانون المدني على هذا النحو لا تتعارض مع الأسس العامة للعقود الإدارية ومن ثم يتعين الأخذ بها.
2 - إن العقود الإدارية تتميز عن العقود المدنية بطابع خاص مناطه احتياجات المرفق الذي يستهدف العقد تسييره وتغليب وجه المصلحة العامة على مصلحة الأفراد الخاصة ويترتب على ذلك أن للإدارة سلطة الإشراف والتوجيه على تنفيذ العقود الإدارية ولها دائماً حق تغيير شروط العقد وإضافة شروط جديدة بما قد يتراءى لها أنه أكثر اتفاقاً مع الصالح العام دون أن يحتج الطرف الآخر بقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين، كما يترتب عليها كذلك أن للإدارة دائماً سلطة إنهاء العقد إذا قدرت أن هذا هو ما يقتضيه الصالح العام، ولا يكون للطرف الآخر إلا الحق في التعويضات إن كان لها وجه حق، وذلك كله على خلاف الأصل في العقود المدنية التي لا يجوز للطرف الآخر أن يستقل بتعديل شروطها أو فسخها أو إنهائها دون إرادة الطرف الآخر، وإذا ما لجأت الجهة الإدارية إلى إنهاء العقد على هذا النحو وفقاً لهذه الأسس فإن العقد ينحل ويعتبر كأن لم يكن ويعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد فيرد كل منهما إلى الآخر ما تسلمه فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أن السيد/ أحمد علي زهران أقام الدعوى رقم 741 لسنة 13 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد السيد/ وزير الصحة طالباً الحكم بصفة مستعجلة بانتداب خبير فني في صناعة الزجاج للقيام بفحص العينة والبضاعة التي وردها وبيان مدى المطابقة والخلاف بينهما ونسبة الخلاف إن وجد ومدى تأثيره على الصنف المورد من حيث الوفاء بالغرض الذي أعدت من أجله مع إلزام الوزارة بأن تدفع له مبلغ 2890 جنيهاً قيمة الزجاج المورد والتعويض والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة بحكم مشمول بالنفاذ العاجل وبلا كفالة.
وقال المدعي بياناً لدعواه إن إدارة المشتريات بمصلحة المخازن بوزارة الصحة طرحت مناقصة توريد 135000 قطعة زجاجية للبصق سعة 25 سم حسب العينة المقدمة وقد رست عليه بمبلغ 1890 جنيهاً وأبلغ بذلك في 21 من يونيه سنة 1958 وقام بتوريد الكمية المطلوبة في سنة 1958 قبل الموعد المحدد بشهرين ولكن الجهة الإدارية لم تقم بصرف مستحقاته إليه وفاجأته بكتابتها المؤرخ في 17 من فبراير سنة 1959 بأن يقوم بسحب الكميات الموردة منه بدعوى مخالفتها للعينة. وقد تبين له أن سبب رفض هذه البضاعة هو عدم الاحتياج إليها وذلك على ما هو واضح بملف العملية، وأن المختصين أرادوا إسباغ ظل من الوهم على سبب الرفض فزعموا أنها غير مطابقة للعينة. وأشار إلى أن هذه البضاعة لا يمكن تصريفها في السوق وقد صنعت خصيصاً للوزارة الأمر الذي أضر به ضرراً بليغاً يحق له معه أن يطالب بقيمة هذه المباصق مضافاً إليها مبلغ ألف جنيه تعويضاً عما لحقه من أضرار نتيجة تعطل رأسماله بلا سبب مشروع وبطريقة العنت.
وبجلسة 17 من يونيه سنة 1962 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكماً تمهيدياً وقبل الفصل في الموضوع بندب خبير من مكتب الخبراء بوزارة العدل لبيان ما إذا كانت الأصناف الموردة مطابقة للعينة المتعاقد على أساسها أو مختلفة عنها ومقدار هذا الاختلاف ومدى أثره على صلاحية الأصناف للاستعمال. وقد أعاد مكتب الخبراء ملف الدعوى معتذراً عن أداء المأمورية لعدم وجود خبير مختص في صناعة الزجاج ورشح الحاضر عن الوزارة المدعى عليها ثلاثة خبراء لتنتدب المحكمة أحدهم.
وبجلسة 27 من يناير سنة 1963 قضت المحكمة بندب أولهم وهو السيد الدكتور محمد أحمد عجلان المستشار بشركة النصر لصناعة الزجاج والبللور لأداء هذه المهمة وباشر الخبير المأمورية وقدم تقريره.
وعقب المدعي على تقرير الخبير قائلاً إن الخبير انتهى إلى أن النقص في سمك الأصناف الموردة وأبعادها عن العينة المقدمة - الذي أوضحته لجنة فحص التوريد بالتعيين الطبي بوزارة الصحة بمحضرها وكان سبباً في رفض التوريد - ما هو إلا اختلافات بسيطة في الأبعاد بالزيادة أو بالنقصان وأن الاختلافات جميعها في حدود المسموح به في التصنيع المحلي اليدوي ولا تؤثر في الاستعمال وأنه قد ثبت أن تحمل ما تم توريده للصدمات الميكانيكية حسنة جداً وتبين قدرته من هذه الناحية وعلى هذا الأساس يكون التوريد مطابقاً للعينة. وأشار المدعي إلى أنه غير مسئول عن عدم صلاحية التوريد للاستعمال بمصحات الأمراض الصدرية إذ لم ينص التعاقد على ذلك وهو شريعة المتعاقدين، وأنه ليس من حقه التدخل في كيفية استعمال الوزارة للأصناف التي تطلبها ولا في الأغراض المطلوبة من أجلها وأن الوزارة عند طرح هذا الصنف لم تضع مواصفات تفصيلية وافية البيان مخالفة في ذلك حكم المادة 18 من لائحة المناقصات والمزايدات لعام 1958. وقد قبل عطاؤه على أساس العينة التي تقدم بها في 30 من يناير سنة 1958 وبذلك تكون الوزارة قد أقرت صلاحية هذه العينة للغرض المطلوب الصنف من أجله وقام بتصنيع الكمية المطلوبة خصيصاً للوزارة لأن هذا الصنف غير متداول في السوق وأن في رفض التوريد ما يضره ويعرضه للخراب والإفلاس علاوة على أن مثل هذا التصرف يزعزع الثقة بالوزارة. وأضاف أنه يمكن للوزارة أن تأخذ باقتراح الخبير وتستعمل الصنف المورد في نقل عينات البصاق باعتبار أنها أفضل من الوسائل المستعملة حالياً من ناحية إمكانية تعقيمها وإعادة استعمالها مرات متتالية وصمم على طلباته.
وأجابت إدارة قضايا الحكومة بأن الصنف موضوع التداعي طرح في مناقصة عامة، ونصت شروط المناقصة على أن يكون التوريد حسب عينة قسم الصدر. وتقدم المدعي بعطائه الأول في مناقصة 30 من يناير سنة 1958 وطلب أن يكون التوريد حسب العينة المقدمة منه فلم تقبل جهة الإدارة. وألغت المناقصة وأعادت طرحها في المناقصة التي حدد لها جلسة 31 من مايو سنة 1958، وفيها تقدم المدعي على أن يكون التوريد حسب العينة المقدمة منه في مناقصة 30 من يناير سنة 1958 إلا أن لجنة البت قررت قبول عطاء المدعي على أن يكون التوريد حسب عينة قسم الصدر، وأبلغته بهذا القرار في 25 من يونيه سنة 1958. وبذلك انعقد العقد بين طرفيه على أن يكون التوريد حسب عينة الوزارة فكان لزاماً على المدعي أن يطلب من الوزارة تقديم هذه العينة ويتحقق منها قبل التعاقد أو بعده. وإذ قام المدعي بالتوريد على خلاف شروط العقد، وقررت لجنة الفحص رفض الأصناف الموردة وطلب منه سحبها فإنه يلزم بأن يرفعها فوراً على نفقته ويستبدل بها أخرى مطابقة للمواصفات وشروط العقد. ومضى الدفاع قائلاً إنه مع التسليم بأن العقد انعقد طبقاً لعينة المدعي فإن الخبير قرر أن الأصناف الموردة مخالفة للعينة كما أنه تبين للوزارة أن الصنف المورد لا يصلح بتاتاً من الناحية الفنية لتداول عينات بصاق المرضى لأنه يصعب على المريض البصق فيها وأن غطاءها غير محكم فيؤدي إلى نشر العدوى، وفضلاً عن ذلك فإن الكمية الموردة غير مطابقة للعينة التي قام المدعي بتوريدها.
وبجلسة 2 من فبراير سنة 1964 قضت محكمة القضاء الإداري بإلزام الوزارة المدعى عليها بأن تدفع إلى المدعي مبلغ 1701 جنيهاً والمصروفات المناسبة ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك، وأسست قضاءها على أن التعاقد قد تم طبقاً للعينة المقدمة من المدعي في 30 من يناير سنة 1958 من جميع الوجوه وأن الخلاف بين المباصق الموردة وبين العينة في السمك والأبعاد ما كان يحول دون قبول الوزارة لها مع تخفيض ثمنها وفقاً لحكم المادة 137 من لائحة المناقصات والمزايدات لو لا أن هذه العينة التي تم التعاقد عليها غير صالحة للغرض المتعاقد على التوريد من أجله، وأنه ولا شك قد لحق المدعي ضرر نتيجة لرفض الزجاجات التي وردها والتي صنعها خصيصاً للوزارة، ومن المشكوك فيه أن يوجد من يشتريها في السوق الحر ولا سبيل للانتفاع بها بعرضها في الأسواق الأمر الذي يستحق معه تعويضاً يقدر بمبلغ 1701 جنيهاً وهو ما يوازي ثمن الزجاجات مخفضة فيما يتناسب مع درجة مخالفتها للعينة المعتمدة أي بنسبة 10%.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله للسببين الآتيين:
أولاً: إن لجنة البت قررت قبول عطاء المطعون ضده على أن يكون حسب عينة قسم الصدر وأبلغ بهذا القرار بتاريخ 25 من يونيه سنة 1958 وبذلك يكون العقد قد انعقد بين طرفيه حسب عينة الوزارة وليس على أساس العينة التي تقدم بها المطعون ضده في مناقصة 30 من يناير سنة 1958 الملغاة دون أن يعترض المطعون ضده على ذلك، وإذ قام بالتوريد على خلاف شروط العقد وقررت لجنة الفحص رفض الأصناف الموردة فإنه يعتبر كأن لم يورد شيئاً ويلزم بأن يرفع فوراً وعلى نفقته تلك البضاعة ويستبدل بها أخرى مطابقة للمواصفات.
ثانياً: إن الأصناف الموردة مخالفة للعينة المقدمة من المطعون ضده واستندت في ذلك إلى ما أثبته الخبير من أن محتويات البصق التي تستخدم في مصحات الأمراض الصدرية لا تتشابه مع الكمية الموردة ولا يمكن النصح باستعمالها مطلقاً مكان الأكواب التي توضع بجوار نزلاء المصحات لصعوبة استعمالها كما أن الوزارة رفضت هذه الكمية لمخالفتها للمواصفات، ورغماً عن ذلك فقد قضى الحكم المطعون فيه بإلزام الوزارة الطاعنة بدفع قيمة الكمية الموردة بعد تخفيض ثمنها ولم يضع الحكم في اعتباره ما ارتكبه المطعون ضده من مخالفة تبيح لجهة الإدارة إعمال سلطتها المقررة في العقود الإدارية برفض الكمية لمخالفتها على أسوأ الفروض للعينة المقدمة من المطعون ضده طبقاً للمادة 137 من لائحة المناقصات. وانتهت من ذلك إلى أن الحكم المطعون فيه قد خالف الأصول العامة في العقود الإدارية مما يجعله خليقاً بالإلغاء.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قدمت تقريراً أبرزت فيه وجهة نظرها في الموضوع فقالت إن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون وتأويله حين قضى بأن العقد قد أبرم بين المطعون ضده والإدارة على أساس قبول التوريد وفقاً للعينة المقدمة من المطعون ضده، ذلك أن المتعاقدين في العقد محل النزاع قد وقعا معاً في هذا الغلط، وقد وقع هذا الغلط في مواصفات المباصق الزجاجية محل التعاقد ويجيز هذا الغلط إبطال العقد وإنهائه، وفي هذه الحالة يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد إن كان ذلك ممكناً فإن لم يكن كذلك جاز الحكم بتعويض عادل للمتعاقد الذي حاق به الضرر وذلك طبقاً للمادتين 130، 142 من القانون المدني. ودللت هيئة مفوضي الدولة على قيام هذا الغلط الجوهري بأن الإدارة طرحت المناقصة لتوريد الأصناف حسب عينات أقسام الصدر وقدم المطعون ضده عطاءه حسب العينة المقدمة منه هو في مناقصة 30 من يناير سنة 1958 الملغاة وعند تفريغ العطاءات تأشر قرين العطاء المقدم من المطعون ضده بأنه "مناسب حالياً على أنه يكون حسب عينة قسم الصدر" وأخطر المطعون ضده برسو العطاء عليه وأبرم العقد معه وتضمن الكشف الملحق بالعقد النص على أن الصنف المتعاقد عليه "زجاج للبصقة - سعة 25 سم3 حسب العينة المقدمة من جميع الوجوه "مناقصة 30/ 1/ 1958" الأمر الذي يتضح منه أن المتعاقدين لم يتبادلا التعبير عن إرادتين متطابقتين كل التطابق حول العينة التي لم يتم التوريد على مقتضاها. وأشار التقرير إلى أن الحكم المطعون فيه أصاب عندما استخلص بحق أن الإدارة رفضت التوريد بسبب عدم صلاحية المباصق الزجاجية الموردة للاستعمال في وحدات الأمراض الصدرية، إلا أنه أخطأ حين حملت المحكمة إنهاء العقد من جانب الإدارة على سبب عدم مطابقة التوريد للعينة المقدمة من المطعون ضده وقدرت على هذا الأساس التعويض بمبلغ 1701 جنيهاً وهو ما يوازي قيمة العقد الإجمالية مخفضة بنسبة 10% الأمر الذي ينطوي على معنى إلزام الإدارة بتنفيذ العقد الذي قررت هي إنهاءه بسبب عدم صلاحية التوريد للاستخدام في مصحات الأمراض الصدرية. وخلص التقرير إلى أن المطعون ضده قد لحقه ضرر من جراء إنهاء الإدارة لهذا العقد لعدم حاجتها للأصناف الموردة وعدم صلاحيتها للأغراض التي أجري التعاقد من أجل تحقيقها وإذ استحال عملاً إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد فإن المطعون ضده يستحق تعويضاً عادلاً بمراعاة الأخطاء المشتركة التي وقع فيها المتعاقدان تتولى المحكمة الإدارية العليا تقديره.
ومن حيث إنه يبين من استقراء الأوراق أن الوزارة الطاعنة أعلنت عن مناقصة لتوريد مباصق حسب عينة قسم الصدر وحدد لها جلسة 31 من يناير سنة 1958 وقد تقدم المطعون ضده بعطاء أرفق به عينة تكون أساساً للتوريد. ولما لم تتقدم عطاءات أخرى في هذه المناقصة فقد رأت جهة الإدارة عدم قبول عطاء المطعون ضده، وأعادت طرح الصنف في مناقصة أخرى حدد لها جلسة 31 من مايو سنة 1958 فتقدم المطعون ضده بعطائه ضمن قبوله توريد 13500 زجاجة للبصقة سعة 25 جرام حسب العينة المقدمة منه في مناقصة 30 من يناير سنة 1958 من جميع الوجوه بثمن قدره 1890 جنيهاً على أساس أن سعر الوحدة 140مليماً. واجتمعت لجنة البت وأشرت على كشف تفريغ العطاءات في 15 من يونيه سنة 1958 بأن عطاء المطعون ضده "مناسب حالياً على أن يكون التوريد حسب عينة قسم الصدر" وفي 25 من يونيه سنة 1958 وجه السيد مدير مخازن الصحة الكتاب رقم 10106 إلى المطعون ضده أخطره فيه بأن الأصناف المبينة بالكشف طيه البالغ ثمنها 1890 جنيهاً قد رسا عطاؤها عليه مبدئياً وطالبه بتكملة التأمين والحضور لسداد رسم الدمغة المستحقة وختم العينات والتوقيع على العقد، وقد حوي الكشف المرافق تحديد هذه الأصناف بأنها "زجاج للبصقة سعة 25 سم3 حسب العينة المقدمة من جميع الوجوه "مناقصة 30/ 1/ 1958". وفي 24 من أغسطس سنة 1958 أبرم عقد التوريد رقم ل 3/ 39/ 57/ 58 مناقصة 31/ 5/ 1958 بين وزارة الصحة العمومية النائب عنها السيد وكيل وزارة الصحة للشئون الطبية وبين المطعون ضده الذي تعهد في المادة الأولى منه أن يورد الأصناف المبينة بكشف الأصناف والمواصفات المرافق والموقع عليه من الطرفين بالأسعار الواردة به وأشارت المادة الثالثة إلى أن المتعهد ورئيس لجنة فحص العطاءات قد وقعا على العينات التي يجب التوريد على مقتضاها وتضمن الكشف المرافق أيضاً أن الأصناف المتعاقد عليها 13500 "زجاج للمبصقة سعة 25 سم3 حسب العينة المقدمة من جميع الوجوه "مناقصة 30/ 1/ 1958" بثمن قدره 1890 جنيهاً. وقد أثبت الخبير الذي انتدبته محكمة القضاء الإداري لفحص العينة والأصناف الموردة في محضر المعاينة الذي أجراه أنه وجد على كل من وعاء البصق وغطائه ورقة لاصقة مكتوب عليها "عينة مبصقة من مصنع زهران في العطاء المحدد له يوم 30/ 1/ 1958" والتوقيع زهران كما وجد مكتوباً بالقلم الأزرق عبارة "عينة مقبولة لمناقصة 13/ 5/ 1958 ومذيلة بتوقيعين مشابهين للتوقيعات الواردة على كشوف تفريغ المناقصة. وقام المتعهد بتوريد 10500 زجاجة في 16 من سبتمبر سنة 1958 انعقدت لجنة فحص الأصناف الموردة وتبين لها أنها لا تصلح للغرض المطلوب من أجله، فضلاً عن أنه لا توجد عينة مقدمة من قسم الأمراض الصدرية كما جاء بدفتر التفريغ وأن العينة المعتمدة من المتعهد لا تصلح بوحدات قسم الأمراض الصدرية حسب ما أوضحه السيد وكيل مستشفى الأمراض الصدرية بالعباسية ورئيس اللجنة، ورأت هذه اللجنة عرض الأمر على لجنة العقود التي قامت بالبت في هذا الصنف. وفي 30 من سبتمبر سنة 1958 انعقدت لجنة البت وقررت أنها قبلت عطاء التعهد على أن يكون حسب عينة قسم الصدر وأنه كان من الواجب أن يتم التعاقد على هذا الأساس ورأت هذه اللجنة أنه إذا كان التوريد لا يفي بالغرض يرفض. وفي 27 من نوفمبر سنة 1958 عادت لجنة الفحص إلى الانعقاد وأثبتت أن مستشفى الصدر بالعباسية أفاد بكتابه المؤرخ 20 من نوفمبر سنة 1958 بعدم وجود زجاج للمبصقة سعة 25 سم3 المتعاقد عليها وأنه بالرجوع إلى الكتالوجات العالمية وجد بكتالوج "جالن كامب" الشكل رقم 7510 يماثل العينة بعد وضع سدادة فللين تحت الغطاء الزجاجي، وأضافت أن التوريد من زجاج خفيف كثيراً عن العينة، ودرجة الاحتمال بالتالي أقل من درجة احتمال العينة المعتمدة. وفي 14 من فبراير سنة 1959 أشر السيد المفتش بمصلحة الأمراض الصدرية بأن المصلحة ترفض الصنف نظراً لأنه لم يؤخذ رأيها في مواصفاته وأن الصنف المورد لا يصلح كمبصقة وليس له وجه للانتفاع به في وحدات المصلحة - وفي التاريخ آنف الذكر أشارت لجنة الفحص إلى أن الصنف طرح على مواصفات مجلس الخدمات لزوم الدرن، وإنه نظراً لأن التوريد من زجاج خفيف كثيراً عن العينة المعتمدة ودرجة الاحتمال بالتالي أقل من درجة احتمال العينة المعتمدة، ولعدم حاجة قسم الأمراض الصدرية للصنف يرفض التوريد حيث إن الحاجة ليست ماسة لقبول الصنف رغم ما به من نقص طبقاً للمادة 137 من لائحة المشتريات. واعتمد السيد المدير العام الرفض في ذات التاريخ.
ومن حيث إن المستفاد من استعراض الإجراءات السابقة على إبرام العقد على النحو السالف البيان أن إيجاب المدعي في مناقصة 13 من مايو سنة 1958 مثار هذه المنازعة انصب على توريد المباصق المطلوب توريدها وفقاً للعينة المقدمة منه في مناقصة 13 من يناير سنة 1958 من جميع الوجوه، وقد أخطر في 25 من يونيه سنة 1958 بقبول عطائه على أساس هذه العينة ودعي للتوقيع على العقد وختم العينات، وبناء على هذا وقع الطرفان المتعاقدان على العقد كما تم التأشير على العينة المذكورة بما يفيد قبولها أساساً للتوريد على الوجه الذي أثبته السيد الخبير في تقريره. وبهذا ينفي كل شك في أن محل العقد كان محدداً طبقاً للعينة المقدمة من المدعي مما ينهار معه سبب الطعن الأول في الحكم المطعون فيه ومبناه أن قبول هذا العطاء كان حسب عينة قسم الصدر وهو ما لم تدعه لجنتا الفحص والتوريد بمناسبة فحص التوريد.
ومن حيث إن الغلط في الشيء المبيع أو في محل التوريد الذي من شأنه أن يعيب الإدارة ويؤثر بذلك في صحة العقد ويجيز للمتعاقد الذي وقع فيه أن يطلب إبطال العقد بسببه، يشترط فيه بحكم المادتين 120، 121 من القانون المدني أن يكون جوهرياً ويكون كذلك إذ بلغ حداً من الجسامة بحيث يمتنع المتعاقد عن إبرام العقد ولو لم يقع في هذا الغلط، ويعتبر الغلط جوهرياً إذا وقع في صفة للشيء جوهرية في نظر المتعاقدين أو يجب اعتبارها كذلك لما يلابس العقد من ظروف ولما ينبغي في التعامل من حسن النية. فإذا لم يكن ثمة غلط في الصفة الجوهرية التي كانت محل اعتبار المتعاقدين في الشيء وكانت ذاتية هذا الشيء معروفة للمتعاقدين عند التعاقد على وجه محقق وتوافقت إرادة الطرفين على قبوله وهي على بينة من حقيقته فإنه لا يجوز إبطال العقد للغلط. أما الشرط الثاني الذي يتوافر الغلط به فهو أن يتصل بهذا الغلط الجوهري المتعاقد الآخر فلا يستقل به أحد المتعاقدين. وأحكام الغلط التي أوردها القانون المدني على هذا النحو لا تتعارض مع الأسس العامة للعقود الإدارية ومن ثم يتعين الأخذ بها.
ومن حيث الجهة الإدارية المتعاقدة أغفلت استطلاع رأي مصلحة الأمراض الصدرية في مواصفات المباصق المناسبة لها قبل الإعلان عن المناقصة وطرحتها دون أن يكون لديها عينة من قسم الأمراض الصدرية على غير ما تشير إليه لجنة تفريغ العطاءات من وجود هذه العينة عندما أثبتت أن العطاء مناسب على أن يكون التوريد حسب عينة قسم الصدر لما أعادته الإدارة وطرح الصنف في مناقصة أخرى حددت لها جلسة 13 من مايو سنة 1958 تقدم المدعي بعطائه على أساس عينة ثبت فيما بعد أنها تماثل أحد النماذج التي تضمنها كتالوج "كالن كامب" بعد وضع سدادة من الفلين تحت الغطاء الزجاجي. وقبلت الجهة الإدارية العينة المقدمة من المدعي كأساس للتوريد وهي لا تجهل حقيقتها ولم تزعم ذلك. ثم أوضح المختصون بمصلحة الأمراض الصدرية أن الأصناف الموردة لا تفي بالغرض المطلوب به من أجله. وتحديد الجهة الإدارية المتعاقدة للصنف المطلوب على هذا النحو لا يعد من قبيل الغلط لتلاقي الإرادتين على العينة التي كانت محل اعتبار عند التعاقد وإنما يرجع إلى عدم تشابه الصنف المتعاقد عليه مع ما يستعمل في مصلحة الأمراض الصدرية لا من حيث الشكل الخارجي أو المادة المصنوعة منه فقد أوضح المندوب الفني للوزارة أمام السيد الخبير في محضر الاجتماع المعقود في 17 من إبريل سنة 1963 أن الصنف المورد لا يستخدم في مصحات الأمراض الصدرية إذ أشار إلى أن الأنواع..... المتداولة فيها تبعاً لنوع الاستعمال عبارة عن أكواب من الصاج بغطاء خاص وعليه من الكرتون ويحضر مرضي العيادة الخارجية البصاق في علبة من الصفيح أو زجاجات مكسورة أو ما شاكل ذلك على ما وضح من سياق عرض مراحل التعاقد وخاصة بعد أن ثبت أن المبصقة التي قدم المدعي عينة لها معروفة فعلاً في المجال العالمي ومن ثم ينتفي القول بوقوعه في غلط بشأنها. ومتى كان الأمر كذلك فإنه لا حجة فيما أثاره تقرير هيئة مفوضي الدولة من أن العقد شابه غلط يجيز طلب إبطاله بسببه.
ومن حيث إن المستفاد من سياق الأوراق على النحو المشار إليه آنفاً أن السبب الحقيقي لرفضه التوريد هو عدم الحاجة للمباصق الموردة بعد أن تمسكت مصلحة الأمراض الصدرية بأنها لا تصلح كمبصقة في وحداتها وأنه ليس لها وجه للانتفاع بها، أما ما اتجهت إليه لجنة الفحص من أن التوريد من زجاج خفيف كثيراً عن العينة ودرجة الاحتمال بالتالي أقل من درجة احتمال العينة المعتمدة فقد دحضه الخبير الذي عينته المحكمة بناء على ترشيح الوزارة المدعى عليها فقد أثبت أن الاختلاف في أبعاد المباصق الموردة من الأبعاد الأصلية للعينة في الحدود المسموح بها فيما عدا سمك القاع وسمك الجدار لكل من جسم المبصقة وغطائها إذ تعلو في كل منهما النسبة كثيراً وأنه كانت بالدرجة المتوقعة في التصنيع اليدوي، ثم أردف أن الاختلاف البادي هنا هو في الواقع في صالح العينة في حالة نقص سمك القاع لجسمها إذ أن ذلك يجعلها في مجموعها أكثر صلاحية لتحمل الصدمات الحرارية والميكانيكية، وفي حالة زيادة سمك القاع للغطاء إذ أن سمكه في العينة التي تم التوريد على أساسها رقيق نسبياً، وأضاف أن الاختلاف الكبير في الأبعاد الأخرى يتم في نسبة بسيطة "حوالي 10%" منها بينما الغالبية منها تقرب كثيراً من أبعاد العينة التي تم التوريد على أساسها. وخلص إلى نسبة نجاح العينات في اختيار الصدمات الميكانيكية حسنة جداً وتبين قدرتها من هذه الناحية. وبهذا يكون الخبير قد خالف لجنة الفحص فيما ذهبت إليه من أن المباصق الموردة لا تتفق والعينة التي تم التوريد على أساسها، وأيدها في عدم صلاحية هذا النوع من المباصق للاستعمال في مصحات الأمراض الصدرية بسبب صعوبة استعمال المريض لها نتيجة لشكلها الطبيعي وأشار إلى إمكان استعمالها بنجاح نسبي لنقل عينات من المصلحة إلى العامل بعد أن يستبدل بغطائها الزجاجي آخر من الفلين وتغلف جيداً قبل النقل. ودلالة ذلك أن السبب الأساسي والحقيقي لرفض التوريد يكمن في عدم صلاحية نوع المباصق الموردة للاستعمال في مصلحة الأمراض الصدرية وليس في مخالفتها للعينة المتعاقد على أساسها.
ومن حيث إن العقود الإدارية تتميز عن العقود المدنية بطابع خاص مناطه احتياجات المرفق الذي يستهدف العقد تسييره وتغليب وجه المصلحة العامة على مصلحة الأفراد الخاصة، ويترتب على ذلك أن للإدارة سلطة الإشراف والتوجيه على تنفيذ العقود الإدارية ولها دائماً حق تغيير شروط العقد وإضافة شروط جديدة بما قد يتراءى لها أنه أكثر اتفاقاً مع الصالح العام دون أن يحتج الطرف الآخر بقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين، كما يترتب عليها كذلك أن للإدارة دائماً سلطة إنهاء العقد إذا قدرت أن هذا هو ما يقتضيه الصالح العام، ولا يكون للطرف الآخر إلا الحق في التعويضات إن كان له وجه حق. وذلك كله على خلاف الأصل في العقود المدنية التي لا يجوز للطرف الآخر أن يستقل بتعديل شروطها أو فسخها أو إنهائها دون إرادة الطرف الآخر. وإذا ما لجأت الجهة الإدارية إلى إنهاء العقد على هذا النحو وفقاً لهذه الأسس فإن العقد ينحل ويعتبر كأن لم يكن ويعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد فيرد كل منهما إلى الآخر ما تسلمه فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض.
ومن حيث إنه طبقاً لهذه القواعد فإنه يحق للجهة الإدارية أن تتحلل من تعاقدها الماثل بعد ما تحقق لها أن الأصناف الموردة والتي تم التعاقد عليها لا تفي بالغرض المطلوبة من أجله ويعتبر العقد بذلك كأن لم يكن وتعود الحال إلى أصلها قبل التعاقد فتقوم الجهة الإدارية بتسليم المدعي الأصناف التي قام بتوريدها والتأمينات التي دفعها وما إلى ذلك على أن يرد هو بدوره للجهة الإدارية ما يكون قد حصل عليه منها تنفيذاً لهذا العقد.
ومن حيث إن إنهاء العقد كان نتيجة لخطأ جهة الإدارة دون أن يكون للمتعاقد معها يد في ذلك فإنه يتعين لذلك تعويضه عما أصابه من ضرر بسبب رفض التوريد وإنهاء العقد.
ومن حيث إن المباصق الموردة صنعت خصيصاًَ للاستعمال في مصحات الأمراض الصدرية التابعة لمصلحة الأمراض الصدرية وهي وإن كان من الممكن عرضها في السوق للانتفاع بها في المستشفيات الخاصة أو لدى الأطباء ومعامل التحليل الطبية لاستعمالها كمباصق أو لنقل عينات كما أشار إلى ذلك الخبير إلا أن ذلك يحتاج إلى فترة طويلة لإمكان تصريف هذه الكمية الكبيرة والتي تبلغ 13500 مبصقة فضلاً عن أن طرح هذه الكمية الكبيرة دفعة واحدة في السوق يؤدي إلى خفض ثمنها الأمر الذي ينجم عنه ضرر محقق للمدعي يستتبع تعويضه عما لحقه من خسارة وفاته من كسب وتقدر المحكمة للمدعي تعويضاً شاملاً عما أصابه من ضرر مبلغ أربعمائة جنيه ويتعين إزاء ذلك تعديل الحكم المطعون فيه على الأساس الموضح بهذا الحكم.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بتعديل الحكم المطعون فيه وذلك بإلزام الوزارة المدعى عليها بأن تدفع للمدعي تعويضاً شاملاً مقداره أربعمائة جنيه وألزمت الحكومة بالمصروفات المناسبة.