أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 2 - صـ 430

(79)
جلسة 8 من مارس سنة 1951
القضية رقم 139 سنة 19 القضائية

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة، وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد الحميد وشاحي بك وسليمان ثابت بك ومصطفى فاضل بك المستشارين.
1 - ( أ ) دعوى التزوير. القول بوجوب مرورها على مرحلتين: مرحلة تحقيق الأدلة ومرحلة الفصل في الدعوى. متى يتحقق. إذا رأت المحكمة أن من أدلة التزوير ما هو منتج في إثباته لو صح وأمرت بتحقيقه. استخلاص المحكمة أن أدالة التزوير بجملتها غير منتجة في إثبات التزوير، وأن في وقائع الدعوى ما يدحضها دون حاجة إلى تحقيقها. لها أن تقضي من البداية برفض دعوى التزوير وصحة السند.
(ب) دعوى التزوير. حكم بقبول أحد أدلة التزوير. استئنافه. أثره. ينقل القضية بجميع عناصرها إلى محكمة الاستئناف.
2 - حكم. تسبيبه. إثبات. دعوى تزوير. عقد بيع مقول بصدوره من مورث الخصوم إلى المطعون عليها الأولى. طعن الطاعنين فيه بالتزوير. الحكم برفض دعوى التزوير. دعوى سابقة من المطعون عليها الأولى على الطاعنات الثلاث الأخيرات بتثبيت ملكيتها إلى بعض أشجار النخيل استناداً إلى العقد سالف الذكر. اتخاذ الحكم الصادر برفض دعوى التزوير قرينة على صحة العقد ليس من مجرد عدم طعن الطاعنات الثلاث الأخيرات فيه بالتزوير في الدعوى السابقة، بل من طعنهن عليه بالصورية. اتخاذ هذا الحكم أيضاً قرينة على صحة العقد ليس من مجرد حضور الطاعن الأول في الدعوى السابقة بصفته وكيلاً عن إحدى الطاعنات الثلاث الأخيرات وعدم طعنهن فيه بالتزوير، بل من أقواله التي أبداها أمام الخبير المعين في تلك الدعوى والتي تنم عن الاعتراف بصدور عقد البيع من المورث. الطعن في الحكم بالقصور وبالخطأ في تطبيق القانون. على غير أساس.
(المادة 103 من قانون المرافعات - القديم - ).
1 - ( أ ) دعوى التزوير لا يجب حتماً أن تمر على مرحلتين: الأولى مرحلة تحقيق الأدلة، والثانية مرحلة الفصل في الدعوى، إذ هذا إنما يتحقق عملاً في حالة ما إذا رأت المحكمة أن من أدلة التزوير ما هو منتج في إثباته لو صح وأمرت بتحقيقه، أما إذا رأت من عناصر الدعوى أن هذه الأدلة بجملتها غير منتجة في إثبات التزوير أو أن في وقائع الدعوى ما يدحضها دون حاجة إلى تحقيقها، كان لها من البداية أن تقضي برفض دعوى التزوير وصحة السند.
(ب) استئناف الحكم القاضي بقبول أحد أدلة التزوير ينقل القضية بجميع عناصرها إلى محكمة الاستئناف.
وإذن فمتى كان الحكم الاستئنافي قد قضى في دعوى التزوير برفضها بعد أن تبين للمحكمة أن الحكم المستأنف القاضي بتحقيق أحد الأدلة في غير محله وأن الطعن في عقد البيع موضوع النزاع غير جدي، فإن النعي على الحكم الاستئنافي الخطأ في تطبيق القانون يكون غير صحيح.
2 - متى كان الحكم لم يتخذ قرينة على صحة عقد البيع المقول بصدوره من مورث الخصوم إلى المطعون عليها الأولى - لم يتخذ من مجرد عدم طعن الطاعنات الثلاث الأخيرات عليه بالتزوير في الدعوى السابقة المقامة عليهن من المطعون عليها الأولى بطلب تثبيت ملكيتها إلى بعض أشجار النخيل المبيعة إليها من المورث بمقتضى العقد سالف الذكر وإنما اتخذ هذه القرينة من طعنهن عليه فيها بالصورية مما يقيد اعترافهن بصدوره من المورث، كذلك لم يتخذ الحكم من مجرد حضور الطاعن الأول في الدعوى السابقة بصفته وكيلاً عن إحدى الطاعنات الثلاث الأخيرات وعدم طعنهن فيها بالتزوير قرينة على صحة العقد، بل اتخذ هذه القرينة من أقواله التي لا ينازع في أنه أبداها أمام الخبير المعين في تلك الدعوى والتي تنم عن الاعتراف بصدور عقد البيع من المورث - فإن الطعن في الحكم بالقصور وبالخطأ في تطبيق القانون يكون على غير أساس.


الوقائع

في يوم 11 من أغسطس سنة 1949 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف أسيوط الصادر في 13 من يونيه سنة 1949 في الاستئناف رقم 132 سنة 22 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنون الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة الدعوى على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليها بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 18 من أغسطس سنة 1949 أعلنت المطعون عليها بتقرير. الطعن وفي 25 منه أودع الطاعنون أصل ورقة إعلان المطعون عليها بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن. وفي 14 من سبتمبر سنة 1949 أودعت المطعون عليها مذكرة بدفاعها طلبت فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 10 من يناير سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها: أولاً - بعدم قبول طعن السيدات شمعه وسلمى ونظرهان بنات محمد عبد الرسول شكلاً لتقريره من غير ذي صفة، وثانياً - بقبول طعن خلف الله أحمد عبد الرسول بصفته الشخصية شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنين بالمصروفات. وفي 22 من فبراير سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.


المحكمة

ومن حيث إن النيابة العامة دفعت بعدم قبول الطعن بالنسبة إلى الطاعنات الثلاث الأخيرات استناداً إلى أن التوكيل الصادر منهن إلى الطاعن الأول (الذي قرر الطعن بالنسبة إلى الجميع) لا يبيح له الطعن في الحكم بطريق النقض - وهذا الدفع على أساس، لأنه يبين من التوكيل رقم 761 سنة 1947 نجع حمادي الصادر من الطاعنات المذكورات إلى الطاعن الأول أنهن لم يوكلنه في الطعن بطريق النقض. ومن ثم يكون الطعن بالنسبة إليهن غير مقبول شكلاً لتقريره من غير ذي صفة.
ومن حيث إن واقعة الدعوى كما يؤخذ من الحكم المطعون فيه ومن سائر أوراق الطعن التي كانت تحت نظر محكمة الموضوع تتحصل في أن خلف الله أحمد عبد الرسول (الطاعن الأول) وباقي الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 349 سنة 1945 كلي قنا على المطعون عليها وآخرين وطلبوا فيها الحكم أولاً بإبطال عقد البيع الصادر في 4 من مارس سنة 1932 والمنسوب صدوره إلى مورث الخصوم لمصلحة المطعون عليها وشطب التسجيلات الموقعة على 8 أفدنة و11 قيراطاً و20 سهماً وثلاثة أرباع الساقية و80 نخلة والمنزلين والطاحون والساقية الموضحة بصحيفة الدعوى وتثبيت ملكيتهم إلى نصيبهم الشرعي فيها جميعاً وفي 29 من يناير سنة 1946 قرر الطاعنون الطعن بالتزوير في عقد البيع المذكور، وفي دعوى التزوير الفرعية قدموا خمسة أدلة أحدها أن المطعون عليها حصلت على ختم المورث أثناء مرضه واصطنعت عقد البيع ثم استصحبت شخصاً مجهولاً إلى المحكمة انتحل شخصية المورث ووقع على عقد البيع بالختم. ومحكمة الدرجة الأولى حكمت بقبول هذا الدليل وحده لأنه منتج في الدعوى وأمرت بإثباته بالبينة فاستأنفت المطعون عليها هذا الحكم. ومحكمة الاستئناف قضت في 13 من يونيه سنة 1949 بحكمها المطعون فيه بإلغاء الحكم المستأنف ورفض دعوى التزوير بانية حكمها على أن المطعون عليها سبق أن أقامت الدعوى رقم 7138 سنة 1934 نجع حمادي على الطاعنات الثلاث الأخيرات بطلب تثبيت ملكيتها إلى 40 نخلة من ضمن النخيل المبيعة لها من زوجها مستندة إلى عقد البيع المطعون فيه بالتزوير وظلت الدعوى قائمة بضع سنين إلى أن قضى فيها ابتدائياً في 23 من يناير سنة 1939 لمصلحة المطعون عليها فاستأنفت الطاعنات المذكورات الحكم وقضت محكمة الاستئناف برفض الدعوى على أساس أن البائع للمطعون عليها باع لها من النخيل أكثر مما يملك، وأن الطاعنات المذكورات لم يطعن بالتزوير في العقد طيلة مدة النزاع في تلك الدعوى بل كان دفاعهن قائماً على أن عقد البيع صدر من المورث فعلاً غير أنه صوري نظراً لأنه تناول النخيل المملوكة لهن كما تناول منزلاً سبق أن باعه إلى أخرى، وأن الطاعن الأول وهو زوج إحدى الطاعنات الثلاث الأخيرات حضر أمام الخبير الذي ندب في القضية سالفة الذكر وأبدى أقوالاً تنم عن الاعتراف بصدور عقد البيع من المورث، وأن عقد البيع المطعون فيه سجل في 23 من مايو سنة 1931 في حياة المورث، وأنه سبق أن باع العقارات موضوع العقد المطعون فيه إلى ابن له من المطعون عليها بعقد سجل في أكتوبر سنة 1926، فلما توفى هذا الابن باع من جديد ما ورثه عنه إلى زوجه المطعون عليها - وذلك يدل على رغبته في إيثار المطعون عليها بكل ما يملك وأنه لذلك كله يكون الطعن في عقد البيع بالتزوير ظاهر الفساد.
ومن حيث إن الطعن بني على سببين: يتحصل أولهما في أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تطبيق القانون برفضه دعوى التزوير مع أن الذي كان مطروحاً على محكمة الاستئناف هو الحكم التمهيدي الصادر من محكمة الدرجة الأولى بقبول أحد أدلة التزوير وإحالة الدعوى على التحقيق لإثباته بالبينة. ووجه الخطأ هو أن لدعوى التزوير مرحلتين: الأولى - مرحلة تحقيق الأدلة، والثانية - هي مرحلة الفصل في الدعوى، ففي المرحلة الأولى ينحصر بحث المحكمة في أدلة التزوير لتقبل منها ما يكون متعلقاً بالدعوى ومنتجاً في إثباتها فتأمر بتحقيقه، وبعد ذلك تبدأ المرحلة الثانية وهي مرحلة الفصل في الدعوى، وللمحكمة في هذه المرحلة الأخيرة الأخذ بنتيجة التحقيق أو إطراحها، أما أن ترفض دعوى التزوير وهي بعد في مرحلتها الأولى رغم وجود دليل متعلق بالدعوى ومنتج في إثبات تزوير العقد تزويراً مادياً فهو خلط بين المرحلتين وخروج على أحكام القانون.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن دعوى التزوير لا يجب حتماً أن تمر على مرحلتين، كما يذهب الطاعن، إذ هذا إنما يتحقق عملاً في حالة ما إذا تراءى للمحكمة أن من أدالة التزوير ما هو منتج في إثباته لو صح وأمرت بتحقيقه، أما إذا تراءى لها من عناصر الدعوى أن هذه الأدلة بجملتها غير منتجة في إثبات التزوير أو أن في وقائع الدعوى ما يدحضها دون حاجة إلى تحقيقها كان لها من البداية أن تقضي برفض دعوى التزوير وصحة السند. ولما كان استئناف الحكم القاضي بقبول أحد أدلة التزوير قد نقل القضية بجميع عناصرها إلى محكمة الاستئناف فلا تكون المحكمة قد أخطأت في تطبيق القانون إذ فصلت في دعوى التزوير برفضها بعد أن تبين لها أن الحكم القاضي بتحقيق أحد الأدلة في غير محله وأن الطعن في العقد غير جدي.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم شابه قصور في التسبيب كما أخطأ في تطبيق القانون، أما وجه القصور فهو أنه قضى بصحة العقد بناء على قرينة لا تؤدي إلى هذه النتيجة، إذ اتخذ من عدم طعن الطاعنات على العقد بالتزوير عندما أقيمت عليهن من المطعون عليها الدعوى رقم 7138 سنة 1944 نجع حمادي بطلب تثبيت ملكيتها إلى 40 نخلة استناداً إلى العقد المذكور - اتخذ من ذلك دليلاً على تسليمهن بصحة العقد - في حين أن سبب عدم طعنهن في تلك الدعوى على العقد بالتزوير يرجع إلى ما قدره الدفاع عنهن من عدم وجود ضرورة لسلوك هذا السبيل اكتفاء بدفاعهن بعدم ملكية البائع للنخيل التي باعها للمطعون عليها بموجب العقد. وهذا الدفاع هو الذي أخذت به محكمة الاستئناف في تلك الدعوى وقضت بناء عليه برفضها - وأما وجه الخطأ في تطبيق القانون فهو أن الطاعن الأول تمسك لدى محكمة الاستئناف بأنه إذا جاز الاحتجاج على الطاعنات الثلاث الأخيرات بعدم طعنهن على العقد في دعوى النخيل فإنه هو لم يكن طرفاً في تلك الدعوى ولا يجوز الاحتجاج عليه بما حصل فيها ولكن المحكمة لم تأخذ بهذا الدفاع وقررت في أسباب حكمها "أن المستأنف عليه الأول (الطاعن الأول) فإنه فضلاً عن أنه زوج إحدى بنات المورث (إحدى الطاعنات) فإنه حضر أمام الخبير الذي ندب في القضية سالفة الذكر وأبدى أقواله التي تنم عن الاعتراف بصدور عقد البيع من المورث" - في حين أن زواج الطاعن الأول بإحدى الطاعنات وحضوره نائباً عنها أمام الخبير كلاهما لا يؤدي قانوناً إلى اعتباره خصماً في تلك الدعوى ولا يجيز الاحتجاج عليه بخصومة لم يكن طرفاً فيها بصفته الشخصية - ولذلك يكون الحكم المطعون فيه إذ أخذ الطاعن الأول بأقواله التي أبداها في دعوى النخيل - قد أخطأ في تطبيق القانون.
ومن حيث إن هذا السبب بشقيه مردود أولاً - بأن الواضح من أسباب الحكم التي سبق بيانها أن المحكمة لم تتخذ قرينة على صحة العقد من مجرد عدم طعن الطاعنات الثلاث الأخيرات عليه بالتزوير في الدعوى السابقة وإنما اتخذت هذه القرينة من طعنهن عليه فيها بالصورية مما يفيد اعترافهن بصدوره من المورث وهي قرينة سائغة. ومردود ثانياً - بأن المحكمة لم تتخذ من مجرد حضور الطاعن الأول بصفته وكيلاً عن إحدى الطاعنات الثلاث الأخيرات في تلك الدعوى وعدم طعنهن فيها على العقد بالتزوير قرينة على صحته، بل اتخذت هذه القرينة من أقواله التي أبداها أمام الخبير المعين في تلك الدعوى والتي قالت عنها المحكمة "إنها تنم عن الاعتراف بصدور عقد البيع من المورث". وليس فيما قرره الحكم في هذا الخصوص خطأ في تطبيق القانون ولم ينع الطاعن عليه أنه عزا إليه ما لم يبده أمام الخبير ومن ثم يكون طعنه على غير أساس متعين الرفض.