أحكام النقض - المكتب الفني - مدني
الجزء الأول - السنة 38 - صـ 433

جلسة 24 من مارس سنة 1987

برياسة السيد المستشار/ يحيي الرفاعي نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ جرجس اسحق نائب رئيس المحكمة، د. رفعت عبد المجيد، السيد السنباطي ومحمد وليد الجارحي.

(97)
الطعن رقم 1258 لسنة 53 القضائية

(1) إثبات "طرق الإثبات: القرائن". محكمة الموضوع. صورية.
انتفاء شروط القرينة القانونية المنصوص عليها في المادة 917 مدني. لا يحول دون استنباط إضافة التصرف إلى ما بعد الموت من قرائن قضائية أخرى. استقلال قاضي الموضوع بتقدير هذه القرائن.
(2) عقد. صورية. إرث. وصية. خلف.
حق دائني المتعاقدين والخلف الخاص في التمسك بالعقد الظاهر في مواجهة من يتمسك بالعقد الحقيقي طبقاً لأحكام الصورية. م 244 مدني. تقدمه على حق الوارث الذي يطعن على تصرف مورثه بأنه يخفي وصية. علة ذلك. الوارث يستمد حقه من قواعد الإرث التي تعتبر من النظام العام ولا يستمده من المورث ولا من العقد الحقيقي. عدم اعتباره من ذوي الشأن الذين تجرى المفاضلة بينهم طبقاً لها. مؤداه. عدم قبول التمسك بالعقد الظاهر في مواجهة حقه في الإرث.
1 - انتفاء شروط القرينة القانونية المنصوص عليها في المادة 917 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يحول دون استنباط إضافة التصرف إلى ما بعد الموت من قرائن أخرى قضائية، وتقدير الأدلة والقران هو مما يستقل به قاضي الموضوع.
2 - نظم المشرع بنص المادتين 244، 245 من القانون المدني أحكام الصورية سواء فيما بين المتعاقدين والخلف العام أو فيما بينهما وبين دائنيهم والخلف الخاص، أو فيما بين هؤلاء الأخيرين، وإذ كان حق دائني المتعاقدين والخلف الخاص في التمسك بالعقد الظاهر طبقاً لهذه الأحكام هو حق استثنائي مقرر لهؤلاء وأولئك في مواجهة من يتمسك بالعقد الحقيقي وذلك على خلاف القواعد العامة - إذ يستمد من عقد لا وجود له قانوناً - في حين أن حق الوارث الذي يطعن على تصرف مورثه بأنه يخفي وصية هو حق أصلي يستمده من قواعد الإرث التي تعتبر من النظام العام وتجعل واقعة وفاة المورث سبباً مستقلاً لكسب الملكية، ولا يستمده من المورث ولا من العقد الحقيقي، ومن ثم لا يعد هذا الوارث طرفاً في أية علاقة من تلك التي تنظمها أحكام الصورية المشار إليها، ولا يعتبر لذلك من ذوي الشأن الذين تجرى المفاضلة بينهم طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 244 سالفة الذكر - وهم دائنو المتعاقدين والخلف الخاص - فلا يقبل من هؤلاء وأولئك التمسك بالعقد الظاهر في مواجهة حقه في الإرث بل يقدم حقه على حقهم في هذا الشأن.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذي تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدها أقامت الدعوى رقم 1175 لسنة 1974 مدني كلي شبين الكوم على الطاعنين الأولين بطلب الحكم بتثبيت ملكيتها لحصة ميراثية مقدارها الثمن في نصف المنزل وقطعة الأرض الفضاء المبينة بالصحيفة. وقالت شرحاً لدعواها إن زوجها المرحوم..... توفى بتاريخ 12/ 5/ 1974 عنها وعن ولديه الطاعنين الأولين، ولما كانت تستحق الثمن في تركته المشار إليها فقد أقامت دعواها بالطلبات السالفة. كما أقام الطاعن الثالث الدعوى 1373 سنة 1974 مدني كلي شبين الكوم على الطاعنين الأولين بطلب الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 8/ 7/ 1974 المتضمن بيعهما له 357 متراً مربعاً من قطعة الأرض المشار إليها التي قرر أنها آلت إليها بطريق الشراء من والداهما بعقدي بيع مؤرخين 27/ 2/ 1972 وأنهما استصدرا ضده حكماً بصحتهما ونفاذهما في الدعوى 3531 لسنة 1972 مدني كلي شبين الكوم - تدخلت المطعون ضدها في هذه الدعوى ودفعت بصورية هذين العقدين صورية نسبية بطريق التستر لكونهما يشملان كل ما كان يملكه زوجها ويستهدفان حرمانها من حقها في الإرث. ومحكمة أول درجة ضمت الدعويين وندبت في 7/ 4/ 1975 خبيراً لأداء المهمة المبينة بمنطوق حكمها، وبعد أن قدم الخبير تقريره حكمت في 4/ 4/ 1977 بإحالتهما إلى التحقيق لإثبات ونفي تلك الصورية وبعد سماع الشهود حكمت في 20/ 2/ 1978 برفض طلبات المطعون ضدها في الدعويين بصحة ونفاذ عقد شراء الطاعن الثالث. استأنفت المطعون ضدها هذا الحكم بالاستئناف 151 لسنة 11 ق طنطا. وبتاريخ 9/ 3/ 1983 قضت محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم وبإجابة المطعون ضدها إلى طلباتها وبصحة ونفاذ عقد البيع المؤرخ 8/ 7/ 1974 بالنسبة لمساحة 923 و218 متراً مربعاً لقاء ما يقابلها من الثمن. طعن الطاعنون في هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم وعرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على سبب واحد من وجهين حاصل أواهما أن الحكم المطعون فيه خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله وشابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال ذلك أنه أقام قضاءه على صورية عقدي البيع المؤرخين 27/ 2/ 1972 صورية نسبية قصد بها بالإيصاء واعتمد في ذلك على القول بتوافر شروط القرينة المنصوص عليها في المادة 917 من القانون المدني وأهدر دلالة أقوال الشهود والأحكام الثلاثة الصادرة بصحة ونفاذ هذين العقدين وبإلزام المورث بأن يؤدي للطاعنين الأولين أجرة الشقة والدكان موضوع الدعوى والتي تفيد أنهما كانا يحوزان أعيان النزاع في حياته وتؤكد جدية وتنجيز العقدين المشار إليهما وهو ما تنتفي به تلك القرينة التي اعتمد عليها الحكم.
وحيث إن هذا النعي غير مقبول ذلك أن انتفاء شروط القرينة القانونية المنصوص عليها في المادة 917 من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يحول دون استنباط إضافة التصرف إلى ما بعد الموت من قرائن أخرى قضائية، وإذ كان تقدير الأدلة القرائن والموازنة والترجيح بينها هو مما يستقل به قاضي الموضوع، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه على أن عقدي البيع المؤرخين 27/ 2/ 1972 كانا مضافين إلى ما بعد الموت وقصد بهما الإيصاء واستدل على ذلك بما أورده في مدوناته من أنه "ليس من المقبول عقلاً أن يقوم المورث ببيع كل ما يملك دفعة واحدة وفي تاريخ واحد دون مبرر ثم يقوم باستئجار شقة يسكنها في ملكه الذي باعه ثم يقوم الأبناء المشترون بمقاضاته عن الأجرة المتأخرة عليه وهو يقيم معهم في الإسكندرية حيث يقيمون إلى أن توفى بها دون علم زوجته التي يقيم بذات المنزل حتى الآن وأن المحكمة تستشف من أحكام المطالبة بالأجرة المقدمة من المستأنف عليهما الأولين الكيد للمستأنفة بوصفها زوجة أبيهم وإخفاء معالم الصورية إذ أن هذا المسلك غير مألوف بين أبناء المورث أثناء مرضه إلى أن توفى حيث يقيمون فليس هذا موقف المتخاصمين، وأن الثابت من عقد البيع المؤرخ 27/ 2/ 1972 الخاص بالمنزل أنه قد أشير فيه إلى أن الثمن قد دفع من المشترين حسب الفريضة الشرعية للذكر ضعف الأنثى بما يشير إلى أن المورث قصد الإيصاء ولم يقصد البيع، وأن الثابت من تقرير الخبير المقدم لمحكمة أول درجة ومن أقوال شاهدي المستأنفة التي تطمئن إليها المحكمة أن المورث كان يحتفظ بالحيازة وحق الانتفاع بالأعيان المبيعة حتى وفاته، وأن المستأنفة قد خلفته في ذلك بعد مماته وحتى الآن بالنسبة للمنزل، وأن المستأنف عليهما الأولين فقيران ولا يمكنهما دفع ثمن الأعيان المبيعة خصوصاً وأن الثمن فوق طاقتهما"، وإذ كان هذا الذي أقام الحكم قضاءه عليه سائغاً وله أصل ثابت الأوراق ومن شأنه أن يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها فإن ما يثيره الطاعنون في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض ولا يغير من ذلك ما تزيد فيه الحكم من القول بتوافر القرينة القانونية المنصوص عليها وفي المادة 917 من القانون المدني متى كانت سائر الأسباب كافية لحمل قضائه ومن ثم فإن النعي بهذا الوجه يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل النعي بالوجه الثاني أن الطاعن الثالث تمسك في دفاعه بأنه اشترى من مشتريين ظاهرين قضى بصحة ونفاذ عقديهما فإذا تبين أن هذين العقدين يستران وصية فمن حقه طبقاً للمادة 244 من القانون المدني التمسك بالعقدين الظاهرين باعتباره من الغير حسني النية وقد أغفل الحكم الرد على هذا الدفاع الجوهري فشابه بذلك قصور في التسبيب مبطل له.
وحيث إن هذا النعي بدوره غير مقبول، ذلك أن مؤدى النص في المادة 244 من القانون المدني على أنه "إذا أبرم عقد صوري فلدائني المتعاقدين وللخلف الخاص متى كانوا حسني النية أن يتمسكوا بالعقد الصوري، كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم. وإذا تعارضت مصالح ذوي الشأن فتمسك بعضهم بالعقد الظاهر وتمسك الآخرون بالعقد المستتر كانت الأفضلية للأولين"، وفي المادة 245 على أنه: "إذا ستر المتعاقدان أن عقداً حقيقاً بعقد ظاهر فالعقد النافذ فيما بين المتعاقدين والخلف العام هو العقد الحقيقي" إن المشرع نظم بهذين النصين أحكام الصورية سواء فيما بين المتعاقدين والخلف العام وفيما بينهما وبين دائنيهم والخلف الخاص، أو فيما بين هؤلاء الأخيرين، ولما كان حق دائني المتعاقدين والخلف الخاص في التمسك بالعقد الظاهر طبقاً لهذه الأحكام هو حق استثنائي مقرر لهؤلاء وأولئك في مواجهة من يتمسك بالعقد الحقيقي وذلك على خلاف القواعد العامة - إذ يستمد من عقد لا وجود له قانوناً - في حين أن حق الوارث الذي يطعن على تصرف مورثه بأنه يخفي وصية هو حق أصلي يستمده من قواعد الإرث التي تعتبر من النظام العام وتجعل واقعة وفاة المورث سبباً مستقلا لكسب الملكية ولا يستمده من المورث ولا من الوصية، ومن ثم لا يعد هذا الوارث طرفاً في أية علاقة من تلك التي تنظمها أحكام الصورية المشار إليها ولا يعتبر لذلك من ذوي الشأن الذين تجرى المفاضلة بينهم طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 244 سالفة الذكر - وهم دائنو المتعاقدين والخلف الخاص - فلا يقبل من هؤلاء وأولئك التمسك بالعقد الظاهر في مواجهة حقه في الإرث، بل يقدم حقه على حقهم في هذا الشأن، لما كان ذلك وكان لا يعيب الحكم إغفال الرد على دفاع غير منتج، فإن النعي على الحكم المطعون فيه بما ورد بهذا الوجه يكون غير مقبول.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.