مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 672

(88)
جلسة 3 من مارس سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر المستشارين.

القضية رقم 164 لسنة 9 القضائية

موظف. معاش. المنازعة فيه. عدم جواز المنازعة في قيمة المعاش أو المكافأة بعد مضي سنة واحدة من تاريخ الإخطار بربط المعاش بصفة نهائية أو من تاريخ صرف المكافأة بالتطبيق لأحكام المادة 44 من القانون رقم 394 لسنة 1956 المعدلة بالقانون رقم 160 لسنة 1957 - ينصرف إلى كل من المنازعة الإدارية والقضائية - تقديم صاحب الشأن تظلماً إدارياً خلال الميعاد - لا يغنيه، إذا لم يحسم التظلم الخلاف، من إقامة دعواه خلال مدة سنة وإلا كانت غير مقبولة لرفعها بعد الميعاد - أساس ذلك.
إن المادة 44 من القانون رقم 394 لسنة 1956 معدلة بالقانون رقم 160 لسنة 1957 تنص على أنه "لا يجوز لمصلحة صناديق التأمين والمعاشات، ولا لصاحب الشأن، المنازعة في قيمة المعاش، أو المكافأة بعد مضي سنة واحدة من تاريخ الإخطار بربط المعاش بصفة نهائية، أو من تاريخ صرف المكافأة وتستثنى من ذلك، الأخطاء المادية، التي تقع في الحساب عند التسوية".
وبين من مقارنة نص المادة 44 المذكورة، بنص المادة 9 المقابلة لها في كل من قانون المعاشات الملكية رقم 5 لسنة 1909 معدلة بالقانون رقم 543 لسنة 1953، والمرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية معدلة بالقانون رقم 545 لسنة 1953، التي تنص على أنه لا يجوز للحكومة، ولا لصاحب الشأن، المنازعة في أي معاش تم قيده، متى مضى اثنا عشر شهراً من تاريخ تسليم السركي المبين فيه مقدار المعاش إلى صاحب الشأن.
كذلك لا يجوز للحكومة، ولا لصاحب الشأن، المنازعة في مقدار المكافأة التي دفعت إلا إذا قدمت المعارضة إلى الجهة التي قامت بتسوية المكافأة خلال اثني عشر شهراً من تاريخ صرفها.
وبناء على ذلك، فكل دعوى يراد بها أو بواسطتها، تعديل مقدار المعاش، الذي تم قيده، أو المكافأة التي تم صرفها، لا يجوز قبولها بعد مضي الميعاد المذكور، أمام أية محكمة كانت، لا على الحكومة ولا على مصالحها لأي سبب كان، وتحت أي حجة كانت، ولا يجوز أيضاً قبول هذه الدعوى من الحكومة أو مصالحها. يبين من هذه المقارنة أن المشرع لم يضمن المادة 44 المشار إليها نصاً مماثلاً لنص الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 6 آنفة الذكر، مما يثير التساؤل عما إذا كان قصد من عدم إيراد هاتين الفقرتين في المادة 49 إلى مغايرة في المعنى والحكم، من مقتضاها أن ينصرف لفظ "المنازعة" إلى "التظلم الإداري" وإلى "الدعوى" بحيث إذا قدم صاحب الشأن تظلماً خلال مدة السنة من تاريخ إبلاغه بربط معاشه بصفة نهائية فإنه يكون قد قدم منازعة في الميعاد تفتح له باب التقاضي، دون التقيد بأية مدة، أم أن قصده لم يخرج عن حكم المادة 6 في مفهوم عبارته.
وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن مفاد نص المادة 6 سالفة الذكر، والنصوص الأخرى الخاصة بالطلبات المتعلقة بالمعاشات، هو أنها تهدف إلى كف المنازعات من حيث الأحقية في المعاش أو مقداره لاعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة استقراراً للأوضاع المالية والإدارية، وضبطاً لتقديرات الميزانية، وذلك بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة على السواء، وهذه الاعتبارات ذاتها - المتعلقة بالمصلحة العامة - ما تزال قائمة، ومتحققة في ظل القانون رقم 394 لسنة 1956، فلا يستساغ القول، بانصراف قصد الشارع إلى عدم مراعاتها، بفتح باب التقاضي في شأن المعاش على الوجه السالف بيانه حتى لا تهدر حكمة التشريع، أو تتفاوت من تشريع إلى آخر على الرغم من اتحاد الأساس والعلة فيهما، ولا سيما أن المنازعة القضائية، لا الإدارية هي التي تفضي إلى تحديد المراكز وحسم الأوضاع، وهي المعينة بميعاد السنة الذي لا يسوغ قصره على التظلم الإداري دونها وإلا كان ثمة تخصيص بغير مخصص ينبو عن سياق النص، ومقتضى حكمه وحكمته.
وفي ضوء ما تقدم يلزم أن تكون إقامة المنازعة في المعاش أمام القضاء خلال السنة المنصوص عليها في المادة 44 من القانون رقم 394 لسنة 1956 فإذا اختار صاحب الشأن أن يقدم تظلماً إدارياً، فإن عليه - إذا لم يحسم هذا التظلم الخلاف - أن يقيم دعواه خلال مدة السنة وإلا كانت دعواه غير مقبولة لرفعها بعد الميعاد.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة، تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 621 لسنة 7 القضائية، ضد وزارة التربية والتعليم، ووزارة الخزانة، ومصلحة صناديق التأمين والمعاشات، بعريضة، أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم في 10 من يونيه سنة 1960، وطلب فيها "الحكم باستحقاق الطالب لأن يكون معاشه الشهري 21 جنيهاً، تضاف إليها إعانة غلاء المعيشة المقررة، بموجب القوانين والقرارات المعمول بها - يستنزل منه، قيمة قسط الاستبدال المستحق، اعتباراً من 7 من مايو سنة 1958، ويصرف إليه الصافي، من تاريخ انتهاء خدمته، مع ما يترتب على ذلك من آثار، وإلزام المسئول عن هذا الخطأ مصروفات الدعوى، ومقابل أتعاب المحاماة". وتوجز أسانيد دعواه، في أنه حصل على شهادة الكفاءة للتعليم الأولى في سنة 1914، وعين في 17 من أغسطس سنة 1915 مدرساً بمدارس مجلس مديرية قنا، وتنقل بعد ذلك في العمل بين مدارس المجلس المذكور والمدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم إلى أن ضم إلى خدمة الوزارة اعتباراً من 31 من مارس سنة 1921، فاستقر في خدمتها إلى أن أحيل إلى المعاش، لبلوغه السن القانونية في أول يوليه سنة 1957، وكان قد حصل من محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 610 لسنة 4 القضائية على حكم بضم مدتي خدمته السابقة من 17 من أغسطس سنة 1915 حتى 3 من مارس سنة 1925، ومن 4 من سبتمبر سنة 1925 حتى أول سبتمبر سنة 1927 إلى مدة خدمته الأخيرة، وبذلك أصبح التاريخ الفرضي لبدء مدة خدمته هو 26 من أغسطس سنة 1918، وكان مرتبه وقت إحالته إلى المعاش 29 جنيهاً، حيث كان يشغل الدرجة الخامسة، وقد أخطر في 9 من مارس سنة 1959 بربط معاشه على الوجه الآتي 16 جنيه و647 مليم معاش يضاف إليه 15 جنيه و462 مليم، فيكون الباقي هو صافي معاشه المستحق قانوناً، وهو يزيد قسط استبدال مقداره 5 جنيه و462 مليم فيكون الصافي 16 جنيه و647 مليم، ولما كان المعاش المقرر له طبقاً للمادة 22 من القانون رقم 394 لسنة 1956 هو 21 جنيهاً تضاف إليه إعانة غلاء المعيشة المقررة قانوناً، ثم يستنزل منه المبلغ الذي استبدله من معاشه وقدره 5 جنيه و462 مليم، فيكون الباقي هو صافي معاشه المستحق قانوناً، وهو يزيد كثيراً على المبلغ الذي أبلغ به، ومن أجل ذلك أقام هذه الدعوى. وقد أجابت مصلحة التأمين والمعاشات عن الدعوى بمذكرة، دفعت فيها بعدم اختصاص المحكمة الإدارية لوزارة التربية والتعليم بنظر الدعوى، وبجلسة 13 من مارس سنة 1961 قضت المحكمة المذكورة، بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وبإحالتها بحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة للاختصاص، وأبقت الفصل في المصروفات". وبناء على ذلك أحيلت الدعوى إلى المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة، وقيدت بجدولها برقم 371 لسنة 8 القضائية، وقد دفعت مصلحة التأمين والمعاشات أيضاً - في مذكرتها المشار إليها - بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، وأسست هذا الدفع على ما ذكره المدعي في عريضة الدعوى، من أنه أبلغ بربط معاشه في 9 من مارس سنة 1959، ولما كان قد أقام دعواه في 10 من يوليه سنة 1960 بإيداع عريضتها قلم كتاب المحكمة الإدارية، وكانت المادة 44 من القانون رقم 394 لسنة 1956 الخاص بإنشاء صندوق للتأمين والمعاشات لموظفي الدولة المدنيين، وآخر لموظفي الهيئات ذات الميزانيات المستقلة - وهو القانون الذي عومل بأحكامه - لا تجيز المنازعة في قيمة المعاش بعد مضي سنة من تاريخ الإخطار بربطه، فإن هذه الدعوى تكون غير مقبولة لإقامتها بعد مضي مدة تزيد على السنة من تاريخ الإخطار بربط المعاش، ومن ناحية الموضوع أوضحت مصلحة التأمين والمعاشات في مذكرتها، أن للمدعي ثلاث مدد خدمة منفصلة، الأولى من 17 من أغسطس سنة 1915 إلى 3 من مارس سنة 1925 وقد قضيت بمدارس مجلس مديرية قنا، وانتهت بالفصل بسبب الاستقالة، وبلغ متوسط مرتباته خلال السنتين الأخيرتين منها 4 جنيه و970 مليم، وحسب عنها في المعاش تسع سنوات وخمسة أشهر وستة وعشرون يوماً، والمدة الثانية من 19 من أغسطس سنة 1925 إلى 31 من أغسطس سنة 1927، وقد قضيت بمدارس وزارة التربية والتعليم، وانتهت بسبب الاستقالة، وبلغ متوسط مرتباته خلال السنتين الأخيرتين منها 5 جنيهات، ومجموع هذه المدة سنتان وثلاثة عشر يوماً، والمدة الأخيرة من 5 من نوفمبر سنة 1927 إلى 3 من فبراير سنة 1957، وقد قضيت بمدارس مجلس مديرية قنا والوزارة، وانتهت بإحالته إلى المعاش لبلوغه السن القانونية، وبلغ المتوسط الشهري لمرتبه خلال السنتين الأخيرتين منها 26.590 ومقدار هذه المدة 29 سنة وشهرين و26 يوماً وقد حسبت كلها وأضافت المصلحة أن مدة خدمة المدعي كانت تنتهي في كل مرة، ثم يعاد تعيينه بقرار جديد، فضلاً عن وجود فاصل زمني بين ترك الخدمة والرجوع إليها وبذا تعتبر كل منها مدة منفصلة، وقد حسبت المدد الثلاث ضمن مدة خدمة المذكور المحسوبة في المعاش بالتطبيق للمادة 19 من القانون رقم 394 لسنة 1956 المشار إليه معدلاً بالقانونين رقم 160 لسنة 1957 ورقم 8 لسنة 1958، وحسب معاشه عن كل مدة على حدة فبلغ مجموعه 16 جنيه و647 مليم (936 مليم ر. عن المدة الأولى + 0.200 مليم عن المدة الثانية + 15 جنيه و511 مليم عن المدة الثالثة) وانتهت المصلحة من هذا إلى أن حساب مدد خدمة المدعي السابقة في الأقدمية، لا يوجب حسابها في المعاش إلا وفقاً لأحكام قانون المعاشات المعامل به، ومن ثم يكون معاشه مطابقاً للقانون، وتكون دعواه حقيقة بالرفض، وبجلسة 24 من نوفمبر سنة 1961 قضت المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة "برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، وفي الموضوع، بأحقية المدعي في تسوية معاشه طبقاً للقانون رقم 394 لسنة 1956 باعتبار مدة خدمته المحسوبة في المعاش مدة واحدة متصلة، وما يترتب على ذلك من آثار، وألزمت الجهة الإدارية المصروفات، ومبلغ ثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها فيما ذهبت إليه من رفض الدفع بعدم قبول الدعوى على أن المدعي قد تظلم من ربط معاشه إلى وزارة التربية والتعليم وإلى مصلحة صناديق التأمين والمعاشات، ولم تنكر المصلحة المذكورة تقديمه التظلم في الميعاد، ولكنها احتجت بأن المنازعة بالمادة 44 من القانون رقم 364 لسنة 1956 إنما هي المنازعة القضائية وفي هذا تخصيص بلا مخصص، لأن نص هذه المادة مطلق، ومن ثم فإن تظلم المدعي خلال مدة السنة يعتبر منازعة، تؤدي إلى قبول دعواه الراهنة التي أقامها بعد المنازعة. وبالنسبة إلى موضوع الدعوى، أقامت المحكمة قضاءها، على أن أحكام القانون رقم 394 لسنة 1956 تقضي بحساب مدد الخدمة السابقة، الفعلية، في المعاش سواء أكانت هذه المدد متصلة، أم منفصلة، وبأن يسوى المعاش عن مجموع مدد الخدمة على أساس متوسط المرتب في السنتين الأخيرتين، ولو أراد المشرع حساب مدد الخدمة السابقة المنفصلة، على الأساس الذي اتبعته مصلحة التأمين والمعاشات في شأن المدعي، لنص على ذلك صراحة أسوة بما فعله في خصوص صاحب المعاش الذي يعاد إلى الخدمة في ظل العمل بالقانون رقم 394 لسنة 1956، كما أن الأخذ بما تقول به الحكومة يقتضي أن تتوفر في كل مدة منفصلة شروط استحقاق المعاش، فلا تقل عن عشرين سنة، وبربط المعاش عنها على أساس السنتين الأخيرتين منها وهو ما يتعارض مع أحكام المادة 19 من القانون المشار إليه، وأخيراً أقامت المحكمة قضاءها على أن الأخذ بما تذهب إليه الحكومة، يؤدي إلى جعل الموظف السابق الذي أعيد إلى الخدمة، في مركز الموظف الذي التحق بخدمة الحكومة لأول مرة بعد أن أمضى مدة خدمة سابقة بالشركات أو الهيئات التي نص عليها في القانون رقم 250 لسنة 1956 الخاص بحساب مدد الخدمة السابقة في المعاش إذ لا يمكن أن يسري في حق هذا الأخير الرأي الذي تعتنقه الحكومة.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه سواء بالنسبة إلى الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد، أو بالنسبة إلى الموضوع، إذ يستند هذا الدفع إلى المادة 44/ 1 من القانون رقم 394 لسنة 1956 معدلة بالقانون رقم 160 لسنة 1957 التي لا تجيز للحكومة ولا لصاحب الشأن المنازعة في قيمة المعاش بعد مضي سنة من تاريخ الإخطار بربط المعاش بصفة نهائية، حيث كان يتعين على المدعي، وفقاً لنص هذه المادة، أن يقيم دعواه خلال المدة المحددة فيها، محسوبة من تاريخ إخطاره بربط معاشه في 9 من مارس سنة 1959، لا بعد ذلك كما فعل، ومصداق أن المقصود بالمنازعة في المادة المذكورة، هو المنازعة القضائية، يقوم على الأدلة الآتية:
1 - إن الحكمة التي تغياها المشرع من المادة 44 المشار إليها هي استقرار المراكز القانونية المترتبة على قانون المعاشات وذلك بالنسبة إلى الحكومة وإلى صاحب الشأن على حد سواء، ولا تتوفر هذه الحكمة إلا إذا كان المقصود من لفظ المنازعة هو المنازعة القضائية لا الإدارية، لأن الأولى وحدها هي التي تؤدي إلى وجود هذا الاستقرار ولا يتصور أن تكون مدة السنة قد حددت للتظلم وتركت الدعوى دون تحديد ميعاد لإقامتها.
2 - إنه مع التسليم - جدلاً - بأن قصر لفظ (المنازعة) على المنازعة القضائية تخصيص بلا مخصص، فإن قصره أيضاً على التظلم الإداري هو تخصيص بلا مخصص كذلك مما يتعين معه وجوب تقديم التظلم وإقامة الدعوى كلاهما خلال مدة السنة.
3 - إن مدة السنة المحددة لسقوط الحق في إقامة الدعوى، تسري في حق كل من صاحب الشأن والحكومة على السواء، ولما كانت منازعة الحكومة لا تكون إلا بإقامة الدعوى، فإن ذلك يؤكد أن المقصود بالمنازعة إنما هو المنازعة القضائية، دون ما عداها.
4 - إن لفظ "المنازعة" ورد في الفقرة الأولى من المادة 6 من المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 الخاص بالمعاشات الملكية، ونص هذه الفقرة يكاد يماثل نص الفقرة الأولى من المادة 44 المشار إليها، أما ما ورد بعد ذلك من ذكر للدعوى في الفقرة الأخيرة من المادة 6 المذكورة، فهو النتيجة المستفادة ضمناً من الفقرة الأولى، وتعتبر تزيداً في مقام التفسير لا حكماً جديداً، فلفظ "المنازعة" في المادة 44 مقصود منه المنازعة القضائية التي تستقر بها الأوضاع.
أما فيما يتعلق بموضوع الدعوى فيقوم الطعن على أن حساب مدتي خدمة المدعي السابقتين طبقاً لأحكام المادة 19 من القانون رقم 394 لسنة 1956 التي لا تفرق في الحكم بين مدد الخدمة المتصلة وبين مدد الخدمة المنفصلة، لا يمنع من الاستهداء بمواد القانون الأخرى، ومن بينها المادة 42 منه، وأن الخلاف في الحكم بين مدد الخدمة المتصلة والمنفصلة محصور في كيفية حساب المعاش لا في شروط استحقاقه ومن بينها ألا يقل مجموع مدد الخدمة عشرين سنة، وهو ما لا يشترط في كل مدة على حدة، وأخيراً يقوم الطعن على أنه لا محل للمقارنة بين معاش موظف أمضى مدد خدمته السابقة بالحكومة وبين معاش موظف آخر أمضى هذه المدد بالشركات أو الهيئات المنصوص عليها في القانون رقم 250 لسنة 1959، لأن هذا القانون خاص بحساب مدد اعتبارية لا فعلية فضلاً عن اختلاف الأعباء المالية في كل من الحالتين.
من حيث إن المادة 44 من القانون رقم 394 لسنة 1956 المشار إليه معدلة بالقانون رقم 160 لسنة 1957 تنص على أنه "لا يجوز لمصلحة صناديق التأمين والمعاشات، ولا لصاحب الشأن، المنازعة في قيمة المعاش، أو المكافأة، بعد مضي سنة واحدة، من تاريخ الإخطار بربط المعاش بصفة نهائية، أو من تاريخ صرف المكافأة وتستثنى من ذلك، الأخطاء المادية، التي تقع في الحساب عند التسوية".
ومن حيث إنه يبين من مقارنة نص المادة 44 المذكورة، بنص المادة 6 المقابلة لها في كل من قانون المعاشات الملكية رقم 5 لسنة 1909 معدلة بالقانون رقم 543 بالقانون رقم 545 لسنة 1953، التي تنص على أنه لا يجوز للحكومة، ولا لصاحب الشأن، المنازعة في أي معاش تم قيده متى مضى اثنا عشر شهراً، من تاريخ تسليم السركي المبين فيه مقدار المعاش إلى صاحب الشأن.
كذلك لا يجوز للحكومة، ولا لصاحب الشأن، المنازعة في مقدار المكافأة التي دفعت إلا إذا قدمت المعارضة إلى الجهة التي قامت بتسوية المكافأة خلال اثنى عشر شهراً من تاريخ صرفها.
وبناء على ذلك، فكل دعوى يراد بها أو بواسطتها، تعديل مقدار المعاش، الذي تم قيده، أو المكافأة التي تم صرفها، لا يجوز قبولها بعد مضي الميعاد المذكور، أمام أية محكمة كانت، لا على الحكومة ولا على مصالحها، لأي سبب كان، وتحت أي حجة كانت، ولا يجوز أيضاً قبول هذه الدعوى من الحكومة أو مصالحها". يبين من هذه المقارنة أن المشرع لم يضمن المادة 44 المشار إليها نصاً مماثلاً لنص الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 6 آنفة الذكر، مما يثير التساؤل عما إذا كان قصد من عدم إيراد هاتين الفقرتين في المادة 44 إلى مغايرة في المعنى والحكم، من مقتضاها أن ينصرف لفظ "المنازعة" إلى "التظلم الإداري" وإلى "الدعوى" بحيث إذا قدم صاحب الشأن تظلماً خلال السنة من تاريخ إبلاغه بربط معاشه بصفة نهائية فإنه يكون قد قدم منازعة في الميعاد تفتح له باب التقاضي، دون التقيد بآية مدة، أم أن قصده لم يخرج عن حكم المادة 6 في مفهوم عبارته.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن مفاد نص المادة 6 سالفة الذكر، والنصوص الأخرى الخاصة بالطلبات المتعلقة بالمعاشات، هو أنها تهدف إلى كف المنازعات من حيث الأحقية في المعاش أو مقداره لاعتبارات تنظيمية تتعلق بالمصلحة العامة استقراراً للأوضاع المالية والإدارية، وضبطاً لتقديرات الميزانية، وذلك بالنسبة إلى كل من الموظف والخزانة على السواء، وهذه الاعتبارات ذاتها - المتعلقة بالمصلحة العامة - ما تزال قائمة، ومتحققة في ظل القانون رقم 394 لسنة 1956، فلا يستساغ القول، بانصراف قصد الشارع إلى عدم مراعاتها، بفتح باب التقاضي في شأن المعاش على الوجه السالف بيانه حتى لا تهدر حكمة التشريع أو تتفاوت من تشريع إلى آخر على الرغم من اتحاد الأساس والعلة فيهما، ولا سيما أن المنازعة القضائية، لا الإدارية، هي التي تفضي إلى تحديد المراكز وحسم الأوضاع، وهي المعنية بميعاد السنة الذي لا يسوغ قصره على التظلم الإداري دونها وإلا كان ثمة تخصيص بغير مخصص عن سياق النص، ومقتضى حكمه وحكمته.
وفي ضوء ما تقدم يلزم أن تكون إقامة المنازعة في المعاش أمام القضاء خلال السنة المنصوص عليها في المادة 44 من القانون رقم 394 لسنة 1956 فإذا اختار صاحب الشأن أن يقدم تظلماً إدارياً، فإن عليه - إذا لم يحسم هذا التظلم الخلاف - أن يقيم دعواه خلال مدة السنة، وإلا كانت دعواه غير مقبولة لرفعها بعد الميعاد.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق، أن المدعي أبلغ بربط معاشه في 9 من مارس سنة 1959، فقدم تظلماً إدارياً خلال مدة السنة، التي انتهت في 8 من مارس سنة 1960، ولم يقم دعواه الراهنة إلا بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الإدارية في 10 من يوليه سنة 1960 ومن ثم فإنها تكون مرفوعة بعد الميعاد القانوني، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى، وبقبولها، قد جانب الصواب في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه، وبعدم قبول الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.