أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
العدد الثالث - السنة 2 - صـ 933

جلسة 7 يونيه سنة 1951
(147)
القضية رقم 179 سنة 18 القضائية

برياسة حضرة صاحب السعادة أحمد حلمي باشا وكيل المحكمة وبحضور حضرات أصحاب العزة: عبد المعطي خيال بك وعبد الحميد وشاحي بك وسليمان ثابت بك ومحمد نجيب أحمد بك المستشارين.
1 - ( أ ) و(ب) - الفريضة التي تقررها بعض المدن على محالج الأقطان. تعتبر رسماً لا ضريبة وفقاً للمادة 134 من الدستور. تفريق الدستور في المادة سالفة الذكر بين الضريبة والرسم من ناحية كيفية إنشاء كل منهما. القول بوجوب قصر مدلول الرسوم على الفرائض التي تحصل مقابل منفعة محددة ومباشرة يفيدها الممول. على غير أساس من القانون. صدور قرار من مجلس بلدي طنطا بتحصيل رسم بلدي على محالج الأقطان. تحصيله من الطاعنين مقدار الفريضة المستحقة قبلهما. إقامتهما دعوى على المجلس البلدي بطلب إلزامه بأن يدفع إليهما تعويضاً يوازي المبلغ الذي استولى عليه منهما. الحكم بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى. النعي عليه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله. على غير أساس.
2 - رسوم بلدية. قرار من مجلس بلدي طنطا بأن يحصل رسم بلدي على محالج الأقطان. تحصيل المجلس من الطاعنين مقدار الفريضة المستحقة عليهما. اعتباره هذه الفريضة رسماً بلدياً. النعي عليه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله استناداً إلى أن الفريضة سالفة الذكر على فرض اعتبارها رسماً بلدياً فهي لا تستند إلى قانون لأن القانون رقم 20 لسنة 1905 الصادر بإنشاء مجلس طنطا البلدي لم يرخص له إلا في فرض رسوم اختيارية على البضائع الصادرة من مدينة طنطا والواردة إليها. على غير أساس متى كان القرار الصادر بتقرير الفريضة المشار إليها قد صدر في ظل المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1937 الذي نص في المادة الأولى منه على أن الرسوم البلدية المقررة على محالج الأقطان وقت صدوره أو التي تتقرر بعد هذا التاريخ تحصل من جميع السكان على السواء.
(القانون رقم 20 لسنة 1905 والمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1937).
1 - ( أ ) الفريضة على محالج الأقطان كانت مقررة من قبل صدور الدستور في بعض المدن باعتبارها رسماً بلدياً، فإذا كان الدستور قد فرق في المادة 134 منه بين الضريبة والرسم من ناحية كيفية إنشاء كل منهما فليس ثمة ما يدل على أنه قصد بالرسم معنى آخر خلاف المعنى المتعارف عليه من قبل في شأن مدلول الرسوم البلدية، وتبعاً يكون على غير أساس من القانون القول بقصر مدلول هذه العبارة على تلك الفرائض التي تحصل مقابل منفعة محددة ومباشرة يفيدها الممول، ذلك بأن مدلولها في التشريع المصري أوسع من ذلك نطاقاً، فهي تشمل إلى جانب تلك الرسوم الفرائض المحلية الأخرى التي يكون الغرض منها الاستعانة بها على عمل التحسينات اللازمة لمدينة ما.
(ب) يؤيد ذلك أن القانون رقم 20 لسنة 1905 الخاص بإنشاء مجلس طنطا البلدي قد رخص في المادة الأولى منه لسكان مدينة طنطا في أن يفرضوا على البضائع الصادرة منها والواردة إليها رسوماً اختيارية الاستعانة بها على التحسينات اللازمة لمدينتهم مع أن أصحاب تلك البضائع لا يحصلون مقابلها على منفعة محددة ومباشرة - أياً كانت - ويؤكد هذا المعنى ما جاء بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1937 الخاص بالمرسوم المقررة بواسطة المجالس البلدية إذ ورد بها صراحة أن الرسوم المقررة على محالج الأقطان هي من الرسوم البلدية، كذلك ذكرت المادة 23 من القانون رقم 145 لسنة 1944 الخاص بنظام المجالس البلدية الرسوم المقررة على المحال التجارية والصناعية بين الرسوم المرخص لهذه المجالس في فرضها.
وإذن فمتى كان الواقع في الدعوى هو أن المطعون عليه (مجلس طنطا البلدي) أصدر قراراً بأن يحصل رسم بلدي على محالج الأقطان نشر في الجريدة الرسمية وتنفيذاً لهذا القرار حصل المطعون عليه من الطاعنين مقدار الفريضة المستحقة قبلهما فأقاما دعواهما يطلبان إلزام المطعون عليه بأن يدفع إليهما تعويضاً يوازي المبلغ الذي استولى عليه باعتباره فريضة مستحقة على محلجهما، وكان الحكم المطعون فيه إذ قضى بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى قد أسس قضاءه على أن الفريضة المذكورة إنما هي رسم بلدي فرضه المطعون عليه في حدود اختصاصه بحسبانه مقرراً على بضائع واردة إلى مدينة طنطا، فإن النعي عليه الخطأ في تطبيق القانون وتأويله استناداً إلى أن الفريضة التي قررها المطعون عليه هي في حقيقتها ضريبة لا رسم لم يصدر بإنشائها قانون ومن ثم فإن القرار الصادر بفرضها يكون قد وقع باطلاً لمخالفته المادة 134 من الدستور. هذا النعي يكون في غير محله ذلك أن مجادلة الطاعنين في طبيعة الفريضة من حيث هي رسم بلدي على غير أساس من القانون.
2 - إنه وإن كان القانون رقم 20 لسنة 1905 الصادر بإنشاء مجلس طنطا البلدي لم يرخص له إلا في فرض رسوم اختيارية على البضائع الصادرة من مدينة طنطا والواردة إليها، إلا أن القوانين التي صدرت بعد ذلك بإنشاء مجالس بلدية أخرى قد خولتها حق فرض الرسوم البلدية جميعاً من غير قيد ولا حصر ثم صدر المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1937 وهو ينص في المادة الأولى منه على أن الرسوم البلدية المقررة على محالج الأقطان وقت صدوره أو التي تتقرر بعد هذا التاريخ تحصل من جميع السكان على السواء، وإذن فمتى كان القرار الصادر من المطعون عليه بتقرير الفريضة على محالج الطاعنين قد صدر في ظل هذا المرسوم بقانون، فإن النعي على الحكم الخطأ في تطبيق القانون وتأويله استناداً إلى أن الفريضة سالفة الذكر على فرض اعتبارها رسماً بلدياً فإنها لا تستند إلى قانون ومن ثم تكون قد وقعت باطلة وفقاً للمادة 134/ 2 من الدستور - هذا النعي يكون على غير أساس [(1)].


الوقائع

في يوم 21 من سبتمبر سنة 1948 طعن بطريق النقض في حكم محكمة استئناف الإسكندرية الصادر في 7 من يونيه سنة 1948 في الاستئناف رقم 131 تجاري سنة 3 ق وذلك بتقرير طلب فيه الطاعنان الحكم بقبول الطعن شكلاً وفي الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه والقضاء أصلياً بإلزام مجلس بلدي طنطا برد مبلغ 1273 جنيها و945 مليماً قيمة الضريبة التي استولى عليها من الطاعنين بتاريخ 14 من سبتمبر سنة 1944 واحتياطياً إحالة القضية على محكمة الاستئناف للفصل فيها مجدداً من دائرة أخرى وإلزام المطعون عليه في الحالتين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 23 من سبتمبر سنة 1948 أعلن المطعون عليه بتقرير الطعن. وفي 30 منه أودع الطاعنان أصل ورقة إعلان المطعون عليه بالطعن وصورتين مطابقتين للأصل من الحكم المطعون فيه ومذكرة بشرح أسباب الطعن وحافظة بمستنداته. وفي 20 من أكتوبر سنة 1948 أودع المطعون عليه مذكرة بدفاعه مشفوعة بمستنداته طلب فيها رفض الطعن وإلزام الطاعنين بالمصروفات ومقابل أتعاب المحاماة. وفي 24 من فبراير سنة 1951 وضعت النيابة العامة مذكرتها وقالت فيها بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعنين بالمصروفات. وفي 10 من مايو سنة 1951 سمعت الدعوى على ما هو مبين بمحضر الجلسة... إلخ.


المحكمة

... من حيث إن واقعة الدعوى تتحصل، على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن، في أن مجلس طنطا البلدي أصدر في ديسمبر سنة 1943 قراراً بأن يحصل رسم بلدي على محالج الأقطان بواقع عشرة مليمات عن كل قنطار قطن محلوج وخمسة مليمات عن كل أردب من البذرة، نشر في الجريدة الرسمية في العدد رقم 145 الصادر في 13/ 12/ 1943. تنفيذاً لهذا القرار حصل المجلس من الطاعنين مبلغ 1273 جنيهاً و945 مليماً هو مقدار الفريضة المستحقة قبلهما. فأقاما أمام محكمة طنطا الابتدائية الدعوى رقم 87 سنة 1945 طالبين الحكم بإلزام المجلس بأن يدفع إليهما تعويضاً قدره 1273 جنيهاً و945 مليماً هو ما يوازي المبلغ الذي استولى عليه باعتباره فريضة مستحقة على محلجهما. وفي 4 من مارس سنة 1947 قضت المحكمة بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى، على أساس أن دكريتو 5 من يونيه سنة 1905 الصادر بإنشاء مجلس طنطا البلدي قد رخص له في أن يفرض رسوماً بلدية لمصلحة المدينة، وأن الفريضة التي قررها المجلس في ديسمبر سنة 1943 قد فرضت وفقاً للقانون، ومن ثم تكون المحاكم ممنوعة من تأويل أو تعديل أو إلغاء القرار الصادر بفرضها، ويكون الدفع بعدم اختصاص المحاكم بنظر الدعوى في محله فاستأنف الطاعنان هذا الحكم أمام محكمة استئناف الإسكندرية، وقيد استئنافهما برقم 131 سنة 3 ق وبنيا استئنافهما على أن الفريضة موضوع النزاع وإن وصفها المجلس بأنها رسم بلدي إلا أنها في حقيقتها ضريبة، والدستور صريح في المادة 134 منه في أن الضريبة لا تنشأ إلا بقانون، ولما كان لم يصدر قانون بهذه الفريضة فإنها تكون قد وقعت باطلة - وهي كذلك حتى مع التسليم بأنها رسم بلدي، ذلك أنه يعوزها أن تستند إلى قانون تصدر في حدوده وفقاً للشق الأخير من المادة 134 من الدستور التي تشترط أن تكون الرسوم والأعباء المالية الأخرى مفروضة بالاستناد إلى قانون وفي حدوده، ثم أن الدكريتو الصادر بإنشاء مجلس طنطا البلدي لا يجيز له فرض مثل هذا الرسم، ذلك لأن المادة الأولى منه قصرت اختصاص المجلس على حق فرض الرسوم على البضائع الصادرة والواردة، ومن ثم تكون الفريضة المذكورة قد وقعت باطلة على كلا الاعتبارين. وفي 7 من يونيه سنة 1948 قضت المحكمة برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف على أساس أن الفريضة المذكورة إنما هي رسم بلدي فرضه المجلس في حدود اختصاصه بحسبانه مقرراً على بضائع واردة إلى مدينة طنطا. فقرر الطاعنان الطعن فيه بطريق النقض.
ومن حيث إن الطعن بني على سببين حاصل أولهما هو خطأ الحكم في تطبيق القانون وتأويله إذ اعتبر قرار مجلس طنطا البلدي بفرض الضريبة سالفة الذكر سليماً موافقاً للقانون، مع أنه وقع باطلاً مخالفاً للدستور، ذلك لأن المادة 134 من الدستور تفرق بين الضريبة والرسم، وتوجب في إنشاء الضريبة أن يصدر بها قانون - ولما كانت الفريضة التي قررها مجلس طنطا البلدي هي في حقيقتها ضريبة لا رسم ولم يصدر بإنشائها قانون، فإن تحصيلها من الطاعنين يكون قد وقع من غير سند من القانون.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأن هذه الفريضة على محالج الأقطان كانت مقررة من قبل صدور الدستور في بعض المدن باعتبارها رسماً بلدياً، فإذا كان الدستور قد فرق في المادة 134 منه بين الضريبة والرسم من ناحية كيفية إنشاء كل منهما فليس ثمة ما يدل على أنه قصد بالرسم معنى آخر خلاف المعنى المتعارف عليه من قبل في شأن مدلول الرسوم البلدية، وتبعاً يكون على غير أساس من القانون ما يذهب إليه الطاعنان من قصر مدلول هذه العبارة على تلك الفرائض التي تحصل مقابل منفعة محددة ومباشرة يفيدها الممول، ذلك بأن مدلولها في التشريع المصري أوسع من ذلك نطاقاً، فهي تشمل إلى جانب تلك الرسوم الفرائض المحلية الأخرى التي يكون الغرض منها الاستعانة بها على عمل التحسينات اللازمة لمدينة ما - يؤيد ذلك أن القانون رقم 20 لسنة 1905 الخاص بإنشاء مجلس طنطا البلدي قد رخص في المادة الأولى منه لسكان مدينة طنطا في أن يفرضوا على البضائع الصادرة منها والواردة إليها رسوماً اختيارية للاستعانة بها على عمل التحسينات اللازمة لمدينتهم، مع أن أصحاب تلك البضائع لا يحصلون مقابلها على منفعة محددة ومباشرة - أياً كانت - ويؤكد هذا المعنى ما جاء بالمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1937 الخاص بالرسوم المقررة بواسطة المجلس البلدية إذ ورد بها صراحة أن الرسوم المقررة على محالج الأقطان هي من الرسوم البلدية - كذلك ذكرت المادة 23 من القانون رقم 145 لسنة 1944 الخاص بنظام المجالس البلدية الرسوم المقررة على المحال التجارية والصناعية بين الرسوم المرخص لهذه المجالس في فرضها - ومما تقدم يبين أن مجادلة الطاعنين في طبيعة الفريضة التي قررها مجلس طنطا البلدي من حيث هي رسم بلدي على غير أساس من القانون، ومن ثم يكون هذا السبب متعين الرفض.
ومن حيث إن حاصل السبب الثاني هو خطأ الحكم في تطبيق القانون وتأويله إذ قضى بأن الفريضة التي قررها مجلس طنطا البلدي، على فرض اعتبارها رسماً بلدياً، هي صحيحة مشروعة، مع أنها لا تستند إلى قانون، ومن ثم تكون وفقاً للشق الثاني من المادة 134 من الدستور قد وقعت باطلة، ذلك لأن القانون رقم 20 لسنة 1905 الصادر بإنشاء مجلس طنطا البلدي لم يخوله إلا حق فرض الرسوم على البضائع الصادرة من منطقة مدينة طنطا أو الواردة إليها. ومن ثم يكون باطلاً قراره بتحصيل الفريضة سالفة الذكر على محلج الطاعنين، ذلك لأنها قررت دون النظر فيما إذا كانت الأقطان والبذرة قد استوردت إلى المدينة أو أن مآلها التصدير منها، وعلى الرغم من احتمال عدم تحقق هذين الاعتبارين في شأنها - كذلك لم تلق المحكمة بالاً إلى أن حق المجلس في تقرير الفريضة المشار إليها قد انقضى بصدور قرار مجلس الوزراء في 31 من مارس سنة 1931 بإلغاء رسوم الدخولية، وما الفريضة سالفة الذكر، على فرض اعتبارهما رسماً، إلا نوعاً من رسوم الدخولية.
ومن حيث إن هذا السبب مردود بأنه وإن كان القانون رقم 20 لسنة 1905 الصادر بإنشاء مجلس طنطا البلدي لم يرخص له إلا في فرض رسوم اختيارية على البضائع الصادرة من مدينة طنطا والواردة إليها إلا أن القوانين التي صدرت بعد ذلك بإنشاء مجالس بلدية أخرى قد خولتها حق فرض الرسوم البلدية جميعاً من غير قيد ولا حصر. ثم صدر المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1937 وهو ينص في المادة الأولى منه على أن الرسوم البلدية المقررة على محالج الأقطان وقت صدوره أو التي تتقرر بعد هذا التاريخ تحصل من جميع السكان على السواء - وقد صدر قرار مجلس طنطا البلدي بتقرير الفريضة على محلج الطاعنين في ظل هذا المرسوم بقانون.
ومن حيث إنه لما تقدم يكون الطعن على غير أساس متعين الرفض.


[(1)] أصدرت المحكمة حكماً مماثلاً في ذات الجلسة - القضية رقم 178 س 18 القضائية.