مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 659

(86)
جلسة 2 من مارس سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين السعيد ومحمد بهجت عتيبه المستشارين.

القضية رقم 1396 لسنة 12 ق

عقد - عقد إداري - التزام الطالب بدفع المصروفات المدرسية إذا أخل بتعهده بالاستمرار في الدراسة واشتغاله بمهنة التدريس بمدارس وزارة التربية والتعليم مدة معينة بعد التخرج - الإخلال به - الرسوب المتكرر في فرقة واحدة لا يعتبر عذراً مقبولاً يعفي من المسئولية عن الإخلال بذلك الالتزام [(1)] - لا يغير من الأمر شيئاً تطوع الطالب بعد فصله من الدراسة في الجيش [(2)].
إن الفصل بسبب رسوب الطالب سنتين دراسيتين متتاليتين في فرقة واحدة أو بسبب عدم الانتظام في الدراسة والتغيب دون مبرر المدة المنصوص عليها في لائحة دور المعلمين والمعلمات ليس مرده إلى خطأ من جهة الإدارة أو فعل الغير ولا يتوافر فيه شروط الحادث الجبري أو القوة القاهرة باعتبار أن هذا الفصل كان متوقع الحدوث وقت توقيع العقد، إذ هو فصل تقضي به لائحة دور المعلمين والمعلمات وقد توقعه الطرفان. وأرادت الإدارة أن تجابه الضرر الذي يلحق بها إذا ما حقق هذا الفصل لهذين السببين أو لغيرهما من الأسباب فتضمن التعهد الذي حدد التزامات المطعون ضدهما إلزامهما في حالة فصل الطالب لأي عذر كان بأداء تعويض يتمثل فيما أنفقته الوزارة عليه من مصروفات خلال سني الدراسة التي يمضيها في دار المعلمين، ولذلك فإن فصل الطالب والحالة هذه لا يكون مرده إلى سبب أجنبي مما يترتب عليه الإعفاء من المسئولية بأداء التعويض المتفق عليه في العقد، ولا يغير من الأمر شيئاً تطوع الطالب بعد فصله بمدارس الجيش.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المدعي أقام الدعوى رقم 2755 لسنة 19 القضائية ضد المدعى عليه بصحيفة أودعت سكرتيرية محكمة القضاء الإداري في 20 من مايو سنة 1965 طالباً الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفع إليه مبلغ 45 جنيه والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال بياناً للدعوى إن الطالب فتحي محمود عيد المشمول بولاية المدعى عليه التحق بدار المعلمين بسوهاج ابتداء من العام الدراسي 1960/ 1961 ووقع المدعى عليه تعهداً بأن يستمر الطالب في الدراسة حتى التخرج وأن يقوم بالتدريس مدة خمس سنوات عقب التخرج مباشرة وإذا أخل بالتزامه بأن فصل أو ترك الدراسة لأي عذر كان قبل إتمامها أو ترك الخدمة وفصل منها لأي سبب خلال الخمس سنوات التالية للتخرج فإنه يلزم بأداء كافة المصروفات التي أنفقتها الوزارة بواقع خمسة عشر جنيهاً عن كل سنة دراسية أو جزء منها وأن الطالب فتحي محمود عيد انقطع عن الدراسة بدون عذر مقبول مدة تزيد على خمسة عشر يوماً في العام الدراسي 1962/ 1963 ففصل في 12 من ديسمبر سنة 1962 وأنه طبقاً للتعهد الذي وقعه المدعى عليه فإنه يلزم بسداد المصروفات الدراسية التي أنفقتها الوزارة ومقدارها 45 جنيه بواقع خمسة عشر جنيهاً عن كل سنة دراسية.
وقدم المدعى عليه شهادة بنتيجة امتحان النقل بدار المعلمين بسوهاج موقعة من ناظر الدار ومؤرخة 29 من سبتمبر سنة 1962 وقد ورد بها أن الطالب فتحي محمود عيد رسب ويفصل لرسوبه عامين.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه لما أبدته من أسباب إلى أنها ترى "الحكم برفض الدعوى مع إلزام رافعها بالمصروفات".
وقضت محكمة القضاء الإداري في الدعوى بتاريخ 5 من يونيه سنة 1966 برفضها وإلزام محافظ سوهاج المصروفات وأقامت قضاءها على أن التحلل من الالتزام العقدي لا يكون إلا في حالة القوة القاهرة وهي حالة تقوم بعد العقد يستحيل معها تنفيذ الالتزام وليس للملتزم يد فيها ولذلك فإن رسوب الطالب فتحي محمود عيد عامين وفصله من الدار نتيجة لذلك يعتبر من الأسباب القانونية المسقطة للالتزام طالما أنه ثبت أنه ليس لديه الاستعداد الكافي لتلقي هذا النوع من الدراسة.
ويقوم الطعن على أن الحكم خالف القانون وأخطأ في تطبيقه ذلك أن الواضح من عبارات قرار الفصل أن السبب الذي بني عليه القرار هو غياب الطالب خمسة عشر يوماً وليس الرسوب سنتين متتاليتين كما جاء في الحكم المطعون فيه وأنه مع التسليم جدلاً بأن سبب الفصل هو الرسوب سنتين متتاليتين فإن ذلك ليس سبباً معفياً من المسئولية على نحو ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه، ذلك أن المسلم به أن المسئولية العقدية لا ترتفع إلا بالقوة القاهرة وأن شروط القوة القاهرة غير متوافرة وأنه بفرض توافر هذه الشروط فإنه يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الحادث المفاجئ والقوة القاهرة ويعتبر التعهد بمثابة الاتفاق على تحمل المدين تبعة القوة القاهرة إذا فرض من باب الجدل أن الرسوب سنتين متتاليتين هو من قبيل القوة القاهرة. وأن ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن الرسوب مرتين متتاليتين ينطوي على عدم استعداد طبيعي يعفي من الالتزام برد المصروفات مردود عليه بأن الدراسة بدار المعلمين العامة لا تتطلب استعداداً غير عادي فإن أقل الطلاب ذكاء يجتازها بنجاح لبساطة موادها كذلك فإنه من المتعذر التثبت مما إذا كان الرسوب مرتين هو بسبب عدم الاستعداد الطبيعي أو أنه ناتج عن إهمال من الطالب ولذلك فإن الحكم المطعون فيه يكون خالف القانون.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه مع إلزام الطاعن المصروفات مستندة في ذلك إلى أن المحكمة الإدارية العليا اشترطت في السبب الأجنبي الذي يؤدي إلى انقضاء الالتزام أن يكون أمراً غير ممكن التوقع ومستحيل الدفع وأن الرسوب سنتين متتاليتين أمر غير متوقع وأن هذا الرسوب إذا كان مرده إلى عدم استعداد طبيعي في الطالب المذكور للاستجابة إلى نوع الدراسة في دار المعلمين فهو أمر يستحيل دفعه ليس بالنسبة لهذا الطالب فحسب بل بالنسبة لكل من تصادف أن كان استعداده الفطري لا يتلاءم مع هذه الدراسة، وأنه لو كان يجوز الاتفاق على أن يتحمل المدين تبعة الحادث الفجائي والقوة القاهرة فإن التعهد إذا خلا من النص على ذلك فإنه لا يمكن أن ينصرف إلى تحميل المطعون ضده نتيجة السبب الأجنبي كما ذهب إلى ذلك الطاعن ولذلك يكون الحكم قد صادف وجه الحق ويكون الطعن غير قائم على أساس من القانون.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أنه لدى التحاق الطالب فتحي محمود عيد بدار المعلمين بسوهاج وقع والده محمود عيد طنطاوي بصفته ولياً على ابنه القاصر تعهداً يتضمن التزامه بسداد جميع المصروفات التي تنفقها الوزارة على الطالب المذكور إذا تخلف عن الاستمرار في دراسته بدار المعلمين حتى تخرجه أو إذا لم يقم بالتدريس بعد تخرجه مدة خمس سنوات تالية للتخرج مباشرة طبقاً للشروط التي تقررها وزارة التربية والتعليم أو فصل من المدرسة أو تركها لأي عذر قبل إتمام دراسته وإذا فصل من الخدمة خلال السنوات الخمس لأسباب تأديبية أو بقوة القانون أو تركها لأي سبب كما تعهد السيد/ محمود عيد طنطاوي بصفته الشخصية بضمان تنفيذ ما تعهد به بصفته ولياً على ابنه، ونظراً لرسوب الطالب المذكور في الفرقة الأولى بدار المعلمين بسوهاج سنتين متتاليتين فقد تقرر فصله من الدار ثم عادت الدار وقررت إلغاء قرار الفصل وأخطرت والد الطالب بهذا الإلغاء وطلبت إليه العمل على انتظام ابنه في الدراسة في 12 من ديسمبر سنة 1962.
ومن حيث إن من مقتضى أحكام المسئولية العقدية التي تطبق في مجال روابط القانون الخاص وعلى العقود الإدارية باعتبارها من الأصول العامة التي لا تتعارض مع تسيير المرافق العامة أنه إذا استحال على المدين تنفيذ التزامه عيناً كان مسئولاً عن التعويض لعدم الوفاء حيث يتحول محل الالتزام من التنفيذ العيني إلى التعويض ما لم يثبت أن استحالة التنفيذ ترجع إلى سبب أجنبي لا يد للمدين فيه فإن الالتزام ينقضي أصلاً سواء من حيث التنفيذ العيني أو التنفيذ بالتعويض، والسبب الأجنبي هو القوة القاهرة والحادث الفجائي وخطأ الدائن وفعل الغير، ويشترط في القوة القاهرة التي يترتب فيها انقضاء الالتزام وعدم المسئولية عن تعويض الضرر الناتج عن عدم تنفيذ العقد أن يكون من شأنها جعل الوفاء بالالتزام مستحيلاً وأن تكون غير متوقعة الحصول وقت التعاقد ويستحيل دفعها ويجب أن يكون عدم التوقع لا من جانب المدين بل من جانب أشد الناس يقظة ذلك أن المعيار موضوعي لا ذاتي فلا يكتفي فيه بالشخص العادي.
ومن حيث إن الفصل بسبب رسوب الطالب سنتين دراسيتين متتاليتين في فرقة واحدة أو بسبب عدم الانتظام في الدراسة والتغيب دون مبرر المدة المنصوص عليها في لائحة دور المعلمين والمعلمات ليس مرده إلى خطأ من جهة الإدارة أو فعل الغير ولا يتوافر فيه شروط الحادث الجبري أو القوة القاهرة باعتبار أن هذا الفصل كان متوقع الحدوث وقت توقيع العقد، إذ هو فصل تقضي به لائحة دور المعلمين والمعلمات وقد توقعه الطرفان. وأرادت الإدارة أن تجابه الضرر الذي يلحق بها إذا ما تحقق هذا الفصل لهذين السببين أو لغيرهما من الأسباب فتضمن التعهد الذي حدد التزامات المطعون ضدهما إلزامهما في حالة فصل الطالب لأي عذر كان بأداء تعويض يتمثل فيما أنفقته الوزارة عليه من مصروفات خلال سني الدراسة التي يمضيها في دار المعلمين، ولذلك فإن فصل الطالب والحالة هذه لا يكون مرده إلى سبب أجنبي مما يترتب عليه الإعفاء من المسئولية بأداء التعويض المتفق عليه في العقد، ولا يغير من الأمر شيئاً تطوع الطالب بعد فصله بمدارس الجيش.
ومن حيث إنه لذلك وإعمالاً لشروط التعهد الموقع من السيد/ محمود عيد طنطاوي بصفته ولياً على ابنه فتحي محمود عيد باعتباره مديناً وبصفته الشخصية باعتباره ضامناً فإنه يستحق قبله المصروفات التي أنفقتها الوزارة على الطالب على سنتين دراسيتين لا عن ثلاث سنوات كما تطلب الجهة الإدارية إذ الثابت أن صلته بالدراسة انقطعت بعد أن قضى بالدراسة سنتين دراسيتين ولم ينتظم في الدراسة في عام دراسي ثالث. ومن ثم تكون المصروفات المستحقة 30 جنيه بواقع خمسة عشر جنيهاً عن كل سنة وهو ما يتعين إلزام المطعون ضده بأدائها مع الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية، وإذ أخذ الحكم المطعون فيه بغير هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون مما يتعين معه إلغاؤه والحكم على مقتضى ما تقدم مع إلزام المطعون ضده المصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام محمود عيد طنطاوي عن نفسه وبصفته ولياً على ابنه فتحي محمود عيد طنطاوي بأن يدفع للمحافظة المدعية مبلغ ثلاثين جنيهاً مصرياً والفوائد القانونية بواقع أربعة في المائة سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية الحاصلة في 20 من مايو سنة 1965 حتى تمام الوفاء وألزمته بالمصروفات.


[(1)] حكمت المحكمة الإدارية العليا في ذات الجلسة، بالمبدأ المتقدم في القضايا أرقام 1041 لسنة 12 ق، 517 لسنة 11 ق، 332 لسنة 11 ق، 330 لسنة 11 ق وقارن حكم المحكمة الإدارية العليا في القضية رقم 2511 لسنة 6 ق جلسة 16/ 6/ 1962 المشار إليه في المجموعة العشرية صفحة 1110 بند 74.
[(2)] راجع في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا الصادر في القضية رقم 349 لسنة 11 ق جلسة 3 فبراير سنة 1968.