أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الأول - السنة 2 - صـ 185

جلسة 21 من ديسمبر سنة 1950
(36)
القضية رقم 220 سنة 18 القضائية

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد المعطي خيال بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك ومصطفى فاضل بك المستشارين.
( أ ) عقد. تراض. إيجاب وقبول. مجرد تدوين نصوص العقد كتابة. لا يكفي لاعتباره تاماًً ملزماً ولو حصل التوقيع عليها. تلاقي إرادة المتعاقدين على قيام الالتزام ونفاذه. وجوبه. دليله. تسليم السند المثبت له لصاحب الحق فيه. عدم حصول التسلم. يعدم دليل إثبات العقد. تسليم العقد لأمين المتعاقدين. التحري عن علته. واجب. تقرير الأمين أن سبب إيداع العقد والثمن لديه يرجع إلى أن البائعة باعت نفس المبيع لآخر وأن طرفي التعاقد اتفقا على بقاء العقد والثمن تحت يده حتى تتمكن البائعة من استرداد العقد الأول. اعتماد الحكم أقوال الأمين. اعتباره عقد البيع معلقاً على شرط تقابل البائعة من البيع الصادر منها للمشتري الآخر رغم خلو نصوص المحرر من أي شرط فاسخ أو واقف. الطعن في الحكم استناداً إلى أنه خلط بين انعقاد العقد ودليله وأنه خالف قواعد الإثبات. على غير أساس.
(ب) حكم. تسبيبه. دعوى من الطاعنين بإثبات وصحة عقد البيع الصادر لهما من المطعون عليها الأولى. رفض الحكم الابتدائي قبول مشتر آخر يدعي شراه نفس المبيع خصماً ثالثاً. قيام هذا الحكم على اختلاف المبيع في العقدين. حكم استئنافي. قضاؤه برفض دعوى الطاعنين. استناده إلى تخلف الشرط المعلق عليه نفاذ عقدهما وهو تقايل البائعة من البيع الصادر منها إلى المشتري الآخر عن نفس المبيع. افتراضه ثبوت اتحاد المبيع في العقدين دون بيان الدليل على صحة هذا الافتراض. عدم بيانه سعي البائعة في التقايل وإخفاقها فيه حتى مع التسليم بصحة هذا الافتراض. قصور.
(المادة 103 من قانون المرافعات - القديم - ).
( أ ) التعاقد لا يعتبر تاماً ملزماً بمجرد تدوين نصوصه كتابة ولو حصل التوقيع عليها بل أنه لا بد من قيام الدليل على تلاقي إرادة المتعاقدين على قيام الالتزام ونفاذه وهذا ما يقتضي تسليم السند المثبت له لصاحب الحق فيه بحيث لو تبين أنه لم يسلم إليه مطلقاً لما صلح هذا دليلاً على الالتزام، كذلك إذا تبين أنه قد حرر مكتوب بالتعاقد ولكنه سلم لأمين فإنه يتعين البحث في ظروف وشروط تسليم ذلك المكتوب للأمين. وإذن فمتى كان الواقع في الدعوى هو أن المطعون عليها الأولى باعت للطاعنين فداناً بمقتضى عقد عرفي أودع هو ومبلغ الثمن أمانة لدى المطعون عليه الثاني بصفته أمين البائعة والمشتريين ولما رفع الطاعنان دعواهما بإثبات وصحة هذا البيع قرر المطعون عليه الثاني أن سبب إيداع العقد والثمن لديه رجع إلى أن المطعون عليها الأولى كانت قد باعت نفس القدر إلى آخر وأن طرفي التعاقد اتفقا على بقاء العقد والثمن تحت يده حتى تتمكن البائعة من استرداد العقد الأول، وكان الحكم إذ قضى برفض الدعوى قد اعتمد أقوال المطعون عليه الثاني وأجرى مقتضاها على البيع فاعتبره - رغم خلو المحرر من أي شرط فاسخ أو واقف - معلقاً على شرط هو تقايل المطعون عليها الأولى من البيع الأول الصادر منها للمشتري الآخر عن نفس المبيع استردادها منه المحرر المثبت له بأن الطعن عليه استناداً إلى أنه خلط بين انعقاد العقد ودليله وإلى أنه خالف القاعدة المقررة من أنه لا يصح إثبات عكس ما هو ثابت بالكتابة بغير الكتابة، إن هذا الطعن بشقيه يكون على غير أساس ذلك أن الطاعنين هما المدعيان بصحة التعاقد فعليهما يقع عبء إثبات مدعاهما ولما كان المدعي به يزيد على عشرة جنيهات وكان الدليل الكتابي يعوزهما فكان مقتضى ذلك اعتبارهما عاجزين عن إثبات مدعاهما إلا أن ما ادعياه من وجود محرر مثبت للبيع مودع لدى أمين الطرفين وإقرارهما بأنهما لم يأخذا على هذا الأمين سنداً بالإيداع لثقتهما فيه وموافقة المطعون عليها الأولى على هذه الواقعة - كل ذلك اقتضى سماع أقوال هذا الأمين في سبب إيداع العقد والثمن لديه.
(ب) متى كان الحكم الاستئنافي إذ قضى برفض دعوى الطاعنين إثبات وصحة عقد البيع الصادر لهما من المطعون عليها الأولى قد أقام قضاه على أساس تخلف الشرط المعلق عليه نفاذ العقد وهو تقايل المطعون عليها سالفة الذكر من البيع الصادر منها عن نفس المبيع لآخر واستردادها منه المحرر المثبت له وكان الحكم الابتدائي إذ قضى برفض قبول هذا الخير خصماً ثالثاً في الدعوى قد أسس قضاءه على أن عقده خال من الحدود وأن المبيع له في قطعة أخرى خلاف القطعة الكائن فيها المبيع للطاعنين فإن الحكم الاستئنافي إذ افترض ثبوت اتحاد المبيع في العقدين دون إقامة الدليل على صحة هذا الافتراض المناقض لحكم محكمة الدرجة الأولى الذي قضى بعدم قبول تدخل الخصم الثالث ودون أن يبين المطعون عليها الأولى سعت في التقايل من البيع الصادر منها على المشتري الآخر ولم تنجح مع وجوب هذا البيان حتى لو صح الافتراض المذكور فإن هذا وذاك قصور يبطله ويستوجب نقضه.


الوقائع

في يوم 22 من ديسمبر سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف أسيوط الصادر في 3 من يونيه سنة 1948 في الاستئناف رقم 23 سنة 23 ق - وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنان الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وتأييد الحكم المستأنف أو إحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليها الأولى بالمصروفات وأتعاب المحاماة.
وفي 23 و26 من ديسمبر سنة 1948 أعلن المطعون عليهم بتقرير الطعن - وفي 4 من يناير سنة 1949 أودع الطاعنان أصل ورقة إعلان المطعون عليهم بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح الأسباب وحافظة بمستنداتهما. ولم يقدم المطعون عليهم دفاعاً.
وفي 26 من أكتوبر سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومصادرة الكفالة.
وفي 7 من ديسمبر سنة 1950 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن واقعة الدعوى تتحصل، على ما يبين من الحكم المطعون فيه، في أن الطاعنين اتفقا في 28/ 11/ 1945 مع المطعون عليها الأولى على شراء فدان بثمن قدره 225 جنيهاً وذلك بموجب عقد عرفي أودع هو ومبلغ الثمن أمانة لدى المطعون عليه الثاني بصفته أمين الطرفين البائعة والمشترين. وفي 19/ 12/ 1945 قدم الطاعن الأول على جهة الإدارة شكوى ضد المطعون عليه الثاني طالباً تسلمه عقد البيع حتى يستطيع أن يرفع دعوى بإثبات صحة التعاقد عنه، فقرر المودع عنده في محضر فحص الشكوى أن سبب إيداع العقد والثمن لديه يرجع إلى أن البائعة كانت قد باعت نفس القدر إلى شخص آخر اسمه مصطفى خليفة، وأن طرفي التعاقد اتفقا على بقاء العقد والثمن تحت يده حتى تتمكن البائعة من استرداد العقد الأول. فرفع الطاعنان دعوى بإثبات وصحة البيع الصادر لهما من المطعون عليها الأولى. وأثناء نظر هذه الدعوى طلب مصطفى خليفة قبوله خصماً ثالثاً فيها بمقولة إنه اشترى نفس الفدان من البائعة وفي 27/ 2/ 1947 قضت محكمة أول درجة برفض تدخله في الدعوى على أساس أن عقد البيع الذي قدمه خال من الحدود والمبيع فيه في القطعة نمرة 12 في حين أن المبيع موضوع الدعوى هو ضمن القطعة نمرة 1 - وفي 13/ 3/ 1947 قضت محكمة أول درجة بإثبات صحة التعاقد عن عقد البيع المؤرخ في 28/ 11/ 1945 الصادر من المطعون عليها الأولى إلى الطاعنين. فاستأنفت المحكوم عليها هذا الحكم. وفي 3/ 6/ 1948 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المذكور ورفض دعوى الطاعنين.
ومن حيث إن الطعن بني على ثلاثة أسباب، حاصل أولها خطأ الحكم في تطبيق القانون على واقعة الدعوى من ناحيتين، الأولى إذ لم يعتبر تلاقي الإرادتين على معنى البيع كلياً لانعقاده بل أضاف إلى ذلك شرطاً هو لزوم تسليم المحرر المثبت له إلى صاحب الحق فيه. وبذلك يكون قد خلط بين انعقاد العقد والدليل عليه - والأخرى إذ اعتبر البيع معلقاً على شرط واقف معتمداً في ذلك على شهادة أمين الطرفين (المطعون عليه الثاني) الذي أودع عنده عقد البيع وثمن المبيع، في حين أن المحرر المثبت للبيع جاء بصيغة التنجيز خالياً من كل وصف وبذلك يكون الحكم قد خالف القاعدة المقررة من أنه لا يصح إثبات عكس ما هو ثابت بالكتابة بغير الكتابة.
ومن حيث إن هذا السبب مردود في ناحيتيه بما أثبته الحكم من "أنه وإن كان العقد المكتوب خالياً بالفعل من أي شرط فاسخ أو موقف إلا أنه لما كان التعاقد لا يعتبر تاماً ملزماً بمجرد تدوين نصوصه كتابة ولو حصل التوقيع عليها، بل إنه لا بد من قيام الدليل على تلاقي إرادة المتعاقدين على قيام الالتزام ونفاذه. وهذا ما يقتضي تسليم السند المثبت له لصاحب الحق فيه، بحيث لو تبين أنه لم يسلم إليه مطلقاً لما صلح هذا دليلاً على الالتزام. كما أنه إذا تبين أنه قد تحرر مكتوب بالتعاقد ولكنه تسلم لأمين فإنه يتعين البحث في ظروف وشروط تسليم ذلك المكتوب للأمين". وهذا الذي قرره الحكم صحيح في القانون بالنسبة لواقعة الدعوى، ذلك أن الطاعنين هما المدعيان بصحة التعاقد فعليهما يقع عبء إثبات مدعاهما - ولما كان المدعي به يزيد على عشرة جنيهات وكان الدليل الكتابي يعوزهما فكان مقتضى ذلك اعتبارهما عاجزين عن إثبات مدعاهما، إلا أن ما ادعياه من وجود محرر مثبت للبيع مودع لدى أمين للطرفين وإقرارهما بأنهما لم يأخذا على هذا الأمين سنداً بالإيداع لثقتهما فيه وموافقة المطعون عليها الأولى على هذه الواقعة - كل ذلك اقتضى سماع أقوال هذا الأمين في سبب إيداع العقد والثمن لديه فإذا اعتمدت المحكمة هذه الأقوال وأجرت مقتضاها على البيع فاعتبرته معلقاً على شرط هو تقايل المطعون عليها الأولى من البيع الأول الصادر منها عن نفس المبيع إلى مصطفى خليفة واستردادها منه المحرر المثبت له فإنها لا تكون قد خالفت القانون في شيء.
ومن حيث إن حاصل السبب الثاني هو قضاء الحكم على خلاف ما هو ثابت بالأوراق إذ اعتبر أن عقد البيع لم يسلم مطلقاً إلى الطاعنين في حين أن الثابت من ذات أقوال أمين الطرفين هو أن العقد قد سلم فعلاً إلى الطاعن الأول بعد تمام البيع ودفعه الثمن وإيداعه لدى الأمين المذكور. غاية الأمر أن المطعون عليه الثالث قد استدرك بعد خروج الطاعن الأول من مجلس العقد فطلب إليه رد العقد وإيداعه أمانة لدى الأمين المذكور ففعل.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن ما حصلته المحكمة من أن تسليم العقد إلى الطاعن الأول ثم رده برضائه وإيداعه لدى أمين الطرفين كان في ذات مجلس العقد بحيث يعتبر المحرر المثبت للبيع أنه لم يسلم إليه بصفة نهائية هو مما يدخل في سلطتها التقديرية، ولا مخالفة فيه لما هو ثابت بالأوراق.
ومن حيث إن حاصل السبب الثالث هو قصور الحكم في التسبيب ذلك أنه ذهب إلى أن عقد البيع الصادر من المطعون عليها الأولى إلى الطاعنين قد وقع معلقاً على شرط تقايلها من البيع الصادر منها عن نفس المبيع إلى مصطفى خليفة، في حين أن الحكم الصادر من محكمة أول درجة في 27 من فبراير سنة 1947 والمقدمة إلى هذه المحكمة صورة رسمية منه قد قضى برفض تدخل مصطفى خليفة المذكور في هذه الدعوى على أساس أن المبيع له ليس هو المبيع للطاعنين. ولم تتحقق المحكمة من تحقق أو تخلف الشرط المعلق عليه نفاذ البيع.
ومن حيث إن ما ينعاه الطاعنين على الحكم في هذا الخصوص صحيح ذلك أنه إذ قضى برفض دعوى الطاعنين على أساس تخلف الشرط المعلق عليه نفاذ عقدهما لم يبين كيف صح في تقديره تعليق نفاذ عقد شراء الطاعنين على تقايل البائعة من البيع الصادر منها إلى مصطفى خليفة مع ما قررته محكمة أول درجة في حكمها برفض قبول مصطفى خليفة خصماً ثالثاً من أن عقده خال من الحدود أن المبيع له في القطعة نمرة 12 في حين أن المبيع للطاعنين في القطعة نمرة 1 وافترض الحكم ثبوت اتحاد المبيع في العقدين دون أن يبين أن المطعون عليها سعت في التقايل من البيع الصادر منها إلى مصطفى خليفة ولم تنجح مع وجوب هذا البيان حتى لو صح الافتراض المذكور - وهذا وذاك قصور يبطل الحكم ويستوجب نقضه.