مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 718

(95)
جلسة 23 من مارس سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد صلاح الدين محمد السعيد ومحمد بهجت محمود عتيبة المستشارين.

القضية رقم 1121 لسنة 10 القضائية

( أ ) دعوى. دعوى الإلغاء "قبولها. شرط المصلحة". لا يلزم لقبولها أن يكون المدعي ذا حق - تكفي المصلحة الشخصية المباشرة مادية كانت أو أدبية - مثال.
(ب) دعوى. "دعوى جنائية" "تحريكها". قانون الإجراءات الجنائية - الأصل أن للنيابة العامة سلطة تحريكها - الاستثناء - تقييد حريتها في أحوال معينة بأن يكون تحريك الدعوى معلقاً على شكوى وذلك لحماية صالح المجني عليه الشخصي أو طلب يصدر من الجهة الإدارية التي يعينها القانون أو إذن يراد به حماية شخص معين ينتسب إلى إحدى الهيئات التي قد يكون في رفع الدعوى عليه مساس بما لها من استقلال.
(جـ) دعوى. دعوى جنائية "رفعها بعد إذن الوزير" القانون رقم 80 لسنة 1947 في شأن الرقابة على النقد - نصه على عدم جواز رفع الدعوى بالنسبة لبعض المخالفات إلا بناء على إذن من الوزير - التكييف القانوني للإذن في هذه الحالة هو اعتباره طلباً ينصرف إلى الجريمة ذاتها - أثر ذلك - سريان أحكام التنازل المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية.
(د) مصادرة. جزاء. القانون 80 لسنة 1947 - المصادرة التي يصدر بها قرار من الوزير المختص أو مندوبه طبقاً لأحكامه - تعد جزاء إدارياً له طبيعة عقابية إذ هو بديل عن إقامة الدعوى الجنائية - أثر ذلك.
(هـ) دعوى. دعوى جنائية "تقادمها". تقادم. انقطاع تقادم الدعوى الجنائية بإجراءات التحقيق أو الاتهام - مناطه - أن تكون صحيحة في ذاتها إذ أن الإجراءات الباطلة لا يترتب عليها انقطاع المدة.
1 - لا يلزم لقبول دعوى الإلغاء أن يكون المدعي ذا حق مسه القرار المطعون فيه - بل يكفي أن تكون له مصلحة شخصية مباشرة - مادية كانت أو أدبية - في طلب الإلغاء بأن يكون في حالة قانونية خاصة بالنسبة إلى القرار من شأنها أن تجعله يؤثر فيها تأثيراً مباشراً.
2 - لئن كان الأصل أن للنيابة العامة مطلق الحرية في تحريك الدعوى الجنائية إلا أن المشرع قد قيد حريتها في هذا الشأن في أحوال معينة جعل فيها حقها في تحريك الدعوى معلقاً على شكوى أو طلب أو إذن: فالشكوى يقصد بها حماية صالح المجني عليه الشخصي - والطلب يصدر من الجهة الإدارية التي يعنيها القانون بقصد حمايتها سواء بصفتها مجنياً عليها أو بصفتها أمينة على مصالح الدولة العليا والإذن قد أريد به حماية شخص معين ينتسب إلى إحدى الهيئات التي قد تكون في رفع الدعوى عليه مساس بما لها من استقلال.
3 - وإذ كانت المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 تنص على عدم جواز رفع الدعوى بالنسبة إلى بعض الجرائم أو اتخاذ إجراء فيها إلا بناء على إذن من الوزير المختص أو من يندبه لذلك - فإن مؤدى هذا النص أن تلك الجرائم تتعلق بعمليات نقد لا تتصل بأشخاص معينين وأن القيد الوارد به ينصب على الجريمة ذاتها ولا ينصرف إلى شخص مرتكبها فتكييف هذا القيد بأنه طلب لا إذن هو الذي يتفق مع قصد المشرع ومع القواعد العامة - وباعتباره طلباً فإنه تسري في شأنه أحكام التنازل المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية بوصفه القانون العام لتلك الإجراءات ووفقاً لأحكام المادة العاشرة من هذا القانون يجوز لمن خوله القانون تقديم الطلب أن يتنازل عنه في أي وقت إلى أن يصدر في الدعوى حكم نهائي - وينبني على التنازل انقضاء الدعوى الجنائية.
4 - لئن كانت المصادرة التي يصدر بها قرار من الوزير المختص أو مندوبه وفقاً لحكم الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 جزاء إدارياً إلا أن لهذا الجزاء طبيعة عقابية إذ هو بديل عن إقامة الدعوى الجنائية تلجأ إليه الجهة الإدارية إذا قدرت أن الظروف المخففة والملابسات التي أحاطت بالحادث تقتضي الاكتفاء به - كما أن للمصادرة بطبيعتها عقوبة ولو صدر بها قرار من الجهة الإدارية متى انصبت على أشياء مما يباح حيازته وتداوله فلا يجوز توقيعها إذا لم يكن الفعل مكوناً لجريمة مما نصت عليه المواد الأولى والثانية والثالثة من القانون رقم 80 لسنة 1947 كما لا يجوز توقيعها إذا كانت الدعوى الجنائية قد انقضت بالتقادم إذ يترتب على التقادم محو كل صبغة جنائية للفعل وأن يغدو كأنه لم يكن معاقباً عليه وتنقضي سلطة الدولة في العقاب فتصبح المصادرة الإدارية بما لها من طبيعة عقابية غير جائزة.
5 - لئن كانت مدة تقادم الدعوى الجنائية تنقطع بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة إلا أنه يتعين لكي تنتج تلك الإجراءات أثرها في قطع التقادم أن تكون صحيحة في ذاتها إذ أن الإجراءات الباطلة لا يترتب عليها انقطاع المدة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من الأوراق في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري بتاريخ 18 من أكتوبر سنة 1962 أقام السيد/ محمد حسن محمود الدعوى رقم 96 لسنة 17 القضائية ضد السيد وزير الاقتصاد والسيد مدير عام إدارة النقد طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر من مدير عام إدارة النقد بوزارة الخزانة في 18 من أغسطس سنة 1962 مع ما يترتب على ذلك من آثار وعلى الأخص تعويضه عما أصابه من أضرار مع إلزامهما بالمصروفات والأتعاب وقال شرحاً لدعواه إن النيابة العامة اتهمته هو وعبد الحفيظ اللبودي في القضية رقم 20 لسنة 1957 جنح أسوان بأنهما في يوم 9 من فبراير سنة 1957 بدائرة مركز أسوان عملا على نقل مبلغ ستمائة وخمسين جنيهاً إلى السودان مخالفين بذلك أحكام القانون وطلبت محاكمتهما بالمواد 1، 2، 6 من الأمر العسكري برقم 58 لسنة 1953 المعمول به بمقتضى القانون رقم 67 لسنة 1951 المعدل بالقانون رقم 176 لسنة 1956 وقضت محكمة جنح أسوان ببراءتهما مما نسب إليهما فطعنت النيابة في الحكم بالاستئناف وفي 23 من إبريل سنة 1962 قضي في الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم جواز رفع الدعوى بلا مصاريف لأن النيابة لم تستصدر إذناً من وزير الاقتصاد برفع الدعوى طبقاً لما يقضي به القانون فتقدم هو طالباً تسليمه المبلغ المحجوز على ذمة الفصل في القضية فطلبت النيابة من مراقب عام إدارة النقد بوزارة الاقتصاد الإفادة عما يتبع نحو صرف المبلغ فأصدر قراراً بعدم الإذن برفع الدعوى العمومية مع مصادرة المبلغ إدارياً وذلك في 10 من أغسطس سنة 1962 - ونعى المدعي على هذا القرار أنه مخالف للقانون وينطوي على انحراف لأن المصادرة عفوية تكميلية لا يجوز توقيعها إلا في حالة إدانة المتهم والحكم عليه بعقوبة ما دام أن الشيء المصادر غير محرم حيازته في ذاته.. ولأن جزاء المصادرة يجب أن يبنى على أساس مخالفة للقانون تقضي بوقوعها الجهة المختصة وهي المحكمة الجنائية وكل ما تملكه الإدارة في هذا الشأن هو الإذن برفع الدعوى العمومية فكان يتعين صدور القرار بصرف المبلغ إليه بعد أن أصدرت المحكمة الاستئنافية حكماً بعدم جواز نظر الدعوى.
وأجابت وزارة الاقتصاد على الدعوى بمذكرة قالت فيها إنه في 9 من فبراير سنة 1957 ضبط المدعي على ظهر الباخرة هكسسي المعادة إلى السودان وفي حوزته ستمائة وخمسين جنيهاً واتضح من التحقيق أنه كان مودعاً للمدعو عبد الحافظ حسن اللبودي السوداني الجنسية وقرر أنه كان ينوي تسليم هذا المبلغ ليحمله معه إلى وادي حلفا بالسودان وأنكر اللبودي علمه بهذه الواقعة - وأقامت النيابة الدعوى العمومية ضدهما فحكمت محكمة أسوان ببطلان الاتهام لعدم استصدار إذن من الوزير برفع الدعوى واستأنفت النيابة الحكم مستندة إلى أن رفع الدعوى كان بناء على أحكام الأمر العسكري رقم 58 لسنة 1953 وهي لا تقيد النيابة باستصدار إذن وفي 21 من يونيه استصدرت النيابة الإذن وقدمته إلى المحكمة وقضي في الاستئناف برفضه تأسيساً على أن الأمر العسكري المذكور كان قد ألغي بالأمر رقم 140 لسنة 1956 وأن الإذن صدر لاحقاً لتاريخ قيد الاستئناف وبعرض الموضوع على المدير العام للنقد قرر الاكتفاء بمصادرة المبلغ إدارياً وعدم رفع الدعوى العمومية ضد المتهمين - ونظراً إلى أن ما صدر من المدعي يعتبر مخالفاً للمادة الثانية من القانون رقم 80 لسنة 1947 لشروعه في تصدير أوراق بنكنوت دون اتباع الشروط والأوضاع المنصوص عليها في القانون ونظراً إلى أن المادة التاسعة من هذا القانون تخول الوزير المختص أو مندوبه سلطة الإذن برفع الدعوى العمومية أو الاكتفاء بمصادرة المبالغ المضبوطة فإن ما نعاه المدعي على القرار لا يستند إلى أساس وانتهت الوزارة في مذكرتها إلى طلب الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات.
وعقب المدعي على دفاع الوزارة بمذكرتين قال فيهما إن حق وزير الاقتصاد أو مندوبه في المصادرة مقصور وفقاً لحكم المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 على حالة عدم الإذن ومتى صدر الإذن برفع الدعوى فإنه لا يملك هذا الحق وإذ كان الإذن المذكور صدر في 21 من يونيه سنة 1957 فإن الوزارة تكون قد استنفدت حقها وخرج الموضوع من يدها - ويكون قرار مدير إدارة النقد بمصادرة المبلغ المضبوط الصادر في 18 من أغسطس سنة 1962 مخالفاً للقانون فضلاً عن صدوره بعد وقوع الجريمة بأكثر من ثلاث سنوات أي بعد سقوط الدعوى الجنائية وبسقوطها يسقط حق الإدارة العامة للنقد في إصدار الإذن بالسير فيها كما يسقط حقها في مصادرة المبلغ المضبوط - ولا يقطع مدة السقوط استمرار الإجراءات حتى 23 من إبريل سنة 1962 تاريخ صدور الحكم الاستئنافي لأن تلك الإجراءات شابها بطلان مطلق وتعتبر كأن لم تكن. وأضاف المدعي أن الثابت من أقوال الشهود أنه لا جريمة في الأمر إذ أن النقود المضبوطة كان مزمعاً إرسالها إلى بلدة المالكي التابعة لمركز عنيبة فلا يكون هناك تهريب ما دامت سترسل إلى بلدة مصرية يقطع بذلك البرقية المرسلة من بلدة المالكي وأن ربيع عبد الله لم يكن في حاجة إلى سلوك طريق التهريب إذ كان لديه إذن بتحويل أموال إلى السودان كما أن بطلان الإجراءات يكفي لعدم الاطمئنان إلى الوقائع وملابساتها ويؤكد انتفاء وقوع جريمة التهريب ويكون قرار المصادرة غير قائم على سبب صحيح.
ومن حيث إن الحكم المطعون به قد أقام قضاءه برفض الدعوى على أن قرار مدير إدارة النقد الصادر في 18 من يونيه سنة 1962 بمصادرة المبلغ المضبوط إدارياً قد جاء مطابقاً للمادة 419 من القانون رقم 80 لسنة 1940 المعدل بالقانون رقم 111 لسنة 1953 وليس مشوباً بشائبة الانحراف في استعمال السلطة إذ ثبت لدى الإدارة من محضر مراقب جوازات أسوان أن هناك جريمة تهريب نقود وليس للقضاء الإداري أن يستأنف النظر بالموازنة والترجيح فيما قام لدى جهة الإدارة من اعتبارات قدرت على مقتضاها ملاءمة إصدار القرار.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن وزير المالية والاقتصاد قد استنفذ حقه في اتخاذ الطريق الذي يراه عندما أصدر إذنه برفع الدعوى في 21 من يونيه سنة 1957 وجعل الأمر من اختصاص القضاء للفصل فيه - فإذا جاء بعد أن حكم القضاء بعدم جواز نظر الدعوى وإصدار قراره المطعون فيه فإن هذا القرار يكون غير ذي موضوع لأن الوزير استنفد ولايته بشأنه ولا محل للقول بأن للإدارة سلطة تقديرية إذ أنها سلبت نفسها هذه السلطة حينما رأت الالتجاء إلى القضاء وما دامت لم تلغ هذا القرار خلال ستين يوماً فلا يستساغ أن تلغيه بعد خمس سنوات وتصدر قراراً جديداً مناقضاً وذلك فضلاً عن أن الجريمة - إن صح وقوعها - قد سقطت بمضي المدة فلا يتصور أن تترتب عليها بعد سقوطها أية آثار قانونية لأن المصادرة عقوبة تكميلية لا تنشأ إلا تبعاً لعقوبة أصلية ولا يتصور أن تبقى بعد أن حكم بعدم جواز نظر الدعوى كما أن حق الخزانة قد سقط لمضي أكثر من خمس سنوات على نشوئه قبل صدور أمر الوزير بالمصادرة..
ومن حيث إن الوزارة قد عقبت على الطعن بمذكرة قالت فيها إن مصادرة المبلغ جزاء إداري لا صله له بسير الدعوى الجنائية فلا مجال للاحتجاج في شأنه بما قد يعترض اللجوء إلى الطريق الجنائي من عوارض يمتنع معها تحريك الدعوى الجنائية أو توقيع العقوبة الجنائية وأن... الثابت من واقع الدعوى أن إجراءات المحاكمة الجنائية قد استمرت حتى صدور حكم محكمة الجنح المستأنفة بأسوان في 23 من إبريل سنة 1962 بعدم جواز رفع الدعوى فتسري مدة انقضاء الدعوى من تاريخ هذا الحكم فالدعوى الجنائية لم يلحقها السقوط ولم تنقض بل انقطعت المدة المقررة لانقضائها - وتخلف الإذن برفع الدعوى الجنائية وإن كان يفيد تخلف إجراء من إجراءات تحريكها إلا أنه ليس إجراء جوهرياً أو ضمانة من ضمانات التحقيق أو المحاكمة فليس للمدعي أن يفيد من الإثارة المترتبة على تخلف هذا الإجراء وعلى ذلك فإن إجراءات التحقيق والمحاكمة تعمل آثارها في قطع المدة المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية - ويكون قرار مصادرة المبلغ قد صدر سليماً من السلطة المختصة.
ومن حيث يبين من الرجوع إلى الأوراق أنه بتاريخ 9 من فبراير سنة 1957 أثناء وجود اليوزباشي شوقي جندي مراقب الجوازات بأسوان على الباخرة (هكسس) بالشلال قبل سفرها إلى السودان ضبط مع المدعي مبلغ ستمائة وخمسين جنيهاً من أوراق النقد المصري وحرر محضراً أثبت فيه أنه قبل أن يضبط المبلغ معه سأله عن سبب صعوده إلى الباخرة فأجاب بأنه سيودع راكباً - فأمره بالنزول. وكان قد لاحظ أنه في حالة ارتباك كما علم من مصدر سري أنه يقوم بتهريب نقود إلى بعض تجار السودان فوضعه تحت مراقبته ثم حضر الراكب عبد الحافظ اللبودي التاجر السوداني الجنسية الذي صعد إلى الباخرة وأخذ في إنهاء إجراءات السفر - وطلب المدعي من الضابط محرر المحضر الإذن له بالصعود إلى الباخرة لتوديع الراكب المذكور فتركه يدخل فيها وكان معه مظروف وقبل أن يتوجه به إلى الراكب ضبطه فوجد بداخله مبلغ ستمائة وخمسين جنيهاً - وقام الضابط المذكور بسماع أقوال كل من المدعي والراكب عبد الحافظ محمد اللبودي وأثبتها في محضره وقد قرر أولهما أن الحاج حسن وربيع عبد الله التاجرين بحلفا طلبا نقوداً من الحاج عبد الكريم ناصر لكي ترسل إليهما وقد سلمه هذا الأخير شيكاً بمبلغ ستمائة وخمسين جنيهاً صرفه من البنك وكان حسن وربيع قد طلبا منه إرسال هذا المبلغ مع عبد الحافظ اللبودي التاجر بحلفا والمسافر إلى السودان فقابله في اليوم السابق واتفق معه على ذلك ثم أحضر له المبلغ الذي ضبط - أما عبد الحافظ اللبودي فقد قرر أنه لا يعلم شيئاً عن هذا المبلغ - وقام نائب مأمور مركز أسوان بتحرير محضر في ذلك اليوم سمع فيه أقوال المذكورين وأقوال اليوزباشي شوقي جندي والحاج عبد الكريم ناصر - وقد قرر اليوزباشي شوقي جندي أن المدعي محمد حسن محمود قال له إنه يريد توصيل المظروف إلى عبد الحافظ اللبودي فضبطه ووجد به المبلغ وقرر الحاج عبد الكريم ناصر أنه صدرت له تعليمات من أولاد محمد مكي خليل بالقاهرة بتسليم محمد حسن محمود مبلغ ستمائة وخمسين جنيهاً مستحقاً عليهم لحسين وربيع عبد الله سعد وشريكهم عبد الحليم خويلد وأنه لا يعلم شيئاً عن إرسال هذا المبلغ إلى حلفا - وردد كل من المدعي محمد حسن محمود وعبد الحافظ محمد اللبودي ما سبق أن أدلى به من أقوال - وأحيلت الأوراق إلى النيابة العامة التي أجرت تحقيقاً في 10 من فبراير سنة 1957 سمعت فيه أقوال المذكورين وقد قرر محمد محمود في هذا التحقيق أن حسن وربيع عبد الله سعد قد كلفاه بأخذ المبلغ من الحاج عبد الكريم وإرساله إلى أخيهما عثمان عبد الله سعد ببلدة المالكي (وهي تابعة لمركز عنيبة) ولكن ضابط الجوازات ضبطه وهو يسلمه لعبد الحافظ اللبودي الذي كان مسافراً - ولما سئل عن سبب عدم ذكره هذه الوقائع في محضر الشرطة أجاب أنه كان مضطرباً وخائفاً - وانتهت النيابة من تحقيقها إلى قيد القضية جنحة بالمواد 1، 2، 6 من الأمر العسكري رقم 58 لسنة 1953 المعمول به بمقتضى القانون رقم 67 لسنة 1951 المعدل بالقانون رقم 76 لسنة 1956 ضد محمد حسن محمود وعبد الحافظ محمد اللبودي لأنهما في يوم 9 من فبراير سنة 1957 بدائرة مركز أسوان عملوا على نقل مبلغ 650 جنيهاً إلى السودان مخالفين بذلك أحكام القانون - وأمر وكيل النيابة لمحقق بتوريد المبلغ المضبوط أمانات لخزينة المحكمة لحين التصرف في القضية التي حدد لنظرها أمام محكمة أسوان الجزئية جلسة 24 من فبراير سنة 1957 - وبجلسة 9 من يونيه سنة 1957 قضت فيها بعدم جواز رفع الدعوى العمومية وذلك تأسيساً على أن المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 بتنظيم الرقابة على عمليات النقد المعدلة بالقانون رقم 111 لسنة 1953 لا تجيز رفع الدعوى العمومية واتخاذ إجراء فيها إلا بناء على إذن من وزير المالية والاقتصاد أو من يندبه لذلك وأن الأوراق قد جاءت خلواً من هذا الإذن ومن ثم يكون ما اتبعته النيابة من تحقيق ورفع الدعوى العمومية على المتهمين بغير هذا الإذن باطلاً وغير جائز قانوناً وهو إجراء من النظام العام يستفيد به المتهم ولو لم يدفع به - وبتقرير مؤرخ 11 من يونيه سنة 1957 استأنفت النيابة هذا الحكم ناعية عليه أنه أخطأ في تطبيق القانون لأنها لم تطلب تطبيق القانون رقم 80 لسنة 1947 بل طلبت عقاب المتهمين تطبيقاً لأحكام الأمر العسكري رقم 58 لسنة 1953 الذي جاء خلواً من أي قيد على حرية النيابة في تحريك الدعوى العمومية كما طلبت النيابة في ذات التاريخ من وزارة المالية والاقتصاد الإذن برفع الدعوى الجنائية وقد أجاب وكيل تلك الوزارة بكتابه المؤرخ 21 من يونيه سنة 1957 الذي تضمن أنه يوافق على الإذن في رفع الدعوى بموجب الحق المخول له من السيد الوزير بالقرار رقم 469 لسنة 1957 - وبجلسة 24 من ديسمبر سنة 1957 قضت محكمة أسوان الابتدائية في هذا الاستئناف بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبقبول الدعوى الجنائية وبإعادتها إلى محكمة الدرجة الأولى للفصل في موضوعها تأسيساً على أن الأمر العسكري رقم 58 لسنة 1953 الخاص بتنظيم تصدير النقود إلى السودان يعتبر بمثابة قانون خاص ينطبق على ما يصدر من النقود إلى السودان ولم تشمل أحكامه قيداً على حرية النيابة في تحريك الدعوى الجنائية - وعين لنظر الدعوى أمام محكمة أسوان الجزئية جلسة 16 من مارس سنة 1958 وبعد تأجيلها مراراً لإعلان المتهم الثاني قررت المحكمة حجزها للحكم لجلسة 14 من يونيه سنة 1959 وفيها قررت إعادتها إلى المرافعة لجلسة 22 من نوفمبر سنة 1959 مع تكليف النيابة بإعلان المتهمين بقيد الواقعة طبقاً لأحكام القانون رقم 80 لسنة 1947 المعدل بالقانون رقم 111 لسنة 1953 نظراً إلى أن الأمر العسكري رقم 58 لسنة 1953 قد ألغي بالأمر العسكري رقم 140 - لسنة 1956 - ثم بجلسة 26 من مارس سنة 1961 قضت ببراءة المتهمين مما أسند إليهما تأسيساً على أن الإذن برفع الدعوى الجنائية طبقاً لأحكام القانون المذكور قد صدر من وكيل وزارة المالية والاقتصاد في 21 من يونيه سنة 1957 وأن التحقيقات وإجراءات تقديم الدعوى للجلسة اتخذت قبل صدور أي إذن من السيد وزير المالية ومن يندبه لذلك فتكون باطلة ولا يسوغ التعويل عليها في القضاء بإدانة المتهمين - وبتقرير مؤرخ 3 من إبريل سنة 1961 استأنفت النيابة هذا الحكم - وبجلسة 23 من إبريل سنة 1962 قضت محكمة أسوان الابتدائية في هذا الاستئناف بقبوله شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم جواز رفع الدعوى وأقامت قضاءها على أن القانون الواجب تطبيقه هو القانون رقم 80 لسنة 1947 المعدل بالقانون رقم 111 لسنة 1953 ولما كانت المادة 9/ 4 منه تستلزم لرفع الدعوى ضرورة الحصول على إذن وزير المالية والاقتصاد أو من يندبه لذلك وكان الثابت من الأوراق أن النيابة باشرت التحقيقات وإجراءات تقديم القضية للجلسة قبل صدور هذا الإذن فإنه بذلك تكون هذه الإجراءات قد تمت باطلة مما يتعين معه القضاء بعدم جواز رفع الدعوى - وبعد صدور هذا الحكم تقدم المدعي في 31 من مايو سنة 1962 بطلب إلى رئيس نيابة أسوان الكلية لصرف المبلغ الذي ضبط معه - فطلبت النيابة من وزارة الاقتصاد الإفادة بما يتبع في شأنه وأجاب المدير العام لإدارة النقد بتلك الوزارة بأنه لا يأذن باتخاذ الإجراءات ورفع الدعوى العمومية مع مصادرة المبلغ المضبوط وذلك بكتابه المؤرخ في 15 من أغسطس سنة 1962 الذي وصل إلى نيابة أسوان في 18 من أغسطس سنة 1962 فأقام المدعي دعواه التي طالب فيها الحكم المطعون فيه إلغاء قرار المصادرة.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة قد ذهبت في تقريرها في هذا الطعن إلى أنها ترى الحكم أصلياً بإلغاء الحكم المطعون فيه وبعدم قبول الدعوى تأسيساً على أن المدعي قد أصر طوال إجراءات التحقيق والمحاكمة على أن المبلغ المضبوط معه ليس مملوكاً له بل لحسن وربيع عبد الله سعد التاجرين بحلفا فيكونان هما صاحبي الصفة في طلب إلغاء القرار الصادر بمصادرة ذلك المبلغ إذ ليس من شأن هذا القرار أن يؤثر في الحالة القانونية للمدعي ما دام الثابت من أقواله أنه غير مالك له.
ومن حيث إنه لا يلزم لقبول دعوى الإلغاء أن يكون المدعي ذا حق مسه القرار المطعون فيه - بل يكفي أن تكون له مصلحة شخصية مباشرة - مادية كانت أو أدبية - في طلب الإلغاء بأن يكون في حالة قانونية بالنسبة إلى القرار من شأنها أن تجعله يؤثر فيها تأثيراً مباشراً ولا شك في أن للمدعي مصلحة شخصية مباشرة في طلب إلغاء القرار الصادر بمصادرة المبلغ الذي ضبط معه إذ فضلاً عن أن هذا القرار قد حال دون قيامه بالمهمة التي نيطت به وهي تسليم المبلغ المذكور إلى عبد الحافظ محمد اللبودي فإنه قد انطوى على وصمة بارتكاب جريمة هي شروعه في تصدير أوراق نقد مصري إلى السودان مخالفاً بذلك أحكام المادة الثانية من القانون رقم 80 لسنة 1947 - وهذه المصلحة تكفي لجعله صاحب صفة في طلب الإلغاء فيكون الدفع بعدم قبول الدعوى غير قائم على أساس.
من حيث إن المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 بعد أن نصت في الفقرات الثلاثة الأولى منها على العقوبات التي توقع على مخالفة أحكام المواد الأولى والثانية والثالثة من القانون أو الشروع في مخالفتها أو محاولة ذلك - نصت في الفقرة الرابعة منها على أنه (لا يجوز رفع الدعوى بالنسبة إلى الجرائم المتقدم ذكرها أو اتخاذ إجراء فيها إلا بناء على إذن من وزير المالية والاقتصاد أو ممن يندبه لذلك - وفي حالة عدم الإذن يجوز للوزير أو لمندوبه مصادرة المبلغ موضوع المخالفة) - وبذلك أوردت هذه المادة قيداً على حق النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية واتخاذ أي إجراء فيها - ولئن كان المشرع قد عبر عن هذا القيد بأنه إذن من الجهة - الإدارية المختصة إلا أن التكييف الصحيح لهذا القيد هو أنه طلب لا إذن من الجهة المذكورة - وهذا التكييف هو الذي يتفق مع القواعد العامة في قانون الإجراءات الجنائية - ذلك أنه ولئن كان الأصل أن للنيابة العامة مطلق الحرية في تحريك الدعوى الجنائية إلا أن المشرع قد قيد حريتها في هذا الشأن في أحوال معينة جعل فيها حقها في تحريك الدعوى معلقاً على شكوى أو طلب أو إذن: فالشكوى يقصد بها حماية صالح المجني عليه الشخصي - والطلب يصدر من الجهة الإدارية التي يعنيها القانون بقصد حمايتها سواء بصفتها مجنياً عليها أو بصفتها أمينة على مصالح الدولة العليا - والإذن قد أريد به حماية شخص معين ينتسب إلى إحدى الهيئات التي قد يكون في رفع الدعوى عليه مساس بما لها من استقلال - والطلب ينصرف إلى الجريمة ذاتها فينطوي على تصريح باتخاذ إجراءات التحقيق أو رفع الدعوى عنها دون اعتبار لمرتكبها - وإذ كانت المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 تنص على عدم جواز رفع الدعوى بالنسبة إلى بعض الجرائم أو اتخاذ إجراء فيها إلا بناء على إذن من الوزير المختص أو من يندبه لذلك - فإن مؤدى هذا النص أن تلك الجرائم تتعلق بعمليات نقد لا تتصل بأشخاص معينين وأن القيد الوارد به ينصب على الجريمة ذاتها ولا ينصرف إلى شخص مرتكبها فتكييف هذا القيد بأنه طلب لا إذن هو الذي يتفق مع قصد المشرع ومع القواعد العامة - وباعتباره طلباً فإنه تسري في شأنه أحكام التنازل المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية بوصفه القانون العام لتلك الإجراءات - ووفقاً لأحكام المادة العاشرة من هذا القانون يجوز لمن خوله القانون تقديم الطلب أن يتنازل عنه في أي وقت إلى أن يصدر في الدعوى حكم نهائي - وينبني على التنازل انقضاء الدعوى الجنائية.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن وزارة المالية والاقتصاد لم تطلب رفع الدعوى الجنائية عن الجريمة التي أسندت إلى المدعي وعبد الحافظ محمد اللبودي إلا في 21 من يونيه سنة 1957 بعد أن كانت تلك الدعوى قد أقيمت فعلاً وصدر فيها حكم بعدم جواز رفعها وبعد أن استؤنف هذا الحكم - وقد انتهت الإجراءات التي اتخذت في تلك الدعوى بحكم محكمة أسوان الابتدائية الصادر في 23 من إبريل سنة 1962 بعدم جواز رفعها وذلك استناداً إلى حكم الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 وتأسيساً على أن تلك الدعوى قد أقيمت قبل أن طلب الوزير أو من يندبه إقامتها - وما كان مجرد صدور هذا الحكم ليحول دون إقامة الدعوى من جديد بإجراءات مبتدأة تتخذ بعد طلب الجهة الإدارية المختصة رفعها ما لم تكن قد انقضت بالتقادم - ولكن المستفاد من الأوراق أن مثل هذه الإجراءات لم تتخذ حتى وصل إلى نيابة أسوان الكلية كتاب مدير عام الإدارة العامة للنقد المؤرخ 15 من أغسطس سنة 1962 المتضمن التنازل عن طلب رفع الدعوى الجنائية ومصادرة المبلغ المضبوط.
ومن حيث إن الأصل أن يترتب على تنازل الجهة الإدارية المختصة عن طلب إقامة الدعوى الجنائية أن تسترد حقها المخول لها أصلاً وهو جواز (مصادرة المبلغ موضوع المخالفة) وفقاً لما تقضي به الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 السابق الإشارة إليها - وقد أضيفت هذه الفقرة إلى المادة التاسعة بمقتضى القانون رقم 111 لسنة 1953 الذي تضمنت مذكرته الإيضاحية أنه نص (على عدم جواز اتخاذ إجراءات التحقيق أو رفع الدعوى العمومية بالنسبة لتلك الجرائم إلا بناء على إذن وزير المالية أو من يندبه لذلك على النحو المنصوص عليه في القوانين الفرنسية المماثلة وفي حالة ما إذا رأى وزير المالية أو يندبه نظراً للظروف المخففة والملابسات التي أحاطت بالحادث عدم الإذن باتخاذ إجراءات التحقيق أو رفع الدعوى العمومية عنه فلمصادرة المبلغ موضوع المخالفة وله أيضاً التجاوز عن ذلك).
ومن حيث إن الجنحة التي اتهم المدعي بارتكابها هي أنه في 9 من فبراير سنة 1959 عمل على نقل ستمائة وخمسين جنيهاً مصرياً إلى السودان وصدر القرار بمصادرة هذا المبلغ الذي ضبط معه في أغسطس سنة 1962 أي بعد انقضاء أكثر من ثلاث سنوات وهي المدة التي تنقضي بها الدعوى الجنائية في الجنح وفقاً لما تقضي به المادة 15 من قانون الإجراءات الجنائية - لذلك يتعين للفصل فيما إذا كان هذا القرار قد صدر سليما أو مخالفاً للقانون بحث أمرين أولهما هو ما إذا كانت المصادرة الإدارية جائزة بعد انقضاء الدعوى الجنائية بالتقادم - وثانيهما هو ما إذا كانت الدعوى الجنائية بالنسبة إلى المدعي قد انقضت قبل صدور قرار المصادرة أو لم تنقض لانقطاع مدة التقادم بالإجراءات التي اتخذت ضده.
ومن حيث إنه ولئن كانت المصادرة التي يصدر بها قرار الوزير المختص أو مندوبه وفقاً لحكم الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 جزاء إدارياً إلا أن لهذا الجزاء طبيعة عقابية إذ هو بديل عن إقامة الدعوى الجنائية تلجأ إليه الجهة الإدارية إذا قدرت أن الظروف المخففة والملابسات التي أحاطت بالحادث تقتضي الاكتفاء به - كما أن المصادرة بطبيعتها عقوبة ولو صدر بها قرار من الجهة الإدارية متى انصبت على أشياء مما يباح حيازته وتداوله فلا يجوز توقيعها إذا لم يكن الفعل مكوناً لجريمة مما نصت عليه المواد الأولى والثانية والثالثة من القانون رقم 80 لسنة 1947 كما لا يجوز توقيعها إذا كانت الدعوى الجنائية قد انقضت بالتقادم إذ يترتب على التقادم محو كل صبغة جنائية للفعل وأن يغدو كأنه لم يكن معاقباً عليه وتنقضي سلطة الدولة في العقاب فتصبح المصادرة الإدارية بما لها من طبيعة عقابية غير جائزة.
ومن حيث إنه عقب ضبط المدعي في 9 من فبراير سنة 1959 تم تحرير محضري جمع الاستدلالات وتلا ذلك في 10 من فبراير سنة 1959 تحقيق النيابة الإدارية ثم إقامة الدعوى الجنائية التي انتهت بالحكم الصادر في 23 من إبريل سنة 1962 بعدم جواز رفعها وقد أقام هذا الحكم قضاءه على أن الفقرة الرابعة من المادة التاسعة من القانون رقم 80 لسنة 1947 المعدل بالقانون رقم 111 لسنة 1953 تستلزم لرفع الدعوى ضرورة الحصول على إذن من وزير المالية والاقتصاد أو من يندبه لذلك وأن النيابة قد باشرت التحقيقات وإجراءات تقديم القضية للجلسة قبل صدور هذا الإذن وعلى ذلك تكون هذه الإجراءات باطلة مما يتعين معه القضاء بعدم جواز رفع الدعوى.
ومن حيث إنه ولئن كانت مدة تقادم الدعوى الجنائية تنقطع بإجراءات التحقيق أو الاتهام أو المحاكمة إلا أنه يتعين لكي تنتج تلك الإجراءات أثرها في قطع التقادم أن تكون صحيحة في ذاتها إذ أن الإجراءات الباطلة لا يترتب عليها انقطاع المدة وأنه ولئن كانت الجهة الإدارية المختصة قد طلبت في 21 من يونيه سنة 1957 إقامة الدعوى الجنائية عن الجريمة التي نسبت إلى المدعي هو والسيد/ عبد الحافظ محمد اللبودي إلا أنه نظراً إلى أن تحقيق النيابة العامة وإقامة الدعوى الجنائية قد تما قبل صدور ذلك الطلب فإن تلك الإجراءات التي وقعت باطلة لا يصححها الطلب اللاحق وهو بطلان متعلق بالنظام العام لاتصاله بشرط أصيل لازم لتحريك الدعوى الجنائية ولصحة اتصال المحكمة بالواقعة وإذ تخلف هذا الشرط فإن اتصال المحكمة بالدعوى في هذه الحالة لا يكون صحيحاً. ولا يحق لها أن تتعرض لموضوعها وهذا ما انتهت إليه بحق محكمة أسوان بحكمها الصادر في 23 من إبريل سنة 1962 السابق الإشارة إليه - وينبني على ذلك أن كل ما اتخذ من إجراءات التحقيق والمحاكمة وما صدر في الدعوى الجنائية التي أقيمت ضد المدعي من أحكام كاشفة عن بطلان تلك الإجراءات لم يكن من شأنه قطع تقادم تلك الدعوى.
ومن حيث إنه لذلك وإذ كانت الجريمة التي اتهم المدعي بارتكابها هي أنه في 9 من فبراير سنة 1959 عمل على نقل ستمائة وخمسين جنيهاً مصرياً إلى السودان ولم يصدر القرار بمصادرة المبلغ المضبوط معه إلا في أغسطس سنة 1962 أي بعد انقضاء مدة تقادم الدعوى الجنائية فإن القرار المذكور يكون مخالفاً للقانون حقيقا بالإلغاء وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب وقضى برفض دعوى المدعي فإنه يكون قد جانب الصواب الأمر الذي يتعين معه إلغاؤه والقضاء بإلغاء القرار الصادر من الإدارة العامة للنقد بمصادرة المبلغ إدارياً وإلزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار الصادر من الإدارة العامة للنقد في أغسطس سنة 1962 بمصادرة مبلغ ستمائة وخمسين جنيهاً مصرياً إدارياً وألزمت الحكومة بالمصروفات.