أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثاني - السنة 2 - صـ 478

جلسة 29 من مارس سنة 1951
(87)
القضية رقم 210 سنة 18 القضائية

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة، وحضور حضرات أصحاب العزة: عبد العزيز محمد بك وعبد المعطي خيال بك وعبد الحميد وشاحي بك ومحمد نجيب أحمد بك المستشارين.
1 - إثبات. حكم تمهيدي بإحالة الدعوى على التحقيق بناء على طلب الطرفين ليثبت كل منهما ما يدعيه من تملكه الأرض موضوع النزاع بالتقادم الطويل المدة. ترجيح المحكمة أقوال شهود المدعي على شهود المدعى عليهم. ليس فيما أجرته مخالفة لقواعد الإثبات.
2 - إثبات. قرائن. وضع يد. كشف التكليف. اتخاذ المحكمة منه قرينة على وضع يد المدعي تعزز بها أقوال الشهود أن تبين لها أن مستنداته يكتنفها الغموض وأن مستندات المدعى عليهم لا تنطبق على الأرض موضوع النزاع. لا تثريب عليها. القول بأنها أهدرت عقود المدعى عليهم استناداً إلى كشف التكليف. غير صحيح.
3 - إثبات. محكمة الموضوع. سلطتها في تقدير الأدلة. وضع يد. خطاب استند إليه المدعى وذكرته المحكمة. عدم إقامتها قضاءها على اعتبار أنه مستند ثابت التاريخ يحاج به على المدعى عليهم. اتخاذها منه فقط مجرد قرينة تعزز بها أقوال الشهود على وضع يد المدعي على الأرض موضوع النزاع بوصفه مالكاً لها. لا تعتبر أنها جاوزت سلطتها في تقدير الأدلة.
4 - قاضي الموضوع. وضع يد. حكم مثبت للملك بالتقادم. تسبيبه. وجوب بيانه أركان وضع اليد. إيراده هذا البيان على وجه خاص. غير لازم. عدم تناوله كل ركن من هذه الأركان ببحث مستقل. لا يعيبه متى بان من مجموع ما أورده أنه تحراها وتحقق من وجودها.
(المادة 103 من قانون المرافعات - القديم - ).
1 - إذا قضت المحكمة بإحالة الدعوى على التحقيق بناء على طلب الطرفين ليثبت كل منهما ما يدعيه من تملكه الأرض موضوع النزاع بالتقادم الطويل المدة وبعد أن انتهت المحكمة من سماع شهود الطرفين رجحت أقوال شهود المدعي على شهود المدعى عليهم. فليس فيما أجرته لقواعد الإثبات.
2 - لا تثريب على محكمة إن هي استمدت من كشف التكليف قرينة على وضع يد المدعي تعزز بها أقوال الشهود بعد أن تبين لها أن مستندات المدعي يكتنفها الغموض وأن مستندات المدعى عليهم لا تطبيق على الأرض موضوع النزاع. ومن ثم يكون القول بأن المحكمة أهدرت عقود المدعى عليهم استناداً إلى كشف التكليف هو قول غير صحيح.
3 - متى كانت المحكمة إذ ذكرت الخطاب الذي استند إليه المدعي لم تقم عليه قضاءها على اعتبار أنه مستند ثابت التاريخ يحاج به المدعى عليهم وإنما اتخذت منه مجرد قرينة تعزز أقوال الشهود على وضع يد المدعي على الأرض موضوع النزاع بوصفه مالكاً لها، فإنها في هذا لا تكون قد جاوزت سلطتها في تقدير الأدلة.
4 - قاضي الموضوع وإن لزمه أن يبين أركان وضع اليد الذي أقام عليه حكمه المثبت للملك بالتقادم فإنه غير ملزم بأن يورد هذا البيان على وجه خاص، فلا عليه إن لم يتناول كل ركن من هذه الأركان ببحث مستقل متى بان من مجموع ما أورده حكمه أنه تحراها وتحقق من وجودها.


الوقائع

في يوم 20 من نوفمبر سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف القاهرة الصادر في 9 من فبراير سنة 1948 في الاستئناف رقم 44 سنة 63 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنون الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليه بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 20 من نوفمبر سنة 1948 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن. وفي 9 من ديسمبر سنة 1948 أودع الطاعنون أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهم. وفي 19 منه أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 3 من يناير سنة 1949 أودع الطاعنون مذكرة بالرد. وفي 12 من ديسمبر سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنين بالمصروفات. وفي 8 من فبراير سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.


المحكمة

... ومن حيث إن واقعة الدعوى كما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن التي كانت تحت نظر محكمة الموضوع؛ تتحصل في أن المطعون عليه أقامها على الطاعن الأول ومورث باقي الطاعنين بطلب تثبيت ملكيته إلى أربعة أفدنة بين حدودها ومعالمها بصحيفتها، وهي تقع بحوض الحسيني الشرقي رقم 2 بالقطعة رقم 28 بزمام منشأة اليوسفي مركز بني مزار، مستنداً في ذلك إلى حجة شرعية مؤرخة في 23 من شعبان سنة 1274هـ تتضمن بيع السيدة فاطمة بنت أحمد عبد الرازق 86 فداناً وكسوراً إلى عيوشه بنت السيد محمد عبد الرازق وإلى كشف رسمي من عملية فك الزمام باسم ملاك القطعة رقم 28 بحوض الحسيني الشرقي رقم 2 ورد فيه أن مساحة هذه القطعة 22 فداناً و17 قيراطاً و4 أسهم وملاكها هم من أفراد أسرة عبد الرازق وكشف رسمي بتكليف الطاعنين بمنشأة اليوسفي مكلفة 927 بتاريخ الإذن وهو 13/ 10/ 1938 يفيد أن تكليف الطاعنين بحوض الحسيني الشرقي هو 18 فداناً و5 قراريط فقط ومستندات أخرى من بينها صورة رسمية من عقد بيع مسجل في 13 من أكتوبر سنة 1919 يفيد بيع أطيان من أمين عبد الرازق وآخر إلى الشيخ حسن سطوحي من ضمنها 4 أفدنة و9 قراريط بحوض الحسيني الشرقي رقم 2 بزمام منشأة الديان، وقد دفع الطاعن الأول ومورث باقي الطاعنين دعوى المطعون عليه بأنهما هما المالكان للقدر موضوع النزاع، وأنه في وضع يدهما بمقتضى عقود من بينها عقد بيع صادر من حسين بك عبد الرازق والسيدتين زبيدة وزينب كريمتي حسن باشا عبد الرازق في 6 من نوفمبر سنة 1919 ومسجل في 16 من ديسمبر سنة 1919 عن 16 فداناً و18 قراريط و14 سهماً بحوض الحسيني الشرقي بزمام منشأة الديان وآخر يفيد شراءهما من المطعون عليه في 11 من ديسمبر سنة 1931، فدانين و19 قيراطاً و16 سهماً. وفي 15 يونيه سنة 1939 قضت محكمة أول درجة تمهيدياً بندب خبير فني ليطبق مستندات طرفي الخصومة على الطبيعة لمعرفة في أي منها يقع المقدار موضوع النزاع وتحقيق وضع اليد ومدته وسببه وبعد أن قدم الخبير تقريره رأت المحكمة إزاء قصور هذا التقرير استدعاء الخبير لمناقشته وبعد ذلك أحالت الدعوى على التحقيق استجابة لطلب طرفي الخصومة لتحقيق ما يدعيه كل منهما من تملكه القدر موضوع النزاع بمضي المدة الطويلة المكسبة للملكية. وبعد أن سمعت أقوال شهود الطرفين قضت للمطعون عليه بطلباته. فاستأنف الطاعنون هذا الحكم فأيدته محكمة الاستئناف لأسبابه ولما أضافته إليها من أسباب فقرر الطاعنون فيه طعنهم الحالي.
ومن حيث إن الطعن بني على ستة أسباب، يتحصل الأول منها في أن الحكم المطعون فيه إذ قضى للمطعون عليه بتثبيت ملكيته للأربعة الأفدنة موضوع الدعوى، أهدر دفاعاً جوهرياً للطاعنين واستند إلى واقعة لا وجود لها في الأوراق. ذلك أنهم أقاموا دفاعهم في جميع مراحل الخصومة على أن العقد الصادر إليهم من ورثة حسن باشا عبد الرازق في سنة 1919 ببيع 16 فداناً و8 قراريط و14 سهماً بحوض الحسيني قطعة رقم 28 يشمل أرض النزاع، وأن خبير الدعوى الذي ندبته محكمة أول درجة لم يعين موقع الأربعة الأفدنة من القطعة رقم 28 ولم يبين حدودها، كما أنه لم يطبق أي مستند من مستندات الطرفين على الطبيعة وراح يحصر عقود الطاعنين وأولها عقد البيع الصادر من ورثة حسن باشا عبد الرازق وانتهى إلى أن القدر الوارد به ليس بمحل النزاع دون أن يطبق هذا العقد، مع أن هذا الذي انتهى إليه ليس فيه ما ينفي دخول الأربعة الأفدنة في العقد المشار إليه، هذا وبالرغم من إقرار المطعون عليه بعدم قيام الخبير بتطبيق المستندات على الطبيعة وتسليم محكمة أول درجة في حكمها بذلك، وبالرغم من أن الطاعنين أوضحوا ذلك لمحكمة الاستئناف وطلبوا إليها ندب أحد أعضاء الهيئة لينتقل إلى الأرض موضوع النزاع مصحوباً بالخبير الذي عينته محكمة أول درجة أو الخبير الذي ترى المحكمة ندبه لتطبيق عقود ملكية الطاعنين على الطبيعة، فإن محكمة الاستئناف رفضت هذا الطلب تأسيساً على أن الخبير "قد انتقل فعلاً وطبق المستندات كما هو ثابت بمحاضر الأعمال ص 30 و32 وانتهى في تقريره إلى أن العقد المسجل الصادر من حسين عبد الرازق وأختيه لا يدخل فيه شيء من أرض النزاع" مع أن هذه المحاضر قد خلت تماماً من الإشارة إلى تطبيق أي مستند، بل إن الثابت بها هو أن الخبير لم يقم إلا بقياس القطعة رقم 28 بأكملها دون أن يعين موقع الأربعة الأفدنة محل النزاع، وبذلك تكون المحكمة قد استندت في قضائها إلى واقعة لا سند لها في الأوراق.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بما قرره الحكم أخذاً عن تقرير خبير الدعوى ومحاضر أعماله ومناقشته أمام محكمة أول درجة بجلسة 1/ 6/ 1944 وعن أقوال ذات الطاعنين في مذكرتهم لدى محكمة الاستئناف وصحيفة استئنافهم وهي الأوراق المقدمة صورها الرسمية إلى هذه المحكمة والوارد بها صراحة أن الخبير أجرى تطبيق مستنداتهم على الطبيعة. ومن ثم لا تكون المحكمة قد خالفت الثابت بالأوراق في تقريرها أن الخبير طبق مستندات الطاعنين على الطبيعة فوجدها لا تنطبق على العين موضوع النزاع وتكون على حق في رفضها طلب الطاعنين الانتقال للمعاينة وتطبيق المستندات.
ومن حيث إن السبب الثاني يتحصل في أن الحكم المطعون فيه قد شابه القصور والتخاذل، وآية ذلك أن الفصل في الدعوى كان يقتضي بحث ملكية المطعون عليه للأربعة الأفدنة التي حدّد معالمها في صحيفة دعواه على أساس ما قدّمه من أدلة على هذه الملكية ولكن المحكمة لم تسلك هذا السبيل بل راحت تبحث فيما يملكه كل من طرفي الدعوى في القطعة رقم 28 بحوض الحسيني الشرقي فقالت إن ما يملكه الطاعنون في القطعة المشار إليها إنما هو 18 فدّاناً و5 قراريط المكلفة باسمهم وأن مساحة القطعة كلها 22 فداناً وكسور، وأن الفرق يعادل بالتقريب مساحة القطعة التي يدعي المطعون عليه ملكيتها. والمحكمة إذ قررت ذلك أخطأت في الاستنتاج. ذلك أنه على فرض التسليم جدلاً بأن الطاعنين لا يملكون في القطعة المشار إليها سوى 18 فداناً و5 قراريط فإن الأربعة الأفدنة محل النزاع يصح أن تكون داخلة في هذه المساحة وليس هناك دليل على أنها تخرج عنها وتدخل في الأربعة الأفدنة وكسور الباقية من مساحة القطعة أو على فرض أن الأربعة الأفدنة محل النزاع تدخل في الأربعة الأفدنة وكسور الباقية من مساحة القطعة رقم 28 بعد استبعاد ما يتملكه الطاعنون فيها، فإن ذلك لا ينهض دليلاً على ملكية المطعون عليه لها، وأنه قد بلغ من انصراف المحكمة عن بحث جوهر النزاع في شأن الأربعة الأفدنة المبينة الحدود بصحيفة الدعوى أنها سارت في حكمها على زعم أن مساحتها هي 4 أفدنة و9 قراريط لا أربعة فقط وكذلك قد انقلبت الأوضاع في الدعوى فجرى البحث في كافة أملاك الطاعنين قبل البحث في ملكية المطعون عليه وهو المدعي. ومع أنه قد ثبت للمحكمة أن الطاعنين يملكون بالعقدين المسجلين 19 فدّاناً و4 قراريط و6 أسهم، وكان هذا يكفي في ذاته للقضاء على الاستنتاج الخاطئ الذي بنت عليه حكمها بأنه يبقى بعد ملك الطاعنين بالقطعة رقم 28 بحوض الحسيني الشرقي رقم 2: 4 أفدنة و9 قراريط التي قالت بملكية المطعون عليه لها، لأن ما يتبقى من القطعة رقم 28 ومساحتها 22 فدّاناً وكسور بعد تنزيل 19 فدّاناً و4 قراريط و6 أسهم لا يعدو فدانين و21 قيراطاً و18 سهماً لا الأربعة الأفدنة التي يدعي المطعون عليه ملكيتها، وأن المحكمة في سبيل تأييد استنتاجها الخاطئ ذهبت إلى أنه وإن كان الطاعنون قد اشتروا بالعقدين المسجلين 19 فدّاناً و4 قراريط و6 أسهم إلا أنه لم ينقل إلى ملكيتهم بمقتضاهما سوى 18 فدّاناً و5 قراريط وعللت ذلك بأن ورثة حسن باشا عبد الرازق باعوا إلى الطاعنين فدّاناً لا يملكونه، وهذا التعليل يقطع في أن فداناً على الأقل من أرض النزاع يدخل ضمن الأطيان التي اشتراها الطاعنون بموجب العقد المسجل الصادر لهم من ورثة حسن باشا عبد الرازق في سنة 1919، وهذا الذي قررته المحكمة يتناقض تناقضاً تاماً مع ما قررته في موضع آخر من حكمها وأسندته إلى تقرير خبير الدعوى من أن الأرض موضوع النزاع برمتها تخرج جملة من عقد بيع ورثة حسن باشا عبد الرازق ومن ثم يكون الحكم معيباً متعين النقض.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم المطعون فيه لم يقم قضاءه بملكية المطعون عليه للقدر موضوع النزاع استناداً إلى الأدلة التي أشار إليها الطاعنون في سبب طعنهم، وإنما بنى قضاءه بذلك على ما ثبت للمحكمة من التحقيق الذي أجرته من أن المطعون عليه تملك هذا القدر بوضع اليد عليه بوصفه مالكاً المدة الطويلة المكسبة للملكية، وذلك بعد أن حققت دفاع الطاعنين وثبت لها أن مستنداتهم وعلى الخصوص العقد الصادر لهم من ورثة حسن عبد الرازق لا ينطبق على الأرض موضوع النزاع.
ومن حيث إن السبب الثالث، يتحصل في أن الحكم خالف قواعد الإثبات من ثلاثة أوجه: الأول - أنه خالف قاعدة أن البينة على من ادعى، فقد كان على المطعون عليه وهو المدعي أن يقيم الدليل على ملكيته للأرض موضوع النزاع فإن عجز قضي برفض دعواه وما كان يصح تكليف الطاعنين بإقامة الدليل على ملكيتهم اللهم إلا إذا أثبت المطعون عليه أن الأرض مملوكة له، فعندئذ ينتقل إلى الطاعنين عبء نفي ملكية المطعون عليه وإثبات ملكيتهم. غير أن محكمة أول درجة خالفت هذه القاعدة في حكمها التمهيدي الذي أصدرته في 1/ 6/ 1944 بإحالة الدعوى على التحقيق ليثبت كل من الطرفين المتنازعين ملكيته للأرض بوضع اليد عليها المدة الطويلة وقد أقرت محكمة الاستئناف هذا النظر وأخذت على الطاعنين أنهم لم يستطيعوا إثبات ملكيتهم كأنما هم المكلفون الإثبات ابتداء قبل أن يثبت المطعون عليه - وهو مدعي الملكية - صحة ما يدعيه، ومن ثم تكون قد افترضت مقدماً صحة دعواه وأن الطاعنين غير محقين. والثاني - إذ خالف حكم المادتين 228 و229 من القانون المدني القديم، ذلك أن المطعون عليه قدم إلى محكمة الاستئناف خطاباً صادراً إليه من الدكتور عبد الرازق في 28 من نوفمبر سنة 1937 بخصوص تسوية النزاع القائم بين المطعون عليه وبين الشيخ حسن سطوحي جاء به أن الأخير قبل أن يدفع الأموال المستحقة عن الأطيان المكلفة باسم المطعون عليه في بردونة التي يستغلها مقابل أن يدفع المطعون عليه أموال أطيان منشأة الديان (منشأة اليوسفي) وذلك حسماً للنزاع، وشفعة بمظروف معنون باسمه ومختوم بختمي بريد القاهرة وبني مزار في 8 و10 من نوفمبر سنة 1927، وزعم أن ذلك يعطي الخطاب تاريخاً ثابتاً ومن ثم يصح الاحتجاج به على الطاعنين وبالرغم من أن هذا الخطاب لا يبين من عبارته أن الأطيان التي يتحدث عنها هي الأطيان موضوع الدعوى وليس التاريخ حتى يصح أن يحاج به الطاعنون فإن المحكمة أقامت له وزناً في قضائها. والثالث - أن الحكم خالف قواعد الإثبات إذ اعتمد على كشف المكلفة وهو لا يعدو كونه قرينة لا تنقض الثابت بالعقود المسجلة الناقلة للملكية، بأن رجح ما فيه وأهدر مستندات الملكية المقدمة من الطاعنين واعتبر ما جاء بكشف المكلفة من أن القدر المكلف باسمهم والمملوك لهم بالقطعة رقم 28 بحوض الحسيني الشرقي رقم 2 هو 18 فداناً و5 قراريط فقط مع أن عقدي الملكية المسجلين يثبتان ملكيتهم لأطيان مقدارها 19 فداناً و4 قراريط و6 أسهم.
ومن حيث إن هذا السبب بجميع وجوهه مردود: أولاً - بأن إحالة محكمة أول درجة الدعوى على التحقيق كانت بناء على طلب الطرفين ليثبت كل منهما ما يدعيه من تملكه الأرض موضوع النزاع بالتقادم الطويل المدة، ونص في هذا الحكم على الترخيص لكل منهما في نفي ما يثبته الآخر وبعد أن انتهت محكمة أول درجة من سماع شهود الطرفين رجحت أقوال شهود المطعون عليه (المدعي أصلاً) على شهود الطاعنين (المدعى عليهم أصلاً) وليس فيما أجرته مخالفة لقواعد الإثبات. ومردود ثانياً - بأن المحكمة إذ ذكرت الخطاب المشار إليه في سبب الطعن لم تقم عليه قضاءها على اعتبار أنه مستند ثابت التاريخ يحاج به الطاعنون وإنما اتخذت منه مجرد قرينة تعزز أقوال الشهود على وضع يد المطعون عليه على الأرض موضوع النزاع بوصفه مالكاً لها وهي في هذا لم تجاوز سلطتها في تقدير الأدلة. ومردود أخيراً - بأنه لا تثريب على المحكمة إن هي استمدت من كشف التكليف قرينة على وضع اليد تعزز بها أقوال الشهود بعد أن تبين لها أن مستندات المطعون عليه يكتنفها الغموض، وأن مستندات الطاعنين لا تنطبق على الأرض موضوع النزاع. ومن ثم يكون القول بأن محكمة الاستئناف أهدرت عقود الطاعنين استناداً إلى كشف التكليف هو قول غير صحيح.
ومن حيث إن السبب الرابع يتكون من وجهين: يتحصل أولهما - في أن الحكم المطعون فيه إذ قرر أن الطاعنين لا يملكون في القطعة رقم 28 سوى 18 فداناً و5 قراريط الواردة في كشف التكليف مستنداً في ذلك إلى عقد القسمة المبرم بين الأخوين (الطاعن الأول ومورث باقي الطاعنين) في 29 من مايو سنة 1937 والمسجل في 8 من أغسطس سنة 1937 بزعم أن كلاً من المتقاسمين اختص فيه بتسعة أفدنة وقيراطين واثني عشر سهماً فقط وأن هذا العقد قد اصطنع بعد رفع الدعوى خدمة لها، إذ قرر الحكم ذلك - أخطأ في الإسناد وشابه الفساد في الاستدلال من ناحيتين: الأولى - أن الثابت بعقد القسمة المذكور أن الأخوين قد اقتسما فيما بينهما بالقطعة رقم 28 بحوض الحسيني الشرقي رقم 2 مقدار 21 فداناً وقيراطين و12 سهماً لا 18 فدان و5 قراريط كما ذهب إليه الحكم. الثانية - أن عقد القسمة حرر وسجل قبل تاريخ رفع الدعوى، إذ حرر في 29 من مايو سنة 1937 وسجل في 8 من أغسطس سنة 1937 في حين أن الدعوى لم ترفع إلا في 7 من فبراير سنة 1938 مما يقطع في فساد الرأي الذي انتهى إليه الحكم. ويتحصل الوجه الثاني - في أن الحكم إذ نسب إلى الطاعن الأول ومورث باقي الطاعنين أنهما "لم يثبتا على حال واحدة في دفاعهما إذ قررا أمام محكمة أول درجة بجلستي 21 من إبريل سنة 1938 و15 من يونيه سنة 1939 أن الأرض موضوع النزاع تدخل ضمن العقد الصادر لهما من حسين بك عبد الرازق وأختيه عن 16 فداناً و8 قراريط و14 سهماً والمسجل في 16 ديسمبر سنة 1919 وقررا في محضر أعمال الخبير أن الأربعة الأفدنة محل النزاع منها ثلاثة أفدنة من ضمن مشتراهما من المرحوم حسين بك عبد الرازق وإخوته والفدان الرابع بمقتضى بدل زراعي بين إبراهيم غطاس وبين المستأنف ضده (المطعون عليه) بالقطعة رقم 27 غربي القطعة رقم 28 نظير فدان ملك المستأنفين (الطاعنين) بالقطعة رقم 26 وسط أطيان المستأنف ضده، وذلك منذ أربع سنوات سابقة على تاريخ المحضر المؤرخ في يناير سنة 1943، وفي موضع آخر قررا أن هذا البدل حصل في سنة 1936 وذكرا أن الفدان الرابع موضوعه كان عبارة عن تلال فلما أصلحه المستأنفان طمع فيه المستأنف ضده ورغب في الرجوع في البدل مع أن المستأنف ضده ينكر عليهما حصول هذا البدل" - إن الحكم إذ قرر ذلك خالف الثابت في أوراق الدعوى، لأن الطاعنين لم يقرروا شيئاً مما نسبه إليهم الحكم مما يجعله معيباً لابتنائه على أساس وهمي لا وجود له في أوراق الدعوى.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من هذا السبب فإن الحكم قال في هذا الخصوص "أما ما ذكره المستأنفان (الطاعن الأول ومورث باقي الطاعنين) في هذا العقد (عقد القسمة) من أنه قد خص كلاً منهما في حوض الحسيني الشرقي رقم 2 قطعة 28 مقدار 10 أفدنة و12 قيراطاً و8 أسهم أي أن مجموع ما خصهما في هذه القطعة هو 21 فداناً و16 سهماً فهذا غير صحيح، لأنهما ذكرا في الصحيفة الثامنة من هذا العقد أن لهما في حوض الحسيني الشرقي رقم 2: 18 فداناً و5 قراريط ثم ذكرا أن لهما أيضاً فدانين و19 قيراطاً و16 سهماً بطريق المشتري من حضرة محمد زكي عبد الرازق بك بعقد تاريخه 3 أغسطس سنة 1931 ومسجل بمأمورية الرهون المختلطة في سنة 1921 مع أن المقدار الأخير داخل ضمن الـ 18 فداناً والـ 5 قراريط الأولى، وهذا للتدليل على أنهما يملكان القطعة 28 كلها، ومما يكذبهما كشف المكلفة المستخرج باسميهما عما لهما من سنة 1927 حتى تاريخ إذن المكلفة في 13 من أكتوبر سنة 1938 مع أنه قد سبق على هذا التاريخ نقل تكليفهما بالعقد المسجل في سنة 1931 عن الفدانين و19 قيراطاً و16 سهماً الصادر لهما من المستأنف ضده (المطعون عليه) وعقد القسمة المذكور قد عمل بعد رفع هذه الدعوى وخدمة لها" - وهذا الذي قرره الحكم هو تحصيل لفهم الواقع في الدعوى ولا يخالف الثابت بالمستندات المقدمة فيها، ومن ثم يكون هذا الوجه مرفوضاً. أما ما ينعاه الطاعنون على الحكم من تقريره أن عقد القسمة قد اصطنع بعد رفع الدعوى وخدمة لها في حين أن تاريخه سابق على رفع الدعوى فهو نعي غير منتج. ذلك أنه لا تأثير له على صحة استدلال الحكم بهذا العقد على أن كل ما يملكه الطاعنون في حوض الحسيني الشرقي 2 بالقطعة رقم 28 لا يتعدى الـ 18 فداناً و5 قراريط ولا يدخل فيها القدر موضوع النزاع.
ومن حيث إنه عن الوجه الثاني من هذا السبب فهو مردود كذلك فإنه بفرض صحته فإنه لا يؤثر على سلامة الحكم، إذ هو مقام في أساسه على أن القدر المتنازع على ملكيته مملوك للمطعون عليه بوضع اليد عليه المدة الطويلة المكسبة للملكية، على أن الطاعنين قد اجتزأوا مما ورد في الحكم في هذا الخصوص ببعض أسبابه إذ قرر الحكم فضلاً عما نقله عنه الطاعنون "ثم رجعا وقالا بأن هذه الأرض المتنازع عليها تدخل ضمن الأطيان الثابتة في العقود العرفية ولذلك طلبا إثبات ملكيتهما بالتقادم الخمسي بناء على هذه العقود وعدلا بعد ذلك في ملحق مذكرتهما بصفحة 6 مقررين أن أرض النزاع بعيدة عن هذه العقود العرفية وعند تقديم مستنداتهما أمام هذه المحكمة بالحافظة 6 دوسيه قدما من بينها صورة رسمية من عقد حسن سطوحي وذكرا تعليقاً على هذا العقد أن الـ 4 أفدنة والـ 9 قراريط الواردة به والكائنة بحوض الحسيني الشرقي رقم 2 هي التي يتناولها النزاع الحالي وليس للمستأنف ضده شأن بهذه الأطيان ولا بهذا العقد وأن مالكيها وواضعي اليد عليها فعلاً هم الذي باعوا للمستأنفين بمقتضى العقد الصادر في 16 نوفمبر سنة 1919 مع أنهما سبق أو أوضحا أمام الخبير أن لا علاقة لعقد سطوحي بالأرض موضوع النزاع وذكرا في صحيفة الاستئناف ص 14 أنه لا يوجد دليل واحد ينهض على أن الأطيان موضوع النزاع هي بعينها الأطيان الواردة بعقد سطوحي" - وفي هذا الذي أورده الحكم الدليل الكافي على ما أراد إثباته من تضارب أوجه دفاعهم.
ومن حيث إن السبب الخامس يتحصل في أن الحكم لم يفهم واقعة الدعوى على حقيقتها واستنتج من مستندات الطاعنين ما لا تدل عليه عباراتها من وجهين: الأول - أنهم في سبيل الاستدلال على ملكيتهم للقدر المتنازع عليه، وأنه داخل ضمن المبيع إليهم من ورثة حسن باشا عبد الرازق في سنة 1919 استندوا إلى العقد الصادر من أمين بك عبد الرازق إلى الشيخ حسن سطوحي في 13 من أكتوبر سنة 1919 ببيع 22 فداناً وكسور والوارد به أن الأطيان المبيعة وإن كانت في غير تكليف البائع إليهم فإنها في وضع يده مقابل تركه أطياناً أخرى مكلفة باسمه وفي وضع يد شركائه السابقين في الملك في منشأة اليوسفي ومن بينهما 4 أفدنة و9 قراريط بحوض الحسيني الشرقي رقم 2 قطعة رقم 28 وفقاً لعقد القسمة الذي تم على أساسه التبادل بين ورثة حسن باشا عبد الرازق وأمين بك عبد الرازق في 9 من مايو سنة 1905 وتمسكوا بأنه لما كان المتبادل مع أمين بك عبد الرازق ليس هو المطعون عليه حتى يصح القول بأنه قد تبادل مع سطوحي ووضع يده على القدر المتنازع عليه المسلم من الطرفين أنه هو القدر الوارد بعقد سطوحي - بل المتبادل مع أمين بك عبد الرازق هو حسن باشا عبد الرازق مورث البائعين إلى الطاعنين بعقد سنة 1919 مما يقطع في أن القدر المتنازع عليه داخل في عقدهم. غير أن الحكم استخلص من المستندات المشار إليها في خصوص واقعة التبادل ما لا يتفق مع مدلولها مما يعيبه ويوجب نقضه. والثاني - أن الطاعنين في سبيل الرد على ما زعمه المطعون عليه من أن الأطيان المتنازع عليها قد آلت إليه بالميراث عن والده قدموا عقد قسمة الأطيان المخلفة عن والده المرحوم محمد بك عبد الرازق والدال على أنه لم يختص في تركة والده بأي سهم يقع في ناحية منشأة اليوسفي، ولكن الحكم مسخ هذا الدفاع وأوله على نحو لا يتفق مع دلالته بأن نسب إلى الطاعنين أنهم ينكرون على المطعون عليه ملكيته شيئاً بناحية منشأة اليوسفي وهو أمر لم يخطر لهم ببال.
ومن حيث إن هذا السبب بوجهيه مردود: أولاً - بما أورده الحكم من أن الطاعنين كانوا ينكرون انطباق عقد حسن سطوحي على الأرض موضوع النزاع، ولما تمسك المطعون عليه بوضع يده على هذه الأرض بطريق البدل مع حسن سطوحي وتبين لهم أن القدر المتنازع عليه داخل فيه زعم الطاعنون أن من ضمن المبيع بهذا العقد أربعة أفدنة وتسعة قراريط واقعة بحوض الحسيني الشرقي رقم 2 قطعة 28 وأنها تشمل الأرض موضوع النزاع وتدخل ضمن عقد البيع الصادر إليهم من ورثة حسن باشا عبد الرازق، وقد أثبت الحكم أن العقد الأخير لا ينطبق على الأرض موضوع النزاع فقضى بذلك على حجتهم. ومردود أخيراً - بأنه بفرض أن محكمة الاستئناف فهمت خطأ أن الطاعنين ينكرون ملكية المطعون عليه لأي جزء من الأطيان في حوض الحسيني الشرقي رقم 2 قطعة رقم 28 في حين أن إنكارهم كان مقصوراً على ما ادعاه المطعون عليه من أنه ورث أطياناً عن أبيه في هذا الحوض فإن هذا الفهم لم يكن له أي أثر في النتيجة التي انتهى إليها الحكم، وهي أن المطعون عليه مالك للأرض موضوع النزاع بوضع اليد عليها المدة الطويلة المكسبة للملكية.
ومن حيث إن السبب السادس يتحصل في أن الحكم شابه القصور ذلك أن الحكم التمهيدي الصادر من محكمة أول درجة في 1/ 6/ 1944 بإحالة الدعوى على التحقيق ليس فيه أي بيان أو تفصيل لوقائع معينة يستفاد منها إذا ثبتت كسب الملكية بالتقادم، وأن هذا القصور يعيبه ويعيب ما سمع من تحقيق تنفيذاً له ويتعدى هذا العيب إلى كل من الحكمين الابتدائي والاستئنافي اللذين اعتمدا على ما جاء في ذلك التحقيق، كما أن أسبابهما قد خلت من أي بيان عن مظاهر وضع يد المطعون عليه على الأرض محل النزاع وهل كان يزرعها بنفسه أم كان يؤجرها للغير، ولمن كان يؤجرها إن كانت هذه هي طريقة انتفاعه بها.
ومن حيث إن السبب مردود: أولاً - بأن الحكم التمهيدي المشار إليه قد اشتمل على بيان كاف لعناصر وضع اليد المكسب للملكية إذ قال: "وحيث إن مضي المدة على وضع اليد سبب من أسباب اكتساب الملكية إذا استمرت الحيازة عليه بنية الملك وكانت حيازة ظاهرة وهادئة ومستمرة وغير غامضة ويصح إثبات ذلك بكافة الطرق القانونية بما فيها البينة". ومردود أخيراً - بأن قاضي الموضوع وإن لزمه أن يبين أركان وضع اليد الذي أقام عليه حكمه المثبت للملك بالتقادم فإنه غير ملزم بأن يورد هذا البيان على وجه خاص، فلا عليه إن لم يتناول كل ركن من هذه الأركان ببحث مستقل متى بان من مجموع حكمه أنه تحراها وتحقق من وجودها كما هو الحال في الدعوى، ذلك أن الحكم المطعون فيه إذ تحدث عن وضع يد المطعون عليه قال: "إن شهود المطعون عليه شهدوا جميعاً بأن أرض النزاع مملوكة للمدعي (المطعون عليه) ويضع يده عليها من سنة 1920 وبعضهم قال من قبل ذلك حتى سنة 1936 ولم ينازعه فيها أحد وقت وضع يده عليها ولم يضع المدعى عليهما يدهما عليها إلا سنة 1936 وشهدوا بحدودها كما جاء بعريضة الدعوى..." ثم قال: "إن شهود المدعي (المطعون عليه) قد أجمعوا على معرفتهم معرفة تامة للقدر موضوع النزاع مساحة وحدوداً وأنه هو المالك والواضع اليد على المقدار المذكور بهذه الصفة من سنة 1919 إلى سنة 1936 التي حصل فيها النزاع وان أحداً لم ينازعه فيه مدة وضع يده" - وبحسب الحكم ما قرره في هذا المقام ليكون بمنأى عن الطعن.
ومن حيث إنه لذلك يكون الطعن بجميع أسبابه على غير أساس متعين الرفض.