مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 948

(126)
جلسة 18 من مايو سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين محمد السعيد المستشارين.

القضية رقم 898 لسنة 12 القضائية

عمدة - تعيين - شروط الحيازة لأرض زراعية. يشترط أن تكون الأرض الزراعية التي يحوزها المرشح لوظيفة العمدة مستغلة بالزراعة فعلاً، هذا الشرط يعتبر منتفياً إذا ما كانت الأرض التي يمتلكها المرشح مؤجرة لمديرية التربية والتعليم لاستعمالها ملعب لمدرسة.
إن المشرع قصد أن تكون الأرض التي يحوزها المرشح لوظيفة العمدة مستغلة بالزراعة فعلاً.. ولما كان الثابت أن السبعة عشر قيراطاً التي يمتلك المطعون على ترشيحه جزءاً منها، غير مستغلة بالزراعة بل إنها مؤجرة لمديرية التربية والتعليم لاستعمالها ملعباً بالمدرسة الإعدادية بالقرية ومن ثم فقد انتفى عنه شرط حيازة أرض مستغلة في الزراعة فعلاً ويكون قيده بكشف المرشحين لوظيفة العمدة قد وقع مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن المدعي، السيد/ محمد سعد الحنفي شهاب الدين، أقام الدعوى رقم 1348 لسنة 18 القضائية ضد السيد وزير الداخلية بصحيفة أودعها سكرتارية محكمة القضاء الإداري في 29 من أغسطس سنة 1964 طالباً الحكم:
أولاً: بوقف تنفيذ قرار قبول تظلم السيد/ طه العشري أبو فريخه في كشف المرشحين لوظيفة عمدة قرية الجوهرية مركز طنطا.
ثانياً: وفي الموضوع بإلغاء هذا القرار مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال المدعي - شرحاً لدعواه - إنه خلت وظيفة العمدية بالناحية المذكورة وأعلنت مديرية أمن الغربية عن فتح باب الترشيح لها فتقدم بأوراق ترشيحه في 22 من فبراير سنة 1964.... كما تقدم السيد/ طه العشري أبو فريخه... وفي 6 من يوليه سنة 1964 حررت المديرية كشفاً بأسماء المرشحين لم يدرج به سوى اسمه، بعد أن استبعدت المديرية اسم السيد/ طه العشري لتخلف أحد شروط الترشيح فيه لأنه لا يحوز أرضاً زراعية بالناحية المذكورة... فتظلم هذا الأخير مدعياً أن له أرضاً زراعية واردة بالمكلفة رقم 421 باسم غريب العشري وإخوته بمساحة قدرها 16 س و17 ط... وعلى أساس ما تقدم قبلت لجنة فحص الشكوى تظلمه وأعيد قيده بكشف المرشحين وينعى المدعي على هذا القرار مخالفته للقانون إذ أنه بعد عام 1957 تحولت هذه المساحة من أرض زراعية إلى أرض فضاء خصصتها وزارة التربية والتعليم فناء لمدرسة محلة مرحوم الإعدادية فزالت عنها صفة الأرض الزراعية التي عناها القانون رقم 59 لسنة 1964 - في شأن العمد والمشايخ - ثم يضيف المدعي أنه، بجانب تخلف شرط حيازة الأرض الزراعية في منافسة، فإنه من ناحية أخرى قد افتقد شرط حسن السمعة بدليل مجازاته بغرامة 40 جنيهاً مع إنذاره بالفصل - وقت أن كان عمدة لهذه الناحية - وذلك بشهادته زور أمام محكمة جنح طنطا في دعوى مخدرات.... كما جوزي بغرامة 10 جنيهات لتعديه على رجال التعليم بمدرسة محلة مرحوم. وبغرامة جنيهان لإهماله. وكذلك أوقف عن عمله عدة مرات عن أفعال تصمه بعدم الصلاحية.
وبجلسة 27 من أكتوبر سنة 1964 قضت محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وبإحالتها بحالتها إلى المحكمة الإدارية لوزارة الداخلية.
وبجلسة التحضير التي عقدها السيد مفوض الدولة لدى المحكمة الإدارية في 29 من ديسمبر سنة 1964 تنازل المدعي عن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه.
قدمت الحكومة ملف العمدية ومذكرة بردها على الدعوى قالت فيها أن إدراج اسم السيد/ طه العشري بكشف المرشحين لهذه العمدية قد جاء مطابقاً للقانون لأن له نصيباً في التكليف رقم 421 وهذا التكليف عن أطيان يدفع عنها أموال أميرية أي أنها أطيان زراعية... وأنه لا وجه للقول بأنها لا تزرع لأن العبرة بقابلية الأرض للزراعة واستعمالها ملعباً للمدرسة لا يفقدها صفة الأرض الزراعية... وأنه من حيث توافر شرط حسن السمعة فإن شعبة البحث الجنائي والسيد مأمور المركز أجمعا على أنه حسن السمعة كما رأت المباحث العامة أنه لا مانع سياسياً من قبول ترشيحه.. وأن الأحكام الإدارية التي أشار إليها المدعي ليس فيها ما يمس نزاهته ويسيء إلى سمعته... وانتهت الحكومة إلى طلب إثبات تنازل المدعي عن طلب وقف التنفيذ ورفض طلب الإلغاء مع إلزامه بالمصروفات.
وبجلسة 7 من مارس سنة 1966 قضت المحكمة الإدارية:
أولاً: بإثبات ترك المدعي للخصومة فيما يختص بطلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمته بمصروفات هذا الطلب.
ثانياً: بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من قيد السيد/ طه العشري أبو فريخه ضمن المرشحين لعمدية ناحية الجوهرية وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المدعى عليها بالمصروفات ومبلغ مائتي قرش مقابل أتعاب المحاماة.
وأقامت المحكمة قضاءها، بإلغاء القرار المطعون فيه، على أنه طبقاً للمادة 3 من القانون رقم 59 لسنة 1964 يشترط فيمن يرشح للعمدية أن يكون مالكاً لأرض زراعية أو مستأجراً لها وإن لم يكن يزرعها بنفسه وأن تكون الأرض مستغلة بالزراعة فعلاً فإذا تغير استغلالها وأصبحت تستغل صناعياً أو تجارياً فإنها لا تدخل في الأرض الزراعية بالمعنى المقصود في القانون المذكور بدليل أن المشرع أجاز إعفاء من يعين في وظيفة العمدة من هذا الشرط في المناطق غير الزراعية ولو وجد في بعضها أجزاء تزرع فعلاً... وأنه، وإن كان المطعون ضده السيد/ طه العشري يملك أرضاً في تكليف مورثه رقم 421، إلا أن هذه الأرض غير مستغلة فعلاً بالزراعة لأنها مؤجرة إلى مدرسة تستغلها كملعب. وبذلك يكون قد تخلف في شأنه الشرط المنصوص عليه في البند 5 من المادة الثالثة من القانون المشار إليه ومن ثم يكون القرار المطعون فيه مخالفاً للقانون دون ما حاجة إلى بحث توافر شرط حسن السمعة في المطعون ضده.
طعنت الحكومة في الحكم المذكور بصحيفة أودعتها سكرتارية المحكمة في 7 من مايو سنة 1966 طالبة القضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من إلغاء القرار المطعون فيه والحكم برفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.. وبنت طعنها على أن الحكم المطعون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله... وقالت - في بيان ذلك أن العبرة في اعتبار الأرض زراعية أو غير زراعية بقابلية الأرض للزراعة، لا بزراعتها فعلاً وبصرف النظر عن تخصيصها بمعرفة الغير لغرض آخر غير الزراعة طالما أنه مفروض عليها أموال أميرية ولو كانت أراضي بناء لفرضت عليها عوائد أملاك... وأن الأرض التي يملكها المطعون ضده أراض زراعية ولم تفقد هذه الصفة وقد ثبت أن المنطقة التعليمية التي تضع اليد عليها تقوم بسداد الأموال الأميرية. كما أن تخصيصها كملعب للمدرسة بمعرفة تلك المنطقة لم يكن من عمل المالك ولا بإرادته وإنما كان من جانب المستأجرة وهي ملزمة عند انتهاء الإيجار بتسليم العين بالحالة التي تسلمتها بها وقت التأجير عملاً بنص المادة 591 من القانون المدني... وأضافت الحكومة قائلة إنه كان على المحكمة أن تتطرق إلى بحث حيازة المطعون على ترشيحه لمقدار العشرين قيراطاً التي يستأجرها من السيد/ غريب العشري بعقد إيجار مؤرخ أول نوفمبر سنة 1963 والمعتمد من الجمعية التعاونية الزراعية بالغربية في 11 من يونيه سنة 1964 ذلك أنه، وإن كان المرشح المذكور قد تنازل عن التمسك بحيازته لهذا القدر اكتفاء بالقدر المؤجر للمنطقة التعليمية، إلا أن ذلك ما كان يمنع المحكمة، وهي بسبيل استظهار مشروعية القرار المطعون فيه، أن تبحث مدى توافر شرط الحيازة من حيث حيازته لهذا القدر.. وأنه لا يؤثر في قيام واقعة الحيازة في ذاتها أن عقد الإيجار قد اعتمد من الجمعية التعاونية الزراعية في تاريخ لاحق لفتح باب الترشيح إذ أن المطعون على ترشيحه يستأجر القدر المذكور ويضع يده عليه في تاريخ سابق على ذلك هو أول نوفمبر سنة 1963 - تاريخ عقد الإيجار المنوه عنه -.
ومن حيث إن الحكم المطعون قد أصاب وجه الحق في قضائه، بإلغاء القرار المطعون فيه، وصدر متفقاً وأحكام القانون رقم 59 لسنة 1964 - في شأن العمد والمشايخ - فقد نصت المادة الثالثة من القانون المذكور على أنه:
"يجب فيمن يعين عمدة أو شيخاً أن تتوافر فيه الشروط الآتية:
(1).................
.....................
(5) أن يكون حائزاً لأرض زراعية في القرية أياً كانت مساحتها وسواء أكانت هذه الحيازة عن طريق الملكية أو الإيجار، أو مستحقاً لمعاش.....
ويجوز الإعفاء من شروط حيازة الأرض الزراعية في المناطق غير الزراعية......".
وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية للقانون المذكور في شأن هذا البند الأخير أن مرد اشتراط الحيازة الزراعية إلى الارتباط بالقرية ويفهم من نص البند المذكور ومما ورد بالمذكرة الإيضاحية عنه أن المشرع قصد أن تكون الأرض التي يحوزها المرشح لوظيفة العمدة مستغلة بالزراعة فعلاً... ولما كان الثابت أن السبعة عشر قيراطاً، التي يمتلك المطعون على ترشيحه جزءاً منها، غير مستغلة بالزراعة بل أنها مؤجرة لمديرية التربية والتعليم لاستعمالها ملعباًَ بالمدرسة الإعدادية بالقرية ومن ثم فقد انتفى عنه شرط حيازة أرض مستغلة في الزراعة فعلاً ويكون قيده بكشف المرشحين لوظيفة العمدة قد وقع مخالفاً للقانون حقيقاً بالإلغاء.
ومن حيث إنه لا حجة فيما ذهبت إليه الحكومة، بصحيفة طعنها، من أن المستأجرة هي التي خصصت الأرض كملعب وهي ملزمة عند انتهاء الإيجار بتسليمها بالحالة التي تسلمتها بها وقت التأجير، لا حجة في ذلك إذ مناط توافر الشرط كما سلف - أن تكون الأرض مستغلة فعلاً في الزراعة وقت الترشيح لوظيفة العمدة وقد كانت الأرض المملوكة للمطعون في ترشيحه آنذاك غير مستغلة بالزراعة بل كانت ملعباً للمدرسة.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى ما ورد في دفاع الحكومة من أنه كان يتعين على المحكمة أن تتطرق إلى بحث حيازة المطعون على ترشيحه لمقدار العشرين قيراطاً التي يستأجرها من أخيه السيد/ غريب العشري... فإن هذا القول مردود بما هو ثابت من محضر تحقيق الشرطة المؤرخ في 14 من يونيه سنة 1964 من أن هذا العقد ظاهر الصورية وأنه إنما اصطنع لتوفير شرط الصلاحية للترشيح يؤكد هذا أن رجال الإدارة رفضوا اعتماد الشهادة الإدارية التي تفيد صحة هذا العقد.. كما ثبت أنه لم يقدم للجمعية الزراعية إلا في 11 يونيه سنة 1964 بعد فتح باب الترشيح مما دعا المطعون على ترشيحه إلى أن يتنازل عن الاستمساك به ومن ثم لم تقم بالحكم المطعون فيه حاجة إلى البحث عن حيازته لهذا القدر.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الحكم المطعون قد جاء سليماً ويكون الطعن عليه غير قائم على أساس مكين من القانون متعين الرفض مع إلزام الوزارة الطاعنة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت الحكومة بالمصروفات..