أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 2 - صـ 581

جلسة 5 من إبريل سنة 1951
(97)
القضية رقم 186 سنة 18 ق

برياسة حضرة صاحب العزة أحمد حلمي بك وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة عبد المعطي خيال بك وعبد الحميد وشاحي بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك المستشارين.
1 - وقف. حكم. تسبيبه. قضاؤه برفض دعوى ناظر وقف بتبعية عين للوقف. إقامته على أن حجة الوقف لا تنطبق على العين. ما ورد بأسبابه عن وضع يد المدعى عليه على العين إنما كان تقريراً للواقع. عدم ترتيبه على ذلك تملك المدعى عليه بوضع اليد المدة المكسبة للملكية. الطعن عليه بالخطأ في تطبيق القانون والقصور استناداً إلى أنه أغفل بياناً جوهرياً هو صفة وضع يد المدعى عليه. في غير محله. المدعى عليه بحسبه إنكار دعوى الوقف فإن عجز الوقف عن إثبات مدعاه كانت دعواه واجبة الرفض.
2 - وقف. ناظر الوقف لا يملك أن يضيف أعياناً إلى الوقف استناداً إلى مجرد عبارة واردة في إيصال إيجار بأن لأعيان المؤجرة جارية في الوقف متى ثبت أن حجة الوقف لا تشملها. حكم. إطراحه ما ورد بهذا الإيصال. إقامته على ما استخلصته المحكمة استخلاصاً سائغاً من أن العين لا تشملاها حجة الوقف. لا مسخ ولا قصور.
3 - وقف. حكم. تسبيبه. قضاؤه برفض تبعية عين لوقف. إقامته على أن وصف الأعيان الواردة في الحجة لا ينطبق عليها. لا مخالفة في ذلك للمادة 19 من قانون العدل والإنصاف.
4 - وقف. محكمة الموضوع. من حقها ألا تقيم وزناً لأية ورقة لا تطمئن إليها متى ظهر لها بجلاء من ظروف الدعوى عدم صحتها. مثال. تعويلها في قضائها على ما ورد بسجل المحكمة الشرعية عن بيان العين الموقوفة دون ما ورد عنها بالحجة المقدمة من الطاعنين. لا مخالفة فيه للقانون.
5 - وقف. محكمة الموضوع. تقيدها بما يطلبه الخصوم. مثال. دعوى بتبعية عين إلى وقف الحكم برفضها. إيراد الحكم ضمن أسبابه أن ملكية الوقف بقيت شائعة ولم يقم دليل على حصول فرز وتجنيب لها. النعي على الحكم أنه لم يقض للوقف بحصته شائعة استناداً إلى هذا الذي قرره. لا يكون له محل ما دام ناظر الوقف لم يعدل طلباته التي أقام الدعوى على أساسها.
6 - وقف. دعوى. طلبات. تسليم. طلب ناظر الوقف التسليم على أساس أن العين المطلوب تسليمها تابعة للوقف. الحكم برفض هذا الطلب تبعاً لرفض الطلب الأصلي. لا مخالفة فيه للقانون "المادتان 103/ 292 من قانون المرافعات - القديم - والمادة 19 من قانون العدل والإنصاف".
1 - متى كان الحكم إذ قضى برفض دعوى تبعية العين موضوع النزاع للوقف الذي يمثله الطاعنون إنما أقام قضاءه على أن حجة الوقف لا تنطبق عليها، أما ما ورد بأسبابه عن وضع يد المطعون عليهم على العين فقد كان تقريراً للواقع ولم يرتب عليه تملكهم بوضع اليد المدة المكسبة للملكية إذ وهم مدعى عليهم في الدعوى بحسبهم إنكار دعوى الوقف فإن عجز عن إثبات مدعاه كانت دعواه واجبة الرفض، فإن ما ينعاه عليه الطاعنون من خطأ في تطبيق القانون وقصور استناداً إلى أنه أغفل بياناً جوهرياً هو صفة وضع يد المطعون عليهم. هذا النعي يكون في غير محله.
2 - ناظر الوقف لا يملك أن يضيف أعياناً إلى الوقف استناداً إلى مجرد عبارة واردة في إيصال إيجار بأن الأعيان المؤجرة جارية في الوقف متى ثبت أن حجة الوقف لا تشملها. وإذن فمتى كان الحكم إذ أطرح ما ورد بإيصالات الأجرة الصادرة من أسلاف المطعون عليهم من أنهم "قاموا بدفع أجرة العين موضوع النزاع بحسب ما كان جارياً من نظار الوقف السابقين ومن آبائهم وأجدادهم" قد أسس قضاءه على ما استخلصته المحكمة استخلاصاً سائغاً من أن العين لا تشملها حجة الوقف وأن عقد الإيجار المشار إليه سبق أن قضى بفسخه وبالتسليم من زمن بعيد ولما أراد الوقف تسلم العين المؤجرة استشكل واضع اليد وقضى نهائياً لمصلحته وبرفض طلبات الوقف قبله، فإن الطعن عليه بالمسخ والقصور يكون غير صحيح.
3 - متى كان الحكم إذ قضى برفض تبعية العين موضوع النزاع للوقف الذي يمثله الطاعنون قد أقام قضاءه على أن وصف الأعيان في الحجة لا ينطبق عليها فإن النعي عليه الخطأ في تطبيق القانون استناداً إلى أنه خالف المادة 19 من قانون العدل والإنصاف التي تنص على أنه "لا يشترط لصحة الوقف تحديده بعد كونه معلوماً فشهرته تغني عن تحديده" هذا النعي يكون غير صحيح إذ الحكم لم يقض بعدم صحة الوقف لعدم بيان حدود الأعيان الموقوفة.
4 - من حق محكمة الموضوع ألا تقيم وزناً لأية ورقة لا تطمئن إليها متى ظهر لها بجلاء من ظروف الدعوى عدم صحتها. وإذن فلا تثريب عليها إن هي عولت في قضائها على ما ورد بسجل المحكمة الشرعية عن بيان العين الموقوفة دون ما ورد عنها بالحجة المقدمة من الطاعنين ومن ثم فإن الطعن على الحكم بمخالفة القانون استناداً إلى أنه أهدر الأصل واعتمد الصورة يكون في غير محله.
5 - المحكمة في قضائها مقيدة بما يطلبه الخصوم. وإذن فمتى كان الحكم إذ قضى برفض الدعوى التي أقامها الطاعنون بتبعية العين موضوع النزاع إلى الوقف الذي يمثلونه قد أورد ضمن أسبابه أن ملكية الوقف بقيت شائعة ولم يقم دليل على حصول فرز وتجنيب لها، فإن ما ينعاه عليه الطاعنون من أنه لم يقض للوقف بحصته شائعة استناداً إلى هذا الذي قرره ضمن أسبابه لا يكون له محل ما دام لم يثبت أنهم عدلوا طلباتهم التي أقاموا الدعوى على أساسها.
6 - إذا طلب الطاعنون التسليم على أساس أن العين المطلوب تسليمها تابعة للوقف الذي يمثلونه فإن المحكمة تكون على صواب في رفض هذا الطلب تبعاً لرفض الطلب الأصلي متى كان قد ثبت لها أن العين غير تابعة للوقف ومن ثم فإن الطعن على الحكم بالخطأ في تطبيق القانون يكون في غير محله.


الوقائع

في يوم 30 من سبتمبر سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر في 12 من مايو سنة 1948 في الاستئناف رقم 15 سنة 2 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنون الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بإلغاء الحكم الصادر من محكمة الإسكندرية الابتدائية في أول يناير سنة 1935 في القضية رقم 789 سنة 1930 كلي الإسكندرية وبثبوت ملكية الوقف نظارة الطاعنين إلى العين الموضحة الحدود والمعالم بالعريضة الأصلية وبعريضة تعديل الطلبات وبعريضة الاستئناف وبكف منازعة المطعون عليهم التسعة الأولين (من عدا البلدية) وبتسليمها للطاعنين بصفتهم وبأحقيتهم للقيمة التي تقدر نهائياً للجزء الذي نزعت ملكيته بلدية الإسكندرية واحتياطياً إحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى. وإلزام المطعون عليهم التسعة الأولين في كلتا الحالتين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 4 و5 من أكتوبر سنة 1948 أعلن المطعون عليهم بتقرير الطعن. وفي 17 منه أودع الطاعنون أصل ورقة إعلان المطعون عليهم بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداتهم. وفي 3 من نوفمبر سنة 1948 أودع المطعون عليهم الأول والرابع والخامس مذكرة بدفاعهم مشفوعة بمستنداتهم طلبوا فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. ولم يقدم باقي المطعون عليهم دفاعاً. وفي 15 من أكتوبر سنة 1950 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنين بالمصروفات. وفي 22 من مارس سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.


المحكمة

... ومن حيث إن وقائع الدعوى، حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل في أنه بمقتضي حجة شرعية مؤرخة في 20 من شعبان سنة 1138 هـ أوقف السيد منصور أغا أعياناً منها جميع الحصة التي قدرها الربع والسدس عشرة قراريط ونصف قيراط على الشيوع في كامل الأربع القطع الأراضي الكائنة خارج ثغر الإسكندرية المحددة من الشرق برمل أبي قير بجوبة بن حصوة شركة الحاج خليفة الرجالي والحاج زين الدين معيكة المعروف أحداها بسيدي كمال والثانية بغيط عبيد والثالثة بالعنبري والرابعة تعرف بالرقيق وصارت الحصة المذكورة من كل قطعة من القطع سالفة الذكر قطعة على حدة، وبعد حوالي مائة وخمسين سنة من إنشاء الوقف المذكور أصدر محمد خليفة سردينة (مورث الثلاثة الأولين من المطعون عليهم) إبراهيم دسوقي سردينة (مورث باقي المطعون عليهم ما عدا الأخيرين) وأخوة حميدة سردينة، ثلاثة محررات إلى الحاج مصطفى سعيد ناظر الوقف جاء بها أنه تسلم منهم إيجار غيط حميدة المعروف بغيط سيدي كمال الجاري في الوقف لغاية سنة 1281 هـ الموافق سنة 1864 ميلادية بحسب ما كان جارياً من نظار الوقف السابقين ومن آبائهم وأجدادهم، ثم حدث أن امتنع المستأجرون عن دفع الإيجار فأقام عليهم ناظر الوقف في 30 من إبريل سنة 1899 الموافق 20 الحجة سنة 1316 هـ دعوى أمام محكمة العطارين طالبا الحكم عليهم بمبلغ الإيجار المتأخر والفسخ والتسليم. وفي 22 من إبريل سنة 1902 قضت محكمة العطارين بوقف الدعوى حتى يحكم في النزاع في الملك. فاستأنف ناظر الوقف ذلك الحكم وفي 12 من فبراير سنة 1903 قضت محكمة الإسكندرية بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأجرين بالإيجار والفسخ تأسيساً على "أن المادة 362 مدني (قديم) لا تستلزم حتماً أن يكون المؤجر هو الملك والمستأجر غير مالك، إذ أنه لا ينقل بها إلا الانتفاع ومن ثم لا يكون الحكم بإلزام المستأجرين بدفع الأجرة للمؤجر حكما للمؤجر بملكيته العين في مواجهة المستأجر" استشكل المدعو إبراهيم سلومة الفرنسي الجنسية عند تنفيذ ذلك الحكم فأوقف المحضر تنفيذه، وفي 1903 أقام هو ومحمود محمد خليفة وأحمد الحارس دعوى تثبيت ملكية أمام محكمة الإسكندرية المختلطة على ناظر الوقف وأقام ناظر الوقف دعوى فرعية مطالباً إياهم جميعاً بالريع والتعويض، وفي 12 من فبراير سنة 1905 أثناء سير الدعوى باع إبراهيم سلومة عشرة أفدنة إلى محمود محمد خليفة ومحمد محمد سردينة والسيد محمد سردينة بعقد مسجل، كما باع العشرة الأفدنة الأخرى إلى أولاد إبراهيم سردينة، ثم توفى سلومة وأعلن ورثته. وفي 13 من إبريل سنة 1915 قضت محكمة الإسكندرية المختلطة برفض دعوى الاستحقاق وبالإيجار استأنف المحكوم عليهم وفي 6 من فبراير سنة 1917 قضت محكمة استئناف إسكندرية المختلطة بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض طلب الوقف فيما يتعلق بالأرض الواقع بشأنها النزاع، وفي 7 من سبتمبر سنة 1930 أقام الطاعنون هذه الدعوى أمام محكمة الإسكندرية الابتدائية على المطعون عليهم بطلب تثبيت ملكية الوقف للأرض موضوع النزاع، فدفع المطعون عليهم بعدم جواز نظر الدعوى لسبق الفصل فيها من المحكمة المختلطة، فقضت المحكمة الابتدائية برفض الدفع وأيد الحكم في الاستئناف، وفي أول يناير سنة 1935 قضت محكمة الإسكندرية الابتدائية برفض الدعوى استناداً إلى أن الحدود الواردة في إيصال الإيجار المؤرخ في 24 ربيع أول سنة 1282 هـ لا تطبق على الحدود الواردة بحجة الوقف إذ ذكر في الإيصال أن الحد البحري ينتهي إلى البحر المالح (البحر الأبيض) في حين أن هذا الحد غير وارد في الحجة المذكورة مع أنه من الحدود الثابتة وأن ناظر الوقف لا يمكنه أن يبدل أو يغير في أعيان الوقف بدون اتخاذ الإجراءات القانونية المؤدية إلى ذلك وأن الوقف لا يتملك بوضع اليد.
استأنف نظار الوقف هذا الحكم وفي 12 من مايو سنة 1948 قضت محكمة استئناف الإسكندرية بتأييده.
ومن حيث إن الطاعنين أقاموا الطعن على ثمانية أسباب وبالسبب الأول منها ينعون على الحكم الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب ذلك أن محصل السبب الأول الذي أقام عليه الحكم قضاءه: هو أن المطعون عليهم الستة الأولين وأسلافهم من قبل كانوا يضعون اليد على العين محل النزاع من قديم الزمان وما زالوا واضعي اليد عليها وهذا الذي جاء بالحكم لا يمكن أن ينفي دعوى الوقف ويثبت ملكية المطعون عليهم ذلك أنه أغفل بياناً جوهرياً هو صفة وضع اليد فقد كان الوقف يعتمد على عقود الإيجار التي أقر مورثو المطعون عليهم فيها بأن يدهم ويد آبائهم وأجدادهم كانت يد استئجار من الوقف وأن الأعيان المؤجرة جارية في الوقف، ومتى كان الحال كذلك فإن يد المطعون عليهم تكون يد نيابة عن الوقف ومن ثم لا يمكن أن تنقلب إلى يد مالك وتسلب الوقف ملكه عملاً بالمادة 76 مدني (قديم).
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن الحكم إذ قضى برفض دعوى تبعية العين للوقف إنما أقام قضاءه على أن حجة الوقف لا تنطبق عليها، أما ما ورد بأسبابه عن وضع يد المطعون عليهم على العين موضوع النزاع فإنما كان منه تقريراً للواقع ولم يرتب عليه تملكهم العين بوضع اليد المدة المكسبة للملكية إذ وهم مدعى عليهم في الدعوى بحسبهم إنكار دعوى الوقف فإن عجز الوقف عن إثبات مدعاه كانت دعواه كما قضى الحكم واجبة الرفض ومن ثم لا يكون فيما أورده الحكم في هذا الخصوص خطأ في القانون أو قصور يعيبه.
ومن حيث إن محصل الأسباب الثاني والرابع والخامس والسادس هو أن الوقف أسس دعواه على سندين أحدهما حجة الوقف والآخر إقرار كتابي صادر من مورثي المطعون عليهم بأوراق الإيجار الصادرة منهم في سنة 1282 هـ لناظر الوقف إذ جاء بها أن العين المؤجرة "جارية في وقف السيد منصور النجار" وقد أهدر الحكم حجية هذه الإقرارات دون أن يبين سبباً لذلك وهذا يعتبر مسخاً لها وقصوراً في التسبيب يبطله.
ومن حيث إنه جاء بالحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه "... أنه بالنسبة للإيصال المؤرخ في 24 ربيع الأول سنة 1282 هـ" فإنه وإن كان اشتمل على حدود العشرين فداناً فإن هذه الحدود لا تنطبق على حدود الأطيان المبينة بحجة الوقف وليس أدل على ذلك من أنه ذكر في هذا الإيصال أن الحد البحري ينتهي على البحر المالح (البحر الأبيض) ولم تحدد حجة الوقف بهذا الحد مع أنه من الحدود الثابتة والتي لا يفوت الواقف ذكرها، وحيث إن المدعين استندا على هذا الإيصال باعتبار أنه تسليم من مورثي المدعى عليهم بأن العشرين فداناً المبينة به ملك للوقف ولكن فإنهما أن ناظر الوقف لا يمكنه أن يبدل أو يغير في أعيان الوقف بدون اتخاذ الإجراءات القانونية الموضوعة لهذا الغرض فلا يمكن إذن اعتبار الإيصال السالف ذكره متمماً لحجة الوقف مفصلاً لما أجمل فيها ومن ثم يسقط الاستدلال به على ملكية الوقف للأرض موضوع النزاع مهما طال وضع يد نظاره عليها" وهذا الذي قرره الحكم صحيح في القانون وفيه الرد الكافي على ما ينعاه عليه الطاعنون ذلك أن ناظر الوقف لا يملك أن يضيف أعياناً إلى الوقف استناداً إلى مجرد عبارة عابرة واردة في إيصال إيجار بأن الأعيان المؤجرة جارية في الوقف متى ثبت أن حجة الوقف لا تشملها، وهو بعد نظر سليم لما تقدم ولما أورده الحكم في أسبابه من أن عقد الإيجار المشار إليه قضى في سنة 1903 بفسخه وتسليم العين المؤجرة ولما شرع الوقف في تنفيذ ذلك الحكم استشكل فيه واضع اليد عليها وكان أجنبي الجنسية وطرح النزاع على المحكمة المختلطة في سنة 1903 فقضت فيه بحكم نهائي لمصلحة خصوم الوقف وباء الوقف بالخسران.
ومن حيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الثالث على الحكم أنه خالف القانون وعابه قصور في التسبيب من أربعة وجوه (الأول) إذ قال عما جاء بالحجة خاصاً بعين النزاع أنه يحيط به الإبهام من عدة وجوه لأنه لا يبين من مساحة هذه القطعة وحدودها وفي هذا الذي جاء بالحكم ما يخالف المادة 19 من قانون العدل والإنصاف خاصاً بأحكام الأوقاف إذ تنص على أنه "لا يشترط لصحة الوقف تحديده بعد كونه معلوماً فشهرته تغني عن تحديده".
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بأن تقدير الشهرة في ذاتها مسألة موضوعية وكذلك تقدير ما إذا كانت تغني عن بيان مساحة أعيان الوقف وحدودها، على أن الحكم لم يقض بعدم صحة الوقف لعدم بيان حدود الأعيان الموقوفة وإنما قرر أن وصف الأعيان في الحجة لا ينطبق على الأرض موضوع النزاع.
ومن حيث إن حاصل الوجه الثاني من هذا السبب هو أنه جاء بالحكم أنه لم يرد بالحجة كيف حصلت القسمة مع الحاج خليفة الرحالي والحاج زين الدين وكان من نتيجتها اختصاص الوقف بقطعة على حدة وأن هذه القطعة التي اختص بها هي غيط حميدة المشهور بسيدي كمال وبذلك لم يقم الحكم وزناً لعقود الإيجار التي أقر فيها مورثو المطعون عليهم بأن العين المؤجرة جارية في الوقف والتحديد الوارد في هذه العقود حجة عليهم لا يصح معه القول بأن الوقف لم يختص بالعين المذكورة، هذا فضلاً عن أن القسمة كما يصح أن تحصل بعقد كتابي يصح أن تحصل بوضع اليد المدة الطويلة ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه في هذا الخصوص قد خالف القانون.
ومن حيث إن ما ورد بهذا الوجه إنما هو تكرار لما جاء بالسبب الثاني وقد سبق الرد عليه.
ومن حيث إن حاصل الوجه الثالث من السبب الثالث هو أن الحكم أهدر ما جاء بتقرير الخبير من أن عين النزاع تشملها حجة الوقف لما ورد بها من أن إحدى القطع معروفة بسيدي كمال مستنداً في ذلك إلى أنه لم يرد بسجل المحكمة الشرعية الذي اطلعت عليه المحكمة عند انتقالها ذكر لسيدي كمال، بل وردت فيه عبارة السلسة بدلاً منه مع أن الحجة الوارد بها سيدي كمال هي أصل الإشهاد الذي يحمل توقيع القاضي الشرعي أما الموجود بالسجل فهي صورة منقولة عن الأصل والأصل في العقود الرسمية هو الذي يعول عليه بخلاف الصورة التي لا حجية لها ومن ثم يكون الحكم قد خالف القانون إذ أهدر الأصل واعتمد الصورة.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بأن الحكم إذ عول في قضائه على ما ورد بسجل المحكمة الشرعية عن بيان القطع الموقوفة دون ما ورد عنها بالحجة المقدمة من الطاعنين، برر اعتماده على ما ورد في السجل عن القطعة الأولى بأنها معروفة بالسلسلة لا بسيدي كمال كما ورد في الحجة المشار إليها بأن إشهاد التأجير الذي أجرت بموجبه القطع الأربع للواقف قبل وقفها وردت به عبارة السلسلة تعريفاً للقطعة الأولى لا عبارة سيدي كمال وأن ما ورد بالسجل في هذا الخصوص يطابق تماماً ما ورد بالصورة الرسمية للحجة المقدمة من المطعون عليهم إلى محكمة الموضوع وبذلك يكونان منقولين عن الأصل الصحيح للحجة - ولما كانت الأدلة التي أوردها الحكم من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها. وكان من حق المحكمة ألا تقيم وزناً لأية ورقة لا تطمئن إليها متى ظهر لها بجلاء من ظروف الدعوى عدم صحتها - لما كان ذلك كان ما ينعاه الطاعنون على الحكم من الخطأ في القانون في هذا الخصوص لا أساس له.
ومن حيث إن الوجه الرابع من السبب الثالث يتحصل في أن الحكم إذ أهدر ما قام به الخبير من مباحث وأغفل ما أورده في تقريره من أدلة على انطباق حجة الوقف على الأرض موضوع النزاع اعتماداً فقط على ما ثبت من محضر انتقال المحكمة على ما أنف ذكره مما اعتبره حجة دامغة لا تقوم معها قائمة للحجة الشرعية المقدمة من الطاعنين. إذ قضى بذلك جاء مشوباً بالقصور.
ومن حيث إن هذا الوجه مردود بأن الحكم أورد أسباباً وافية تكفي لحمل قضائه بأن أرض النزاع لا تدخل في حجة الوقف فلا عليه إن هو لم يرد على كل مناحي الدفاع وأقوال الخصوم.
ومن حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم بالسبب السابع التناقض بين أسبابه ومنطوقه إذ جاء بأسبابه أن ملكية الوقف بقيت شائعة ولم يقم دليل على حصول فرز وتجنيب لها وقضى في منطوقه برفض دعوى الوقف. وكان عليه والحالة هذه أن يحكم للوقف بحصته الأصلية شائعة لا أن يتخذ من هذا الذي ذكره سبباً لرفض دعوى الوقف برمتها.
ومن حيث إن هذا النعي مردود بأن المحكمة في قضائها مقيدة بما يطلبه الخصوم ولم يقدم الطاعنون ما يثبت أنهم عدلوا طلباتهم التي أقاموا الدعوى على أساسها.
ومن حيث إن الطاعنين ينعون بالسبب الأخير على الحكم مخالفة القانون ذلك أنهم طلبوا الحكم (أولاً) بثبوت الملكية. و(ثانياً) بكف المنازعة. و(ثالثاً) بتسليم العين موضوع النزاع والحكم إذ ذهب في أسبابه إلى القول بأن الوقف كان ينتفع بالأرض موضوع النزاع بطريق الإيجار فكان من المتعين ألا يرفض طلب التسليم لأن هذا الطلب كما يصح بناؤه على دعوى الملكية قد يترتب أيضاً على عقد الإيجار.
ومن حيث إن الطاعنين طلبوا التسليم على أساس أن العين المطلوب تسليمها تابعة للوقف فلما لم يثبت ذلك كانت المحكمة على صواب في رفض هذا الطلب تعباً لرفض الطلب الأصلي.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أن الطعن على غير أساس. ومن ثم يتعين رفضه.