مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 822

(110)
جلسة 27 من إبريل سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور أحمد موسى وكيل مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة عادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد صلاح الدين السعيد ومحمد بهجت عتيبة المستشارين.

القضية رقم 359 لسنة 9 القضائية

( أ ) هيئة عامة "الهيئة العامة لشئون السكك الحديدية". موظف "تأديب". الجزاءات التأديبية لموظفي الهيئة الصادرة بالقرار رقم 108 لسنة 1960 - عرض الأمر على اللجنة الفنية لشئون عمال اليومية - عدم العرض يترتب عليه عدم استيفاء القرار لأوضاعه الشكلية - الحكم الصادر بإلغاء هذا القرار لا يحول دون اتخاذ الإجراءات التأديبية عن ذات المخالفة وتوقيع الجزاء المناسب بقرار آخر تتبع بشأنه الإجراءات التي يقضي بها القانون - عدم تقييد الجهة الإدارية عند إصدار القرار الأخير بمواعيد سحب القرارات الإدارية - أساس ذلك.
(ب) قرار إداري "صحته". عدم انعقاد اللجنة الفنية لشئون عمال اليومية - صدور قرارها بطريق التمرير لا يؤدي إلى بطلان القرار ما دام قد صدر بالإجماع.
(جـ) موظف "جزاء" إسناد أعمال كثيرة إلى الموظف تقتضي تغيبه عن المخزن مدداً متفاوتة ولئن كان لا يعفيه من المسئولية عما يقع من تقصير في القيام بواجباته إلا أن هذا التقصير في مثل هذه الظروف لا يرقى إلى مرتبة الإهمال الجسيم المنصوص عليه في البند الثالث من جدول مخالفات المجموعة الأولى والذي سوت اللائحة في العقوبة بينه وبين المخالفات العمدية المنصوص عليها في الجدول المذكور - اختيار أشد الجزاءات لها وهو الفصل ينطوي على غلو في تقدير الجزاء بما لا يتناسب مع درجة جسامة المخالفة مما يجعله مخالفاً للقانون.
1 - إن الحكم بإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي استناداً إلى أن هذا القرار لم يستوف أوضاعه الشكلية لعدم عرض الأمر على اللجنة الفنية لشئون العمال قبل صدوره ما كان ليحول دون اتخاذ الإجراءات التأديبية ضد المدعي عن تلك المخالفة المنسوبة إليه وتوقيع الجزاء المناسب عليه متى كانت ثابتة في حقه بقرار آخر يصدر بعد اتباع الإجراءات التي يقضي بها القانون - ولا تتقيد الجهة الإدارية عند إصدار هذا القرار بمواعيد سحب القرارات الإدارية. إذ أن القرار الذي صدر بمجازاة المدعي لا يتضمن سحباً لأي قرار آخر ومن ثم لا يكون هناك وجه للنعي عليه بأنه كان يتعين صدوره خلال ستين يوماً من تاريخ إعادته إلى عمله تنفيذاً للحكم الصادر في الدعوى سالفة الذكر.
2 - إن ما ذهب إليه المدعي من أن اللجنة لم تنعقد بل اتخذت قرارها بطريق التمرير ليس من شأنه أن يؤدي إلى بطلان القرار المذكور ما دام قد صدر بالإجماع حسبما هو ثابت من الأوراق.
3 - إن ما وقع من المدعي من إخلال بواجبات وظيفته يتمثل في عدم مراقبته عملية صرف الأدوات الكتابية وعدم مراجعة موجودات المخزن ولا سيما الأصناف ذات القيمة من حين إلى آخر والثابت من الرجوع إلى ملف خدمته وإلى التحقيق الذي أجري معه أنه كان مسنداً إليه أعمال أخرى كثيرة تقتضي تغيبه عن المخزن مدداً متفاوتة - وأنه وإن كانت كثرة الأعمال المعهودة بها إليه ليس من شأنها أن تعفيه من المسئولية عما وقع منه من تقصير في القيام بواجباته إلا أن هذا التقصير في الظروف التي حدث فيها لا يرقى إلى مرتبة الإهمال الجسيم المنصوص عليه في البند الثالث من جدول مخالفات المجموعة الأولى والذي سوت اللائحة في العقوبة بينه وبين المخالفات العمدية المنصوص عليها في الجدول المذكور.
وإذ قام القرار الصادر بفعل المدعي على تكييف المخالفة المسندة إليه بما يجعلها من الذنوب الإدارية التي تندرج تحت البند الثالث من جدول مخالفات المجموعة الأولى - وإذ اختار لها أشد الجزاءات وهو الفصل - فإنه يكون قد خالف القانون وانطوى على غلو في تقدير الجزاء بما لا يتناسب مع درجة جسامة تلك المخالفة الأمر الذي يتعين معه إلغاء القرار المذكور لإعادة التقدير بما يتناسب عدلاً مع ما قام في حق المدعي من ذنب لا يعتبر جسيماً في الظروف التي وقع فيها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية بمراعاة أن الحكم المطعون فيه قد صدر في 14 من نوفمبر سنة 1962 وتقدم الطاعن في 12 من يناير سنة 1963 بطلب لإعفائه من رسوم الطعن تقرر قبوله في 28 من يناير سنة 1963 فأقام هذا الطعن بإيداع تقريره قلم كتاب المحكمة في 3 من مارس سنة 1963.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة المواصلات والهيئة العامة لشئون السكك الحديدية في 17 من مايو سنة 1961 أقام السيد/ عبد الحميد صالح أبو غالي الدعوى رقم 784 لسنة 8 القضائية ضد السيد وزير المواصلات والسيد مدير عام هيئة السكك الحديدية طالباً الحكم بإلغاء القرار الصادر في 31 من يناير سنة 1961 بفصله تأديبياً وإعادته إلى عمله مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليهما بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال شرحاً لدعواه إنه كان يعمل كاتب مهمات بالهيئة العامة للسكك الحديد منذ أول مارس سنة 1926 إلى أن فوجئ بفصله بالقرار الصادر في 13 من يناير سنة 1958 فتظلم منه وأقام الدعوى رقم 274 لسنة 5 القضائية التي قضي فيها بتاريخ 16 من مايو سنة 1960 بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار - وأعيد إلى عمله في 3 من يناير سنة 1961 - وفي 30 من يناير سنة 1961 فوجئ بقرار من مفتش عام السكة والأشغال بفصله استناداً إلى القرار الإداري رقم 907 لسنة 1960 وإلى التحقيق الإداري الذي أجري في 22 من ديسمبر سنة 1957 في شأن اختلاس مهمات مصلحية من مخزن الأدوات الكتابية بالهندسة وإلى المحضر الخاص باللجنة التي قامت بجرد المخزن وقدرت قيمة العجز الذي وجدته بمبلغ 497 جنيهاً و485 مليماً وإلى محضر اللجنة الفنية بإدارة هندسة السكة والأشغال المنعقدة في 21 من يناير سنة 1961 والتي رأت فصله من الخدمة فصلاً تأديبياً - وذكر المدعي أن هذا القرار مخالف للقانون ومشوب بإساءة استعمال السلطة وأنه لذلك تظلم منه في 9 من فبراير سنة 1962 وبشكوى لاحقة في 9 من مارس سنة 1961 ولكنه لم يتلق رداً على تظلمه فأقام دعواه طاعناً عليه للأسباب الآتية:
أولاً - إنه في 13 من يناير سنة 1958 صدر قرار هندسة السكة الحديد بفصله من عمله بسبب وجود عجز في مخزن الأدوات الكتابية بهندسة السكة حرر عنه محضر تحقيق إداري في 22 من ديسمبر سنة 1957 وقضي بإلغاء هذا القرار في الدعوى رقم 274 لسنة 5 القضائية وأصبح هذا الحكم نهائياً - وقد صدر القرار المطعون فيه رقم 31 في 30 من يناير سنة 1961 بناء على ذلك التحقيق وذات الأسباب وفي ذلك مساس بحجية الشيء المقضى به في الدعوى رقم 524 لسنة 5 القضائية.
ثانياً - إنه على فرض أن الحكم الصادر في الدعوى 534 لسنة 5 القضائية قد بني على أساس مخالفة الإجراءات القانونية في إصدار قرار الفصل فإنه ما كان يجوز إصدار القرار المطعون فيه بعد أن اتضح من التحقيق أنه غير مسئول عن العجز الذي وجد إذ لم يكن الكاتب الوحيد بالمخزن وكان رؤساؤه يكلفونه بالسفر للتفتيش فكانت يده ترفع عن المخزن.
ثالثاً - إنه تبين من تحقيق النيابة العامة أنه لا يمكن مساءلته عن مهمات المخزن لوجود أشخاص آخرين يتصرفون في مهماته ولا يجتمعون في وقت واحد حتى يمكن إسناد التهمة إليهم جميعاً أو لواحد منهم ولذلك انتهت النيابة العامة إلى حفظ التحقيق.
رابعاً - إن قرار اللجنة الفنية لم يصدر بعد تمحيص وفحص ومناقشة بل عرضت الأوراق على اللجنة بطريق التمرير.
خامساً: إنه كان على هندسة السكة بعد أن أعادته إلى عمله وألغت قرار الفصل الأول أن توجه إليه اتهاماً جديداً وتواجهه به أو على الأقل تستدعيه أمام اللجنة الفنية لإبداء دفاعه ومن ثم يكون قرار فصله قد بني على قرار اللجنة المشوب ويكون باطلاً.
وأجابت الهيئة المدعى عليها على الدعوى بمذكرة قالت فيها إنه سبق أن قامت اللجنة بجرد مخزن الأدوات الكتابية بتفتيش المهمات وقام الضابط القضائي بتفتيش منزل كل من المدعي ومساعده علي قنديل ووجد بمنزل المدعي بعض الأدوات الكتابية ومهمات اشتبه في أنها مصلحية كما عثر على بعض المخدرات أجرت نيابة المخدرات التحقيق في شأنها وقبض على المدعي ثم أفرج عنه وتقرر إيقافه هو ومساعده لحين الانتهاء من التحقيق وقدرت لجنة الجرد العجز في المخزن بمبلغ 497 جنيهاً و489 مليماً وأسفر التحقيق الإداري عن إدانة المدعي ومساعده وصدر الأمر رقم 5 لسنة 1958 في 13 من يناير سنة 1958 بفصلهما فأقام المدعي الدعوى رقم 274 لسنة 5 القضائية التي قضي فيها بجلسة 16 من مايو سنة 1960 بإلغاء القرار الصادر بفصله استناداً إلى أن هذا القرار قد صدر دون عرض الأمر على اللجنة الفنية وبناء على ذلك صدر أمر إداري في 29 من ديسمبر سنة 1960 بإلغاء قرار الفصل وإعادة المدعي إلى العمل واستلم العمل فعلاً في 3 من يناير سنة 1961 وأعيد عرض الموضوع على اللجنة الفنية بإدارة هندسة السكة والأشغال التي رأت بجلستها المنعقدة في 21 من يناير سنة 1961 فصل المدعي فصلاً تأديبياً فصدر القرار رقم 31 في 30 من يناير سنة 1961 بفصله من العمل من مفتش عام هندسة السكة والأشغال الذي خول هذا الاختصاص بمقتضى القرار رقم 204 لسنة 1956 وانتهت الهيئة إلى طلب الحكم برفض الدعوى وإلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وعقب المدعي على دفاع الهيئة بمذكرة قال فيها إن لائحة الجزاءات التأديبية لموظفي الهيئة الصادرة بالقرار رقم 108 لسنة 1960 قد قسمت المخالفات إلى خمسة أقسام وقررت عقوبات لكل قسم منها وأن النتيجة التي وصل إليها المحقق في التحقيق الإداري الذي أجري في 22 من ديسمبر سنة 1957 هي أن المسئول الحقيقي عن جميع العجز هو علي قنديل وأن المدعي مسئول عن الإهمال في مراجعة موجودات المخزن ولا سيما في الأصناف ذات القيمة من حين لآخر وبالأخص بعد عودته من المأموريات التي كان يكلف بها خارج المخزن وأن الاتهام الذي وجه إليه هو عدم مطابقة ظهر الكارت لبواقي أرصدة المهمات بالمخازن وهي مخالفة نص عليها تحت رقم 10 من مخالفات المجموعة الرابعة وأقصى عقوبة لها هي خصم عشرة أيام - ولو صح أنه ارتكب هذه المخالفة فإنه ما كان يجوز أن توقع عليه عقوبة الفصل - وأضاف أنه ولئن كانت مهمته مطابقة ظهر الكارت لبواقي أرصدة المهمات بالمخازن فإن التحقيق قد أسفر عن أنه كان يكلف بمهمات وأعمال خارج المخزن تستدعي غيابه أياماً وأسابيع وعن أنه هو الذي أبلغ السلطات عن العجز الذي اكتشفه عندما عاد من مأموريته فما كان يجوز أن يسأل عما ليس في استطاعته إذ لم يكن في إمكانه أن يرى ما خرج من المخزن وهو بعيد عنه ويطابقه على الكارت.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً على أن القرار المطعون فيه صدر في 20 من يناير سنة 1961 وتظلم منه المدعي في 9 من فبراير سنة 1961 ثم أقام دعواه في الميعاد وعلى أن إلغاء القرار الأول بفصل المدعي بالحكم الصادر في الدعوى رقم 274 لسنة 5 القضائية لعيب في شكله لصدوره دون أخذ رأي اللجنة الفنية المختصة بشئون عمال اليومية لا يمنع الجهة الإدارية من تقرير فصله من جديد بمراعاة قواعد الشكل والإجراءات المقررة قانوناً - وأن الأمر قد عرض على اللجنة الفنية بإدارة هندسة السكة والأشغال بجلستها المنعقدة في 21 من يناير سنة 1961 فأوصت بفصل المدعي - ويبين من الأوراق أن ما انتهت إليه اللجنة الإدارية التي شكلت لتحقيق موضوع العجز من أن المدعي مسئول عن إهماله في عدم مراقبة عملية الصرف ومراجعة موجودات المخزن قد استخلص من تحقيقها استخلاصاً سائغاً يدل على إهماله في مراقبة عمليات الصرف ومراجعة موجودات المخزن الذي ظهر به العجز من حين لآخر مما يعد تقصيراً وتفريطاً في أداء واجبات وظيفته ويكون بالتالي ذنباً إدارياً يسوغ لجهة الإدارة التدخل لمجازاته بالعقوبة التأديبية التي تراها مناسبة لخطورته - وأنه لا وجه لما يحتج به المدعي من أنه طبقاً للائحة الجزاءات التأديبية لموظفي الهيئة الصادرة بالقرار الوزاري رقم 108 لسنة 1960 يكون الاتهام المسند إليه مندرجاً تحت رقم 10 بجدول مخالفات المجموعة الرابعة - لأن البند المذكور خاص بعدم مطابقة ظهر الكارت لبواقي أرصدة المهمات بالمخازن وهي مغايرة للمخالفة التي حوكم من أجلها والتي تندرج تحت البند 3 من جدول مخالفات المجموعة الأولى التي تصل فيها العقوبة إلى العزل من الوظيفة - وإذ ثبت أن الواقعة التي بني عليها القرار المطعون فيه لها أصل ثابت في الأوراق وأن القرار صدر ممن يملكه بعد أخذ رأي اللجنة الفنية لشئون العمال فإن هذا القرار يكون مطابقاً للقانون ويكون النعي عليه بعدم المشروعية على غير أساس سليم متعيناً رفضه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً - إن الحكم في الدعوى رقم 274 لسنة 5 القضائية بإلغاء القرار الأول الصادر بفصل المدعي قد صدر في 16 من مايو سنة 1960 وأعلن إلى الهيئة في 16 من أغسطس سنة 1960 وأعادته الهيئة إلى العمل وبانقضاء ستين يوماً على ذلك اكتسب المدعي حقاً في عدم الرجوع مرة ثانية إلى إصدار قرار بفصله.
ثانياً - إن القرار المطعون فيه قد استند إلى قرار اللجنة الفنية بجلستها المنعقدة في 21 من يناير سنة 1962 في حين أنه قد ثبت رسمياً أن اللجنة لم تنعقد في اليوم المذكور وورد ذلك في تحقيقات الشكوى رقم 555/ 4/ 1/ 191 التي تقدم بها المدعي إلى مراقبة الشئون القانونية والتحقيقات إذ يبين من تلك التحقيقات أن أحد أعضاء تلك اللجنة لم يكن موجوداً بالقاهرة في 21 من يناير سنة 1962 وأن عضواً آخر كان في إجازة التقاعد للمعاش ووقعا قرار اللجنة في 25 من يناير سنة 1961 أي أن القرار صدر بطريق التمرير ومخالفاً للقانون.
ثالثاً - إن تكييف الحكم المطعون فيه للمخالفة المسندة إلى المدعي تكييف غير سليم إذ أن البند الثالث من مخالفات المجموعة الأولى خاص بالإهمال في تأدية واجبات الوظيفة إهمالاً جسيماً يؤدي إلى خسائر في الأرواح أو الممتلكات - وليس في الأوراق ما يفيد حصول أي إهمال جسيم من المدعي بل ثبت من التحقيق الإداري أن المسئول الحقيقي عن جميع العجز لا سيما في ملفات الكارت هو علي قنديل وأن ما أسند إلى المدعي هو إهمال في مراجعة موجودات المخزن بعد عودته من المأموريات التي كان يكلف بها خارج المخزن - فما أسند إليه يخلص في عدم مطابقة ظهر الكارت لبواقي أرصدة المهمات الموجودة بالمخازن وهي المخالفة المنصوص عليها في البند رقم 10 من مخالفات المجموعة الرابعة - وقد ثبت من ذات التحقيق أنه كان يكلف رسمياً بمهمات وأعمال خارج المخزن تستدعي غيابه بالأيام والأسابيع بأمر من رؤسائه المباشرين وأنه قد غاب في آخر مرة ثلاثة أشهر متتالية في عملية تقويم مهمات السكك الحديدية بتكليف من رئيس تفتيش المهمات وبمجرد عودته إلى المخزن اكتشف وجود العجز في ملفات الكارت فبادر إلى إبلاغ رؤسائه.
وأودع الطاعن مذكرة بدفاعه أضاف فيها إلى ما ورد بتقرير الطعن أنه كان بصفة مستمرة في مأموريات يقتضيها عمله خارج القاهرة بعيداً عن مقر عمله وأن المخالفة المنسوبة إليه وهي عدم مطابقة ظهر الكارت لبواقي أرصدة المهمات بالمخازن على فرض ثبوتها لا يمكن أن تؤدي إلى وجود عجز في الأدوات الكتابية إذ أن العجز لا يوجد إلا إذا كان هناك اختلاس وهو ما لم يثبت في حقه - وأنه لا يمكن نسبة إهمال إليه لأنه كان مكلفاً بالإضافة إلى عمله بقيد مهمات السكة الحديد والمستعملة عهدة الأقسام وبالتوجه إلى المطابع والمخازن لاستعجال الطلبات لتموين المخزن - كما كان ينتدب في عمليات الجرد والمراجعة بالأقسام مما استدعى تشغيله أيام الجمع.
ومن حيث إن الهيئة العامة للسكة الحديد قد عقبت على الطعن بمذكرة قالت فيها إن اللجنة الفنية قد انعقدت في 21 من يناير سنة 1961 وأنه لو صح أن قرار فصل المدعي قد صدر بالتمرير فإن ذلك لا يبطله وذكرت أن المخالفة المسندة إليه ثابتة في حقه وأن كثرة عمله لا تنفي عنه الإهمال الجسيم وعلى فرض أن هناك أعمالاً توكل إليه خارجة عن اختصاصه كأمين مخزن تعطله عن القيام بعمله الأصلي على الوجه الأكمل فإنه كان عليه أن يتقدم بمذكرة لرؤسائه مبيناً ذلك وإذ لم يفعل فإنه يكون مسئولاً عن العجز ويكون ما وقع منه إهمال جسيم في عمله يندرج تحت المجموعة الأولى من المخالفات المنصوص عليها في القرار رقم 10 لسنة 1960.
ومن حيث إن الحكم الصادر في الدعوى رقم 274 لسنة 5 القضائية بإلغاء القرار الصادر في 13 من يناير سنة 1958 بفصل المدعي استناداً إلى أن هذا القرار لم يستوف أوضاعه الشكلية لعدم عرض الأمر على اللجنة الفنية لشئون العمال قبل إصداره - هذا الحكم ما كان ليحول دون اتخاذ الإجراءات التأديبية ضد المدعي عن ذات المخالفة المنسوبة إليه وتوقيع الجزاء المناسب عليه متى كانت ثابتة في حقه بقرار آخر يصدر بعد اتباع الإجراءات التي يقضي بها القانون - ولا تتقيد الجهة الإدارية عند إصدار هذا القرار بمواعيد سحب القرارات الإدارية - إذ أن القرار الذي صدر بمجازاة المدعي لا يتضمن سحباً لأي قرار آخر ومن ثم لا يكون هناك وجه للنعي عليه بأنه كان يتعين صدوره خلال ستين يوماً من تاريخ إعادته إلى عمله تنفيذاً للحكم الصادر في الدعوى سالفة الذكر ويكون الوجه الأول للطعن غير قائم على أساس سليم.
ومن حيث إنه يبين من الأوراق أنه بعد أن أعيد المدعي إلى العمل في 29 من ديسمبر سنة 1960 عرض الأمر على اللجنة الفنية وثابت من محضر جلسة اللجنة المذكورة الذي أودعت هيئة السكة الحديد صورة رسمية منه أنها في يوم 21 من يناير سنة 1961 برئاسة المهندس محمد إبراهيم وكيل عام هندسة السكة والأشغال بالإنابة وعضوية المهندسين سامي يوسف مفتش تفتيش المهمات والتموين وعبد المنعم محمد قريش وكيل تفتيش المهمات بالتموين وأوصت بفصل المدعي من الخدمة فصلاً تأديبياً - أما ما ذهب إليه المدعي من أن اللجنة لم تنعقد بل اتخذت قرارها بطريق التمرير - فليس في الأوراق ما يسانده - كما أنه لو صح فإنه ليس من شأنه أن يؤدي إلى بطلان القرار المذكور ما دام قد صدر بالإجماع حسبما هو ثابت من الأوراق - وبذلك يكون الوجه الثاني من أوجه الطعن في غير محله.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى الوجه الثالث من أوجه الطعن القائم على أنه وقع من المدعي إهمال جسيم يبرر فصله فإنه يبين من الأوراق أنه على أثر اكتشاف العجز بمخزن الأدوات الكتابية أجري تحقيق إداري سمعت فيه أقوال المدعي فذكر أنه كاتب أجريه ومنتدب أميناً للمخزن وأن عهدة الأدوات الكتابية سلمت إليه هو وعلي قنديل وأنه ليس مسئولاً عن عملية صرف وتصدير الأدوات للجهات التي تطلبها إذ كان يقوم بها علي قنديل وكان هو يقوم فقط بعملية الخصم والإضافة عن الأدوات والمطبوعات التي كانت ترد من إدارة المطابع والتوريدات بالكارتات الموجودة بالمخزن وقيد الأدوات التي كانت تصرف إلى الأقسام والجهات التابعة للهندسة بالكارتات شهرياً. وقال إنه كان يقوم بعمل المخزن بأمر من الهندسة علاوة على عمله الأصلي خارجه وعلاوة على المأموريات التي كان يكلف بها وأنه لكثرة الأعمال المسندة إليه لم يكن يراجع عملية الصرف أو أعمال زميله علي قنديل المسئول عن الصرف والتصدير كما ذكر أنه هو الذي اكتشف العجز وأبلغ الباشكاتب - وسمعت أقوال الباشكاتب سعد الدين إبراهيم فقرر أن المسئول عن صرف المهمات فيما يختص بالعجز والزيادة هو علي قنديل لأنه هو الذي يقوم بالصرف وأن عبد الحميد صالح له عمل أصلي إذ يمسك كارتات مهمات السكة الجديدة والمستعملة الخاصة بالأقسام ويقوم بالخصم والإضافة فيها وترد له شهرياً من الأقسام لمراجعتها على الكارتات ومناقضة الجهات التي تحدث بحوافظها أخطاء ويقوم بالسفر إليها لتصحيح الأخطاء علاوة على سفره في بعض الأحيان مع المهندسين - كما ذكر أن عبد الحميد صالح هو الذي أبلغه وجود عجز ببعض مهمات المخزن - وانتهت اللجنة التي أجرت هذا التحقيق إلى ما يأتي:
1 - أن علي قنديل هو المسئول الحقيقي عن جميع العجز ولا سيما في ملفات الكارت حيث ثبت أنه كان يحرر جميع قسائم الصرف وكان يقوم بتسليم المهمات للجهات الطالبة ولأنه بحكم عمله الوحيد بالمخزن لم يبارحه مطلقاً ولم يحصل على إجازة في المدة من 31 من يوليه سنة 1957 تاريخ ورود ملفات الكارت الأخيرة حتى 10 من نوفمبر سنة 1957 تاريخ اكتشاف العجز ولأن مفاتيح المخزن كانت دائماً معه وكان يقوم بفتح المخزن وقفله.
2 - أن عبد الحميد صالح مدان بإهماله في عدم مراقبة عملية الصرف ومراجعة موجودات المخزن ولا سيما الأصناف ذات القيمة من حين لآخر وبالأخص بعد عودته من المأموريات التي كان يكلف بها خارج المخزن بحكم الأعمال الأخرى المسندة إليه ولأنه هو الذي كان يقوم بعمليات الخصم والإضافة دون مراجعة عمل علي قنديل في الصرف والتأكد من وجود كشف طلب الأدوات أو مستلم على القسائم.
ومن حيث إن المستفاد من الأوراق ومما أبدته الهيئة المدعى عليها من دفاع أن قرار فصل المدعي قد قام على أساس وصف المخالفة المسندة إليه بأنها إهمال جسيم يندرج تحت البند الثالث من مخالفات المجموعة الأولى المنصوص على عقوباتها في المادة الأولى من لائحة الجزاءات الصادر بها قرار وزير المواصلات رقم 108 لسنة 1960 والتي نصت على عقاب مرتكبها بعقوبات أخفها خفض المرتب وأشدها العزل من الوظيفة - والإهمال المنصوص عليه في البند الثالث المشار إليه هو (الإهمال في تأدية واجبات الوظيفة إهمالاً جسيماً يؤدي إلى خسارة في الأرواح أو خسائر في الممتلكات).
ومن حيث إنه فضلاً عن أن المخالفة المسندة إلى المدعي قد وقعت قبل العمل بلائحة الجزاءات المشار إليها فإن ما وقع منه من إخلال بواجبات وظيفته يتمثل حسبما سبق البيان في عدم مراقبة عملية صرف الأدوات الكتابية - وعدم مراجعة موجودات المخزن ولا سيما الأصناف ذات القيمة من حين إلى آخر والثابت من الرجوع إلى ملف خدمته وإلى التحقيق الذي أجري معه أنه كان مسنداً إليه أعمال أخرى كثيرة تقتضي تغيبه عن المخزن مدداً متفاوتة - وأنه ولئن كانت كثرة الأعمال المعهود بها إليه ليس من شأنها أن تعفيه من المسئولية عما وقع منه من تقصير في القيام بواجباته - إلا أن هذا التقصير في الظروف التي حدث فيها لا يرقى إلى مرتبة الإهمال الجسيم المنصوص عليه في البند الثالث من جدول مخالفات المجموعة الأولى والذي سوت اللائحة في العقوبة بينه وبين المخالفات العمدية المنصوص عليها في الجدول المذكور ومن بينها (عرقلة أعمال الهيئة أو ما يسلم إلى الموظف بحكم وظيفته أو إتلافها أو اختلاسها).
ومن حيث إن القرار الصادر بفصل المدعي قد قام على تكييف المخالفة المسندة إليه بما يجعلها من الذنوب الإدارية التي تندرج تحت البند الثالث من جدول مخالفات المجموعة الأولى - وإذ اختار لها أشد الجزاءات وهو الفصل - فإنه يكون قد خالف القانون وانطوى على غلو في تقدير الجزاء بما لا يتناسب مع درجة جسامة تلك المخالفة - الأمر الذي يتعين معه إلغاء القرار المذكور لإعادة التقدير بما يتناسب عدلاً مع ما قام في حق المدعي من ذنب لا يعتبر جسيماً في الظروف التي وقع فيها.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه إذ ذهب غير هذا المذهب وقضى برفض الدعوى يكون قد جانب الصواب فيتعين القضاء بإلغائه وبإلغاء القرار الصادر بفصل المدعي مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار رقم 31 الصادر بتاريخ 30/ 1/ 1961 بفصل الطاعن وألزمت الجهة الإدارية بالمصروفات.