مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 637

(84)
جلسة 2 من مارس سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد بهجت عتيبة المستشارين.

القضية رقم 1263 لسنة 10 ق

موظف "تأديب" الإعفاء من العقوبة - يعفى العامل من العقوبة إذا أثبت أن ارتكابه المخالفة كان تنفيذاً لأمر كتابي صادر إليه من رئيسه بالرغم من تنبيهه كتابة إلى المخالفة - أصل قرره القانون 210 لسنة 1951 بشأن نظام موظفي الدولة في المادة 94 مكرراً منه وردده القانون رقم 46 لسنة 1964 بنظام العاملين المدنيين في المادة 59 منه - وجوب التمييز بين تنبيه المرؤوس رئيسه إلى المخالفة وإبداء رأيه في ذلك، وبين الاعتراض على الأوامر والامتناع عن تنفيذها - ليس للعامل بعد أن أبدى وجهة نظره أن يعترض على ما استقر عليه رأي رؤسائه في هذا الصدد، أو أن يمتنع عن تنفيذه.
ما كان للمدعي بعد إن أبدى وجهة نظره أن يعترض على ما استقر عليه رأي رؤسائه في هذا الشأن أو يمتنع عن تنفيذه - ذلك أن المنوط بتوزيع الأعمال على الموظفين هو الرئيس المسئول عن سير العمل بحسب التدرج الإداري - إذ لو ترك الأمر للموظف يختار ما يشاء من أعمال يرتاح إليها ويرفض منها ما يرى أنه لا يتفق مع ما يجب أن يكون وفقاً لتقديره لاختل النظام الوظيفي وتعرضت المصلحة العامة للخطر - وحتى لو صح أنه كان لوجهة نظر المدعي أساس تستند إليه - لتعين عليه بعد أن نبه رئيسه كتابة - أن يمتثل لأوامر هذا الرئيس باستلام الأدوية وقد تكفل القانون بحماية الموظف في مثل هذه الحالة بأن نقل المسئولية - في حالة ثبوت المخالفة - إلى مصدر الأمر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 5 من يوليه سنة 1961 أقام الدكتور محمد فهيم السعيد الدعوى رقم 901 لسنة 15 القضائية ضد السيد وزير الصحة والسيد مدير عام منطقة الدقهلية الطبية طالباً الحكم بقبولها شكلاً وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 217 الصادر في 26 من يونيه سنة 1960 في قضية النيابة الإدارية رقم 795 لسنة 1959 بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه وقال شرحاً لدعواه إن التهمة التي أسندت إليه في هذا القرار هي أنه بوصفه طبيب الصحة المدرسية بميت غمر لم يقم باستلام عهدة الأدوية تنفيذاً لكتاب الصحة المدرسية بالمنصورة سابقاً (قسم الصحة المدرسية بالمنصورة حالياً) رقم 1216 في 20 من مايو 1958 ورفض استلامها - وأن هذا القرار باطل للأسباب الآتية:
1 - إنه استند إلى سبب غير صحيح إذ لم تصل إليه أية مكاتبة في شأن استلام عهدة الأدوية برقم 1216 في 20 من مايو سنة 1958.
2 - إن واقعة الامتناع في ذاتها غير صحيحة إذ كان دائباً على تسلم الأدوية التي تصرف من الصحة المدرسية بالمنصورة إلى وحدة ميت غمر طوال مدة عمله بميت غمر ابتداء من 17 من مايو سنة 1958 لغاية 12 من يناير سنة 1961.
3 - إن الأطباء يباشرون مهامهم الوظيفية في الطب والعلاج فقط فعملهم عمل فني بحت أما الأعمال الإدارية والكتابية فيقوم بها موظفون آخرون إداريون وكتابيون من الطبقة الفنية المتوسطة. - وحفظ الدواء واستلامه وجرده لا تدخل في فن الطب والعلاج الذي يجب أن يتفرغ له الطبيب - ولئن كانت الصحة المدرسية تجيز قيام الطبيب بحفظ الأدوية فإنها تجيز ذلك تجوزاً وتساهلاً وتسامحاً وليس على سبيل الوجوب - ولو أوجبت ذلك على الأطباء لخالفت اللائحة العامة للمخازن والمشتريات الواجبة بالنسبة إلى كافة الأدوات المخزنية والتي لا تستطيع مصلحة أو هيئة أو وزارة منفردة تعديلها فإن وجدت تعليمات توجب على الأطباء حفظ الأدوية فإنها تكون تعليمات باطلة - وأشار المدعي إلى بعض نصوص لائحة المخازن والمشتريات وقال إنه طبقاً لها تعتبر الأدوية من الأصناف المخزنية التي تطبق عليها جميع أحكام اللائحة إلا ما تستثنيه منها وزارة المالية وأن مصلحة الصحة المدرسية قد خرجت على هذه الأحكام فلم توفر الدفاتر والاستمارات.... والسجلات والكشوف التي أوجبت اللائحة توافرها مما يعرض أي موظف يسهم في عملية التسليم والتسلم والحفظ والصرف للمساءلة لمخالفته أحكام اللائحة - وأضاف أنه أطاع أوامر المصلحة رغم مخالفتها اللائحة مكتفياً بالتنبيه إلى تلك المخالفة بكتابه إلى مدير المنطقة الطبية بالدقهلية رقم 40 المؤرخ في 7 من نوفمبر سنة 1959 - وأنه يدل على اقتناع المصلحة بخطئها تضارب تعليماتها في بلدين متجاورين هما زفتى وميت غمر حيث تحفظ الأدوية لدى الحكيمة في وحدة زفتى ويراد حفظها لدى الطبيب في وحدة ميت غمر وانتهى المدعي إلى القول أنه فضلاً عن كون التهمة موهومة لم تحدث أبداً فإنها باطلة من حيث التكييف القانوني لها بطلاناً مطلقاً لأن عدم إطاعة الأوامر الباطلة ليس خروجاً على القانون ولأن التنبيه إلى احترام اللائحة هو عين الطاعة للقانون وأنه لذلك يكون القرار الصادر بمجازاته باطلاً لعدم استناده إلى أسباب صحيحة من حيث الواقع والقانون - وذكر أنه تظلم من هذا القرار إلى وزير الصحة بتظلم قيد في 25 من إبريل سنة 1961 ولم يتلق رداً عليه.
وأودع المدعي مذكرتين بدفاعه عقب فيهما على تقرير هيئة مفوضي الدولة وعلى ما أودع ملف الدعوى من أوراق ومستندات وانتهى إلى التصميم على طلباته.
وأجابت الوزارة على الدعوى بمذكرة قالت فيها إنه يبين من الأوراق ومن تحقيقات النيابة الإدارية في القضية رقم 795 لسنة 1959 أن المنطقة الطبية بالدقهلية كانت قد أرسلت إلى المدعي بعد نقله إلى تفتيش الصحة المدرسية بميت غمر الكتاب رقم 1216 في 20 من مايو سنة 1958 متضمناً تكليفه باستلام عهدة الأدوية الخاصة بالتفتيش التي كانت لدى سلفه ونبهته إلى أن التعليمات الصادرة من الوزارة تقضي بذلك حسبما تنص عليه المادتان 28، 43 من التعليمات الصادرة في سنة 1950 - ورغم وضوح التعليمات وتسلم المدعي للكتاب المذكور فإنه رفض تنفيذ الأمر الصادر إليه من رؤسائه - وامتنع عن استلام العهدة ولا وجه لما ذهب إليه المدعي من أنه لا علم له بهذه التعليمات لأنها صدرت في سنة 1950 قبل تتبع الصحة المدرسية لوزارة الصحة التي كانت قبل سنة 1957 تابعة لوزارة التربية والتعليم إذ كان يتعين عليه تنفيذ الأمر الصادر إليه من رؤسائه - وفضلاً عن ذلك فقد ثبت من تحقيق النيابة الإدارية أن الإدارة العامة للصحة المدرسية قد أرسلت إخطارات إلى فروعها بأن عهدة الأدوية تكون للطبيب وهو الذي يتولى توزيعها على المرضى وأرسلت صورة منها إلى وحدة ميت غمر في 15 من مارس سنة 1958 فما كان يجوز للمدعي أن يحتج بجهله للتعليمات - أما ما ذهب إليه من أن هذا الإخطار وصل إلى ميت غمر قبل نقله إليها فمردود بأنه كان يجب عليه الاطلاع على كافة التعليمات الموجودة التي نقل إليها فضلاً عن أن الإخطار المذكور قد أرسل إلى كافة الوحدات المدرسية - وبالإضافة إلى ذلك فقد أرسلت إليها المنطقة الطبية خطاباً في 20 من إبريل سنة 1959 أكدت فيه رأيها السابق وطلبت منه استلام الأدوية التي كانت في عهدة سلفه واستلمتها الزائرة الصحية إلا أنه لم ينفذ هذا الأمر - وذكرت الوزارة أنه ليس في لائحة المخازن والمشتريات ما يمنع من أن يكون الطبيب من أرباب العهد بالنسبة إلى ما في حوزته من أدوية وعقاقير تتطلب بحكم طبيعتها عناية خاصة في حفظها وتوزيعها - وأنه ما كان يجوز للمدعي الاستناد إلى أن الوزارة لم توفر للوحدات الصحية المدرسية الدفاتر والاستمارات الخاصة باستلام العهد بل كان يتعين عليه ألا يرفض استلام عهدة الأدوية وأن يطلب من الوزارة أن تمده بالدفاتر والاستمارات اللازمة - ولو فرض أن التعليمات مخالفة للائحة المخازن والمشتريات فإنه ما كان يجوز للمدعي أن يمتنع عن تنفيذ الأوامر الصادرة إليه من المنطقة التعليمية التي أصرت على موقفها بعد أن نبهها إلى مخالفة ذلك للائحة - أما ما أورده المدعي في مذكرته الأخيرة من أنه قام فعلاً باستلام الأدوية بعد أن نبه رؤساءه إلى مخالفة ذلك للائحة فغير صحيح إذ أن ما استلمه هو الأدوية التي وردت إلى الوحدة بعد نقله إليها في حين أن المخالفة المسندة إليه هي امتناعه عن استلام الأدوية التي كانت موجودة بالوحدة عند نقله إليها والتي كانت في عهدة سلفه - وذكرت الوزارة أن النيابة الإدارية قد انتهت إلى مسئولية المدعي عن عدم إطاعته الأوامر الصادرة إليه من رؤسائه.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدعوى على أنه بان من الكتب المتبادلة بين المدعي والإدارة الصحية المدرسية أن المدعي قد امتنع عن تنفيذ الأوامر والتعليمات الصادرة إليه من إدارة الصحة المدرسية بالدقهلية وهي بالنسبة إليه جهة رئاسية يجب عليه طاعتها واستلام عهدة أدوية الصحة بوحدة ميت غمر - ولئن كان لا تثريب عليه في إبداء رأيه في كيفية تنظيم العمل في الوحدة التي يعمل بها إلا أنه ليس له أن يخالف ما استقر عليه رأي رئاسته نهائياً أو يقيم العراقيل في تنفيذه إذ أصبحت الطاعة واجبة بعد أن خرجت المسألة من دور البحث إلى دور التنفيذ خصوصاً وقد تأيدت هذه التعليمات من الإدارة العامة للصحة المدرسية المسئولة عن مرفق الصحة المدرسية وهي تعليمات وضعت لصالح العمل وليس في وجود الأدوية عهدة الطبيب أي تعارض مع طبيعة عمله أو مخالفة للائحة المخازن والمشتريات التي تقضي في المادة 27 منها بأنه (في الفروع والوحدات التي لا يوجد بها مخزن تكون الأصناف في عهدة المشرف على الفرع أو الوحدة ويكون مسئولاً عن الأصناف والمهمات التي بعهدته وعليه أن يمسك لها الدفاتر والاستمارات). وإذا سلك المدعي سلوكاً ينطوي على إهمال وتقصير فإن الإدارة إذ جازته خمسة أيام من مرتبه تكون قد استخلصت النتيجة التي انتهت إليها استخلاصاً سائغاً مقبولاً من أصول تنتجها.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد عول على التحقيق وحده دون فحص المستندات والمذكرات المقدمة من الطاعن وركز البحث في واقعة الاستلام أو عدمه دون أن.. يستوفيها في ذاتها في حين أن الثابت من المستندات والأوراق أن المدعي دأب على تسلم عهدة الأدوية بعد استكمال حق مشروع في التنبيه فواقعة الامتناع لم تكن مستمرة ولا شبه مستمرة بل كانت بمقدار استعمال الحق المشروع في تنبيه الرئيس إلى احتمالات الوقوع في الخطأ - ولم يكن بالوحدة لحظة نقله إليها إلا عدد من الأقراص القليلة صرفها هو فعلاً إلى التلاميذ فوزعت واستهلكت ولم يعد ثمة محل لاستلامها بعد ذلك وقد أوضح هو ذلك في كتابه المرسل إلى مفتش الصحة المدرسية بالمنصورة في 6 من إبريل سنة 1959 - كما استند الحكم إلى شهادة الدكتور مصطفى عبد الصمد وهو الرئيس والخصم الذي كان سبباً في توقيع جزاء آخر على المدعي وقضت محكمة القضاء الإداري بإلغائه في الدعوى رقم 676 لسنة 14 القضائية وشهادته ليست منتجة إذ لا تنفي حق المرؤوسين في تنبيه رئيسه إلى احتمالات وقوع الخطأ - أما قول هذا الشاهد أنه عامل المدعي على نمط معاملته للدكتور مصطفى طموم يوم 2 من أكتوبر سنة 1956 بمناسبة استقالته فغير مجد لأن هذه الواقعة منبتة الصلة بواقعة الدعوى، كما أن الدكتور مصطفى عبد الصمد لا ينشئ وحده قاعدة قانونية تنظيمية عامة على خلاف أحكام لائحة المخازن والمشتريات - ولا موضوع للاستشهاد بالواقعة الخاصة بالدكتور مصطفى طموم لأن هذا الطبيب أغلق الوحدة وسافر إلى المملكة السعودية وأرسل استقالته من هناك فذهب الدكتور مصطفى عبد الصمد مع لجنة لإثبات موجودات.. الوحدة وحرر محضراً بذلك - وقد خلا الحكم من بحث النقط الآتية:
أولاً: مدى توافق عمل أمناء المخازن والأدوات والصيدليات مع عمل الأطباء.
ثانياً: واجبات الأطباء والطبيبات من واقع النشرة المصلحية والأمر الإداري رقم 460 لسنة 1960 الذي أشار إليه المدعي في مذكراته.
ثالثاً: مدى احترام لائحة المخازن في نشرة واجبات الأطباء والأمر رقم 460 لسنة 1960 ومدى إهدارها في الأمر الصادر بتسليم عهدة الأدوية إلى المدعي.
- أما استناد الحكم إلى المادة 27 من لائحة المخازن والمشتريات ففي غير محله إذ وردت في أحكام الفصل الثالث الخاص بموظفي المخازن وواجباتهم والطبيب الفني ليس أميناً للمخازن كما أن الذي يشرف على كمية الأدوية لوحدات صحية صغيرة هن الحكيمات فيمكن أن يكن أمينات للمخازن بشرط اتباع أحكام اللائحة - ولم تكن هناك بوحدة الصحة المدرسية بميت غمر وأمثالها كميات حقيقية من الدواء تقتضي عمل صيدلية - وكانت الصحة المدرسية تابعة لوزارة التربية والتعليم حتى عام 1958 ولم تكن توجد تعليمات تنظيمية عامة بشأن ما يمكن أن يسمى صيدليات بها وتعليمات وزارة الصحة الصادرة في عام 1950 لا تسري عليها تلقائياً - وإذا أمكن القول بوجود تعليمات فهي تعليمات سنة 1960 ونصوصها تحترم أحكام لائحة المخازن - كما أن وحدتي أجا وميت غمر كانتا من الوحدات الوقائية وكان المدعي طبيباً وقائياً مهمته الأصلية هي المرور على المدارس والتفتيش عليها لاستقبال المرضى وعلاجهم فلا يمكن تصور إسناد الإشراف على صيدلية إليه وكان صرف الدواء بواسطته لا يجرى إلا في حدود ضيقة ولغرض الوقاية فما كان للرئيس المباشر أن يغير وصف الوظيفة والقرار الصادر بتعيين المدعى عليه مع مخالفة لوائح المخازن ونشرة واجبات الأطباء - بل أن تعليمات وزارة الصحة الصادرة في سنة 1950 تعالج تنظيم الإشراف على الصيدليات الملحقة بنوعين من المستشفيات الأول: وهو المستشفيات الكبرى وتلحق بها دائماً صيدلية يشرف عليها صيدلي معين لهذا الغرض ولا يقوم بعمله طبيب إلا بصفة مؤقتة في حالة غيابه أو خلو وظيفته. والثاني: وهو الوحدات العلاجية الصغرى ولا تلحق بها صيدليات بالمعنى الصحيح ويسند فيها العمل إلى الكاتب المختص وليس إلى الطبيب - وإذا شبهت الصحة المدرسية بميت غمر فلن تشبه إلا بالنوع الثاني ويقتضي تطبيق التعليمات إسناد عهدة الأدوية إلى الكاتب أو الحكيمة - ولا يتأتى اختلاط وظائف أمناء المخازن بالأطباء بل ينبغي احترام قواعد الاختصاص لأنها قواعد قانونية وقائمة في ظلال الميزانيات والكادرات التي كان معمولاً بها في ظل القانون رقم 210 لسنة 1951 - ولا يوجد عرف عام ملزم بل ما زالت المصلحة متخبطة في إدراك القاعدة الواجبة التطبيق في شأن عهدة الأدوية ولا يجوز الاستناد فيها لمجرد شهادة صادرة من مفتش الصيدليات أو مدير إحدى المناطق ولا تملك إدارة العقود بالمصلحة وضع قاعدة عامة في هذا الصدد وهي لم تضع مثل هذه القاعدة ولو وضعتها لكانت مخالفة لأحكام لائحة المخازن والمشتريات.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى الأوراق أن المدعي قد نقل في 17 من مايو سنة 1958 إلى وحدتي الصحة المدرسية بميت غمر وأجا - وعقب نقله أرسل إليه مفتش مديرية الدقهلية للصحة المدرسية (الدكتور مصطفى صالح عبد الصمد) كتاباً مؤرخاً 19 من مايو سنة 1958 يطلب فيه منه الإفادة عما إذا كان قد تسلم عهدة وحدتي ميت غمر وأجا من الدكتور صبحي لبيب كما يطلب منه أن يتسلمها في الحال إذا لم يكن قد تسلمها - فأجاب المدعي بكتابه المؤرخ 24 من مايو سنة 1958 بأنه لم يقابل سلفه الدكتور صبحي لبيب وأن المتبع في الإدارة الصحية بطنطا أن تكون لوازم الوحدات الفرعية عهدة حكيمة الوحدة وطلب أن يستمر العمل بهذه القاعدة في وحدتي ميت غمر وأجا - وبعد أن تلقى التفتيش كتابه أرسل في 2 من يونيه سنة 1958 كتاباً إلى مدير عام مصلحة الصحة المدرسية مبيناً أن المنشورات تقضي بضرورة تسليم عهدة الصيدلية في مقر التفتيش إلى الطبيب الباطني وأنه قياساً على ذلك سلمت عهدة الصيدليات في الوحدات الفرعية بعواصم المراكز إلى طبيب الدائرة ولكن أحد الأطباء اعترض على هذا الإجراء - وطلب التفتيش إبداء الرأي في هذا الشأن. وفي 2 من يوليه سنة 1958 أجاب مدير عام مصلحة الصحة المدرسية بأنه من المقرر أن تكون الأدوية في عهدة الطبيب إذا لم تكن هناك صيدلية بالوحدة وأنه يجب تنفيذ ذلك - وفي 16 من سبتمبر سنة 1958 أرسل مفتش الدقهلية للصحة المدرسية كتاباً إلى المدعي تضمن أن الأدوية بكل من وحدتي بندري ميت غمر وأجا في عهدته شخصياً حسبما جاء بنشرة مصلحة الصحة المدرسية وطلب منه تنفيذ ذلك وأعاد الكتابة إليه في هذا الشأن في 15 من فبراير سنة 1959 مبيناً ضرورة تسليمه الأدوية وطالباً موافاته بكشوف استلامها وفقاً لتعليمات المصلحة ولكن المدعي أجاب بكتابه المؤرخ في 6 من إبريل سنة 1959 بأنه تسلم العمل بوحدة ميت غمر وأجا في آخر العام الدراسي 1957/ 1958 وأن الأدوية التي كانت موجودة بالوحدة - وهي بقايا من أصناف قليلة - قد صرفت إلى الطلبة وذكر أنه لا يعرف كيف عمل محضر الاستلام بعد أن ترك الدكتور صبحي لبيب العمل قبل أن يستلمه هو وطلب موافاته بصورة تعليمات المصلحة الخاصة بعهدة أدوية الوحدات الفرعية وأبدى استعداده بموافاة الصحة المدرسية بكل ما تطلبه في حدود التعليمات المذكورة - فأوضح له المفتش بكتابه المؤرخ 19 من إبريل سنة 1959 أن تعليمات المصلحة تقضي بضرورة إسناد عهدة الأدوية إلى طبيب في حالة عدم وجود صيدلي وأنه ليس من الضروري أن يتسلم العهدة من زميله السابق مباشرة وأن استلام العهدة يكون بمحضر كمحضر التسليم الذي تم بين سلفه الدكتور صبحي لبيب وبين الزائرة الصحية وأنه يمكن الاستئناس في تحريره برأي سكرتير مدرسة بميت غمر - ولكن المدعي نفى في كتابه المؤرخ 30 من إبريل سنة 1959 أن الدكتور صبحي لبيب قد قام بتحرير محضر تسليم واستلام مع الزائرة الصحية وأرفق مع كتابه إقراراً منها بهذا المعنى - فأرسل إليه المفتش كتاباً مؤرخاً 7 من مايو سنة 1959 مبيناً أن لديه كتاباً مؤرخاً 27 من مايو سنة 1958 موقعاً من الزائرة الصحية يفيد أنها تسلمت ما لدى الدكتور صبحي لبيب من عهد وطلب منه سؤال تلك الزائرة عن كيفية إتمام هذا التسليم كما بين له أنه يمكنه الرجوع إلى الدفتر 18 أ. ع. ح المدون به أصناف الأدوية وعمل محضر استلام حسب الواقع مع الإفادة عن الخلافات إن وجدت - وأجاب المدعي بكتابه المؤرخ 11 من مايو سنة 1959 طالباً أن يكون سؤال الزائرة الصحية بمعرفة التفتيش ولكن كلفه بكتابه المؤرخ 16 من مايو سنة 1959 باستلام عهدة الأدوية أولاً ومعرفة العجز والزيادة كما كلفه بكتابه المؤرخ 26 من أكتوبر سنة 1959 بموافاته بالمطلوب وبما يفيد استلامه عهدة الأدوية طبقاً لما كان مقيداً بالدفتر 18 أ. ع. ح الخاص بهذه العهدة - وكانت إجابة المدعي على ذلك بكتابه المؤرخ 29 من أكتوبر سنة 1959 أنه أرسل صورة من كتابه المؤرخ 6 من إبريل سنة 1959 إلى مدير عام الصحة المدرسية بالقاهرة وأنه لم يتلق رداً - وفي 3 من نوفمبر سنة 1959 أرسل مدير الصحة المدرسية بالدقهلية كتاباً إلى المدعي أشار فيه إلى المكاتبات السابقة وطلب منه استلام عهدة الأدوية طبقاً لما كان مدوناً بدفتر 18 أ. ع. ح الخاص بالصيدلية وقت تسلمه العمل بدلاً من ضياع الوقت في مكاتبات لا مبرر لها ولا فائدة منها - وفي 7 من نوفمبر سنة 1959 أرسل المدعي كتاباً إلى مدير منطقة الدقهلية الطبية أشار فيه إلى الكتب السابقة التي تلقاها من الدكتور مصطفى عبد الصمد وطلب الاتصال به للعمل على اتباع لوائح المخازن والمشتريات الحكومية الخاصة بحفظ أمثال هذه المهمات تجنباً للوقوع في مخالفات مالية جسيمة تستوجب محاكمتهما معاً وطلب إخطار الجهات المختصة بذلك للإفادة بما يتبع حتى لا يقع في مسئوليات مالية - وفي 18 من نوفمبر سنة 1959 أرسل المدير المساعد للصحة المدرسية كتاباً إلى مدير عام منطقة الدقهلية الطبية ذكر فيه أنه طالب المدعي عند نقله طبيباً للصحة المدرسية بدائرة ميت غمر وأجا باستلام الأدوية الموجودة في كل من الوحدتين تنفيذاً لتعليمات المصلحة وأسوة بما هو متبع في باقي الوحدات في المنطقة ولكنه عمد إلى تأجيل التسليم لأسباب متنوعة غير مقبولة قال إن التعليمات صريحة في وجوب تسليم أدوية الوحدات الفرعية للطبيب وأنه استنفذ جميع الوسائل لحسم هذا الخلاف وأن لهجة المدعي في الكتابة أصبحت غير مرضية وطلب إحالة الموضوع إلى التحقيق لحسم هذا الخلاف وتحديد المسئولية ولما كان المدعي قد تقدم بعدة شكاوى ضد الدكتور مصطفى صالح المدير المساعد لمنطقة الدقهلية الطبية للصحة المدرسية نسب إليه فيها عدة اتهامات فقد أحيل أمر امتناعه عن استلام الأدوية إلى النيابة الإدارية لكي يشمله التحقيق الذي تجريه - وقد انتهت النيابة الإدارية من تحقيقها إلى أن ما نسب للمدعي من امتناعه عن استلام عهدة الأدوية ثابت قبله بشهادة الدكتور مصطفى صالح عبد الصمد من المكاتبات الدورية الرسمية لوحدة أجا وميت غمر وأن ما زعمه من أن الأدوية في عهدة الحكيمة تدحضه شهادة الدكتور سيد سويلم مدير عام مصلحة الصحة المدرسية إذ قرر أن التعليمات تقضي بأن يستلم الطبيب عهدة العيادة الفرعية وأن يكون مسئولاً عن صرف الأدوية منها وذلك أسوة بالمتبع في باقي وحدات الوزارة التي لا يوجد بها صيدلي وأن الثابت قبله هو امتناعه عن تنفيذ تعليمات رئاسته باستلام الأدوية مما يتعين معه عقابه - واتهمته النيابة الإدارية بأنه (في خلال عام 1959 وبالوحدة الفرعية للصحة المدرسية بأجا وميت غمر أهمل في تنفيذ تعليمات الصحة المدرسية وذلك بأن رفض استلام عهدة الأدوية ورأت الاكتفاء بالجزاء الإداري للاتهام المنسوب إليه) - وفي 20 من يونيه سنة 1960 أشر مدير عام منطقة الدقهلية الطبية على مذكرة النيابة الإدارية بأن يجازى الدكتور محمد فهيم المعيد (المدعي) بخصم خمسة أيام لرفضه استلام الأدوية مع إخطار قسم الصحة المدرسية بتكليفه باستلامها - وتنفيذاً لهذا القرار صدر في 26 من يونيه سنة 1960 القرار رقم 217 بمجازاة المدعي بخصم خمسة أيام من مرتبه لإهماله فيما نسب إليه في شأن عدم قيامه باستلام عهدة الأدوية.
ومن حيث إن المدعي ينعى على هذا القرار عدم قيامه على سببه بقوله إنه لم يرفض استلام الأدوية بل دأب على تسليمها بعد أن استعمل حقه المشروع في التنبيه إلى مخالفة ذلك للائحة المخازن والمشتريات كما أنه لم يكن بوحدة ميت غمر وأجا عند نقله إليها إلا عدد قليل من الأقراص تم توزيعها على الطلبة فلم يكن هناك محل لاستلامها.
ومن حيث إن امتناع المدعي عن استلام الأدوية رغم صدور أوامر كتابية متتالية إليه من رئيسه ثابت قبله من المكاتبات التي تبودلت بينه وبين مفتش الدقهلية للصحة المدرسية (الدكتور مصطفى صالح عبد الصمد) طوال مدة جاوزت عاماً ونصف عام ظل المدعي خلالها مصراً على موقفه حسبما أفصح عن ذلك بكتابه المرسل في 7 من نوفمبر سنة 1959 إلى مدير منطقة الدقهلية الطبية الذي استند فيه إلى لائحة المخازن والمشتريات - أما قوله بأن امتناعه عن استلام الأدوية لم يكن مستمراً بل كان يقدر استعمال الحق المشروع في تنبيه رئيسه إلى احتمالات الوقوع في الخطأ فيرد بأن المخالفة التي أسندتها إليه النيابة الإدارية وجوزي عنها هي أنه خلال عام 1959 أهمل في تنفيذ تعليمات الصحة المدرسية بأن رفض استلام عهدة الأدوية - والثابت من المكاتبات المشار إليها أن رئيسه قد كلفه مراراً باستلام الأدوية وبين له أن نشرة الصحة المدرسية تقضي بأن تكون الأدوية في عهدة الطبيب وأنها كانت في عهدة سلفه الدكتور صبحي لبيب الذي سلمها عند نقله إلى الزائرة الصحية - كما أوضح له الإجراء الذي يتبعه لاستلام الأدوية وذلك في الكتب العديدة التي بدأت بالكتاب المؤرخ في 16 من مايو سنة 1958 وانتهت بالكتاب المؤرخ 3 من نوفمبر سنة 1959 - ورغم ذلك كله ظل المدعي ممتنعاً عن استلام الأدوية إلى أن حرر كتابه المؤرخ 7 من نوفمبر سنة 1959 الذي أشار فيه لأول مرة إلى لائحة المخازن والمشتريات - بل أن امتناعه عن استلام الأدوية ظل قائماً بعد ذلك حسبما هو مستفاد من أقواله في تحقيق النيابة الإدارية إذ قرر في 24 من يناير سنة 1960 أنه توجد كميات قليلة جداً من الأدوية في عهدة كل من وحدتي ميت غمر وأجا وأنه لم يتسلم عهدة الأدوية لأنه لم تصله تعليمات ولم يسبق له أن استلم أدوية ولا دراية له بمحاضر التسليم والاستلام - وقد ظل المدعي على موقفه بعد ذلك حسبما هو مستفاد من كتاب مدير الصحة المدرسية بالدقهلية المرسل إلى مدير عام منطقة الدقهلية الطبية في 21 من فبراير سنة 1960 الذي تضمن أنه قد أرسلت إلى كل من وحدتي أجا وميت غمر بعض الأدوية في 4 من فبراير سنة 1960 وطلب المدعي التوقيع على استمارات الصرف بما يفيد أنه استلمها ولكن الاستمارات أعيدت موقعة من حكيمة الوحدة باعتبارها صاحبة العهدة (صفحة 75 من ملف التحقيق).
ومن حيث إنه ولئن كان المدعي قد أودع بعض الأوراق التي تفيد أنه استلم بعض كميات الأدوية إلا أنه ليس فيها ما يدل على أنه امتثل خلال عام 1959 للأوامر الصادرة إليه باستلام الأدوية التي كانت بوحدة الصحة المدرسية بميت غمر وأجا قبل نقله إليها أو الأدوية التي أرسلت بعد نقله بل أن أقواله في تحقيق النيابة الإدارية تؤكد عكس ذلك.
ومن حيث إنه لا يجدي المدعي في دفع مسئوليته عن عدم إطاعة الأوامر المتتالية الصادرة إليه وإهماله تنفيذها.. ادعاؤه أنها غير مشروعة أو مخالفة للائحة المخازن والمشتريات وهو ما أثاره لأول مرة في كتابه المؤرخ في 7 من نوفمبر سنة 1959 ذلك أنه فضلاً عن أنه ليس في نصوص اللائحة ما يؤيد ما ذهب إليه المدعي في هذا الشأن فإن الثابت في الأوراق أنه ظل قبل ذلك بأكثر من سنة ونصف يضع العقبات في سبيل تنفيذ تلك الأوامر فتارة يدعي أن المختص باستلام الأدوية هو الحكيمة وتارة يدعي أنه لا توجد تعليمات تلزمه باستلامها وأنه يتعذر عليه تحرير محضر استلام لنقل سلفه قبل أن يستلم منه العمل ولأنه لا يعرف كيف يحرر محضر الاستلام - ولما لمس إصرار رئيسه المختص على وجوب قيامه بتنفيذ الأوامر الصادرة إليه استند إلى لائحة المخازن والمشتريات التي ليس في نصوصها ما يصلح سنداً لإعفائه من المسئولية عن إهماله تنفيذ الأوامر الصادرة إليه باستلام الأدوية والتي من مقتضاها أن تدون في عهدة طبيب مسئول.
ومن حيث إن كل ما أثاره المدعي مما سبق الإشارة إليه ما كان ليحول دون استلامه الأدوية لو أنه امتثل لأوامر رئيسه - فقد تكفلت الكتب العديدة التي أرسلها إليه مفتش الدقهلية للصحة المدرسية بيان الإجراءات التي يتبعها في استلامها رغم ترك سلفه للعمل - وفي تحرير المحضر الخاص بهذا الاستلام وكشف ما قد يكون فيها من عجز - والواقع من الأمر أن كل ما استهدفه المدعي باعتراضه على تلك الأوامر وامتناعه من تنفيذها هو ألا يتحمل مسئولية استلام الأدوية وحفظها وأن تظل حكيمة الوحدة أو الزائرة الصحية هي المسئولة عن ذلك - وما كان للمدعي بعد أن أبدى وجهة نظره أن يعترض على ما استقر عليه رأى رؤسائه في هذا الشأن أو يمتنع عن تنفيذه - ذلك أن المنوط به توزيع الأعمال على الموظفين هو الرئيس المسئول عن سير العمل بحسب التدرج الإداري - إذ لو ترك الأمر للموظف يختار ما يشاء من أعمال يرتاح إليها ويرفض منها ما يرى أنه لا يتفق مع ما يجب أن يكون وفقاً لتقديره - لاختل النظام الوظيفي وتعرضت المصلحة العامة للخطر - وحتى لو صح أنه كان لوجهة نظر المدعي أساس تستند إليه - لتعين بعد أن نبه رئيسه كتابة - أن يمتثل لأوامر هذا الرئيس باستلام الأدوية - وقد تكفل القانون بحماية الموظف في مثل هذه الحالة بأن نقل المسئولية - في حالة ثبوت المخالفة - إلى مصدر الأمر إذ كانت المادة 94 مكرراً من القانون رقم 210 لسنة 1951 تقضي بأن (لا يعفى الموظف من العقوبة إسناداً إلى أمر رئيسه إلا إذا ثبت أن ارتكابه المخالفة كان تنفيذاً لأمر كتابي صادر إليه من هذا الرئيس بالرغم من تنبيهه كتابة إلى المخالفة - وفي هذه الحالة تكون المسئولية على مصدر الأمر) وهو ذات الحكم الذي رددته المادة 59 من قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 46 لسنة 1964.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون القرار الصادر بمجازاة المدعي قائمة على سببه المستخلص استخلاصاً سائغاً من الأصول الثابتة في الأوراق ويكون طلبه إلغاء هذا القرار غير قائم على أساس سليم ويكون الحكم المطعون فيه قد أصاب الحق إذ قضى برفض دعواه الأمر الذي يتعين معه رفض هذا الطعن وإلزام المدعي بالمصروفات..

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت المدعي بالمصروفات.