أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 2 - صـ 305

جلسة 8 من فبراير سنة 1951
(59)
القضية رقم 96 سنة 18 القضائية

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة؛ وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد الحميد وشاحي بك وسلميان ثابت بك ومصطفى فاضل بك المستشارين.
1 - اتفاق. رضا. الإكراه المبطل له. كيف يتحقق. حكم. تسبيه. قضاؤه ببطلان اتفاق. قيامه على أن الظروف التي أحاطت بأحد العاقدين هي ظروف يتوافر بها الإكراه المفسد للرضا. عدم بيانه الوسائل غير المشروعة التي استعملت لإكراه هذا المتعاقد على التوقيع. قصور.
(المادتان 133/ 135 من القانون المدني - القديم - والمادة 103 من قانون المرافعات - القديم - ).
2 - بيع. المقابل فيه أي الثمن. تكافؤه مع قيمة المبيع. لا يشترط. كل ما يشترط فيه ألا يكون تافهاً. بخس الثمن. يصلح مقابلاً لالتزامات البائع. ادعاء البائع بأنه باع بما دون القيمة على علم منه بذلك تخلصاً من تعرض الغير له في الأطيان المبيعة وعجزه عن تسلمها. لا يكفي لإبطال البيع إلا أن يكون قد شاب رضاءه إكراه مفسد له.
1 - الإكراه المبطل للرضا لا يتحقق إلا بالتهديد المفزع في النفس أو المال أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل للمكره باحتمالها أو التخلص منها ويكون من نتائج ذلك خوف شديد يحمل المكره على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً. وإذن فمتى كان الحكم إذ قضى ببطلان الاتفاق المبرم بين الطاعن الأول والمطعون عليه الأول قد أسس قضاءه على أن الظروف التي أحاطت بهذا الأخير والتي ألجأته وحدها إلى توقيع الاتفاق هي ظروف يتوافر بها الإكراه المفسد للرضا، وكان ما أثبته الحكم وهو في صدد بيان هذه الظروف قد جاء قاصراً عن بيان الوسائل غير المشروعة التي استعملت لإكراه المطعون عليه الأول على التوقيع على الاتفاق - فإن الحكم يكون قاصراً قصوراً يستوجب نقضه.
2 - لا يشترط أن يكون المقابل في عقد البيع - الثمن - متكافئاً مع قيمة المبيع، بل كان ما يشترط فيه ألا يكون تافهاً. فالثمن البخس يصلح مقابلاً لالتزامات البائع وادعاء هذا الأخير بأنه باع بما دون القيمة على علم منه بذلك تخلصاً من تعرض الغير له في الأطيان المبيعة وعجزه عن تسليمها لا يكفي لإبطال البيع إلا أن يكون قد شاب رضاءه إكراه مفسد له.


الوقائع

في يوم 27 من مايو سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف أسيوط الصادر في 10 من فبراير سنة 1948 في الاستئناف رقم 87 سنة 22 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنون الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليه الأول بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 30 من مايو وأول يونيه سنة 1948 أعلن المطعون عليهما بتقرير الطعن. وفي 9 من يونيه سنة 1948 أودع الطاعنون أصل ورقة إعلان المطعون عليهما بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهم. وفي 27 منه أودع المطعون عليه الأول مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي أول يوليه سنة 1948 أودع الطاعنون مذكرة بالرد، ولم يقدم المطعون عليه الثاني دفاعاً. وفي 19 من نوفمبر سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنين بالمصروفات. وفي 18 من يناير سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.


المحكمة

... من حيث إن الطعن بني على سببين أولهما أن الحكم المطعون فيه إذ قضى ببطلان عقد الاتفاق الذي تم بين الطاعن الأول والمطعون عليه الأول في 6 من نوفمبر سنة 1945 بناء على ما شابه من إكراه قد أخطأ في تطبيق القانون، ذلك أنه يشترط لتوافر الإكراه المبطل للرضا أن تستعمل وسائل إكراه غير مشروعة يكون الغرض منها انتزاع الرضا للوصول إلى غرض غير مشروع وأن يكون ما يهدد المكره هو خطر حال في نفسه أو في ماله أو في نفس أو مال بعض أقاربه، وقد قضى الحكم ببطلان الاتفاق لما شابه من إكراه أوقعه مأمور المركز بالمطعون عليه الأول وقت تحقيق شكواه دون أن يثبت أن المأمور استعمل وسائل إكراه غير مشروعة كان الغرض منها انتزاع الرضا أو أنه هدد أحداً بما يعتبر خطراً حالاً على النفس أو المال، بل كل ما هو ثابت هو أن المأمور أدى واجبه في إجراء الصلح بين الناس كما تلزمه بذلك التعليمات، فضلاً عن أنه بالرجوع إلى وقائع الدعوى يتضح منها ما ينفي حصول الإكراه، إذ المطعون عليه الأول لم يشك من أن إكراهاً وقع عليه، فلا هو طلب بطلان العقد ولا هو اشتكى المأمور بل إن الدليل قائم على ما يغاير ذلك، إذ ثابت أنه صدّق في ديسمبر سنة 1945 على محضر صلح حرر في القضية رقم 5 سنة 1941 كلي أسيوط التي كانت مقامة بينه وبين الطاعن الأول وآخرين ولو كان ثمة إكراه لما طلب اعتماد هذا الصلح فضلاً عما تحويه الدعوى من وقائع أخرى تفند ادعاء الإكراه.
ومن حيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أن محمد علي حسين نزعت ملكيته من أطيان رسا مزادها على من باعها لجابر صالح قاسم (المطعون عليه الأول) الذي يدعي أنه لم يستطع تسلم الأطيان لتعرض إخوة المدين له ومعهم الطاعن الأول مما ألجأه إلى رفع الدعوى رقم 5 سنة 1941 أسيوط التي حكم فيها لمصلحته، فاستأنف خصومه الحكم ثم اصطلحوا معه على أن يتنازل عن الريع فقبل رغبة منه في تسلم الأطيان، ولكنه لم يمكن من ذلك واستمر التعرض له من هؤلاء الخصوم فقدم شكواه إلى مأمور المركز ولكن المأمور بدلاً من تحقيق شكواه أكرهه على توقيع الاتفاق المؤرخ في 6 من نوفمبر سنة 1945 لذلك هو يتمسك ببطلانه لما شاب إرادته من إكراه، وقد أخذ الحكم المطعون فيه بدفاع جابر صالح قاسم (المطعون عليه الأول) تأسيساً على "أن الظروف التي أحاطت بالمستأنف (المطعون عليه الأول) والتي ألجأته وحدها إلى توقيع اتفاق 6 من نوفمبر سنة 1945 هي ظروف يتوافر بها الإكراه المفسد للرضا إذ الواضح أنه لم يكن يفكر في التخلي عن ملكه بل سعى بالوسائل القانونية إلى وضع يده على أرضه، فلما حكم له وعجز خصومه عن مغالبته أمام القضاء لجأوا إلى التعرض المادي الذي لا سند له إلا القوة والبطش فلما شكا أمره إلى البوليس ليقوم بواجبه في حمايته نكل هذا عن أداء الواجب، وعمد إلى التأثير في المستأنف ليوقع عقد 6 نوفمبر سنة 1945... الذي لم يكن له أي مبرر لأن ملكية المستأنف ثابتة لا شائبة فيها ولا غبار عليها وتعرض المستأنف ضده السادس (الطاعن الأول) لم يكن مبنياً على نزاع في الملك وإنما كان قائماً على التعدي الإجرامي الذي لا سند له فإن تنكب المأمور المكلف بالسهر على أمن الناس وطمأنينتهم والعمل على استقرار الأمور في مستقرها الصحيح بوقف اعتداء المعتدين أو اتخاذ الإجراءات القانونية قبلهم والضغط على المعتدى عليه لكي ينزل عن بعض حقه للمتعدي مما يعتبر إكراهاً مفسداً للرضا ما دام ثابتاً أن هذا المجني عليه كان في قريته مستضعفاً إزاء المعتدين. وقد يقرهم الحاكم على ظلمهم له مع وضوح حقه... وضغط المأمور على المستأنف تنطق به الحوادث، إذ أنه لم يتخذ أي إجراء من إجراءات التحقيق، بل كان كل ما عمله أن أثبت محضر الصلح بنفسه وقال إن الطرفين اتفقا عليه بعد إسداء النصح وإجراء التوفيق بينهما منعاً للنزاع المستمر والخصومات وما ينجم عنها من حوادث تخل بالأمن العام...".
ومن حيث إن هذا الذي أثبته الحكم المطعون فيه قد جاء قاصراً عن بيان الوسائل غير المشروعة التي استعملها المأمور لإكراه المطعون عليه الأول على التوقيع على عقد الاتفاق إذ الإكراه المبطل للرضا لا يتحقق - كما جرى به قضاء هذه المحكمة - إلا بالتهديد المفزع في النفس أو في المال أو باستعمال وسائل ضغط أخرى لا قبل للمكره باحتمالها أو التخلص منها، ويكون من نتائج ذلك حصول خوف شديد يحمل المكره على الإقرار بقبول ما لم يكن ليقبله اختياراً.
ومن حيث إن السبب الآخر من سببي الطعن يتحصل في أن الحكم إذ قضى ببطلان الاتفاق لخلوه من سبب مشروع قد أخطأ في تطبيق القانون، لأن الحكم بنى انعدام السبب على أن الأطيان محل الاتفاق تساوي أكثر مما بيعت به وأن الفرق وقدره 485 جنيهاً الذي اتفق على أن يستولى عليه المدين المنزوعة ملكيته هو بغير مقابل فيعتبر منعدم السبب. وفي هذا الذي قرره الحكم خلط بين سبب الالتزام والباعث عليه فضلاً عن أن الباعث على هذا الاتفاق مشروع لأن إخوة المدين المنزوعة ملكيته كانوا ينازعونه في صحة البيع الصادر له من أبيهم بمقولة أنه بيع صوري لإكمال نصاب العمدية فكان الباعث على الاستيلاء على الفرق بين ما دفعه المشترى من الراسي عليه المزاد وبين ما يمكن أن تباع به الأطيان هو ترضية هؤلاء الورثة بتوزيع مبلغ الفرق عليهم. على أنه حتى لو سلم بأن فرق الثمن لم يكن معدّاً لهذا الغرض فإن للاتفاق سببه المشروع وهو الصلح وفض النزاع.
ومن حيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه بنى خلو الاتفاق من سبب مشروع على أن "المستأنف (المطعون عليه الأول) قد تنازل على أطيانه لا في مقابل الثمن الذي تساويه ولكن في مقابل ما دفعه فيها والمصاريف التي أنفقها وفوائد نقوده، ومثل هذا المقابل لا يصلح سبباً للبيع، إذ أن البائع إنما يبيع ملكه إن شاء أن يبعه في مقابل ثمن يوازي قيمته، فإذا ما نقص هذا المقابل لوجب أن يكون لهذا النقص سبب وليست الحالة هنا حالة ثمن ولكنها حالة تنازل مقصود ولم يكن القصد منه التبرع ولكن سببه هو الخلاص من تعرض غير مستند إلى أساس...".
ومن حيث إن هذا الذي قرره الحكم غير صحيح، لأنه لا يشترط أن يكون المقابل في عقد البيع - الثمن - متكافئاً مع قيمة المبيع بل كل ما يشترط فيه ألا يكون تافهاً، فالثمن البخس يصلح مقابلاً لالتزامات البائع. وادعاء البائع - كما هو الشأن في الدعوى - بأنه باع بما دون القيمة على علم منه بذلك تخلصاً من تعرض الغير في الأطيان وعجزه عن تسلمها لا يكفي لإبطال البيع إلا أن يكون قد شاب رضاءه إكراه مفسد له وهو ما تناوله السبب الأول من سببي الطعن.
ومن حيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم.