مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 869

(116)
جلسة 5 من مايو سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ مصطفى كامل إسماعيل نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد مختار العزبي وأحمد علي البحراوي ومحمد فتح الله بركات وسليمان محمود جاد المستشارين.

القضية رقم 576 لسنة 13 القضائية

حكم "الطعن فيه. التماس إعادة النظر". القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة - نص المادة 19 منه على جواز الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو من المحاكم الإدارية بطريق التماس إعادة للنظر - مفاد هذا النص عدم جواز الطعن بطريق التماس إعادة النظر في الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا.
نصت الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة على أنه "يجوز الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو من المحاكم الإدارية بطريق التماس إعادة النظر، في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية". ومفاد هذا النص، بمفهوم المخالفة، على النهج الذي جرى عليه قضاء هذه المحكمة، أنه لا يجوز قبول الطعن في الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن عناصر هذه المنازعات تتحصل، حسبما يخلص من أوراق الالتماس، في أن الملتمسة أقامت الدعوى رقم 440 لسنة 7 القضائية ضد السيدين/ وزير الشئون الاجتماعية والعمل، ومدير عام الإدارة العامة للعمل، بصفتيهما، بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة الشئون الاجتماعية في 21 من مارس سنة 1960، بناء على قرار صادر لصالحها في 28 من يناير سنة 1960، من لجنة المساعدة القضائية بالمحكمة المذكورة في طلب الإعفاء رقم 40 لسنة 7 القضائية، المقدم منها ضد السيدين/ وزير الشئون الاجتماعية والعمل، ومدير عام الإدارة العامة للعمل، بصفتيهما، في 17 من أكتوبر سنة 1959، وانتهت في هذه الدعوى إلى طلب "الحكم بإلغاء قرار لجنة شئون الموظفين الصادر به تقدير كفايتها في التقرير السنوي السري عن عام 1958 بدرجة ضعيف، وما يترتب على ذلك من آثار". وتوجز أسانيد دعواها في النعي على التقرير المذكور، بأن الذي وقعه بصفته الرئيس المباشر هو السيد/ صفوت الألفي، على حين أن السيدة/ عزيزة رضوان، كانت - في نظرها - هي الرئيسة المباشرة لها، وأن رئيس لجنة شئون الموظفين التي عقبت عليه، كان هو نفسه الذي وقع التقرير بصفته رئيس مصلحة، وأن إعطاءها (صفراً) من عشرين درجة في المعاملة والتعاون، والسلوك الشخصي يرجع إلى أنها كانت محلاً لاضطهاد وتعسف وتحد من الرؤساء الذين عملت معهم خلال عام 1958، وأن ذلك كان بتدبير من السيد/ صفوت الألفي، بسبب أنها تقدمت بشكوى للمسئولين من سوء معاملته لها، إذ كان يتعمد إبقاء دفتر الحضور والانصراف بمكتبه، ويدفعها بذلك إلى دخوله، فيسمعها عبارات تؤذي سمعتها، وتجرح كرامتها وإحساسها، وهو قد قدر لها في التقرير المطعون فيه 25 درجة فيما يتعلق بالإلمام بالعمل ومدى الاستفادة من التدريب، على حين أنه قدر لها عشر درجات فيما يتعلق بالسرعة والإنتاج، مع أن طبيعة الأشياء تقتضي تقارب هذين التقديرين - وعلى حين أنه قرر في خانة الملاحظات، أنها لا تبدي أية رغبة في العمل، مع أنه لا توجد في ملف خدمتها واقعة واحدة، تثبت امتناعها عن أداء أي عمل أسند إليها فضلاً عن أنها كانت تشكو من تعمد رؤسائها عدم إسناد عمل إليها من الأعمال التي تناسب كفايتها، والتي هي من صميم اختصاصها، رغبة منهم في التقليل من شأنها، والحط من قدرها، ولم يوقع عليها خلال السنة التي وضع عنها التقرير المطعون فيه، سوى جزاء واحد بالإنذار في 3 يوليه سنة 1958. وذلك بسبب التأخير، وموقع هذا الجزاء هو السيد/ صفوت الألفي ويتحصل دفاع وزارة الشئون الاجتماعية في أنه بحكم صيرورة الوزارة المذكورة وحدة واحدة، أصبح السيد/ صفوت الألفي هو الرئيس المباشر للملتمسة، وليست السيدة/ عزيزة رضوان، كما أصبح المدير العام للإدارة العامة، هو المدير المحلي بالنسبة إليها، ووكيل الوزارة هو رئيس المصلحة، أما فيما يتعلق بأسباب إعطاء الملتمسة "صفراً" في المعاملة والتعاون والسلوك الشخصي، فحسبها في ذلك - في نظر الوزارة - ما احتواه ملف خدمتها من جزاءات، هي أكبر دليل على ما وصلت إليه المذكورة، حسبما هو ثابت بالتقرير المطعون فيه، وبجلسة 18 من فبراير سنة 1962، قضت المحكمة الإدارية لوزارة الشئون الاجتماعية "بقبول الدعوى شكلاً، وفي موضوعها بإلغاء قرار لجنة شئون الموظفين الصادر بجلستها المنعقدة في 25 من مايو سنة 1958 والمعتمد من الوزير بتاريخ 31 من مايو سنة 1959 فيما تضمنه من تقدير كفاية المدعية بمرتبة ضعيف، وحرمانها من علاوتها الدورية المستحقة لها في أول مايو سنة 1959، وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام المدعى عليها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وأقامت قضاءها على أن السيد/ صفوت الألفي الذي وقع التقرير المطعون فيه بصفته الرئيس المباشر، يعتبر المدير المحلي بالنسبة إلى الملتمسة وليس الرئيس المباشر لها فيكون التقرير المطعون فيه تقريراً صادراً من غير مختص في مرحلته الأولى، هذا فضلاً عن أنه لم يثبت من الأوراق خلال السنة الموضوع عنها التقرير، أن الملتمسة قد هبطت في سلوكها الشخصي، وفي معاملتها لرؤسائها، أو في تعاونها مع زملائها ورؤسائها، إلى درجة الانعدام، حتى يمكن تقدير صفاتها الشخصية بدرجة "صفراً" كما أن منح المذكورة درجتين من خمس درجات في عنصر مدى استعمال حقوقها في الإجازات أمر يتسم بطابع التحكم وإساءة استعمال السلطة. وفي 19 من إبريل سنة 1962، أودعت إدارة قضايا الحكومة، بالنيابة عن السيد/ وزير الشئون الاجتماعية بصفته، تقرير طعن قيد بجدول المحكمة تحت رقم 1041 لسنة 8 القضائية، في الحكم المذكور، وطلب السيد الطاعن "الحكم بقبول الطعن شكلاً، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم برفض الدعوى، وإلزام رافعتها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة" وأقام طعنه على أن جهة الإدارة كانت قد حددت الموظف الذي يقوم باختصاص الرئيس المباشر، فليس من حق القضاء أن يقرر أن موظفاً آخر هو الذي كان يتعين أن يكون هو الرئيس المباشر بدلاً منه كما أقامه على أن التقرير المطعون فيه قد استوفى الإجراءات والأوضاع التي نص عليها القانون وبذلك لم يكن من حق الحكم المطعون فيه أن يناقش تقدير الكفاية الذي انتهت إليه لجنة شئون الموظفين، ولو صح ما ذهب إليه هذا الحكم من وجوب استناد تقدير الكفاية إلى أوراق ثابتة في ملف الخدمة، لكان معنى ذلك الدخول في حلقة مفرغة، فوضع تقارير الكفاية هو الفرصة الوحيدة التي تتاح للرؤساء لإثبات رأيهم في مختلف نواحي نشاط الموظف. وبجلسة 29 من يناير سنة 1967 قضت المحكمة الإدارية العليا "بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وإلزام المدعية بالمصروفات". وأقامت قضاءها على أن التقرير المطعون فيه قد استنفد المراحل التي رسمها القانون، ولم يخالف أي إجراء جوهري في هذا الشأن، وبذلك يكون قد صدر صحيحاً مطابقاً للقانون، ولا مندوحة من ترتيب آثاره القانونية، وأن الذين وقعوا التقرير بصفاتهم التي وقعوه بها، كانت لهم هذه الصفات بناء على تنظيم داخلي وضعته وزارة الشئون الاجتماعية، وهذا التنظيم الداخلي يتعلق بصميم اختصاص الإدارة الذي لا رقابة للقضاء عليه، ولا سبيل له إلى مناقشته، أو إلى تنصيب نفسه مكان الإدارة فيه، وأن ملف الخدمة ليس هو المصدر الوحيد لبيان حالة الموظف، بل أن من بين المصادر التي يستهدى بها في الحكم على حالته، ما يعلمه رؤساؤه وأعضاء لجنة شئون الموظفين بحكم صلات العمل، عن صفاته الشخصية، فإذا كان ما يعلمونه عنه في هذا الخصوص، قد ولد عندهم عقيدة ارتضاها وجدانهم واقتنعت بها ضمائرهم، فإن النتيجة المترتبة على هذه العقيدة، تكون قد استخلصت من أصول موجودة فعلاً، ما دام لم يقم الدليل الإيجابي على الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها وهو غير قائم في حالة الملتمسة، فليس فيما تزعمه من أنها كانت موضع اضطهاد الرؤساء، ما يقنع بقيام هذا الدليل الإيجابي، ذلك أن ملف خدمتها بمصلحة الضمان الاجتماعي رقم 5/ 2/ 302، حافل بالدلالات التي تشهد بادعائها اصطناع مثل هذا الادعاء ثم لا يلبث التحقيق في كل مرة، أن يكشف عن عدم جدية ادعائها، وينتهي الأمر بمجازاتها على ما فرط منها، وأن مواظبة الموظف أو عدم مواظبته في عمله، مسألة تقديرية، متروك أمرها للجهة الإدارية، باعتبارها الرقيبة عليه في وجوده في عمله، وغيبته عنه.
ومن حيث إن الالتماس يقوم على أن "حيثيات" (الحكم الملتمس فيه) قد وقعت فيها أسباب لالتماس إعادة النظر، إذ أشارت إلى أنه بالاطلاع على ملف خدمة الملتمسة الخاص بمدة خدمتها بمصلحة الضمان الاجتماعي من سنة 1952، يبين أنه حافل بكثير من التحقيقات والجزاءات الدالة على ما جاء بملاحظات التقرير السنوي السري المطعون فيه، وهذا غير صحيح، إذ أن المحكمة لم يتسن لها الاطلاع على ملف الخدمة المذكورة رغم كثرة إلحاح الملتمسة في طلب الاطلاع عليه. هذا بالإضافة إلى أن هذا الملف هو خاص بفترة عملها بمصلحة الضمان الاجتماعي في الفترة من سنة 1952 إلى سنة 1954، والتي ألغيت بعد ذلك، ولم يحو هذا الملف ما يشين الملتمسة، بل أن كل ما جاء به يعزز موقفها، ويؤكد ما جاء بحكم المحكمة الإدارية".
ومن حيث إنه بصرف النظر عن أن ما ادعته الملتمسة في صحيفة الالتماس، من أن المحكمة لم يتسن لها الاطلاع على ملف خدمتها بمصلحة الضمان الاجتماعي، ومن أن هذا الملف لم يحو ما يشينها، وأن كل ما جاء به يعزز موقفها - بصرف النظر عن أن هذا الذي ادعته غير صحيح، ذلك أن الثابت أن ملف خدمتها بمصلحة الضمان الاجتماعي رقم 5/ 2/ 302، كان في جميع مراحل المنازعة، ولا يزال، مضموماً إلى ملف الدعوى، كما أن ما أشار إليه الحكم الملتمس فيه - في مقام التدليل على أن ما تزعمه الملتمسة من أنها كانت موضع اضطهاد الرؤساء ليس فيه ما يقنع بقيام الدليل الإيجابي على الانحراف بالسلطة أو إساءة استعمالها - هذا الذي أشار إليه الحكم الملتمس فيه في ذلك المقام، ثابت في أوراق الملف المذكور ومن أمثلته ما ثبت في صفحاته من 106 إلى 109، وبصرف النظر عن أن كل ما ساقته الملتمسة في صحيفة الالتماس، وشرحته في مرافعتها الشفهية، لا يعتبر من أوجه الالتماس، التي عينتها على سبيل الحصر، المادة 417 من قانون المرافعات المدنية والتجارية، بصرف النظر عن هذا كله، فإن الفقرة الأولى من المادة 19 من القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة نصت على أنه "يجوز الطعن في الأحكام الصادرة من محكمة القضاء الإداري أو من المحاكم الإدارية بطريق التماس إعادة النظر، في المواعيد والأحوال المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية". ومفاد هذا النص، بمفهوم المخالفة، على النهج الذي جرى عليه قضاء هذه المحكمة، أنه لا يجوز قبول الطعن في الأحكام الصادرة من المحكمة الإدارية العليا بطريق التماس إعادة النظر، ولما كان الحكم الملتمس فيه صادراً من المحكمة الإدارية العليا، فإنه على مقتضى ما تقدم، يتعين القضاء بعدم جواز قبول الالتماس، مع إلزام الملتمسة بالمصروفات، ولا وجه للحكم على الملتمسة بالغرامة في هذه الحالة.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بعدم جواز قبول الالتماس، وألزمت الملتمسة بالمصروفات.