مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 705

(93)
جلسة 17 من مارس سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي ومحمد فتح الله بركات وإبراهيم خليل الشربيني المستشارين.

القضية رقم 310 لسنة 9 القضائية

موظف "إعانة غلاء المعيشة". عامل مؤقت "إعانة غلاء المعيشة". اعتماد مالي. قرار إداري "نفاذه".
قرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952 بمنح إعانة غلاء المعيشة للموظفين والمستخدمين والعمال المعينين على اعتمادات مؤقتة - عدم ملاحظة تطبيقه عند تقدير الاعتماد المؤقت - يترتب عليه عدم جواز تطبيقه في حق المعينين على هذا الاعتماد - أساس ذلك - عدم وجود الاعتماد المالي الذي يسمح بهذا التطبيق ووجوب التزام جهة الإدارة تقديرات الاعتماد المخصص لهم - تجاوز الإدارة حدود الاعتماد - المرجع فيه إلى جهة أخرى هي السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص وحدها - تقرير الإدارة تطبيق قرار مجلس الوزراء المشار إليه بالمخالفة لما تقدم - تجرد قرارها من أثره الحال والمباشر ما لم يفتح اعتماد إضافي يخصص لهذا الغرض من الجهة التي تملكه - تطبيق ذلك بالنسبة إلى المعينين على الاعتماد المالي الذي رصد لمواجهة عملية التعداد العام لسكان الجمهورية عن سنة 1960 وذلك حتى بعد استبقائهم في الخدمة بعد انتهاء عملية التعداد إعمالاً لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 218 لسنة 1960 طالما أن الاعتماد المالي ظل في الحدود ذاتها في السنوات التالية.
يؤخذ من الأوراق أن الاعتماد المالي الذي رصد لمواجهة التعداد العام لسكان الجمهورية العربية المتحدة عن سنة 1960 لم يكن ملحوظاً فيه عند تقديره تطبيق أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952 على العمال المؤقتين المعينين على هذا الاعتماد للفترة الزمنية المحددة التي قدرت لإتمام عملية الإحصاء، يؤكد ذلك أمور ثلاثة: أولها أن التعيين على هذا الاعتماد كان لمدة ستة شهور في حين أن قرار مجلس الوزراء المذكور يستلزم لمنح إعانة غلاء المعيشة وفقاً لأحكامه انقضاء سنة كاملة منذ بدء التعيين. وثانيها: أن هذا الاعتماد لم يقتصر على مواجهة الأجور الأصلية للعمال المعينين عليه بل اتسع بحيث تناول مكافآت هؤلاء العمال الشاملة لإعانة غلاء المعيشة المستحقة لهم، ومن أجل ذلك نصت قرارات التعيين على أن المكافآت المحددة للعمال المذكورين هي مكافآت شاملة وهو ما أقر به المدعي في عريضة دعواه التي سلم فيها بأنه عين بمكافأة شاملة لإعانة غلاء المعيشة. وثالثها: أن عملية التعداد العام للسكان وهي عملية موقوتة بطبيعتها ويتعين إتمامها في أجل محدد معلوم تقتضي إنشاء عدد معين من الوظائف يكفي لمواجهة هذه العملية واستيعابها وإنشاء هذه الوظائف يتعين بحكم اللزوم أن يكون في حدود الاعتماد المالي المخصص لها لأنه إذا صدر اعتماد مالي معين وجب على جهة الإدارة أن تلتزم حدوده فيما تصدره من قرارات مرتبط تنفيذها به فإن هي جاوزته أعوز قرارها سنده المالي ووقع بذلك غير نافذ ولا ناجز لفقدان محله شرائطه القانونية وهو ما حدا بها إلى أن تسلك في تحديدها مكافآت العمال المعينين على اعتماد تعداد السكان سبيل المكافأة الشاملة المقررة سلفاً في حدود هذا الاعتماد على وجه يجعلها لا تخضع لأية تغييرات مستقبلة تبعاً لحالة العامل الاجتماعية أو لغير ذلك من الأسباب حتى تضمن استكمال العدد اللازم من الوظائف وتأمن - في الوقت ذاته - من عدم تجاوز الاعتماد.
واستبقاء هؤلاء العمال في الخدمة بعد انتهاء عملية التعداد إعمالاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 218 لسنة 1960 بشأن العمال المؤقتين والعمال الموسميين لم يؤثر شيئاً في مركزهم القانوني أو في تقديرات الاعتماد المالي المعينين عليه، ذلك أن هذا القرار إذ حظر في المادة الأولى منه فصل العمال المؤقتين أو الموسميين إلا بالطريق التأديبي وأوجب في مادته الخامسة استخدام العمال المذكورين في المشروعات التي تقوم بها أجهزة الدولة المختلفة بالأجر الذي كان يتقاضاه كل منهم ينبني عليه أن استبقاءهم في الفترة السابقة على إعادة استخدامهم إنما يكون من باب أولى بحالتهم التي كانوا عليها وبالأجور ذاتها التي كانوا يتقاضونها، وأخذاً بهذا النظر قامت جهة الإدارة بتقدير الاعتماد المالي في السنوات التالية في الحدود ذاتها لمواجهة المكافآت الشاملة السنوية الخاصة بالعمال المؤقتين الذين سبق تعيينهم على اعتماد التعداد العام لسكان الجمهورية استصحاباً لحالتهم من حيث الأجور الشاملة التي قدرت لهم من قبل كما هي بغير زيادة فيها أو نقصان.
ومتى كان الأمر كذلك فإن الجهة الإدارية ما كان في وسعها أن تطبق في حق المدعي وأقرانه أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952 سواء في خلال المدة التي استغرقتها عملية التعداد، أو في أثناء فترة استبقائهم بعد ذلك وإعمالاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 218 لسنة 1960 آنف الذكر لعدم وجود الاعتماد المالي الذي يسمح بهذا وذلك التزاماً منها لتقديرات الاعتماد المخصص لهم ونزولاً على حدوده التي لا تملك تجاوزها لكونها مقيدة بهذا الاعتماد ولا سلطان لها في الخروج عليه إذ مرجع الأمر فيه إلى جهة أخرى هي السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص وحدها في ذلك، ولو أنها أخذت نفسها بتطبيق قرار مجلس الوزراء المشار إليه في شأنهم لما كان من الممكن قانوناً أن يتولد عن قرارها في هذا الخصوص أثره حالاً ومباشرة إلا بفتح اعتماد إضافي يخصص لهذا الغرض من الجهة التي تملكه وهو ما لم يتحقق بالفعل.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إنه ولئن كان تقرير الطعن قد أودع قلم كتاب هذه المحكمة في يوم 23 من فبراير سنة 1963، على حين صدر الحكم المطعون فيه بجلسة 24 من ديسمبر سنة 1962، إلا أن يوم 22 من فبراير سنة 1963 وهو آخر ميعاد للطعن قد صادف يوم جمعة وهو عطلة رسمية، ومن ثم امتد الميعاد بالتطبيق لحكم المادة 23 من قانون المرافعات المدنية والتجارية إلى أول يوم عمل بعدها وهو يوم السبت الموافق 23 من فبراير سنة 1963 الذي أودع فيه تقرير الطعن وبذا يكون الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام الدعوى رقم 304 لسنة 9 القضائية ضد مصلحة الإحصاء والتعداد (رياسة الجمهورية) بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية (لرياسة الجمهورية ووزارات الداخلية والخارجية والعدل في 25 من يوليه سنة 1962 بناء على القرار الصادر لمصالحه في 16 من يونيه سنة 1962 من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة في طلب الإعفاء رقم 368 لسنة 9 القضائية وطلب في عريضة الدعوى "الحكم باستحقاقه لصرف إعانة غلاء المعيشة على أجره القانوني ومقداره 200 مليم في وظيفة فراش بعد مضي سنة من تاريخ تعيينه مع ما يترتب على ذلك من آثار وصرف الفروق المالية وإلزام المدعى عليها المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وتوجز أسانيد دعواه في أنه التحق في أول مارس سنة 1961 بمصلحة الإحصاء والتعداد في مهنة فراش ومنح أجراً شاملاً قدره 200 مليم إلا أن المصلحة لم تمنحه إعانة غلاء معيشة في حين أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952 يخوله الحق في تقاضي هذه الإعانة بعد مضي سنة من تاريخ تعيينه على أساس الأجر المقرر لمهنة فراش طبقاً لأحكام كادر العمال وهو مائتا مليم يومياً. وقد أجابت مصلحة الإحصاء والتعداد عن الدعوى بأن المدعي عين في خدمتها في وظيفة ساع على اعتماد تعداد السكان لسنة 1960 بمكافأة شاملة قدرها 200 مليم يومياً وذلك لمدة ستة شهور اعتباراً من 4 من يناير سنة 1961 وأنه استبقى في الخدمة بعد ذلك إعمالاً لأحكام قرار رئيس الجمهورية رقم 218 لسنة 1960 في شأن العمال المؤقتين والعمال الموسميين ولم يمنح إعانة غلاء معيشة نظراً لأنه معين بمكافأة شاملة ولأن الاعتماد المعين عليه لا يسمح بذلك. وبجلسة 24 من ديسمبر 1962 قضت المحكمة الإدارية "بأحقية المدعي في إعانة غلاء المعيشة من اليوم التالي لمضي سنة عليه في الخدمة وذلك على التفصيل المبين بأسباب هذا الحكم وما يترتب على ذلك من آثار بالتطبيق لقرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952 وألزمت الحكومة المصروفات وأقامت قضاءها على أن المدعي وقد عين بصفة غير منتظمة وعلى اعتماد مؤقت فإنه يفيد من أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر 1952 ويحق له أن يتقاضى إعانة غلاء معيشة بعد مضي سنة عليه في الخدمة إلا أنه لما كان قد عين في مهنة ساع بأجر يومي قدره 200 مليم وهو يزيد على الأجر المقرر لهذه المهنة فإنه يتعين لذلك حساب إعانة غلاء المعيشة المستحقة له طبقاً لحالته الاجتماعية وبالفئات المقررة قانوناً على أساس الأجر المقرر لمهنته وقدره 140 مليماً مع خصم الفرق بين الأجر القانوني والأجر الفعلي من إعانة الغلاء هذه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على وجهين أولهما أن حقيقة المهنة التي يشغلها المدعي هي مهنة عامل عادي، ومن ثم فإن صح أنه يستحق إعانة غلاء معيشة فإنه يتعين حسابها على أساس الأجر المقرر لهذه المهنة وهو مائة مليم يومياً، وثانيهما أن الواضح من مطالعة قانون ربط الميزانية للسنة المالية 1962 - 1963 أنه تضمن تحديد مبلغ 72900 جنيه قيمة المكافأة الشاملة السنوية المخصصة للعمال المؤقتين الذي سبق تعيينهم على اعتماد التعداد العام لسكان الجمهورية ومتى كانت مكافأة المطعون ضده قد حددت سلفاً بمقتضى هذا القانون فإنه لا يجوز أن يزيد أجره القانوني وإعانة غلاء المعيشة على هذه المكافأة وإلا كان قرار تعيينه غير نافذ لأن تنفيذ القرار الإداري رهين بوجود الاعتماد المالي اللازم لتنفيذه.
ومن حيث إنه يؤخذ من الأوراق أن الاعتماد المالي الذي رصد لمواجهة عملية التعداد العام لسكان الجمهورية عن سنة 1960 لم يكن ملحوظاً فيه عند تقريره تطبيق أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952 على العمال المؤقتين المعينين على هذا الاعتماد للفترة الزمنية المحددة التي قدرت لإتمام عملية الإحصاء، يؤكد ذلك أمور ثلاثة: أولها أن التعيين على هذا الاعتماد كان لمدة ستة شهور في حين أن قرار مجلس الوزراء المذكور يستلزم لمنح إعانة غلاء المعيشة وفقاً لأحكامه انقضاء سنة كاملة منذ التعيين وثانيها أن هذا الاعتماد لم يقتصر على مواجهة الأجور الأصلية للعمال المعينين عليه بل اتسع بحيث تناول مكافآت هؤلاء العمال الشاملة لإعانة غلاء المعيشة المستحقة لهم، ومن أجل ذلك نصت قرارات التعيين على أن المكافأة المحددة للعمال المذكورين هي مكافآت شاملة وهو ما أقر به المدعي في عريضة دعواه التي سلم فيها بأنه عين بمكافأة شاملة لإعانة غلاء المعيشة، وثالثها أن عملية التعداد العام للسكان وهي عملية موقوتة بطبيعتها ويتعين إتمامها في أجل محدد معلوم تقضي إنشاء عدد معين من الوظائف يكفي لمواجهة هذه العملية واستيعابها وإنشاء هذه الوظائف يتعين بحكم اللزوم أن يكون في حدود الاعتماد المالي المخصص لها لأنه إذا صدر اعتماد مالي معين وجب على جهة الإدارة أن تلتزم حدوده فيما تصدره من قرارات مرتبط تنفيذها به فإن هي جاوزته أعوز قرارها سنده المالي ووقع بذلك غير نافذ ولا ناجز لفقدان محله شرائطه القانونية وهو ما حدا بها إلى أن تسلك في تحديدها مكافآت العمال المعينين على اعتماد تعداد السكان سبيل المكافأة الشاملة المقررة سلفاً في حدود هذا الاعتماد على وجه يجعلها لا تخضع لأية تغييرات مستقبلة تبعاً لحالة العامل الاجتماعية أو لغير ذلك من الأسباب حتى تضمن استكمال العدد اللازم من الوظائف وتأمن - في الوقت ذاته - من عدم تجاوز الاعتماد.
ومن حيث إن استبقاء هؤلاء العمال في الخدمة بعد انتهاء عملية التعداد إعمالاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 218 لسنة 1960 بشأن العمال الموسميين لم يؤثر شيئاً في مركزهم القانوني أو في تقديرات الاعتماد المالي المعينين عليه، ذلك أن هذا القرار إذ حظر في المادة الأولى منه فصل العمال المؤقتين أو الموسميين إلا بالطريق التأديبي وأوجب في مادته الخامسة استخدام العمال المذكورين في المشروعات التي تقوم بها أجهزة الدولة المختلفة بالأجر الذي كان يتقاضاه كل منهم ينبني عليه أن استبقاءهم في الفترة السابقة على إعادة استخدامهم إنما يكون من باب أولى - بحالتهم التي كانوا عليها وبالأجور ذاتها التي كانوا يتقاضونها، وأخذاً بهذا النظر قامت جهة الإدارة بتقدير الاعتماد المالي في السنوات التالية في الحدود ذاتها لمواجهة المكافآت الشاملة السنوية الخاصة بالعمال المؤقتين الذين سبق تعيينهم على اعتماد التعداد العام لسكان الجمهورية، استصحاباً لحالتهم من حيث الأجور الشاملة التي قدرت لهم من قبل كما هي بغير زيادة فيها أو نقصان.
ومن حيث إنه متى كان الأمر كذلك فإن الجهة الإدارية ما كان في وسعها أن تطبق في حق المدعي وأقرانه أحكام قرار مجلس الوزراء الصادر في 29 من أكتوبر سنة 1952 سواء في خلال المدة التي استغرقتها عملية التعداد، أو في أثناء فترة استبقائهم بعد ذلك وإعمالاً لقرار رئيس الجمهورية رقم 218 لسنة 1960 آنف الذكر لعدم وجود الاعتماد المالي الذي يسمح بهذا وذلك التزاماً منها لتقديرات الاعتماد المخصص لهم ونزولاً على حدوده التي لا تملك تجاوزها لكونها مقيدة بهذا الاعتماد ولا سلطان لها في الخروج عليه إذ مرجع الأمر فيه إلى جهة أخرى هي السلطة التشريعية صاحبة الاختصاص وحدها في ذلك، ولو أنها أخذت نفسها بتطبيق قرار مجلس الوزراء المشار إليه في شأنهم لما كان من الممكن قانوناً أن يتولد عن قرارها في هذا الخصوص أثره حالاً ومباشرة إلا بفتح اعتماد إضافي يخصص لهذا الغرض من الجهة التي تملكه وهو ما لم يتحقق بالفعل ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بغير هذا النظر، يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.