مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 891

(119)
جلسة 11 من مايو سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين السعيد المستشارين.

في القضية رقم 377 لسنة 11 القضائية

موظف "مرتب". "جمع بين وظيفتين". اختيار الموظف وظيفة التدريس وتخليه عن وظيفة خادم زاوية طبقاً للقانون رقم 125 لسنة 1961 - إبلاغه جهة الإدارة هذا الاختيار - عدم اعتدادها به وعدم قيامها باستلام الزاوية منه لقيامها ببحث ما إذا كان الحظر المنصوص عليه في القانون المذكور يسري على وظائف أئمة المساجد ومقيمي الشعائر الدينية وخدم المنازل - استمراره في القيام بالوظيفتين - أثر ذلك استحقاقه مرتب خدمة الزاوية - أساس ذلك.
إن شغل المدعي لوظيفة خادم للزاوية في الفترة التالية لاختياره الأول الذي لم تعتد به الوزارة ولم ترتب عليه أثراً كان موقوتاً ريثما تنتهي إلى رأي في شأن سريان أو عدم سريان الحظر المنصوص عليه في القانون رقم 25 لسنة 1961 على وظائف خدم المساجد - وإذ كان المدعي قد استمر على هذا الوجه قائماً بعمله كخادم للزاوية بعلم الجهة الإدارية المختصة بل وبموافقتها الضمنية، فإذا كانت لم تطلب منه الاختيار بين هذا العمل وبين وظيفة التدريس إلا بعد إصدارها منشوراً وزارياً ولم تتخذ أي إجراء لتسلم الزاوية منه إلا بعد ذلك وبتاريخ 19 من ديسمبر سنة 1962 بالذات فإنه يستحق مرتب خدمة الزاوية مقابل قيامه بأعبائها حتى ذلك التاريخ - وليس في أحكام القانون رقم 125 لسنة 1961 ما يحول دون استحقاقه لهذا المرتب.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من الأوراق تتحصل في أنه بصحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية بالإسكندرية في 28 من مارس سنة 1964 أقام السيد كامل حسين أبو خطوة الدعوى رقم 330 لسنة 11 القضائية ضد تفتيش أوقاف الإسكندرية طالباً الحكم بإلغاء القرارين الصادرين من جهة الإدارة بوقف مرتبه بتاريخ أول يناير سنة 1962 وفصله بتاريخ 25 من مارس سنة 1963 وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام جهة الإدارة بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة - وقال شرحاً لدعواه إنه التحق بالعمل لدى تفتيش أوقاف الإسكندرية في مهنة مقيم شعائر مسجد السيدة نعيمة بالإسكندرية بمرتب شهري قدره ستة جنيهات - وفي أول يناير سنة 1962 - أوقفت إدارة الأوقاف مرتبه دون مبرر فتقدم بعدة شكاوى وأخيراً أخطر بأن القانون رقم 125 لسنة 1961 يمنع الجمع بين وظيفتين وبأنه يعمل بالتدريس بجمعيات تحفيظ القرآن الكريم بالإضافة إلى عمله بالأوقاف - وذكر المدعي أنه تظلم بمقتضى إنذار أعلن إلى الوزارة في 10 من إبريل سنة 1963 من قرار وقف صرف مرتبه مبيناً أن عمله بمدارس الجمعية لا يتعارض مع عمله بالأوقاف وأنه ما زال يعمل بالأوقاف رغم وقف صرف مرتبه - وفي 25 من إبريل سنة 1963 منع من العمل - وأضاف المدعي أن قرار وقف صرف مرتبه وقرار فصله لا سند له من القانون وأنه قد تقرر إعفاؤه، من رسوم دعوى إلغائهما.
وأجابت الجهة الإدارية على الدعوى بأن المدعي كان يعمل مدرساً بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالإسكندرية ويتقاضى مرتباً شهرياً منها ثم عين خادماً لزاوية الست نعيمة بالقرار الوزاري رقم 1045 لسنة 1961 وباشر عمله في 4 من مايو سنة 1961 وفي 21 من يوليه سنة 1961 صدر القانون رقم 125 لسنة 1961 ثم صدر تنفيذاً له المنشور الوزاري رقم 20 لسنة 1962 باعتبار وظائف أئمة المساجد ومقيمي الشعائر الدينية وخدم المساجد من الوظائف العامة التي لا يجوز الجمع بينها وبين أي عمل آخر - وقد أفادت الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالإسكندرية بأن المدعي اختار وظيفة التدريس بها - كما قرر ذلك المدعي نفسه في طلبه المقدم إلى إدارة المستخدمين في 18 من نوفمبر سنة 1962 - وأوقفت الإدارة صرف مرتبه من أول يناير سنة 1962 وطلبت منه تسليم العهدة الخاصة بالزاوية ونظراً إلى مماطلته وامتناعه استعانت بالشرطة في استلام الزاوية منه وأخذ تعهد عليه بعدم العمل بها وعدم التعرض للمستخدم الجديد - ودفعت الإدارة الدعوى بعدم قبولها لأن المدعي لم يتظلم من القرارين الصادرين بوقف صرف مرتبه وفصله من الخدمة ولم يرفع دعواه خلال الميعاد القانوني ولأن الدعوى مرفوعة ضد تفتيش أوقاف الإسكندرية وإدارة الأوقاف بالإسكندرية لا تتمتع بالشخصية الاعتبارية ولا تمثل الوزارة.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن القانون قد أقر لمصالح الحكومة بالإسكندرية بأهلية التقاضي فيكفي أن يكون لوزارة الأوقاف إدارة بالإسكندرية لتختص المحكمة الإدارية بالإسكندرية بنظر المنازعات المرفوعة ضد هذه الإدارة التي لها أهلية التقاضي فيكون الدفع بعدم قبول الدعوى لانتقاء الصفة في غير محله - كما أن طلب المدعي إلغاء القرار الصادر بوقف صرف مرتبه هو في حقيقته من طلبات المنازعة في الراتب التي لا تخضع للإجراءات والمواعيد المقررة لطلبات الإلغاء - وذكرت المحكمة الإدارية أن المستفاد من الأوراق أنه لم يصدر قرار من وزارة الأوقاف بفصل المدعي من الخدمة وقد اختار الاحتفاظ بوظيفته كمدرس بمدرسة الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم حسبما هو وارد بطلبه المقدم للإدارة في 18 من نوفمبر سنة 1962 فتكون علاقته بالوزارة قد انفصمت بقوة القانون عملاً بأحكام القانون رقم 125 لسنة 1961 ولا يكون بصدد إلغاء قرار إداري معين ويكون الدفع بقبول الدعوى شكلاً لعدم مراعاة المواعيد المقررة لطلبات الإلغاء في غير محله - وإن كان المدعي قد ظل يباشر عمله توطئة لتسليم عهدته حتى 19 من ديسمبر سنة 1962 حين طلب منه مفتش الأوقاف تسليم عهدته فرفض واستمر في أداء عمله بالزاوية دون رضاء الإدارة إلى أن اضطرت إلى الاستعانة بالشرطة لإخلاء طرفه ومنعه من العمل بها في 25 من إبريل سنة 1963 فإنه لا يستحق أجره إلا عن المدة التي عمل فيها برضاء الإدارة منذ أول إبريل حتى 19 من ديسمبر سنة 1962 تاريخ رفضه تسليم عهدته وذلك باعتباره موظفاً أهلياً ولأن الأجر مقابل العمل ولا يستحق مرتباً عن الفترة التالية لهذا التاريخ.
ومن حيث إن الطعن يقوم على أن الحكم قد خالف القانون رقم 125 لسنة 1961 الذي حظر الجمع بين وظيفتين الأمر الذي مؤداه حظر الجمع بين مرتبين - يؤكد ذلك نص المادة الثانية من القانون التي أوجبت على الموظف الذي يجمع بين عملين عند صدور القانون أن يختار بين الوظيفتين خلال شهر من تاريخ العمل به أي حتى 21 من أغسطس سنة 1961 فإذا انقضت المهلة المذكورة دون اختيار احتفظ له بالوظيفة التي عين فيها قبل غيرها واعتبر متنحياً بقوة القانون عن الوظيفة الثانية التي تعتبر محظورة عليه حظراً تاماً لا يسوغ التحايل منه تحت ستار قيامه بالعمل فعلاً ورضاء الإدارة بذلك فلا يجوز أن يكون سكوت الإدارة على جمع المدعين بين وظيفتين أو رضائها به مرتباً لآثار حرمها المشرع بنصوص صريحة ويكون الحكم المطعون فيه إذ بنى قضاءه على هذا الرضاء قد خالف القانون حقيقاً بالإلغاء - كما لا يسوغ الاستناد إلى فكرة الموظف الفعلي إذ لا تتحقق في المدعي الفكرة الجوهرية في نظرية الموظف الفعلي لأنه كان موظفاً قانونياً يجمع بين وظيفتين جمعاً قانونياً ثم جاء المشرع فحرم هذا الوضع واعتبره موظفاً قانونياً في الوظيفة الأولى وجرده تجريداً تاماً وصريحاً من الوظيفة الثانية بجميع آثارها وامتيازاتها.
ومن حيث إنه يبين من الرجوع إلى الأوراق أن المدعي كان يعمل مدرساً بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بالإسكندرية - ثم عين خادماً لزاوية السيدة نعيمة بمقتضى قرار وزاري رقم 1045 لسنة 1961 وباشر عمله بالزاوية منذ 4 من مايو سنة 1961 جامعاً بينه وبين وظيفة التدريس بالجمعية سالفة الذكر - وفي 21 من يوليه سنة 1961 صدر القانون رقم 125 لسنة 1961 متضمناً النص في المادة الأولى منه على أنه: "لا يجوز أن يعين أي شخص في أكثر من وظيفة واحدة سواء في الحكومة أو في المؤسسات العامة أو في الشركات أو الجمعيات أو المنشآت الأخرى) وفي المادة الثانية منه على أن (على كل موظف من الموظفين الحاليين يسري عليه الحظر أن يختار الوظيفة التي يحتفظ بها خلال مدة شهر واحد من تاريخ العمل بهذا القانون فإذا مضت المهلة دون اختيار احتفظ له بالوظيفة التي عين فيها قبل غيرها) - وفي 10 من ديسمبر سنة 1961 أرسلت الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم كتاباً إلى مدير الأوقاف بالإسكندرية يخطرها فيه بأن المدعي قد اختار العمل بها نظراً إلى أنه يعمل بالجمعية وبإدارة الأوقاف بالإسكندرية فإنها تطلب اتخاذ اللازم قبله تنفيذاً للقانون سالف الذكر - وفي 16 من يناير سنة 1962 أرسلت إدارة الأوقاف بالإسكندرية كتاباً إلى وزارة الأوقاف بينت فيه أنها طلبت من المدعي تقديم استقالته وأنه طلب قبل تقديمها عرض أمره على الوزارة وذكرت الإدارة أنها ستوقف صرف مرتبه ابتداء من شهر يناير سنة 1961 إلى أن يرد الرد وأرفقت بكتابها الطلب المقدم منه - وأجابت الوزارة على ذلك بكتابها المؤرخ في 18 من أكتوبر سنة 1962 الذي أشارت فيه إلى طلب المدعي في شأن جمعه بين عمله كمقيم للشعائر بزاوية السيدة نعيمة ووظيفته بجمعية المحافظة على القرآن الكريم وطلبت إخطاره بأنه لا يجوز الجمع بين العمل بالمساجد وأي عمل آخر وتخييره بين العملين طبقاً للمنشور رقم 121 لسنة 1962 - وبين المدعي في كتابه المؤرخ في 18 من نوفمبر سنة 1962 أنه قد اختار العمل بالتدريس وذلك مع احتفاظه بكامل حقوقه قبل الوزارة وأنه سيستمر في عمله حتى يأتي من يتسلم العهدة منه مع صرف مرتباته المتأخرة من شهر يناير سنة 1962 - وفي أول ديسمبر سنة 1962 كلفت إدارة أوقاف الإسكندرية لتنفيذ ذلك في 19 من ديسمبر سنة 1962 امتنع المدعي عن ترك العمل بها وأشر على الأوراق بأنه سيظل يباشر عمله حتى تصرف له الوزارة مرتباته المتأخرة منذ أول يناير سنة 1962 - وفي 10 من إبريل سنة 1963 وجه المدعي إنذاراً إلى تفتيش الأوقاف بالإسكندرية طالباً صرف مرتبه منذ أول يناير سنة 1963 حتى ذلك التاريخ وذكر أن إدارة الأوقاف لم تفصله من العمل منذ وقف صرف مرتبه وأنه لا زال قائماً به دون أن يكون للاختيار أي أثر وأنه لذلك يستحق أجره منذ أول يناير سنة 1962 حتى تاريخ الإنذار - وفي 25 من إبريل سنة 1963 طلب مدير إدارة أوقاف الإسكندرية من مأمور شرطة المنشية منع المدعي من مباشرة أي عمل بالزاوية وتسليمها هي ومشتملاتها إلى الخادم الذي حل محله - وقد تم تنفيذ ذلك في ذات اليوم - وأقام المدعي دعواه التي صدر فيها الحكم المطعون فيه قاضياً باستحقاقه لمرتبه من أول يناير إلى 19 من ديسمبر سنة 1962.
ومن حيث إن المستفاد مما تقدم أنه رغم أن المدعي قد اختار الوظيفة التي احتفظ بها وهي التدريس بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم - ورغم أن إدارة الأوقاف بالإسكندرية قد أبلغت بهذا الاختيار في 10 من ديسمبر سنة 1961 فإنها لم تعتد به ولم ترتب عليه أثره ولم تستلم الزاوية من المدعي ولم يقم غيره مقامه في خدمتها - ويتبين من الأوراق أن تصرفها على هذا الوجه يرجع إلى أن وزارة الأوقاف كانت بصدد بحث ما إذا كان الحظر المنصوص عليه في القانون رقم 125 لسنة 1961 يسري على وظائف أئمة المساجد ومقيمي الشعائر الدينية وخدم المساجد أو لا يسري عليها، ولذلك قامت إدارة الأوقاف بالإسكندرية في 16 من يناير سنة 1961 بعرض أمر المدعي على الوزارة التي لم تبد رأيها في شأنه إلا في 18 من أكتوبر سنة 1962 بعد أن استقر رأيها على اعتبار الوظائف سالفة الذكر من الوظائف العامة التي يجوز الجمع بينها وبين أي عمل آخر وأصدرت بذلك منشوراً وزارياً تنفيذاً للقانون رقم 125 لسنة 1961 هو المنشور المشار إليه في مذكرتها المقدمة إلى المحكمة الإدارية. واستناداً إلى هذا المنشور طلبت من إدارة أوقاف الإسكندرية تخيير المدعي بين عمله كمدرس بالجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم وبين عمله كخادم للزاوية ورغم أن المدعي أخطرها في 19 من نوفمبر سنة 1962 باختياره لوظيفة التدريس فإنها لم تتخذ أي إجراء لاستلام الزاوية منه إلا في 19 من ديسمبر سنة 1962.
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن شغل المدعي لوظيفة خادم للزاوية في الفترة التالية لاختياره الأول الذي لم تعتد به الوزارة ولم ترتب عليه أثراً كان موقوتاً ريثما تنتهي إلى رأي في شأن سريان أو عدم سريان الحظر المنصوص عليه في القانون رقم 125 لسنة 1961 على وظائف خدم المساجد - وإذ كان المدعي قد استمر على هذا الوجه قائماً بعمله كخادم للزاوية بعلم الجهة الإدارية المختصة بل وبموافقتها الضمنية فإذا كانت لم تطلب الاختيار بين هذا العمل وبين وظيفة التدريس إلا بعد إصدارها منشوراً وزارياً لم تتخذ أي إجراء لاستلام الزاوية منه إلا بعد ذلك وبتاريخ 19 من ديسمبر سنة 1962 بالذات فإنه يستحق مرتب خدمة الزاوية مقابل قيامه بأعبائها حتى ذلك التاريخ - وليس في أحكام القانون رقم 125 لسنة 1961 ما يحول دون استحقاقه لهذا المرتب - وإذ قضى الحكم المطعون فيه باستحقاقه إياه فإنه يكون قد أصاب الحق في النتيجة التي انتهى إليها ويكون الطعن غير قائم على أساس سليم متعيناً رفضه مع إلزام الحكومة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات.