مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة عشرة - العدد الثاني (من منتصف فبراير سنة 1968 إلى آخر سبتمبر سنة 1968) - صـ 1126

(148)
جلسة 29 من يونيه سنة 1968

برئاسة السيد الأستاذ الدكتور محمود سعد الدين الشريف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد موسى وعادل عزيز زخاري وعبد الستار عبد الباقي آدم ومحمد طاهر عبد الحميد المستشارين.

في القضية رقم 1054 لسنة 13 القضائية [(1)]

( أ ) تفويض - عدم انطواء المادة السابعة من القانون رقم 32 لسنة 1966 بإصدار قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام على تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون - ما تضمنته المادتان السابعة والثامنة من القانون المشار إليه هو دعوة لممارسة اختصاص رئيس الجمهورية بإصدار اللوائح التنفيذية اللازمة لتنفيذ هذا القانون طبقاً لما تقضي به المادة 122 من الدستور.
(ب) تفويض - حرص الدستور على تقييد تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون طبقاً للمادة 120 منه - حكمة ذلك.
(جـ) اختصاص. تأديب. الدعوى التأديبية - عدم مشروعية حكم المادة 60 من نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بقرار رئيس الجمهورية رقم 3309 لسنة 1966 معدلة لاختصاص المحاكم التأديبية لمخالفته أحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 في شأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة - استبعاد هذا الحكم من دائرة التطبيق لعدم مشروعيته وبقاء الاختصاص للمحاكم التأديبية، في الحدود المنصوص عليها في القانون رقم 19 لسنة 1959 المشار إليه. [(2)]
1 - يبين من نص المادة التاسعة من مشروع القانون رقم 32 لسنة 1966 حسبما ورد من الحكومة أنها لم تتضمن تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون وفقاً لما تقضي به المادة 120 من الدستور بل أن ما نصت عليه لم يكن أكثر من دعوة رئيس الجمهورية لمباشرة اختصاصه بإصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القانون طبقاً للمادة 122 من الدستور. يؤكد ذلك أن تلك المادة لم تفرق بين اللائحة التنفيذية للقانون وبين اللوائح المنظمة لشئون العاملين في المؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها الأمر الذي يدل على أن المشروع المقدم من الحكومة كان يعتبر اللوائح المنظمة لشئون العاملين من بين اللوائح التنفيذية التي تحدث عنها إذ سلكها جميعاً في مادة واحدة هي المادة التاسعة المشار إليها. أما التعديل الذي أدخلته اللجنة المشتركة على هذه المادة باستبدال مادتين بها إحداهما هي المادة السابعة التي تنص على أن لرئيس الجمهورية أن يصدر قراراً بتنظيم جميع أوضاع العاملين وأخرى هي المادة الثامنة التي تنص على أن يصدر رئيس الجمهورية اللائحة التنفيذية للقانون - هذا التعديل لم يقصد به حسبما يبين من ذات تقرير اللجنة، استحداث حكم لم يرد في مشروع الحكومة في شأن ما يصدره السيد رئيس الجمهورية من لوائح متعلقة بتنظيم شئون العاملين. بل أنه لم يستهدف سوى استبقاء الحكم الذي تضمنه المشروع في هذا الشأن. ولئن كانت اللجنة قد عبرت عن ذلك في تقريرها بأن ما انتهت إليه من إدراج حكمي المادتين السابعة والتاسعة من المشروع المذكور يفيد "إبقاءها على تفويض رئيس الجمهورية بأن يصدر قرار بتنظيم جميع أوضاع العاملين" إلا أن ظاهر هذا التعبير لا يطابق حقيقة الواقع ولا يعني أن اللجنة المشتركة كانت تبغي الخروج على ما قصدته الحكومة بادئ الرأي من مشروعها ولا أنها كانت تريد بصوغ المعنى متفرقاً في مادتين بدلاً من مادة واحدة استحداث تعديل في الأحكام يرمي إلى تفويض السيد رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون لأن مثل هذا التفويض لم يكن وارداً في مشروع الحكومة الأول حتى يتصور الحرص على استبقائه فحاصل عبارة الأعمال التحضيرية المشار إليها آنفاً هو أن اللجنة المشتركة إنما أرادت أن تستبقي ما انطوى عليه مشروع الحكومة فإذا كان هذا المشروع في مادته التاسعة لم يكن متضمناً سوى دعوة السلطة التنفيذية لتنفيذ أحكام القانون وتنظيم أوضاع العاملين فإن لفظه تفويض تكون إذن غير مطابقة للواقع وإنما تشير فحسب إلى الدعوة لتنفيذ أحكام القانون. والقول الفصل في مقام التفسير هو استكناه هذا المعنى من عبارة المادة السابعة من القانون رقم 32 لسنة 1966 ونص هذه المادة ليس فيه مدلول التفويض ولا مظنته فضلاًَ عن أركانه وشرائطه، لأن حكم المادة السابعة في صيغته النهائية لو كان يهدف حقاً إلى تفويض السيد رئيس الجمهورية بكل معاني التفويض المحدد دستورياً لما غاب منه قط أن يورد في ذلك نصاً صريحاً قاطعاً يتضمن أمد التفويض والأسس التي تقوم عليها القرارات المسندة إليه وفقاً لما تقضي به صراحة المادة 120 من الدستور التي يجرى نصها بأن لرئيس الجمهورية في الأحوال الاستثنائية بناء على تفويض من مجلس الأمة أن يصدر قرارات لها قوة القانون. ويجب أن يكون التفويض لمدة محدودة وأن يعين موضوع هذه القرارات والأسس التي تقوم عليها".
2 - إن مرد حرص الدستور على هذا الوجه هو ما ينطوي عليه من دقة بالغة ذلك أن الولاية التشريعية وظيفة عهد بها الدستور إلى مجلس الأمة وفقاً لما تقضي به المادة 47 منه. والأصل أن يمارسها هذا المجلس ولا يتخلى عنها. وتفويض رئيس الجمهورية في مباشرة الاختصاص بالتشريع هو بمثابة نزول من السلطة التشريعية عن بضعة من اختصاصها للسلطة التنفيذية كي تمارسه بقرارات منها لها قوة القانون. وهذه القرارات لا تصدر فقط في غيبة مجلس الأمة، كما هي الحال في لوائح الضرورة، بل يجوز صدورها في أثناء انعقاده وليس في نصوص الدستور ما يوجب عرضها عليه. فهي إذن تتمخض عن اشتراك السلطة التنفيذية في الوظيفة التشريعية وإحلالها محل السلطة التشريعية فيما هو داخل في اختصاصها وقد يكون ذلك في الوقت الذي تكون فيه السلطة الأصلية قائمة بوظيفتها ومن هنا كان وجه الدقة في هذا الأمر، ولذلك حرص الدستور على تقييد التفويض بالقيود التي نصت عليها المادة 120 سالفة الذكر. وعلى مقتضاها يتعين أن يتضمن القانون الصادر بالتفويض تحديد مدة له تعود بعدها السلطة كاملة إلى مجلس الأمة وتعيين موضوعات اللوائح التفويضية وأسسها. كما يجب ألا يلجأ مجلس الأمة إلى التفويض إلا إذا اقتضت ذلك ظروف استثنائية مبررة.
3 - لو صح ما ذهبت إليه المحكمة التأديبية بحكمها المطعون فيه من أن المادة السابعة من القانون رقم 32 لسنة 1966 قد انطوت على تفويض تشريعي للسيد رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون - لو صح ذلك - وهو غير صحيح كما سبق البيان - فإن هذا التفويض يكون غير مستكمل لشروطه الدستورية سواء من ناحية مدته وحدوده أو من ناحية الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها وإذ أغفلت تلك المادة تحديد نطاق التفويض ولم تبين الأوضاع التي يجرى فيها هذا التفويض، وإذ تركت كذلك تنظيم الأسس التي يقوم عليها تنظيم تلك الأوضاع ولم تحدد مدة سريان التفويض فإن هذا التفويض، وهو غير مستكمل لشرائطه وأركانه حسبما سلف البيان، لا يصلح سنداً لتخويل السيد رئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات لها قوة القانون لا سيما حيث تتناول هذه القرارات أمراً من الأمور التي حتم الدستور أن يكون تنظيمها بقانون. كمثل تحديد اختصاص جهات القضاء الذي أوجبت المادة 153 من الدستور أن يكون بقانون وفضلاً عما تقدم فإن التفويض في شأن تنظيم أوضاع العاملين، حتى ولو كان مستكملاً شرائطه وأركانه الدستورية، لا بد أن يكون مقصوراً على الموضوع الذي انصب عليه لا يجاوزه إلى شأن آخر يتعلق بحدود اختصاص القضاء الإداري أو بنطاق ولاية المحاكم التأديبية خاصة وأن هذا النطاق وتلك الحدود لم يرد لها ذكر في قانون المؤسسات العامة وبعيد أن يتصور جريان التفويض في غير الموضوعات التي عالجها قانون المؤسسات أو انصب عليها هذا التفويض بل ليس من السائغ أن تؤول عبارة "تنظيم أوضاع العاملين" بأنها تحتمل إمكان التصدي لتعديل الاختصاص القضائي أو التأديبي في أمورهم على نحو يجافي القانون الصادر بتنظيم مجلس الدولة أو قانون إنشاء المحاكم التأديبية أو القانون رقم 19 لسنة 1959 - في شأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة - لأن تحديد موضوع التفويض من الأمور الجوهرية التي تتوقف عليها سلامته من الناحية الدستورية ولأن في هذا القول تأويلاً لعبارة لا تتحمل شيئاً من هذا التأويل.
ولو صح قيام هذا التفويض غير الدستوري، رغم اجتماع الشواهد على نفيه في الواقع، فإن اللائحة التي صدرت بناء عليه تكون إذن مجردة من قوة القانون وبذلك يكون حقيقاً على القضاء أن يمتنع عن تطبيق قانون التفويض، لو صح أنه كذلك، كما يمسك عن إنفاذ حكم اللائحة التفويضية باعتباره معدلاً أو ملغياً لأحكام القانون في مجال الاختصاص حتى تكون الكلمة العليا لنص القانون وحده. وهذا الامتناع مقصور بالبداهة على الخصومة التي يفصل فيها القضاء.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من أوراق الطعن - في أن النيابة الإدارية قد أقامت الدعوى التأديبية رقم 46 لسنة 9 القضائية بإيداع أوراقها سكرتارية المحكمة التأديبية بمحاكمة العاملين بوزارة الحربية في 18 من ديسمبر سنة 1967 ضد السيد/ أحمد محمد رجب العامل بشركة المعصرة للصناعات الحربية والمدنية لمحاكمته عما نسب إليه بتقرير الاتهام وبجلسة 7 من ديسمبر سنة 1967 قضت المحكمة التأديبية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى.. وأقامت قضاءها على أنه وقد صدر قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 802 لسنة 1967 - بتعديل أحكام قانون نظام العاملين بالقطاع العام رقم 3309 لسنة 1966 - وأن المادة 60 من هذا النظام قد أناطت بالجهات الرئاسية بالمؤسسات العامة أو شركات القطاع العام توقيع الجزاءات التأديبية على العاملين بهذه الجهات في حدود معينة تختلف بالنسبة لفئات العاملين، وذلك على التفصيل الوارد بهذه طبقاً لنص المادة آنفة الذكر يكون الاختصاص بتأديبه موكولاً للجهة التي يتبعها. ومن ثم تكون المحكمة التأديبية غير مختصة.. واستطردت المحكمة قائلة إنه لا محل للطعن على نص المادة 60 سالفة الذكر بعدم الدستورية.. ذلك أنه، وإن كانت اختصاصات المحاكم التأديبية بمحاكمة العاملين بهذه الجهات محددة بالقانون رقم 19 لسنة 1959، إلا أن القانون رقم 32 لسنة 1966 - بإصدار قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام - قد نص في مادته السابعة على أن "لرئيس الجمهورية أن يصدر قراراً بتنظيم جميع أوضاع العاملين في المؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها" كما نص في مادته الثامنة على أن "يصدر رئيس الجمهورية اللائحة التنفيذية للقانون المرافق" وأنه يخلص من ذلك أن القانون المذكور قد عهد للسيد رئيس الجمهورية في إصدار اللائحة التنفيذية، وهي لائحة لا يجوز أن تكون مخالفة للقانون، كما فوضه في إصدار لائحة تفويضية بتنظيم العاملين بالمؤسسات والوحدات التابعة لها وهو تفويض سليم من الناحية الدستورية إذ لا يسري في شأنه نص المادة 120 من الدستور لأن الموضوع المفوض فيه ليس من الموضوعات التي أوجب الدستور تنظيمها بقانون. وأنه ينبني على ذلك أن اللائحة التفويضية التي تصدر من السيد رئيس الجمهورية استناداً إلى هذا التفويض تعد بمثابة القانون ويكون لها قوة القانون.. وقد مارس السيد رئيس الجمهورية هذا التفويض فعلاً بإصدار لائحة نظام العاملين بالقطاع العام بالقرار الجمهوري رقم 3309 لسنة 1966 معدلة بالقرار الجمهوري رقم 120 لسنة 1967. وأنه متى كانت لهذه اللائحة قوة القانون فإنها تملك أن تعدل أو تلغى من أحكام وردت في قانون سابق.. ولهذا لا يمكن القول بأن هذه اللائحة، وقد تضمنت أحكاماً في توزيع الاختصاص التأديبي بين أجهزة القطاع العام والمحاكم التأديبية على خلاف ما ورد بالقانون رقم 19 لسنة 1959، قد خالفت حكم هذا القانون وجاءت باطلة لأن اللائحة المذكورة ليست بلائحة تنفيذية تلتزم بحدود أحكام القانون وإنما هي لائحة تفويضية لها مرتبة القانون وقوته ومن ثم تقوى على تعديل أو إلغاء ما يكون مقرراً بقانون سابق على صدورها.
طعنت هيئة مفوضي الدولة في الحكم المذكور بصحيفة أودعتها سكرتارية هذه المحكمة في 3 من يوليه سنة 1967 طالبة القضاء بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى وبإحالتها لتفصل في موضوعها.. وبنت طعنها على أن نص المادة السابعة من القانون رقم 32 لسنة 1966 لا يتناول بالتفويض التعديل في اختصاصات الجهات القضائية ومنها المحاكم التأديبية. ولذلك فإنه طبقاً لنص المادة 153 من الدستور لا يجوز تعديل اختصاص هذه الجهات إلا بقانون. وأنه لو سايرنا الحكم المطعون فيه في وجهة نظره - القائلة بأن المادة 120 من الدستور لا يطبق إلا على تلك الحالات التي نص الدستور على أن يكون تنظيمها بقانون - فإن ذلك ينطبق ولا شك على تعديل اختصاص الجهات القضائية ومن بينها المحاكم التأديبية طبقاً لنص المادة 153 من الدستور. وانتهت هيئة المفوضين من ذلك إلى أنه كان يتعين لتعديل أحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 بتعديل اختصاصات المحاكم التأديبية في محاكمة العاملين بالمؤسسات العامة وشركات القطاع العام أن يتم ذلك بذات الأداة التشريعية أي بقانون أو أن يصدر بهذا التعديل تفويض من السلطة التشريعية في حدود نص المادة 120 من الدستور وأنه إذا كان الأمر قد تم على غير هذا النحو فإنه لا مناص من القول أن اختصاص المحاكم التأديبية في محاكمة هؤلاء العاملين ما زال قائماً بالحدود التي نص عليها القانون رقم 19 لسنة 1959.
ثم قدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً مسبباً بالرأي القانوني في الطعن صممت فيه على الطلبات الواردة بصحيفة الطعن.
ومن حيث إنه ولئن كانت المادة 60 من قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 3309 لسنة 1966 بنظام العاملين بالقطاع العام، بعد تعديلها بقرار السيد رئيس الجمهورية رقم 802 لسنة 1967 قد أناطت بالجهات الرئاسية بالمؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة لها توقيع الجزاءات التأديبية على العاملين بهذه الجهات في حدود معينة تختلف تبعاً لفئات العاملين، وذلك على التفصيل الوارد بهذه المادة.. فإن مثار المنازعة في هذا الطعن هو ما إذا كان تعديل اختصاص المحاكم التأديبية قد تم بالأداة التشريعية السليمة أو كان يتعين لصحة هذا التعديل ونفاذه صدور قانون به.
ومن حيث إن قرار السيد رئيس الجمهورية رقم 3309 لسنة 1966 وكذلك القرار المعدل له رقم 802 لسنة 1967 قد صدرا استناداً إلى القانون رقم 32 لسنة 1966 - بإصدار قانون المؤسسات العامة وشركات القطاع العام - الذي ينص في المادة السابعة منه على أن.. "لرئيس الجمهورية أن يصدر قراراً بتنظيم جميع أوضاع العاملين في المؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها".. وبالرجوع إلى الأعمال التحضيرية لهذا القانون يبين أن المشروع الذي قدمته الحكومة إلى مجلس الأمة كان ينص في المواد 7، 8، 9 منه على ما يأتي:
مادة 7 - يستمر العمل بقرار رئيس الجمهورية رقم 3546 لسنة 1962 بإصدار نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة وقرار رئيس الجمهورية رقم 800 بإصدار نظام العاملين بالمؤسسات العامة.
مادة 8 - يلغى القانون رقم 60 لسنة 1963 المشار إليه وكل نص يخالف أحكام القانون المرافق.
مادة 9 - يصدر رئيس الجمهورية اللائحة التنفيذية للقانون المرافق واللوائح المنظمة للعاملين بالمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها.
وقد رأت اللجنة المشتركة بمجلس الأمة إدخال تعديلات على مشروع الحكومة منها تعديل صياغة المواد سالفة الذكر على النحو الآتي:
مادة 7 - لرئيس الجمهورية أن يصدر قراراً بتنظيم جميع أوضاع العاملين في المؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها.
مادة 8 - يصدر رئيس الجمهورية اللائحة التنفيذية للقانون المرافق.
مادة 9 - يلغى القانون رقم 60 لسنة 1963 بإصدار قانون المؤسسات العامة وكل نص يخالف أحكام القانون المرافق.
وجاء تقرير اللجنة في شأن هذا التعديل في الصياغة ما يلي:
"تنظم المادة السابعة من قانون الإصدار كما ينظم عجز المادة التاسعة من ذلك القانون مسائل العاملين حيث تقضي المادة السابعة بأن يستمر العمل بقرار رئيس الجمهورية رقم 3546 لسنة 1962 بإصدار نظام العاملين بالشركات التابعة للمؤسسات العامة وقرار رئيس الجمهورية رقم 800 لسنة 1963 بإصدار نظام العاملين بالمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها. وقد رأت اللجنة إدماج حكم هاتين المادتين في مادة واحدة بما يفيد استمرار العمل بالقرارات المنظمة لشئون العاملين في المؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها وبما يفيد في الوقت ذاته الإبقاء على تفويض السيد رئيس الجمهورية بأن يصدر قراراً بتنظيم جميع أوضاع العاملين في المؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها (م 7 إصدار مشروع اللجنة) تراجع الصفحة رقم 2752 من مضبطة مجلس الأمة جلسة 19 من يونيه سنة 1966).
ومن حيث إنه يبين من نص المادة التاسعة من مشروع القانون حسبما ورد من الحكومة أنها لم تتضمن تفويض رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون وفقاً لما تقضي به المادة 120 من الدستور بل أن ما نصت عليه لم يكن أكثر من دعوة رئيس الجمهورية لمباشرة اختصاصه بإصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القانون طبقاً للمادة 122 من الدستور. يؤكد ذلك أن تلك المادة لم تفرق بين اللائحة التنفيذية للقانون وبين اللوائح المنظمة لشئون العاملين بالمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها الأمر الذي يدل على أن المشروع المقدم من الحكومة كان يعتبر اللوائح المنظمة لشئون العاملين من بين اللوائح التنفيذية التي تحدث عنها إذ سلكها جميعاً في مادة واحدة هي المادة التاسعة المشار إليها. أما التعديل الذي أدخلته اللجنة المشتركة على هذه المادة باستبدال مادتين بهما إحداهما هي المادة السابعة التي تنص على أن لرئيس الجمهورية أن يصدر قراراً بتنظيم جميع أوضاع العاملين وأخرى هي المادة الثامنة التي تنص على أن يصدر رئيس الجمهورية اللائحة التنفيذية للقانون - هذا التعديل لم يقصد به، حسبما يبين من ذات تقرير اللجنة، استحداث حكم لم يرد في مشروع الحكومة في شأن ما يصدره السيد رئيس الجمهورية من لوائح متعلقة بتنظيم شئون العاملين. بل أنه لم يستهدف سوى استبقاء الحكم الذي تضمنه المشروع في هذا الشأن. ولئن كانت اللجنة قد عبرت عن ذلك في تقريرها بأن ما انتهت إليه من إدماج حكمي المادتين السابعة والتاسعة من المشروع المذكور يفيد "إبقاءها على تفويض رئيس الجمهورية بأن يصدر قراراً بتنظيم جميع أوضاع العاملين" إلا أن ظاهر هذا التعبير لا يطابق حقيقة الواقع ولا يعني أن اللجنة المشتركة كانت تبغي الخروج على ما قصدته الحكومة بادئ الرأي من مشروعها ولا أنها كانت تريد بصوغ المعنى متفرقاً في مادتين بدلاً من مادة واحدة استحداث تعديل في الأحكام يرمى إلى تفويض السيد رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون لأن مثل هذا التفويض لم يكن وارداً في مشروع الحكومة الأول حتى يتصور الحرص على استبقائه فحاصل عبارة الأعمال التحضيرية المشار إليها آنفاً هو أن اللجنة المشتركة إنما أرادت أن تستبقي ما انطوى عليه مشروع الحكومة فإن كان هذا المشروع في مادته التاسعة لم يكن متضمناً سوى دعوة السلطة التنفيذية لتنفيذ أحكام القانون وتنظيم أوضاع العاملين فإن لفظه "التفويض" تكون إذن غير مطابقة للواقع وإنما تشير فحسب إلى الدعوة لتنفيذ أحكام القانون. والقول الفصل في مقام التفسير هو استكناه هذا المعنى من عبارة المادة السابعة من القانون رقم 32 لسنة 1966 ونص هذه المادة ليس فيه مدلول التفويض ولا مظنته فضلاً عن أركانه وشرائطه، لأن حكم المادة السابعة في صيغته النهائية لو كان يهدف حقاً إلى تفويض السيد رئيس الجمهورية بكل معاني التفويض المحدد دستورياً لما غاب عنه قط أن يورد في ذلك نصاً صريحاً قاطعاً يتضمن أمد التفويض والأسس التي تقوم عليها القرارات المستندة إليه وفقاً لما تقضي به صراحة المادة 120 من الدستور التي يجرى نصها بأن "لرئيس الجمهورية في الأحوال الاستثنائية بناء على تفويض من مجلس الأمة أن يصدر قرارات لها قوة القانون. ويجب أن يكون التفويض لمدة محددة وأن يعين موضوع هذه القرارات والأسس التي تقوم عليها".
ومن حيث إن مرد حرص الدستور على تقييد التفويض على هذا الوجه هو ما ينطوي عليه من دقة بالغة ذلك أن الولاية التشريعية وظيفة عهد بها الدستور إلى مجلس الأمة وفقاً لما تقضي به المادة 47 منه والأصل أن يمارسها هذا المجلس ولا يتخلى عنها. وتفويض رئيس الجمهورية في مباشرة الاختصاص بالتشريع هو بمثابة نزول من السلطة التشريعية عن بضعة من اختصاصها للسلطة التنفيذية كي تمارسه بقرارات منها لها قوة القانون. وهذه القرارات لا تصدر فقط في غيبة مجلس الأمة، كما هي الحال في لوائح الضرورة، بل يجوز صدورها في أثناء انعقاده وليس في نص الدستور ما يوجب عرضها عليه. فهي إذن تتمخض عن اشتراك السلطة التنفيذية في الوظيفة التشريعية وإحلالها محل السلطة التشريعية فيما هو داخل في اختصاصها وقد يكون ذلك في الوقت الذي تكون فيه السلطة الأصلية قائمة بوظيفتها ومن هنا كان وجه الدقة في هذا الأمر. ولذلك حرص الدستور على تقييد التفويض بالقيود التي نصت عليها المادة 120 سالفة الذكر. وعلى مقتضاها يتعين أن يتضمن القانون الصادر بالتفويض تحديد مدة لتعود بعدها السلطة كاملة إلى مجلس الأمة وتعيين موضوعات اللوائح التفويضية وأسسها. كما يجب ألا يلجأ مجلس الأمة إلى التفويض إلا إذا اقتضت ذلك ظروف استثنائية مبررة.
ومن حيث إنه يخلص مما تقدم أن القانون رقم 32 لسنة 1966 لا ينطوي على تفويض السيد رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون وأن ما نصت عليه المادتان السابعة والثامنة منه لا يخرج عن كونه دعوة لممارسة اختصاص رئيس الجمهورية بإصدار اللوائح اللازمة لتنفيذ القانون طبقاً لما تقضي به المادة 132 من الدستور.
ومن حيث إنه لو صح ما ذهبت إليه المحكمة التأديبية، بحكمها المطعون فيه، من أن المادة السابعة من القانون رقم 32 لسنة 1966 قد انطوت على تفويض تشريعي للسيد رئيس الجمهورية في إصدار قرارات لها قوة القانون - لو صح ذلك - (وهو غير صحيح كما سبق البيان) فإن هذا التفويض يكون غير مستكمل لشروطه الدستورية سواء من ناحية مدته وحدوده أو من ناحية الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها. وإذ أغفلت تلك المادة تحديد نطاق التفويض ولم تبين أن الأوضاع التي يجرى فيها هذا التفويض وإذ تركت كذلك تحديد الأسس التي يقوم عليها تنظيم تلك الأوضاع ولم تحدد مدة سريان التفويض فإن هذا التفويض، وهو غير مستكمل لشرائطه وأركانه حسبما سلف البيان، لا يصلح سنداً لتخويل السيد رئيس الجمهورية سلطة إصدار قرارات لها قوة القانون لا سيما حيث تتناول هذه القرارات أمراً من الأمور التي حتم الدستور أن يكون تنظيمها بقانون كمثل تعيين اختصاص جهات القضاء الذي أوجبت المادة 153 من الدستور أن تكون بقانون. وفضلاً عما تقدم فإن التفويض في شأن تنظيم أوضاع العاملين، حتى ولو كان مستكملاً شرائطه وأركانه الدستورية، لا بد أن يكون مقصوراً على الموضوع الذي انصب عليه لا يجاوزه إلى شأن آخر يتعلق بحدود اختصاص القضاء الإداري أو بنطاق ولاية المحاكم التأديبية. خاصة وأن هذا النطاق وتلك الحدود لم يرد لها ذكر بقانون المؤسسات العامة. وبعيد أن يتصور جريان التفويض في غير الموضوعات التي عالجها قانون المؤسسات أو انصب عليها هذا التفويض بل ليس من السائغ أن تؤول عبارة "تنظيم أوضاع العاملين" بأنها تحتمل إمكان التصدي لتعديل الاختصاص القضائي أو التأديبي في أمورهم على نحو يجافي القانون الصادر بتنظيم مجلس الدولة أو قانون إنشاء المحاكم التأديبية أو القانون رقم 19 لسنة 1959 - في شأن سريان أحكام قانون النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية على موظفي المؤسسات والهيئات العامة والشركات والجمعيات والهيئات الخاصة - لأن تحديد موضوع التفويض من الأمور الجوهرية التي تتوقف عليها سلامته من الناحية الدستورية ولأن في هذا القول تأويلاً لعبارة لا تحتمل شيئاً من هذا التأويل.
ومن حيث إنه لو صح قيام هذا التفويض غير الدستوري رغم اجتماع الشواهد على نفيه في الواقع، فإن اللائحة التي صدرت بناء عليه تكون إذن مجردة من قوة القانون، وبذلك يكون حقيقاً على القضاء أن يمتنع عن تطبيق قانون التفويض، لو صح أنه كذلك، كما يمسك عن إنفاذ حكم اللائحة التفويضية باعتباره معدلاً أو ملغياً لأحكام القانون في مجال الاختصاص حتى تكون الكلمة العليا لنص القانون وحده. وهذا الامتناع مقصور بالبداهة على الخصومة التي يفصل فيها القضاء.
ومن حيث إن الدعوى التأديبية التي صدر فيها الحكم المطعون فيه كان موضوعها محاكمة المتهم، وهو من موظفي المؤسسات العامة أو الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسات العامة ويجاوز مرتبه مبلغ خمسة عشر جنيهاً شهرياً، عن التهم المنسوبة إليه بقرار الاتهام. وقد قضت المحكمة التأديبية بعدم اختصاصها بنظر الدعوى وفقاً لأحكام المادة 60 من قرار رئيس الجمهورية رقم 3309 لسنة 1966 بعد تعديلها بالقرار رقم 802 لسنة 1967.
ومن حيث إن اختصاص المحاكم التأديبية بالنسبة إلى العاملين بالمؤسسات العامة وشركات القطاع العام محدد بالقانون رقم 19 لسنة 1959 وهذا القانون لم يرخص لأجهزة القطاع العام إلا في توقيع جزاء الإنذار والخصم من المرتب لمدة لا تجاوز خمسة عشر يوماً وناط بالمحاكم التأديبية وحدها - متى كان مرتب العامل يجاوز خمسة عشر جنيهاً شهرياً - توقيع باقي الجزاءات حتى غدت هذه المحاكم بحق صاحبة الولاية العامة في التأديب، بعد استبعاد ذلك النطاق الضيق الذي تباشر فيه الهيئات الرئاسية بالمؤسسات العامة والوحدات الاقتصادية التابعة لها سلطتها. وقد جاءت المادة 60 سالفة الذكر بأحكام خالفت ذلك القانون وأمدت أجهزة القطاع العام باختصاصات تأديبية واسعة حلت فيها محل المحاكم التأديبية وبدت بها وكأنها صاحبة الولاية العامة في التأديب.
ومن حيث إنه لذلك وإذ كان حكم المادة 60 آنفة الذكر، فيما قضى به من سلب اختصاص المحاكم التأديبية، مخالفاً لأحكام القانون رقم 19 لسنة 1959 فإنه يتعين استبعاده من دائرة التطبيق لعدم مشروعيته. ويكون الحكم المطعون فيه الصادر بعدم اختصاص المحاكم التأديبية بنظر الدعوى التأديبية المقامة ضد المتهم المستند إلى حكم المادة المذكورة غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين لذلك القضاء بإلغائه. وباختصاص المحكمة التأديبية لوزارة الحربية بنظر الدعوى وبإعادتها إليها للفصل فيها، بلا مصروفات لأن الطعن مقدم من هيئة مفوضي الدولة.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وباختصاص المحكمة التأديبية لوزارة الحربية بنظر الدعوى وبإعادتها إليها للفصل فيها.


[(1)] في ذات الجلسة قضت المحكمة بمثل هذا المبدأ في القضايا أرقام 1010، 1012، 1016، 1018، 1036، 1039، 1040، 1045، 1052 لسنة 13 ق.
[(2)] انظر الحكم الصادر بذات الجلسة في القضيتين 1492، 1494 لسنة 13 ق. المنشور بهذه المجموعة ص 1137 - مبدأ 149 وفيه انتهت المحكمة إلى استبعاد حكم المادة 60 من نظام العاملين بالقطاع العام فيما قضى به من اختصاص المحكمة التأديبية في الفصل في الطعن في بعض الجزاءات.