مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 812

(109)
جلسة 20 من إبريل سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين محمد السعيد ومحمد بهجت عتيبة المستشارين.

القضية رقم 1326 لسنة 10 القضائية

( أ ) دعوى "تكييفها" تكييف طلبات الخصوم فيها أمر يستلزمه إنزال حكم القانون الصحيح على واقع المنازعة - خضوعه لرقابة القضاء الإداري. سلطته في تقصي مراميها والنية الحقيقية من وراء إبدائها دون الوقوف على ظاهر المعنى الحرفي لها.
(ب) مناجم ومحاجر. عقد إداري "تنفيذه". إتاوة. القانون رقم 136 لسنة 1948 في شأن المناجم والمحاجر - اعتبار الترع من المحاجر لاحتوائها على مواد الطمي والأتربة التي تستعمل في البناء - التفرقة بين استخراج هذه المواد من الترع الحكومية بكمية محدودة لتنفيذ عملية مسندة من إحدى الجهات الحكومية وبين بيع ناتج عمليات حفر الترع التي تكون قد استخرجت وآلت ملكيتها إلى مصلحة المناجم والمحاجر - أثر ذلك - في الحالة الأولى لا يلتزم المقاول الذي يقدم على استخراج أتربة من إحدى الترع للغرض المذكور أن يؤدي إتاوة إلى مصلحة المناجم والمحاجر أو أن يحصل على ترخيص بذلك - أساس ذلك.
1 - إن التكيف القانوني للدعوى ولطلبات الخصوم فيها أمر يستلزمه إنزال حكم القانون الصحيح على واقع المنازعة، ويخضع بهذه المثابة لرقابة القضاء الذي ينبغي عليه في هذا السبيل أن يتقصى طلبات الخصم ويمحصها ويستجلي مراميها بما يتفق والنية الحقيقية من وراء إبدائها دون الوقوف عند ظاهر المعنى الحرفي لها.
2 - إن المستفاد من استقراء النصوص أن الترع في حكم القانون رقم 136 لسنة 1948 في شأن المناجم والمحاجر تعتبر من المحاجر لاحتوائها على مواد محاجر من طمي وأتربة تستعمل في البناء وقد فرق هذا القانون في المعاملة المالية بين استخراج أحد المقاولين لهذه المواد من الترع الحكومية بكمية محدودة لتنفيذ عملية معينة مسندة إليه من إحدى الجهات الحكومية، وبين بيع ناتج عمليات حفر الترع التي تكون قد استخرجت وآلت ملكيتها إلى مصلحة المناجم والمحاجر.
ففي الحالة الأولى لا يلتزم المقاول الذي يقدم على استخراج أتربة من إحدى الترع للغرض المذكور أن يؤدي أية إتاوة لمصلحة المناجم والمحاجر ولا يتطلب الأمر الحصول منها على ترخيص بذلك يستحق عنه رسم نظر، وعلة ذلك جلية في أن من يقوم باستخراج الأتربة من الترع والمصارف ونحوها على نفقته بترخيص من الجهة المختصة في أجهزة الري وفي حدود تعليماتها كما هو الشأن في الحالة المماثلة، إنما يؤدي في ذات الوقت خدمة عامة تتمثل في تطهير هذه المجاري المماثلة التي تنفق الدولة في سبيلها مبالغ طائلة مما لا يستقيم معه فرض إتاوة على ما يقوم باستخراجه من أتربة.
أما في الحالة الثانية فإن حق مصلحة المناجم والمحاجر في بيع مواد المحاجر الناتجة عن عمليات حفر الترع والمصارف ونحوها لمن يتقدم بطلب شراء شيء منها بسعر 50 مليماً للمتر المكعب الواحد أو جزء منه مشروط بأن تكون هذه المواد قد استخرجت وآلت ملكيتها إلى المصلحة، شأن ناتج حفر وتطهير الترع والمصارف ونحوها التي تتولاها الدولة على حسابها. وطالما أن القانون أعفى المقاول الذي يقوم على نفقته باستخراج الأتربة من الترع والمصارف المملوكة للدولة لتنفيذ عملية مسندة إليه من إحدى الجهات الحكومية من أداء إتاوة أو رسوم نظر فإنه لا يستساغ التحدي بأن ما قام المقاول باستخراجه يصبح، مملوكاً لمصلحة المناجم والمحاجر تتولى بيعه له.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة - على ما يبين من الأوراق - تتحصل في أن مورث المطعون ضدهم أقام الدعوى رقم 362 لسنة 16 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري في 4 من يناير سنة 1961 طالباً الحكم بإلزام وزارة الإسكان والمرافق ووزارة الصناعة متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 283 جنيهاً و200 مليم كتعويض عن الأضرار الناجمة عن القرار الإداري الصادر بخصم المبلغ المذكور من مستحقاته وتسويته لحساب مصلحة المناجم والمحاجر، مع المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة وقال شرحاً لدعواه إنه رست عليه في أوائل سنة 1949 عملية إنشاء المجموعة الصحية القروية بناحية جهينة مركز طهطا محافظة سوهاج كما رست عليه في سنة 1950 تكملة العملية المذكورة ونصت نهاية الفقرة الثالثة من المادة (123) من الباب الثاني من عقد هاتين المناقصتين على أنه "من الجائز أخذ الأتربة اللازمة لردم الموقع من قاع ترعة السوهاجية تجاه الموقع المعتمد حسب تعليمات تفتيش الري طبقاً للأورنيك المعتمد" وأنه على هذا الأساس قام بتحديد الفئة التي تقدم بها في العطاءين واستخرج تصريحاً من تفتيش ري سوهاج لأخذ الأتربة اللازمة للعملية جميعها من قاع ترعة السوهاجية ودفع التأمين اللازم لذلك، وقام بتطهير قاع الترعة المذكورة في الموقع المواجه للعملية في مقابل أخذ الأتربة اللازمة للردم من ناتج التطهير الذي قام به طبقاً للوائح المعمول بها، ولم يرتكب أية مخالفة في هذا الشأن. وسلم العملية الأصلية والتكميلية في سنة 1954. وفي 25 من مايو سنة 1959 طالبت مصلحة المناجم والمحاجر مراقبة الشئون القروية بسوهاج بخصم مبلغ 238 جنيهاً و200 مليم بدعوى أنه إتاوة عن الأتربة المستعملة في ردم العملية وتم خصم هذا المبلغ من استحقاقاته وتسويته لحساب المصلحة المذكورة على خلاف ما يقضي به القانون رقم 136 لسنة 1948 الخاص بالمناجم والمحاجر الذي كان سارياً وقت الواقعة. أضاف أنه أصيب بأضرار من جراء هذا التصرف يوازي الإتاوة التي خصمت من مستحقاته بدون وجه حق وهو ما يطالب به.
وردت الجهة الإدارية قائلة إن المدعي قام بأخذ أتربة من ترعة السوهاجية بلغت 5615 متراً مكعباً ويلتزم طبقاً لأحكام القانون رقم 136 لسنة 1948 بأن يؤدي ثمنها لمصلحة المناجم والمحاجر بواقع 50 مليماً للمتر المكعب. وقد طالبت المصلحة المذكورة وزارة الإسكان والمرافق بتسوية ثمن هذه الأتربة خصماً من مستحقات المدعي وهي بذلك إنما تطبق أحكام القانون المذكور الذي خولها حق بيع الأتربة المحفورة من قاع الترع وتحصيل ثمنها لحساب الخزانة العامة ومن ثم فلم يصدر قرار إداري مما يختص القضاء الإداري بنظر دعوى المطالبة بتعويض عنه وانتهت الجهة الإدارية إلى طلب الحكم بصفة أصلية بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى واحتياطياً برفضها وإلزام رافعها في الحالتين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة 17 من مايو سنة 1964 قضى الحكم المطعون فيه برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى تأسيساً على أن المدعي يهدف إلى إلزام الحكومة بقيمة الأتربة التي خصمتها منه بعد أن رخصت له في أخذها بدون مقابل بمقتضى العقد المبرم بينه وبين مراقبة الشئون البلدية والقروية بسوهاج والتصريح المعطى له من تفتيش ري سوهاج في 5 من يونيه سنة 1964، ومن ثم فإن المنازعة متعلقة باسترداد قيمة الأتربة التي تعاقد على أخذها بعقد من عقود الأشغال العامة وينعقد الاختصاص تبعاً لذلك للقضاء الإداري. وألزمت المحكمة وزارة الصناعة بأن تدفع إلى المدعي 283 جنيهاً و200 مليم والمصاريف ومبلغ ثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة، وأقامت قضاءها في هذا الشأن على أن المدعي هو الذي قام بتطهير الترعة السوهاجية ونقل الأتربة المستخرجة إلى موقع العملية بعد أن حصل على تصريح من تفتيش ري سوهاج بذلك بعد دفع التأمين اللازم مما لا تنطبق معه شروط الفقرة (د) من البند السادس من القانون رقم 136 لسنة 1948 التي تعطي مصلحة المناجم والمحاجر الحق في بيع مواد المحاجر الناتجة عن عمليات حفر الترع والمصارف التي تكون قد استخرجت وآلت إليها ملكيتها لمن يتقدم بطلب شرائها بسعر 50 مليماً للمتر المكعب، حيث إن المصلحة المذكورة لم تقم باستخراج هذه الأتربة أو تشوينها حتى تصبح ملكاً لها تتولى التصرف فيها بالبيع وبالتالي يكون حصولها على ثمنها على غير أساس ويكون طلب المدعي الحكم له بمقدار ما خصم من مستحقاته على أساس سليم ويتعين إجابته إليه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على السببين الآتيين:
أولاً: إن المحكمة خالفت القانون حينما رفضت الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى على أساس تعلق المنازعة بالعقد المبرم بين وزارة الإسكان والمرافق والمطعون ضده بعد أن رفضت تصوير المدعي للمنازعة على أنها تعويض عن القرار الإداري الصادر من مصلحة المناجم والمحاجر بخصم المبلغ المرفوع به الدعوى، ذلك لأن وزارة الصناعة الطاعنة لم تكن طرفاً فيه ومن ثم فلا يقبل القول باختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى ولأن الدعوى في حقيقتها منازعة في مدى أحقية الوزارة الطاعنة في ثمن الأتربة التي استخرجها المطعون ضده من ترعة السوهاجية إعمالاً للحق المخول لها بمقتضى القانون رقم 136 لسنة 1948 وأن استخراج المطعون ضده الأتربة بمناسبة تنفيذ العقد المذكور لا يقوم سنداً قانونياً لاختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر هذا النزاع. وأضافت الطاعنة تأييداً لنظرها أن الحكم المطعون فيه بعد إذ قضى برفض الدفع بعدم الاختصاص اقتصر في الموضوع على إلزام وزارة الصناعة الطاعنة بالمبلغ المحكوم به على أساس عدم انطباق القانون المشار إليه ولم يقض بشيء ضد وزارة الإسكان والمرافق وهي الجهة المبرم معها العقد الذي استندت إليه المحكمة في رفضها الدفع بعدم اختصاصها بنظر الدعوى.
ثانياً: إن المحكمة أخطأت في قضائها بعدم انطباق حكم الفقرة (د) من البند السادس من القسم الثالث من الجدول الملحق للقانون رقم 136 لسنة 1948 على الأتربة التي استخرجها المطعون ضده من ترعة السوهاجية والتي تقضي بأن تتولى مصلحة المحاجر بيع مواد المحاجر الناتجة من عمليات حفر الترع والمصارف لمن يتقدم بطلب شراء شيء منها بسعر 50 مليماً للمتر المكعب الواحد. ولما كان المطعون ضده قد استخرج 5615 متراً مكعباً من هذه الأتربة فإنه يلزم بدفع ثمنها على أساس هذا السعر ويكون الحكم على خلاف ذلك مخالفاً لأحكام القانون ويتعين إلغاؤه.
ومن حيث إن هيئة مفوضي الدولة أودعت تقريراً أبرزت فيه وجهة نظرها في الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى وفي الموضوع، فأوردت عن الأول أن القضاء الإداري يختص بالفصل في المنازعات الخاصة بالعقود الإدارية طبقاً لما تقضي به المادة 10 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة ولا يتغير هذا الاختصاص لمجرد أن وزارة الصناعة لم تكن طرفاً في العقد الإداري المبرم بين المطعون ضده ووزارة الإسكان والمرافق ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع بعدم الاختصاص صحيحاً ومطابقاً للقانون. وذكرت عن الثاني أن الترع والمصارف ومجاري المياه العامة تعتبر في حكم القانون رقم 136 لسنة 1948 من المحاجر لأنها تحوي في قاعها مواد البناء وعلى ذلك تعتبر الأتربة الموجودة في قاعها من المال العام باعتبارها من محتويات المحاجر ولو لم يتم استخراجها، وبناء عليه يجوز قانوناً أن يصرح لأحد المقاولين باستخراج الأتربة من قاع إحدى الترع ثم تحاسبه مصلحة المناجم والمحاجر على ثمن ما تم استخراجه منها بالتطبيق لحكم الفقرة (د) من البند سادساً من القسم الثالث من الجدول الملحق بالقانون. وتكون الإدارة على حق حين ألزمت المطعون ضده بدفع ثمن 5615 متراً مكعباً من الأتربة التي قام باستخراجها من قاع الترعة السوهاجية بواقع 50 مليماً للمتر المكعب الواحد خلاف رسم النظر والتمغة، وإذ ذهب الحكم غير هذا المذهب يكون قد خالف حكم القانون ويكون الطعن في هذا الشق على أساس سليم.
ومن حيث إنه يبين من استظهار عريضة الدعوى التي صدر فيها الحكم مثار الطعن الماثل أن المدعي (مورث المطعون ضدهم) استهلها بالإشارة إلى العقد الذي أبرمته معه مراقبة الشئون البلدية والقروية بسوهاج في سنة 1949 لإنشاء المجموعة الصحية القروية بناحية جهينة مركز طهطا وما نص عليه في نهاية الفقرة الثالثة من المادة (123) من الباب الثاني منه من أنه "من الجائز أخذ الأتربة اللازمة لردم الموقع من قاع ترعة السوهاجية تجاه الموقع المعتمد حسب تعليمات تفتيش الري للأورنيك المعتمد". ثم استطرد المدعي إلى أنه استخرج من تفتيش ري سوهاج تصريحاً لأخذ الأتربة اللازمة للعملية جميعها من قاع الترعة المذكورة ودفع التأمين اللازم لذلك بتطهير قاع الترعة في الموقع المواجه للعملية في مقابل أخذ الأتربة اللازمة للردم من ناتج التطهير. وأضاف أنه في عام 1959 طلبت مصلحة المناجم والمحاجر من مراقبة الشئون القروية بسوهاج خصم مبلغ 283 جنيهاً و200 مليم من مستحقاته بمقولة إنه إتاوة عن الأتربة المستعملة في الردم فأخطرته المراقبة المذكورة بكتابها المؤرخ في 20 من أكتوبر سنة 1960 بأنها سددت المبلغ المشار إليه لحساب مصلحة المناجم والمحاجر. وأردف المدعي أن هذا التصرف مجحف بحقوقه ومخالف للقانون لعدة أسباب أورد منها مخالفة هذا التصرف لحكم القانون رقم 136 لسنة 1948 الخاص بالمناجم والمحاجر ولشروط التعاقد التي نصت على الاستيلاء على تلك الأتربة لمواجهة العملية. وخلص المدعي إلى أنه قد أصابه ضرر من جراء هذا التصرف يوازي الإتاوة التي جرى خصمها من مستحقاته بدون وجه حق. وطلب في النهاية "إلزام المدعى عليهما متضامنين بأن يدفعا له مبلغ 380 جنيهاً و200 مليم كتعويض عن الأضرار الناجمة عن القرار الإداري المنوه عنه بصحيفة الطلب" وقد دفعت الحكومة بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بنظر الدعوى استناداً إلى أنه لم يصدر قرار إداري حتى يمكن القول باختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر دعوى المطالبة بتعويض عنه. وضمن المدعي تعقيبه على هذا الدفع أنه يربطه بالمدعى عليهما - على الأخص الثانية - عقد إداري نشأ عنه القرار الإداري المطعون فيه وأن القضاء الإداري يختص بالنظر في المنازعات المترتبة على تنفيذ العقود الإدارية وطلب رفض الدفع.
ومن حيث إن التكييف القانوني للدعوى ولطلبات الخصوم فيها أمر يستلزمه إنزال حكم القانون الصحيح على واقع المنازعة، ويخضع بهذه المثابة لرقابة القضاء الذي ينبغي عليه في هذا السبيل أن يتقصى طلبات الخصم ويمحصها ويستجلي مراميها بما يتفق والنية الحقيقية التي قصد إليها من وراء إبدائها دون الوقوف عند ظاهر المعنى الحرفي لها. ولما كانت حقيقة المنازعة على ما سبق بيانه تدور حول مشروعية خصم مراقبة الشئون القروية بسوهاج مبلغ 380 جنيهاً و300 مليم من مستحقات المدعي ثمناً للأتربة التي استخرجها من قاع ترعة السوهاجية لردم موقع المجموعة الصحية القروية بناحية جهينة بالتطبيق للمادة (123) من العقد المبرم بينهما في هذا الشأن وتسوية هذا المبلغ لحساب مصلحة المناجم والمحاجر بناء على طلبها، ومتى كان الأمر كذلك فإن مطالبة المدعي بإلزام المدعى عليهما بهذا المبلغ تنطوي في التكييف القانوني الصحيح على منازعة في عقد إداري يختص القضاء الإداري به، وليس مطالبة بتعويض عن قرار إداري بخصم هذا المبلغ حسبما انتهى إليه المدعي في صحيفة دعواه ولا ينفي عن هذه المنازعة صفتها الإدارية على هذا الوجه تقدير مصلحة المناجم ثمن الأتربة وفقاً لحكم القانون رقم 136 لسنة 1948 الخاص بالمناجم والمحاجر طالما أن المنازعة تتعلق بالعقد الإداري وتتصل بشروطه وأحكامه وإجراءات تنفيذه وما يستتبعه من التصدي لنصوصه بالتفسير والتأويل. وبناء عليه يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدفع المثار بعدم الاختصاص قد صادف وجه الحقيقة، ولا ينال من ذلك أنه ألزم وزارة الصناعة وهي ليست طرفاً في العقد بالمبلغ المطالب به لأنه ما قضى بذلك إلا باعتبار أنها هي الجهة التي طالبت بخصم المبلغ من مستحقات المدعي وآل إليها هذا المبلغ فعلاً ومن ثم تعين إلزامها برده. وبناء عليه يكون السبب الأول من أسباب الطعن قد جانب الصواب متعين الرفض.
ومن حيث إنه عن السبب الثاني من أسباب الطعن وهو الخاص بموضوع الدعوى فإن الثابت من استقراء أوراق الطعن أن الإدارة الهندسية القروية بمجلس مديرية جرجا أسندت إلى المطعون ضده عملية إنشاء المجموعة الصحية بناحية جهينة والأعمال المكملة لها في سنة 1949 وحدد لإنهاء العملية 19 من أغسطس سنة 1951 ونص العقد في المادة (123) منه على أنه "من الجائز أخذ الأتربة اللازمة للردم من قاع ترعة السوهاجية تجاه الموقع المعتمد حسب تعليمات تفتيش الري وطبقاً للأورنيك المعتمد" واستناداً إلى ذلك حصل المطعون ضده على تصريح من تفتيش الري بسوهاج لأخذ الأتربة اللازمة للعملية من قاع الترعة المذكورة وقام باستخراج الأتربة اللازمة للردم في عام 1951. وبناء على طلب مصلحة المناجم والمحاجر قامت مراقبة الشئون القروية بسوهاج بخصم 283 جنيهاً و200 مليم من مستحقاته في هذه العملية وسددتها لحساب المصلحة ويشمل هذا المبلغ 280 جنيهاً و750 مليماً ثمناً للأتربة بواقع 50 مليماً للمتر المكعب وجنيهين رسم نظر و450 مليماً رسوم دمغة وهو ما نازع فيه المدعي.
ومن حيث إن الفصل في المنازعة يقتضي البحث فيما إذا كانت الأتربة التي استخرجها المطعون ضده من قاع الترعة المذكورة لاستخدامها في أعمال الردم الخاص بالعملية المسندة إليه يستحق عليها مقابل معين طبقاً لأحكام العقد أو القانون رقم 136 لسنة 1948 يجوز معه خصمه من مستحقات المطعون ضده في العملية المشار إليها. ولما كان من المسلم به أن العقد لا يقضي بذلك فإن نقطة النزاع تنحصر في بيان حكم القانون في هذا الشأن.
ومن حيث إن القانون رقم 136 لسنة 1948 الخاص بالمناجم والمحاجر الذي تخضع لأحكامه المنازعة الماثلة قد حدد المحاجر في المادة 17 منه وعرفها بأنها الأماكن التي تحتوي مادة أو أكثر من المواد التي عددها ومن بينها الطمي والمواد المستعملة في البناء والزخرفة بكافة أنواعها، وبهذه المثابة تعتبر الترع والمصارف ونحوها من المحاجر في شأن ناتج عمليات حفرها وهو ما أكدته الفقرة (د) من البند السادس من القسم الثالث من الجدول الملحق بهذا القانون إذ نصت على أن تتولى مصلحة المناجم والمحاجر بيع مواد المحاجر الناتجة من عمليات حفر الترع والمصارف ونحوها. كما نظم القانون في المادة 21 منه تأجير المحاجر ونص على أن يتم ذلك في حدود الفئات الواردة في الجدول الملحق به. وبالرجوع إلى القسم الثالث من الجدول المشار إليه يبين أنه حدد في البند أولاً منه رسوم النظر عن الطلبات الجديدة الخاصة بعقود وتراخيص.. إلخ الخاصة بتأجير المحاجر الحكومية وقدر بمبلغ جنيهين رسوم النظر "لاستخراج مواد محاجر بكمية محدودة لغرض معين من محجر في مقابل إتاوة على الوجه المبين في الفقرة خامساً أ، ب التالية". وأشارت هذه الفقرة إلى أنه في حالة ما "إذا طلب مقاول الترخيص له باستخراج مواد محاجر من محجر أو أكثر لتنفيذ عملية معينة مسندة إليه من إحدى الجهات الحكومية تحصل مصلحة المناجم والمحاجر إتاوات بالفئات المبينة بعد"، وبمراجعة البيان الخاص بأنواع المواد التي حدد لها فئة إتاوة في هذا الشأن يتضح أنه لم يتضمن من المواد سوى أنواع معينة من الأحجار والرمال والزلط فلم ينص على الطمي أو المواد الأخرى المستعملة في البناء وبالتالي لم يحدد فئات إتاوة لاستخراجها. وقضى البند سادساً "بأن لمصلحة المناجم والمحاجر الحق في بيع كافة مواد المحاجر التي تكون قد استخرجت وآلت إليها ملكيتها على التفصيل التالي "..... (د)" أما في حالة مواد المحاجر الناتجة عن عمليات حفر الترع والمصارف ونحوها فتتولى مصلحة المناجم والمحاجر بيعها بأكملها أو بعضها حسب الأحوال لمن يتقدم بطلب شراء شيء منها وذلك بسعر 50 مليماً للمتر المكعب الواحد أو جزء منه".
ومن حيث إن المستفاد من استقراء هذه النصوص أن الترع في حكم القانون رقم 136 لسنة 1948 آنف الذكر تعتبر من المحاجر لاحتوائها على مواد محاجر من طمي وأتربة تستعمل في البناء وقد فرق هذا القانون في المعاملة المالية بين استخراج أحد المقاولين لهذه المواد من الترع الحكومية بكمية محدودة لتنفيذ عملية معينة مسندة إليه من إحدى الجهات الحكومية، وبين بيع ناتج عمليات حفر الترع التي تكون قد استخرجت وآلت ملكيتها إلى مصلحة المناجم والمحاجر. ففي الحالة الأولى لا يلتزم المقاول الذي يقدم على استخراج أتربة من إحدى الترع للغرض المذكور أن يؤدي أية إتاوة لمصلحة المناجم والمحاجر ولا يتطلب الأمر الحصول منها على ترخيص ليستحق عنه رسم نظر، وعلة ذلك جلية في أن من يقوم باستخراج الأتربة من الترع والمصارف ونحوها على نفقته بترخيص خاص من الجهة المختصة في أجهزة الري وفي حدود تعليماتها كما هو الشأن في الحالة الماثلة، إنما يؤدي في ذات الوقت خدمة عامة تتمثل في تطهير هذه المجاري المائية التي تنفق الدولة في سبيلها مبالغ طائلة مما يستقيم معه فرض إتاوة على ما يقوم باستخراجه من أتربة.
أما في الحالة الثانية فإن حق المصلحة المناجم والمحاجر الناتجة عن عمليات حفر الترع والمصارف لمن يتقدم بطلب شراء شيء منها بسعر قدره 50 مليماً للمتر المكعب الواحد أو جزء منه مشروط بأن تكون هذه المواد قد استخرجت وآلت ملكيتها إلى المصلحة، شأن ناتج حفر وتطهير الترع والمصارف ونحوها التي تتولاها الدولة على حسابها. وطالما أن القانون أعفى المقاول الذي يقوم على نفقته باستخراج أتربة من الترع والمصارف المملوكة للدولة لتنفيذ عملية مسندة إليه من إحدى الجهات الحكومية من أداء إتاوة أو رسوم نظر فإنه لا يستساغ التحدي بأن ما قام المقاول باستخراجه يصبح مملوكاً لمصلحة المناجم والمحاجر تتولى بيعه له بالتطبيق لحكم الفقرة (د) من البند السادس سالفة الذكر.
ومن حيث إن المطعون ضده قد قام باستخراج الأتربة اللازمة لتنفيذ عملية مسندة إليه من إحدى الجهات الحكومية من قاع ترعة السوهاجية بعد أن حصل على الترخيص اللازم بذلك من تفتيش الري بسوهاج فإنه لا يلتزم بأداء إتاوة أو ثمن عن الكمية التي استخرجها لهذا الغرض بالتطبيق لحكم القانون رقم 136 لسنة 1948 وبالتالي ما كان يجوز لمصلحة المناجم والمحاجر أن تطالب مراقبة الشئون القروية بسوهاج بخصم أي مبلغ من مستحقات المطعون ضده في العقد المشار إليه عن الأتربة التي استخرجها وما كان يجوز للمراقبة المذكورة أن تستجيب لهذا الطلب.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن الطعن وقد قام على غير سند من القانون فإنه يتعين القضاء برفضه مع إلزام الجهة الطاعنة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.