مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 781

(104)
جلسة 13 من إبريل سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين السعيد. المستشارين.

القضية رقم 172 لسنة 12 القضائية

دعوى "مصروفاتها". عقد صلح. تصالح طرفي الدعوى بقصد حسم النزاع في شأن قيمة نفقات البعثة المستحقة وكيفية أدائها، بأن سلم المطعون ضده بحق الجهة الإدارية في المبلغ المطلوب وتنازلت تلك الجهة عن حقها في إلزامه بالفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية - وجوب تفسير عقد الصلح تفسيراً ضيقاً طبقاً للمادة 555 من القانون المدني - لا يجوز الحكم بإلزام الجهة الإدارية بمصروفات الدعوى رغم أنها كانت على حق فيها وطالما لم يتضمن عقد الصلح نزولها عن الدعوى أو إعفاء المطعون ضده من الالتزام بمصروفاتها - وجوب إلزام المطعون ضده بها.
إن التعهد الصادر من المطعون ضده وما صاحبه من موافقة الجهة الإدارية عليه ينطوي على عقد صلح استهدف به الطرفان حسم النزاع في شأن قيمة نفقات البعثة المستحقة وكيفية أدائها ونزل فيه كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه، فقد سلم المطعون ضده بحق الجهة الإدارية في المبلغ المذكور وتنازلت الجهة الإدارية عن حقها في إلزامه بالفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية حسبما يستفاد من عدم تمسكها بالفوائد إلا في حالة ما إذا أخل المطعون ضده بأداء أحد الأقساط في الميعاد المتفق عليه، فتوافرت بذلك مقومات عقد الصلح وفقاً لحكم المادة 549 من القانون المدني، ولما كان من مقتضى التفسير الضيق لعبارات الصلح طبقاً لحكم المادة 555 من التقنين المدني أن يقتصر التصالح على ما تنازل عنه المتصالح دون غيره، وإذ لم يتضمن الصلح تنازل الجهة الإدارية عن الدعوى أو مصروفاتها فإنه لا يجوز أن ينسحب الصلح إليهما. ولما كانت الجهة الإدارية على حق عندما أقامت دعواها ضد المطعون ضده في حدود مبلغ 1023 جنيهاً و337 مليماً بعد أن تراخى في الاستجابة إلى مطالباتها الودية المتكررة وكان عقد الصلح الذي أبرم بين الطرفين المتنازعين لم يتناول نزول الجهة الإدارية عن الدعوى أو إعفاء المطعون ضده من الالتزام بمصروفاتها فإنه لم يكن جائزاً والحالة هذه إلزام الجهة الإدارية بمصروفات الدعوى، وإذ قضى الحكم المطعون فيه على خلاف ذلك فإنه يكون قد جانب صحيح القانون حقيقاً بالإلغاء فيما قضى به من إلزام الوزارة الطاعنة بالمصروفات وإنما ينبغي إلزام المطعون ضده المصروفات المناسبة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن وزارة التعليم العالي أقامت في 15 من أكتوبر سنة 1958 الدعوى رقم 46 لسنة 13 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري ضد كل من السيد/ محمد فريد الدسوقي حسب النبي والسيدات/ فتحية وسعاد وفايزه الدسوقي حسب النبي طالبة الحكم "بإلزامهم متضامنين الأول في كل ما له والباقين مما آل إليهم من تركة مورثهن المرحوم دسوقي حسب النبي بأن يدفعوا للطالب بصفته مبلغ 4093 جنيهاً و470 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى السداد والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة". وقالت شرحاً لدعواها إن المدعى عليه الأول السيد/ محمد فريد الدسوقي أوفد إلى انجلترا في بعثة دراسية للتخصص في حسابات التأمين بعد أن وقع تعهداً في أول سبتمبر سنة 1945 بأن يعمل بالوزارة أو بأي وظيفة أخرى في الحكومة تفرض عليه بالاتفاق مع تلك الوزارة مدة سبع سنين من تاريخ عودته إلى مصر عقب انتهاء دراسته، وأن يرد جميع ما تصرفه الحكومة عليه بصفته عضواً بالبعثة، إذا تركها من تلقاء نفسه أو إذا لم يقم بخدمة الحكومة المدة المقررة في التعهد أو إذا فصل منها لأسباب تأديبية. وفي 22 من سبتمبر سنة 1952 عاد من البعثة والتحق بمصلحة التأمين بوزارة المالية والاقتصاد ثم أعير للعمل في شركة الادخار، ولم يعد لاستلام عمله بمصلحة التأمين بعد انتهاء مدة إعارته بالرغم من إخطاره، وأعلن اعتزامه الاستمرار في عمله بالشركة كتابة في 30 من سبتمبر سنة 1956 فاضطرت الوزارة إلى إصدار قرارها في 18 من أكتوبر سنة 1956 باعتباره مستقيلاً اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1956 تاريخ انقطاعه عن العمل. وأشارت الوزارة إلى أنها أنفقت عليه في البعثة مبلغ 4093 جنيهاً و470 مليماً وأن لجنة البعثات قررت في 30 من يوليه سنة 1957 مطالبته بربع ما أنفق عليه مقسطاً على مدة أقصاها عشر سنوات، وأخطرته مصلحة التأمين في 24 من أغسطس سنة 1957 بذلك وطلبت منه موافاتها بإقرار بقبوله وموافقته على سداد هذا المبلغ طبقاً للقرار المذكور ثم عاودت طلبها في 21 من ديسمبر سنة 1957 و26 من يناير سنة 1958 دون جدوى. ولما كان مورث المدعى عليهم المرحوم دسوقي حسب النبي قد تعهد بطريق التضامن مع الأول برد جميع ما تصرفه الحكومة على الأخير أثناء البعثة إذا أخل بتعهده فقد أقامت الوزارة ضدهم هذه الدعوى. وأثناء سير الدعوى أفادت إدارة قضايا الحكومة أن لجنة البعثات انعقدت ووافقت على تخفيض مبلغ المطالبة إلى الربع فأصبح 1023 جنيهاً و368 مليماً وحررت مع المدعى عليهم محضر صلح اتفق فيه على أن يسدد المدعى عليه الأول المبلغ على أقساط سنوية وقد قام بالسداد ولذلك فقد طلبت إلزام المدعى عليهم متضامنين بالفوائد القانونية لمبلغ 4093 جنيهاً و470 مليماً من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تاريخ سداد آخر قسط مع المصاريف المناسبة ومقابل أتعاب المحاماة.
وعقب المدعى عليه الأول قائلاً إنه اتفق مع إدارة البعثات على أداء المبلغ المطلوب على عشرة أقساط قيمة كل منها 102 جنيه و337 مليماً تستحق في آخر ديسمبر من كل عام ابتداء من سنة 1958 إلى سنة 1967 وبذلك تكون الدعوى في غير محلها وواجبة الرفض مع إلزام المدعية المصروفات.
وبجلسة 31 من أكتوبر سنة 1965 قضى الحكم المطعون فيه برفض الدعوى وإلزام وزارة التعليم العالي المصروفات، وأقامت المحكمة قضاءها على أن المدعى عليه الأول وقع تعهداً مؤرخاً في 25 من يونيه سنة 1959 بدفع مبلغ 1023 جنيهاً و368 مليماً ربع ما أنفق عليه أثناء بعثته على عشرة أقساط سنوية قيمة كل منها 102 جنيه و337 مليماً وقبلت جهة الإدارة المختصة هذا التعهد وقام المدعى عليه الأول بالوفاء بما تعهد به وبذلك تكون الدعوى قد قامت على غير أساس من القانون ويتعين رفضها.
وأقامت الوزارة هذا الطعن طالبة إلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلزامها بالمصاريف القضائية مع إلزام المطعون ضده السيد/ محمد فريد الدسوقي حسب النبي بالمصروفات عن الدرجتين وأسست طعنها على أن التصالح الذي أبرم بين المطعون ضده وإدارة البعثات على أن يقوم الأول بأداء نفقات البعثة على أقساط قد تم بعد إقامة الدعوى ضده لمماطلته في الوفاء بها مما كان يتعين معه إلزامه بمصاريفها، وإذ قضى الحكم بإلزام الوزارة بمصروفات الدعوى فإنه يكون على غير أساس من القانون.
وأودعت هيئة مفوضي الدولة تقريراً رأت فيه رفض الطعن وإلزام الطاعنة المصروفات استناداً إلى أن التعهد الذي تقدم به المطعون ضده ينطوي على صلح انحسمت به المنازعة ومن ثم فقد أخطأت الإدارة في طلب إلزام المطعون ضده بالفوائد والمصروفات. وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلزام الوزارة بالمصروفات فإنه يكون قد صادف حكم القانون الصحيح.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن المطعون ضده السيد/ محمد فريد الدسوقي أوفد إلى بعثة دراسية إلى انجلترا بعد أن وقع تعهداً في الأول من سبتمبر سنة 1945 بأن يخدم في الوزارة التي يتبعها بالبعثة أو في أية وظيفة أخرى في الحكومة تفرض عليه بالاتفاق مع تلك الوزارة مدة سبع سنوات من تاريخ عودته إلى مصر عقب انتهاء دراسته وأنه يرد جميع ما تصرفه الحكومة عليه في البعثة من تلقاء نفسه أو عدم قيامه بخدمة الحكومة المدة المقررة في التعهد. وقد عاد من البعثة في 23 من سبتمبر سنة 1952 والتحق بالعمل بمصلحة التأمين بوزارة المالية والاقتصاد ثم أعير للعمل بشركة الادخار ابتداء من أول مارس سنة 1955 إلى 31 من أغسطس سنة 1956. وبعد انتهاء مدة الإعارة امتنع عن العودة إلى عمله بمصلحة التأمين بالرغم من مطالبته بذلك وتنبيهه إلى أن عدم عودته إلى استلام عمله من شأنه أن يعتبر معه مستقيلاً طبقاً لحكم المادة 112 من قانون موظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951. ولما أصر المطعون ضده على موقفه أصدرت وزارة المالية والاقتصاد قراراً في 18 من أكتوبر سنة 1956 باعتباره مستقيلاً من الخدمة من أول سبتمبر سنة 1956 تاريخ انقطاعه عن العمل. وبناء على ذلك طالبته الإدارة العامة للبعثات في 11 من ديسمبر سنة 1956، برد المبالغ التي أنفقت عليه خلال البعثة وقدرها 4093 جنيهاً و470 مليماً لإخلاله بما تعهد به من خدمة الحكومة مدة سبع سنين بعد عودته من البعثة. وفي 9 من مارس سنة 1953 طلب المطعون ضده إعفاءه من رد مصروفات البعثة، وبعرض الأمر على لجنة البعثات بجلستها المعقودة في 30 من يوليه سنة 1957 قررت مطالبته برد ربع ما أنفق عليه مقسطاً على مدة أقصاها عشر سنوات. وقد طولب المطعون ضده مراراً بتنفيذ هذا القرار ولكنه تجاهله ولم يرد عليه، فأقامت الجهة الإدارية في 15 من أكتوبر سنة 1958 الدعوى رقم 46 لسنة 13 القضائية مثار الطعن الحالي ضده وآخرين تطالبهم فيها بدفع مبلغ 4093 جنيهاً و470 مليماً والفوائد القانونية والمصاريف والأتعاب. وإثر ذلك بادر المطعون ضده في 3 من نوفمبر سنة 1958 بإرسال مبلغ 102 جنيه و337 مليماً إلى الإدارة العامة للبعثات وهو ما يوازي القسط الأول من ربع نفقات البعثة فطلبت منه الإدارة المذكورة في 19 من نوفمبر سنة 1958 موافاتها بإقرار بقبول تقسيط النفقات المذكورة على عشرة أقساط سنوية مصدق عليه أمام الشهر العقاري فأعد هذا الإقرار في 25 من يونيه سنة 1959 وتقدم به للإدارة العامة للبعثات بتنفيذ مقتضاه.
ومن حيث إنه يبين من استقراء الأوراق على النحو السالف البيان أن المطعون ضده عاد من البعثة الدراسية في 23 من سبتمبر سنة 1952 وألحق للعمل بمصلحة التأمين بوزارة المالية والاقتصاد وامتنع عن استلام عمله بالمصلحة المذكورة اعتباراً من أول سبتمبر سنة 1956 ولم يذعن إلى طلبها بالعودة إلى العمل بالرغم من تحذيره من آثار هذا الانقطاع، فاعتبر مستقيلاً من هذا التاريخ طبقاً لما تقضي به المادة 112 من قانون نظام موظفي الدولة، وبذلك يكون قد أخل بالتعهد الذي التزم به في أول سبتمبر سنة 1945 بمناسبة إيفاده إلى البعثة المشار إليها بعدم انتظامه في خدمة الحكومة سبع سنوات وحق إلزامه بالتطبيق لهذا التعهد بما أنفق عليه من مصاريف خلال البعثة.
ومن حيث إن لجنة البعثات قد ارتأت في جلستها المعقودة في 30 من يوليه سنة 1957 قصر مطالبة المطعون ضده على رد مبلغ 1023 جنيهاً و368 مليماً وهو ما يوازي ربع ما أنفق عليه أثناء البعثة مقسطاً على مدة أقصاها عشر سنوات، وقد طالبت الجهة الإدارية المطعون ضده بأداء هذا المبلغ وفقاً لما انتهت إليه لجنة البعثات وانصرم أكثر من سنة في مطالبات متكررة دون أدنى استجابة منه. وإذ التجأت الجهة الإدارية إلى القضاء الإداري لإلزام المطعون ضده بما استحق عليه من نفقات والفوائد القانونية فإنها تكون على حق ولكن في حدود الجزء الذي وافقت عليه لجنة البعثات دون المبلغ جميعه وقدره 4093 جنيهاً، 470 مليماً كما جاء بطلبات الوزارة الطاعنة.
ومن حيث إن المطعون ضده قد أقدم بعد مطالبته قضاء على التوقيع على تعهد - ارتضته الجهة الإدارية وأعملت مقتضاه - يعلن فيه التزامه بسداد مبلغ 1032 جنيهاً و368 مليماً قيمة ربع ما أنفق عليه أثناء بعثته لإدارة البعثات على أقساط سنوية قيمة كل منها 102 جنيهاً و337 مليماً تستحق في آخر ديسمبر من كل عام ابتداء من سنة 1958 إلى سنة 1967 وفي حالة تأخيره عن سداد أي قسط من الأقساط في ميعاده تستحق الأقساط الأخرى ويجوز المطالبة بها مع القسط المتأخر مع إلزامه بالفوائد القانونية ومصروفات التقاضي والتعويض عما يسببه التأخير من أضرار إن وجدت دون حاجة إلى إنذار أو تنبيه بالدفع.
ومن حيث إن التعهد المشار إليه وما صاحبه من موافقة للجهة الإدارية عليه ينطوي على عقد صلح استهدف به الطرفان حسم النزاع في شأن قيمة نفقات البعثة المستحقة وكيفية أدائها ونزل فيه كل من المتصالحين على وجه التقابل عن جزء من ادعائه، فقد سلم المطعون فيه بحق الجهة الإدارية في المبلغ المذكور وتنازلت الجهة الإدارية عن حقها في إلزامه بالفوائد القانونية من تاريخ المطالبة القضائية حسبما يستفاد من عدم تمسكها بالفوائد إلا في حالة ما إذا أخل المطعون ضده بأداء أحد الأقساط في الميعاد المتفق عليه، فتوافرت بذلك مقومات عقد الصلح وفقاً لحكم المادة 549 من القانون المدني، ولما كان من مقتضى التفسير الضيق لعبارات الصلح طبقاً لحكم المادة 555 من التقنين المدني أن يقتصر التصالح على ما تنازل عنه المتصالح دون غيره، وإذا لم يتضمن الصلح تنازل الجهة الإدارية عن الدعوى أو مصروفاتها فإنه لا يجوز أن ينسحب الصلح إليهما. ولما كانت الجهة الإدارية على حق عندما أقامت دعواها ضد المطعون ضده في حدود مبلغ 1023 جنيهاً و337 مليماً بعد أن تراخى في الاستجابة إلى مطالباتها الودية المتكررة. وكان عقد الصلح الذي أبرم بين الطرفين المتنازعين لم يتناول نزول الجهة الإدارية عن الدعوى أو إعفاء المطعون ضده من الالتزام بمصروفاتها فإنه لم يكن جائزاً والحالة هذه إلزام الجهة الإدارية بمصروفات الدعوى، وإذ قضى الحكم المطعون فيه على خلاف ذلك فإنه يكون قد جانب صحيح القانون ويتعين الحكم بالإلغاء فيما قضى به من إلزام الوزارة الطاعنة بالمصروفات وإنما ينبغي إلزام المطعون ضده المصروفات المناسبة.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المطعون ضده بالمصروفات المناسبة.