أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 2 - صـ 410

(76)
جلسة أول مارس سنة 1951
القضية رقم 147 سنة 19 القضائية

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة؛ وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد المعطي خيال بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك ومصطفى فاضل بك المستشارين.
ضرائب. التقدير الذي تقترحه مصلحة الضرائب على الممول بسبيل الاتفاق معه. سقوطه إذا لم يحصل اتفاق بين الممول ومصلحة الضرائب. عرض المسألة على لجنة التقدير. لا يعتبر طعناً فيه. لا يمتنع على اللجنة الزيادة عليه. حكم. تقريره أن اتفاقاً بين الممول ومصلحة الضرائب لم يحصل وأن قبول الممول للتقدير الأول الذي أجراه مأمور الضرائب لا محل للأخذ به ما دام لم يحصل إلا بعد أن عرض الخلاف على اللجنة وانبعث بذلك اختصاصها بالتقدير. الطعن على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون. على غير أساس.
إذا لم يحصل اتفاق بين الممول ومصلحة الضرائب فإن التقدير الذي تكون المصلحة قد اقترحته عليه في سبيل الاتفاق معه يقسط من حيث إنه كان مجرد عرض لم يلحقه قبولاً فلا يكون له كيان قانوني، ومن ثم لا تكون المصلحة ملتزمة به ولا يمكن أن يعتبر عرض المسألة على لجنة التقدير أنه طعن فيه ولا تكون اللجنة وهي المختصة قانوناً بالتقدير ممنوعة من الزيادة عليه. وإذن فمتى كان الحكم قد حصل تحصيلاً سائغاً أنه لم يحصل اتفاق بين الممول - الطاعن - ومصلحة الضرائب - المطعون عليها - على تقدير أرباحه، وأن قبوله للتقدير الأول الذي أجراه مأمور الضرائب لا محل للأخذ به ما دام لم يحصل إلا بعد أن عرض الخلاف على اللجنة وانبعث بذلك اختصاصها بالتقدير. فإن الطعن على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس.


الوقائع

في 27 من أغسطس سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف أسيوط الصادر في 11 من مايو سنة 1949 في الاستئناف رقم 166 سنة 23 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع أصلياً نقض الحكم المطعون فيه وإلغاء وتأييد حكم محكمة أول درجة للأسباب التي بني عليها واحتياطياً إحالة الدعوى على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 29 من أغسطس سنة 1949 أعلنت المطعون عليها بتقرير الطعن. وفي 13 من سبتمبر سنة 1949 أودع الطاعن أصل ورقة إعلان المطعون عليها بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 28 منه أودعت المطعون عليها مذكرة بدفاعها طلبت فيها رفض الطعن وإلزام الطاعن بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 31 من ديسمبر سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن بالمصروفات. وفي 15 من فبراير سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.


المحكمة

... ومن حيث إنه - الطعن - بني على سببين، يتحصل الأول منهما، في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون بتقريره أن الطاعن لم يقبل تقدير المأمور في أول مرة وفي الموعد الذي حدده القانون، وبذلك أصبح هذا التقدير وكأنه لم يكن وصار المرجع في التقدير إلى اللجنة، كما أخطأ بتقريره أن لجنة تقدير الضرائب هي لجنة ناط بها المشرع تقدير الأرباح التي تربط عليها الضريبة دون أن يقيدها في ذلك قيد، وأنها ليست درجة عليا بالنسبة لتقدير المأمور. ووجه الخطأ في ذلك أن اختصاص لجنة تقدير الضرائب وفقاً لنص المادة 52 من القانون رقم 14 سنة 1939 ينحصر في الفصل في الخلاف القائم بين مأمور الضرائب المختص وبين الممول حول تقدير أرباحه، فليس لها أن تجاوزه بالزيادة على تقدير المأمور لها، وأن مأمور الضرائب هو الدرجة الأولى في التقدير، ومتى تحدد اختصاص لجنة التقدير في المسائل المختلف عليها على هذا الوجه كان من المتعين عليها أن لا تنظر إلا في هذا الخلاف وحده بوصفها هيئة معينة للفصل في تظلم الممول من تقدير المأمور لأرباحه، فليس لها أن تتعرض لما لا يجوز لها قانوناً التعرض له مثل المسائل المتفق عليها بين المأمور والممول، والقول بعكس هذا يعتبر وسيلة من وسائل الإكراه التي يتعرض لها الممول حتماً عند مناقشته للمأمور في أسس تقديره، وأن الاتفاق في المسائل الضرائبية يختلف عن الاتفاق المدني العادي في أنه ليس له مجلس أو محل. والأصل أن مسائل الضرائب لا يجوز مطلقاً الاتفاق عليها إذ الممول ملزم بحكم القانون بأن يدفع الضريبة المستحقة على ربحه كاملاً. ولكن لما كان من المتعذر في بعض الأحيان معرفة الربح الصحيح فعلاً فقد أحل القانون محله الربح الصحيح حكماً واعتبره ممثلاً للربح الحقيقي. والمأمور إذ يقدر أرباح الممول يفترض في أنه تصور الأرباح الحقيقية تصوراً حكمياً صحيحاً، ومتى اتخذ قراره في هذا الشأن وأعلنته المصلحة إلى الممول انتهت سلطة المأمور التقديرية وانحصرت سلطته بعد ذلك في متابعة إجراءات تنفيذ هذا التقدير متى حاز قوته التنفيذية بعد موافقة لجنة تقدير الضرائب عليه أو بعد تعديله من السلطات العليا بالنسبة لسلطته وأصبح من المتعين احترام هذا التقدير فلا يجوز للمأمور العدول عنه إلا للأسباب التي حددها القانون، ويكون للممول في هذه الحالة أن يوافق على تقدير المأمور في أية حالة كان عليها الخلاف.
ومن حيث إنه جاء بالحكم المطعون فيه في هذا الخصوص "أن جميع ما ساقه الحكم المستأنف من الأسانيد لا أساس له من القانون فإن الواضح من وقائع الدعوى حسبماً هو ثابت من نفس الحكم المستأنف أن المستأنف ضده (الطاعن) كان يصر إلى حين رفع الطعن (المعارضة) على أنه خسر ولم يربح في السنة موضوع النزاع، فهو لم يقبل شيئاً مما قدره المأمور ومن كان هذا شأنه لا يصح له الزعم بأن هناك مسائل مختلفاً عليها ما دام لم يتم اتفاق بينه وبين المأمور على شيء مطلقاً. هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنه لما كانت لجنة التقدير هي لجنة ناط بها المشرع تقدير الأرباح التي تربط عليها الضرائب دون أن يقيدها في ذلك بأي قيد وأعطى للممولين الضمانات التي تكفل لهم الدفاع أمامها وتشركهم بواسطة من يندبون عنهم في الجلوس معها، ثم أجاز لهم الطعن في قراراتها أمام المحاكم فليس من السائغ القول بأنها درجة عليا بالنسبة لتقدير المأمور بمعنى أنها لا تنظر إلا في التظلم المرفوع من الممول، فلا يجوز لها أن تسوئ مركزه بالزيادة عما قدره المأمور، والاستدلال على ذلك بأنه لو كان الممول قبل تقدير المأمور لما رفع الأمر للجنة، هذا الاستدلال غير منتج، لأن النص على نفاذ الاتفاق الذي قد يصل إليه الممول لا يفيد أن عدم الاتفاق يقيد اللجنة بعدم تجاوز تقدير المأمور بل العكس من ذلك هو الأقرب إلى منطق القانون، كما أن ما أخذ به الحكم (المستأنف) من قبول المستأنف ضده (الطاعن) لتقدير المأمور في آخر مرحلة من مراحل الدعوى هو أيضاً مما يتجافى مع ذلك المنطق، لأن الواضح من الحكم ذاته أن المستأنف ضده لم يقبل ذلك إلا كوسيلة أخيرة يحتال بها على تخفيض الضريبة بعد أن أسس طعنه على أنه خسر ولم يربح ثم تكرر منه تعديل طلباته فإن منطق القانون يقضي بأنه إذا انقضى الموعد الذي حدده القانون لقبول تقدير المأمور يصبح ذلك التقدير وكأنه لم يكن، ويكون المرجع في التقدير إلى اللجنة غير مقيدة في ذلك إلا بما رسمه القانون لها من طرق للوصول إلى تقدير الربح الحقيقي. ومن جهة أخرى فإنه يبين من الاطلاع على الملف الفردي للمستأنف ضده أن لجنة التقدير سألته عن أرباحه فقال إنه خسر في تلك السنة ورفض الإدلاء ببيان رأس ماله" - ويبين من هذا الذي أورده الحكم أن المحكمة حصلت تحصيلاً سائغاً من الوقائع التي ذكرتها في حكمها أنه لم يحصل اتفاق بين الطاعن والمطعون عليها على تقدير أرباحه، وأن قبول الطاعن للتقدير الأول الذي أجراه المأمور لا محل للأخذ به ما دام لم يحصل إلا بعد أن عرض الخلاف على اللجنة وانبعث بذلك اختصاصها بالتقدير، وليس في ذلك خطأ في تطبيق القانون وفقاً لما جرى عليه قضاء هذه المحكمة بأنه إذا لم يحصل اتفاق بين الممول ومصلحة الضرائب فإن التقدير الذي تكون المصلحة قد اقترحته عليه في سبيل الاتفاق معه يسقط من حيث إنه كان مجرد عرض لم يلحقه قبولاً فلا يكون له كيان قانوني، ومن ثم لا تكون المصلحة ملتزمة به ولا يمكن أن يعتبر عرض المسألة على اللجنة أنه طعن فيه ولا تكون اللجنة وهي المختصة قانوناً بالتقدير ممنوعة من الزيادة عليه.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم شابه قصور في التسبيب وخطأ في الإسناد في جملة مواضع: أولاً - إذ رفض دعوى الطاعن تأسيساً على أنه لم يقدم مستندات تؤيد ما ورد في دفاتره وأنه يقدم ما يثبت زعمه بأن الحكومة استولت على بعض الحبوب، وعلى أن الحبوب لم توضع لها أسعار جبرية إلا في خلال سنة 1943 وأنه لا يمسك كل الدفاتر اللازمة رغم أن الثابت من أوراق الدعوى أن مأمور الضرائب قرر أن دفاتر الطاعن يمكن الاعتماد عليها واعتمدها فعلاً في السنوات السابقة على سنة النزاع. ورغم أن الطاعن قدم المستندات الدالة على استيلاء الحكومة على بعض الحبوب وأشار إليها الخبير في محضر أعماله في ص 6 و7 ومنها شهادة من بنك التسليف الزراعي تفيد أن الحكومة استولت على 950 إردباً ذرة شامية ودفعت ثمنها بواقع الإردب 125 قرشاً ومنها كتاب من وزارة التموين بأنها قررت في 8 من مارس سنة 1947 الاستيلاء على 2140 إردباً ذرة صيفية موجودة لدى الممول وشقيقه ومنها تصاريح صادرة من الجهة المختصة بصرف الذرة إلى أصحاب التصريحات ومنهم الطاعن ورغم أن الطاعن قدم للخبير جداول التسعير الجبري الرسمية وأولها صادر في 18 من يناير سنة 1941 وتمسك بأن جميع تجار الأرياف لا يمسكون الدفاتر التي نص عليها قانون التجارة وأن قانون الضرائب ذاته لا يشترط إطلاقاً إمساك دفاتر معينة. وثانياً - إذ أغفل بحث دفاع الطاعن بأن مقطع النزاع في القضية ليس في تحديد كميات الحبوب المبيعة بل في نسبة ربحها لأن الكميات المبيعة المقدرة لم يحصل في شأنها خلاف وإنما انحصر الخلاف في تقدير نسبة الربح وهذه النسبة كانت ثابتة في التسعير الجبري الصادر من الحكومة - كما أغفل ما اعترض به الطاعن على تقرير الخبير بشأن 1003 إردباً من القمح أضافها الخبير إلى تقدير اللجنة مكررة في بندين الأول ضمن مبيعات شونة الجبلاوي والثانية ضمن مبيعات النقد وذلك رغم أن الخبير ليس له أن يزيد على تقدير اللجنة وبشأن 14 جنيهاً أعادها الخبير إلى المصروفات العامة رغم أن الطاعن قدم المستندات الدالة على صحة اعتراضه.
ومن حيث إن هذا السبب بجميع وجوهه مردود: أولاً - بأن الطاعن لم يقدم المستندات التي أشار إليها في سبب طعنه والتي يدعي أنه قدمها إلى محكمة الموضوع، كما لم يقدم صورة رسمية من محضر أعمال الخبير وجدول التسعير الرسمي حتى تتبين هذه المحكمة وجه مخالفة الحكم لدلالتها. ومردود ثانياً - بأنه فضلاً عن أن الطاعن لم يقدم جدول التسعير الرسمي فإن الحكم المطعون فيه لم يأخذ بتقرير الخبير، بل اعتمد تقدير اللجنة، ولذلك فإنه كان في غنى عن الرد على الاعتراضات التي وجهها الطاعن إلى تقرير الخبير وقد ألقت المادة 54 من القانون رقم 14 سنة 1939 عبء إثبات ما يخالف قرار اللجنة على الممول، فكان على الطاعن أن يقدم الدليل على ما يخالفه، وقد قرر الحكم عجزه عن تقديم هذا الدليل ولم يقدم الطاعن إلى هذه المحكمة ما يثبت خطأ الحكم في هذا التقرير.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن على غير أساس ويتعين رفضه.