مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 953

(127)
جلسة 18 من مايو سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين محمد السعيد المستشارين.

القضية رقم 1004 لسنة 12 القضائية

عقد إداري "إبرامه" "شكله". العقد غير المكتوب - وسيلة غير مألوفة في المجال الإداري إلا أنه يؤدي دوراً مكملاً لبعض أنواع العقود الإدارية - قد تركن إليه الإدارة مع بعض المتعاقدين للاتفاق معهم على تكميل أغراض التعاقد الأصلي من ناحية من النواحي التي انصب عليها - هذا العقد المكمل تنصرف إليه طبيعة العقد الأصلي بحكم ارتباطه به ومن ثم فلا حاجة البتة إلى استظهار أركان العقد الإداري فيه.
إن العقد غير المكتوب ولئن كان غير مألوف في المجال الإداري بسبب جنوح الإدارة عادة إلى إثبات روابطها العقدية بالكتابة إلا أنه لا يزال يؤدي دوراً مكملاً لبعض أنواع العقود الإدارية، فقد تركن إليه مع بعض المتعاقدين إذا اتفقت معهم على تكميل أغراض التعاقد الأصلي من ناحية من النواحي التي انصب عليها وهذا الأسلوب التعاقدي يخلق مشكلة التعرف على طبيعة هذا العقد إذا أعوزه بعض الخصائص التي يتسم بها العقد الإداري كعنصر الشروط الاستثنائية مثلاً، ولقد قطع القضاء الإداري في فرنسا في هذا الصدد بأن هذا العقد المكمل تنصرف إليه طبيعة العقد الأصلي بحكم ارتباطه به وتعويله عليه وإذن فلا حاجة البتة إلى استظهار أركان العقد الإداري فيه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة على ما يبين من الأوراق تتحصل في أن المدعية (الوزارة الطاعنة) أقامت الدعوى رقم 1457 لسنة 17 القضائية أمام محكمة القضاء الإداري بعريضة أودعتها قلم كتابها في 27 من مايو سنة 1963 طالبة فيها الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يدفع لها مبلغ 132 جنيهاً و496 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى تمام السداد والمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وقالت شرحاً لدعواها إنها تعاقدت مع المدعى عليه وآخرين في 20 من يوليه سنة 1955 على أن يتنازلوا لها عن تأليف كتاب المطالعة للمدارس الإعدادية الجزء الثاني مقابل ثلاثمائة جنيه وتعهد المدعى عليه وباقي المؤلفين في البند الثالث من العقد بمراجعة التجارب على الكتاب المذكور وإلا حق للوزارة في حالة التأخير أن تعهد بها إلى من يندب لهذا الغرض بمصاريف تخصم من المبلغ المستحق لهم. وإعمالاً لهذا البند قام المدعى عليه بهذه المراجعة وأشر بتاريخ 23 من مايو سنة 1960 بأنه قد تصوب وأمر بطبعه على هذا الأساس. وبعد طبع الكتاب تبين وجود خطأ في عنوانه ترتب عليه إعادة طبع غلاف الكتاب وتكبدت الوزارة مبلغ 132 جنيهاً و496 مليماً، ولما لم يستجب المدعى عليه للمطالبة الودية فقد أقامت ضده هذه الدعوى.
ورد المدعى عليه (المطعون ضده) على الدعوى بأنه في 20 من يوليه سنة 1955 تم الاتفاق بين الوزارة المدعية وبينه هو وزملائه على التنازل عن حق تأليف كتاب المطالعة المذكور بأجزائه الثلاثة للوزارة مقابل مبلغ معين ونص في البند الثالث على التزامهم بمراجعة الكتاب في أول طبعة له، وقد تمت مراجعة الطبعة الأولى في سنة 1955 وسلمت دون تأخير أو خطأ من جانبهم، وعلى هذا النحو زال العقد بالانقضاء. وأضاف أن الخطأ المنسوب إليه إنما كان عند إعادة طبع الجزء الثاني من الكتاب للمرة الخامسة في سنة 1960 أي بعد انقضاء العقد وزوال أثره ومن ثم فإن الخطأ المنسوب إليه خطأ تقصيري مما يختص القضاء العادي بولايته الكاملة بالفصل فيها. كما أنه على فرض أن هناك خطأ عقدياً فإن هذا العقد لا تتكامل فيه صفات العقد الإداري ومقوماته إذ ليس من بين شروطه أي شرط من الشروط غير المألوفة وإنما هو عقد مبرم على قدم المساواة بين طرفين لا أثر فيه للسلطة أو الامتيازات.
وعقبت الجهة الإدارية قائلة إن العقد المبرم في 20 من يوليه سنة 1955 عقد إداري - لانطوائه على شروط استثنائية غير مألوفة في عقود القانون الخاص فقد خول البند الثالث منه للجهة الإدارية حق التنفيذ المباشر وهو أحد عناصر السلطة العامة عندما منحها في حالة تأخر المدعى عليه في القيام بمراجعة تجارب الكتاب عن الطبعة الأولى إسناد هذه المراجعة فوراً إلى من تندبه لهذا الغرض كما تضمن العقد في البند الرابع حق الإدارة في تعديل الشروط المتفق عليها في العقد وهو إجراء يرتبط بعناصر السلطة العامة. وأنكرت الجهة الإدارية على المدعى عليه دفاعه بأن هذا العقد لا يحكم النزاع الماثل لانقضائه بتسليم الوزارة للطبعة الأولى واستندت في ذلك إلى أن موافقة المدعى عليه على مراجعة الكتاب قبل طبعه إن لم يكن تنفيذاً للاتفاق المبرم في 20 من يوليه سنة 1955 فهو اتفاق جديد يتضمن قبوله استمرار سريان أحكام العقد. وإذ أخل المدعى عليه بأحكام هذا العقد الإداري، فإن مسئوليته تقوم على أساس المسئولية العقدية لا التقصيرية وتخضع بهذه المثابة لاختصاص القضاء الإداري.
وبجلسة 27 من مارس سنة 1966 قضت محكمة القضاء الإداري بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وألزمت الوزارة المدعية المصاريف وأقامت المحكمة قضاءها على أن المدعى عليه لم يكن ملزماً طبقاً للعقد المبرم في 20 من يوليه سنة 1955 بمراجعة التجارب لما تلا الطبعة الأولى من الكتاب وإذ كان الخطأ المنسوب إليه عن طبعه لاحقاً للطبعة الأولى فإن هذا الخطأ لا تحكمه شروط العقد محل المنازعة ومن ثم تكون الدعوى خارجة عن اختصاص المحكمة.
وبالعريضة المودعة قلم كتاب هذه المحكمة في 26 من مايو سنة 1966 طعنت وزارة التربية والتعليم في الحكم المشار إليه طالبة إلغاءه فيما قضى بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وإلزام الحكومة المصروفات والحكم بإلزام المطعون ضده بأن يدفع للوزارة مبلغ 132 جنيهاً و496 مليماً والفوائد القانونية بواقع 4% سنوياً من تاريخ المطالبة القضائية حتى السداد والمصروفات ومقابل الأتعاب عن الدرجتين، وأقامت الوزارة طعنها على أن الإدارة تتحلل من الشكل الكتابي للعقود الإدارية في بعض الحالات كما هو الشأن في حالة امتداد عقد من العقود الإدارية بعد نهايته. وأن الثابت من الأوراق أن المطعون ضده قبل مراجعة الطبعة التالية بمجرد تكليف الوزارة دون إبداء أي تحفظات من حيث الشروط التي قبل بمقتضاها مراجعة الطبعة الأولى وهو ما يؤدي إلى سريان أحكام العقد الأول. وأشارت الوزارة الطاعنة بالنسبة للموضوع إلى أن خطأ المطعون ضده واضح مما يتعين معه إلزامه بما تكبدته هي من نفقات.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً أخذاً بوجه نظر الحكم المطعون فيه.
ومن حيث إن العقد غير المكتوب ولئن كان غير مألوف في المجال الإداري بسبب جنوح الإدارة عادة إلى إثبات روابطها العقدية بالكتابة إلا أنه لا يزال يؤدي دوراً مكملاً لبعض أنواع العقود الإدارية، فقد تركن إليه مع بعض المتعاقدين إذا اتفقت معهم على تكميل أغراض التعاقد الأصلي من ناحية من النواحي التي انصب عليها. وهذا الأسلوب التعاقدي يخلق مشكلة التعرف على طبيعة هذا العقد إذا أعوزه بعض الخصائص التي يتسم بها العقد الإداري كعنصر الشروط الاستثنائية مثلاً، ولقد قطع القضاء الإداري في فرنسا في هذا الصدد بأن هذا العقد المكمل تنصرف إليه طبيعة العقد الأصلي بحكم ارتباطه به وتعويله عليه وإذن فلا حاجة البتة إلى استظهار أركان العقد الإداري فيه.
ومن حيث إن العقد الأصلي المبرم في 20 من يوليه سنة 1955 لا شك أنه يسهم في تيسير مرفق التعليم وقد انطوى إسقاط حق المؤلف بصفة مطلقة لصالح وزارة التربية والتعليم لقاء مقابل ينتفع به المؤلفون على ما يبين من البند الأول منه، وخول البندان الرابع والخامس منه الإدارة في الآن ذاته حق تنقيح المؤلف وتعديله كما تشاء دون أن يكون للمؤلفين الحق في الاعتراض على ذلك، وهو شرط استثنائي واضح لمساسه بحق المؤلف الأدبي، والعقد بهذه الخصائص والسمات عقد إداري. فإذا اتجهت الإدارة بعد ذلك إلى الاتفاق مع المدعى عليه على مراجعة تجارب الطبعات التالية من الصنف، بوصفه أحد المؤلفين المتعاقدين بموجب العقد الأصلي وأصلحهم لإنجاز المراجعة، فإن هذا الاتفاق الجديد مكمل للعقد الأول وتنسحب إليه معالمه وخصائصه. ولا وجه للوقوف عند إقفار العقد الثاني من ركن الشروط الاستثنائية ما دام العقدان قد أبرما لتحقيق غرض واحد هو استغلال مصنف ينفرد أحد مؤلفيه بمتابعة مراجعة طبعاته قبل نشرها على الطلاب. والعقد الثاني بحكم صلته بالعقد الأول واعتباره مكملاً للأغراض التي أبرم لتحقيقها هو عقد له طبيعة إدارية لأنه يخدم الاتفاق الأول فلا غرو إن سرت إليه طبيعته ونفخت فيه روحه، فالوحدة التي توثقت بين العقدين وأحكمت الرباط بينهما مستفادة من أنهما أبرما مع الإدارة تحقيقاً لغرض واحد هو استغلال مصنف تعليمي بواسطة الإدارة لصالح الناشئة من الطلاب وقد اختارت جهة الإدارة بموجب العقد الثاني المدعى عليه بوصفه أصلح المؤلفين لإنجاز المراجعة كي يراجع طبعات المصنف التالية تحقيقاً لهذا الغرض ذاته الذي اقتضى إبرام العقد الأول. فالعقد الثاني إذن لا جدال في كونه عقداً إدارياً ما دام متفرعاً عن العقد الأول مكملاً لأغراضه، ومن ثم يختص القضاء الإداري بالفصل في النزاع الشاجر حول تنفيذه. وهذه النتيجة تتعارض مع ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه مما يتعين معه القضاء بإلغائه فيما قضى به من عدم الاختصاص وباختصاص محكمة القضاء بنظر الدعوى وبإعادتها إليها للفصل فيها.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى وبإعادتها إلى محكمة القضاء الإداري للفصل فيها وألزمت المطعون ضده بمصروفات هذا الطعن.