مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 982

(132)
جلسة 25 من مايو سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري ومحمد طاهر عبد الحميد ومحمد صلاح الدين السعيد.

في القضية رقم 374 لسنة 13 القضائية

( أ ) دعوى "ميعاد رفعها". إذا ثبت من ظروف الحال أن ثمت استجابة جدية واضحة من الإدارة لبحث التظلم، فإن الميعاد المقرر لقبول الدعوى يحسب من التاريخ الذي يتضح فيه موقف الإدارة من التظلم [(1)].
(ب) سلطة تقديرية - الرقابة القضائية على تصرفات الإدارة - يختلف مداها بحسب المجال الذي تتصرف فيه الإدارة ومدى ما تتمتع به من حرية وتقدير في التصرف - إذا كانت هذه الرقابة تضيق في مجال السلطة التقديرية إلا أن هذا لا يعني أنها سلطة مطلقة أو أن الرقابة منعدمة - وجود الرقابة في حالة السلطة التقديرية كما هو الشأن في حالة السلطة المقيدة، وإن اختلف مداها في كل حالة.
(جـ) سلطة تقديرية - سلطة الجهة الإدارية في إعادة تعيين موظفي شركات الأتوبيس في مدينة القاهرة التي أسقط عنها الالتزام طبقاً للقانون رقم 155 لسنة 1960 وفقاً للمادة 13 منه في مرافق النقل العام لمدينة القاهرة، تختلف عن سلطتها في التعيين للعاملين.
1 - إن المدعي كان بين من تظلموا من القرار الأول حيث تقدم بتظلمه في 24/ 8/ 1960 أي بعد أربعة أيام من صدوره وإذ رأى استجابة جدية واضحة من الإدارة لبحث تظلمه حتى أنها ظلت تصرف إليه راتبه تربص حتى ينجلي الموقف والأمل يحدوه في أن الإدارة بسبيل تعيينه، وما أن أوقفت صرف راتبه عن شهر يناير سنة 1961 حتى تبدل ظنه وتكشفت له نية الإدارة واضحة في عدم الاستجابة لتظلمه بعد أن كانت المقدمات في مسلكها تنبئ بغير ذلك، وأصبح في وضع يستطيع أن يحدد موقفه نهائياً من القرار المتظلم منه فيبادر إلى إقامة الدعوى بإيداع عريضتها سكرتيرية المحكمة في 19/ 2/ 1961 في المواعيد المقررة قانوناً ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد في غير محله يتعين رفضه.
2 - إن الرقابة القضائية على تصرفات الإدارة ليست حقيقة على قدر واحد بالنسبة لجميع التصرفات الإدارية بحسب المجال الذي تتصرف فيه ومدى ما تتمتع به من حرية وتقدير في التصرف وهي تضيق حقيقة في مجال السلطة التقديرية حيث لا يلزم القانون الإدارة بنص يحد من سلطتها أو يقيد من حريتها في وسيلة التصرف أو التقدير إلا أن هذا لا يعني أبداً أنها سلطة مطلقة وأن الرقابة القضائية تكون في هذه الحالة منعدمة، بل أن الرقابة القضائية موجودة دائماً على جميع التصرفات الإدارية لا تختلف في طبيعتها وإن تفاوتت فقط في مداها وهي تتمثل في هذا المجال التقديري في التحقق من أن التصرف محل الطعن يستند إلى سبب موجود مادياً وصحيح قانوناً وأنه صدر مستهدفاً الصالح العام.
3 - إن الوضع في شأن إعادة التعيين في المؤسسة المشار إليها وظروف الحال ناطقة بأن جل الموظفين المفصولين من الشركة قد أعيد تعيينهم في تلك المؤسسة تجعل هذه الإعادة مختلفة عن قرار التعيين المبتدأ من جهة تقيد السلطة المختصة لهذه الإعادة بقواعد تلتزمها إلا في القليل النادر من العاملين الذين يتأكد لها قيام ما يبرر الاستغناء عن خدماتهم وإذن فالأمر هنا يخرج عن الترخص التقديري الذي يصاحب قرارات التعيين عادة ويتعين من ثم مراقبة السلطة المنوطة بها هذه الإعادة فإن هي أفصحت عن سبب دعاها إلى عدم إعادة العامل إلى الخدمة وتحققت هذه المحكمة من عدم صحة السبب أو أنه لا ينهض سبباً كافياً لعدم الإعادة تعين عليها إلغاء قرار المؤسسة بعدم تعيين الموظف المذكور ومن ثم يكون هذا القرار فيما تضمنه من عدم إعادة تعيين المدعي بالمؤسسة ضمن من عينوا من موظفي الشركات التي أسقط الالتزام عنها قد صدر مخالفاً للقانون لقيامه على سبب غير صحيح ويتعين لذلك إلغاؤه في هذا الخصوص.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل حسبما يبين من أوراق الطعن في أن المدعي أقام الدعوى الراهنة وذكر أنه كان يعمل بشركة خطوط القاهرة وبعد إسقاط الالتزام عنها أخطر بقرار صادر بإعفائه من العمل في مؤسسة النقل العام التي آل إليها المرفق وذلك اعتباراً من 10/ 8/ 1960 وتظلم من هذا القرار في 24/ 8/ 1960، واستمرت المؤسسة تصرف له راتبه حتى شهر ديسمبر سنة 1960 وتعده بإعادته إلى العمل، وفي 1/ 2/ 1961 لم يصرف له راتبه عن شهر يناير سنة 1961 ووضحت له بذلك نية الإدارة في رفض تظلمه فأقام هذه الدعوى طالباً إلغاء القرار الصادر في 20/ 8/ 1960 فيما تضمنه من عدم اعتماد تعيينه بمؤسسة النقل العام وما يترتب على ذلك من آثار وألزم المؤسسة المذكورة بالمصروفات وعقبت الإدارة على الدعوى فقالت إن القانون رقم 155 لسنة 1960 في شأن التزامات النقل العام للركاب بالسيارات في مدينة القاهرة قضى فقط بنقل جميع عمال الشركات التي أسقط الالتزام عنها إلى مؤسسة النقل العام التي آل إليها المرفق أما الموظفون فقد نص على أن تشكل لجنة للنظر في تعيين الصالحين منهم ففرق بذلك بين العمال الذين تقرر نقلهم بقوة القانون وبين الموظفين الذين جعل أمر تعيينهم موكولاً إلى لجنة ترشح الصالحين منهم للتعيين بالمؤسسة فأعطى للإدارة سلطة تقديرية في تعيين الموظفين بلا معقب عليها طالما أنها تستهدف الصالح العام، وإذ كان المدعي من بين الموظفين الذين لم تر الإدارة تعيينهم بالمؤسسة ولم يثبت أن تصرفها في هذا الشأن ينطوي على تعسف في استعمال سلطتها فإن طلب المدعي إلغاء هذا التصرف لا يقوم على أساس من القانون وبجلسة 15/ 12/ 1966 أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في الدعوى قاضياً "بإلغاء القرار رقم 2116 لسنة 1960 الصادر في 17/ 10/ 1960 والمعمول به اعتباراً من 10/ 6/ 1960 فيما تضمنه من عدم تعيين المدعي بمؤسسة النقل العام وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المؤسسة المذكورة المصروفات. "وأقامت المحكمة قضاءها على ما تبين لها من أن المدعي المطعون ضده - لم يعين لسابقة إدانته في اختلاس وفصله من عمله بالشركة التي أسقط الالتزام عنها، ولما كان الثابت أن الشركة كانت قد فصلته بعد تحقيق زعمت إجراءه وعجزت عن تقديم سنده، وقد أقام المدعي الدعوى العمالية رقم 4045 لسنة 1959 ضد مدير الشركة وصدر فيها حكم لصالحه من محكمة شئون العمال بجلسة 21/ 7/ 1959 - بوقف تنفيذ القرار الصادر بفصله وإلزام الشركة بأداء أجره من ذلك التاريخ، وأعيد المدعي بعد صدور هذا الحكم إلى عمله بالشركة وألحق بإدارة المراجعة بعد أن تنازل عن السير في الدعوى الموضوعية، ومن ثم فإنه إذا كانت الإدارة قد عولت في عدم تعيينه بالمؤسسة التي آل إليها المرفق بعد إسقاط الالتزام عن الشركة المذكورة على ذات السبب الذي كانت الشركة قد فصلته من أجله وتبين عدم صحته فإن قرارها الصادر في هذا الشأن يكون فاقداً سببه حقيقاً بالإلغاء وقد طعنت الإدارة في هذا الحكم وأقامت طعنها على أن الإدارة بمقتضى السلطة المخولة لها لم تر تعيين المدعي في المؤسسة العامة للنقل التي آل إليها المرفق بعد إسقاط الالتزام عن الشركة التي كان يعمل بها وهذا من الملاءمات المتروكة لتقديرها ما دام تصرفها قد خلا من إساءة استعمال السلطة وبجلسة 27/ 11/ 1967 تقدمت الطاعنة بمذكرة دفعت فيها بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد إذ تظلم المطعون ضده من القرار المطعون فيه في 24/ 8/ 1960 والثابت أنه أقام الدعوى في 19/ 2/ 1961 وبافتراض أن التظلم يقطع الميعاد كان عليه أن يقيمها في ميعاد غايته 23/ 2/ 1961 وبالنسبة للموضوع ذكرت أن اللجنة المشكلة بقرار وزير الشئون البلدية والقروية قد استعملت الرخصة المخولة لها في اختبار بعض موظفي الملتزمين السابقين وصدر قرار التعيين في 20/ 8/ 1960 ولم تذكر اللجنة سبباً لإغفال تعيين المطعون ضده وهي غير ملزمة أصلاً بتعيينه، أما هذا السبب الذي ناقشه الحكم المطعون فيه ذكرته لجنة أخرى شكلت فيما بعد بالمؤسسة للنظر في تعيين من لم تشملهم تعيينات اللجنة المنصوص عليها في القانون، ثم إن الإدارة وهي تمارس سلطتها في التعيين تتصرف في مجال تقديري إذ التعيين ملاءمة تستقل جهة الإدارة بتقديرها ومجرد استيفاء الشخص للشروط المتطلبة للتعيين في الوظيفة العامة وقيام كل أسباب الصلاحية به لا يوجب بذاته على جهة الإدارة تعيينه، يضاف إلى ذلك أن سابقة اتهام المطعون ضده في اختلاس وفصله من عمله لا شك تنال من اكتمال الثقة فيه حتى وإن قضى ببراءته جنائياً منه أو حكم القضاء المستعجل بوقف تنفيذ قرار الفصل الذي بني عليه ثم صالحته الشركة السابقة وأعادته إلى العمل بها إذ لا يجوز أن يحتج على مؤسسة النقل العام بهذه الإجراءات وهي لم تكن طرفاً فيها كما أنها قد لا تكون عندها حجة قاطعة في طهارة ذيل المطعون ضده، وقد تردد أن هناك تحقيقاً إدارياً أثبت التهمة في حق المطعون ضده ويفرض أن هذا التحقيق غير موجود وأن الشبهات التي قامت حوله ليست مقطوعاً بها بل بفرض أنه طاهر الذيل فإن هذا كله لا يمكن أن يعني أن الإدارة ملزمة بتعيينه إذ أن التعيين حسبما سبق بيانه ملاءمة متروكة لاختبارها وقد مارسته دون إساءة لاستعمال السلطة ومؤدى ذلك كله أن القرار المطعون فيه قرار سليم مطابق للقانون وقد رد المطعون ضده على مذكرة الطاعنة بمذكرة تناول فيها بالتعقيب بعض ما أثارته وأشار إلى أنه في الوقت الذي ترفض فيه الإدارة إعادة تعيينه بالمؤسسة عينت نفراً ممن سبق اتهامهم وإدانتهم في جرائم نسبت إليهم وطلب في ختام مذكرته رفض الطعن.
ومن حيث إنه يتبين من الاطلاع على الأوراق أنه بتاريخ 23/ 5/ 1960 صدر القانون رقم 155 لسنة 1960 وقضى بإسقاط كافة الالتزامات والتراخيص التي كانت ممنوحة لشركات الأوتوبيس في مدينة القاهرة وبأيلولة المرافق التي كانت تتولاها إلى مؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة لإدارتها واستغلالها وفقاً لقرار إنشائها ونص في المادة 12 منه على أن ينتقل إلى المؤسسة جميع عمال الشركات المشار إليها أما بالنسبة إلى المرافق فقد نصت المادة المذكورة في فقرتها الثانية على أن "يعين في المؤسسة الموظفون القائمون بالعمل في هذه الشركات الذين تختارهم وتحدد مرتباتهم لجنة تشكل بقرار من وزير الشئون البلدية والقروية خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بالقانون ويعتمد الوزير قراراتها...... وتنفيذاً لذلك صدر قرار بتشكيل اللجنة المنوه عنها وبناء على ما قررته هذه اللجنة أصدر السيد وزير الشئون البلدية والقروية بتاريخ 20/ 8/ 1960 القرار رقم 1785 لسنة 1960 بتعيين الموظفين الذين وقع عليهم الاختيار للتعيين في مؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة وكان أن تظلم الموظفون الذين لم يشملهم هذا القرار وبعد بحث حالاتهم أصدر السيد الوزير بتاريخ 17/ 10/ 1960 القرار رقم 2116 لسنة 1960 بتعيين عدد غير قليل منهم ويسحب القرار السابق فيما تضمنه من إغفال تعيينهم وبقي الذين لم يكن لهم حظ التعيين في أي من هذين القرارين وظهر أن عددهم ستون موظفاً بلا عمل يلجون كل باب وعنيت الإدارة بأمرهم وشكلت العديد من اللجان لدراسة حالاتهم كان آخرها اللجنة التي شكلت بناء على قرار مجلس إدارة المؤسسة بجلسته المنعقدة في 20/ 1/ 1962 لبحث ودراسة حالات هؤلاء الموظفين الذين لم يشملهم التعيين بالمؤسسة بموجب القرارين الوزاريين سالفي الذكر وبيانه أسباب إغفال تعيينهم وكان المدعي ضمن من بحثت حالاتهم وأبدت اللجنة رأيها في شأنه بعدم الموافقة على تعيينه لسابقة إدانته في اختلاس وفصله من أجله.
ومن حيث إن المدعي كان بين من تظلموا من القرار الأول حيث تقدم بتظلمه في 24/ 8/ 1960 أي بعد أربعة أيام من صدوره وإذ رأى استجابة جدية واضحة من الإدارة لبحث تظلمه حتى أنها ظلت تصرف إليه راتبه تريص حتى ينجلي الموقف والأمل يحدوه في أن الإدارة بسبيل تعيينه، وما أن أوقفت صرف راتبه عن شهر يناير سنة 1961 حتى تبدل ظنه وتكشفت له نية الإدارة واضحة في عدم الاستجابة لتظلمه بعد أن كانت المقدمات في مسلكها تنبئ بغير ذلك، وأصبح في وضع يستطيع أن يحدد موقفه نهائياً من القرار المتظلم منه بادر إلى إقامة الدعوى بإيداع عريضتها سكرتيرية المحكمة في 19/ 2/ 1961 أي في المواعيد المقررة قانوناً ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد في غير محله متعين الرفض.
ومن حيث إنه يتبين مما تقدم سرده في معرض تحصيل الوقائع أن قوام دفاع الإدارة أنه ليس ثمة ما يلزمها قانوناً بتعيين المدعي في المؤسسة بعد إسقاط الالتزام عن الشركة التي كان يعمل بها ذلك أنها تمارس في هذا الصدد سلطة تقديرية فلا معقب عليها فيما تصدره من قرارات في هذا المجال ما دام تصرفها قد خلا من إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إن هذا القول من جانب الإدارة ينقصه الكثير من التحديد ذلك أن الرقابة القضائية على تصرفات الإدارة ليست حقيقة على قدر واحد بالنسبة لجميع التصرفات الإدارية بحسب المجال الذي تتصرف فيه ومدى ما تمتع به من حرية وتقدير في التصرف، وهي تضيق حقيقة في مجال السلطة التقديرية حيث لا يلزم القانون الإدارة بنص يحد من سلطتها أو يقيد من حريتها في وسيلة التصرف أو التقدير إلا أن هذا لا يعني أبداً أنها سلطة مطلقة وأن الرقابة القضائية تكون في هذه الحالة منعدمة، بل إن الرقابة القضائية موجودة دائماً على جميع التصرفات الإدارية لا تختلف في طبيعتها وإن تفاوتت فقط في مداها وهي تتمثل في هذا المجال التقديري في التحقق من أن التصرف محل الطعن يستند إلى سبب موجود مادياً وصحيح قانوناً وأنه صدر مستهدفاً الصالح العام ومن ثم فإنه في ضوء هذه المبادئ المسلمة يتعين النظر في مشروعية القرار محل الطعن.
ومن حيث إن الإدارة وإن لم تذكر سبباً لإغفال تعيين المطعون ضده في القرار الأول محل الطعن، إلا أن الظروف والملابسات التي أحاطت بهذا النزاع وما كشفت عنه اللجنة التي شكلت بالمؤسسة لبحث ودراسة حالات المتخلفين عن التعيين وتقصي أسباب ذلك، كلها قاطعة في أن السبب في عدم تعيين المطعون ضده لا شيء غير ما ذكرته هذه اللجنة وهو سابقة إدانته في اختلاس وفصله من أجله، ومن ثم بات من المحتم أن تتحقق المحكمة من صحة هذا السبب وسلامة تكييفه القانوني.
ومن حيث إنه يتبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعي أن الشركة التي كان يعمل بها قد أصدرت قراراً بفصله من خدمتها بدعوى إهماله في المحافظة على مستندات قسم المهايا والأجور الخاصة بسائقي المجموعة الأولى وذلك اعتباراً من 21/ 6/ 1959 فأقام الدعوى رقم 4045 لسنة 1959 أمام محكمة شئون العمال الجزئية بالقاهرة وبجلسة 30/ 9/ 1959 حكمت المحكمة المذكورة بوقف تنفيذ قرار فصل المدعي وألزمت الشركة بأداء أجره من تاريخ فصله وأقامت المحكمة قضاءها على أن المدعي قام بتسليم هذه الكشوف لكل من عبد الحميد مهنا رئيس قسم المهايا والأجور بالمجموعة الأولى بعد توقيعهما على السركي وهذان الأخيران باستلامهما الكشوف المذكورة قد صارا مسئولين وحدهما عن المحافظة عليها، ومن ثم فلا محل لإلقاء تبعة فقدها على عاتق المدعي، ولا وجه للقول بأنه أهمل في حفظها إذ أن مهمة إيداعها الدواليب منوطة بغيره من الموظفين وهي دواليب غير محكمة الغلق ومن الميسور أن تمتد إليها الأيدي فإذا كان هناك خطأ فهو خطأ الشركة في عدم اتخاذ الاحتياطات لصيانة أوراقها ومستنداتها ويكون طلب المدعي وقف تنفيذ قرار الفصل قائماً والحالة هذه على أساس سليم من القانون متعيناً إجابته إليه مع إلزام الشركة بأداء أجره بواقع 44 جنيهاً شهرياً إليه، واحتراماً لهذا الحكم واقتناعاً من الشركة بسلامة موقف المدعي قررت إعادته إلى خدمتها وتنازل هو بدوره عن الحكم الصادر لصالحه - وعن السير في الدعوى الموضوعية.
ومن حيث إنه لذلك وإزاء عجز الجهة الإدارية عن تقديم التحقيق الإداري المقول بإجرائه مع المدعي رغم تأجيل الطعن أكثر من مرة لهذا الغرض يتضح تماماً أن السبب الذي بني عليه قرارها بعدم إعادة تعيين المدعي في المؤسسة وهو سبق إدانته في اختلاس وفصله من أجله غير صحيح بعد إذ تبين أن اتهاماً كهذا لم يوجه إليه أبداً وليس في أوراق الدعوى كلها من أثر لمثل هذا الاتهام وأن كل ما نسب إليه هو إهماله في المحافظة على كشوف المهايا وظهر مما تقدم عدم مسئوليته عن فقد هذه الكشوف.
ومن حيث إن الوضع في شأن إعادة التعيين في المؤسسة المشار إليها وظروف الحال ناطقة بأن جل الموظفين المفصولين من الشركة قد أعيد تعيينهم في تلك المؤسسة تجعل هذه الإعادة مختلفة عن قرار التعيين المبتدأ من جهة تقيد السلطة المختصة لهذه الإعادة بقواعد تلتزمها إلا في القليل النادر من العاملين الذين يتأكد لها قيام ما يبرر الاستغناء عن خدماتهم وإذن فالأمر هنا يخرج عن الترخص التقديري الذي يصاحب قرارات التعيين عادة ويتعين من ثم مراقبة السلطة المنوطة لها هذه الإعادة فإن هي أفصحت عن سبب دعاها إلى عدم إعادة العامل إلى الخدمة وتحققت هذه المحكمة من عدم صحة السبب أو أنه لا ينهض سبباً كافياً لعدم الإعادة تعين عليها إلغاء قرار المؤسسة إعادة تعيين الموظف المذكور ومن ثم يكون هذا القرار فيما تضمنه من عدم إعادة تعيين المدعي بالمؤسسة ضمن من عينوا من موظفي الشركات التي أسقط الالتزام عنها قد صدر مخالفاً للقانون لقيامه على سبب غير صحيح ويتعين لذلك إلغاؤه في هذا الخصوص وإذ انتهى الحكم المطعون فيه إلى ذلك يكون قد أصاب الحق في قضائه ويتعين رفض الطعن عليه وإلزام مؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وبرفضه موضوعاً وألزمت مؤسسة النقل العام لمدينة القاهرة بالمصروفات.


[(1)] راجع في ذات المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا في القضية رقم 347 لسنة 9 ق الصادر بجلسة 14 إبريل سنة 1968. ص 804 من هذه المجموعة.