مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 938

(125)
جلسة 18 من مايو سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين محمد السعيد ومحمد بهجت محمود عتيبة المستشارين.

في القضية رقم 835 لسنة 12 القضائية

( أ ) اختصاص "ما يدخل في اختصاص القضاء الإداري". الطعن في قرارات المدير العام للجمارك في شأن الغرامة التي تفرض عن المخالفات الجمركية المنصوص عليها في المادة 119 من قانون الجمارك - محكمة القضاء الإداري هي المحكمة المختصة بالفصل في هذه الطعون باعتبارها جهة القضاء التي ينعقد لها ولاية الفصل في هذه الطعون - تخويل المحاكم العادية اختصاص الفصل في هذه الطعون كان بنص صريح قبل استحداث قضاء الإلغاء واستثناء من الأصل العام الذي يقضي باختصاص القضاء الإداري بالفصل في هذه الطعون.
(ب) اختصاص "اختصاص المحكمة الإدارية العليا". نص المادة 119 من قانون الجمارك صراحة على أن حكم المحكمة المختصة في الطعن في قرارات المدير العام للجمارك نهائي وغير قابل للطعن فيه لذلك فإن حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في هذا الشأن يكون نهائياً - انحسار ولاية التعقيب المقررة للمحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن وذلك استثناء من أحكام المادة 15 من قانون مجلس الدولة.
1 - إن المحكمة المختصة بنظر الطعون في قرارات المدير العام للجمارك في شأن الغرامات التي تفرض على المخالفات الجمركية المنصوص عليها في المادة 119 من قانون الجمارك هي محكمة القضاء الإداري التي ينعقد لها ولاية الفصل في هذه الطعون. ولا وجه للقول بأن المشرع لم يقصد نقل اختصاص الفصل في هذه الطعون إلى محكمة القضاء الإداري، ذلك أن تخويل المحاكم العادية اختصاص الفصل في هذه الطعون كان بنص صريح قبل استحداث قضاء الإلغاء واستثناء من الأصل العام الذي يقضي باختصاص القضاء الإداري بالفصل في هذه الطعون لذلك فإن قانون الجمارك وقد نص في المادة 119 منه على جواز الطعن في قرارات المدير العام للجمارك أمام المحكمة المختصة لا يعني إلا الاحتكام إلى المحكمة المختصة بنظر الطعن في القرارات الإدارية وهذه المحكمة ليست إلا محكمة القضاء الإداري وفقاً للأصول العامة في توزيع الاختصاص بين المحاكم الإدارية، ولو أراد المشرع أن يضفي هذا الاختصاص على القضاء العادي لكان مذهبه في ذلك خروجاً على القواعد العامة في توزيع الولاية بين القضائين الإداري والعادي، ولنبه على ذلك صراحة ما دام مسلكه التشريعي غير مطرد مع الأصل العام كيلا يوقع الأذهان في متاهة لا منجاة منها، يؤكد هذا أن قانون الجمارك الأخير رقم 66 لسنة 1966 قد أسقط صراحة عبارة "المحكمة التجارية المختصة" واستبدل بها عبارة أخرى تفيد احتكامه للمحكمة المختصة طبقاً للقواعد العامة.
2 - إن قانون الجمارك نظم إجراءات الطعن في قرارات المدير العام للجمارك بنص خاص لذلك فإن ما نص عليه يكون هو الواجب الاتباع استثناء من الإجراءات المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة ولما كانت المادة 119 آنفة الذكر صريحة في أن حكم المحكمة المختصة في الطعن في قرارات المدير العام للجمارك نهائي وغير قابل للطعن فيه لذلك فإن حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في هذه الدعوى يكون نهائياً تنحسر عنه ولاية التعقيب المقررة للمحكمة الإدارية العليا استثناء من أحكام المادة 15 من قانون مجلس الدولة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة حسبما يبين من أوراق الطعن تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 617 لسنة 18 القضائية ضد مدير عام مصلحة الجمارك ووزير الخزانة أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعت سكرتيرية المحكمة المذكورة في 31 من مارس سنة 1964 طلبت فيها الحكم بإلغاء القرار الصادر من مدير عام مصلحة الجمارك في التظلم المقدم عن القرار الصادر من مدير جمرك المحمودية والقاضي بفرض غرامة عليها بصفتها وكيلة السفينة "ايفان سشنوف بالإسكندرية قدرها 24 جنيهاً بالتطبيق لحكم المادة 117 من القانون رقم 66 لسنة 1963 وقالت بياناً للدعوى إنها تلقت بتاريخ 30 من نوفمبر سنة 1963 صورة من القرار رقم 154 لسنة 1963 الصادر من مدير جمرك المحمودية والمتضمن إلزامها بصفتها وكيلة الباخرة ايفان سشنوف بأن تدفع غرامة قدرها 24 جنيهاً على زعم أن شحنة تلك الباخرة عند وصولها ميناء الإسكندرية في 19 من أكتوبر سنة 1962 كانت تنقص كمية قدرها 115125 كيلو جراماً من الحديد الزهر من محتوى سند الشحن رقم 7 الأمر الذي اعتبره مدير الجمرك مخالفة لأحكام المواد 37، 38، 117 من القانون رقم 66 لسنة 1963 وأصدر بناء على ذلك قراره بتوقيع الغرامة، وأنها عارضت في هذا القرار أمام مدير عام مصلحة الجمارك بتاريخ 7 من ديسمبر سنة 1963 وأوضحت أن النقص المذكور لم يشحن أصلاً من ميناء الشحن وقدمت مع خطاب المعارضة أصل برقية واردة إليها من ملاك السفينة بالخارج تثبت حقيقة النقص وطلبت بناء على ذلك إعفاءها من الغرامة. وبتاريخ 14 من مارس سنة 1963 أصدر مدير عام مصلحة الجمارك قراره برفض التظلم وتأييد القرار المتظلم منه استناداً إلى السلطة المخولة له في المادة 119 من القانون رقم 66 لسنة 1963. واستطردت الشركة قائلة إن القرار المذكور صدر مخالفاً للقانون ذلك أن حالة عدم شحن البضائع أصلاً من الحالات الجلية في تبرير النقص بين البضاعة المفرغة والبيانات المذكورة في قائمة الشحن وأنه حيث يقدم الناقل دليلاً جدياً على عدم الشحن فلا جدال أن النقص يكون مبرراً وأن النقص المبرر لا عقاب عليه طبقاً لنص المادة 117 من القانون رقم 66 لسنة 1963 التي تفرض على ربابنة السفن أو قادة الطائرات ووسائل النقل الأخرى غرامة لا تقل عن عشر الضرائب الجمركية المعرضة للضياع ولا تزيد عن مثلها فضلاً عن الضرائب المستحقة، وذلك في حالة النقص غير المبرر عما أدرج في قائمة الشحن في عدد الطرود أو محتوياتها أو البضائع المنفرطة، وأن الثابت أن الشركة الطالبة تقدمت إلى مصلحة الجمارك بدليل جدي يفيد أن النقص عن بيانات قائمة الشحن يرجع إلى عدم شحن هذا المقدار أصلاً إذ قدمت برقية من ملاك السفينة تثبت ذلك لذلك يكون النقص المدعي لا وجود له ولا يجوز إلزام الشركة على أساس أن البضاعة ناقصة ولما كان القرار المطعون فيه قد أغفل هذه الحقيقة فإنه يكون قد انطوى على خطأ في تطبيق القانون.
ورد المدعى عليهما على الدعوى بمذكرة دفعا فيها بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر النزاع استناداً إلى أن مناط اختصاص القضاء الإداري بالفصل في نزاع معين ألا يكون المشرع قد ناط بمحكمة أخرى الفصل في هذا النزاع وأن المادة 36 من اللائحة الجمركية الصادرة في 2 من إبريل سنة 1884 تنص على أن يعاقب على المخالفات بغرامة تحصل بطرق التضامن وتستحق دفع الغرامات المنصوص عليها في هذا الباب في ظرف خمسة أيام من تاريخ إعلانها ما لم يرفع ذو الشأن إلى المحكمة معارضة على قرار مصلحة الجمارك قبل مضي الميعاد المذكور كما تنص المادة 33 من اللائحة المذكورة الوارد في الباب السابع الخاص بالتهريب على أنه إذا لم يرفع المتهم معارضته ولم يعلنها في مدة خمسة عشر يوماً من تاريخ الإخطار يصبح القرار نهائياً ولا يقبل الطعن فيه بأي وجه من الوجوه وإذا رأى المتهم وجوب المعارضة فترفع إلى المحكمة التجارية ذات الاختصاص. وأنه يتضح من ذلك أن المحكمة المختصة بنظر قرارات الجمارك الخاصة برفض تظلمات أصحاب الشأن من توقيع الغرامات هي المحكمة التجارية التي وقعت في دائرتها الغرامة الجمركية وأن القرار المطعون فيه صدر في مخالفة جمركية مما نصت عليه اللائحة الجمركية لذلك تختص المحكمة التجارية المختصة بنظر الطعن فيه، دون محكمة القضاء الإداري ولا وجه لما قد يثار من أن اللائحة الجمركية المشار إليها قد ألغيت بالقانون رقم 66 لسنة 1963 لأن المخالفة موضوع النزاع تمت في ظل اللائحة الجمركية حيث وصلت الباخرة التي شحنت عليها البضاعة الناقصة بتاريخ 19 من أكتوبر سنة 1962 قبل صدور القانون رقم 66 لسنة 1963 وأنه لا وجه للقول بأن القرار الصادر بتوقيع الغرامة صدر بعد العمل بالقانون رقم 66 لسنة 1963 لأن العبرة بتاريخ وقوع المخالفة وأن المخالفة وقعت في ظل اللائحة الجمركية، كما دفع المدعى عليهما بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد استناداً إلى أن ميعاد الطعن طبقاً للمادة 33 من اللائحة الجمركية خمسة عشر يوماً من تاريخ إرسال القرار إلى المتهم وأن الشركة أخطرت في 15 من مارس سنة 1964 برفض التظلم المقدم منها وأن الشركة رفعت دعواها بتاريخ 31 من مارس سنة 1964 ومن ثم تكون الدعوى قد رفعت بعد الميعاد، وبالنسبة للموضوع فقد تضمنت المذكرة أنه لدى وصول الباخرة ايفان سيشتوف إلى ميناء الإسكندرية في 19 من أكتوبر سنة 1962 تبين أن مشمول سند الشحن رقم 7 ينقص 115125 كيلو جراماً من الحديد الزهر فوقعت الغرامة على الشركة التي تظلمت من قرار فرض الغرامة ولم تتمكن الشركة من تقديم مستند رسمي يثبت أسباب النقص فرفض التظلم وكان أمام الشركة أن تطلب مهلة أربعة أشهر لتقديم الدليل الرسمي على أسباب النقص طبقاً لما تقضي به المادة 17 من اللائحة الجمركية الصادرة في 12 من إبريل سنة 1884 ولكنها لم تفعل فإذا انقضت هذه المدة فإنه لا يقبل منها أي دليل حتى ولو كان هذا الدليل متسماً بالرسمية وبذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر صحيحاً متفقاً مع أحكام القانون وتكون دعوى الشركة على غير سند من الواقع أو القانون ويتعين رفضها وانتهى المدعى عليهما في مذكرتهما إلى طلب الحكم:
أولاً: وبصفة أصلية بعدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى.
ثانياً: وبصفة احتياطية بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد.
ثالثاً: وفي الموضوع برفض الدعوى. وإلزام الشركة المدعية في جميع الحالات المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وعقبت المدعية على دفاع المدعى عليهما بمذكرة تضمنت بالنسبة للدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى أنه منذ صدور قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 أصبح الاختصاص معقوداً للقضاء الإداري وحده أو مشتركاً مع المحاكم المدنية بنظر الطعون التي توجه في قرارات الغرامة التي يصدرها مدير عام مصلحة الجمارك لأن هذا القانون لم يتضمن نصاً مشابهاً لنص المادة 33 من اللائحة الجمركية التي كانت تبيح الطعن في هذه القرارات أمام المحاكم التجارية وناط به في المادة 119 منه بالمحاكم المختصة النظر في الطعون التي ترفع في هذه القرارات وبذلك بات الاختصاص منظماً بالقواعد العامة في القانون وهي تقضي باعتبار القضاء الإداري ذا ولاية كاملة في نظر الطعون في القرارات الإدارية سواء كانت صادرة من اختصاص قضائي أم لم تكن وأنه سواء أكان اختصاص محكمة القضاء الإداري هنا مانعاً بحيث تستقل وحدها بالنظر في هذه الطعون أم لم يكن بحيث يجوز للقضاء المدني أن يشاركها هذا الاختصاص فإنه لا جدل في اختصاصها بالنص الصريح وتكون الدعوى التي تقام أمامها دعوى مقامة أمام جهة مختصة بالنظر فيها، وأما ما يثيره المدعى عليها من أن الاختصاص معقود للمحكمة المدنية باعتبار أن لائحة الجمارك هي القانون الواجب التطبيق لأن الواقعة حدثت في ظله فمردود بأن القرار المطعون فيه موقع في ظل القانون رقم 66 لسنة 1963 وطبقاً للإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون فيكون الاختصاص بالنظر في الطعن فيه معقود لمحكمة القضاء الإداري وبذلك يكون الدفع بعدم الاختصاص واجب الرفض، وردت المدعية في مذكرتها على الدفع بعدم القبول بأن موطنها بالإسكندرية فيكون من حقها إضافة ميعاد مسافة إلى ميعاد الطعن وقدره يوماً عن كل 50 كيلو متراً وبحد أقصى أربعة أيام وفقاً لنص المادة 210 من قانون المرافعات وحكمها واجب التطبيق أمام القضاء الإداري طبقاً لما تقضي به المادة 74 من قانون مجلس الدولة لخلو هذا القانون من قواعد تنظم مواعيد المسافة، وبالنسبة للموضوع فقد أوردت المدعية مذكرتها أن النقص المدعى به غير قائم في الواقع إذ تبين من الشهادة الرسمية المقدمة من رئيس ميناء أوريسا أن البضاعة المدعى بأنها نقصت من شحنة الباخرة وقدرها 115125 كيلو جراماً لم تشحن أصلاً على هذه الباخرة فيكون زعم مصلحة الجمارك أن نقصاً عاب الشحنة وأن هذا النقص تقيم حياله قرينة التهريب بما يسوغ فرض الغرامة واضح الفساد وأنه لا وجه لما أثارته مصلحة الجمارك من أن المستند مقدم بعد الميعاد المحدد في اللائحة الجمركية أو قانون الجمارك فلا يحتج به لأن عبارة النص المستشهد به لا تؤدي إلى جزاء السقوط كما أن القواعد العامة في القانون تقطع بأن السقوط لا يكون إلا بنص.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني مسبباً انتهت فيه إلى طلب الحكم أصلياً بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد واحتياطياً برفض الدعوى مع إلزام الشركة المدعية بالمصروفات.
وقضت محكمة القضاء الإداري بجلسة 22 من مارس سنة 1966 برفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها وفي الموضوع بإلغاء القرار رقم 154 لسنة 1963 الصادر من مدير جمرك المحمودية بإلزام الشركة المدعية بأن تدفع غرامة قدرها أربعة وعشرون جنيهاً وألزمت الحكومة المصروفات، وأقامت قضاءها بالنسبة لرفض الدفع بعدم الاختصاص على أن اللائحة الجمركية ألغيت بالقانون رقم 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك الصادر في 13 من يونيه سنة 1963 النافذة من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية في 26 من يونيه سنة 1963 ونص في المادة 119 منه على أن تفرض الغرامات المنصوص عليها في المواد السابقة بقرار من مدير الجمرك المختص ويجب أداؤها خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلان المخالفين بهذا القرار بخطاب مسجل مصحوب بعلم الوصول ما لم يتظلم ذوو الشأن بكتاب يقدم للمدير العام للجمارك خلال الخمسة عشر يوماً المذكورة وللمدير العام في هذه الحالة أن يؤيد الغرامة أو يعدلها أو يلغيها ونص في الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أنه يجوز الطعن في قرارات المدير العام للجمارك خلال خمسة عشر يوماً من إعلانها بخطاب موصى عليه بعلم الوصول وذلك أمام المحكمة المختصة ويكون الحكم نهائياً وغير قابل للطعن فيه. وأن هذه المادة غايرت في عبارتها عبارة مثيلتها في لائحة سنة 1884 التي كانت تجعل الاختصاص منوطاً بالمحكمة التجارية إذ لم يكن هناك ثمة جهة قضائية مختصة بنظر الطعون في القرارات الإدارية حين صدرت لائحة سنة 1884 وكانت المحاكم العادية ممنوعة طبقاً للائحة ترتيبها من النظر في إلغاء القرارات الإدارية مما كان يقتضي تحديد محكمة مختصة بنظر الطعون في القرارات الإدارية الصادرة من السلطات الجمركية في مخالفات اللائحة الجمركية وأن النص في المادة 119 من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 على المحكمة المختصة إنما قصد به المحكمة المختصة طبقاً للقوانين القائمة وهي محكمة القضاء الإداري - وأنه لا وجه لما تذهب إليه الحكومة في مذكرتها من انطباق اللائحة القديمة التي تجعل الاختصاص معقوداً للمحكمة التجارية لأن الواقعة موضوع المخالفة وقعت في ظلها ذلك أن هذه المادة تعتبر من قوانين المرافعات وهي تسري على ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى قبل تاريخ العمل بها وأن هذه الدعوى لم ترفع إلا في ظل القانون الجديد ومن ثم يكون الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى على غير أساس سليم من القانون، وردت المحكمة على الدفع بعدم القبول بأن موطن المدعية بالإسكندرية ومن حقها إضافة ميعاد مسافة إلى ميعاد الطعن قدره يوماً عن كل 50 كيلو وبحد أقصى أربعة أيام وفقاً لنص المادة 21 من قانون المرافعات وإعمالاً لنص المادة 74 من قانون مجلس الدولة ومن ثم يكون الطعن قد أقيم في الميعاد، واستندت المحكمة في قضائها في موضوع الدعوى إلى أن أحكام المادة 38 من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 تنص على أنه إذا كان مقدار البضائع أو عدد الطرود المقررة أقل مما هو مبين في قائمة الشحن وجب على ربان السفينة أو من يمثله إيضاح أسباب النقص وإذا كانت البضائع أو الطرود الناقصة لم تشحن أصلاً أو لم تفرغ أو فرغت في جهة أخرى وجب أن يكون تبرير النقص مؤيداً بمستندات جدية وإذا تعذر تقديم هذه المستندات جاز إعطاء مهلة لا تجاوز ستة أشهر لتقديمها بشرط أخذ ضمان يكفل حقوق الجمارك، وأن هذه المادة باعتبار أنها تناولت تعديلاً في المواعيد هي التي يجب أن تطبق على موضوع الدعوى وأن الميعاد الوارد بها هو ميعاد تنظيمي ولا يترتب عليه سقوط الحق في إبداء دفاع أو تقديم مستندات ولما كان ذلك وكان الثابت من الشهادة الرسمية المقدمة من رئيس ميناء أوديسا أن البضاعة الناقصة لم تشحن أصلاً على الباخرة لذلك يكون القرار المطعون فيه والذي قام على توافر قرينة التهريب قد فقد الأساس الذي بني عليه ولذلك يتعين الحكم بإلغائه.
ومن حيث إن الطعن يقوم على الأسباب الآتية:
أولاً: عدم اختصاص المحكمة ولائياً بنظر الدعوى وذلك لما يلي:
1 - إن ولاية القضاء الإداري بنظر الطعون التي تقدم عن القرارات الإدارية ليست عامة وإنما هي مقيدة بالنص لذلك فلا محل للقول بأن اللائحة الجمركية الصادرة سنة 1884 جعلت الاختصاص للمحكمة لأن المحاكم العادية كانت ممنوعة بموجب لائحة ترتيبها من التعرض للقرارات الإدارية وأن تحديد هذا الاختصاص كان قبل إدخال نظام القضاء الإداري بموجب قانون مجلس الدولة الصادر سنة 1946 إذ أنه بعد صدور قانون مجلس الدولة وإدخال نظام القضاء الإداري صدرت تشريعات تمنع القضاء الإداري من نظر منازعات إدارية بحتة.
2 - بمقارنة المادة 119 من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 بمثيلتها من اللائحة الجمركية الصادرة سنة 1884 يبين أن عبارات النصين تكاد تكون واحدة وأنهما لم يختلفا في عبارة واحدة فبينما نصت اللائحة الجمركية على أن الاختصاص للمحكمة التجارية المختصة نصت المادة 119 على أن الاختصاص للمحكمة المختصة ولا يعني هذا أن المشرع أراد نقل الاختصاص من المحكمة التجارية إلى محكمة القضاء الإداري لأن مواعيد سداد الغرامة تكاد تكون واحدة، وأن ميعاد رفع الطعن هو خمسة عشر يوماً سواء في اللائحة الجمركية أو في قانون الجمارك وإذا كان قانون الجمارك قد أجاز منح ربان السفينة أو ممثله مدة لا تجاوز ستة أشهر لتقديم المستندات المبررة لنقص البضاعة وكانت هذه المهلة أربعة أشهر فقط طبقاً للائحة الجمركية فإن هذا الاختلاف ليس من شأنه أن ينقل الاختصاص من المحكمة التجارية المختصة إلى محكمة القضاء الإداري.
3 - تنص المادة 119 من قانون الجمارك على أنه يجوز الطعن في قرارات المدير العام للجمارك خلال خمسة عشر يوماً من إعلانها بخطاب موصى عليه مصحوب بعلم وصول وذلك أمام المحكمة المختصة ويكون حكم المحكمة نهائياً وغير قابل للطعن فيه. ومسايرة الحكم المطعون فيه يؤدي إلى القول بأن حكم محكمة القضاء الإداري في شأن هذا النزاع نهائي في حين أن تلك المحكمة لا تعتبر أحكامها نهائية إذ يجوز الطعن في أحكامها أمام المحكمة الإدارية العليا. لذلك فليس مناصاً من القول بأن الاختصاص بقي حتى بعد صدور القانون رقم 66 لسنة 1963 معقوداً للمحكمة التجارية المختصة.
ثانياً: عدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد:
وحاصل هذا السبب من أسباب الطعن أن ميعاد رفع الدعوى طبقاً للمادة 119 من قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلان القرار المطعون فيه وقد أعلن في 15 من مارس سنة 1964 ورفعت الدعوى في 31 من مارس سنة 1964 وبذلك تكون الدعوى قد رفعت بعد الميعاد وقد ذهب الحكم المطعون فيه إلى أن الدعوى رفعت في الميعاد بعد أن أضاف ميعاد مسافة قدره يوم عن كل 50 كيلو متر بحد أقصى أربعة أيام استناداً إلى أن مركز الشركة بالإسكندرية وهو منه خطأ في تطبيق القانون إذ لا محل لإضافة ميعاد مسافة نظراً لأن مركز الشركة ومصلحة الجمارك مصدرة القرار في الإسكندرية.
ثالثاً: عن موضوع الدعوى:
وحاصل سبب الطعن في الموضوع أن الحكم المطعون فيه انتهى إلى إلغاء القرار المطعون فيه تأسيساً على أن المادة 18 من قانون الجمارك تجيز منح ربان السفينة أو من يمثله مهلة لا يتجاوز ستة أشهر ليتقدم بالمستندات الدالة على تبرير النقص وأن هذا الميعاد تنظيمي لا يترتب على عدم مراعاته سقوط الحق في تقديم المستندات المبررة التي قدمتها الشركة فعلاً، ذلك أن منح المهلة جوازي لمصلحة الجمارك وأن الشركة المطعون ضدها لم تطلب منحها المهلة المذكورة وإذا كانت الشركة قد تقدمت بعد رفع الدعوى بشهادة مبررة للنقص فإن هذا المستند لم يكن تحت نظر الجهة التي فرضت الغرامة أو تحت نظر مدير عام مصلحة الجمارك الذي قدم إليه التظلم مما يمكن القول معه بأن القرار المطعون فيه صدر سليماً.
عن الدفع بعدم اختصاص القضاء الإداري:
من حيث إن قانون الجمارك الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1963 أورد في الباب السابع منه في المواد 114 وما بعدها المخالفات الجمركية ونص في المادة 119 الواردة في هذا الباب على أن تفرض الغرامات المنصوص عليها في المواد السابقة بقرار مدير الجمرك المختص ويجب أداؤها خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ إعلان المخالفين بهذا القرار بخطاب مسجل مصحوب بعلم وصول ما لم يتظلم ذوو الشأن بكتاب يقدم للمدير العام للجمارك خلال الخمسة عشر يوماً المذكورة وللمدير العام في هذه الحالة أن يؤيد الغرامة أو يعدلها أو يلغيها وتحصل الغرامات بطريق التضامن من العاملين والشركاء وذلك بطريق الحجز الإداري وتكون البضائع ضامنة لاستيفاء تلك الغرامات ويجوز الطعن في قرار المدير العام للجمارك خلال خمسة عشر يوماً من إعلانها بخطاب موصى عليه مصحوب بعلم وصول وذلك أمام المحكمة المختصة ويكون حكم المحكمة نهائياً وغير قابل للطعن فيه.
ومن حيث إن قانون الجمارك وقد أناط في المادة 119 منه بالمحكمة المختصة الفصل في الطعون التي ترفع عن قرارات المدير العام للجمارك في شأن الغرامات التي تفرض عن المخالفات الجمركية ولتعيين هذه المحكمة يتعين الرجوع إلى القواعد المنظمة لتوزيع الاختصاص بين القضائين الإداري والعادي، ولما كان مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري يختص دون غيره طبقاً لما تقضي به الفقرة (7) من المادة 8 من قانون مجلس الدولة بالفصل في الطلبات التي يقدمها الأفراد والهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية كما يختص طبقاً للمادة 11 من القانون المذكور بالفصل في الطعون التي ترفع عن القرارات النهائية الصادرة من جهات إدارية لها اختصاص قضائي فيما عدا القرارات الصادرة من هيئات التوفيق والتحكيم في منازعات العمل والقرارات الصادرة من لجان قيد المحامين بالجدول العام وقبولهم للمرافعة أمام المحاكم وتأديبهم، وهو بذلك تنعقد له ولاية كاملة في نظر الطعون في القرارات الصادرة من الجهات الإدارية سواء فيما تصدره من قرارات إدارية أو في الاختصاص القضائي الموكول إليها، لذلك فإن المحكمة المختصة بنظر الطعون في قرارات المدير العام للجمارك في شأن الغرامات التي تفرض عن المخالفات الجمركية المنصوص عليها في المادة 119 من قانون الجمارك هي محكمة القضاء الإداري التي تنعقد لها ولاية الفصل في هذه الطعون. ولا وجه للقول بأن المشرع لم يقصد نقل اختصاص الفصل في هذه الطعون إلى محكمة القضاء الإداري، ذلك أن تخويل المحاكم العادية اختصاص الفصل في هذه الطعون كان بنص صريح قبل استحداث قضاء الإلغاء واستثناء من الأصل العام الذي يقضي باختصاص القضاء الإداري بالفصل في هذه الطعون، لذلك فإن قانون الجمارك وقد نص في المادة 119 منه على جواز الطعن في قرارات المدير العام للجمارك أمام المحكمة المختصة لا يعني إلا الاحتكام إلى المحكمة المختصة بنظر الطعن في القرارات الإدارية وهذه المحكمة ليست إلا محكمة القضاء الإداري وفقاً للأصول العامة في توزيع الاختصاص بين المحاكم الإدارية، ولو أراد المشرع حقاً أن يضفي هذا الاختصاص على القضاء العادي لكان مذهبه في ذلك خروجاً على القواعد العامة في توزيع الولاية بين القضائين الإداري والعادي ولنبه على ذلك صراحة ما دام مسلكه التشريعي غير مطرد مع الأصل العام كيلا يوقع الأذهان في متاهة لا منجاة منها، يؤكد هذا أن قانون الجمارك الأخير رقم 66 لسنة 1966 قد أسقط صراحة عبارة "المحكمة التجارية المختصة" واستبدل بها عبارة أخرى تفيد احتكامه للمحكمة المختصة طبقاً للقواعد العامة ويترتب على ما سلف أن ما ذهب إليه الطاعنان من عدم اختصاص القضاء الإداري بنظر الدعوى غير سديد ويتعين من ثم إطراحه.
ومن حيث إن المادة 119 من قانون الجمارك نظمت إجراءات الطعن في قرارات المدير العام للجمارك بنص خاص فإن ما نص عليه يكون هو الواجب الاتباع استثناء من الإجراءات المنصوص عليها في قانون مجلس الدولة ولما كانت المادة 119 آنفة الذكر صريحة في أن حكم المحكمة المختصة في الطعن في قرارات المدير العام للجمارك نهائي وغير قابل للطعن فيه لذلك فإن حكم محكمة القضاء الإداري الصادر في هذه الدعوى يكون نهائياً تنحسر عنه ولاية التعقيب المقررة للمحكمة الإدارية العليا استثناء من أحكام المادة 15 من قانون مجلس الدولة وهو ما يتعين معه الحكم بعدم جواز الطعن مع إلزام الحكومة المصروفات.
ومن حيث إن التقرير بنهائية حكم القضاء الإداري لما سلف من اعتبارات يحجب البحث في قبول الدعوى أمام محكمة القضاء الإداري أو عدم قبولها لفوات الميعاد لأن هذه المحكمة لا تملك تسليط رقابتها على قضاء أصبح نهائياً للأسباب الصحيحة التي سبق إبداؤها.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بعدم جواز الطعن وألزمت الحكومة بالمصروفات.