أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 2 - صـ 310

جلسة 8 من فبراير سنة 1951
(60)
القضية رقم 144 سنة 18 القضائية

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة، وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد المعطي خيال بك وعبد الحميد وشاحي بك ومحمد نجيب أحمد بك المستشارين.
1 - نقض. طعن. الأحكام التحضيرية أو التمهيدية المحض. عدم جواز رفع طعن مستقل عنها. صدور حكم في الموضوع. جواز الطعن فيها مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع.
(الفقرة الأخيرة من المادة 9 من قانون إنشاء محكمة النقض).
2 - نقض. طعن. حق المطعون عليه في التمسك بعدم جواز الطعن. ليس من الدفوع التي تسقط بالتكلم في الموضوع. عدم إبدائه في مذكرة المطعون عليه الأولى. لا يسقطه. إبداؤه في مذكرة المطعون عليه الثانية. لا يحول دونه نص الفقرة الثالثة من المادة 26 من قانون إنشاء محكمة النقض.
(الفقرة الثالثة من المادة 26 من قانون إنشاء محكمة النقض والمواد 134/ 138/ 139 من قانون المرافعات القديم).
3 - حكم. القبول المانع من الطعن فيه. يجب أن يكون صريحاً لا يحتمل تأويلاً. حكم نهائي واجب التنفيذ. مجرد اشتراك المحكوم عليه في إجراءات التنفيذ. لا يعتبر قاطعاً في الدلالة على رضائه بالحكم.
4 - وفاء. عقد بيع لم يحدد ميعاداً للتسليم. عرض البائع على المشتري أمام المحكمة البضاعة المبيعة. يعتبر عرضاً حقيقياً.
(المادة 697 من قانون المرافعات - القديم - ).
5 - دفاع. طلبات قدمت في الدعوى لم يعلم أو يعلن بها الخصم. لا يجوز أن تنظرها المحكمة. حكم. استناده إلى مذكرة أودعها المحكوم له ملف الدعوى دون أن يطلع عليها خصمه. مخالفة ذلك للإجراءات الأساسية الواجبة مراعاتها. ادعاء المحكوم له أن العمل جرى أمام المحكمة التي أصدرت الحكم على إيداع المذكرات ملف الدعوى دون إعلان الخصم بها. لا يؤثر. ذكر المحكوم له في جلسة المرافعة أنه يصمم على ما جاء بمذكرته التي استند إليها الحكم. لا يجعل طالباته التي حوتها هذه المذكرة معلومة لخصمه في حين أنه لم يطلع عليها.
(المادتان 94/ 95 من قانون المرافعات - القديم - والمادة 15 من لائحة الإجراءات الداخلية للمحاكم الصادرة في 14 من فبراير سنة 1884).
1 - إن ما حرمته الفقرة الأخيرة من المادة التاسعة من قانون إنشاء محكمة النقض إنما هو رفع طعن مستقل عن الأحكام التحضيرية أو التمهيدية المحض قبل الفصل في الموضوع، أما متى صدر الحكم في الموضوع فالمتظلم من الحكم التحضيري أو التمهيدي المحض أن يطعن في هذه الأحكام بطريق النقض مع طعنه في الحكم الصادر في الموضوع.
2 - حق المطعون عليه في التمسك بعدم جواز الطعن لا يسقط لعدم إبدائه في مذكرته الأولى، لأنه ليس من الدفوع التي تسقط بالتكلم في الموضوع وفقاً للمواد 134/ 138/ 139 من قانون المرافعات - القديم - كما لا يحول دون إبدائه في مذكرة المطعون عليه الثانية نص الفقرة الثالثة من المادة 26 من قانون إنشاء محكمة النقض، ذلك لأنها إنما تحرم إبداء أسباب شفوية في الجلسة غير تلك التي أدلى بها الخصوم في المذكرات الكتابية المودعة في القضية.
3 - يشترط في القبول المانع من الطعن في الحكم بوصفه تركاً لحق ثابت أن يكون صريحاً لا يحتمل تأويلاً. وإذن فمجرد اشتراك المحكوم عليه بحكم نهائي واجب التنفيذ في إجراءات تنفيذه كالحضور أمام الخبير المنتدب لبيع البضاعة لحسابه أو موافقته على ما يتبع في إجراءات النشر وعلى صيغته أو حضور جلسات المزاد، ذلك كله غير قاطع الدلالة في رضا المحكوم عليه بالحكم، إذ قد يكون مجرد إذعان لما لا سبيل له إلى منعه أو الحيلولة دون المضي فيه.
4 - عرض البائع على المشتري أمام المحكمة البضاعة المبيعة هو عرض حقيقي وفقاً للمادة 697 من قانون المرافعات - القديم - متى كان العقد لم يحدد ميعاداً للتسليم. وإذن فمتى كان الحكم إذ قضى باعتبار المشتري هو المتخلف عن الوفاء قد أثبت أن البائع ما زال يعرض البضاعة على المشتري أمام المحكمة وأن هذا الأخير هو الذي كان يأبى تنفيذ الاتفاق، وأن هذا الذي جرى أمام المحكمة هو ما كان عليه موقف المتعاقدين قبل طرح خصومتهما أمام القضاء. فإن الطعن فيه بالقصور ومسخ الاتفاق المبرم بين الطرفين يكون في غير محله.
5 - لا يجوز أن تنظر المحكمة في طلبات قدمت في الدعوى لم يعلم أو يعلن بها الخصم، كما أن هذا أصل من أصول المرافعات تؤيده المادتان 94/ 95 من قانون المرافعات - القديم - والمادة 15 من لائحة الإجراءات الداخلية للمحاكم الصادرة في 14 من فبراير سنة 1844. وإذن فمتى كان الحكم قد استند إلى مذكرة أودعها المحكوم له ملف الدعوى دون أن يطلع عليها خصمه، فإن في هذا مخالفة للإجراءات الأساسية الواجبة مراعاتها. ولا يسوغ الخروج على هذا الأصل ادعاء المحكوم له أن العمل جرى أمام الدائرة التي أصدرت الحكم على إيداع المذكرات ملف الدعوى دون إعلان الخصم بها، إذ ليس من شأن هذا لو صح أن يغير من قواعد وضعت كفالة لعدالة التقاضي وعدم تجهيل الخصومة على من كان طرفاً فيها. أما مجرد ذكر المحكوم له في جلسة المرافعة أنه يصمم على ما جاء بمذكرته التي استند إليها الحكم فإنه لا يجعل طلباته التي حوتها هذه المذكرة معلومة لخصمه في حين أنه لم يطلع عليها.


الوقائع

في يوم 28 من يوليه سنة 1948 طعن بطريق النقض في أحكام محكمة استئناف القاهرة الصادرة في 21 من مارس سنة 1946 و2 من إبريل سنة 1947 و19 من فبراير سنة 1948 في الاستئناف رقم 109 سنة 61 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع ببطلان الأحكام الثلاثة الصادرة من محكمة الاستئناف وتأييد الحكم الصادر في 23 من ديسمبر سنة 1943 من محكمة مصر الابتدائية في الدعويين رقمي 270 سنة 1943 و27 سنة 1944 تجاري كلي. واحتياطياً إعادة الدعوى إلى محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى، وفي كلتا الحالتين بإلزام المطعون عليه بالمصروفات وأتعاب المحاماة. وفي 2 من أغسطس سنة 1948 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن. وفي 17 منه أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 31 منه أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها رفض الطعن. وفي 16 من سبتمبر سنة 1948 أودع الطاعن مذكرة بالرد. وفي 26 منه أودع المطعون عليه مذكرة بملاحظاته على الرد. وفي 30 من مايو سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها أولاً بقبول الطعن شكلاً، وثانياً بسقوط حق المطعون عليه في دفعه المتعلق بحكمي 2 من إبريل سنة 1947 و19 من فبراير سنة 1948 وثالثاً برفض الدفع بعدم جواز الطعن في الأحكام الثلاثة، ورابعاً في موضوع الطعن بنقض الحكم بناء على السببين الثالث والرابع وإحالة القضية على محكمة استئناف القاهرة للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى. وفي 30 من نوفمبر سنة 1950 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة حيث... إلخ.


المحكمة

... من حيث إن الطعن موجه إلى الأحكام الثلاثة الصادرة من محكمة استئناف مصر في 21 من مارس سنة 1946 وفي 2 من إبريل سنة 1947 وفي 19 من فبراير سنة 1948 وقد قضى الحكم الأول بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت المطعون عليه بأي طريق من الطرق القانونية أن المركب التي حملت البضاعة المبيعة منه للطاعن بمقتضى الفاتورة المحررة في 21/ 5/ 1943 والمنصوص فيها على أن يكون تسليم البضاعة في مدابغ المشتري بمصر القديمة - أن هذه المركب وصلت إلى مرسى مصر القديمة قبل يوم 11 من يونيه سنة 1943 وأنه بذل مجهوداً جدياً للاهتداء إلى مخازن الطاعن بمدابغ مصر القديمة فلم يوفق. وقضى الحكم الثاني الصادر في 2 من إبريل سنة 1947 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى رقم 27 سنة 1944 تجاري كلي مصر (المرفوعة من المطعون عليه بطلب إلزام المطعون عليه بمبلغ 151 جنيهاً) وفي الدعوى رقم 270 سنة 1943 تجاري كلي مصر (المرفوعة من المطعون عليه على الطاعن) بتعيين مكتب الخبراء الحسابيين لبيع البضاعة المتفق عليها في الفاتورة المحررة في 21 من مايو سنة 1943 لحساب الطاعن... وقضى الحكم الصادر في 19 من فبراير 1948 في موضوع الدعوى بإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المطعون عليه مبلغ 502 جنيه و775 مليماً ومصروفات الدرجتين.
ومن حيث إن المطعون عليه دفع في مذكرته الثانية بعدم جواز الطعن في هذه الأحكام الثلاثة، لأن حكم 21 من مارس سنة 1946 هو حكم تمهيدي أو على الأصح حكم تحضيري لم تكشف فيه المحكمة عن وجهة نظرها في النزاع وإنما غاية ما هناك أنها رأت قبل الفصل في الموضوع إحالة الدعوى على التحقيق لإثبات ونفي نقطتين معنيتين ذكرتهما في الحكم، وعلى ذلك لا يجوز الطعن فيه بطريق النقض وفقاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة التاسعة من قانون إنشاء محكمة النقض. أما بالنسبة إلى الحكم الصادر في 2 من إبريل سنة 1947 فقد رضي به الطاعن ونفذه تنفيذاً كاملاً دون أي احتياط أو تحفظ رغماً عن كونه حكماً قطعياً فصل في الخصومة إذ اعتبر الطاعن هو المخطئ وقرر رفض دعواه وبيع البضاعة على حسابه وتعيين مكتب الخبراء لأداء هذه المأمورية فلم يطعن الطاعن في هذا الحكم فور صدوره بل رضي به ونفذه طوعاً إذ اتفق مع المطعون عليه على أن يكون البيع بالمزاد وعلى وسائل النشر وصيغة ما ينشر وحضر جميع جلسات الخبير إلى أن تم البيع ورسا المزاد. وأما بالنسبة إلى الحكم الأخير الصادر في 19 من فبراير سنة 1948 فهو حكم لا ينشئ جديداً بل يقرر نتيجة حتمية لما سبق أن قضى به في 2 من إبريل سنة 1937.
ومن حيث إن هذا الدفع مردود أولاً فيما يختص بالحكم الأول بأن ما حرمته الفقرة الأخيرة من المادة التاسعة من قانون إنشاء محكمة النقض إنما هو رفع طعن مستقل عن الأحكام التحضيرية أو التمهيدية المحض قبل الفصل في الموضوع أما متى صدر الحكم في الموضوع فللمتظلم من الحكم التحضيري أو التمهيدي المحض أن يطعن في هذه الأحكام بطريق النقض مع طعنه في الحكم الصادر في الموضوع. ومردود ثانياً فيما يختص بالحكم الثاني الصادر في 2 من إبريل سنة 1947 بأنه وإن كان حق المطعون عليه في التمسك بعدم جواز الطعن لم يسقط لعدم إبدائه في مذكرته الأولى لأنه ليس من الدفوع التي تسقط بالتكلم في الموضوع وفقاً لنص المواد 134 و138 و139 من قانون المرافعات (القديم) كما لا تحول دون إبدائه في مذكرة المطعون عليه الثانية نص الفقرة الثالثة من المادة 26 من قانون إنشاء محكمة النقض، ذلك لأنها إنما تحرم إبداء أسباب شفوية في الجلسة غير تلك الأسباب التي أدلى بها الخصوم في المذكرات الكتابية المودعة في القضية. إلا أن هذا الدفع مردود بأنه يشترط في القبول المانع من الطعن في الحكم بوصفه تركاً لحق ثابت أن يكون صريحاً لا يحتمل تأويلاً. وإذن فمجرد اشتراك المحكوم عليه بحكم نهائي واجب التنفيذ في إجراءات تنفيذه كالحضور أمام الخبير المنتدب لبيع البضاعة لحسابه أو موافقته على ما يتبع في إجراءات النشر وعلى صيغته أو حضور جلسات المزاد - كل هذا غير قاطع الدلالة في رضا المحكوم عليه بالحكم، إذ قد يكون مجرد إذعان لما لا سبيل له إلى منعه أو الحيلولة دون المضي فيه. ومردود ثالثاً فيما يختص بالحكم الصادر في 19 من فبراير سنة 1948 بأن الحكم قضى بإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المطعون عليه مبلغاً من المال وللطاعن أوجه طعن خاصة بهذا الحكم منها اعتراضه على جواز الحكم عليه بهذا المبلغ كما سيرد في بيان الأسباب. فهو إذن ليس نتيجة حتمية للحكم السابق.
ومن حيث إنه لذلك يتعين رفض الدفع بعدم جواز الطعن في الأحكام الثلاثة.
ومن حيث إن السببين الأولين من أسباب الطعن يتحصلان أولاً في أن الحكم الصادر في 21 من مارس سنة 1946 والحكم الصادر في 2 من إبريل سنة 1947 قد أخطأ كل منهما في تطبيق القانون إذ خالفا المادتين 168 و175 من القانون المدني (القديم) والمادة 685 من قانون المرافعات (القديم) ذلك لأن البائع والمشتري اتفقا على تسليم البضاعة في محل الطاعن وعلى أن يدفع الثمن أولاً فأولاً بنسبة ما يتم تسليمه منها وهذا الاتفاق هو قانون الطرفين ولا يجوز الخروج عليه وفقاً لنص المادة 168 من القانون المدني (القديم) التي تقضي بأن يكون الوفاء على الوجه المتفق عليه فإذا كان الدائن هو المقصر في الاستلام فإن المادة 175 مدني (قديم) توجب على المدين أن يعرض عليه الدين عرضاً حقيقياً وهو الذي أبانه قانون المرافعات، وعلى ذلك يكون من الخطأ إحالة الدعوى على التحقيق أو المساس بهذا الاتفاق الصريح. وثانياً: في مخالفة الحكمين للمادة 103 مرافعات (قديم) إذ بنيا على وقائع لا مصدر لها من أدلة الملف ولا تؤدي قانوناً إلى ما انتهى إليه الحكم الثاني وفيها مسخ لاتفاق الطرفين فقد قرر الحكم الثاني أنه اتضح من الإنذارات والخطابات المتبادلة بين الطرفين ومن أقوالهما وشهادة الشهود أنه وإن كان الطاعن معروفاً بجهة المدابغ إلا أنه وقت التعاقد لم تكن باسمه مدبغة فخشي المطعون عليه أن يلقي بضاعته في مدبغة والد الطاعن قبل الحصول على الثمن فيقع في متاعب لذلك فضل أن يتصل بالطاعن قبل تسليم البضاعة ليضمن قبض الثمن مع التسليم - ولما رأى من الطاعن مطاولة بسبب عدم تجهيز باقي الثمن بأكمله لم يعطه البضاعة. وهذا الذي قرره الحكم يعيبه أن فيه مسخاً لاتفاق الطرفين إذ جعل من صفقة محل التسليم فيها هو محل الدائن صفقة محل التسليم فيها هو محل المدين وجعل من شرط دفع الثمن المقارن للتسليم شرط دفعه قبل التسليم وهذا دون أن يعني بالرد على مستندين جوهريين في الدعوى اتخذهما الحكم الابتدائي دعامة له ودون أن يدحض ما ورد في الحكم الابتدائي وما بني عليه. وهذا وذاك قصور مبطل للحكم.
ومن حيث إن هذين السببين مردودان بأن الوقائع التي عرضت على محكمة الموضوع تتحصل في أن الطاعن اشترى في 21/ 5/ 1943 من المطعون عليه قدراً معيناً من البضائع بثمن معين على أن يكون تسليم البضاعة في مدابغ المشتري بمصر القديمة ودفع المشتري 100 جنيه من الثمن واتفق على أن يكون دفع الثمن بنسبة ما يسلم من البضاعة التي ستصدر من الإسكندرية وفي 11 من يونيه سنة 1943 أرسل المطعون عليه للطاعن خطاباً يخبره فيه بوصول البضاعة ويطلب مبلغ 400 جنيه تحت الحساب كما يطلب منه إيضاح الجهة التي يرغب تسلم البضاعة فيها. وبعد تبادل الإنذارات بين الطرفين بشأن محل التسليم أقام كل منهما دعواه مدعياً أن خصمه هو المتخلف عن الوفاء. وادعى المطعون عليه أنه نقل البضاعة في سفينة ألقت مراسيها بمصر القديمة وعبثاً حاول العثور على مدبغة الطاعن. فقضت المحكمة بحكم 21 من مارس سنة 1946 بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت المطعون عليه أن المركب التي حملت البضاعة المبيعة للطاعن وصلت إلى مرسى مصر القديمة قبل يوم 11 من يونيه سنة 1944 وأنه بذل مجهوداً جدياً للاهتداء إلى مخازن الطاعن بمصر القديمة فلم يوفق، وليس ثمة مخالفة للقانون في سعي المحكمة في التحقيق من دفاع البائع الذي يقوم على أنه كان راغباً دواماً في تنفيذ التزاماته وأنه حمل البضاعة إلى حيث اتفق على تسليمها فلم يجد محلاً للمشترى في تلك الجهة. كما أن قضاءها في 2 من إبريل سنة 1947 باعتبار الطاعن هو المتخلف عن الوفاء لا مخالفة فيه للقانون ولا يشوبه قصور أو مسخ، فقد أثبتت المحكمة أن المطعون عليه ما زال يعرض البضاعة على الطاعن أمام المحكمة - وهو عرض حقيقي وفقاً لنص المادة 697 مرافعات (قديم) إذ العقد لم يحدد ميعاداً للتسليم، ولكن الطاعن هو الذي كان يأبى تنفيذ الاتفاق، كما استدلت المحكمة على أن هذا الذي جرى أمامها هو ما كان عليه موقف الطرفين قبل طرح خصومتهما أمام القضاء بما فصله حكم 2 من إبريل سنة 1947 استناداً إلى الخطابات والإنذارات التي تبادلها الطرفان وما شهد به الشهود وما ثبت من أوراق الدعوى وانتهى منه القول "بأنه يخلص من الإنذارات والخطابات المتبادلة سابقة الذكر ومن أقوال الطرفين وشهادة الشهود على الوجه المتقدم أنه وإن كان إبراهيم عبد الحافظ (الطاعن) معروفاً بجهة المدابغ إلا أنه وقت التعاقد لم تكن باسمه المدبغة فخشي المستأنف (المطعون عليه) أن يلقي بضاعته في مدبغة والده قبل الحصول على الثمن فيقع في متاعب، لذلك فضل أن يتصل بالمستأنف عليه (الطاعن) قبل تسليم البضاعة ليضمن قبض الثمن مع التسليم ولما رأى من المستأنف عليه مطاولة بسبب عدم تجهيز باقي الثمن بأكمله لم يعطه البضاعة، يؤيد ذلك أن إبراهيم عبد الحافظ كان همه في إنذاراته محصوراً في طلب استرداد العربون ولو كان جاداً لما اتخذ لنفسه موقفاً سلبياً وهو التصميم على تسلم البضاعة في المدبغة (وقد ظهر أن لا مدبغة له خاصة باسمه) ودون أن يسعى للحل الصحيح وهو عرض المبلغ وطلب تسلم البضاعة بطريقة جدية ولو فعل ذلك لما تأخر البائع عن تسليم البضاعة كما هو مستعد لذلك اليوم مع إباء المشترى... وحيث إنه لما تقدم يكون الخطأ هو من جانب المشتري (الطاعن) وهو المسئول عن النتائج ويكون غير محق في طلب استرداد ما دفعه من الثمن بعد أن انعقدت الصفقة ورفض استلام البضاعة ويكون من حق البائع أن يطلب بيع البضاعة على ذمة المشتري...".
ومن حيث إن السببين الثالث والرابع واردان على الحكم الأخير الصادر في 19 من فبراير سنة 1948 ويتحصلان في أن هذا الحكم قد عاره بطلان جوهري فضلاً عن مخالفته للمادة 368 مرافعات (قديم) وذلك أن طلبات المطعون عليه أمام محكمة أول درجة كانت مقصورة على رفض دعوى الطاعن الخاصة بإلزامه برد المائة جنيه التي قبضها من الثمن وتعيين خبير لبيع البضاعة على حساب الطاعن مع حفظ حقه في التعويضات، وهذه هي الطلبات التي حوتها صحيفة استئنافه والتي صدر بها حكم 2 من إبريل سنة 1947 إذ قضى بندب خبير لبيع البضاعة على حساب الطاعن ولكن القضية حدد لها بعد ذلك جلسة أمام المحكمة فأودع المطعون عليه في 3 من ديسمبر سنة 1947 مذكرة أبدى فيها طلبات جديدة لم يسبق له طلبها أمام محكمة أول درجة فقضت المحكمة على أساسها بإلزام الطاعن بأن يدفع إليه مبلغ 502 جنيه وكسوراً دون أن تلقي بالا إلى أن هذه المذكرة لم تعلن للطاعن وأن هذه الطلبات لم تطلب في مواجهته فضلاً عن أنها طلبات جديدة لا يجوز قبولها لأول مرة أمام محكمة الاستئناف.
ومن حيث إنه يبين من مراجعة أوراق الطعن أن طلبات المطعون عليه التي أبداها أمام محكمة أول درجة والتي حوتها صحيفة استئنافه هي رفض دعوى الطاعن وتعيين خبير لبيع البضاعة على حسابه وحفظ حقه في الرجوع عليه بالتعويضات وقد قضت محكمة الاستئناف في 2 من إبريل سنة 1947 له بهذه الطلبات. وحدد لنظر الدعوى بعد ذلك جلسة 12 من فبراير سنة 1948 وفيها حضر محاميان عن وكيلي طرفي الخصومة الأصليين وذكر كل منهما أنه يصمم على ما جاء بمذكرته. فأجلت القضية للحكم لجلسة 19 من فبراير سنة 1948 وفيها صدر الحكم المطعون فيه بإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المطعون عليه مبلغ 502 جنيهاً و755 مليماً مستنداً في ذلك إلى ما جاء في مذكرة أودعها المطعون عليه ملف الدعوى دون أن يطلع عليها الطاعن وفي هذا مخالفة للإجراءات الأساسية الواجب مراعاتها إذ لا يجوز أن تنظر المحكمة في طلبات قدمت في الدعوى لم يعلم أو يعلن بها الخصم كما أن هذا أصل من أصول المرافعات تؤيده نصوص المواد 94 و95 من قانون المرافعات (القديم) و15 من لائحة الإجراءات الداخلية للمحاكم الصادرة في 14 من فبراير سنة 1884، ولا يسوغ الخروج على هذا الأصل ما يدعيه المطعون عليه من أن العمل جرى أمام الدائرة التي أصدرت الحكم على إيداع المذكرات ملف الدعوى دون إعلان الخصم بها فليس من شأن هذا لو صح أن يغير من قواعد وضعت كفالة لعدالة التقاضي وعدم تجهيل الخصومة على من كان طرفاً فيها، وواضح أن مجرد ذكر الخصم في جلسة المرافعة أنه يصمم على ما جاء بمذكرته لا يجعل طلباته التي حوتها مذكرته الأخيرة معلومة لخصمه في حين أنه لم يطلع عليها.
ومن حيث إنه لذلك يتعين نقض الحكم الأخير الصادر في 19 من فبراير سنة 1948 دون الحكمين الصادرين في 21 من مارس سنة 1946 و2 من إبريل سنة 1947.